مصادر التفسير - تفسير القرآن بالقرآن -
التصنيفات
- القرآن الكريم >> التفسير >> تفسير القرآن
- القرآن الكريم >> علوم القرآن >> أصول التفسير
الوصف المفصل
- مصادر التفسير - تفسير القرآن بالقرآن -
مصادر التفسير - تفسير القرآن بالقرآن -
كتبة
مساعد بن سليمان الطيار
يراد : بمصادر التفسير: المراجع الأولية التي يرجع إليها المفسر عند تفسيره لكتاب الله ، وهذه المصادر هي: القرآن، والسنة، وأقوال الصحابة، وأقوال التابعين وتابعيهم ، واللغة، والــرأي والاجـتـهـاد. وإنما قيل: »المراجع الأولية«؛ لئلا تدخل كتب التفسير؛ لأنها تعتبر مصادر ، ولكن الحديث هنا ليس عنها.
وقد اصطلح شيخ الإســــلام ابن تيمية (ت: 728هـ) على تسميتها بـ(طرق التفسير) ، ذكر منها أربعة ، وهي: القرآن ، والسنة ، وأقوال الصحابة ، وأقوال التابعين في التفسير(1).
وجعلها بدر الدين الزركشي (ت: 794هـ) مآخذ التفسير ، وذكر أمهاتها ، وهي أربع: النقل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم الأخذ بقول الصحابة ، ثم الأخذ بمطلق اللغة، ثم التفسير بالمقتضى من معنى الكلام والمقتضب من قوة الشرع(2). وسيكون الحديث عن هذه المصادر متتابعاً ـ إن شاء الله تعالى ـ .
تفسير القرآن بالقرآن:
يعتبر القرآن أول مصدر لبيان تفسيره؛ لأن المتكلم به هو أولى من يوضّح مراده بكلامه؛ فإذا تبيّن مراده به منه ، فإنه لا يُعدل عنه إلى غيره.
ولــــذا عــدّه بعض العلماء أول طريق من طرق تفسير القرآن(3) ، وقال آخر: إنه من أبلغ التفاسير(4)، وإنما يُرْجَع إلـى القـرآن لبيان القرآن؛ لأنه قد يَرِدُ إجمال في آية تبيّنه آية أخرى ، وإبهام في آية توضّحه آية أخرى ، وهكذا.
وسأطرح في هذا الموضوع قضيتين:
الأولى : بيان المصطلح.
الثانية: طريقة الوصول إلى تفسير القرآن بالقرآن.
بيان المصطلح:
التفسير: كشفٌ وبيانٌ لأمر يحتاج إلى الإيضاح ، والمفَسّر حينما يُجْري عملية التفسير ، فإنه يبيّن المعنى المراد ويوضّحه.
فتفسير المفسر لمعنى »عُطّلت« في قوله (تعالى): ((وَإذَا العِشَارُ عُطِّلَتْ)) [التكوير: 4] بأنها: أُهمِلت ، هو بيان وتوضيح لمعنى هذه اللفظة القرآنية.
وفي هذا المثال يُقَال: تفسير القرآن بقول فلان؛ لأنه هو الذي قام ببيان معنى اللفظة في الآية.
ومن هنا ، فهل كل ما قيل فيه: (تفسير القرآن بالقرآن) يعني أن البيان عن شيء في الآية وقع بآية أخرى فسّرتها ، أم أن هذا المصطلح أوسع من البيان؟
ولكي يتضح المراد بهذا الاستفسار استعرض معي هذه الأمثلة:
المثال الأول: عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: لما نزلت ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)) [الأنعام: 82].
قلنا: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، أيّنا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون ، ((لم يلبسوا إيمانهم بظلم)): بشرك ، أو لم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: ((يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان: 13]«(5).
المثال الثاني: قال الشيخ الشنقيطي (ت: 1393هـ): (ومن أنواع البيان المذكورة أن يكون الله خلق شيئاً لحِكَمٍ متعددة ، فيذكر بعضها في موضع ، فإننا نُبيّن البقية المذكورة في المواضع الأُخر).
ومثاله: قوله تعالى: ((وَهُوَ الَذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا)) [الأنعام: 97].
فإن من حِكَمِ خلق النجوم تزيين السماء الدنيا ، ورجم الشياطين أيضاً ، كما بينّه (تعالى) بقوله: ((وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ)) [الملك: 5] وقوله: ((إنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِب * وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ)) [الصافات: 6 ، 7](6).
المثال الثالث: قال الشيخ محمد حسين الذهبي: (ومن تفسير القرآن بالقرآن: الجمع بين ما يُتَوهم أنه مختلف؛ كخلق آدم من تراب في بعضٍ ، ومن طينٍ في غيرها ، ومن حمأ مسنون ، ومن صلصالٍ ، فإن هذا ذِكْرٌ للأطوار التي مرّ بها آدم من مبدأ خلقه إلى نفخ الروح فيه)(7).
نقد الأمثلة:
إذا فحصت هذه الأمثلة فإنه سيظهر لك من خلال الفحص ما يلي:
ستجد أن المثال الأول وقع فيه البيان عن المراد بالظلم بآية أخرى ، أي: إن القرآن وضّح القرآن.
لكنك هل تجد في المثالين الآخرين وقوع بيان عن آية بآية أخرى؟
ففي المثال الثاني: تجد أن المفَسّر جمع عدة آيات يربطها موضوع واحد ، وهو حكمة خلق النجوم ، فهل وقع بيان لآية بآية أخرى في هذا الجمع؟
لاشك أنه لم يقع هذا البيان ، لأن الأية الأولى التي جمع المفسر معها ما يوافقها في الموضوع لم يكن فيها ما يحتاج إلى بيان قرآني آخر.
