×
تحدث هذا الكتيب عن عادة القيل والقال التي أدَّت إلى انتهاك أعراض المسلمين، وحذَّر فيها من الاستطالة في الأعراض والكذب والبهتان، وبيَّن بالأدلة من الكتاب والسنة العاقبة لمن أصاب عِرْض أخيه المسلمين وتكلَّم فيه بغير حقٍّ.


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.

    وبعد:

    فلقد كان العجب كبيراً، والألم عظيماً، بسبب هذه الحال التي وصل إليها بعض المسلمين في هذه الأيام، حين غرهم الشيطان، فأطلقوا ألسنتهم بالهمز والسخرية والنبز لعباد الله الصالحين.

    والله لقد تكلم بعض المسلمين تجاه إخوانهم الآخرين بكلام بلغ من الفحش وقلة الحياء مبلغا عظيما، لا يتكلم به حتى المجانين!!

    ووالله إن الألم ليزاد، وإن الجُرح ليتسع حين يبلغ ببعضهم التالي على الله -تعالى- فيحكم على عبد من عباد الله بأن الله -تعالى- يُبغضه لمجرد أنه هو وأعوانه يبغضونه، ويكرهونه لتدينه واستقامته!!

    يالله ما أعظم الجرم، وما أقبح الفعل!!

    ألا يعلم هؤلاء الذي يتألون على الله -عز وجل- بما ثبت في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله t قال: قال رسول الله ﷺ‬: « قال رجل: والله لا يَغفر الله لفلان. فقال الله -عز وجل- من ذا الذي يتألَّى علىَّ أن لا أغفر لفلان؟ إني قد غفرت له وأحبط عملك». وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن القائل رجل عابد، قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته!

    ألا يعلم هؤلاء الهمَّازون الذين يُحاربون المؤمنين بألسنتهم بما حصل للمنافقين في زمن نبينا -عليه الصلاة والسلام- حين خرج بعضهم معه في غزوة تبوك فقال رجل منهم ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء -يعني رسول الله ﷺ‬ وأصحابه القراء.. -فأنزل الله- تعالى- فيهم قرآنا يتلى إلى يوم القيامة: }وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ{([1]).

    فهل ترضون لأنفسكم أيها الواقعون في أعراض المؤمنين أن تصلوا إلى تلك الحال التي وصل إليها المنافقون؟!!

    ثم إنني أسائل هؤلاء اللمَّازين الساخرين، ما الذي جرأكم على هذا العمل المُشين، والفعلة القبيحة؟! أهو كونهم ضعفاء لا يجدون من يشكون إليه هذه الحال؟!

    فإذا كنتم تتجرؤن على هؤلاء لكونهم كذلك أفلا تخشون من ذي القوة والجبروت أن يأخذكم بذنبكم هذا في ساعة من ليل أو نهار، يمد فيه هؤلاء الضعفاء أيديهم بين يدي علام الغيوب أن ينتقم لهم منكم يا من آذيتموهم في أنفسهم وأعراضهم([2]).

    إنني أخاطب هؤلاء -وأنا أعلم أن فيهم من يُؤذن في مساجد المسلمين، بل ومن يُصلي بهم أحيانا فيقرأ كلام رب الأرض والسماء فأقول: يا هذا، ألم يهذبك القرآن ؟! ألم تتأثر بالقرآن، إنني أعيذك بالله أن تكون ممن قال فيهم نبينا وحبيبنا محمد ﷺ‬: «إن أقواما يقرؤون القرآن لا يُجاوز تَراقيهم»([3]).

    ثم ألا يعلم هؤلاء الذين ألقوا جلباب الحياء، فغمسوا ألسنتهم في ركام من الأوهام والآثام، ألا يعلمون أنهم بعملهم هذا يؤذون المؤمنين بغير ما اكتسبوا والله تعالى يقول: }وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا{([4])

    ألا يعلمون عاقبة إطلاق العنان للسان بالهمز واللمز ورسول الله ﷺ‬ يقول: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يَزِل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب»([5]) ويقول: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم»([6] وفي الحديث الآخر: «وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه»([7]).

    ولما أخبر النبي - ﷺ‬ - معاذًا t بالأعمال التي يُدخل بها المرء الجنة ويُباعد من النار قال في نهاية الحديث: «ألا أخبرك بمِلاك ذلك كلِّه؟» فقال معاذ: بلى يا رسول الله، فأخذ رسول الله ﷺ‬ بلسانه فقال: «كُف عليك هذا» فقال معاذ: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك! وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»([8]).

