×
التحذير من المهلكات: الخمر والدخان والقات وتعاطي المخدرات: رسالة مختارة من كتاب: «مجموع رسائل ومسائل القرعاوي»، ويُحذِّر فيها الشيخ بالأدلة الشرعية من الخمر والدخان والقات والمخدرات، ويُبيِّن مدى خطورتها على الفرد والمجتمع المسلم.


    المقدمة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد، فهذه رسالة «التحذير من المهلكات؛ شرب الخمر والدخان والقات وتعاطي المخدرات» وهي مختارة من كتاب «مجموع رسائل ومسائل القرعاوي» رغبنا في نشرها ليعم النفع بها وتسهل قرأتها.

    أسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفع بها إخواني المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.

    عمر بن إبراهيم التويجري

    * * * *

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله نهى أمته عن كل مسكر ومفتر، صلى الله وسلم وبارك عليه وآله وصحبه.

    أما بعد, اتقوا الله تعالى واشكروه على نعمه الظاهرة والباطنة، أغناكم بحلاله عن حرامه، وأباح لكم من الطيبات التي فيها من الآثار الحميدة على صحة أبدانكم وقلوبكم وسلوككم في أمور الدين والدنيا؛ لأنها تغذي تغذية طيبة. وحرم عليكم الخبائث لما فيها من الضرر والأثر الخبيث على الأبدان والسلوك.

    فإن المحرمات من الخمر والمخدرات وسائر المسكرات، من أكبر الجرائم المؤدية بحد ذاتها إلى جرائم خطيرة فيهي أم الخبائث، ومورثة المفاسد، وما وجدت في مجتمع وانتشرت بين أفراده إلاَّ رمتهم في جحيم الشهوات العارمة، ومضار اللذات الهمجية، والأمراض الخطيرة إضافة إلى فساد الأخلاق وانتشار الفوضى وكثرة الجرائم المتعددة، إنها الموت والفناء والقضاء على الدين والدنيا «معبأ في أقراص أو حقن». إن الله تعالى أمر بحفظ العقل أن يختل بشرب شراب يخرجه عن فطرته التي فطره الله عليها؛ لئلا يسلب العقل ويتحول إلى حيوان فاقد الفطرة، لا يميز بين الحق من الباطل، ولا بين الضار من النافع، بل يستحسن الجريمة والفحش فلا يتعاطى الخمر والمخدرات إلا السفلة من الناس. كما أن العاقل إذا سبر أحوال متعاطيها وطريقة تفكيره، وجده ممسوخ الخلقة بعد أن كان قويًا، كئيب اللون بعد أن كان نقيًا، خاملاً بعد أن كان نشيطًا، تافه العقل، غارقًا في الأوهام، مائلاً إلى مجالسة الأسافل والأراذل جامعًا لأوباشهم في بيته، مضحيًا بكرامته في سبيل الله الحصول على مطلوبه، مدمنًا الفكر في الشهوات، يظن في نفسه من المكارم ما هو بعيد عنها، ساقط المروءة بالإغراق في الهذر وساقط الكلام، مولعًا بالهزل الدنيء، ضعيف الذاكرة إلى غير ذلك من السوءات والعيوب.

    ولذا قال الله عز وجل: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ{.

    فدلالة التحريم:

    الأول: أن الله تعالى قرن الخمر والميسر بعبادة الأصنام وهي «الأنصاب والأزلام».

    الثاني: قوله تعالى: }رِجْسٌ{ والرجس النجس، وكل نجس حرام فالخمر نجس، وكذا كل مسكر من الكالونيا والحشيش وكذا المخدرات إذا أصاب الثوب شيء منها وجب غسله، وأكثر ما ابتلي بعض الناس بالكالونيا المسكر يتطيب به وهو نجس.

    الثالث: قوله تعالى: }مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ{ وكل ما هو من عمل الشيطان حرام لمعارضته أو نقصه لأصل الإيمان أو كماله الواجب.

    الرابع: قوله تعالى: }فَاجْتَنِبُوهُ{ والأمر للوجوب، وما أوجب الله اجتنابه فهو حرام، قال الله تعالى: }فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ{.

    الخامس: قوله تعالى: }لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{، وما علق رجاء الفلاح باجتنابه فإتيانه حرام، لأنه سبب للخسران، والله لا يدعو عباده إلى الخسران.

    السادس: قوله تعالى: }إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ{ وكل ما هو سبب لوقوع العداوة والبغضاء بين المسلمين فهو حرام.

