×
بحث مقدم إلى ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية والتي عُقدت بالرياض في الفترة من 23، 25/صفر/1429هـ، يبين حكم ترجمة السنة النبوية باعتبار مسألة البلاغ الدعوي المبين.

 حكم ترجمة السنة النبوية وعلاقته بالبلاغ المبين

بحث مقدم إلى ندوة " ترجمة السنة والسيرة النبوية: الواقع، التطوير، المعوقات" المقامة بالجمعية العلمية السعودية للسُّنة وعلومها

في الفترة  من 23-25 / 2 / 1429 هـ

إعداد :

د. عبد الله بن علي الزهراني

رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة النبوية

 المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فلقد ابتعث الله عز وجل نبينا محمداً رحمة للعالمين، و للناس كافة؛ بشيراً ونذيراً :  {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} (سبأ: 28)، وقال له ربُّه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} (المائدة: 67)، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، وكتب عليه الصلاة والسلام لملوك العالم في زمانه وبلّغهم رسالة الله، فكان منهم مَن قبل، ومنهم مَن أعرض، ولله الحكمة البالغة. وورَّث رسولُ الله هذا العلم لأصحابه والعلماء من بعده؛ ليكملوا مسيرة تبليغ الإسلام للناس أجمع قال : (( إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه، أخذ بحظ وافر )) ( ) .

وفاز بشرف الانتماء إليه والخصوصية به أهل الحديث، فهم الفرقة الناجية إلى قيام الساعة( )، فواجب عليهم أن ينشروا سنته ويذيعوا حديثه بين الناس، وأن يعلموهم أخلاقه وسيرته، ويظهروا شمائله عليه الصلاة والسلام.

وإن كانت المطابع اليوم ووسائل النشر الحديثة قد خدمت نشر السنة النبوية باللغة العربية؛ فإن نشرها باللغات الأخرى لايزال أقل من ذلك بكثير، ولعل تحرك الجمعية السعودية للسنة وعلومها نحو موضوع ترجمة السنة والسيرة النبوية يضع لبنةً في طريق نشر السنة باللغات الأخرى على وفق منهجية سديدة، تتم رعايتها من قبل أهل العلم والمختصين إلى أن تؤتي أكلها بإذن ربها.

ولعلني أسهم في خدمة السنة النبوية بهذا البحث:

( حكم ترجمة السنة النبوية وعلاقته بالبلاغ المبين)

ويمكن بلورة القضية التي يدور حولها هذا البحث في الإجابة عن السؤال التالي:

ما حكم ترجمة السنة النبوية باعتبار مسألة البلاغ الدعوي المبين؟

وأرجو أن يكون الإسهام الذي يقدّمه هذا البحث هو تأصيل لأحد مسائل ترجمة السنة النبوية، التي تتعلق بالدعوة إلى الله، حيث إن فائدة العلم بالسنة؛ العمل بها في ذات المرء ودعوة الناس إليها، كما قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} (العصر:3).

والله الموفق والهادي للصواب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الباحث:

د. عبد الله بن علي الزهراني

المدينة النبوية 1428هـ

 المبحث الأول: السُّنة النبوية وحي واجب الاتباع

السُّنة النبوية وحي من الله عز وجل، يقول تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 3-4)، قال حسان بن عطية: (( كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلِّمه إياها كما يعلّمه القرآن )) ( ).

وروى أصحاب السنن( ) عن المقدام بن معد يكرب، قال رسول الله : (( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يُوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلُّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ))  قال الترمذي:"حسن غريب من هذا الوجه" وعند ابن ماجه والترمذي في آخره: (ألا وإن ما حرّم رسول الله مثل ما حرّم الله).

قال الخطابي في شرح قوله (ومثله معه): (( يحتمل وجهين من التأويل: أحدهما أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أُعطي من الظاهر المتلو، ويحتمل أن يكون معناه أنه أوتي الكتاب وحياً يتلى وأوتي من البيان أي أُذن له أن يبين ما في الكتاب ويعم ويخص وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر )) ( )، وقول حسان بن عطية يُرجح الاحتمال الأول، وهو متضمن للثاني لأن في السنة بياناً وتفسيراً لما في القرآن وفيها أحكاماً ليست في القرآن. والثمرة المقصودة حاصلة بالوجهين وهي وجوب اتباع ما في السنة من الأحكام والتشريعات، وأنها من الدين الذي يُبلّغ للناس.

وقد آتى الله رسوله الحكمة وهي السنة ( )، وروى مكحول مرسلاً: قال رسول الله :   (( آتاني الله القرآن ومن الحكمة مثليه )) ( )، وقال تعالى آمراً زوجاته: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (الأحزاب:34)، قال القرطبي: (( فأمر الله سبحانه وتعالى أن يخبرن بما ينزل من القرآن في بيوتهن، وما يرين من أفعال النبي، ويسمعن من أقواله حتى يبلغن ذلك إلى الناس؛ فيعملوا ويقتدوا  )) ( ).

وقد أوجب الله طاعة رسوله وقرنها بطاعته سبحانه؛ فقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } (النساء80) وفي أكثر من آية يقول : {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..} .

وأوجب تعالى الأخذ بما جاء عن النبي فقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر7).

وعن أبي رافع قال رسول الله: (( لا أُلْفيَنّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه أمر مما أمرتُ به، أو نهيتُ عنه؛ فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ))( ) رواه الثلاثة، وقال الترمذي:" حديث حسن صحيح".