وفي المثال الثالث: تجد أن المفَسّر جمع بين عدّة آيات تُوهم بالاختلاف ، لكن هل وقع في جمع هذه الآيات تفسير بعضها ببعض؟ أم أن تفسيرها جاء من مصدر آخر خارج عن الآيات؟
الذي يبدو أن جمع هذه الآيات أثار الإشكال؛ إذ التراب لا يُُفسّّر بالطين ، ولا بالحمأ المسنون...إلخ ، كما أن كل واحدٍ من الآخرين لا يُفسّر بالآخر؛ لأنه مختلف عنه. ولما كان الخبر عن خلق آدم والإخبار عنه مختلف احتاج المفسر إلى الربط بين الآيات ومحاولة حلّ الإشكال الوارد فيها ، ولكن الحلّ لم يكن بآية أخرى تزيل هذا الإشكال ، بل كان حلّه بالنظر العقلي المعتمد على دلالة هذه المتغايرات وترتيبها في الوجود ، مما جعل المفسر لهذه الآيات ينتهي إلى أنها مراحل خلق آدم عليه السلام ، وأن كل آية تتحدث عن مرحلة من هذه المراحل ، حيث كان آدم تراباً ، ثم طيناً ، ثم... إلخ.
وبهذا يظهر جليّاً أنّ جمع الآيات لم يكن فيه بيان آية بآية أخرى ، وإن كان في هذا الجمع إفادة في التفسير.
وبعد.. فإن النتيجة التي تظهر من هذه الأمثلة: أن كل ما قيل فيه: إنه تفسير قرآن بقرآن ، إذا لم يتحقق فيه معنى البيان عن شيء في الآية بآية أخرى ، فإنه ليس تعبيراً مطابقاً لهذا المصطلح ، بل هو من التوسع الذي يكون في تطبيقات المصطلح.
تفسير القرآن بالقرآن عند المفسرين:
ظهر مما سبق أن مصطلح (تفسير القرآن بالقرآن) قد استُعمل بتوسع في تطبيقاته ، ويبرز هذا من استقراء تفاسير المفسرين ، خاصة من نصّ على هذا المصطلـح أو إشـار إليـه في تفسيره؛ كابن كثير (ت: 774هـ) ، والأمير الصنعاني (ت: 1182هـ) ، والشنقيطي (ت: 1393هـ).
ويبدو أن كل استفادة من آيات القرآن؛ كالاستشهاد أو الاستدلال بها يكون داخلاً ضمن تفسير القرآن بالقرآن.
ومن أمثلة ذلك ما ذكره الصنعاني في تفسير قوله تعالى: ((لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) [الشعراء: 3] حيث قال: »أي قاتلها لعدم إيمان قومك.
»تكرر هذا المعنى في القرآن في مواضع: ((وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ)) [الحجر: 88] وفي الكهف: ((فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً)) [الكهف: 6]. وفي فاطر: ((فَلاتَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)) [فاطر: 8]. ونحوه: ((إن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن يُضِلّ)) [النحل: 37]. ونحو ذلك مما هو دليل على شفقته على الأمة ، ومحبته لإسلامهم ، وشدة حرصه على هدايتهم مع تصريح الله له بأنه ليس عليه إلا البلاغ«(8).
ويمكن القول: إنه ليس هناك ضابط يضبط المصطلح المتوسع بحيث يمكن أن يقال: هذا يدخل في تفسير القرآن بالقرآن ، وهذا لا يدخل فيه؛ ولذا يمكن اعتبار كتب (متشابه القرآن)(9) ، وكتب (الوجوه والنظائر) من كتب تفسير القرآن بالقرآن بسبب التوسع في المصطلح.
فكتب (متشابه القرآن) توازن بين آيتين متشابهتين أو أكثر ، وقد يقع الخلاف بينهما في حرف أو كلمة ، فيبين المفسر سبب ذلك الاختلاف.
وكتب (الوجوه والنظائر) تبيّن معنى اللفظ في عدة آيات ، وتذكر وجه الفرق فيها في كل موضع.
* المفسرون المعتنون بهذا المصدر:
إن مراجعة روايات التفسير المروية عن السلف تدل على أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت: 182هـ) كان من أكثر السلف اعتناءً بتفسير القرآن بالقرآن.
ومن أمثلة ذلك ما رواه عنه الطبري (ت: 310هـ) بسنده في تفسير قوله تعالى: ((وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ)) [الطور: 6] قال: »الموقَد ، وقرأ قول الله تعالى: ((وَإذَا البِحَارُ سُجِّرَتْ)) [التكوير: 6] قال: أُوقِدَتْ«(10).
أما كتب التفسير ، فإن من أبرز من اعتنى به ثلاثة من المفسرين هم:
(1) الحافظ ابن كثير (ت: 774هـ) في كتابه (تفسير القرآن العظيم).
(2) الأمير الصنعاني (ت: 1182هـ) في كتابه: (مفاتح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن).
(3) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت1393هـ) في كتابه: (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)(11).
* بيان بعض الأمثلة التي تدخل في المصطلَحَين:
سبق البيان عن مصطلح (تفسير القرآن بالقرآن) ، وأنه ينقسم إلى نوعين:
الأول: ما يعتمد على البيان ، والمراد أن وقوع البيان عن آية بآية أخرى يُعَدّ تعبيراً دقيقاً عن هذا المصطلح.
الثاني: ما لم يكن فيه بيان عن آية بآية أخرى ، وهو بهذا مصطلح مفتوح ، يشمل أمثلة كثيرة.
وقد مضى أن هذا التوسع هو الموجود في كتب التفسير ، وأنها قد سارت عليه ، وفي هذه الفِقْرة سأطرح محاولة اجتهادية لفرز بعض أمثلة هذا المصطلح.
