×
بحث مقدم إلى ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية والتي عُقدت بالرياض في الفترة من 23، 25/صفر/1429هـ، يذكر احتياجات المترجم والمؤثرات التي تؤثر عليه عموماً ومترجم السنة النبوية خصوصًا.

 دراسة عن احتياجات المترجم و المؤثرات التي تؤثر عليه

إعداد:

 سمية بنت حافظ غلام رسول

مترجمة اللغة الأُردية بالمسجد النبوي


بسم الله الرحمن الرحيم

 المقدمة

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، وجعل من آياته اختلاف الألسن والألوان، والصلاة والسلام على سيد الأنام محمد صلى الله عليه وعلى آله و صحبه أجمعين. أما بعد:

 فهذا بحث متواضع حول احتياجات المترجم والمؤثرات التي تؤثر على المترجم عموماً ومترجم السنة النبوية على وجه الخصوص، كتبته للمشاركة في ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية (الواقع، التطوير، المعوقات) التي تقيمها الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها بالرياض، سائلةً الله تعالى أن ينفع به وأن يجعله من العمل الصالح المتقبل، وأن يعفو بمنه وكرمه عما جاء فيه من التقصير والزلل؛ و قد قمت بهذه الدراسة لعدة أسباب:

أحدها: رغبةً في خدمة السنة والسيرة النبوية.

ثانياً:رغبة في تبادل الخبرات و المعلومات في الترجمة وأساليبها مع المترجمين المشاركين في الندوة المقامة[1].

ثالثاً: السعي لإيجاد حلول مناسبة للتغلب على معوقات الترجمة.

خطة البحث:

يتكون البحث من مقدمة و قسمين على النحو الآتي:

القسم الأول: احتياجات المترجم، و فيه ثلاثة مباحث:

                المبحث الأول:الشروط الواجب توافرها في المترجم الأمثل.

                المبحث الثاني:  القدرة على الاستفادة المثلى من الوسائل التقنية المتاحة للمترجم.

                المبحث الثالث: تطوير الملكة الفطرية و المعرفية للمترجم.

القسم الثاني: المؤثرات التي تؤثر على المترجم، و فيه ثلاثة مباحث:

           المبحث الأول: المؤثرات الإيجابية.

           المبحث الثاني:المؤثرات السلبية.

           المبحث الثالث:طرق كسب المهارات و تطوير الذات للتقليل من المؤثرات السلبية.

ثم خاتمة البحث.

ولقد سعدت بفكرة البحث وموضوعه سعادة كبيرة، وحاولت أن أقدم فيه بعض المعلومات والأفكار المبنية على الملاحظة وبعض التجارب القليلة  وذلك رغبة في خدمة السنة والسيرة النبوية، وسدّاً لحاجتي الشديدة في الإستفادة من خبرات الآخرين ممن سبقوني في هذا المجال ، وقياماً بجزء يسير من الواجب -  واجب الترجمة الدينية لتعريف الناس بدين الإسلام، وتبيينه لمن لا يفهم اللسان العربي، وذلك من تبليغ الناس بدين الله ودعوتهم إليه( ).

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( ) رحمه الله:

" والصحابة لما استغنوا عن النحو واحتاج إليه من بعدهم؛ صار لهم من الكلام في قوانين العربية ما لا يوجد مثله للصحابة لنقصهم وكمال الصحابة، وكذلك صار لهم من الكلام في أسماء الرجال وأخبارهم ما لا يوجد مثله للصحابة؛ لأن هذه وسائل تطلب لغيرها؛ فكذلك كثير من النظر والبحث احتاج إليه كثير من المتأخرين واستغنى عنه الصحابة، وكذلك ترجمة القرآن لمن لا يفهمه بالعربية يحتاج إليه من لغته فارسية وتركية ورومية، والصحابة لما كانوا عرباً استغنوا عن ذلك، وكذلك كثير من التفسير والغريب يحتاج إليه كثير من الناس والصحابة استغنوا عنه".

و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ([2]): "وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه إذا احتيج إلى ذلك، وكانت المعاني صحيحة كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم فإن هذا جائز حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتج إليه.. ولذلك يترجم القرآن والحديث لمن يحتاج إلى تفهمه إياه بالترجمة".