فما سبق وغيره يقرر أن السنة النبوية وحي من الله، وأنها مصدر للتشريع كالقرآن، ولا يستقيم إيمان العبد حتى يصدّق الرسول فيما أخبر ويطيعه فيما أمر، والسنة هي الحكمة التي علّمها النبي لأتباعه وأهل بيته، ولذا فتبليغ السنة تبليغ لدين الله عز وجل.



 المبحث الثاني : وجوب تبليغ السُّنة النبوية

لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم أن يبلّغوا ما تعلموه من الدين ، قال سبحانه: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} (آل عمران187)، وهذه الآية وإن كان لفظها موجهاً لأهل الكتاب فهي شاملة لكل من أوتي علماً لعموم المعنى، وكذا قال الحسن وقتادة: (( هي في كل من أوتي علم شيء من الكتاب، فمن علم شيئاً فليعلّمه، وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة))( ).

ولا يقتصر واجب تبليغ الدين والسنة النبوية على العلماء، بل يشمل أفراد الأمة، فيجب على كل فرد إبلاغ ما علمه من سنة رسول الله وشرعه قلَّ أو كثر ، لقول رسول الله :

(( بلَّغوا عني ولو آية)) ( )، فأمر بالتبليغ عنه ولو آية من كتاب الله، أو حديثاً من حديث رسول الله ، أو حكماً في مسألة واحدة يعلمها( ) .

وكما قال أيضاً في حجة الوداع: (( ليبلَّغ الشاهد الغائب )) ( ) فصار واجباً على من حضر وسمع شيئاً أن يبلّغه لمن لم يحضر.

وقد كان هذا دأب القرون المفضلة؛ قال جعفر بن برقان: (( كتب إلينا عمر بن عبدالعزيز: أما بعد، مُرْ أهل العلم والفقه من جندك فلينشروا ما علَّمهم الله عز وجل في مجالسهم ومساجدهم، والسلام ))( ) .

وهذا التبليغ للدين والسنة واجب على الأمة المحمدية وهو من باب فروض الكفاية، وفيه أجر عظيم، وفضل كبير( )، قال أبو بكر بن العربي: (( التبليغ عنه فرض وقد قال : (ليبلغ الشاهد الغائب) وهذا فرض على الكفاية، إذا قام به واحد سقط عن الباقين، وإذا أخبر به النبي واحداً سقط عنه فرض التبليغ، والدليل عليه قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}(الأحزاب: 34) وكان الوحي إذا نزل على النبي والحكم إذا أتاه لا يبرح به في الناس، ولكنه يخبر به من حضره، ثم على لسان أولئك إلى مَن وراءهم أيَّ وقت خرج إليهم وانتهى عندهم ، قوماً بعد قوم بحسب القرب والبعد ))( ) .

ومما يدل على أنه فرض كفاية، قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (آل عمران104)، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ} (التوبة122).

هذا وإن كان التبليغ فرض كفاية؛ فإنه يكون في بعض الحالات فرض عين( ) ، ومن ذلك:

الحالة الأولى : إن لم يوجد من يبلّغ عن الله، أو لم يقم به من يكفي، وكان الحال شديداً في الضلال؛ فيتعين على كل مَن علم شيئاً من أمر الدين أن يبلِّغه، ويشتد إذا غلب الجهل وتفشت المنكرات( ) .

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : (( وعند قلة الدعاة ، وعند كثرة المنكرات وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم، تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته ، وإذا كان في محل محدود كقرية ومدينة ونحو ذلك ، ووجد فيها من تولى هذا الأمر وقام به وبلَّغ أمر الله ، كفى ، وصار التبليغ في حق غيره سنة ، لأنه قد أقيمت الحجة على يد غيره، ونفذ أمر الله على يد سواه ))( ) .

الحالة الثانية : أن يكون هو الذي يعلم الحكم الشرعي في هذه الحادثة فقط ، فيلزمه حينئذٍ إبلاغه للناس، لأنه إن سكت مَن الذي سيقوم بذلك ولا يعرفه سواه. وشاهد هذه الحالة ما في الصحيحين( ) عن البراء بن عازب قال: (( لما قدم النبي المدينة صلى نحو بيت المقدس .. - وذكر قصة تحويل القبلة - ثم قال : فصلى رجل معه العصر ، ثم مرَّ على قوم من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر نحو بيت المقدس ، فقال : هو يشهد أنه صلى مع رسول الله وأنه قد وجه نحو الكعبة قال : فانحرفوا وهم ركوع )) . فهذا الصحابي لما كان هو الذي يعلم الحكم في هذه الحادثة وأولئك المصلين لا يعلمونه؛ رأى أنه لازماً عليه إبلاغهم ولم يسعه السكوت .

          قال أبو بكر بن العربي : (( وفيه : وجوب إبلاغ الدين وإعلام الشرع ، ونقل الأخبار على مَن علمها إلى مَن تحقق عنده أنه لا يعلمها، إذا كان ذلك مما يخاف فوته، أو يقع فيه تبديل بالدين ))( ) . وأفدنا من كلام ابن العربي تقييد هذه الحالة بما إذا كان ذلك الحكم مما يخاف فوت مصلحته لو لم يبلَّغ ، أو يقع فيه بسبب السكوت تبديل للدين .

وأما إن كان السكوت لمصلحة أكبر، أو كان الإبلاغ في هذا الحال تنجم عنه مفسدة أكبر فالسكوت هو الواجب .

