×
الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام: هذا بحثٌ مختصرٌ بيَّن فيه المُصنِّف - وفقه الله - بعضَ معاني ما تضمَّنته آيات سورة الأنعام من وصايا عظيمةٍ، وهي المُسمَّاة بـ «الوصايا العشر».

 الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام

صغير بن علي الشمري

 مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده رسوله ﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾([1]).

﴿يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾([2]).

﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾([3]).

أما بعد، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد:

فهذا بحث مختصر بعنوان: (الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام) مبينًا فيه ما تضمنته هذه الآيات الكريمات من وصايا عظيمة، وهذه نبذة مختصرة عن سورة الأنعام.

سورة الأنعام مكية إلا آيات يسيرة، وعدد آياتها (165) آية. قال القرطبي رحمه الله: وهي مكية في قول الأكثرين. وقال ابن عباس وقتادة: هي مكية كلها إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة، قوله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾([4]) نزلت في مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف اليهوديين، والأخرى قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾([5]) نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، وقال ابن جرير: نزلت في معاذ بن جبل، قال الماوردي، وقال الثعلبي: سورة الأنعام مكية إلا ست آيات نزلت بالمدينة، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾([6]) إلى آخر ثلاث آيات، ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾([7]) إلى آخر ثلاث آيات، وقال ابن عطية: وهي الآيات المحكمات – إلى قوله.

تنبيه:

قال العلماء: هذه السورة أصل في محاجَّة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومَنْ كذَّب بالبعث والنشور وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة؛ لأنها في معنى واحد من الحجة ([8]).

قلت: قال ابن عباس: إذا سرَّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ إلى قوله: ﴿قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)﴾([9]). انتهى كلام ابن عباس ([10]).

تنبيه: قد ورد في فضل سورة الأنعام عدة أحاديث أعرضت عن ذكرها لعدم علمي بصحتها ولم أقف على تصحيح أحد لها من الأئمة، فأتورع عن ذكرها حتى لا أنسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله.

والله أعلم

*     *     *


 تمهيد

معنى الوصية في اللغة: قال الجوهري: أوصى له بشيء وأوصى إليه: جعله وصيه، والاسم الوصاية بفتح الواو وكسرها، وأوصاه ووصاه توصية بمعنى، والاسم: الوصاة، وتواصى القوم: أوصى بعضهم بعضًا ([11]).

والوصية في الشرع: قال ابن منظور: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾([12]) معناه: يفرض عليكم؛ لأن الوصية من الله إنما هي فرض، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾([13])، وهذا من الفرض المحكم علينا([14]).

قلت: والوصية في قوله: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾([15]) هي وصية من الله لعباده بأن يلتزموا بما وصَّاهم به في هذه الآيات ليسعدوا في الدنيا والآخرة.

أسأل الله السعادة لي ولمشايخي ولإخواني يوم المعاد.

*     *     *


الموضوع

الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام

قال الله – تبارك وتعالى -: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾([16]).

*     *     *


 الباب الأول: في بيان أكبر الكبائر التي أمر الله باجتنابها

الفصل الأول: النهي عن الشرك.

الفصل الثاني: الوصية بالوالدين والنهي عن عقوقهما.

الفصل الثالث: النهي عن قتل الأولاد.

الفصل الرابع: في النهي عن اقتراب الفواحش.

الفصل الخامس: النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.

الفصل السادس: النهي عن أكل مال اليتيم.


 الفصل الأول: النهي عن الشرك

 المبحث الأول: تعريف الشرك

الشرك في اللغة: قال ابن منظور: الشريك. والجمع أشراك وشركاء، يقال: شريك وأشراك، يقال: شاركت فلانًا: صرت شريكه، وشركته في البيع والميزان ([17]).

والشرك في الشرع: قال ابن منظور: والشرك أن تجعل لله ندًّا في ربوبيته أو ألوهيته([18]).

قلت: والشرك: هو اتخاذ العبد ندًّا من دون الله يسويه بربه يحبه كحب الله، ويخشاه كخشية الله، ويلتجئ إليه ويدعوه ويخافه ويرجوه ويتوكل عليه ويستغيث به، ونحو ذلك ([19]).

*     *     *

 المبحث الثاني: أنواع الشرك

قسَّم العلماء الشرك إلى نوعين:

أحدهما: أكبر، وهو المخرج من الملة.

والآخر: أصغر، وهو الذي لا يخرج من الملة.

فالأول: يحبط جميع الأعمال، والآخر: يحبط العمل الذي خالطه الشرك ولا يحبط الأعمال الخالصة لله، فمثال الأول: عبادة غير الله، والدليل قول الحق تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾([20] ومثال الثاني: يسير الرياء، وقول: ما شاء الله وشئت والدليل: حديث محمود بن لبيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» فسُئِل عنه فقال: «الرياء»([21]). وحديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان»([22]).

قلت: وللاطلاع على هذا التقسيم يرجع إلى «أعلام السنة» للحكمي رحمه الله([23]).

فائدة: ما الفرق بين الواو وثم في الحديث المتقدم ونحوه من الأحاديث؟

العطف بالواو يقتضي المقارنة والتسوية فيكون مَنْ قال: ما شاء الله وشئت. قارنًا مشيئة العبد بمشيئة الله، بخلاف العطف بثم المقتضية للتبعية، فمن قال: ما شاء الله ثم شئت، فقد أقرَّ بأن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى، فلا تكون مشيئة العبد إلا بعد مشيئة الله([24]).

*     *     *

 المبحث الثالث: في عقوبة الله للمشركين

من العقوبات للمشركين أن الله حرَّم عليهم الجنة ومأواهم النار، فقد قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾([25] وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾([26])، ومنها أنهم حُرِمُوا دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾([27]).