لذلك فإن ترجمة الكتب الشرعية ومن أهمها تفاسير القرآن الكريم وشروح السنة النبوية, وكتب العقائد والأحكام؛ أمر لا بد منه, بل هو واقع مشاهد, إن لم يقم به أهل السنة والاتباع قام به أهل البدعة والمخالفة.[3]

ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب فوجدت أنه يلزمني أن أجتهد بالمشاركة في هذه الندوة سعياً لحل المشكلات التي تعيق المترجم عامة والمترجم الديني خاصة ، مع علمي بأني لست من فرسان هذا الميدان، لكن لضعف المشاركة فيه وقلة ما كتب حوله و تشجيع من حولي أغراني في عرض ما لدي من بضاعة يسيرة ؛ سائلةً الله تعالى التوفيق و السداد .


 القسم الأول: احتياجات المترجم، و فيه أربعة مباحث:

المبحث الأول:الشروط الواجب توافرها في المترجم الأمثل.

المبحث الثاني:  القدرة على الاستفادة المثلى من الوسائل التقنية المتاحة للمترجم.

المبحث الثالث: تطوير الملكة الفطرية والمعرفية.

 المبحث الأول:الشروط الواجب توافرها في المترجم الأمثل.

لا شك أن الترجمة بجميع أنواعها[4] طريق مختصر بين الحضارات تؤدي إلى التواصل المستمر بين الأمم والثقافات على مر العصور. والترجمة الدينية تعتبر من أصعب الترجمات فهي ليست كبقية المعارف الأخرى الأدبية أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية التي لا ترتبط بعقيدة وأحكام وأصول بقدر ارتباطها بمعلومات تعارف عليها الإنسان واستقاها من علاقاته الممتدة عبر التاريخ لذلك فإن الترجمة الدينية تحتاج إلى مهارة ودقة فائقة وتعامل خاص وقدر واسع من الحرص والمسؤولية حتى لا تتعرض للتشويه والخلط ولاسيما أننا نعيش في عالم تتصارع فيه الحضارات وينظر بعضهم للإسلام - وبخاصة الغربي منهم ـ نظرة معارض.

 والترجمة من لغة إلى لغة أخرى هي بمثابة وسيط بين هاتين الحضارتين و اللغتين، وبقدر ما يكون الوسيط صحيحاً ودقيقاً تكون الترجمة دقيقة ومعبِّرة. إذاً لا يخفى علينا جميعاً أهمية الترجمة ودورها الفعال في نشر الدين الإسلامي فهي بذلك أمانة في عنق المترجم.

والمترجم هو الذي يقوم بالترجمة و استُعمِلت كلمة (ترجم) في اللغة للدلالة على معانٍ ، يقال: ترجم الكلام: إذا بيَّنه وأوضحه، ويقال: ترجم كلامه إذا فسره بلسان غيره، وترجم كلام غيره وعنه: نقله من لغة إلى أخرى ومنه التّرجمان، ويقال: تَرجُمان ولك أن تضم التاء لضمة الجيم فتقول: تُرْجُمَان والجمع: تراجم[5].

و من خلال تجربتي المتواضعة و بعد اطلاعي على عدد من المقالات والموضوعات حول الشروط الواجب توافرها في المترجم الأمثل تلخص لي ما يلي:

·          المعرفة التامة للغة التي ينقل منها و اللغة التي ينقل إليها .

·          الكفاءة اللغوية في اللغة الأم واللغة المترجمة إليها (هذا الأفضل و إن لم يكن فعليه أن يترجم من لغة إلى اللغة الأم لأنه يكون أكثر دراية واطلاع بها).

·          الدراية الكاملة باللغة الأصلية و اللغة المترجم إليها و أسرارهما البلاغية و الجمالية من حيث بيانهما للمعاني.

·          الإلمام بحصيلة كبيرة من المفردات اللغوية لإثراء خبرته اللغوية.

·          مراعاة موضوع اللهجات و الفروق الثقافية و الاجتماعية و النفسية.

·          أن يكون كثير القراءة واسع الاطلاع.

·          المعرفة التامة للمادة المترجمة و الإلمام بموضوعها.

·          فهم المترجم للنص الأصلي و ليس معناه فحسب.