الحالة الثالثة : إذا سئل عن مسألة ولم يُوجد مَن يجيب عنها إلا هو؛ فيلزمه إبلاغ الحكم الشرعي فيها ، حتى لا ينعدم العلم بحكمها ، أو يقع السائل في مفسدة ، أو تفوته مصلحة بعدم الجواب( ). كما روى الثلاثة( ) عن أبي هريرة قال رسول الله : (( مَنْ سُئل عن علم علمه، ثم كتمه أُلْجِم يوم القيامة بلجام من نار )) قال الترمذي: حديث حسن . أما إذا وجد غيره ، فيتسع الأمر لوجود من يقوم بهذه المهمة، كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يتدافعون الفتوى إذا كانوا مجتمعين( )، قال ابن أبي ليلى: (( أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله -أراه قال في المسجد - فما كان منهم محدث إلا ودَّ أن أخاه كفاه الحديث ، ولا مُفت إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا ))( ).

الحالة الرابعة : إذا وجد منكر فيلزم على مَن رآه وكان مستطيعاً أن ينكره، ويبلَّغ حكم الله في هذا الموقف. وهذا أصل متفق عليه وأدلته من الكتاب والسنة كثيرة، ومما يدل عليه ما في الصحيحين ( ) عن أبي شريح الخزاعي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً قام به رسول الله الغد من يوم الفتح ، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به .. ثم قال : إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً أو ... وليبلَّغ الشاهد الغائب .. الحديث )) ، فلما رأى أبو شريح هذا الأمير يريد أن يغزو مكة أنكر عليه وبلَّغه قول النبي في هذه الحادثة بعينها ، وذكر في آخر الحديث النص على التبليغ ، ليبين أنه بهذا يخرج من عهدة التبليغ( ) ، وأنكر المنكر بما يستطيع .

وبعد ذلك؛ هناك أمور من تفاصيل الدين والسنة قد لا يكون من المناسب إشاعتها؛ لما قد يسببه ذلك من اشتباه في ذهن السامع أو لما قد يحدث من فتنة بسبب عدم الفهم في بعض المجتمعات، والأصل الذي  يعتمد عليه هنا ما رواه الشيخان( ) عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله قال لها : (( لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية، لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين ) وقد بوَّب البخاري على هذا الحديث في صحيحه بقوله: (( باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه؛ فيقعوا في أشدّ منه ))( ) ؛ فالنبي قد ترك هذا العمل لمفسدة قد تقع من المدعوين في فَهم هذا العمل الصحيح الذي ليس فيه مفسدة في ذاته.

ومن الأصول التي يعتمد عليها أيضاً في هذا الباب ما رواه الشيخان( ) عن معاذ بن جبل قال: كنت رِدْفَ النبي على حمار يقال له عُفَير . فقال: يا معاذ هل تدري ما حقُّ الله على عباده، وما حقُّ العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإن حقَّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحقَّ العباد على الله أن لا يعذِّب مَنْ لا يُشركُ به شيئاً . فقلت : يا رسول الله: أفلا أُبشِّر به الناس ؟ قال : (( لا تُبشِّرْهم فيتَّكِلوا )) .

فقد خصَّ النبي معاذاً بهذا التوجيه ونهاه عن إخبار الناس به، فيمكن للعالم أن يخصّ بالعلم أو بعض مسائله بعض الناس دون غيرهم( ) لمصلحة معتبرة.

واستنبط الإمام البخاري من هذا الحديث هذا المعنى فقال: (( باب من خص بالعلم قوماً دون قوم؛ كراهية أن لا يفهموا، وقال علي بن أبي طالب: حدّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله ))( ).



 المبحث الثالث: متى يكون البلاغ مبيناً

يقول الله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } (النور54)، وحتى يكون البلاغ مبيناً لابد من توفر بعض الأمور المتعلقة بالرسالة المبلَّغة، وبعض الأمور المتعلقة بالمبلِّغ، وأخرى متعلقة بالمبلَّغ إليه.

أ- أما الرسالة المبلغّة:

فلا بد أن تكون الرسالة بتعاليمها وأوامرها واضحة مفصّلة، وأدلتها لا شك فيها ولا شبهة، توجب الفهم لمن سمعها( )، حتى تقوم الحجة. وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع الصحابة ومن بعدهم من الأئمة على أنه يلزم لبلوغ الحجة أن تُفهم فهماً صحيحاً لا شبهة فيه( ).

ولكن لابد أن يُعلم أن الفهم على نوعين بناء على أن الحجج الشرعية على نوعين( ) يختلف فهمها على حسب الشخص وعلى حسب الحجة ذاتها:

النوع الأول: حجج واضحة مكشوفة قريبة الفهم من كل أحد، وهي ما كان أدلة لما يدخل به المرء في الإسلام، وهي قضايا ظاهرة لا يرتاب العقلاء في وضوحها .

وهذه كثيرة في القرآن، فمن بلَغه نصوص الوحي وكان يفهم اللسان العربي، فقد بلغته الدعوة وقامت عليه الحجة( )، وهذا يمكن حصوله لعموم الناس . ولكن قد يحصل لبعضهم درجة من الفهم فيها أعلى وأعمق دلالة، وهذا ما حصل لكبار الصحابة والفضلاء من العلماء الربانيين( ) . وهذا المستوى من الفهم في الحجج الواضحة لا يُشترط في قيام الحجة، فهو

لا يحصل أصلاً إلا بعد التسليم لله والإيمان به، ومجاهدة النفس على طريق الله كما قال سبحانه: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} (البقرة282)، وقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ} (فاطر28). قال الشيخ حمد بن معمر: (( وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهماً جلياً كما فهمها من هداه الله ووفقه، وانقاد لأمره، فإن الكفار قد قامت عليهم حجة الله مع إخباره بأنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ))( ). فما فقهوه الفقه النافع المؤدي للهداية، ولكنهم علموا المراد منه وعلموا صحته وفقهوا معناه كما ذكر تعالى عنهم ما يدل على فهمهم للمراد حيث قالوا : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص5) وقوله : {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ . وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} (الصافات35-36)، ولكنهم لم يستجيبوا ويؤمنوا، بل اتبعوا أهواءهم وأعرضوا عن الحق فطبع الله على قلوبهم وختم على سمعهم وأبصارهم( )، كما قال سبحانه : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (الجاثية23) .