قلت: النهي عن الشرك هو أول وصية في آيات الأنعام.

*     *     *


 الفصل الثاني: الوصية بالوالدين والنهي عن عقوقهما

 المبحث الأول: الآيات التي جاء الأمر فيها بطاعة الوالدين والإحسان إليهما

أحد هذه الآيات وصية الله لعباده في آية سورة الأنعام قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾([28] قال القرطبي رحمه الله: الإحسان إلى الوالدين برهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أمرهما وإزالة الرق عنهما وترك السلطنة عليهما([29]).

قلت: وقَرن الله تعالى الإحسان إلى الوالدين بعبادته فقال: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾([30])، وأمر الله ببر الوالدين وإن كانا كافرين، فقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾([31] قال ابن كثير رحمه الله: ولهذا قَرَنَ بعبادته بر الوالدين فقال: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ أي وأمر بالوالدين إحسانًا لقوله في الآية الأخرى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ وقوله: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ أي: لا تسمعهما قولاً سيئًا حتى ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول السيء ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ أي: ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح كما قال عطاء بن أبي رباح في قوله ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ أي: لا تنفض يدك عليهما([32]).

*     *     *

 المبحث الثاني: جملة أحاديث في بر الوالدين وتحريم عقوقهما

وهاك جملة من الأحاديث الشريفة التي تبين فضل بر الوالدين وتحريم عقوقهما:

الأول: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله! مَنْ أحق الناس بحُسن الصحبة؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك فأدناك»([33]).

الثاني: عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد»([34]).

الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف»، فقيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: «مَنْ أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة»([35]). قوله: «رغم أنف»: أي لصق على التراب ([36]).

الرابع: عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رضا الرب برضا الوالد، وسخط الرب بسخط الوالد»([37] وعند الطبراني بلفظ: «الوالدين»([38]).

الخامس: عن ابن عمرو - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس»([39]).

قال الذهبي رحمه الله: «موعظة: أيها المضيع! تذكر الحقوق من بر الوالدين، العقوق الناسي لما يجب عليه الغافل عما بين يديه ببر الوالدين عليك دين وأنت تتعاطاه باتباع السنن تطلب الجنة بزعمك وهي تحت أقدام أمك... الخ»([40]).

*     *     *

 الفصل الثالث: النهي عن قتل الأولاد

 المبحث الأول: في بيان رحمة الوالد لولده

إن الفطرة التي فطر الله الناس عليها إلا مَنْ شطَّ مِن الشواذ، أن أودع في قلوب الوالدين محبة الولد والشفقة عليه والحزن على فراقه، فهذا يعقوب u يقول: ﴿يأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾([41] وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾([42]).

ولا شك أن الولد ثمرة الفؤاد، ففي حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد»([43]).

قال ابن كثير: «﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ أعرض عن بنيه، وقال متذكرًا حزن يوسف القديم: ﴿يأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ جدد له حزن الابنين الحزن الدفين([44]) وقال رحمه الله: ﴿تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ أي: لا تفارق تذكر يوسف ﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴾ أي ضعيف القوة ﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾، يقولون: إن استمر بك هذا الحال خشينا عليك الهلاك والتلف ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي﴾ أي: همي وما أنا فيه ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ وحده([45]).

وهذه أم موسى حين التقط آل فرعون موسى فرغ قلبها من الصبر فقال تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾([46] قال ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى مخبرًا عن فؤاد أم موسى حين ذهب ولدها في البحر: كأنه أصبح فارغًا، أي من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى، قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبو عبيدة، والضحاك، والحسن البصري، وقتادة وغيرهم ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ أي: إن كادت من شدة وجدها وحزنها وأسفها لتظهر أنه ذهب لها ولد وتخبر بحالها لولا أن الله ثبَّتها وصبَّرها، قال تعالى: ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾([47]).

*     *     *

 المبحث الثاني: في تحريم قتل الأولاد خشية الإملاق

نهى الله نهي تحريم عن قتل الأولاد خشية الإملاق وهو الفقر، ووصفه الله بأنه خطأٌ كبيرٌ فقال تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾([48]) فالنهي عن قتل الأولاد أحد الوصايا التي تضمنتها هذه الآية الكريمة، قال البغوي رحمه الله: «أي: لا تئدوا بناتكم خشية العيلة فإني رازقكم وإياهم»([49] قال ابن الجوزي رحمه الله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ﴾ يريد دفن البنات أحياء ﴿مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ أي: من خوف الفقر([50]).

قلت: قول ابن الجوزي رحمه الله «قتل البنات أحياء» لعله يشير إلى ما كان عليه الجاهلية، والتحريم هنا يتناول قتل البنات والبنين ودفنهم وهم أحياء ودفنهم بعد قتلهم أعاذنا الله وحفظنا بحفظه.

قال ابن كثير رحمه الله: الوالدين والأجداد عطف على ذلك الإحسان للأبناء والأحفاد، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سوَّلت لهم الشياطين فكانوا يئدون البنات خشية العار وربما قتلوا بعض الذكور خشية الفقر ([51]).

