×
هذا الكتيب يبين معنى الغفلة، وأعراضها وأسبابها، وبعض الأعمال اليومية التي يقوم بها الإنسان وقد جعلها أهل اليقظة عبادات.

 الغفلة واليقظة

ميادة بنت كامل آل ماضي

  بسم الله الرحم الرحيم

 الغفلة

الحمد لله الواحد القهار، العزيز الجبار، الحليم الغفار، مقدر الأقدار، مصرف الأمور على ما يشاء ويختار، ومكور الليل على النهار، الواحد الأحد، الفرد الصمد، العليم الحكيم، الذي أيقظ من اصطفاه من خلقه من رقدة الغافلين فأدخله في جملة الأخيار، ووفق من اجتباه من عبيده فجعله من المقربين الأبرار، وبصر من أحبه من خلقه للحقائق فزهد فيما في هذه الدار، فاجتهدوا في مرضاته والتأهب لدار القرار، واجتناب ما يسخطه والحذر من عذاب النار، وأخذوا أنفسهم بالجد في طاعته وملازمة ذكره بالعشي والإبكار، وعند تغاير الأحوال وجميع آناء الليل والنهار، فاستنارت قلوبهم بلوامع الأنوار.

أحمده أبلغ الحمد على جميع بلائه ونعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه وخليله، أفضل المخلوقين، وأكرم السابقين واللاحقين، حامل الرسالة، مؤدي الأمانة، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر إخوانه النبيين، وارضَ اللهم عن أصحابه وأنصاره وأهل بيته الطيبين الطاهرين، أجمعين.

وبعد:

1- قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.

2- وقال تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾.

3- وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.

لماذا يا تُرى هذه الغفلة؟!

4- وقال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾.

وإلى متى تستمر هذه الغفلة؟!

5- وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾.

إذن سيكشف الغطاء، فماذا سيقول الغافلون؟!

6- وقال تعالى: ﴿يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾.

ولذا أمرنا الله بتجنب الغافلين.

7- وقال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.

وأمر بالإنذار والإرشاد، وعدم الطمأنينة والدعة لهذه الدنيا؛ فهي سبب الغفلة.

8- وقال تعالى: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾.

9- وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾.

وإذا لم يستجب الغافل، فماذا ستكون النتيجة؟!

10- وقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.

لماذا هذا الطبع؟!

لأن الله تعالى ليس بغافل عن خلقه.

11- قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾.

12- وقال تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ فقد عذب أقوامًا بسبب غفلتهم.

13- قال تعالى: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾.

وأخذ على بني آدم الميثاق بتوحيده وذكره وطاعته وعبوديته.

14- قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾.

15- وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾.


الغفلة

الغفلة عن الله ووعده ووعيده، وجنته وناره. الغفلة عن الموت وهجمته، والقبر وظلمته، واللحد وشدته. الغفلة عن يوم القيامة وأهواله، والصراط وزلته، فالعجب العجب من غفلتنا؛ وهذه العظائم بين أيدينا!! وأعجب من ذلك فرحنا بأموالنا وأهلينا وأولادنا، وأصدقائنا، مع العلم أننا سنفارق الجميع، ولكنها الغفلة! ولو لم يكن للعاقل همٌّ ولا غمٌّ إلا التفكر والتأمل في خطر تلك الأحوال وهول المطلع، لكان كافيًا في استغراق جميع العمر. ولكنها الغفلة!!

الغفلة: داء عضال، ومرض خطير، بل أخطر من الأمراض العصرية؛ حيث يقضي على الدين ويدمر القلب، ويؤدي إلى الهلاك، وخسارة الدنيا والآخرة. وهذا المرض يصاب به كثير من الناس وهم لا يشعرون، وتقع الكارثة حين يموتون، وهناك يتمنون الرجعة لكن بعد فوات الأوان! لماذا تمنوا الرجعة؟! لأنهم استيقظوا من الغفلة التي كانوا عليها.

ويحدثنا عن ذلك الموقف أصدق القائلين سبحانه وتعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾. طيب ... ولم تركت؟! غافل وغافلة، غفلة عامة طامة!! فيقول سبحانه تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.

هذا المرض ينكشف عند الموت والسبب أننا في الحياة الدنيا غافلون عن الله، وعن الملائكة التي تسجل علينا حركاتنا وأقوالنا!

فانظري حالنا!!! أوامر الله: نطيعه في بعضها، ونعصيه في بعضها، ونجادل كثيرًا في أكثرها، ونواهيه: لا ننزجر عنها، الوقت مقتول في أمور لا طائل منها، والفرائض مفرطون فيها، والسنن: لا نفكر فيها.

غافلون! لكن الله لا يغفل, والملائكة تسجل الأقوال والأعمال؛ قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾، وقال تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾.

نعم! هذا الذي منه نهرب ونحيد: الموت!! وكل الناس يهربون من الموت.

فها نحن نهرب من المرض إلى العافية خشية الموت ولا نغفل عن أن نبحث عن أحسن الأطباء وأمهرهم ولو كانوا في أقاصي الأرض ومشارقها. ونهرب من الجوع إلى الشبع، ونهرب من الحر إلى البرودة، ولا نغفل عن تهيئة المدافئ الكهربائية والزيتية والمائية والفحمية، هلم جرا. ونهرب من الحر، ولا نغفل عن تركيب المكيفات، ونختار الهادئ منها مهما غلا ثمنه خشية الحر والإزعاج. ونسينا أن نار جهنم أشد حرًا!!! وغفلنا عن أن نستعد لها بالأعمال الصالحة كي يقينا الله برحمته حرارتها وعذابها وشدتها , نسأل الله السلامة.

ونهرب من الفقر ونستعد له بادخار المال ولكننا نغفل عن الموت!

قال تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾، وقيل لنا: ﴿ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾، ولم يبق أمامنا إلا أعمالنا وما مضى من حياتنا، فيا ويلنا! ويا همنا وغمنا! ويا لعظيم كربنا! إن كنا في غفلة عن الاستعداد لهذا اليوم العظيم وكربته! أين كنا حين كان الناس يموتون ويذهبون ولا يعودون؟! كنا في غفلة!!

يقول ابن الجوزي رحمه الله: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا».

ثم يقول: «فمن أظرف الأشياء إقامة المحتضر عند موته، فإنه ينتبه انتباهًا لا يوصف، ويقلق قلقًا لا يحد، ويتلهف على زمانه الماضي، ويود لو ترك كي يتدارك ما فاته ويصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت». (أي: من أيقنُ منه الآن بالموت وهو بين يدي ملك الموت؟! هل هناك يقين أكثر من هذا؟! «ويكاد يقتل نفسه قبل موتها بالأسف».