أولاً: الأمثلة التي يَصْدُقُ إدخالها في المصطلح المطابق:
يمكن أن يدخـل فـي هـذا المصطلـح ما يلي:
1- الآية المخصصة لآية عامة:
ورد لفظ الظلم عاماً في قوله تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)) [الأنعام: 82]. وقد خصّه الرسول صلى الله عليه وسلم بالشرك ، واستدل له بقوله تعالى: ((إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان: 13].
ـ وفي قوله تعالى: ((وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا)) [الإسراء: 24].عموم يشمل كل أبٍ: مسلم وكافر ، وهو مخصوص بقوله تعالى: ((مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى)) [التوبة: 113].فخرج بهذا الاستغفار للأبوين الكافرين ، وظهر أن المراد بها الأبوان المؤمنان(12).
2- الآية المبيّنة لآية مجملة:
ـ أجمل الله القدر الذي ينبغي إنْفَاقُهُ في قوله تعالى: ((وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)) [البقرة: 3] ، وبين في مواضع أخر: أن القدر الـذي ينبغي إنفاقـه هـو الزائد عن الحاجة وسدّ حاجة الخَلّة التي لابد منها ، وذلك كقوله: ((وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْوَ)) [البقرة: 219] والمراد بالعفو: الزائد على قدر الحاجة التي لابدّ منها ، على أصحّ التفسيرات ، وهو مذهب الجمهور...(13).
ـ وفي قوله تعالى: ((أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ)) [المائدة: 1] ، إجمال في المتلو ، وقد بيّنه قوله تعالى: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)) [المائدة: 3].
3- الآية المقيدة لآية مطلقة:
ـ أطلق الله استغفار الملائكة لمن في الأرض ، كما في قوله تعالى: ((وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُون لِمَن فِي الأَرْضِ)) [الشورى: 5] ، وقد قيّد هذا الإطلاق بالمؤمنين في قوله تعالى: ((الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا)) [ غافر: 7].
ـ وفي قوله تعالى: ((إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ)) [آل عمران: 90] ، إطلاق في عدم قبول التوبة ، وهو مقيّد في قول بعض العلماء بأنه إذا أخّروا التوبة إلى حضور الموت ، ودليل التقييد قوله تعالى: ((وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ)) [النساء: 14].
4- تفسير لفظة غريبة في آية بلفظة أشهر منها في آية أخرى:
ورد لفظ »سِجّيل« في قوله تعالى: ((وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ)) [هود: 82] ، والممطر عليهم هم قوم لوط (عليه الصلاة والسلام) ، وقد وردت القصة في الذاريات وبان أن المراد بالسجيل: الطين ، في قوله تعالى: ((قَالُوا إنَّا أُرْسِلْنَا إلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ*لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ)) [الذاريات: 32 ، 33](15).
5- تفسير معنى آية بآية أخرى:
التسوية في قوله تعالى: ((يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ)) [النساء: 42] ، يراد بها: أن يكونوا كالتراب ، والمعنى: يودّون لو جُعِلوا والأرض سواءً ، ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: ((وَيَقُولُ الكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً)) [النبأ: 40](16).
ثانياً: أمثلة للمصطلح المتوسع:
يمكن أن يدخـل في هـذا النوع كل آية قرنت بأخرى على سبيل التفسيـر ، وإن لـم يكـن فـي الآيــة ما يشكل فتُبَيّـنـُهُ الآية الأخـرى ، ومن أمثلته ما يلي:
1- الجمع بين ما يُتوهم أنه مختلف:
سبق مثال في ذلك ، وهو: مراحل خلق آدم(17) ، ومن أمثلته عصا موسى (عليه الصلاة والسلام)؛ حيث وصفها مرة بأنها ((حَيَّةٌ تَسْعَى)) [طه: 20] ، ومرة بأنها ((تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانّ)) [النمل: 10] ، ومرة بأنها ((ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ)) [الأعراف: 107] ، فاختلف الوصف والحدث واحد ، وقد جمع المفسرون بين هذه الآيات: أن الله (سبحانه) جعل عصا موسى كالحية في سعيها ، وكالثعبان في عِظَمها ، وكالجان (وهو: صغار الحيّات) في خِفّتِها(18).
2- تتميم أحداث القصة:
إذا تكرر عرض قصة ما في القرآن فإنها لا تتكرر بنفس أحداثها ، بل قد يزاد فيها أو ينقص في الموضع الآخر ، ويَعْمَدُ بعض المفسرين إلى ذكر أحداث القصة متكاملة كما عرضها القرآن في المواضع المختلفة ، ومثال ذلك:
قوله (تعالى): ((إذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ)) [طه: 40] ، حيث ورد في سورة القصص ثلاثــة أمور غيــر واردة في هذه الآية ، وهي:
1- أنها مرسلة من قبل أمها.
2- أنها أبصرته من بُعدٍ وهم لا يشعرون.
3- أن الله حرّم عليه المراضع.
وذلك في قوله (تعالى): ((وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)) [القصص: 11 ، 12](19).
3- جمع الآيات المتشابهة في موضوعها:
قال الشنقيطي في قوله (تعالى): ((قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَذِي يَقُولُونَ)) [الأنعام: 33].
قال: »صرح (تعالى) في هذه الآية الكريمة بأنه يعلم أن رسوله يَحْزُنُه ما يقوله الكفار في تكذيبه ، وقد نهاه عن هذا الحـزن المفـرط في مواضع أخرى كقوله: ((فَلا تَذْهَبْ نَفْسُـكَ عَلَيْهِـمْ حَسَرَات)) [ فاطر: 8] ، وقولـه: ((فَلا تَأْسَ عَلَى القَـوْمِ الكَافِـرِينَ)) [المائدة: 68] ، وقولـه: ((فَلَعَلَّكَ بَاخِـعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِـمْ إن لَّمْ يُؤْمِنُـوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً)) [الكهف: 6] ، وقوله: ((لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) [الشعراء: 3].