·          توفر الأدوات التي تساعده في الترجمة (كالقواميس ، و المعاجم ، و الكتب المتخصصة في موضوع المادة المترجمة ، علاقات مع مترجمين آخرين).

·          القدرة على الاستفادة المثلى من الوسائل التقنية المتاحة.

·          مراعاة مستوى المتلقي للترجمة. (فمثلاً إذا كان المترجم يترجم  نصاً حديثياً أو فقهياً وكان النص موجهاً لاجتماع يحضره علماء و طلاب العلم الشرعي فعليه أن يتحرى المصطلحات الشرعية الدقيقة لأنه سيلقى من يفهم ترجمته بل ويستحسنها. ولكن إن كان المترجم يترجم لمجموعة من الناس ليس لها نصيب من علم الحديث أو الفقه، يتعين عليه أن ينتقي المترادفات التي تفيد المعنى بالطريقة التي يفهم بها العوام، بل عليه أحياناً أن يبحث عن كلمات مرادفة في اللغة الدارجة التي تتحدث بها تلك المجموعة من الناس و إلا فسيكون مثل من فسر الماءَ بعد جهد بالماءِ)[6].

·          القدرة على سرعة الرد.

·          القدرة على التركيز.

·          القدرة على الاستمرار في الترجمة لمدة طويلة.

·          التمتع بقدر كبير من هدوء الأعصاب لا سيما في الترجمة الشرعية الدينية و خاصة إذا كان المترجم يترجم كلام الداعي كأمر بالمعروف أو نهي عن منكر أو دحض لبدعة  فإن المترجم الديني لا بد أن يتصف بصفات الداعية و منها ما جاء في قوله تعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) سورة النحل آية رقم -١٢٥-.

·          الثقة بالنفس.

و يزيد المترجم الديني على الشروط المذكورة سابقاً ما يلي :

·          سلامة المعتقد و المنهج  ، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة يوسف آية رقم - ١٠٨-.

·          الدراية الكافية للعلوم الشرعية عامة و تمكنه من المادة المترجمة خاصة.

·          أن يكون متقناً للغة العربية وأساليبها وقواعدها واشتقاقها.

·          أن يكون على اتصال بأهل العلم.

·          أن يدرك خصوصية مصطلحات العلوم الإسلامية واختلاف دلالاتها و وجوب الحيطة أثناء ترجمتها ولا سيما من الناحيتين الدينية والثقافية، مثل ترجمة معنى توحيد الألوهية و ترجمة أسماء الله الحسنى و صفاته.

·          أن يكون أميناً لا يتحرج من تصحيح الخطأ في ترجمته و يبذل كل ما في وسعه للوصول إلى المعنى المراد من النص المراد ترجمته ، وذلك يتطلب منه الصبر والبحث وعدم العجلة، وسؤال أهل العلم والخبرة حتى يكون عمله متقناً.

·          أن يعرض ترجمته على لجنة مؤهلة تجمع متخصصين في اللغتين ، و في العلوم الشرعية التي يحتاج إليها في تصحيح الترجمة إن وجدت أو يتصل بمن بعرف من المترجمين.

 المبحث الثاني: القدرة على الاستفادة المثلى من الوسائل التقنية المتاحة للمترجم

في ظل عصر الثورة المعرفية والعلمية والتكنولوجيا الحديثة تطورت البرمجيات الحاسوبية واتسع نطاق الشبكة العنكبوتية مما أدى إلى ظهور أشكال جديدة من الترجمة بمساعدة الحاسوب - تسمى بالترجمة الآلية - ومن الطبيعي أن تحث هذه التطورات المترجمين على تنمية مهاراتهم و ذلك بالتحاقهم بالدورات التدريـبية الخاصة باستخدام  الحاسوب وبرمجياته حيث يتعرف من خلالها على تطبيقات الحاسوب التي يمكن استخدامها في عملية الترجمة ، ومدى استفادة المترجم من المعاجم الإلكترونية وبرامج الترجمة الآلية، و التعرف على أساليب إدخال المعلومات والتدريب عليها ومنها: لوحة المفاتيح، القارئ الضوئي، والملقن الصوتي، والملفات الإلكترونية ..... إلخ، كما يتعرف على أسس شبكات الحاسوب والاتصالات وكيف يمكن استخدامها لخدمة المترجم و هنا سؤال يطرح نفسه:

