×
من أفضل الأذكار بعد القرآن الكريم هو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فمن هنا يجدر بنا معرفة الفوائد المترتبة على الصلاة و السلام على خير خلق الله محمد رسول الله

    من فوائد الصلاة على النبي ﷺ

    فقد شرّفَ اللهُ عزّ وَجَلّ نَبِيَّه صلى الله عليه وسلم أيَّما تشريفٍ ، وكَرّمه أعظَمَ تكريمٍ ، وجَعَل الصلاةَ على النبيّ صلى الله عليه وسلم عِبادةً وطاعة وقُربَة ، وأمَرَ الله عزّ وَجَلّ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال اللهُ تبارك وتعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

    قال ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ : والمقصودُ مِن هذهِ الآيةِ : أنَّ اللهَ سبحانَه أخبرَ عِبادَه بِمَنْزِلةِ عَبدِه ونَبِيِّه عندَه في الملأِ الأعلى ، بأنَّهُ يُثْنِي عليه عندَ الملائكةِ الْمُقَرَّبِينَ ، وأنَّ الملائكةَ تُصَلِّي عليه . ثم أمَرَ تعالى أهلَ العَالَمِ السُّفْلي بالصلاةِ والتسليمِ عليه ، لِيَجْتَمِعَ الثناءُ عليه مِن أهلِ العَالَمَينِ العُلويِّ والسُّفليِّ جميعا

    قال ابنُ رجَبٍ : محبةُ الرَّسولِ تَبَعٌ لِمَحَبَّةِ مُرْسِلِه عزَّ وجَل . هذا كلُهُ في امتثالِ الواجباتِ وتَرْكُ المحرَّماتِ . فإنْ تَعَارَضَ داعيْ النفسِ ومندوباتُ الشريعةِ ، فإنْ بَلَغَتِ المحبةُ على تقديمِ المندوباتِ على دَوَاعي النَّفسِ كانَ ذلكَ علامةَ كمالِ الإيمانِ وبلوغِهُ إلى درجةِ المقربينَ والمحبوبينَ المتقربينَ بالنوافلِ بعدَ الفرائضِ ، وإنْ لَمْ تبلغْ هذِهِ المحبةُ إلى الدرجةِ فهي درجةُ المقتصدينَ أصحابِ اليمينَ الذين كَملَتْ محبتُهُم ولم يزيدوا عليها . اهـ .

    ما معنى الصلاةِ على النبي ﷺ ؟

    قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ : صَلَاةُ اللهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يُصَلُّونَ : يُبَرِّكُونَ . ذَكَرَه البخاري .

    وقال الإمام الترمذيُّ : وَرُوِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ ، قَالُوا : صَلاَةُ الرَّبِّ الرَّحْمَةُ ، وَصَلاَةُ الْمَلاَئِكَةِ الاِسْتِغْفَارُ .

    وقال البَغويّ في تفسيره : الصلاةُ مِن اللّه الرحمةُ ، ومِن الملائكةِ الاستغفارُ للمؤمنين . اهـ .

    وقد ذَكَر ابن القيم أكثرَ مِن ثلاثين فائدةً في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأذكُرُ منها مِن غيرِ الْتِزَام بترتيب ابن القيم :

    الأولى : امْتِثَالُ أَمرِ اللهِ سبحانه وتعالى .

    الثَّانِيَة : مُوَافَقَتُه سُبْحَانَهُ فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم ، وَإِن اخْتلفت الصَّلَاتَان ؛ فصلاتُنا عَلَيْهِ دُعَاءٌ ، وسؤالٌ وَصَلَاةُ الله تَعَالَى عَلَيْهِ ثَنَاءٌ وتشريف .

    الثَّالِثَة : مُوَافقَةُ مَلَائكَتِه فِيهَا .

    الرَّابِعَة : حُصُولُ عشرِ صلوَاتٍ مِن الله على الْمُصَلِّي مرّة .

    الْخَامِسَة : أَنه يُرفَع عشرُ دَرَجَات .

    السَّادِسَة : أَنه يُكْتبُ لَهُ عشرُ حَسَنَات .

    السَّابِعَة : أَنه يُمْحَى عَنهُ عشرُ سيئات .

    الثَّامِنَة : أَنه يُرْجَى إِجَابَةُ دُعَائِهِ إِذا قَدّمهَا أَمَامه ؛ فَهِيَ تُصاعِدُ الدُّعَاءَ إِلَى عِنْدِ ربِّ الْعَالمين عزّ وَجَلّ " وكان موقوفا بين السماء والأرضِ قبلَها " .

    التَّاسِعَة : أَنَّهَا سَبَبٌ لَشَفاعتِه صلى الله عليه وسلم إِذا قَرَنَها ِبِسؤالِ الْوَسِيلَةِ لَهُ أَو أفْردَها . [كما في الذِّكْر الواردِ بعد الأذان] .