ومن الآيات الدالة على التحريم قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾([52] قال ابن كثير رحمه الله: «هذه الآية الكريمة دلَّت على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده؛ لأنه نهى عن قتل الأولاد كما أوصى الآباء بالأولاد في الميراث، وكان أهل الجاهلية ليئدون البنات بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عيلته فنهى الله تعالى عن ذلك وقال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ أي خوف أن تفتقروا في ثاني الحال، ولهذا قدم الاهتمام فقال: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ وقوله: ﴿إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ أي: ذنبًا عظيمًا، وقرأ بعضهم (كَانَ خَطْئًا) بفتح الخاء وهو بمعناه([53]). ومن الأدلة على أن قتل الأولاد من أعظم الذنوب حديث عبد الله بن مسعود، قال: قلت يا رسول الله، أي الذنب عند الله أكبر؟ وفي لفظ لمسلم: أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك»، قلت: ثم أي؟ قال: «ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك». قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك» قال: ونزلت هذه الآية تصديقًا لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾([54] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» أي: من جهة إيثار نفسه عليه عند عدم ما يكفي أو من جهة البخل مع الوجدان»([55]).

قلت: ويدخل في التحريم قتل البنات خشية العار كما كانت تفعله الجاهلية، قال تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾([56]).

*     *     *


 الفصل الرابع: في النهي عن اقتراب الفواحش

 المبحث الأول: تعريف الفواحش

الفحش في اللغة: قال ابن منظور: الفحش معروف، وقال ابن سيده: الفحش والفحشاء والفاحشة: القبيح من القول والفعل، وجمعها الفواحش. والفحشاء اسم الفاحشة، والفحش قد يكون بمعنى الزيادة والكثرة ([57]).

وفي الشرع: قال ابن منظور: هو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي ([58]).

*     *     *

 المبحث الثاني: في بيان معنى الفواحش

أحد الوصايا في سورة الأنعام النهي عن اقتراب الفواحش الظاهرة والباطنة، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)﴾([59]).

قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: «فيه خمسة أقوال:

أحدها: أن الفواحش: الزنا، وما ظهر منه: الإعلان به، وما بطن: الإسرار به. قاله ابن عباس والحسن.

الثاني: أن ما ظهر: الخمر ونكاح المحرمات، وما بطن: الزنا، قاله سعيد بن جبير ومجاهد.

الثالث: أن ما ظهر الخمر، وما بطن: الزنا، قاله الضحاك.

الرابع: أنه عام في الفواحش وظاهرها علانيتها، وباطنها: سرها، قاله قتادة.

الخامس: أن ما ظهر أفعال الجوارح، وما بطن: اعتقاد القلوب، ذكره الماوردي في تفسير هذا الموضع، وفي تفسيره قوله: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾([60] وقال السدي: أما ما ظهر منها فزواني الحوانيت، وأما ما بطن: فما خفي ([61]). وقال الضحاك: ما ظهر منها يعني العلانية، وما بطن يعني السر ([62]). وقال أيضًا: ما ظهر: الخمر، وما بطن: الزنا([63]). قال البغوي رحمه الله: ما ظهر يعني العلانية، وما بطن يعني السر، وكان أهل الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأسًا في السر، فحرم الله الزنا في العلانية والسر([64]). وقال القرطبي رحمه الله: قوله: ما ظهر: نهي عن جميع الفواحش وهي المعاصي، وما بطن: ما عقد في القلب من المخالفة([65]).

قلت: والفواحش: كل ما قبح وفحش من الذنوب، والله يغار على محارمه، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا أحد أغير من الله، ولذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن»([66]) الحديث. وأما صغائر الذنوب التي سمَّاها الله سبحانه وتعالى «اللمم»، حيث قال: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾([67])، فلا يسلم منها أحد إلا ما شاء الله، ولهذا مدح الله الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم.

*     *     *

 المبحث الثالث: وعيد الله لمن فعل شيئًا من ذلك

ساق الله سبحانه وتعالى جملة من المعاصي التي فحش قبحها فتوعدهم بمضاعفة العذاب فقال: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾([68]).

وتوعَّد قاتل النفس التي حرم الله، فقال: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾([69]).

وتوعَّد المرابي فقال: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾([70]).

وعن جابر قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء»([71])، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده»([72]).

قلت: ذكرت هذه الأدلة بناءً على مَنْ قال أن الفواحش عامة في كل ما قبح وفحش من الذنوب.

*     *     *


 الفصل الخامس: النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق

 المبحث الأول: منزلة الإنسان عند ربه تعالى

لا شك أن منزلة الإنسان عند الله – عز وجل – منزلة عظيمة، كيف والله جلَّ ذكره يقول: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾([73]).

ولهذا كُتب على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا والعكس، فقال تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾([74] قال سعيد بن جبير: «من اسفك دم مسلم فكأنما استحلَّ دماء الناس جميعًا، ومن حرم دم مسلم فكأنما حرم دماء الناس جميعا». قال ابن كثير: وهو الأظهر([75]).

*     *     *

 المبحث الثاني: موقف الإسلام من إراقة الدماء

قال الله تعالى في آية الأنعام: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾([76]). قال البغوي: «حرَّم الله تعالى قتل المؤمن والمعاهد إلا بالحق، إلا بما أبيح قتله، من ردة أو قصاص أو زنا بموجب الرجم»([77]).

وقال الشوكاني: « ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ﴾ اللام في النفس: للجنس التي حرم الله صفة للنفس، أي: لا تقتلوا شيئًا من الأنفس التي حرم الله إلا بالحق، أي: إلا بما يوجبه الحق»([78]).

قلت: لقد حرَّم الله سفك الدماء وإزهاق الأرواح تحريمًا شديدًا إلا ما استثناه الشرع، وهذا يشمل المسلم والكافر والمعاهد والمستأمن وأهل الذمة.

أما المسلم فقد دلَّ عليه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله»([79])، وحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر»([80])، وأما المعاهد قد دلَّ عليه حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَتَل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا»([81])، وأما أهل الذمة فقد دلَّ عليهم حديث رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قتل رجلاً من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة سبعين عامًا»([82]).