والباخع: المهلك نفسه...إلخ(21).
4- جمع موارد اللفظة القرآنية:
قد يورد المفَسّر »وصفاً« وُصف به شيء ، ثم يذكر الأشياء الأخرى التي وصفت به ، أو يعمد إلى لفظة فيذكر أماكن ورودها ، ومن أمثلة الأول:
* قال: الأمير الصنعاني »والبقعة مباركة (لما)(21) وصفها الله لما أفاض (تعالى) (فيه)(22) من بركة الوحي وكلام الكليم فيها.
كما وصف أرض الشام بالبركة ، حيث قال: ((وَنَجَّيْنَاهُ)) أي: إبراهيم ((وَلُوطاً إلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء: 71]
ووصف بيته العتيق بالبركة في قوله: ((إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ)) [ال عمران: 96].
ووصف شجرة الزيت بالبركة في قوله: ((شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ)) [النور: 35](23).
* ومن أمثلة الثاني قوله: »وسمّى الله كتابه هدى في آيات: ((ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)) [البقرة: 2] ، ((إنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)) [الإسراء: 9] ، ((قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)) [ فصلت: 44] ، وفي لقمان: ((هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ)) [لقمان: 3] ، وفي النحل: ((تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)) [النحل: 89] ، فهو هدى وبشرى للمسلمين والمحسنين ، وفي يونس: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)) [يونس: 57](24).
طريقة الوصول إلى تفسير القرآن بالقرآن:
التفسيـر إمـا أن يكـون طريقه النقـل ، وإما أن يكون طريقه الاستدلال ،
والأول: يطلق عليه (التفسير المأثور) ،
والثاني: يطلق عليه (التفسير بالرأي).
ومن هنا فإن تصنيف (تفسير القرآن بالقرآن) ، في أحدهما يكون بالنظر إلى القائل به أولاً ، لا إلى طريقة وصوله إلى ما بعد القائل؛ لأن ذلك طريقهُ الأثر.
وتفسير القرآن بالقرآن ينسب إلى الذي فسّر به ، فالمفَسّـر هـو الذي عَمَدَ ـ اجتهاداً منه ـ إلى الربط بين آية وآية ، وجعل إحداهما تفسر الآخرى.
وبهذا فإن طريق الوصول إليه هو الرأي والاستنباط ، وعليه فإنه لا يلزم قبول كل قول يرى أن هذه الآية تفسر هذه الآية؛ لأن هذا الاجتهاد قد يكون غير صواب.
كما أنه إذا ورد تفسير القرآن بالقرآن عن مفسر مشهور معتمد عليه فإنه يدلّ على علو ذلك الاجتهاد؛ لأنه من ذلك المفسر.
فورود التفسير به عن عمر بن الخطاب أقوى من وروده عن من بعده من التابعين وغيرهم ، وهكذا.
حُجّيّةُ تَفْسير القرآن بالقرآن:
كلـمــا كـــان تفسير القرآن بالقرآن صحيحاً ، فإنه يكون أبلغ التفاسير ، ولذا: فإن ورُود تفسير الـقـرآن بالقرآن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبلغ من وروده عن غيره؛ لأن ما صح مما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مَحَلّهُ القبول.
بيد أن قبوله لم يكن لأنه تفسير قرآن بقرآن ، بل لأن المفسّر به هو النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن أمثلة تـفـسـيـره الـقـــرآن بالقرآن ما رواه ابن مسعود: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مفاتح الغيب(26) خمسٌ ، ((إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [لقمان: 34](26).
أما ورود تفسير القرآن بالقرآن عن غير الرسول فإنه قد قيل باجتهاد الـمفسر ، والاجتهاد معرض للخطأ.
وبهـذا لا يمكن القول بحجيّـة تفسير القـرآن بالقـرآن مطلقاً ، بحيث يجب قبوله ممن هو دون النبي -صلى الله عليه وسلم- ، بل هو مقيد بأن يكون ضمن الأنــواع الـتـي يجـــب الأخذ بها في التفسير(27).
هذا.. وقد سبق البيان أن تفسير القرآن بالقرآن يكون أبلغ الـتـفـاسـير إذا كان المفسّرُ به من كبار المفسرين من الصحابة ومن بعدهم من التابعين.
وأخيراً:
فإن كون تفسير القرآن بالقرآن من التفسير بالرأي ، لا يـعـنـــي صعوبة الوصول إليه في كل حالٍ ، بل قد يوجد من الآيات ما تفسّر غيرها ـ ولا يكاد يختلف في تفسيرها اثنان ، مثل تفسير »الطارق« في قوله (تعالى): ((وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ)) [الطارق: 1] بأنه يُفسر بقوله (تعالى): ((النَّجْمُ الثَّاقِبُ)) [الطارق: 3] ، ومثل هذا كثيرٌ في القرآن ، والله أعلم.
الهوامش :
(1) مقدمة في أصول التفسير ، (ت: د. عدنان زرزور) ، ص93 وما بعدها.
(2) انظر: البرهان في علوم القرآن ، جـ2 ، ص156-164.
(3) شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمته في (أصول التفسير) ، (ت: عدنان زرزور) ، ص93.
(4) ابن القيم في (التبيان في أقسام القرآن) ، (ت: طه شاهين) ، ص116.
(5) رواه الإمام البخاري ، انظر: فتح الباري (ط: الريان) ، جـ6 ، ص448 ، ح3360.
(6) أضواء البيان ، جـ1 ، ص87.
(7) التفسير والمفسرون ، جـ1 ، ص42.
(8) مفاتح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن ، للأمير الصنعاني ، تحقيق عبد الله بن سوفان الزهراني (رسالة ماجستير ، على الآلة الكاتبة) ص71،72 ، وانظر: الأمثلة التي سبق نقلها عن الشنقيطي ومحمد حسين الذهبي.