 ما هي البرمجيات التي يجب أن تكون بحوزة المترجم؟

الجواب: القواميس و المعاجم الالكترونية حيث أنها توفر الوقت و الجهد للمترجم حال بحثه عن كلمات و مترادفات و كذلك يجب أن يكون لديه نسخة حديثة من مجموعة برامج Microsoft Office  والتي تضم برنامج الWord  والPowerpoint وال   Excelويجب أن يكون لديه أيضاً برمجيات خاصة بالإنترنت، بما في ذلك برمجيات نقل الملفات من موقع إلى آخر، وبرمجيات ضغط الملفات وإزالة ضغطها، وبرمجيات تحويل أنظمة الملفات. وكذلك من المفيد -لراحة يديه و معصميه خاصة في حال النصوص الطويلة- أن تكون بحوزته أيضاً بعض برمجيات الإملاء مثل برنامج: Naturally Speaking من Dragon Systems ، و برنامج ViaVoice من IBM  وأنا أجد هذه البرمجيات جيدة إلى حد ما[7]. ولكنها تعتبر بطيئة مقارنة بالطباعة، وتكون في كثير من الأحيان غير عملية، خاصة فيما يتعلق بمسألة تنظيم الطباعة، وأسماء الأعلام والرموز الرياضية، وأخيراً من الوسائل التقنية التي تخدم المترجم من حيث قلة الجهد و سرعة الأداء هي تلك البرمجيات التي من خلالها يمكن ترجمة النص آلياً باستخدام الحاسوب كبرنامج الوافي الذهبي و الترجمة الآلية وإن كانت تفتقد إلى الحس و المضمون لأنها غير دقيقة غالباً في الوقت الحالي - إلا أنها تعطينا فكرة عن محتوى النص على أقل تقدير و تفيد في ترجمة المفردات و بإمكاننا استخدام هذه البرامج كمترجمين مساعدين يترجمون لنا ما نريد بشكل أوّلي تليه عمليات التنقيح وإعادة الصياغة اللازمة لإتمام عمليات الترجمة وإخراجها بالشكل الأمثل. و يمكن استخدام برمجيات على الشبكة العنكبوتية مباشرة حين تكون الحاجة للنتائج سريعة بغض النظر عن الجودة و مثل هذه البرامج لا تترجم النصوص فحسب بل تترجم المواقع على الشبكة العنكبوتية بالكامل و تقوم كذلك بترجمة أي صفحة على الشبكة العنكبوتية من الانجليزية إلى العربية و بالعكس مع المحافظة على تخطيط الصفحة الأصلي و ضبط اتجاه اللغة. و مع هذه التطورات اكتسبت الترجمة الآلية قوة كبيرة في السنوات الأخيرة و أصبحت رخيصة التكلفة و يمكن الوصول إليها بسهولة من قبل عدد كبير من المستخدمين فكانت برامج الترجمة الآلية منتجاً رائجاً ومعروفاً كبرامج معالجة الكلمات والنشر.


 المبحث الثالث: تطوير الملكة الفطرية و المعرفية للمترجم

هناك من المهارات و الخبرات التي من شأنها أن تعمل على تطوير الملكة الفطرية و المعرفية لدى المترجم ليكون متمكناً من ترجمة أي نص دون أي عائق  و هي كالتالي:

1.        امكانية الكتابة بسرعة مناسبة و بأساليب متنوعة و يمكن تطوير ذلك بأن يدرس دراسة منظمة في اللغة الأجنبية التي يود العمل بها، بما في ذلك دراسة مكثفة لكيفية القراءة والكتابة بهذه اللغة، أو شراء طبعات حديثة من الكتب المدرسية التعليمية الجامعية التي تدور حول المواضيع التي يترجم فيها و عليه دراسة الكتب كما لو كان طالباً فيجب عليه أن يفهم الأسئلة و يجيب على بعضها، إن لم يكن كلها، ويحاول أن يقيِّم اللغة المستخدمة في هذه الكتب ويكتشف المفردات و المصطلحات الجديدة التي لم يكن يعرفها من قبل فيتعلَّمها، و  من المفيد للغاية دراسة مثل هذه الكتب بجميع اللغات التي يعرفها المترجم.