    السابع: قوله تعالى: }وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ{ وما يصد به الشيطان عن ذكر الله وعن الصلاة التي هي عماد الدين فهو حرام.

    الثامن: قوله تعالى: }فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ{ معناه: انتهوا وما أمر الله بالانتهاء عنه فهو حرام.

    ومن السنة: ما في الصحيحين:

    عن أبي موسى t عن النبي ﷺ‬: «كل مسكر حرام».

    وما روى مسلم وأبو داود عن النبي ﷺ‬: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام»، ومن يشرب الخمر في الدنيا فماتت وهو يدمنها لم يتب، لم يشربها في الآخرة.

    وخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر t عن رسول الله ﷺ‬: «ما أسكر كثيره فقليله حرام».

    وخرَّج النسائي وغيره عن سعد بن أبي وقاص t نهى رسول الله ﷺ‬ عن قليل ما أسكر كثيره.

    وكذا الحشيش والأفيون والدخان لما روى أبو داود وأحمد عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ‬ «نهى عن كل مسكر ومفتر».

    قال ابن الأثير: المفتر: الذي إذا شرب أحمى الجسد وصار فيه فتور وضعف وانكسار، وقال الخطابي: المفتر: كل شراب يورث الفتور والرخاوة في الأعضاء والخدر في الأطراف.

    أما المسكر: فهو ما فيه شدة مطربة.

    ونقل العراقي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيش، وأن من استحله فقد كفر يستتاب فإن تاب إلاَّ قتل مرتدًا، لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.

    ولذا اتفق العلماء على حرمة تناول القدر المؤثر على العقل، من المواد والعقاقير المخدرة؛ فيحرم تعاطيها بأي وجه من الوجوه سواءً كان بطريق الأكل أو الشراب، أو التدخين، أو السعوط أو الحقن بعد إذابتها أو بأي طريق كان.

    واعتبر العلماء ذلك كبيرة من كبائر الذنوب يستحق مرتكبها المعاقبة في الدنيا والآخرة. وقال ابن القيم رحمه الله: «إن الخمر يدخل فيها كل مسكر، مائعًا كان أو جامدًا، عصيرًا أو مطبوخًا».

    إن الإعانة على تعاطي الخمر والمخدرات والدخان والقات، حرام لا يجوز؛ لأن الوسيلة إلى فعل المعصية تكون معصية، وللأحاديث الواردة في تحريم ذلك، والإعانة تشمل زارعي هذه المواد المخدرة، والمُتَّجِرين فيها، والمشترين لها والوسطاء فيها، والحاملين لها لتوصيلها إلى الشاربين، وصانعي مشتقاتها التي يقصد بها الاستعمال. كما أن الثمن الناتج عن ذلك حرام والصدقة به لا تجوز.

    والدليل على ذلك ما في صحيح مسلم عن جابر t أن النبي ﷺ‬ قال: «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام»، ولحديث أنس لعن رسول الله ﷺ‬ في الخمر عشرة «عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له» [رواه أبو داود].

    ويستفاد من هذه النصوص أنه يحرم على المسلم مجالسة مرتكبي المعاصي أيًّا كان نوعها؛ لأن في مجالستهم إهدارًا لحرمات الله وإعراضًا عن شرعه، ولأن من يجلس مع العصاة يتخلق بأخلاقهم ويجري على لسانه ما يتناقلونه من ساقط القول وقبيح العبارات، ويعتاد ما يفعلونه من مآثم؛ كشرب المسكرات والمخدرات والدخان والقات، ويشاركهم في عمل المنكرات, ومن هنا كان على الموفق أن ينأى عن مجالس آلات اللهو، والطرب من الغناء، والمزامير «من دش ونحوه»، فإنها مجالس الفسق والفساد وإضاعة الصحة والمال، قال الله تعالى: }وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ{. بل على المسلم أن ينكر ويخبر بمهربي المخدرات ومروجيها، وبمجالس الفسق مجالس الغناء والمزامير؛ لأن الإخبار عنها من التعاون على البر والتقوى، ولقول النبي ﷺ‬: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لمن يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم]، وفي الحديث «لا يدخل الجنة عاق، ولا قَمَّار، ولا مدمن خمر، ولا منان» [رواه الدارمي].