(9) تنقسم الكتابة في متشابه القرآن إلى قسمين:
الأول: ما يتعلق بالمواضع التي يقع فيها الخطأ في الحفظ لتشابهها ، وهذه الكتب تخص القراء.
الثاني: ما يتعلق بالخلاف في التفسير بين الآيات المتشابهة ، وهذا المقصود هنا ، ككتاب (البرهان في متشابه القرآن) للكرماني وغيره.
(10) تفسير الطبري ، جـ27 ، ص19 ، وانظر له في الجزء نفسه ص22 ، 37 ، 38 ، 61 ، 69 ، 74 ، 76 ، 92 ، 113 ، 120 ، وفي الجزء نفسه عن علي ص18 ، وابن عباس ، ص55 ، 72 ، وعكرمة ، ص72.
(11) يمكن أن يستنبط من هذا الموضوع دراسات علمية مقترحة ، وهي كالتالي:
1- جمع مرويات السلف في (تفسير القرآن بالقرآن) ودراستها؛ لإبراز طرق استفادة السلف من القرآن ومنهجهم في ذلك.
2- دراسة منهج تفسير القرآن بالقرآن عند ابن كثير والصنعاني والشنقيطي ، وطرق إفادتهم من القرآن في التفسير ، مع بيان الفرق بينهم في هذا الموضوع.
(12) انظر: تفسير الطبري ، جـ15 ، ص6768 ، والتحرير والتنوير ، جـ15 ، ص72.
(13) انظر: أضواء البيان ، جـ1 ، ص107،108.
أضواء البيان جـ1 ص 343.
(14) انظر: أضواء البيان ، جـ1 ، ص343.
(15) انظر: أضواء البيان ، جـ1 ، ص86.
(16) انظر: تفسير الطبري ، جـ5 ، ص93 ، والحجة للقراءات السبعة لأبي علي الفارسي ، جـ1 ، ص246.
(17) انظر: ص4 من المجلة نفسها.
(18) انظر: أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة من غرائب آي التنزيل ، للرازي ص327 ، وكشف المعاني في المتشابه من المثاني ، ص282،283 ، وتيجان البيان في مشكلات القرآن ، للخطيب العمري ، ص173.
(19) انظر: أضواء البيان ، جـ4 ، ص408.
(20) أضواء البيان، جـ2، ص189، وانظر:مفاتح الرضوان للأمير الصنعاني، ص71،72.
(21) كذا في الأصل وانظر: حاشية 2، ص194 من التحقيق ، حيث قال المحقق: والصواب (كما).
(22) الصواب (فيها) انظر: حاشية 7 ، ص194 ، من التحقيق.
(23) مفاتح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن ، ص194.
(24) المصدر السابق ، ص188،189.
(25) وردت في قوله (تعالى): ((وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ)) [الأنعام: 59].
(26) رواه البخاري ، انظر: فتح الباري ، جـ8 ، ص141.
(27) سبق أن طرحتها في مجلة البيان ، ع76 ، ص15.
ثلاث مسائل متممة للحديث عن التفسير بالسنة:
المسألة الأولى: التفسير بالسنة عند المحدّثين:
يورد المحدثون التفسير النبوي والتفسير بالسنـة فـي كتبهـم تحـت كتـاب يعـنـونونـه بـ (كتاب التفسير).
ومـمــن كـتـب فـي هــذا الباب: الإمام البخاري في صحيحه، والنسائي في سننه الكبرى، والترمذي في سننه، والحاكم في مستدركه(1).
وما أريد إبرازه هنا أمران:
الأول: أن استعمالهم للتفسير بالسنة كثير.
الثاني: أن ربطهم معنى الحديث بالآية وذكر ذلك تحت آية من الآيات التي يعنونون بها الأبواب هو اجتهاد خاص بهم، مما يعني أنهم شاركوا في هذا الجانب من التفسير.
وقد كان هؤلاء المحدّثــون يـحــرصـون على إيراد مايصلح من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- تفسيراً لآية، ولو من طرف خفي.
بل كانوا يذهبون إلى أبعد من ذلك، حيث يوردون مايتعلق بالآية من الأحاديث لأي سبب كان؛ كذكر بعض لفظ الآية في الحديث أو ذكر قراءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لتلك الآية في زمن مخصوص، أو غير ذلـك مــن الأسـبـاب، وهـــــذا يدل عـلـى مدى حرصهم واهتمامهم بربط الآية بما يتعلق بها من الحديث النبوي، وإن لم يـكــن جـائـيـاً فـي مساق التفسير، وقد أشار إلى هذا بعض شراح صحيح الإمام البخاري، ومنهم:
1- أبو مسعود الكنهكوهي (ت: 1323)، قال: ثم الذي ينبغي التنبه له: أن التفسير عند هــؤلاء الـكرام أعمّ من أن يكون شرح كلمة، أو بيان مايُقرأ بعد تمام سورة، ولا أقّل من أن يكون لفظ القرآن وارداً في الحديث.
وكون الأمــــور المتقدمة من التفسير ظاهر(2)، وإنما الخفاء في هذا الأخير والنكتة فيه: أن لفظ الحديث يفـســر لفـظ الـقـــرآن بحـيــث يُعلم منه أن المراد في الموضعين واحد، وكثيرا مايُكشف معنى اللفظ بوقوعه في قصة وكــــلام لايتضح مراده لو وقع هذا اللفظ في غير تلك القصة؛ فإذا لاحظ الرجـل الآية والرواية معا كانت له مُكنة على تحصيل المعنى(3)).
2- وقال (صاحب الفيض): (ثم اعلم أن تفـسـير المصنف (أي: البخاري) ليس على شاكلة تفسير المتأخرين في كشف المغلقات، وتقرير الـمسائل، بل قصد فيه إخراج حديث مناسب متعلق به ولو بوجه)(4).