النوع الثاني : نوع أقل وضوحاً من السابق، وهو لا يتعلق بالقضايا التي عليها دخول المرء في الإسلام، وهذا على درجات منه ما يخفى على قلة من الناس، ومنه ما يخفى على كثير منهم ( ) . فهذا النوع لا بد بعد بلوغ نصوص الوحي من التوضيح والتبيين ودفع الشُّبَه عنه. ومن هذا النوع ما يتعلق بمسائل الإيمان، ومنه ما يتعلق بمسائل الفقه العملي. وكثير من هذا النوع لا يفهمه إلا الراسخون في العلم، ومن أراد الله هدايته إليه.

ب- ويُشترط للبلاغ المبين بالنسبة للمبلِّغ، أمران :

فيلزم أن يكون المبلِّغ عالماً صادقاً، ويتبع ذلك أن يكون حسن الطريقة مرضيَّ السيرة عدلاً في أقواله وأفعاله ، متشابه السر والعلانية ، وأن يقول الحق ويصدع به لا يخاف لومة لائم( )، قال ابن القيم: (( ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ.. إلا لمن اتصف بالعلم والصدق فيكون عالماً بما يبلِّغ صادقاً فيه..))( ).

ج- أما بالنسبة للمبلَّغ إليه، فيشترط فيه :

          1- أن يكون سالماً من عيوب عدم الإدراك والفهم، كالجنون والصمم .

          2- أن يصل إليه البلاغ المبين بطريق يثبت عنده صدقه .

فإن لم يصل البلاغ، أو كان المبلَّغ إليه لا يمكنه إدراك البلاغ، فإنه لا تقوم عليه الحجة لأن الله تعالى بقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الإسراء15)، وقد أجمعت الأمة( ) من الصحابة ومن بعدهم على أن الله لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه وذلك بوصولها إليه وإدراكها من قبله . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( إن الله يقول : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكّن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به . فأما العاجز عن العلم كالمجنون، أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي. وإذا انقطع العلم ببعض الدين، أو حصل العجز عن بعضه، كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله، كمن انقطع عن العلم بجميع الدين، أو عجز عن جميعه كالمجنون مثلاً، وهذه أوقات الفترات))( ) .

          فالشرط الأول الذي هو التمكّن من العلم قد يكون فَقْده كلياً، وقد يكون جزئياً، فالكلي يقطع العذر كلياً، والجزئي يقطعه في حال دون حال ووقت دون وقت كما مثَّل ابن تيمية بأوقات الفترات ونحو ذلك .

          أما كونه يشترط أن تكون الطرق ثابتة عند المبلَّغ إليه صدقها، فلأن بلوغها بطريق غير ثابتة عنده لا يفيده العلم، فإن الله تعالى يقول: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} (النجم28)، ويقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا.. الآية} (الحجرات6)، فغير الفاسق هو الذي يوثق بخبره مباشرة دون تفقد حاله، فوجب أن يكون من يبلِّغ الرسالة عدلاً معروفاً عند المرسل إليه حتى تحصل الثقة بخبره، ولذا بعث الله الرسل إلى أقوامهم الذين يعرفونهم كما قال سبحانه: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ..} (الأعراف65)، وقال: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً..} (الأعراف73)، وبعث محمداً إلى أهل مكة وهو المعروف لديهم بنسبه وفضله واشتهر عندهم بالصدق والأمانة( ). فإنه كما قال الشافعي: ((لا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المُخْبِر وكذبه))( ).

وقد وضح الإمام الشافعي( ) أن البلاغ يحصل وتقوم به الحجة من الواحد إذا كان معروفاً عند من يُرسل إليهم بالفضل والصدق، وإلا لو كان غير معروف فإنه لا تحصل الثقة به ولا تكون الحجة قد قامت عليه وأطال في ذلك،

ومما يدل عليه ما رواه الترمذي( ) : (( أن رسول الله بعث أبا بكر والياً على الحج في سنة تسعٍ للهجرة وبعث في أثره علياً ليبلغهم سورة براءة ، وينبذ إلى المشركين عهدهم ))، فلو لم يكونوا معروفين عندهم لما صح البلاغ، قال الشافعي: (( فكان أبو بكر وعلي معروفين عند أهل مكة بالفضل والدين والصدق ، وكان من جهلهما أو أحدهما من الحاجّ، وجد من يخبره عن صدقهما وفضلهما .. إلى أن قال: وقد فرَّق النبي عمَّالاً على نواحي عرفنا أسماءهم ... إلى عشائرهم بعلمهم( ) بصدقهم عندهم))( ) ثم ذكر رحمه الله أمثلة أخرى ثم قال : (( ولا أحسبه بعثهم مشهورين في النواحي التي بعثهم إليها بالصدق ، إلا لما وصفت من أن تقوم بمثلهم الحجة على من بعثه إليهم ..))( ) فهذا شرط مهم لقيام الحجة أن تصل الدعوة عن طريق يعرف صدقه ويثبت خبره ، حتى يثق المدعو وتقوم عليه الحجة، وبذلك يكون البلاغ مبيناً .