    ومن تعمد شرب القليل من الخمر، وكذا المخدرات بأنواعها، وكذا الدخان والقات، فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، بل ذهب بعضهم إلى أن ذلك من أكبر الكبائر؛ لما روى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ‬: «اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر»، وروى الحاكم أيضًا أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطَّاب رضي الله عنهما وناسًا من أصحاب رسول الله ﷺ‬ جلسوا بعد وفاة رسول الله، فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علم ينتهون إليه، فأرسلوا إلى عبد الله بن عمرو يسألونه عن ذلك، فأخبرهم أن أعظم الكبائر شرب الخمر، وأخبر أن رسول الله ﷺ‬ قال: «إن ملكًا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلاً فخيره بين أن يشرب الخمر، أو يقتل نفسًا، أو يزني، أو يأكل لحم خنزير، أو يقتلوه إن أبى، فاختار أن يشر الخمر، وأنه لمَّا شربها لم يمتنع من شيء أرادوه منه»، وأن رسول الله ﷺ‬ قال لنا مجيبًا: «ما من أحدٍ يشربها فيقبل الله له صلاة أربعين ليلة، ولا يموت وفي مثانته منها شيء إلاَّ حرمت عليه بها الجنة، فإن مات في أربعين ليلة مات ميتة جاهلية».

    ومن أنواع المخدرات والمُفترات الدخان بجميع أنواعه واستعمالاته، سواء كان مضغًا بالفم، أو تدخينًا عن طريق السيجارة أو الشيشة والغليون، أو استنشاقه مسحوًا أو غير ذلك، وقد ذهب إلى تحريمه جمع من أكابر العلماء، وجهابذة الفقهاء، وجميع الأطباء المعتبرين، وقد أورد الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مفتي المملكة سابقًا نقولاً كثيرة عن أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، تدل على خبثه ونتنه وإسكاره أحيانًا وتفتيره، وذلك في فتوى في حكم شارب الدخان.

    والدخان حرام من أوجه:

    الأول: كونه مضرًا بالصحة بأخبار الأطباء المعتبرين، وكل ما كان كذلك يحرم استعماله اتفاقًا.

    الثاني: كونه من المخدرات المتفق عليها عندهم المنهي عن استعمالها شرعًا؛ لحديث أم سلمة السابق.

    الثالث: كون رائحته الكريهة تؤذي الناس الذين لا يستعملونه، وعلى وجه الخصوص في مجامع الصلاة ونحوها، بل تؤذي الملائكة المكرمين.

    وكما يحرم شرب الدخان يحرم بيعه، الإتجار به واستيراده، فثمنه سحت والإتجار به مقت.

    فالذي يبيعه قد ارتكب جريمتين:

    الأولى: أنه أعان على ترويجه بين المسلمين؛ فجلى لهم مادة فساد.

    الثانية: إن بائع الدخان يأكل ثمنه مالاً حرامًا، ويجمع ثروة محرمة.

    وإذا ثبت تناول المسكر، خمرًا أو غيره فيجب أن يجد فاعل ذلك لإجماع الصحابة ومن بعدهم على جلد شارب الخمر.

    وفي عهد عمر t استشار أصحاب رسول الله ﷺ‬ في حد شارب الخمر. فأفتى علي بن أبي طالب t بأن يحد ثمانين جلدة، ووافق أصحاب رسول الله ﷺ‬ على هذا.

    شارب الخمر والمخدرات مفسد لدينه وصحته، وجانٍ على نفسه وأقاربه وأهله، مفرط في ماله، وعابث بكرامته وفضله، وصائل خبيث على الأخلاق.

    فيا من يفعل شيئًا من ذلك, تب إلى الله تعالى قبل أن ينزل بك الموت.

    يا متشبهًا بالحيوانات، ويا متخلقًا بأخلاق المجانين، تب إلى الله تعالى الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات. فقد روى أحمد رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ‬: «مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن»، وعن أبي موسى t أن كان يقول: «ما أبالي شربت الخمر أو عبدت هذه السارية دون الله» [رواه النسائي].

    فليحذر أصحاب الأحواش والاستراحات الذين يبيتون فيها على لهو ولعب، أو يأذنون لأحد يبيت فيها على لهو ولعب، ليحذروا أن يحل أو ينزل بهم ما أخبر عنه النبي ﷺ‬ بقوله: «يبيت قوم من هذه الأمة على طُعم وشرب، ولهو ولعب؛ فيصبحوا قد مسخوا قردة وخنازير».

    فليحذر الآباء من ترك أولادهم يذهبون إلى هذه الأحواش والاستراحات، فليتفقدوهم؛ فإنهم أمانة في أعناقهم.

    والله أعلم وصلى الله وسلم، وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    [كتبه عبد الله بن إبراهيم القرعاوي]

    * * * *