وبهذا يتلخص أن المحدّثين يوردون من كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما يصلح أن يكون تفسيرا، كما يوردون ما يتعلق بالآية ـ من كلامه أوفعله ـ لأدنى سبب.
ومن أمثلة الأول (ما يصلح من كلامه تفسيرا):
1- ترجـم البخـاري فـي بـاب: ذكـر إدريس (عليه السلام) بقوله (تعالى): ((ورفعناه مكانْا عليا)) [مريم: 57] ثم روى تحت هذا الباب حديث المعراج، وفيه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجد في السموات إدريس وموسى وعيسى....)
2- وذكر النسائي تحت قوله (تعالى): ((فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)) [ الـنـســـاء: 140] حديـث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قــــال: (ويـلٌ للـذي يحـدث القـوم فيكذب، فيضحـك بـه القـوم، ويلٌ له، ويلٌ له)(6).
3- وذكر الترمذي في تفسير قوله (تعالى): ((فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ)) [السجدة: 17] حديث المغيرة بن شعبة، يرفعه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: (إن موسى ـ عليه السلام ـ سأل ربه، فقال: أي رب، أي أهل الجنة أدنى منزلة؟ قال: رجل يأتي بعدما يدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: أدخل الجنة.
فيقول: كيف أدخل الجنة وقد نزلوا منازلهم، وأخذوا أخذاتهم، قال: فيقال له: أترضى أن يكون لك ما كان لملك من ملوك الدنيا؟
فيقول: نعم، أي ربّ، قد رضيت. فيقال له: فإن لك هذا، ومثله، فيقول رضيت أَيْ ربّ.
فيقال له: فإن لك هذا، وعشرة أمثاله. فيقول: رضيت أي ربّ، فيقال له: فإن لك مع هذا ما اشتهت نفسك، ولذت عينك)(7).
ومن أمثلـة الثاني (مايكـون لأدنى سبب ):
1- ماذكره البخاري تحت باب ((وهوألد الخصام)) [البقرة: 204]، من حديث عائشة (رضي الله عنها)، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أبغضُ الرجال إلى الله الألد الخَصِم)(8).
2- وتحت تفسير قوله (تعالى): ((قالوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأََنَّنَا مُسْلِمُونَ)) [المائدة: 111] أورد النسائي أثر ابن عباس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في ركعتي الفجر: في الأولى منهما إلى قولـه: ((قولوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إلَيْنَا)) [البقرة: 136] إلى آخر الآية، وفي الأخرى ((قالوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأََنَّنَا مُسْلِمُونَ)) [المائدة:111](9).
المسألة الثانية: نظرة وصفية لأمثلة التفسير النبوي:
من خلال إلقاء نظرة سريعة على الوارد من التفسير النبوي يمكن فهرسة الأمثلة تحت عناوين كالتالي:
1- بيان معنى لفظة:
إن المتأمل في ما نقله الصحابة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يلاحظ أنهم لم يوردوا عنه تفسيراً للألفاظ، ويظهر ـ والله أعلم ـ أن ذلك بسبب معرفتهم المعاني اللغوية؛ لأنهم عرب يفهمون معاني الخطاب، ولو ورد لهم استشكال في فهم ألفاظه أو مدلولاته اللغوية لسألوا عنها، ومما يدل على ذلك حديث ابن مسعود في نزول آية: ((الذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ)) [الأنعام: 82] فهم فهموا الظلم بمعناه العام في لغتهم (أي أنهم استشكلوا مدلول لفظة: الظلم) فشق عليهم هذا الخطاب حتى بينه لهم رسول الله.
إذن .. لم يكن الصحابة بحاجة إلى بيان المفردات اللغوية، ولذا لم يرد في التفسير النبوي إلا نادراً، ومنه ماجاء عن أبي سعيد الخدري من تفسير الرسول -صلى الله عليه وسلم- للفظة (وسطاً) من قوله (تعالى):-((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) [البقرة: 143] قال (والوسط العدل) (10).
2- بيان حكم فقهي في الآية:
قد يرد الحكم في آية مطلقا فيذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- مزيد بيان له، وذلك إما بتحديد مقدار الحكم الفقهي، أو تخصيص اللفظ العام أو غير ذلك.
ومن تحديد المقدار: مارواه البخاري في تفسير قوله (تعالى): ((فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أََوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّاًسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أوْ صَدَقَةٍ أََوْ نُسُكٍ)) [البقرة: 196] عن كعب بن عجرة قال: حملت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ماكنت أرى أن الجهد قد بلغ بك هذا، أما تجد شاه؟
قلت: لا
قال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك) فنزلت فيّ خاصة، وهي لكم عامة(11).
فأنت ترى أن البيان القرآني لم يحدد المقدار في الفدية، فلما فسر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فسرها بالمقدار، وأنت تعلم أن هذا أحد أنواع بيان السنة للقرآن.
ومن تخصيص العام في الحكم الفقهي، مارواه مسلم عن أنس قال: كانت اليهود إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله (عز وجل) ((َيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ)) [البقرة: 222] إلى آخر الآيـة، فقال رسـول اللـه: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)(12).
فلو أُخذ بظاهر العموم في قوله (فاعتزلـوا) لفهم أن اعتزال المرأة عام: في مؤاكلتها ومشاربتها ومخالطتها ومجامعتها، فكان هذا البيان النبوي مخصصا لذلك العموم القرآني.
3- بيان المشكل:
إنما يعرف المشكل بسؤال الصحابة عنه؛ لأن السؤال لايقع إلا بعد استشكال ـ في الغالب ـ ومن أمثلة ماسأل عنه الصحابة: حياة الشهداء.