ثم يقول: «ولو وجدت ذرة من تلك الأحوال (أي من هذا القلق والتلهف على عمل الخير في الدنيا وفي أوان العافية) لحصلت العافية. لماذا؟؟ لحصلت التقوى التي تنقذه من كرب تلك اللحظات، لحظات الموت. والعاقل هو من تمثل تلك الساعة وعمل بمقتضى ذلك». اهـ

لذلك كان حبيب العجمي إذا أصبح يقول لامرأته: «إذا أنا مت ففلان يغسلني، وفلان يحملني» وهكذا كل يوم، فقيل لها: هل رأى رؤيا أزعجته؟! قالت: «كلا ولكن هذه حاله دائمًا». فهو غير غافل، ومستعد للقاء لا بد منه.

ويقول ابن القيم: «بل إن من أول منازل العبودية من ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ هي اليقظة»؛ ولذا كانت أول منازل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ في كتابه «مدارج السالكين» كانت «اليقظة»؛ وهي: «انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين».

إذن ... عندما تأتي سكرة الموت بالحق نعلم أنه لا مفر من هذا الذي كنا نهرب منه!!

قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾.

آهٍ..!! قفي معي لحظات، وأنت في ذلك اليوم العصيب، يوم أن تأتين شاهدة على نفسك بآثامها وذنوبها! أين كنا يا ترى؟ يجيبك كتابك: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾ ممَّ؟؟ من الموت، والملائكة التي تسجل سيئات من بصرك وسيئات من أذنك، وسيئات من يدك، وسيئات من قدمك، فأنت في غفلة، ولو كنت ذاكرة لله لما استمعت أذنك لما حرم الله، بل استمعت إلى ما يحب الله، ولما نظرت عينك لما حرم الله، بل إلى ما يحب الله.

الغافلة لو دخلت مكانًا فيه أغان وموسيقى لرقصت وطربت من أول الباب.

والذاكرة تقول: لا أدخل، أغلقوه.

الغافلة تجلس لتشاهد التمثيليات الهابطة وتنظر في المجلات الفاسدة، ولا تغض بصرها في الشوارع، وقد أُمرت بذلك.

والذاكرة لا تقرأ ولا تبصر إلا ما يحب الله ويرضي رسوله.

الغافلة لا يعجبها من الأحاديث إلا قيل وقال، ومهاترات المساء أو الصباح، والذي لا تستكمله في المجلس تستكمله على الهاتف.

والذاكرة تستغل أوقاتها بحفظ، أو مراجعة، أو قراءة مفيدة، سواء في كتاب الله أو غيره.

الغافلة امرأة إسفنجية؛ امتصت كل ما جاء به أعداء الله والإسلام؛ فترى حجابها فرنسيًا وأمريكيًا مرة، إن كان هناك حجاب أصلاً، تكشفت وتعرت على الشواطئ، وفي النوادي، خلعت برقع الحياء عن وجهها، وغفلت عن ملائكة الله الرقيبة عليها. تقولين لها: حجابك ضيق، مزين، مزركش، يصلح أن يكون فستانًا لا حجابًا! تجادل وتستكبر، ولا ترى إلا ما زينه لها الشيطان وهواها، وتعمى عن الحق.

والحق ليس قولي أو قول فلانة، إنما هو قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾. ما هذا الغطاء يا ترى؟!! غطاء شهوات وشبهات، غطاء الكسل والتراخي، والرفاهية والترف، غطاء الفتن والمال، غطاء الجمال والظهور، غطاء التسويف والمماطلة، غطاء رضا الزوج والأولاد!

فإذا جاء الموت، فتفكري بهذا الغطاء! أين الجمال؟! والكوافير؟! والأظافر؟! غيّرها الموت.

أين المال؟! تقاسموه الورثة. أين الزوج؟! تزوج غيرك. أين التوبة؟! لم يعد لها مجال. حينئذ ينكشف الغطاء وترين الأمور على حقيقتها، وتندمين ولات ساعة مندم ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾. ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.

هل هناك درجات للغفلة؟

أقول: بل هل الغفلة تقف عند حد معين؟!

لا! بل الغفلة تزيد وتزيد حتى تكون طبعًا وختمًا والعياذ بالله!! فيصبح الغافل شرًّا من البهائم؛ يقول الحق سبحانه واصفًا الغافلين: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.

يقول المفسرون: إن البهائم أفضل من الغافلين لسببين هما:

*يقول ابن القيم رحمه الله واصفًا القلب المطبوع: «مثل الظرف المختوم، لا يمكن إدخال شيء فيه حتى يُزال ختمه ويفرغ ما بداخله». ثم يقول رحمه الله: «من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته؛ لأن القلب المتعلق بالشهوات محجوب عن الله بقدر تعلقه بها، وإذا غذي القلب بالتذكر وسقي بالتفكر ونقي من الفساد، رأى العجائب وأُلهم الحكم.

وإنما خراب القلب يأتي من الأمن والغفلة. وعمارته تكون بالخشية والذكر. ولا تدخل محبة الله في قلب فيه حب الدنيا إلا كما يدخل الجمل في سم الخياط». انتهى كلامه.

*يقول بلال بن سعد: «رب مسرور مغبون، ورب مغبون لا يشعر، فويل لمن له الويل ولا يشعر! يأكل ويشرب، ويضحك ويلعب، وقد حق عليه في قضاء الله أنه من أهل النار!!».


 أعراض الغفلة

 أولاً: التكاسل عن الطاعات:

الصلاة، الصوم، بر الوالدين، طاعة أوامر الله واجتناب نواهيه. تقول عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدثنا ونحدثه فإذا سمع «حي على الصلاة» قام كأنه لا يعرف منا أحد». فإذا كانت نشيطة فرحة بالطاعات فأنت ذاكرة، وإذا كنت كسلانة مسوفة فهي بداية الغفلة التي هي بداية النفاق – والعياذ بالله! قال تعالى: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾.

وهنا نقطة مهمة ومخيفة: فمن علامات موت القلب وغفلته عدم الحزن على ما فات من الطاعات، وترك الندم على ما بدر من الزلات، فهذه الغفلة!

قال - صلى الله عليه وسلم -: «من سرته حسنته وساءته معصيته فهو مؤمن». يعني إذا لم تسؤك معصيتك وذنوبك فاخشيْ على نفسك من نقصان إيمانك.