 المبحث الرابع: حكم ترجمة السنة النبوية

تبليغ السنة النبوية وتعليمها للناطق باللغة العربية بالقول أو الكتابة متيسر، لكثرة ما كُتب وأُلف ونُشر ولله الحمد، ولكن كيف تصل السُّنة المحمدية إلى غير الناطقين باللغة العربية ؟ ومن يعلمهم دين الله وسيرة رسوله التي فيها الهدى والنور؟

وكقضية أساسية؛ فإن كل مسلم مطالب بتعلم اللغة العربية لأنها لغة القرآن والسُّنة، وبها يتمكن المسلم من فهم دينه وتعلّم أحكامه على الوجه الأكمل، ومن خلالها يستطيع استشعار عظمة الإسلام وجميل آداب النبي وسيرته العطرة..

ولكن الواقع يفرض قيام عوائق لتعلّم جميع المسلمين للغة العربية، فما العمل إذن ؟

إن من الوسائل الممكنة لتبليغ السنة النبوية هو ترجمتها إلى اللغات المراد تبليغ الدين إلى أهلها، فلقد أرسل الله الأنبياء إلى أقوامهم بألسنتهم:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم:4)، ليتحقق البلاغ المبين، ولما كانت الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات، وجب في الجملة نقلها إلى جميع الألسنة ليتم تبليغ الرسالة تبليغاً يوصل المعاني إلى المبلَّغين ويفهمونها فهماً صحيحاً وافياً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( ومعلوم أن الأمة مأمورة بتبليغ القرآن لفظه ومعناه، وكما أُمر بذلك الرسول ، ولا يكون تبليغ رسالة الله إلا كذلك، وأن تبليغه إلى العجم قد يحتاج إلى ترجمة لهم فيُترجم لهم بحسب الإمكان ))( )، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب( ).

وبحسب التفصيل السابق في مسألة البلاغ المبين فأرى أن يكون حكم الترجمة كما يلي:

أولاً : بالنظر إلى التفصيل في مضامين الرسالة

1- ترجمة ما فيه قيام الحجة على الناس من الحجج الواضحة، التي يكون فيها أدلة لما يدخل به المرء في الإسلام، فهذا النوع لو قيل بوجوب ترجمته مطلقاً، لكان سائغاً.

2- ترجمة أصول العقائد والشرائع، فهذا النوع يُترجم منه ما يتعلق بإقامة العقيدة، وإقامة الأركان الخمسة، بدليل اقتصار بعض الأعراب في عصره على أساسيات الدين وأركانه( ).

أما تفاصيل التشريعات فأرى عدم ترجمتها، والأفضل من وجهة نظري ألا يتلقى المسلم مثل ذلك إلا باللسان العربي، لأن الترجمة ستفقده كثيراً من رونقه العربي، وكثيراً من المعاني المتعددة التي تحملها اللغة، وكثيراً من الجمال البياني المتوفر في اللغة العربية .

كما أن ترجمة مثل تلك التفصيلات أو ما في ظاهره اختلاف قد يُستغل من قبل أعداء الإسلام في تشويه صورة الإسلام في أذهان غير المسلمين بما يصدّهم عن الدخول فيه أو حتى التعرف عليه.

إذن إذا كان البيان في القدر الواجب على المسلم فهمه من الدين لا يحصل إلا بالترجمة فهو من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ} (التوبة6): (( قد علم أن المراد أنه يسمعه سمعاً يتمكن معه من فهم معناه، إذ المقصود لا يقوم بمجرد سمع لفظ لا يتمكن معه من فهم المعنى، فلو كان غير عربي لوجب أن يترجم له ما تقوم به عليه الحجة، ولو كان عربياً وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست من لغته، وجب أن نبين له معناها. ولو سمع اللفظ كما يسمعه كثير من الناس ولم يفقه المعنى وطلب منا أن نفسره له، ونبين له معناه؛ فعلينا ذلك. وإن سألنا عن سؤال يقدح في القرآن أجبناه عنه، كما كان النبي إذا أورد عليه بعض المشركين أو أهل الكتاب أو المسلمين سؤالاً يوردونه على القرآن فإنه كان يجيبهم ))( ) .

3- أما تلك الأمور التي ذكرنا أن نشرها قد يحدث لدى العامة فتنة وهي أمور يسيرة ولا يقوم على أساسها الدين ولا علاقة لها بعبادة المسلم اليومية غالباً؛ فأرى المنع من ترجمتها، وأن تبقى باللغة العربية حتى إذا فهم المسلم غير الناطق بالعربية الإسلام وأركانه وعمل بالواجب عليه وتعلم اللغة العربية وكان من أهل العلم والفهم فلَه أن يطلع على ذلك أو يتركه، فما يحتاجه الناس هذه الأيام من أصول الدين والعبادة والتشريعات أكبر بكثير من ذلك.

ثانياً : بالنظر إلى المبلِّغ :

فلا يجوز أن يقوم جاهل ولا غير الصادق الأمين بالترجمة، والجهل قد يكون باللغة سواء العربية أو اللغة المنقول إليها وقد يكون جهلاً بالأسلوب الصحيح للترجمة، وقد يكون جهلا بالعلم الشرعي وبمعاني النصوص الشرعية، فكيف ينقل إلى لغة أخرى وهو لم يفهم المراد أصلا، ويجهل كيفية العمل ؟! هذا على مستوى الأفراد .

أما مراكز الترجمة أو مؤسسات الترجمة، فلابد أن يُوجد فريق عمل متكامل يتوفر في مجموعهم العلم بما سبق، ويكون بينهم من التنسيق والمراجعة ما يكفل قيام الترجمة على أسس علمية صحيحة. وهنا يجب على تلك المراكز والمؤسسات أن تستعين بالأمناء الصادقين وإلا فعملهم ينقصه شرط الأمانة والصدق.