قال مسروق: سألنا عبد الله عن هذه الآية: ((َولا تَحْسَبَنَّ الَذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)) [آل عمران: 169] فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فأخبرنا أن أرواحهم في جوف طير خضرٍ، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل..) الحديث (13).
وعن المغيـرة بن شعبـة (رضى الله عنه) قال: لما قدمتُ نجران سألوني: إنكم تقرؤون: ((ياأخت هارون)) [مريم: 28] وموسى قبل عيسى بكذا وكذا.
فلما قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألتـه عن ذلك فقال: إنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم) (14).
4- ذكر مصداق كلامه من القرآن:
ورد في تفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة يذكر فيها مصداق كلامه من القرآن، وتأتي عبـارات: (ثم قرأ) (اقرؤا إن شئتم) (مصداق ذلك من كتاب الله)، ومن ذلك مارواه ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة لقي الله وهو عليه غضبان، وقال عبد الله: ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصداق ذلك من كتاب الله جل ذكره: ((إنَّ الَذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ..)) [آل عمران: 77](15).
5- بيان مبهم:
القاعدة الغالبة أن ما أبهمه القرآن فلا فائدة عملية تنال من ذكره، ومع ذلك فإنه ورد سؤال الصحابة عن ذلك، إلا أنه نادر، ومن ذلك ما رواه مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: مرّ بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، قال: قلت له: كيف سمعت أباك يذكر المسجد الذي أسس على التقوى؟.
قال: قال أبي: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت بعض نسائه، فقلت: يارسول الله، أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟
قال: فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا؛ لمسجد المدينة.
قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره)(16).
أخيراً..
هذه بعض الأمثلة للتفسير النبوي، والموضوع يحتاج إلى جمع وتأمل لتحديد نوع المثال، مما يفيد في معرفة ماكان يحتاجه الصحابة من البيان النبوي للقرآن، ولعل أقرب ما يذكر هنا هو ندرة ماورد عنه صلى الله عليه وسلم من بيان معنى غريب القرآن؛ مما يترتب عليه أن فهم عربية القرآن كان موكولًا للصحابة (رضي الله عنهم)، والله أعلم.
المسألة الثالثة: ما يستفاد من التفسير النبوي في أصول التفسير:
إن النظر في التفسير النبوي، واستنطاق الأمثلة التفسيرية فيه يفيد في جوانب عدة، ومما يفيده هنا أن طريقة التفسير النبوي أصل معتمد في التفسير، فإذا ورد عنه تعميم للفظ، أو تفسير بمثاٍل، أو غير ذلك، حُكِم بصحة هذه الأساليب التفسيرية في التفسير، وأنها في المجال الذي يمكن الاقتداء به ولاقياس عليه.
كما أنه يفيد في بيان صحة بعض الأساليب التي اعتمدها المفسرون من السلف.
ثم إن هذا يفيد في تصحيح بعض مرويات السلف التي جاءت مخالفة للعبارة النبوية في التفسير، ذلك أن تحرير هذه الأساليب في التفسير النبوي يبين مدى احتمال النص لغير عبارة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيما أظن ـ حسب علمي ـ أن (فِقهَ النصّ التفسيري) من التفسير النبوي لم يلق عناية من هذا الجانب، ولذا قمت بهذه المحاولة الاجتهادية لبيان هذه الفكرة من خلال أمثلة توضح ذلك.
إن مثل هذه الدراسة السريعة لا تكفي في تأصيل قضية كهذه، ولكنه جهد المقل، وبذرة ألقيها لتجد طريقها إلى النماء ـ إن شاء الله ـ وإليك أخي القارئ عرض الأمثلة:
* المثال الأول:
عن عقبة بن عامر (رضي الله عنه) قال: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ـ وهو على المنبر ـ يقول: ((وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةُ)) [الأنفال: 60] ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)(17).
وجاء عن جمع من السلف ما يلي:
1- لقوة: الرمي من القوة (مكحول).
2- لقوة: الرمي والسيوف والسلاح (ابن عباس)
3- مرهم بإعداد الخيل (عبّاد بن عبد الله ابن الزبير)
4- لقوة: ذكـور الخيـل (عكرمة ومجاهد) .
5- لقوة: الفرس إلى السهم ومادونه (سعيد بن المسيب) (18).
لقد فسر الرسول -صلى الله عليه وسلم- القوة بالرمي، فهل يُطّرح ماورد عن السلف من عبارات مخالفة لما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم-، ويقال: مادام النص قد ثبت طاح ما دونه.
أم يقال: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يشير إلى القوة التي هي أنكى أنواع القوة، وأشدها تأثيراً في الحرب؟.
الذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أراد هذا، وقد أشار إلى ذلك الإمام الطبري فقال: (والصواب من القول في ذلك أن يقـال: إن اللـه أمر المؤمنـين بإعـداد الجهاد وآلـة الحرب، ومايتقوون به على جهـاد عـدوه وعدوهـم من المشركـين من السلاح والرمـي، وغيـر ذلك، ورباط الخيــل.
ولا وجه لأن يقال: عنى بالقوة معنى من معاني القوة، وقد عمّ الله الأمر بها.
فإن قال قائل: فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد بين أن ذلك مراداً به الخصوص؛ بقوله: (ألا إن القوة الرمي). قيل له: إن الخبر وإن كان قد جاء بذلك، فليس في الخبر مايدل على أنه مراد به الرمي خاصة دون سائر معاني القوة عليهم، فإن الرمي أحد معاني القوة؛ لأنه إنما قيل في الخبر: (ألا إن القوة الرمي) ولم يقل: دون غيرها.
ومن القوة ـ أيضا: السيف والرمح والحربـة، وكل ماكـان معونـة علــى قتــال المشركــين، كمعونـة الرمـي، أو أبلـغ من الرمـي فيهـم وفـي النكايـة منهـم. هذا مع وهـاء سنـد الخبر بذلك عن رسول الله)(19).