 ثانيًا: التساهل بالمحرمات والاستئناس بها:

فالمؤمنة الذاكرة عندها حساسية من المعاصي إذا رأت منكرًا غضبت، وإذا رأت رجلاً غضت بصرها، إذا بُدئ في الكلام عن عيوب الناس, قالت: يا جماعة الغيبة حرام.

أما الغافلة فإنها إذا رأت رجلاً نظرت إليه بإعجاب، وإذا اغتابوا فرغت، فإنها وإذا رأت منكرًا ظل قلبها باردًا لا يغضب ولا ينكر غافلة!! لا تستشعر أن الله ينظر إليها، ولا تعلم أن نظر الله إليها أسرع من نظرها للمنظور.

قال أحد المحدثين جزاه الله خيرًا: «والعجب العجب من غفلتنا هذه، إنك إذا قلت لأحدهم: ما أخبارك؟ قال: بخير وسرور! وأي خير وسرور لمن يرى محارم الله تنتهك! وحدوده يجترأ عليها بالمنكرات، والملاهي في البيوت والأسواق؟!».

 ثالثًا: تضييع الوقت فيما لا فائدة منه:

فالوقت هو الإناء الذي طلب الله منك أن تملئيه بالعمل الصالح: خمسة عشر سنة، عشرون سنة، ستون سنة، فرصة للعمل الصالح للنجاة من النار، فإذا ضاع بالكلام الذي لا فائدة منه، والقيل والقال، ولا فائدة دينية ولا دنيوية؛ بالساعات على الهاتف، والتمشي بالأسواق بلا حاجة – فهذه غفلة -.

قاعدة:

والغفلة من أعظم الآفات القاتلة للوقت، حيث تكون هذه الغافلة فاقدة للحس الواعي للأحداث، وتفقد الانتباه اليقظ إلى معاني الأشياء، وعواقب الأمور.

قال ابن القيم رحمه الله: «يذكر، أن أحد الناس مر بجماعة يترامون بالنبل، ورجل جالس بعيدًا عنهم، فأراد أن يكلمه، فقال له: لذكر الله أشهى علي. فقال له الرجل المار: أنت وحدك؟! فقال له الرجل الجالس: معي ربي جل وعلا وملكاي. فقال له: من سبق من هؤلاء؟ فقال: من غفر الله له ذنوبه. فقال له: أين الطريق؟ فأشار بيده إلى السماء ثم مشى, وقال: «يا رب أكثر خلقك مشغول عنك» فهذا الرجل رجل حاسب حساب وقته غير مضيع له».

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «خمس من كن فيه سعد في الدنيا والآخرة:

1- أن يذكر أن «لا إله إلا الله محمدًا رسول الله» وقتًا بعد وقت.

2- إذا ابتلي ببلاء قال: «إنا لله وإنا إليه راجعون».

3- إذا أعطي نعمة قال «الحمد لله رب العالمين».

4- إذا ابتدأ في شيء قال: «بسم الله الرحمن الرحيم».

5- إذا أفرد منه ذنب قال: «استغفر الله العظيم وأتوب إليه».

 رابعًا: عدم الحرص على ما يقرب من الله:

فنحن قلنا: إن من أعراض الغفلة التكاسل عن الطاعات، ولكننا قد نؤديها، وأما النوافل والأمور التي تقرب من الله سبحانه وتعالى فنحن عنها غافلون. نصلي الفرائض ونغفل عن الرواتب، نصوم رمضان ولا نفكر بصيام غيره، إذا أعطيتها كتيبًا، قالت: الكتب والأشرطة!!... ومجلس الذكر تعرض عنه؛ فعندها شغل أهم. ولو قلت لها: تعاليْ إلى السوق، ركضت. أو إلى حفلة بها غناء ورقص، كانت أول الحاضرات. فإن قلتِ: دعينا نبدأ بالحفظ، قالت: أنسى وبالي مشغول بهموم الدنيا والبيت والأولاد والوظيفة. غافلة!! لا تحرص على ما يقربها من الله. لماذا؟! لأنها مريضة بالغفلة.

 خامسًا: الجهل بالله وكتابه ودينه:

كثيرات عندهن شهادات ودرجات ولكن دنيوية، وأما أمور دينها التي لا تعذر بجهلها فيها فهي جاهلة غافلة عنها، ومنهن من قد تكون مر بها كثير من أمور دينها في المدرسة ولو سألتها مسألة لما أجابت!

وأعجب من ذلك أن تحتج الواحدة منهن بقولها: لا تهمني العلامات الشرعية، أنا أدرسها لأنجح فقط!! أريد أن أصبح طبيبة، أو إلى غير ذلك!.

ونقول لها: من قال لك: لا تصبحي طبيبة!! ولكن هل دراسة الطب تمنعك التفقه في أمور دينك؟! أو تعذرك عند الله؟!

ثم إنك على ثغر من ثغور الإسلام، فلمَ لا تكونين طبيبة وداعية وقدوة في آن واحد!! وهكذا في كل المجالات. والله تعالى يقول: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾. والعلم – ولله الحمد – ميسر وما من أحد يعذر بالجهل.

 سادسًا: القلق الشديد والحرص الكبير على الحياة الدنيا:

وما هي إلا غرور، ولكن لم تُعرف حقيقتها، وتفاهتها، وسرعة زوالها، وما قيست بالآخرة وطولها الأبدي الخالد. قال تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.

إذن ... الحياة الدنيا متاع الغافلات المغرورات بالدنيا. فالدنيا حينما تقاس بمقاييسها تبدو في الحس عظيمة، ولكن حينما تقاس وتوزن بميزان الآخرة تبدو لنا حقيقتها وأنها شيء تافه؛ فهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة!!.

يقول الحسن البصري في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾ – قال فيها: «والله ما زينوها ولا رضوها حتى رضوا بها، وهم غافلون عن آيات الله الكونية فلا يتفكرون فيها، والشرعية فلا يأتمرون بها، فإن مأواهم يوم معادهم النار؛ جزاء على ما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام والخطايا والإجرام». اهـ

قال أبو العتاهية:

الناس في غفلاتهم

ورحى المنية تطحن

 قيل له: من أين أخذت هذا؟ قال: من قوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾.

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾. قال: «أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون عن أمور الدين وما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة».اهـ

وقال عون بن عبد الله بن عتبة: «يا ويح نفسي! كيف أغفل ولا يُغفل عني؟! أم كيف تمنيني معيشتي، واليوم الثقيل ورائي؟! أم كيف يشتد عُجْبي بدار في غيرها قراري؟!».

وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: «أضحكني ثلاث، وأبكاني ثلاث: ضحكت من؛ مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل لا يُغفل عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أمُسخِط ربه أم مرضيه؟ وأبكاني ثلاث: فرقة الأحبة؛ محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحبه، وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقف بين يدي رب العالمين، حين لا أدري إلى الجنة منزلتي أم إلى النار؟».

 سابعًا: ضعف اليقين بما أعده الله من النعيم لأهل الجنة، والوعيد لأهل النار:

*فالذي عنده يقين بما سيلاقي، فإنه يعمل ويجد ويشمر عن ساعديه، ثم يتوكل على الله.

*وأما الذي عنده شك فهو الغافل.

 ثامنًا: مصاحبة الغافلين:

فمن رافق الغافلين صار غافلاً، و«المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل».

 تاسعًا: النفس الأمارة بالسوء وإبليس، يدعوانك للغفلة:

فلا تغرنك نفسك بالأماني والغرور. فاعلمي – أخيةُ – أن النفس عدوة لك مع إبليس؛ لأن من طبع النفس الأمن والغفلة والراحة والفترة والكسل والعجز، فإن أنتِ غفلتِ عن محاسبتها غرقت، وإن عجزت عن مخالفتها قادتك إلى النار.

*ونختم أسباب الغفلة بقول القائل: «لا نوم أثقل من الغفلة، ولا رق أملك من شهوة، ولولا ثقل الغفلة لما ظفرت بك الشهوة» اهـ.


 اليقظة

الحمد لله، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله.

مقدمة:

* إن الشريعة الإسلامية شريعة شاملة لكل ما يحتاج إليه الناس في دينهم ودنياهم؛ قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ وقال أبو ذر رضي الله عنه: «لقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا». ولهذا نجد أن الشريعة بينت مسائل الدين الهامة الكبيرة؛ كالتوحيد وما يتصل به من العقيدة والصلاة والصوم والزكاة والحج، وما كان غير ذلك من الآداب الإسلامية في الحياة اليومية؛ من آداب النوم واللباس، والأكل والشرب، وآداب دخول المنزل وإفشاء السلام، والمجالس، والضيافة، والحديث والكلام وزيارة المريض، وركوب الدابة، والسفر، والتعزية، ودخول المسجد، وآداب تلاوة القرآن، والدعاء، وصلة الأرحام وبر الوالدين، والغسل، وزيارة المعارف والجيران، ومعاملة الخدم، وعند سماع الأذان، وعند تقديم الهدية، وغيرها من الأمور والأعمال التي يقوم بها الإنسان في حياته اليومية.

* فمن قصد بكسبه وأعماله الدنيوية والعادية الاستعانة بذلك على القيام بحق الله وقيامه بالواجبات والمستحبات، واستصحب هذه النية الصالحة – انقلبت عاداته عبادات، وبارك الله للعبد في أعماله. ومن فاتته هذه النية الصالحة؛ لجهله، أو تهاونًا ، خسر كثيرًا من الأجر العظيم، وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -: «إنك لن تعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا أُجرت عليه، حتى ما تجعله في فَيِّ امرأتك» فهذا الحديث جامع لأمور الخير كلها.

وقفة هامة جدًا:

*المتأمل في سر هذه الكلمة «اليقظة» أوجبت له شهود نوعين جليلين من العبودية:

أ- توحيد الله بأفعال العباد. (توحيد الألوهية).

ب- محبة المنعم، واللهج بذكره.

يقول ابن القيم رحمه الله: «وأما معرفة الزيادة والنقصان من الإيمان» فإنها تستقيم بثلاثة أشياء:

1- سماع العلم.

2- إجابة داعي الحرمة.

3- صحبة الصالحين. وملاك ذلك كله:

خلع العادات؛ ذلك أن السالك: على حسب علمه بمراتب الأعمال ونفائس الكسب تكون معرفته بالزيادة والنقصان في حاله وإيمانه. وكذلك تفقد إجابة داعي تعظيم حرمات الله من قلبه؛ هل هو سريع الإجابة لها، أم هو بطيء عنها؟ وكذلك صحبة أرباب العزائم، المشمرين إلى اللحاق بالملأ الأعلى. والذي يملك به ذلك كله خروجه عن العادات والمألوفات، وتوطين النفس على مفارقتها، والغربة بين أهل الغفلة والإعراض. وما على العبد أضر من مُلك العادات له. وما عارض الكفار الرسل إلا بالعادات المستقرة الموروثة لهم عن الأسلاف الماضين. فمن لم يوطن نفسه على مفارقتها والخروج عنها، والاستعداد للمطلوب منه، فهو مقطوع، وعن فلاحه وفوزه ممنوع: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾.أ.هـ

ولذا كان من المهم: الحرص كل الحرص على بث روح التوحيد «توحيد الألوهية» والعبادة في نفوس الناس، حتى يكون هدف الإنسان وجه الله والدار الآخرة في جميع شؤونه؛ في عبادته وأخلاقه ومعاملاته، وهذا هو المهم أن يكون قصد الإنسان ورجاؤه وإنابته وجه الله. وبذلك ينال العبد سعادة الدنيا والآخرة؛ لأن قلبه ينسلخ عما سوى الله ويتعلق بالله وحده، لا يدعو إلا الله، ولا يرجو إلا الله ولا يستغيث ولا يستعين إلا بالله إنه عبد الله فيوفقه الله لما يحب ويرضى، ويكون من أهل اليقظة، ولا يكون من أهل الغفلة الذين حولوا عباداتهم عادات.

قال أحد العلماء:

«أهل اليقظة عاداتهم عبادات، وأهل الغفلة عاداتهم عادات».

*إن الموفق يستطيع أن يجعل عاداته وتصرفاته كلها عبادات؛ فيجعل أكله عبادة، وشربه عبادة، ولباسه عبادة، ودخوله عبادة، وخروجه عبادة، ونومه عبادة، وجماعه مع أهله عبادة، حتى مخاطبته للناس يمكن أن يجعلها عبادة، زياراته عبادة، خروجه لطلب الرزق يجعله عبادة.

ومن حكمة الله عز وجل أننا لا نكاد نجد فعلاً من هذه الأفعال التي ذكرناها إلا ولها ذكر.

*ومن أجل هذا يجب ألا يغفل الإنسان عن ذكر الله حتى يكون دائمًا في قلبه وعلى لسانه، مع استحضار النية عند فعلها حتى لا يكون من أهل الغفلة، ويكون فعلنا عبادة حقًا، امتثالاً وطاعة لله واتباعًا لسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وهديه؛ لأن الإخلاص يجب أن ينضم إليه المتابعة.