    فيالله كم لهذه الوظيفة الإبليسية من آثار موجعة عليكم أنتم معشر المتفكهين بأعراض المؤمنين، إذ سلكتم بذلك غير سبيل المؤمنين، فصرتم منبوذين آثمين، جانين على أنفسك وخُلقُكم، ودينكم، وأمتكم.

    من كل أبواب سوء القول قد أخذتهم بنصيب، وصرتم بفعلتكم هذه تتصدرون الكذَّابين الوضَّاعين في أعز شيء يملكه المسلم (عقيدته وعرضه).

    يا أيها المفتونون بالوقوع في أعراض المؤمنين لقد أتعبتم التاريخ، وأتعبتم أنفسكم، وآذيتم التاريخ، وآذيتم أنفسكم، فلا أنتم قلتم خيرا فغنمتم، ولا سكتم فسلمتم.

    ألا تعلمون أنكم بذلك تُوقعون في صدر هذا المؤمن خَفْقَة، وفي عينه دمعة، بل وزافرات تَظَلُّمٍ يرتجف منه بين يدي ربه في جوف الليل، لِهجا بكشفها، مادًا يديه إلى مُغيث المظلومين، كاسر الظالمين.

    وربما كنتم تغطون في نوم عميق، وسهام هذا المظلوم تتقاذفكم من كل جانب، عسى أن تصيب منكم مقتلا.

    يا أيها المفتونون:

    هل تريدون أن أضرب لكم أمثلة من دعاء المظلومين على الظالمين؟!

    ها هي امرأة في زمن بني أمية تدعى أروى بنت أويس تذكر عنها كتب السير أنها زعمت أن الصحابي الجليل سعيد بن زيد قد غصب شيئا من أرضها وضمَّها إلى أرضه، وجعلت تتحدث بذلك بين الناس، بل ورفعت أمرها إلى والي المدينة مروان بن الحكم، فأرسل مروان إلى سعيد أُناسا للإصلاح، فصعب الأمر على سعيد، وقال :يرونني أظلمها، وقد سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «من ظلم قيد شبر طُوقه يوم القيامة من سبع أراضين»([9]) ثم دعا فقال: اللهم إنها قد زعمت أني ظلمتها، فإن كانت كاذبة فأعم بصرها، وألقها في بئرها التي تنازعني فيها، وأظهر من حقي نورا يُبين للمسلمين أن لم أظلمها، فلم يمض على ذلك غير زمن يسير حتى سال العقيق بالمدينة سيلا عظيما كشف الله به الحد الفاصل بينهما، وظهر للمسلمين أن سعيدا كان صادقا. ولم تلبث المرأة بعد ذلك إلا شهرا حتى عميت، وبينما هي تطوف في أرضها تلك سقطت في بئرها التي تنازع سعيدا فيها، قال عبد الله بن عمر: فكنا ونحن غلمان نسمع الإنسان يقول للإنسان أعماك الله كم أعمى الأروى.

    * ولما شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب فقالوا: إنه لا يُحسن أن يُصلي. فقال سعد: أما أنا، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله ﷺ‬ صلاتي العشي لا أخرم منها، أركد في الأوليين، وأحذف في الأخريين. فقال عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. فبعث رجالا يسألون عنه بالكوفة، فكانوا لا يأتون مسجدا من مساجد الكوفة إلا قالوا خيرا، حتى أتوا مسجدا لبني عبس، فقال رجل يقال له أبو سعدة: أما إذ نشدتمونا الله، فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذبا فأعم بصره، وأطل عمره وعرضه للفتن. قال عبد الملك بن عمير: فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك. فإذا سُئل كيف أنت؟ يقول: كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد.

    * وها هو مالك بن دينار ذلك التابعي الجليل مرض بالحمى عدة أيام، ثم وجد خِفة في جسده، فخرج لبعض حاجته وفي الطريق مرَّ ببعض الشرط الذين اعترضوا طريقه حتى لحقوا به، ثم ضربوه على رأسه عدة طرقات بالعصىِّ والمطارق، فكانت أشد من الحُمى، وزادت المرض مرضا، والضيق ضيقا، وما كان لفعلهم هذا أي مبرر!