2.        الاطلاع والقراءة العامة فهما يعملان على إثراء مخيلة المترجم بشتى المعاني التصويرية والقياسية وتزيد من كم التعبيرات لديه فيقرأ بعض المجلات، والجرائد، والكتب التي تتعلق بالمواضيع التي يترجم إليها ، هذا مع ضرورة بقائه على صلة دائمة باللغات التي يترجم منها وإليها حتى يكون مواكباً لتطوراتها بكل الوسائل المتاحة.

3.        الإلمام بحصيلة كبيرة من المصطلحات و المفردات ليثري المترجم خبرته اللغوية و يطور الذكاء الترجمي لديه.

4.        الاطلاع على تقنيات الترجمة وآلياتها واستراتيجيات التعامل مع مختلف أنواع النصوص فتكون لديه القدرة على الاستفادة من الوسائل التقنية المتاحة له.

5.        التدريب العملي ، فإلى جانب التأهيل الأكاديمي الذي يكتسبه طالب الترجمة داخل حجرات الدراسة هناك الجانب العملي الحقيقي في مكان الوظيفة و هو ما لا يتوفر داخل الجامعة أو الكلية. لذلك ينبغي أن يتدرب المترجم على المناخ الفعلي لعملية الترجمة كأن يختلط مع أولئك الأشخاص الذين يتحدثون باللغة التي يترجم إليها فيتعرض للمواقف المختلفة التي تكون بلا شك سبباً رئيساً في صقل موهبة المترجم وذخيرته اللغوية.

6.        التعرف على اللهجات العامية في كل اللغات التي يترجم منها و إليها. و يتبادر إلى ذهني موقفاً طريفاً حصل معنا في المسجد النبوي أثناء موسم الحج جاءتنا إحدى الزائرات من أهل المغرب العربي و كانت امرأة في الخمسينات تقريباً تسأل عن الباب الذي يؤدي بها إلى خارج المسجد قائلةً بلهجتها: يا بنتي قولي لي وين الباب تاع الزنقة؟ فنظرت الموجودات كل واحدة للأخرى تسأل زميلتها الزنقة؟!! إذ دخلتُ مع مترجمة و هي من بلاد المغرب العربي فأخبرت الأخوات أن الزنقة بلهجتهم تطلق على الطريق و الشارع. هناك الكثير من المواقف التي تحصل بسبب اختلاف اللهجات.

7.        القيام بتدريبات على الاستماع والفهم والاستيعاب وتحليل المضمون وتدوين المعلومات كلما كانت هذه المهارات متوفرة عند المترجم كانت ترجمته سريعة و دقيقة.

8.        يتدرب المترجم على العناصر التعبيرية غير المنطوقة في اللغات التي يترجم منها و إليها كالإيماءات والإشارات لما لها من دور كبير في نقل المعنى وإحداث الأثر المطلوب.


 القسم الثاني: المؤثرات التي تؤثر على المترجم، و فيه ثلاثة مباحث:

           المبحث الأول: المؤثرات الإيجابية.

           المبحث الثاني:المؤثرات السلبية.

           المبحث الثالث:طرق كسب المهارات و تطوير الذات للتقليل من المؤثرات السلبية.


 المبحث الأول: المؤثرات الإيجابية

·          البيئة المحيطة حول المترجم مؤثر فعال سواءً كان إيجاباً أو سلباً فعلى المترجم أن يختار لنفسه البيئة التي تساعده على تطوير قدراته و مهاراته الترجمية و يسعى لجعلها مؤثراً إيجابياً، (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).

·          التدريب العملي و ممارسة الترجمة بالتحدث و الاختلاط مع أصحاب اللغات التي يترجم منها و إليها.

·          عقد الندوات و المؤتمرات المتخصصة في علوم الترجمة لما لها تأثير كبير على تأهيل وتطوير قدرات المترجم و الرقي بكفاءته اللغوية و الترجمية.

·          إصدار مجلات أو منشورات متخصصة في معالجة قضايا الترجمة.

·          إصدار الكتب المتخصصة في علوم الترجمة.

·          إقامة الدورات التأهيلية و التطويرية فهي سببٌ رئيسٌ في صقل لغات المترجمين و الرقي بمستواها لتكون ترجماتهم محل احترام أصحاب اللغات المترجمة إليها.

·           تبادل الخبرات و التجارب.