قلت: وهذه الأدلة المتقدمة التي جاء فيها كفر القاتل محمولة عند أهل السنة والجماعة على الكفر الأصغر الذي لا يُخرج من الملة.

*     *     *

 المبحث الثالث: القصاص والحكمة منه

القصاص ثابت بالكتاب والسنة والإجماع،

أما الكتاب: فقال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾([83] وقال: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)﴾([84]).

وأما السُّنَّة: فلحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قتل له قتيل فهو بأحد النظرين إما أن يؤدي وإما أن يقاد»([85]).

وأما الإجماع: فلا خلاف بين أهل اعلم في قصاص القاتل الذي توفرت فيه شروط القصاص وانتفت عنه الموانع، والقاتل عليه ثلاثة حقوق، قال خليل هراس: «والصحيح أن على القاتل حقوقًا ثلاثة: حقًا لله، وحقًا للورثة، وحقًا للقتيل. وحق الله يسقط بالتوبة، وحق الورثة يسقط بالاستيفاء في الدنيا أو العفو، وأما حق القتيل فلا يسقط حتى يجتمع لقاتله يوم القيامة ويأتي ورأسه في يده ويقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني»([86]).

قلت: وللقصاص حِكَم عظيمة لعل من أبرزها ردع الناس عن سفك الدماء التي حرمها الله، وإقناع أولياء المقتول حتى لا يطول النزاع وأخذ الثأر وغير ذلك من الحكم.

*     *     *


 الفصل السادس: النهي عن أكل مال اليتيم

 المبحث الأول: تعريف اليتيم لغة وشرعًا

اليتيم في اللغة: قال الجوهري: اليتيم جمعه أيتام ويتامى، وقد يتم الصبي بالكسر يتم يتيمًا بضم الياء وفتحها مع سكون التاء فيهما، واليتيم في الناس من قِبَل الأب، وفي البهائم من قِبَل الأم، وكل شيء مفرد يعز نظيره فهو يتيم، يقال: درة يتيمة ([87]). وقال ابن منظور: اليتيم الانفراد واليتيم الفرد، واليتم: فقد الأب، وقد يتم بالضم وبالكسر وبالتسكين فيهما أي بتسكين التاء فيهما ([88]) واليتيم في الشرع: قال الجوهري: اليتيم في الناس من قِبَل الأب وفي البهائم من قِبَل الأم ([89]). وقال ابن منظور: اليتيم في الناس فقد الصبي أباه قبل البلوغ، وفي الدواب فقد الأم ([90]).

*     *     *

 المبحث الثاني: رعاية اليتامى والمحافظة على أموالهم

قال تعالى: في وصية للناس في آية الأنعام: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾([91]).

قال الطبري رحمه الله: «يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه وتثميره»([92]). قال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك وعامر: حتى يبلغ أشده: يعني الحلم ([93]).

وقال ابن الجوزي رحمه الله: قوله: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ لأن الطمع فيه لقلة مراعيه وضعف مالكه أقوى، وفي قوله: ﴿إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أربعة أقوال:

أحدها: أنه أكل الوصي المصلح للمال بالمعروف وفق حاجته. قاله ابن عباس وابن زيد.

ثانيًا: التجارة فيه. قاله سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك والسدي.

الثالث: حفظه له إلى وقت تسليمه إليه. قاله ابن السائب.

الرابع: أنه حفظه عليه وتثميره له، قاله الزجاج، إلى قوله: والأشد استحكام قوة الشباب والسن. قال ابن قتيبة: ومعنى الآية: حتى يتناهى في النبات إلى حج الرجال([94]). وقال القرطبي رحمه الله: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أي: بما فيه صلاحه وتثميره، وذلك بحفظ أصوله وتثمير فروعه. وهذا أحسن الأقوال في هذا؛ فإنه جامع([95]).

قلت: وهناك أقوال أخرى أعرضت عن ذكرها لبعدها في نظري عن مفهوم الآية.. والله أعلم.

ومما يدل على رعاية اليتيم وحفظ ماله قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (3)﴾([96]).

قال ابن كثير: يأمر تعالى بدفع أموال اليتامي إليهم كاملة موفرة وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالكم، ولهذا قال: ﴿وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ وقوله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾.

قال مجاهد وسعيد بن جبير وابن سيرين ومقاتل والسدي وسفيان بن حسين: أبى إلا أن تخلطوها فتأكلوها جميعًا، وقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾، قال ابن عباس: أي إثمًا عظيمًا ([97]).

قلت: كافل اليتيم والقائم على رعايته مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة» وأشار مالك بالسبابة والإبهام ([98]).

قلت: لا يرعى مال اليتيم إلا من كان وقافًا عند حدود الله، مراقبًا له لم يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة.

*     *     *

 المبحث الثالث: عقوبة آكل مال اليتيم ظلمًا

توعَّد الله – عز وجل – الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا بأنهم يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعير جهنم لِمَا في ذلك من الظلم والقهر، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾([99]).

قال القرطبي رحمه الله تعالى: «قال الجمهور: إن المراد للأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم، وسمى المأكول نارًا بما يؤول إليه، وقيل: نارًا أي حرامًا؛ لأن الحرام يوجب النار فسمَّاه باسمه ﴿وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ الصلي: التسخين بقرب النار وبمباشرتها، والسعير: الجمر المشتعل ([100])، وعدَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا: يا رسول الله، ما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»([101]). قال النووي رحمه الله: أما الموبقات فهي المهلكات، يقال: وبق الرجل بفتح الباء: يبق بكسرها، ووبق - بضم الواو وكسر الباء-: يوبق: إذا هلك. وأوبق غيره أي أهلكه([102]).