وما سوى ذلك فلا أرى أنه يجوز لهم القيام بالترجمة، وكثيراً ما رأينا وسمعنا عن أعمال مترجمة فيها كثير من الأخطاء والطوامّ، والسبب فَقْد هذا الشرط: العلم والأمانة.

ثالثاً : بالنظر للمبلِّغ إليهم :

أرى أن يُبدأ بالترجمة إلى اللغات الأكثر انتشاراً والتي يتكلم بها أعداد كبيرة من الناس، ثم اللغات الأقل انتشاراً.

أما بعض اللغات قليلة الانتشار والتي قد لا يتحدث بها إلا أقليات فلا أرى أن يترجم لهم إلا النوع الأول من المضامين الشرعية، لأن مثل تلك اللغات غالباً لا يكون فيها من الإمكانات اللغوية الشيء الذي قد يتواءم مع المعاني الجليلة الكبيرة، ومن اللطائف أنني زرت أحد مراكز الترجمة قبل فترة من الزمن فوجدت عندهم ترجمة إلى لغة ليس لها حروف تكتب بها أصلاً، فتمت الترجمة إلى تلك اللغة بالصوت، وذُكر لي أنه يتكلم بها بعض القبائل التي تعيش في أفريقيا.



 المبحث الخامس: ثمرات الترجمة المتعلقة بالبلاغ المبين

من ثمرات الترجمة المتعلقة بمسألة البلاغ المبين ما يلي:

1- إيضاح الطريق الحق لعبادة الله تعالى لغير الناطقين باللغة العربية:

          فالعبادة هي السبب الذي من أجله خلق الله الخلق( ) ، وأوجدهم من العدم ليعبدوه وحده، ويعظموه سبحانه، ويعملوا بشريعته، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات56)، ولأجل تحقيق عبادته سبحانه أرسل للناس رسله وأنزل كتبه، حتى يتعرفوا على ربهم ويعبدوه وفق ما شرع؛ فإرشاد الناس إلى الطريق لمعرفة الله وتوحيده، ومعرفة ما يلزم من الأوامر والنواهي، من أهم أهداف البلاغ المبين( ) .

كما قال تعالى: { فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ . وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (النحل36)، قال السعدي: (( يخبر تعالى أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة إلا وبعث الله فيها رسولاً، وكلهم متفقون على دعوة واحدة ودين واحد، وهو: عبادة الله وحده لا شريك له ))( ) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: (( إن الله خلق الخلق لعبادته، ولما كانت العبادة لا يمكن أن تستقل بتفاصيلها العقول: أرسل الله سبحانه الرسل وأنزل الكتب لبيان الأمر الذي خلق الله من أجله الخلق ))( ).

2- تهيئة الناس لقبول دعوة الإسلام :

          فليس كل المدعوين يستجيبون للدعوة ، فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة ، وليس هذا من شأن المبلَّغ عن الله الداعي إلى طريقه ، وإنما يهدف الداعية إلى أن يهيئ الناس لقبول الحق، وذلك بأن يسمعهم كلام الله ويتلو عليهم آياته التي فيها الحق والنور، باللغة التي يفهمونها، قال سبحانه: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (التوبة6)، قال الإمام ابن كثير : (( أي استأمنك فأجبه إلى طلبته حتى يسمع كلام الله أي القرآن تقرؤه عليه وتذكر له شيئاً من أمر الدين تقيم به عليه حجة الله ... أي : إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله وتنتشر دعوة الله في عباده ))( ) ، فهؤلاء الذين

لا يعلمون عن دعوة الحق شيئاً؛ يجب على الداعية أن يسمعهم كلام الله الذي فيه البيان الشافي والإيضاح الكامل لدعوة الإسلام، ثم يتركهم وشأنهم مَنْ شاء قَبِل الدعوة أو مَنْ شاء تركها، وهذه الآية جاءت في حال الحرب مع المشركين وتدل على أن للداعية أن يؤَمِّن المشرك ليسمع التنـزيل ويتعرف على الإسلام( ) ، فغير حالة الحرب أولى بهذا الحكم .

ثم إنه إذا حصل لهذا المشرك السماع والتعرف على دعوة الإسلام؛ فإن هذا بمنـزلة الخطوة الأولى في دعوته واستمالته للحق، يقول الدكتور عبد العزيز النغيمشي: ((فاستعداد المتعلم النفسي وانتباهه الاختياري وإقباله على السماع والنظر، يُعد أول خطوة، ولا يتم ما بعدها إلا بها، قال تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق37) ))( )، فتلاوة آيات الله على الناس باللغة التي يفهمونها؛ ليسمعوها ويعوا ما فيها من حكم وأحكام، وتبشير وإنذار يعد هدفاً أساسياً للرسل وأتباعهم يحصل به تهيئة الناس لقبول الحق والاستجابة له.

3- إقامة الحجة على الناس :

          لقد أرسل الله تعالى رسله وأنزل كتبه، لتقوم الحجة على الخلق وتنقطع المعذرة، فلا يحتج أحد على الله تبارك وتعالى بأنه لم يأتهم رسل يبلغونهم دعوة ربهم ويفهمونهم ماذا يريد الله منهم( ) .

فكيف يعذبون دون بلاغ ؟ كما قال تعالى عنهم: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى} (طه134).