ويمكن الآن أن نضرب أمثلة على جعل أهل اليقظة عاداتهم عبادات:

أولاً: الأكل والشرب «وهو لباس الباطن»:

أ) فالإنسان اليقظ ينوي به الامتثال لأمر الله قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ هذا أمر. فالمباح يصير بحسن النية طاعة لله يثاب عليها المسلم.

ب) وينوي به الحفاظ على بقائه وعلى روحه؛ لأنه مأمور بالحفاظ على نفسه فيكون ذلك عبادة.

ج) وينوي بالأكل والشرب التقوي على طاعة الله؛ فيكون عبادة؛ لأن من القواعد المقررة شرعًا: أن للوسائل أحكامَ المقاصد.

د) وينوي التبسط بنعمة الكريم؛ لأن الكريم يحب أن يتبسط الناس بكرمه، فأنا إذا أكلت ونويت التبسط بنعمة الله، كان عبادة.

فانظري أخية! كيف كان الطعام الذي تدعو إليه الطبيعة وتقتضيه العادة، كيف أمكن أن يكون عبادة، بحسب الانتباه واليقظة والفطنة والنية.

كذلك عند الانتهاء من الطعام، ينبغي للإنسان أن يلعق أصابعه قبل أن يمسحها أو يغسلها أو يلعقها غيره: أما كونه هو يلعقها فالأمر ظاهر. وأما كونه يلعقها غيره فهو أيضًا ممكن؛ فإذا كانت المحبة بين الرجل وزوجته محبة قوية يسهل عليه جدًا أن يلعق أصابعها أو تلعق أصابعه. وكذلك الأولاد الصغار والأمر – والحمد لله – واسع.

وقول بعض الناس: هذا لا يمكن أن يلعق الإنسان أصابع غيره؟

فنقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقول إلا حقًا.

وقد ذكر بعض الأطباء أن الأنامل تفرز – بإذن الله – إفرازات تعين على هضم الطعام في المعدة، وهذه من الحكمة ولكننا نفعلها سنة، فإن حصلت لنا هذه الفائدة الطيبة فلله الحمد، وإن لم تحصل فلا يهمنا، فالذي يهمنا امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -.

كذلك لعق الصحن أو القدر أو الإناء، ومع الأسف فإن الناس يتفرقون عن الطعام بدون تنفيذ هذه السنة، والسبب في هذا الجهل والتهاون، ولو أن طلبة العلم إذا أكلوا مع الجماعة وجَّهوهم إلى هذه السنة وغيرها من السنن لانتشرت، لكن نسأل الله أن يشملنا بعفوه؛ فنحن نتجاوز كثيرًا، ونتهاون، وهذا خلاف الدعوة إلى الحق!

*أما اللقمة فإذا سقطت فلا يتركها، بل يأخذها ويمسحها، ولا يدعها للشيطان؛ لأن الشيطان يحضر ابن آدم في شؤونه كلها؛ قال تعالى: ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ﴾ فهو يشارك أهل الغفلة.

فهذه ثلاثة آداب، استنبط كل أدب منها، من حديث:

الحديث الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أكل أحدكم طعامًا، فلا يمسح أصابعه حتى يلعقها أو يُلعقها». متفق عليه.

الحديث الثاني: عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها». رواه مسلم.

الحديث الثالث: قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها وليمطِ عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان» وأمرنا - صلى الله عليه وسلم - أن نسلت القصعة وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة».

ثانيًا: النوم:

أ- يحرص الإنسان اليقظ على شكر الله على هذه النعمة؛ لأنه يستريح بها من تعب سابق، وينشط لعمل لاحق، فهو ينفع نفسه فيما مضى وفيما يستقبل، وينبغي أن يستصحب النية في أن النوم آية من آيات الله.

ب- وينوي أن النوم من كمال الحياة الدنيا؛ وذلك لأن الدنيا ناقصة فتكمل بالنوم لأجل الراحة؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾.

ج- وينوي بالنوم التقوي على طاعة الله. وبذلك يجعل نومه ينقلب إلى عبادة.

ثالثًا: اللباس (وهذا لباس الظاهر).

ينوي اليقظ بلباسه تغطية السوءة، وليس الترفع والمباهاة.

وينوي به الامتثال لأمر الله؛ حيث قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ﴾.

ويتذكر أنه كما أنه محتاج للباس يواري سوءته الحسية، فهو محتاج للباس يواري سوءته المعنوية وهي المعاصي وعورة الذنوب؛ فيجاهد النفس لحصول لباس التقوى الذي هو خير؛ كما قال تعالى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾.

ولا يغفل عن اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك بقول الذكر الخاص باللباس: «الحمد لله الذي رزقنيه وكسانيه من غير حول مني ولا قوة». فمن قالها غفر له ما تقدم من ذنبه.

رابعًا: الكلام ومخاطبة الآخرين:

*بما أن الكلام من أيسر الأعمال وأكثرها أهمية فكم من كلمة أتت بخير عظيم، وكم من كلمة أزالت نعمًا ورؤوسًا عن أعناقها، فيجب التفكر في الكلمة ووزنها قبل أن نخرجها من مكانها. والكلمة الطيبة صدقة، وتشمل: قراءة القرآن فإنه أطيب الكلام، وتشمل التسبيح والتهليل، وتشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشمل تعليم العلم وتعلمه، وتشمل ما يتقرب به الإنسان إلى ربه من القول، فيكفي احتساب الأجر في أن الإنسان إذا لم يجد شيئًا يتصدق به فيكفيه الكلمة الطيبة، فهذا من طرق الخير وبيان كثرتها ويسرها؛ فيجب تدبر الكلمة قبل لفظها، وهل هي في ميزاننا أم أنها علينا فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب». متفق عليه.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه».

فيجب أن نقدم النية عند أي قول نقوله، ونروض أنفسنا على جعل كلامنا ومخاطبتنا للآخرين بما ينفع، فلا نتكلم إلا بما يحب الله، ونخاطب الآخرين بما نحب أن يخاطبونا به، مع حسن الحديث إذا حدثنا، وحسن الاستماع إذا حُدِّثنا.

خامسًا: زيارة الأصدقاء والجيران:

1- يحتسب اليقظ الأجر في أي زيارة يقوم بها بأن يجعلها الله في ميزانه، ويبتغي بها وجه الله؛ لأن الله يثيب من زار أخًا له، أو عاده لغير أمر دنيوي ولكن لمحبته في الله: «إن الله أحبك كما أحببته فيه».