    فلما أحس بألمها، ووصلت حرارتها لقلبه، وتفرقت على جسده رفع يديه إلى السماء ثم قال: «اللهم اقطع يده التي ضربني بها، واحرمه لذتها حتى لا يضرب بها مسلما غيري!! فلما كان من الغد ذهب مالك إلى حاجة له، فتلقاه الناس بذاك الرجل الذي ضربه، وقد قُطعت يده، وعُلقت في عنقه!!

    فيالله: ما أعظم الفرق بين من نام وأعين الناس ساهرة تدعو له، ومن نام وأعين الناس ساهرة تدعو عليه!!

    فيا أيها المفتونون:

    إذا كنتم غير آبهين بدعاء المظلوم عليكم، فماذا أنتم قائلون غدا يوم تشهد عليكم ألسنتكم.. نعم ألسنتكم هذه التي أطلقتموها في الاستهزاء بالعباد، فحل عليكم بها سخط رب العباد:

    }يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{([10]).

    ولا يغرنَّك تكاتفتم وتعاونكم على الشر في الدنيا، ولا تبطرنكم صداقتكم هذه فإنها ستكون عما قريب عداوة، ويوم القيامة حسرة وندامة.

    فالتوبة.. التوبة قبل أن تقول نفس: يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين!!

    اللهم هل بلغت...

    اللهم فاشهد...

    الرسالة الثانية

    إلى الآمنين من مكر الله

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين. شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما، وأسبغ علينا نعمة طاهرة و باطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وليُّ الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، ورازقهم: }وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ{ وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعينا عُميا وقلوبا غُلفا، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى نبينا عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطاهرين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فقد جلست مع بعض الإخوة في الله على غير ميعاد، وفوجئت بأن الحديث قد انصب حول خلاف وقع بين شيخين فاضلين، وعالمين جليلين، فطلبت منهم أن ننتقل عن مثل هذا الموضوع لما هو أعظم منه خطرا، وأسلم لألسنتنا التي أمرنا بحفظها، فتكلمت معهم عن هذه الفواحش والمنكرات التي انتشرت هنا وهناك، وأبديت حزني وألمي على ذلك العري الفاضح، والفسق الواضح الذي حدث من أولئك السفيهات والسفهاء، وعجبت من حال بعض المسلمين تجاه هذه الفواحش والمنكرات، حين تبلدت أحاسيسهم ومشاعرهم، فما صاروا يعرفون معروفا ولا ينكون منكرًا!!!

    أيها المسلمون:

    هل وصل بنا الحال اليوم إلى الأمن من مكر الله، وعقوبته؟! ألم نعلم عاقبة الإعلان بالفاحشة مع السكون عليها؟!

    ألم يقل نبينا محمد ﷺ‬ كما في الحديث الصحيح: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا»([11]) وما الأمراض الخطيرة من إيدز وزهري وسيلان مما هو منتشر في هذا العصر. إلا أكبر دليل، وأصدق برهان على وقوع ما أخبرنا به الصادق المصدوق ﷺ‬.

    أيها الإخوة الكرام:

    ها هو القرآن العظيم يقرر لنا تلك السنة الجارية التي يشهد بها تاريخ القرى الخالية، في اللحظة التي تنتفض فيها المشاعر، ويرتعش فيها الوجدان، على مصارع المكذبين الذين لم يؤمنوا ولم يتقوا، وغرهم ما كانوا فيه من رخاء ونعمة، فينذرهم القرآن، ويحذرهم من بأس الله أن ينزل بهم في أية لحظة من ليل أو نهار، وهم سادرون في نومهم، ولهوهم، ومتاعهم:

    } أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ {؟

    } أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ {؟

    } أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{([12]

    نعم.. أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأس الله في غفلة من غفلاتهم، وغرة من غراتهم؟ أفأمنوا أن يأتيهم بأس الله بالهلاك والدمار بياتًا وهم نائمون؟

    أفأمنوا أن يأتيهم بأس الله ضحى وهم يلعبون؟

    إن بأس الله لأشد من أن يقفوا له نائمين أم صاحين. لاعبين أم جادين، ولكن الله عز وجل يعرض لنا لحظات الضعف الإنساني ليلمس الوجدان البشري بقوة، ويثير حذره وانتباهه حين يترقب الغارة الطامة الغامرة في لحظة من لحظات الضعف والغرة الفجاءة..