وقطع الله عنهم حجة عدم إنزال الكتب، أو عدم فهم الكتب السابقة، بإنزال هذا القرآن الجامع المبين، كما قال تعالى : {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ}؛ فأجابهم بما يقطع معذرتهم ويقيم عليهم الحجة: {فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ}(الأنعام156- 157) . فإنزال الله تعالى القرآن كان جواباً على تعذرهم بعدم إنزال الكتب عليهم، وكونه واضحاً مبيناً بلغة عربية فصيحة، فيه الهدى والرحمة؛ جواباً على تعذرهم بعدم الفهم والإدراك للكتب السابقة ( ) .

فمن رحمة الله على عباده أن أرسل إليهم الرسل بألسنتهم؛ يبلّغونهم آيات الله ويهدونهم سبل الحق، وجعل على نفسه تعالى أن لا يعذب الغافل الذي لم يأته بلاغ من ربه، وذلك فضل من الله محض ومنَّة منه سبحانه( ) ، كما قال جل ذكره: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الإسراء15)، وقال تعالى: {ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} (الأنعام131) ، قال

ابن كثير: (( أي إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لئلا يؤاخذ أحد بظلم وهو لم تبلغه الدعوة ))( ) .

وقد ذكر سبحانه أن الكافرين أقروا وشهدوا ببلوغ الرسالة إليهم كما قال سبحانه: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } (الأنعام130) . ومع هذا فإن الله يبعث من كل أمة شهيداً يشهد على إبلاغهم، ثم يأتي نبينا محمد فيشهد وتشهد أمته على البلاغ التام من جميع الأنبياء، قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً} (النساء41) ، وقال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (البقرة143).

وروى البخاري والترمذي( ) عن أبي سعيد الخدري ما يوضح تفسير هذا الإشهاد فقال: قال رسول الله : (( يدعي نوح فيقال : هل بلغت ؟ فيقول: نعم ، فيدعي قومه، فيقال هل بلَّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير ما أتانا من أحد. فيقال: مَنْ شهودك؟ فيقول: محمد وأمته. قال: فيؤتى بكم تشهدون أنه قد بلَّغ؛ فذلك قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً})).

وقد قال قتادة في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً .. }(الأحزاب45) : (( شاهداً على أمته بالتبليغ إليهم وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم ))( ) . وبهذه الشهادات لا يبقى للناس على الله حجة إطلاقاً، وكما في الحديث الصحيح عن المغيرة قال : قال رسول الله : ((  ... ولا شخص أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين )) ( ). فهو سبحانه يحب أن يعذر إلى الناس ويبلِّغهم دينه، والترجمة إلى اللغات الأخرى تحقق لأهل تلك اللغات هذا الهدف وتقوم الحجة على الجميع، وتقوم الأمة المحمدية بواجبها حيال تبليغ دين الله للناس كافة، وتكون شاهدة على الجميع.

4- إظهار محاسن الإسلام وتكامل دعوته فيما يصلح أمر الدنيا والآخرة:

          إن الله بعث نبيه رحمة للعالمين هادياً ومعلماً ، قال سبحانه : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء107)، ولما كانت الرسالة المحمدية آخر رسالات الله إلى أهل الأرض ، وكانت رسالة عالمية كاملة، صالحة لكل زمان ومكان؛ كان مما دعا إليه رسول الله: إرشاد الناس إلى ما يصلح أمور معاشهم، وإلى ما يكفل لهم الحياة الطيبة في الدنيا ثم الآخرة( ) .

ونصوص الوحي التي أُمر النبي بتبليغها للناس كتاباً وسنة؛ تضمنت الإرشاد لهذا الهدف بكثرة، وجملة هذه النصوص تدور حول التوجيه لما فيه إصلاح الدنيا، وذلك بتبيين أوجه المصالح وطرق اكتسابها ، وأوجه المفاسد وطرق تجنبها.

وترجمة السنة النبوية المتضمنة لهذا الهدف الدعوي؛ تجعل الناس يقبلون على دين الله بنفس راضية مطمئنة، لأنهم يرون التكامل في هذه الدعوة فلم تهمل أمر الدنيا مع أنها دعوة لدخول الجنة في الأصل كما قال تعالى: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ..} (يونس25).

5- حصول المترجم على أجر البلاغ والدعوة:

فالمترجم الذي يقوم بهذا الواجب يحصل على الأجر العظيم لما يقدمه من هداية وإرشاد للناس، ولما تولاه من القيام بجزء من أعباء خلافة الأنبياء وحق الوراثة الدينية ، فقد روى مسلم والترمذي( ) عن أبي هريرة قال رسول الله : (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً  )) ، و عن أبي مسعود البدري قال رسول الله : (( من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله )) ( ) وهذا فيه بيان لعظيم الأجر الذي يستحقه القائم بالدعوة إلى الله بحسب جهده واجتهاده، فإن زاد عدد من دعاهم زاد أجره، وهذه الدلالة على الخير سواء كانت دلالته بالقول أو الفعل أو الإشارة أو الكتابة أو الترجمة أو غير ذلك، فالدَّال على الخير كفاعله، ولم يحصر النبي كيفية الدلالة في نوع محدد ( ).

كما يحصل للمترجم الذي بلِّغ عن رسول الله النضرة والبهاء، كما روى أبو داود والترمذي( ) عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله: (( نضَّر الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلِّغه غيره، فربّ حامل فقه إلى مَنْ هو أفقهُ منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه )). وهذا دعاء من رسول الله بالنضارة لمبلِّغ سنته، والنضارة هي: النعمة والبهجة والسرور( ) . وتكون هذه النضرة في وجوههم أثراً لما يجعله الله في قلوبهم من نور الحق، ولما يحصل لقلوبهم من سرور وطيب يظهر على وجوههم ( ) .