2- كذلك أن ينوي أنه ما خرج من بيته لهذه الزيارة إلا لما فيها من الأجر العظيم، وتأليف القلوب، وتجمع الناس على الخير، وتذكير الناسي، وتنبيه الغافل، وتعليم الجاهل. ومصالح كثيرة أخرى لا يعرفها إلا من كانت هذه نيته.

سادسًا: زيارة المريض:

1- عند زيارة المريض ينوي اليقظ غير الغافل الأجر العظيم من الله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله ناداه منادٍ بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً». رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن.

2- وينوي بأنه ما زاره إلا اتباعًا للسنة، فيدعو للمريض بالشفاء ولقوله - صلى الله عليه وسلم - عند عيادة المريض: «لا بأس عليك طهور إن شاء الله». كذلك يحتسب الأجر؛ ويتبع السنة ويتبع فيضع يده على مكان الألم ويقول: «أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك».

سابعًا: بر الوالدين وصلة الأقارب والأهل:

1- يستشعر المتيقظ عند بر والديه بأنه لا يقوم بذلك إلا اتباعًا وامتثالاً لأمر الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن برهما من أفضل الأعمال، بل هو الحق الثاني بعد حق الله ورسوله؛ فلا يجعل زيارته لوالديه والإحسان إليهما تورثه ضجرًا أو تأففًا أو عادة اعتاد عليها بل يجعلها عبادة؛ لأن مرتبة بر الوالدين مقدمة على مرتبة الجهاد في سبيل الله.

2- كذلك فإنه يحتسب الأجر في زيارته وصلته بأقاربه، فيحسن إليهم ويصلهم حتى ولو قطعوه؛ لأنه لو فرض أن الأعراف فسدت وصار الناس لا يبالون بالقطيعة وصارت القطيعة عندهم صلة، فلا عبرة بهذا العرف؛ لأن هذا العرف ليس عرفًا إسلاميًا، فالقطيعة من أعراف الدول الكافرة. فليحتسب الأجر في صلته لأقاربه، ويتذكر أن الله تكفل للرحم بأن يصل من وصلها ويقطع من قطعها. فكلما كان الإنسان لرحمه أوصل كان الله له أوصل؛ فتكون صلته لله، لا مكافأة لعباد الله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها» وبهذا يكون فعله عبادة لله.

ثامنًا: الجلوس مع الناس:

يغتنم أهل اليقظة فرصة الجلوس مع الناس فيلطفون جو المجلس بذكر الله والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويمكن تحقيق ذلك بصور عديدة منها مثلاً:

أ- إذا تحدث أحد الأشخاص في المجلس عن آية من آيات الله، فإن هذا من ذكر الله، مثل أن يقول: نحن في هذه الأيام في دفء كأننا في الربيع وهذا من آيات الله؛ لأننا في الشتاء وفي أشد ما يكون من أيام الشتاء بردًا، ومع ذلك فكأننا في الصيف؛ فهذا من آيات الله.

ويقول مثلاً: لو اجتمع الخلق على أن يدفئوا هذا الجو في الأيام التي جرت العادة أن تكون باردة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. وما أشبه ذلك.

ب- إذا جلس قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله. طبعًا مع احتساب الأجر بالبشاشة مع الناس ولين الجانب وعدم اللغو واللغط وحسن الخلق والمعاملة.

المهم أنه يجعل خروجه إلى أي مجلس عبادة لا عادة؛ وذلك بذكر الله، والأمر بمعروف والنهي عن منكر فلا يدخل أي مجلس إلا ويجعل ذلك ديدنه، مع ذكر كفارة المجلس عند القيام بصوت مرتفع ليذكر الجالسين؛ فيقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك».

تاسعًا: القيام على تربية الأبناء:

أولاً: دور الأم:

أ- أن تعلم أولاً وقبل كل شيء أن هؤلاء الأولاد نعمة من الله أنعم بها عليها، وكلفها بشكرها ورعايتها وحفظها.

ب- أن تجدد النية في كل واجب تقوم به نحوهم في تعليمهم وتوجيههم، واحتساب الأجر بتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة، على وفق ما جاء في الكتاب والسنة. فإذا أخلصت النية لله وابتغت مرضاته، كان الجزاء من جنس العمل.

ثانيًا: دور الأب:

أ- أن يعلم الأب أن هؤلاء الأولاد أمانة ووديعة، وهذه الأمانة هي أمانة الولاية الخاصة وهي أمانة الإنسان في أهله.

ب- أن يحتسب الأب الأجر عند قيامه بتربية أبنائه، وتغذية أجسامهم منذ الصغر بالطعام والشراب، وستر عوراتهم باللباس، ومعالجتهم إذا مرضوا، وبذل أغلى ما يملك محافظة على صحتهم، وهو بفعله هذا كله بذلك يستحق الشكر والثناء والبر والدعاء، ولكن لو كان يحتسب الأجر ويخلص النية لله في كل هذه الأمور لوجد الطريق ميسرًا أمامه؛ لتغذية أرواحهم بالإيمان وتيسيرهم للعمل الصالح وقيامهم بأداء ما أمروا به من أوامر وترك ما نهوا عنه.

فإذا كان هم الشخص طاعة الله ورسوله والاقتداء به، فإنه بذلك يكون قد حول كل عمل وفعل من أمور الدنيا إلى عبادة وطاعة يبتغي بها وجه الله. فتكون تربيته لأولاده أيضًا عبادة وطاعة.

عاشرًا: كسب الرزق:

فمثلاً: المعلمة المتيقظة تحاسب نفسها دائمًا؛ لأن الله كرمها بحمل هذه الرسالة، وميزها عن غيرها بمهمة تربية بنات المسلمين، وأمنها على عقولهن وقلوبهن وأفكارهن، فتحتسب الأجر في كل ما تقوم به نحوهن، ولا يكون هدفها وهمها آخر الشهر لتستلم الراتب، وكأنها اعتادت على عمل تؤديه وتأخذ أجره، وقد فُقد منه الأجر والثواب، وبإخلاصها وتجديد نيتها تجعل عملها هذا عبادة من العبادات التي تبتغي فيه الأجر من الله.

مثال آخر: التاجر: النية الصادقة في طلب الحلال وتجديدها، والإخلاص في البيع والشراء مع نية عون المسلمين في التعامل معهم، والاتباع للسنة وللثواب في نفسه وعياله، وإعطاء كل ذي حق حقه؛ هذا هو اليقظ.

فاليقظة لا تكون من أهل الغفلة والحسرة الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين.