قال الذهبي رحمه الله: قال العلماء: فكل ولي ليتيم إذا كان فقيرًا فأكل من ماله بالمعروف بقدر قيامه عليه في مصالحه وتنميته ماله فلا بأس عليه، وما زاد على المعروف فسُحت حرام. يقول تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾([103])([104]).

*     *     *

 الباب الثاني: في اتباع الأوامر التي جاءت في الوصايا العشر

الفصل الأول: الأمر بالوفاء في الكيل والميزان.

الفصل الثاني: في الأمر بالعدل بين الناس.

الفصل الثالث: الوفاء بالعهد.

الفصل الرابع: الأمر باتباع الصراط المستقيم.


 الفصل الأول: الأمر بالوفاء في الكيل والميزان

 المبحث الأول: الأمر بالوفاء في الكيل وعدم التطفيف

أمر الله تعالى بالوفاء في الكيل، والأمر بالشيء نهي عن ضده، فضد الوفاء التطفيف والبخس، قال تعالى في آية الأنعام: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾([105] قال الطبري رحمه الله تحت الآية: يقول تعالى ذكره: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ﴾ يقول: لا تبخسوا الناس الكيل إذا كلتموهم والوزن إذا وزنتموهم ولكن أوفوهم حقوقهم، وإيفاؤهم ذلك إعطاؤهم حقوقهم تامة بالقسط يعني بالعدل([106]). وقال القرطبي: قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ...﴾ العدل([107]). ومما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([108]).

قال ابن كثير: أوفوا الكيل إذا كلتم. أي من غير تطفيف([109]).

 المبحث الثاني: عقوبة من طفف في الوزن

توعَّد الله المطففين بالويل الذي هو من أنواع العذاب، قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾([110]).

قال ابن كثير رحمه الله: المراد بالتطفيف هنا البخس في المكيال والميزان إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما بالنقصان إن قضاهم؛ ولهذا فسر تعالى المطففين الذين وعدهم بالخسار والهلاك، وهو الويل بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ﴾([111])، ومما أهلك الله به قوم شعيب البخس في الميزان، قال تعالى: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾([112]).

روي عن ابن عباس قوله: «ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق»([113]).

قال ابن كثير رحمه الله: يأمر الله تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء كما وعد على تركه بقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾([114])، وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان.

*     *     *


 الفصل الثاني: في الأمر بالعدل بين الناس

 المبحث الأول: المساواة بين الخصوم

الوصية الثامنة في آية الأنعام العدل وعدم محاباة القريب، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾([115]). قال الطبري رحمه الله: «يعني تعالى ذكره بقوله: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم فقولوا الحق بينهم واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا، ولو كان الذي يتوجه الحق عليه والحكم ذا قرابة لكم، ولا يحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره أن تقولوا غير الحق فيما احتكم إليكم فيه»([116] وقال البغوي رحمه الله: «﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ في الحكم والشهادة ولو كان ذا قربى ولو كان المحكوم والمشهود عليه ذا قرابة([117] وقال ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال على القريب والبعيد، والله يأمر بالعدل لكل أحد في كل وقت وفي كل حال([118]).

قلت: وكذلك العدل في الحكم، قال تعالى: ﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾([119]).

وفي حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن – عز وجل – وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا»([120]).

*     *     *

 المبحث الثاني: التحري الدقيق قبل الحكم

يجب على الحاكم أو نائبه أو المصلح بين الناس أن يتحرى الدقة في القضية بين الخصوم فينظر في ملابساتها ولا يستعجل في الحكم حتى لا يندم، ولهذا قال تعالى: ﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾، وفي قراءة: ﴿فتثبتوا﴾ ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ... نَادِمِينَ ﴾([121]).

قال ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذبًا أو مخطئًا([122]).

قلت: ذكر غير واحد من المفسرين أن الآية نزلت في الوليد بن عقبة حين أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - لجباية زكاة الحارث بن ضرار وقومه من بني خزاعة، فلمَّا بلغ بعض الطريق فرق – أي خاف – فرجع وقال: يا رسول الله، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي... إلى آخر القصة ([123])، وهذه القصة لا تثبت لا سندًا ولا متنًا، أما السند فإن مدار القصة على دينار الكوفي والد عيسى وهو مجهول فلم يروى عنه إلا ابنه عيسى كما في التهذيب، وقال الحافظ في التقريب: مقبول، أي حيث يتابع وإلا فليس الحديث، وأما من حيث المتن، فمن المستبعد جدًا أن يحدث هذا من صحابي فيكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يصفه الله بالفسق، والصحابة عدول بالإجماع، وقد زكَّاهم الله ورسوله فتنبه.

*     *     *


 الفصل الثالث: الوفاء بالعهد

المبحث الأول: بيان معنى الوفاء بالعهد

معنى الوفاء بالعهد: امتثال ما أمر الله به ورسوله، واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله، وقد أمرنا – سبحانه وتعالى – بالوفاء بالعهد في آية الأنعام، فقال: ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾([124]) قال الطبري رحمه الله: ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾ يقول: وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا، وإيفاء ذلك أن يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم عنه، وأن يعلموا بكتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وذلك هو الوفاء بعهد الله([125]). وقال القرطبي رحمه الله: ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾ عام في جميع ما عهده الله إلى عباده، ويحتمل أن يراد به جميع ما انعقد بين إنسانين وأضيف ذلك العهد إلى الله من حيث أمر بحفظه والوفاء به([126]). وقال ابن الجوزي رحمه الله: وعهد الله يشتمل على ما عهده إلى الخلق وأوصاهم به، وعلى ما أوجبه الإنسان على نفسه من نذر وغيره([127]).