وبهذا يمكن القول أنه لما لم يكن في تفسير الرسول -صلى الله عليه وسلم- مايدل على التخصيص، دل ذلك على أن مراده التمثيل، ولما مثل للقوة ذكر أعلى القوة وأشدها.
وإذا كان ذلك كذلك فإن روايات السلف لاتكون معارضة للتفسير النبوي، ولذا يصح قبولها والتفسير بها؛ لأنها تدخل في عموم القوة.
ونتيجة القول: أن التفسير بالمثال أسلوب صحيح في التفسير؛ لأنه وارد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مثل هذا الحديث، والله أعلم
* المثال الثاني:
عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: مفاتح الغيب خمس: ((إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَـمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَـدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَـداً وَمَا تَـدْرِي نَفْـسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [لقمان: 34](.2).
في هذا المثال تجد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسر (مفاتح الغيب) في قوله تعالى: ((َوَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ...)) [الأنعام: 59] بآية لقمان: ((إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ...)) [لقمان: 34].
ويمكن القول: إن تفسير القرآن بالقرآن مسلك صحيح من مسالك التفسير بناء على هذا المثال.
ولعلك تقول: إن هذا المسلك واضح ومعروف مشهور.
فأقول لك: إن المراد هنا تأصـيـلـه بوروده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ في وروده عنه ماينبه إلى استعمال هذا المسلك.
ومما يدل على ذلك أن الصحابة لـمــا اسـتـشـكـلوا قوله (تعالى): ((الذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)) [الأنـعام: 82] قال لهم: إنه ليس بـذاك ألا تسمـعُ إلى قـول لقمـان لابنه: ((إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان: 13](21).
فـكــأنه -صلى الله عليه وسلم- يرشدهم إلى هذا المـسـلـك بقوله: (ألا تسمع)، وكان يمكن إجابتهم وحل إشكالهم بدون الإشارة إلى الآية والله أعلم.
وأخيراً..
إذا كان يمكن استنباط بعض الأساليب التفسيرية في التفسير النبوي والقياس عليها، فإن هناك مالايقاس عليه، ومنه:
أولاً: أن يكون التفسير في بيان حكم شرعي:
عن أنس بن مالك قال: (كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن فـي الـبـيـوت. فـســأل أصـحــــاب الـنـبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله عز وجل ((ويَسْأَلُونَـكَ عَـنِ المَحِيضِ قُـلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ))[البقرة: 222].
فقال رسول الله : (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)(22).
إن قول الله (تعالى): ((فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ)) لفظ عام، ويمكن أن يفهم منه اعتزال النساء في المؤاكلة والمنام والبيوت، فذكر الـرســـول -صلى الله عليه وسلم- مــا يـدل على تخصيص الاعتزال بالمجامعة دون غيرها من المعاشرة.
ثانيا: أن يكون التفسير لبيان أمر غيبي:
عن مسروق قال: سألنا عـبــد الله بن مـسـعـود عن هذا الآية ((َولا تَحْسَبَنَّ الَذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُـونَ)) [ال عمران: 169]. فقال:
أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسر ح من الجنة حيث شـاءت ثم تأوي إلى تلك القناديـل)(23).
إن صفة حياة هؤلاء الشهداء لايمكن إدراكـهــا إلا عــن سـمــاع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولذا سأل الصحابة عن هذه الحياة الخاصة بالشهداء.
إنه في مثل هذين المثالين لايمكن استنباط (أسلوب تفسيري (لأن الـمـجـال فـي هــــذا ليس مفتوحا بحيث يمكن الاستنباط منه، بل هو محدد لبيان حكم شرعي أو أمر غيبي، ولـــذا يقف المفسر عند النص ولايمكنه تجاوزه، ليستفيد منه في نص آخر يقيسه عليه.
الهوامش:
(1) كان ابن كثير من أكثر المفسرين تأثرا بهذا المنهج الذي عند المحدثين.
(2) ماذكره من قوله: (بيان مايقرأ بعد تمام سورة) ظاهر أنه ليس من التفسير، فتأمل.
(3) لامع الدراري: 9/4ـ5.
(4) انظر: لامع الدراري: 9/4 (حاشية رقم[1]).
(5) انظر: فتح الباري 6/431.
(6) السنن الكبرى 6/ 329
(7) سنن الترمذي 5/347.
(8) انظر: فتح الباري 8/36 ومثله النسائي في السنن الكبرى 1/301
(9) السنن الكبرى للنسائي 6/339.
(10) رواه البخاري (فتح الباري 8/21).
(11) رواه البخاري (فتح الباري 8/34).
(12) رواه مسلم ح/رقم 302.
(13) أخرجه مسلم ح/ 1887.
(14) رواه مسلم ح/2135.
(15) رواه البخاري.
(16) رواه مسلم ح/1398.
(17) رواه الإمام مسلم ح/1917.
(18) انظر: الدر المنثور: 4/83 ومابعدها.
(19) تفسير الطبري (ط: شاكر (14/37. وما ذكر الطبري من وهاء السند؛ لأنه رواه من طريق ابن لهيعة (14/3) ولذا ضعفه ـ فيما يظهر ـ ولم يكن عنده له إسناد آخر، والحديث ـ كما علمت ـ رواه مسلم وغيره، فلا شك في صحته.
(20) رواه البخاري في مواضع من صحيحه (فتح الباري 8/141 (ومن الطريف في تفسير القرآن بالقرآن عند النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر آيتين من سورة الأنعام بآيتين من سورة لقمان ).
(21) رواه البخاري في مواضع من صحيحه (فتح الباري 8/372).
(22) رواه مسلم برقم 302.
(23) رواه مسلم برقم 1887.