الحادي عشر: العلم وكسبه والعمل به:

إن العلم شجرة تثمر كل خلق جميل وعمل صالح ووصف محمود، أخرج الله الإنسان من بطن أمه لا يعلم شيئًا، فأمده بالقوة الحسية والمعنوية، وجعله سميعًا بصيرًا متكلمًا عاقلاً، فميزه بذلك عن سائر المخلوقات، ثم أوجب عليه أن يتعلم ما ينفعه في دنيه ودنياه من العلوم النافعة؛ ليكون على بينة من أمره.

 والكمال الإنساني في ثلاثة أمور:

1- علوم يعرفها.

2- أعمال يعمل بها.

3- أحوال تترتب على علومه وأعماله.

وأفضل العلم والعمل والحال: العلم بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ وهذا هو العلم النافع الذي يثمر الخشية، والتواضع، وينفع صاحبه في حياته وبعد مماته، ولكن هذا لا يكون إلا بالإخلاص وحسن النية، والجد والاجتهاد، والحرص؛ فيخلص النية في أنه لا يتعلم إلا لإنقاذ نفسه من الجهل، وليعرف الخير فيفعله والشر فيتركه، و«من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم»، وأن يتعلم ليزداد فقهًا وبصيرة وينبغي أن يكون متيقظًا عند تحصيل العلم فيجمل الدعاء مع الإخلاص بقوله: «وقل ربي زدني علمًا» وألا يتخاذل ولا يتكاسل في تعليم ما علم خائفًا على نفسه من الكبر، فالعلم شجرة لا بد لها من ثمرة وزكاة، فثمرة العلم العمل به، وزكاته تعليمه لمن لا يعلمه، وبذلك يزداد ويثمر وينمو.

*فالإنسان اليقظ العاقل يتبع واجبات القرآن والسنة، ويأخذ نصيبه من الدنيا؛ ولكن بعلم؛ فيأكل الطعام بعلم، ويشرب بعلم، ويلبس بعلم، ويجامع أهله بعلم، ويصطحب الإخوان بعلم، ويزورهم بعلم، ويستأذن عليهم بعلم، ويحزن بعلم، ويبكي بعلم، ويتصدق بعلم، ويصوم بعلم، ويحج بعلم، ويجاهد بعلم، ويكتسب بعلم، وينفق بعلم، ويتبسط في الأمور بعلم، وينقبض عنها بعلم؛ فقد جعل العلم والفقه دليله إلى كل خير، وقد أدبه القرآن والسنة، ولا يرضى من نفسه أن يؤدي ما فرض الله عليه بجهل.

*قال أحد العلماء: «ست خصال يرفع الله بها العبد: العلم النافع، والأدب المستفاد من الكتاب والسنة، والأمانة، والعفة، والصدق، والوفاء».

وخراب القلب من أربعة أشياء: «الجهل، المعصية، والاغترار بالدنيا، والغفلة».

الثاني عشر: بعض الأعمال اليومية التي يقوم بها الإنسان وقد جعلها أهل اليقظة عبادات:

1- الاغتسال والوضوء:

وذلك أن يستشعر المرء عند الوضوء أن يكون تكفيرًا لخطاياه؛ فوضوءه لا شك أن يطهر تطهيرًا حسيًا، وهذا يدل على كمال الإسلام. ولكن الوضوء فيه أيضًا طهارة معنوية، وهي التي يقصدها المسلم؛ فإن الوضوء تطهيره من الذنوب؛ فإذا غسل وجهه، خرجت كل خطايا نظر إليها بعينيه؛ وذكر العين والله أعلم إنما هو على سبيل المثال وإلا فالأنف قد يخطئ، والفم قد يخطئ، فقد يتكلم الإنسان بكلام حرام وقد يشم أشياء ليس له حق أن يشمها، ولكن ذكر العين، لأن أكثر ما يكون الخطأ في النظر.

كذلك إذا غسل رجله خرجت خطاياه، وإذا غسل يديه خرجت خطايا يديه، ولهذا قال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ يعني ظاهرًا وباطنًا، حسًا ومعنًى.

2- ترك المرأة صلاتها من أجل الحيض:

إن المرأة المسلمة المؤمنة الواعية المتيقظة لا تترك أي عمل تقوم به إلا وتحتسب فيه الأجر، حتى عند حيضها؛ فهي إذا حاضت تركت الصلاة والصوم، فتستشعر عند ذلك أنها ما تركت ذلك إلا لأنها أمرت به وعندما تطهر تعود للصلاة، به تجدد النية، أيضًا أنها ما فعلت ذلك إلا لأنها أُمرت به، فهي عندما تركت الصلاة تركت طاعة، وعندما عادت للصلاة بعد طهرها عادت طاعة.

3- صلاة الاستخارة:

لا ينبغي أن تكون الاستخارة فقط باللسان؛ بلا معرفة ولا علم، ولا اهتداء، حتى أصبحت كأنها عادةٌ، فكلما حزب الإنسان أمر من أمور الدنيا وقف يقول: سأستخير، وكل همه تلبية رغبته بدون تجديد نية أو حضور قلب. والواجب: أن يسأل الله أن يكون هذا الأمر عونًا له على طاعته، وبلاغًا إلى مرضاته.

4- إزالة المنكر والأذى والأمر بالمعروف:

*فينبغي أن يعرف ويعلم أن الطريق الحسي: طريق الأقدام، والطريق المعنوي: طريق القلوب، والعمل على إزالة الأذى (المنكر) من طريق القلوب أكثر أهمية وأعظم أجرًا من إزالة الأذى من طريق الأقدام.

*كذلك ينبغي أن ينوي عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إصلاح الخلق وإقامة شرع الله، لا أن يقصد الانتقام من العاصي، أو الانتصار لنفسه، حتى يكون مصلحًا وصالحًا.

قال أحد العلماء:

«الصالحون يبنون أنفسهم، والمصلحون يبنون الجماعات».

5- السواك:

ينبغي أن يستشعر عند وضع السواك في فمه أنه يصنع ذلك اتباعًا لسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وأنه مطهرة للفم، مرضاة للرب.

6- نفع الغير والبر ولو بعمل يسير:

قال - صلى الله عليه وسلم -: «من سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم». يعني لو كان ولدك الصغير يقف عند البرادة يطلب ماءً وسقيته وهو ظمآن، فقد سقيت مسلمًا على ظمأ، مع احتساب الأجر.

فيجب الحرص على إخلاص النية واحتساب الأجر، واغتنام الأعمال بالنية الصالحة، حتى ولو كان هذا العمل صغيرًا فكم من عمل صغير أصبح بالنية كبيرًا، وكم من عمل كبير أصبح بالغفلة هباءً منثورًا !!