قلت: ومما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)﴾([128]) أي: يسأل الإنسان عنه.

المبحث الثاني:

المقدمة

مما لا شك فيه أن جميع العهود في غاية الأهمية، كيف والله يقول: ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾. لكن من المهم ما هو أهم، فيمكن أن يقال: من أهم العهود الوفاء بعهد الله وعهد الرسول إذا أعطي لقوم، دل على ذلك حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه، ثم قال: اغزوا بسم الله – وفيه – ثم قال: وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه؛ ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله» الحديث ([129]).

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تحت هذا الحديث: «فيه مسائل، الأول: الفرق بين ذمة الله وذمة نبيه وذمة المسلمين»([130]). وقال حفيده الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: الذمة: العهد وتخفر: تنقض. يقال: أخفرت الرجل إذا انقضت عهده وخفرته أجره، ومعناه أنه خاف من نقض من لم يعرف حق الوفاء بالعهد في جملة الأعراب، وكأنه يقول: إن وقع نقض من معتد كان نقض عهد الخلق أهون من نقض عهد الله تعالى والله أعلم..([131]). وكذلك العهد الذي عقد فيه الأيمان، قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾([132]).

قال ابن كثير رحمه الله: ﴿وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ لأن هذه الأيمان المراد بها الداخلة في العهود والمواثيق([133]).

*     *     *


 الفصل الرابع: الأمر باتباع الصراط المستقيم

 المبحث الأول: معنى الصراط المستقيم

معنى الصراط المستقيم: القرآن الكريم والسنة المطهرة، أو الإسلام الحكيم أو الشرع القويم، أو الدين الحنيف، والمعنى واحد، ومن الأدلة: آية الأنعام، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾([134]).

قال الطبري رحمه الله: «وصراطه: يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده، مستقيمًا: يعني قويمًا لا اعوجاج به عن الحق فاتبعوه، يقول: فاعلموا به واجعلوه لأنفسكم منهاجًا تسلكونه»([135]). وقال القرطبي رحمه الله: والصراط: الطريق الذي هو دين الإسلام مستويًا قويمًا لا اعوجاج فيه، فأمر باتباع طريقه الذي طرقه على لسان نبيه وشرعه ونهايته الجنة([136]).

قلت: والسير على الصراط المستقيم الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله على طريقة وفهم سلف الأمة عقيدة وعلمًا وعملاً وسلوكًا.

*     *     *

 المبحث الثاني: بيان السبل التي يجب على المسلم اجتنابها

يجب على كل مسلم اجتناب السبل المخالفة للكتاب والسنة ومنهج أهل السنة كالملل الكافرة كاليهودية والنصرانية والمجوسية وغيره كالفرق الهالكة كالرافضة والجهمية والمعتزلة وغيرها، وهذا معنى قوله تعالى في آية الأنعام: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾([137] قال الطبري رحمه الله: يقول: ولا تسلكوا طريقًا سواه، ولا تركبوا منهاجًا غيره، ولا تبغوا دينًا خلافه من اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبادة الأوثان وغير ذلك من الملل فإنها بدع وضلالات([138] وقال البغوي رحمه الله: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ أي الطرق المختلفة عدا هذا الطريق مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل. وقيل: الأهواء والبدع([139]).

وقال ابن الجوزي رحمه الله: «أما السبل فقال ابن عباس: هي الضلالات، وقال مجاهد: البدع والشبهات»([140]). وقال القرطبي رحمه الله: وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام، هذه كلها عرضة لزلل ومظنة لسوء المعتقد، قاله ابن عطية.

قلت: وهو الصحيح ([141]).

قلت: وهاك بعض الشواهد على هذا المعنى، قال الله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾([142]).

قال القرطبي رحمه الله: اختلف في المغضوب عليهم والضالين من هم؟ فالجمهور أن المغضوب عليهم: اليهود، والضالين: النصارى ([143]). وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: خطَّ لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطًّا مستقيمًا، وخط خطوطًا عن يمينه وعن شماله، فقال: «هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه وتلا قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾»([144]).

قال ابن مسعود: لمَّا رأى قومًا جلوسًا بالمسجد ومعهم حصى في أيديهم يكبرون ويهللون ويسبحون به فقال: (ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تُكسر، والذي نفسي بيده إنكم على ملة هي أهدى من ملة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو مفتتحو باب ضلالة قالوا: والله ما أردنا إلا الخير، قال: «كم من مريد للخير لم يصبه»)([145]). وعن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني قد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك»([146]).

تنبيه:

اشتهر على الألسنة لفظ: (تركتكم على المحجة البيضاء) ولفظ المحجة لم أقف عليه فلا ينبغي نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد ثبوته.

قال مجاهد  رحمه الله: ولا أدري أي النعمتين أعظم أن هداني للإسلام وعافاني من هذه الأهواء ([147]).

قال القرطبي رحمه الله: ومضى في النساء وهذه السورة النهي عن مجالسة أهل البدع والأهواء، وأن من جالسهم حكمه حكمهم فقال: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾([148]).

ثم بيَّن في سورة النساء عقوبة من فعل ذلك وخالف ما أمر الله به، فقال: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾([149]).

فألحق من جالسهم بهم، وقد ذهب إلى هذا جماعة من أئمة هذه الأمة، وحكم بموجب هذه الآيات في مجالس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة منهم: أحمد بن حنبل، والأوزاعي، وابن المبارك، فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع، قالوا: ينهى عن مجالستهم فإن انتهى وإلا ألحق بهم، يعنون في الحكم([150]).

اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لِمَا اختلِف فيه من الحق بإذنك، أنت تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم...