وأعظم من ذلك أن الله وملائكته وأهل السموات والأرض يصلون عليه لأنه بترجمته للسنة النبوية يكون من جملة معلمي الخير، كما روى الترمذي( ) عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله : (( إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت؛ ليصلّون على معلم الناس الخير)) .

وهذه فائدة عظيمة تحصل للمترجم الذي يبلِّغ عن الله وعن رسوله ، فصلاة الله على العبد هي ثناؤه عليه عند الملائكة وتزكيته لعباده ورحمته لهم، وصلاة الملائكة وسائر الخلق هي أنهم يستغفرون ويدعون له( ).



 الخـاتمـــــة

بعد حمد الله وشكره، والصلاة والسلام على الهادي البشير محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، أذكر خاتمة لهذا البحث، تتلخص في:-

* إن واجب تبليغ الدعوة إلى الله الملقى على عاتق هذه الأمة ولاسيما أهل العلم منهم، يستلزم القيام بكل جهد حتى تصل دعوة الإسلام صافية نقية كما جاء بها المصطفى إلى الناس كافة، وما ترجمة السنة النبوية إلا إحدى الوسائل الفاعلة في هذا الباب، ولكن؛ القدوة الحسنة والتطبيق العملي للإسلام من قبل أبنائه من أبلغ الوسائل وأمضاها، فإذا اتفق نشر الإسلام باللغات الأخرى مع واقع تطبيقي من المسلمين –في الجملة- اكتملت الصورة في أذهان المدعوين، وإلا حصلت فجوة بين غير المسلمين والدخول في الإسلام بسبب أبناء الإسلام، فأدعو نفسي وإخواني من طلبة العلم وكل مسلم تشغل الدعوة همّه إن يقيم الإسلام في نفسه ويدعو إليه بالوسائل المشروعة المتاحة على قدر الوسع والطاقة.

* البلاغ المبين يستلزم وضوح الرسالة وفهمها، والنصوص الشرعية كتاباً وسنة على ثلاثة أقسام:

الأول: نصوص شرعية تضمنت حججاً وأدلة لما يدخل به المرء في الإسلام، فهذه واضحة جلية، وترجمتها واجبة على الأمة المحمدية لتقوم بالبلاغ المبين حقاً، وتستحق وراثة النبوة المحمدية، ويلحق بذلك فيما أرى ما فيه بيان لمحاسن الإسلام والجواب على طعون غير المسلمين في عقائد الإسلام وأحكامه.

الثاني: نصوص شرعية تضمنت أدلة وحججاً لبعض عقائد الدين وعباداته الواجبة العينية، وترجمة تلك النصوص، واجب في الجملة، أما تفاصيلها فأرى أن يكلف المسلم الجديد بتعلم اللغة العربية ليتزود منها، ولا يغيب عن جمال لغة القرآن وعظمتها.

الثالث: نصوص تضمنت بعض الدقائق والإشكالات، وهذه على قلتها، لا أرى من المناسب ترجمتها، لأنها لا تفيد المسلم الجديد، ولأن ترجمتها قد تحدث فتنة أو تزرع إشكالات.

كما أنه لا يجوز لمن فقد شرط العلم والصدق أن يقوم بالترجمة سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات، ويُراعي في الترجمة كذلك حال المدعوين ومن تصلح له الترجمة ومن له لا تصلح له، ومن يستفيد منها ومن لا يستفيد .

وهذا الإطار لحكم الترجمة ما هو إلا أحد المحددات التي تضبط قضية الترجمة، فأوصي باستكمال باقي تلك الأطر، لتتضح الصورة السليمة لترجمة السنة النبوية وفق هدي صاحبها عليه الصلاة والسلام، كما أن التجارب المعاصرة في باب الترجمة قد توضح جانباً من الحاجة الواقعية أو الأحوال التي يُبنى عليها حكم الترجمة وطريقتها، وغير ذلك.

* إن قيام المتخصص بمهمة الترجمة يحقق أهداف البلاغ الدعوي؛ وبهذا يدخل ضمن الدعاة الذين لهم أجر كبير ، جعلنا الله وإياك منهم .

* أظن أن ترجمة السنة النبوية – على الأقل في بعضٍ مما اطلعت عليه- لم تأخذ بالحسبان قضية البلاغ الدعوي، ولذا فقد وقع بعض القائمين على الترجمة في أخطاء منهجية؛ ولعل منها ترجمة ما لا فائدة منه للمسلمين الجدد، أو ترجمة ما كان فيه بعض المشتبهات التي لا يعلمها كثير من الناس، ولعل منها استنزاف الوقت والجهد في ترجمة تفاصيل العلوم الإسلامية بما لا داعي له – من وجهة نظري- ، ولعل منها صرف المسلم الجديد عن تعلّم اللغة العربية التي اختارها الباري سبحانه لخاتمة شرائعه ورسالاته إلى أهل الأرض. وانصراف الناس عن اللغة العربية يفوت فرصة كبيرة لتذوق طعم الإيمان وحلاوة آيات الكتاب العزيز وجمال أحاديث المصطفى .

* أنني أرى أن تقوم مراكز للترجمة إلى اللغات الحية واسعة الانتشار، وتُؤصل على منهج واضح متدرج، يأخذ قضية البلاغ الدعوي بعين الاعتبار، فنعلم ما يترجم وما لايترجم، وأولى ذلك بعد أركان الدين وأساسياته، أن يُعلّم الناس اللغة العربية بعلومها المختلفة؛ ليفقهوا دين الله حق الفقه. والله أعلم وأحكم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.