 المبحث الثاني:المؤثرات السلبية

·         البيئة المحيطة حول المترجم . مثلاً إن كان من حوله لا يتحدثون باللغات التي يعرفها أو يترجم منها و إليها فإن مستوى الترجمة يقل لديه.

·         عدم ممارسة المترجم للترجمة واكتفائه بالتعليم الأكاديمي و تركه التدريب العملي.

·          عدم توفر الدورات و الأنشطة المساهمة في تطوير قدرات المترجم .

·         ندرة الأبحاث العلمية الحديثة في مجال الترجمة و علومها والمكتوبة باللغة العربية.[8]

·         عدم توفر الكتب التي تدور حول موضوع الترجمة و علومها باللغة العربية.

·         عدم توفر القواميس والمعاجم اللازمة في المجالات العلمية المختلفة.

·         عدم توفر هيئات مركزية لتوحيد ترجمة المصطلحات على المستوى الإسلامي و العربي.

المبحث الثالث:طرق كسب المهارات و تطوير الذات للتقليل من المؤثرات السلبية

على المترجم أن يسعى بشتى الطرق و الوسائل الممكنة تطوير ذاته و كسب المهارات المختلفة لإثراء ملكته الفطرية و اللغوية و من أهمها:

·         التدريب العملي و الاطلاع على الكتب والجرائد و المجلات العالمية التي تنشر باللغات التي يستخدمها المترجم.

·         تطوير مهارة الاستماع التي تؤدي إلى الفهم الجيد للنص و من ثم الحصول على ترجمة دقيقة.

·         العمل على تنشيط الذاكرة لاسترجاع أكبر قدر ممكن من الرسالة التي تم الاستماع إليها

·          إقامة الدورات و الأنشطة المساهمة في تطوير قدرات المترجم. فالندوة التي تقيمها الجمعية العلمية السعودية للسنة و علومها بعنوان (ترجمة السنة والسيرة النبوية) هي بادرة طيبة في تشجيع ترجمة السنة والسيرة النبوية سائلة الله عز وجل توفيق القائمين عليها لما فيه خدمة الإسلام و المسلمين.

·          تشجيع المختصين من العرب في مجال الترجمة و علومها و ذووا الخبرة أن يساهموا في كتابة الأبحاث العلمية الحديثة في مجال الترجمة و علومها و كل ما يختص بالترجمة (مشكلاتها و معوقاتها و قضاياها وعرض مقترحاتهم لحل هذه القضايا).

·         محاولة توفير الكتب التي تدور حول موضوع الترجمة و علومها باللغة العربية بالإضافة إلى ترجمة الكتب غير العربية .

·         أن يحاول أصحاب الاختصاص في مجال الترجمة إنشاء قواميس ومعاجم في مختلف المجالات العلمية[9] و تصحيح الأخطاء الموجودة في بعض القواميس.

·         إنشاء هيئات مركزية لتوحيد ترجمة المصطلحات على المستوى الإسلامي و العربي.


 الخاتمة

إن المترجم المتميز هو الذي يعرف جيداً لغته الأصلية وما اشتملت عليه من قواعد ومصطلحات قديمة وحديثة، كما أنه يتقن اللغة الأجنبية التي ينقل عنها، فضلاً عن تخصصه في المجال العلمي الذي يترجم فيه، كما يجب أن يكون متمكنا من اللغة العامية التي يتحدثها الناس.

و المترجم المتميز هو الذي يسعى دائماً لتطوير مهاراته و قدراته الترجمية و رفع كفاءته اللغوية و الترجمية.

و المترجم المتميز هو الذي يكون أميناً يتحرج من الخطأ في ترجمته تحرجاً يجعله يبذل كل ما في وسعه للوصول إلى المعنى المراد من النص المراد يسأل أهل العلم والخبرة ليكون عمله متقناً.

هذا وأسأل الله أن ينفع بهذا البحث ، و أن يوفق للصواب، إنه على كل شيء قدير، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين.



1- ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية( الواقع ، التطوير، المعوقات ).

4 - درء تعارض العقل والنقل : ١/  ٤٣.

[3] - مواصفات الترجمة المعدة للاستعمال في مجال الدعوة للدكتور/ إبراهيم بن صالح الحميدان.