*     *     *


 خاتمة البحث

هذا البحث المهذب في الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام حَمَل في طيَّاته أدلة عظيمة، وفوائد بديعة، وحِكَمًا بليغة، وجاء بفضل الله تعالى شاملاً كاملاً، ولم يواجهني فيه أية صعوبة تُذْكَر، وقد صغته بأسلوب سهل واضح وبإيجاز مهذب بعيدًا عن التطويل الممل والاختصار المخل، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم على محمد ([151]).

*     *     *


ثبت في مراجع البحث

كتب التفاسير:

1- جامع البيان في تفسير القرآن – محمد بن جرير الطبري.

2- معالم التنزيل – الحسين بن مسعود البغوي.

3- الجامع لأحكام القرآن – محمد بن أحمد القرطبي.

4- زاد المسير – عبد الرحمن بن محمد بن الجوزي.

5- تفسير القرآن العظيم – إسماعيل بن كثير.

6- فتح القدير – محمد بن علي الشوكاني.

كتب الحديث وأسماء الرجال:

1- صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري – محمد بن إسماعيل البخاري. والشارح: ابن حجر.

2- صحيح مسلم في شرحه للنووي – مسلم بن الحجاج النيسابوري. والشارح: النووي.

3- مسند الإمام أحمد بن حنبل – أحمد بن محمد الشيباني.

4- مسند أبي داود – سليمان بن الأشعث السجستاني.

5- الجامع الصحيح – محمد بن عيسى بن سورة الترمذي.

6- سنن النسائي – أحمد بن شعيب النسائي.

7- الجامع الكبير – سليمان بن أحمد الطبراني.

8- شرح السنة – الحسين بن مسعود البغوي.

9- كتاب السنة – عمرو بن أبي عاصم.

10- كتاب الكبائر – محمد بن أحمد الذهبي.

11- فيض القدير – عبد الرءوف المناوي.

12- السلسلة الصحيحة – محمد بن ناصر الدين الألباني.

13- صحيح الجامع – محمد بن ناصر الدين الألباني.

14- تهذيب التهذيب – أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.

15- تقريب التهذيب – أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.

كتب العقائد:

1- أعلام السنة – حافظ بن أحمد الحكمي.

2- تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد – سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.

كتب اللغة:

1- لسان العرب – محمد بن مكرم بن منظور.

2- مختار الصحاح – محمد بن أبي بكر الجوهري.



([1]) سورة آل عمران، الآية: 102.

([2]) سورة النساء، الآية: 1.

([3]) سورة الأحزاب، الآية 70-71.

([4]) سورة الأنعام، الآية: 91.

([5]) سورة الأنعام، الآية: 141.

([6]) سورة الأنعام، الآية: 91-93.

([7]) سورة الأنعام، الآية: 151-153.

([8]) كما في تفسير الجامع لأحكام القرآن 6/358-359.

([9]) سورة الأنعام، الآية: 140.

([10]) أخرجه البخاري 6/551 (3524).

([11]) كما في كتابه مختار الصحاح (ص:302).

([12]) سورة النساء، الآية: 11.

([13]) سورة الأنعام، الآية: 151.

([14]) كما في لسان العرب 15/395.

([15]) سورة الأنعام، الآيات: 151-153.

([16]) سورة الأنعام، الآيات: 151-153.

([17]) كما في لسان العرب (10/448-449).

([18]) كما في المصدر السابق.

([19]) انظر: أعلام السنة للحكمي (51).

([20]) سورة النساء، الآية: 48.

([21]) أخرجه أحمد 5/428 وسنده جيد.

([22]) أخرجه أبو داود 4/295 (4980) وهو صحيح.

([23]) انظر إن شئت: أعلام السنة للحكمي (ص:51-52).

([24]) انظر: المصدر السابق (ص: 54).

([25]) سورة المائدة، الآية: 72.

([26]) سورة البينة، الآية: 6.

([27]) سورة التوبة، الآية: 113.

([28]) سورة الأنعام، الآية: 151.

([29]) كما في تفسير الجامع 7/131.

([30]) سورة الإسراء، الآيتان: 23، 24.

([31]) سورة لقمان، الآيتان: 14، 15.

([32]) كما في تفسير القرآن العظيم (3/34).

([33]) أخرجه البخاري 10/401 (5971) ومسلم 4/974 (2548).

([34]) أخرجه البخاري 6/140 (3004) ومسلم 4/1975 (1549).

([35]) أخرجه مسلم 4/1978 (2551).

([36]) انظر: تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم على الحديث.

([37]) أخرجه الترمذي 4/234 (1899) وابن حبان 2/172 (4029) والحاكم 4/151 وصححه ووافقه الذهبي ووافقهما الألباني في الصحيحة 2/29.

([38]) أخرجه الطبراني كما في فيض القدير 4/33.

([39]) أخرجه البخاري 11/555 (6675).

([40]) كما في كتابه الكبائر (ص72).

([41]) سورة يوسف، الآية: 84.

([42]) سورة يوسف، الآيات: 94-96.

([43]) أخرجه الترمذي 3/341 (1021) وقال الترمذي: حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، والعهد عليهما.

([44]) كما في تفسيره 2/287.

([45]) كما في المصدر السابق 2/488.

([46]) سورة القصص، الآية: 10.

([47]) كما في تفسيره 3/381.

([48]) سورة الأنعام، الآية: 151.

([49]) كما في تفسيره معالم التنزيل 2/141.

([50]) كما في تفسيره زاد المسير 3/148.

([51]) كما في تفسيره 2/148.

([52]) سورة الإسراء، الآية: 31.

([53]) كما في تفسيره 3/38.

([54]) سورة الفرقان، الآية: 68.