7- تشميت العاطس:

أيضًا من الأعمال الصغيرة التي لا نلقي لها بالاً، والتي يجب إخلاص النية عند فعلها هي تشميت العاطس، فيجب عند فعله استشعار أن هذا من الحقوق التي بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه يفعلها امتثالاً وطاعة لله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، مستشعرًا ما يحصل من الألفة والمودة عند القيام بهذه السنة.

8- التيامن:

أيضًا من الأعمال الصغيرة التي نتجاهلها أو نتهاون في فعلها: تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم، والعكس فيما يقصد به الإهانة، يبدأ باليد أو الرجل اليسرى. فيجب هنا استحضار النية في أن فعل ذلك من أخلاقنا الإسلامية وقد حث عليه رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكر الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – أن الناس حينما ظهرت الساعات التي تلبس في اليد لبسوها في اليد اليسرى حتى تبقى اليمنى طليقة ليس فيها شيء يعيق عن الحركة؛ لأن حركة اليمنى أكثر من اليسرى؛ عادات جعلوها عبادات بالنية واليقظة.

9- عند النظر إلى المرآة:

عند الوقوف أمام المرآة والنظر فيها يجب شكر الله على تمام نعمته على الإنسان؛ فيقول: « اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْت خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي».

10- لبس الحجاب:

فيجب ألا يكون لبس الحجاب مجرد عادة، بل يجب النية والرضا والقبول من القلب بأن هذا أمر الله وفيه مصلحة للمرأة وصيانة لها عن الفساد وحفظ لها من أسباب الفتنة؛ فيجب الرضا بحكم الله وعدم الاعتراض.

11- الحواس والأعضاء والجوارح:

احتساب الأجر وإخلاص النية عند استعمال الحواس والأعضاء والجوارح؛ فيعلم أن هذه الجوارح نعمة من الله منَّ الله بها عليه، وهي أمانة عنده، والاستعانة بنعمة الله على معصيته كفر للنعمة، وخيانة للأمانة التي استأمننا الله عليها؛ فأعضاء الإنسان تحت رعايته، فلينظر كيف يرعاها، وينظر إلى نفسه ويذلها ويرد جماحها بالطاعة، ويطهر قلبه من الأخلاق المذمومة، كالكبر، والرياء، والحسد والعجب، والبخل، والطمع، ولسانه من الكذب، والغيبة، والنميمة، وقول الزور، وسائر فضلات الألسن، وكذلك يطهر يده، وفرجه، وسمعه، وبصره، وسائر جوارحه، وينظر في حل مطعمه، وملبسه، وسائر تصرفه، ولا يطيع نفسه إلا أن يخشى عليها النفور الكلي، فإنه يرفه عنها بشيء من المباحات، مع استحضار النية الحسنة، والتعود على الإتيان بالطاعة واجتناب المعصية.

12- معاملة الخدم:

ينبغي معاملة الخدم المعاملة الحسنة، والرفق بهم؛ اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معاملته لخدمه، وكيف كان يعامل خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه؟

هؤلاء هم أهل اليقظة والفطنة والبصيرة، ما أصبحت عاداتهم عبادات إلا بعد أن اشتغلوا في تحصيل ما افترضه الله عليهم من فرائض وما أوجب عليهم من أركان الإسلام؛ فعمدوا إلى الصلاة فأدوها كاملة بشروطها، وأركانها، وواجباتها، ثم إلى الزكاة فأحصوا أموالهم وأخرجوا زكاتها بطيب نفس من غير بخل ولا تقتير، ثم إلى الصيام فاجتنبوا فيه اللغو والرفث والصخب والغيبة والنميمة. وهكذا سائر الطاعات وكذلك أدوا عباداتهم الظاهرة من حج وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.

ثم انتقلوا من هذه الدرجة إلى التقرب لله بالنوافل؛ فإن كل عبادة من العبادات الواجبة مشروعٌ من جنسها نوافل فيها فضائل عظيمة تكمل الفرائض، وتكمل ثوابها. فتولاهم الله وأحبهم ووفقهم وسددهم في جميع حركاتهم؛ فإن سمعوا سمعوا لله، وإن أبصروا فلله، وإن بطشوا أو مشوا ففي طاعة الله، حتى حين يغضبوا فغضبهم لله. فبشرهم الله وتولاهم وأمنهم؛ قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

وأما من جعلوا عباداتهم عادات فهؤلاء هم أهل الغفلة، أغفلوا قلوبهم عن ذكر الله، وعطلوا ألسنتهم عن ذكره وجوارحهم عن طاعته. فنتساءل: كيف تكون عباداتهم عادات؟!

نقول: هم لم يهملوا ما افترضه الله عليهم من فرائض، فهم لم يتركوا صلاتهم ولا صيامهم ولا حجهم حتى زكاتهم، ولكنهم شغلوا قلوبهم بالخلق، والعلوم التي لا تنفع، حتى لم يبق فيها موضع للشغل بالله ومعرفة أسمائه وصفاته وأحكامه. وإصغاء القلب كإصغاء الأذن. فعندما أدوا الصلاة كانت مجرد حركات حفظوها وتعودوا على أدائها جسمًا بلا روح؛ ولذلك لم تنههم عن الفحشاء والمنكر ولم تترك أثرًا في قلوبهم؛ مما أدى إلى تغلغل المعاصي إلى قلوبهم.

وكذلك صيامهم، صاموا؟! نعم ... ولكن من الطعام والشراب فقط، أما المعاصي فلم يصوموا عنها.

كذلك جميع العبادات أدوها خالية من الإخلاص، ونسوا احتساب الأجر في كل ما قاموا به من عمل؛ فلم يميزوا العادة عن العبادة.

موعظة:

قال أحد العلماء: اجعل الإخلاص قاعدة وركيزة لكل عمل تقوم به، مع القصد في التقرب إلى الله والتوصل إلى دار كرامته، مخلصًا لله في محبته، مخلصًا لله في تعظيمه، مخلصًا في ظاهره وباطنه، ويكون ذلك بالعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وترك ما نهى الله عنه على نور من الله تخشى عقاب الله.

يا من لا تضره المعصية، ولا تنفعه الطاعة، أيقظنا من نوم الغفلة، ونبهنا لاغتنام أوقات المهلة، ووفقنا لمصالحنا، واعصمنا من قبائحنا وذنوبنا، ولا تؤاخذنا، بما انطوت عليه ضمائرنا والمعائب التي تعلمها منها.

واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.