    يالله هل أمن الناس مكر الله وهاهي مصارع الغابرين أمامهم تهديم، وتُنير لهم الطريق؟! ألا يجدر بنا أن تكون تلك المصارع نذيرا لنا أن نتقي الله تعالى نخافه، وأن نطرح عن أنفسنا الأمن الكاذب، والاستهتار السادر، والغفلة المُردية؟!

    وثمت آيات أُخر تقرر ما أسلفناه، وتبين أن يد الله تعالى - تعمل من حولهم، وتأخذ بعضهم أخذ عزيز مقتدر، فلا يغني عنهم مكرهم وتدبيرهم، ولا تدفع عنهم قوتهم وعملهم ومالهم، فيظل الناجون آمنين لا يتوقعون أن يُؤخذوا كما أُخذ من قبلهم، ومن حولهم، ولا يخشون أن يمتد إليهم بطش الله في صحوهم أو في منامهم، في غفلتهم أو في استيقاظهم:

    }أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ{([13])

    }وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{([14])

    وها أنا ذا أنادي المسئولين في الوطن الإسلامي كله بأعلى نداء، وأقوى صراخ أن يُسخروا جهودهم وطاقاتهم للقضاء على أماكن الدعارة، ومواخير الرذيلة، ويمنعوا الوسائل التي تُمهد لانتشارها وذيوعها كدور السينما، والمجلات الخليعة، والصور الفاتنة، وقصائد الغزل والحب التي تزرع في نفوس الشباب السير في طريق الفاحشة غير مدركين لعاقبتها الوخيمة، ونهايتها المردية.

    فهل من يقظة ورجوع وتوبة؟

    وهلا أخذتم على أيدي السفهاء فكنتم يدا واحدة مع رجال الإسلام ودعاته الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟!

    إن هؤلاء أصحاب دعوة عالمية، ورسالة عظيمة، وإن الوقوف معهم، ومناصرتهم، ودعمهم كفيل- بإذن الله - بحفظ البلاد من شرور الأشرار، وفساد المفسدين.

    نعم.. كفيل بنزول الخيرات، وحلول الرحمات، واندفاع النقم والبليات.

    وأما محاربتهم، ومحاولة استئصال شأفتهم فمؤذن - والله - بهلاك عاجل، وزوال محقق؛ ذلك لأن هؤلاء، الدعاة هم من حماة الدين، وأنصار الشريعة، وإن نصرتهم نصر الدين، ومحاربتهم وترك معونتهم حرب على الدين، واستهتار به، ولعمري إن هذا العمل المشين إنما ولَّده الأمن من مكر الله الغالب، وعذابه الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.

    فيا رجال الإعلام:

    ويا أولياء الأمور في بلاد الإسلام: الله الله في أجيالنا المسلمة، خذوا بأيديهم إلى طريق الإيمان والإسلام، واصرفوا عنهم سُبل الفتنة، والغواية، لتمنعوا عن أنفسكم وبلادكم حصول الويلات والنكبات ولتجلبوا لأوطانكم الخيرات والبركات..

    وكونوا على جانب من الخوف من مكر الله، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

    هذه صيحة نذير، وصرخة تحذير، قصدت منها تعليم الجاهلين، وتنبيه الغافلين، وتذكير الناسين.

    اللهم هل بلغت

    اللهم فاشهد

    ([1]) التوبة: (65-66).

    ([2]) سيأتي ضرب أمثلة على إجابة دعوة المظلومين في نهاية هذه الرسالة -بإذن الله تعالى-.

    ([3]) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها برقم (722) وقوله ﷺ‬ «لا يجاوز تراقيهم» أي لا يجاوز القرآن تراقيهم ليصل إلى قلوبهم. فليس حظهم منه إلا مروره على ألسنتهم والتراقي جمع ترقوة، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق.

    ([4]) الأحزاب: (58).

    ([5]) متفق عليه.

    ([6]) رواه البخاري.

    ([7]) رواه مالك في الموطأ، وأحمد، وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم.

    ([8]) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

    ([9]) رواه البخاري ومسلم.

    ([10]) النور: 24-25.

    ([11]) رواه ابن ماجة، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

    ([12]) الأعراف: 97-99.

    ([13]) النحل: 45-47، والتخوف: التنقص، أي يأخذهم على أن يتنقصهم شيئا في أموالهم وأنفسهم حتى يهلكوا.

    ([14]) النمل: 51-52.