[4] -  ) أنواع الترجمة:

 أ- الترجمة التحريرية: وهي التي تتم كتابةً. وعلى الرغم مما يعتبره الكثيرون من أنها أسهل نوعي الترجمة، إذ لا تتقيد بزمن معين يجب أن تتم خلاله، إلا أنها تعد في نفس الوقت من أكثر أنواع الترجمة صعوبة، حيث يجب على المترجم أن يلتزم التزاما دقيقاً وتاماً بنفس أسلوب النص الأصلي، وإلا تعرض للانتقاد الشديد في حالة الوقوع في خطأ ما.

 ب - الترجمة الشفهية: وتتركز صعوبتها في أنها تتقيد بزمن معين، وهو الزمن الذي تقال فيه الرسالة الأصلية. إذ يبدأ دور المترجم بعد الانتهاء من إلقاء هذه الرسالة أو أثنائه. ولكنها لا تلتزم بنفس الدقة ومحاولة الالتزام بنفس أسلوب النص الأصلي، بل يكون على المترجم الاكتفاء بنقل فحوى أو محتوى هذه الرسالة فقط.

وتنقسم الترجمة الشفهية إلى عدة أنواع:

أولاً: الترجمة المنظورة: أو الترجمة بمجرد النظر. وتتم بأن يقرأ المترجم نص الرسالة المكتوبة باللغة المصدر بعينيه، ثم يترجمها في عقله، ليبدأ بعد ذلك في ترجمتها إلى اللغة المنقول إليها بشفتيه.

ثانياً: الترجمة التتبعية: وتحدث بأن يكون هناك اجتماعاً بين مجموعتين تتحدث كل مجموعة بلغة مختلفة عن لغة المجموعة الأخرى. ويبدأ أحد أفراد المجموعة الأولى في إلقاء رسالة معينة، ثم ينقلها المترجم إلى لغة المجموعة الأخرى لكي ترد عليها المجموعة الأخيرة برسالة أخرى، ثم ينقلها المترجم إلى المجموعة الأولى ... وهكذا.

ثالثاً: الترجمة الفورية: وتحدث في بعض المؤتمرات المحلية أو المؤتمرات الدولية، حيث يكون هناك متحدث أو مجموعة من المتحدثين بلغة أخرى عن لغة الحضور. ويبدأ المتحدث في إلقاء رسالته بلغته المصدر ليقوم المترجم بترجمتها في نفس الوقت إلى لغة الحضور(. منقول عن موقع صيد الفوائد ، مقال أنواع الترجمة لمحمد حسن يوسف.

[5] - " المعجم الوسيط": (١/٨٣).                                                                          

[6] - يحضرني موقف حصل معي ذات مرة حين كنت أتحدث مع بعض الأخوات عن أحكام سجود السهو و حضرت إلى مجلسنا امرأة قالت:ما معنى السهو؟ فبينا لها أنه النسيان و من يومها تنبهت إلى هذه النقطة بأنه لا بد من تبسيط المصطلحات و خاصة الشرعية منها ليفهما العوام من الناس فيتمكنوا من فهم دينهم و عبادة الله على علم و بصيرة.

[7] - هذا فيما يخص باللغة الانجليزية أما بالنسبة للغة الأُردية فإنني للأسف حتى الآن لم أجد برنامج إملاء باللغة الأُردية و حتى برنامج كتابة النصوص (In page) الذي أستخدمه في كتابة النصوص باللغة الأُردية  ليس بدرجة مستوى برنامج Microsoft Office Word  .

[8] - وجدت مشكلة كبيرة في البحث عن الكتب و الأبحاث التي تخص موضوع بحثي (احتياجات المترجم و المؤثرات التي تؤثر على المترجم) لكن للأسف ما وجدت إلا بعض المقالات على الشبكة العنكبوتية  و بعض المواقع المتخصصة في الترجمة و علومها و سأذكرهما في المراجع.  و الأمر الذي يحزن أن أغلب الكتب والأبحاث التي وجدتها حول  الترجمة و علومها كانت بغير اللغة العربية.

[9] - أهمها قواميس المصطلحات الشرعية حيث أنني لم أجد قاموساً دقيقاً على حسب اطلاعي البسيط و محاولاتي المتواضعة في البحث عن قواميس لمصطلحات شرعية باللغة الأُوردية .