([55]) كما في الفتح 8/492.

([56]) سورة التكوير، الآيتان: 8، 9.

([57]) كما في لسان العرب 6/325-326.

([58]) كما في المصدر السابق.

([59]) سورة الأنعام، الآية: 151.

([60]) سورة الأنعام، الآية: 120.

([61]) كما في تفسيره زاد المسير 3/148.

([62]) ذكره الطبري في تفسيره 8/61.

([63]) كما في المصدر السابق.

([64]) المصدر السابق.

([65]) كما في تفسيره الجامع 7/132.

([66]) أخرجه البخاري 8/295 (4634) ومسلم 4/2114 (2760).

([67]) سورة النجم، الآية: 32.

([68]) سورة الفرقان، الآيتان: 68، 69.

([69]) سورة النساء، الآية: 93.

([70]) سورة البقرة، الآية: 275.

([71]) أخرجه البخاري 3/1219 (1589).

([72]) أخرجه البخاري 12/81 (6783)، ومسلم 3/1314 (1687).

([73]) سورة الإسراء، الآية: 70.

([74]) سورة المائدة، الآية: 32.

([75]) كما في تفسير ابن كثير 2/47.

([76]) سورة الأنعام، الآية: 151.

([77]) كما في تفسيره 2/141.

([78]) كما في تفسيره فتح القدير 2/258.

([79]) قطعة من حديث مسلم 4/1986 (2564).

([80]) أخرجه البخاري 1/110 (48).

([81]) أخرجه البخاري 6/269 (3166).

([82]) أخرجه أحمد 4/237، والنسائي 8/15 وصححه الألباني في صحيح الجامع 5/335.

([83]) سورة المائدة، الآية: 45.

([84]) سورة البقرة، الآية: 179.

([85]) أخرجه البخاري 12/205.

([86]) كما في شرح العقيدة الواسطية (ص: 62).

([87]) كما في مختار الصحاح (ص: 309).

([88]) كما في لسان العرب 12/645.

([89]) لسان العرب 12/646.

([90]) لسان العرب 12/646.

([91]) سورة الأنعام، الآية: 152.

([92]) كما في تفسيره 8/62.

([93]) المصدر السابق.

([94]) زاد المسير 3/149.

([95]) كما في تفسيره 7/133.

([96]) سورة النساء، الآية: 2.

([97]) كما في تفسيره 1/449.

([98]) أخرجه مسلم 4/2287 (2983) والبخاري 9/439.

([99]) سورة النساء، الآية: 10.

([100]) كما في تفسيره 5/58-59 وقد اختصرت كلامه وضربت صفحًا عن سبب النزول لأنني لم أجد شيئًا عن الصحابة وكذلك الوجوه الإعرابية والقراءات تجبنبًا للإطالة.

([101]) أخرجه البخاري 12/81 (6857) ومسلم 1/92 (89).

([102]) كما في شرح مسلم 2/84.

([103]) كما في كتاب الكبائر ص95-96.

([104]) سورة النساء، الآية: 6.

([105]) سورة الأنعام، الآية: 152.

([106]) كما في تفسيره 8/63.

([107]) كما في تفسيره 7/135.          

([108]) سورة الإسراء، الآية: 35.

([109]) كما في تفسيره 3/39.

([110]) سورة المطففين، الآيات: 1-3.

([111]) كما في تفسيره 4/483.

([112]) سورة الشعراء، الآيات: 176-183.

([113]) ذكره القرطبي في تفسيره 7/135.

([114]) سورة المطففين، الآيات: 1-6.

([115]) سورة الأنعام، الآية: 152.

([116]) كما في تفسيره 2/190.

([117]) كما في تفسيره 2/142.

([118]) كما في تفسيره 2/190.

([119]) سورة المائدة، الآية: 8.

([120]) أخرجه مسلم 3/1458 (1827).

([121]) سورة الحجرات، الآية: 6.

([122]) كما في تفسيره 4/208.

([123]) أخرج القصة أحمد 4/279، والطبراني في الكبير 3/274، والواحدي في كتابه أسباب النزول ص391.

([124]) سورة الأنعام، الآية: 152.

([125]) كما في تفسيره 8/63.

([126]) كما في تفسيره 7/136.

([127]) كما في تفسيره 3/151.

([128]) سورة الإسراء، الآية: 34.

([129]) أخرجه مسلم 3/1357 (1731).

([130]) كما في تيسير العزيز الحميد ص717.

([131]) كما في تيسير العزيز الحميد ص717.

([132]) سورة النحل، الآية: 91.

([133]) كما في تفسيره 2/583.

([134]) سورة الأنعام، الآية: 153.

([135]) كما في تفسيره 8/64.

([136]) كما في تفسيره 7/136.

([137]) سورة الأنعام، الآية: 153.

([138]) كما في تفسيره 8/64.

([139]) كما في تفسيره 2/142.

([140]) كما في تفسيره 3/151.

([141]) كما في تفسيره 7/137.

([142]) سورة الفاتحة، الآيتان: 6، 7.

([143]) كما في تفسيره 3/1937.

([144]) سورة الأنعام، الآية: 153.

([145]) أخرجه الدارمي 1/68 وصححه الألباني في الصحيحة 5/11.

([146]) أخرجه أحمد 4/126 وعن أبي عاصم في السنة 29/27.

([147]) ذكره القرطبي في تفسيره 8/65.

([148]) سورة الأنعام، الآية: 68.

([149]) سورة النساء، الآية: 140.

([150]) كما في تفسيره الجامع لأحكام القرآن 7/140.

([151]) كان الفراغ منه عشية يوم الثلاثاء الثامن من شهر ذي الحجة لعام 1420هـ.