    الْعَاشِرَة : أَنَّهَا سَبَبٌ لِغُفرانِ الذُّنُوبِ .

    الْحَادِيَةَ عشرَة : أَنَّهَا سَبَبٌ لِكفايةِ اللهِ العَبْدَ مَا أهَمّه .

    قَالَ أُبَيٌّ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي ؟ فَقَالَ : مَا شِئْتَ . قَالَ : قُلْتُ : الرُّبُعَ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ، قُلْتُ : النِّصْفَ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ، قَالَ : قُلْتُ : فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ، قُلْتُ : أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا . قَالَ : إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ . رواه الترمذي ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .

    وقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ ؟ قَالَ : إِذَنْ يَكْفِيَكَ اللهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ . رواه الإمام أحمد وابنُ أبي شيبة ، وهو حديثٌ حَسَن .

    قال ابن القيم : وَسُئِلَ شَيخُنا أَبُو الْعَبَّاس عَن تَفْسِيرِ هَذَا الحَدِيث ، فَقَال : كَانَ لأُبَيّ بنِ كَعْب دُعَاءٌ يَدْعُو بِهِ لنَفسِهِ ، فَسَأَلَ النّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : هَل يَجْعَل لَهُ مِنْهُ رُبْعَه صَلَاةً عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم . فَقَالَ : إِن زِدْت فَهُوَ خير لَك . فَقَالَ لَهُ : النّصْفَ . فَقَالَ : إِن زِدْت فَهُوَ خير لَك، إِلَى أَن قَالَ : أجعَلُ لَكَ صَلَاتي كلَّهَا ، أَي : أجعَل دُعائي كُلَّه صَلَاةً عَلَيْك . قَالَ : إِذا تُكْفَى هَمَّك وَيُغْفر لَك ذَنْبُك ؛ لِأَن مَن صَلّى على النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَلَاةً صلّى اللهُ عَلَيْهِ بهَا عشرا ، وَمَن صَلّى الله عَلَيْهِ كَفَاهُ هَمَّه ، وَغَفَرَ لَهُ ذَنبَه . هَذَا معنى كَلَامِه رَضِي الله عَنهُ . اهـ .

    وقَالَ المباركفوريُّ : أيْ : أصْرِفُ بِصَلاتي عليكَ جميعَ الزمنِ الذي كنتُ أدعُو فيه لنَفْسِي .

    وقَالَ : والْـهَمُّ ما يَقْصِدُهُ الإنسانُ مِن أمرِ الدنيا والآخِرَةِ ، يعني إذا صَرَفْتَ جميعَ أزمانِ دعائك في الصلاةِ عليَّ أُعْطِيتَ مَرَامَ الدنيا والآخرةِ . اهـ .

    الثَّانِيَةَ عشرَة : أَنَّهَا سَبَبٌ لِقُرْبِ العَبْدِ مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْقِيَامَة .

    الثَّالِثَةَ عشرَة : أَنَّهَا سَبَبٌ لِقَضَاء الْحَوَائِج .

    الرَّابِعَة عشرَة : أَنَّهَا سَبَبٌ لِصَلَاةِ اللهِ على الْمُصَلِّي وَصَلَاةِ مَلَائكَتِه عَلَيه .

    الْخَامِسَة عشرَة : أَنَّهَا زَكَاةٌ للْمُصَلِّي وطهارةٌ لَهُ .

    السَّادِسَة عشرَة : أَنَّهَا سَبَبٌ لردِّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ على الْمُصَلِّي وَالْمُسلمِ عَلَيْهِ .

    السَّابِعَة عشرَة : أَنَّهَا سَبَبٌ لطيب الْمجْلس وَأَن لَا يَعودَ حَسْرةً على أَهلِه يَوْمَ الْقِيَامَة

    الثَّامِنَة عشرَة : أَنَّهَا تَنْفِي عَن العَبْد اسْمَ الْبُخْلِ إِذا صَلّى عَلَيْهِ عِنْد ذكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

    التَّاسِعَة عشرَة

    الْعشْرُونَ : أَنَّهَا ترمي صَاحبَهَا على طَرِيق الْجنَّة ، وتخطئ بِتَارِكها عَن طريقِها .

    الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ : أَنَّهَا تُنْجِي مِن نَتنِ الْمجْلسِ الَّذِي لَا يُذكرُ فِيهِ اللهُ وَرَسُولُه ، ويُحمدُ وُيثنى عَلَيْهِ فِيهِ ، وَيُصَلَّى على رَسُوله صلى الله عليه وسلم .

    الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ : أَنَّهَا سَبَبٌ لتَمامِ الْكَلَامِ الَّذِي ابْتُدِئَ بِحَمْدِ اللهِ وَالصَّلَاةِ على رَسُولِه .

    الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ : أَنه يَخرجُ بهَا العَبْدُ عَن الْجفَاء .

    الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ : أَنَّهَا سَبَبٌ لإبْقاءِ اللهِ سُبْحَانَهُ الثَّنَاءَ الْحسَنَ للْمُصَلِّي عَلَيْهِ بَين أهل السَّمَاء وَالْأَرْض ؛ لِأَن الْمُصَلِّيَ طَالبٌ مِن اللهِ أَن يُثْنِيَ على رَسُوِله ويُكرِمَه ويُشَرّفَه . وَالْجَزَاءُ مِن جِنسِ الْعَمَل ، فَلَا بُد أَن يُحصلَ للْمُصَلِّي نوعٌ مِن ذَلِك .

    الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ : أَنَّهَا سَبَبُ الْبركَةِ فِي ذَاتِ الْمُصَلِّي وَعَمَلِه وعُمُرِه وَأَسْبَابِ مَصَالِحه ؛ لِأَن الْمُصَلِّيَ دَاعٍ ربَّه يُبَارك عَلَيْهِ وعَلى آلِه ، وَهَذَا الدُّعَاء مستجاب ، وَالْجَزَاء مِن جِنْسِه .

    السَّادِسَة وَالْعشْرُونَ : أَنَّهَا سَبَبٌ لِنَيلِ رَحْمَةِ اللهِ لَهُ ؛ لِأَن الرَّحْمَةَ إِمَّا بِمَعْنى الصَّلَاةِ كَمَا قَالَه طَائِفَةٌ ، وَإِمَّا مِن لَوازِمِها ومُوجِباتِها على القَوْلِ الصَّحِيح ؛ فَلَا بُدَّ للْمُصَلِّي عَلَيْهِ مِن رَحْمَةٍ تَنالُه .

    السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ : أَنَّهَا سَبَبٌ لدوامِ محبتِّه للرسولِ صلى الله عليه وسلم وزيادتِها وَتضَاعُفِها ، وذلك عَقْدٌ مِن عُقُودِ الْإِيمَان الَّذِي لَا يَتمُّ إِلاَّ بِهِ ؛ لِأَن العَبْدَ كُلّما أَكْثَرَ مِن ذِكرِ المحبوبِ واستحضارِه فِي قلبِه واستحضارِ محاسِنِه ومعانِيه الجالِبةِ لِـحُبِّه : تضَاعَفَ حُبُّه ، وتَزايَدَ شوقُه إِلَيْهِ ، وَاسْتولى على جَمِيعِ قلبِه ، وَإِذا أعرَضَ عَن ذِكرِه وإحضارِ محاسِنِه بِقَلْبِه : نَقَصَ حُبُّه مِن قلبِه .

    وَلَا شَيْءَ أقرَّ لِعَينِ الْمُحِبِّ مِن رُؤْيَةِ مَحبُوبِه ، وَلَا أقرَّ لِقَلْبِهِ مِن ذِكرِه وإحضارِ محاسِنِه ، فَإِذا قَوِيَ هَذَا فِي قلبِه جَرَى لِسَانُه بِمَدْحِه وَالثنَاءِ عَلَيْهِ وَذِكرِ محاسنه ، وَتَكونُ زِيَادَةُ ذَلِك ونُقصَانُه بِحَسبِ زِيَادَةِ الْحبِّ ونقصانِه فِي قلبِه . والْـحِسُّ شَاهدٌ بِذلك .

    الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ : أَن الصَّلَاةَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم سَبَبٌ لمحبّتِه للْعَبد ، فَإِنَّهَا إِذا كَانَت سَببًا لزِيَادَةِ محبَّةِ الْمُصلّي عَلَيْهِ لَهُ ، فَكَذَلِك هِيَ سَبَبٌ لِمَحَبَّتِه هُوَ للْمُصَلِّي عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم .

    التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ : أَنَّهَا سَبَبٌ لِهدايَةِ العَبْدِ وحياةِ قلبِه ، فَإنَّه كُلّما أَكثَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَه ، واسْتَوْلَتْ مَحَبّتُه على قلبِه حتى لَا يبْقى فِي قلبِه مُعَارَضَةٌ لِشَيْء مِن أوامِرِه ، وَلَا شكَّ فِي شَيْء مِمَّا جَاءَ بِهِ، بل يَصيرُ مَا جَاءَ بِهِ مَكْتُوبًا مَسْطورا فِي قلبِه ، لَا يزَال يَقْرَؤُهُ على تَعاقُبِ أَحْوَالِه ، ويَقتَبِس الْهدُى والفلاحَ ، وأنواعَ الْعُلُومِ مِنه ، وَكلما ازْدَادَ فِي ذَلِك بَصِيرَةً وَقُوَّة وَمَعْرِفَة ازدادت صلَاته عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم .

    وَلِهَذَا كَانَت صَلَاةُ أهلِ الْعلمِ العارِفين بِسُنّته وهَدْيِه الْمُتّبِعِين لَهُ على خلافِ صَلَاةِ الْعَوامِّ عَلَيْهِ ، الَّذين حَظُّهم مِنْهَا : إزعاجُ أعضائهم بهَا ، ورفعُ أَصْوَاتِهم.

    وَأما أَتْبَاعُه العارِفون بِسُنّتِه ، الْعَالِمُونَ بِما جاء بِهِ ، فَصَلاتُهم عَليه نوعٌ آخر ؛ فَكُلّما ازدادوا فِيمَا جاء بِه مَعرفَةً ، ازدادوا لَهُ محبَّةً وَمَعْرِفَةً بِحَقِيقَةِ الصَّلَاةِ الْمَطْلُوبَةِ لَهُ مِن الله تَعَالَى .

    وَهَكَذَا ذِكْرُ اللهِ سُبحانه ، كُلّما كَانَ العَبْدُ بِهِ أعرَفَ ، وَله أطوعَ ، وَإِلَيْهِ أحَبَّ ؛ كَانَ ذِكْرُه غيرَ ذِكْرِ الغافلين الّلاهِين .

    وَفَرْقٌ بَينَ مَن يَذكُر صِفَاتِ مَحبوِبِه الذي قد مَلَكَ حُبُّه جَمِيعَ قلبِه ، ويثني عَلَيْهِ بهَا ، ويُمَجِّدُه بهَا ، وَبَين مَن يَذكُرهَا إِمَّا إثارَةً ، وَإِمَّا لفظا لَا يَدْرِي مَا مَعْنَاهُ لَا يُطَابِقُ فِيهِ قلبُه لِسَانَه ، كَمَا أَنه فَرْقٌ بَينَ بُكاء النائحةِ وبكاء الثكلى !

    فَذِكْرُه صلى الله عليه وسلم ، وَذِكْرُ مَا جَاءَ بِهِ ، وَحَمْدُ اللهِ سبحانه على إنْعَامِه علينا ومِنَّتِه بإرسالِه هُوَ حَيَاةُ الْوُجُود وروحُه .

    الثَّلَاثُونَ : أَنَّهَا سَبَبٌ لِعرضِ اسْمِ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكرِه عِنْدَه ، كَمَا في قَوْلِه : "إِن صَلَاتكُمْ معروضةٌ عَليّ "

    وَقَوله صلى الله عليه وسلم : إِن الله وَكَّل بِقَبْرِي مَلَائِكَة يُبَلّغُوني عَن أمتِي السَّلَام " ، وَكفى بِالْعَبدِ نبْلًا أَن يُذكرَ اسْمُه بِالْخَيرِ بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم .

    الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ : أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَدَاءٌ لأَقلِّ الْقَلِيلِ مِن حَقِّه ... مَعَ أَن الَّذِي يسْتَحقُّهُ مِن ذَلِك لَا يُحْصَى عِلمًا وَلَا قُدرَةً وَلَا إِرَادَةً ، وَلَكِن اللهَ سُبْحَانَهُ لِكَرَمِه رَضِي مِن عبادِه باليَسيِر مِن شُكرِه وَأَدَاءِ حَقِّه .

    الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ : أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِذكرِ اللهِ تعالَى وشُكرِه وَمَعْرِفَةِ إنعامِه على عَبيدِه بإرسالِه ؛ فَالْمُصَلِّي عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم قد تَضَمَّنتْ صلَاتُه عَليه ذِكرَ اللهِ وَذكرَ رَسُولِه . وسُؤالِه تعالى أَن يجْزِيَه بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَهلُه ، كَمَا عَرّفنَا رَبَّنَا تعالى وأسماءَه وَصِفَاتِه ، وهَدَانا إِلَى طَرِيقِ مَرضَاتِه ، وعَرّفَنَا ما لَنَا بَعدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ والقدومِ عَلَيْهِ ؛ فَهِيَ مُتَضمّنةٌ لِكلِّ الْإِيمَان ، بل هِيَ مُتَضَمِّنَةٌ للإقرارِ بِوُجُود الربِّ الْمَدْعُوِّ تعالى ، وَعِلمِه وسَمْعِه وَقُدرتِه وإرادَتِه وصِفَاتِه وَكَلَامِه ، وإرسالِ رَسُولِه وتصديقِه فِي أخبارِه كلِّهَا ، وَكَمَالِ مَحَبّتِه ، وَلَا ريبَ أَن هَذِه هِيَ أصُولُ الْإِيمَان ؛ فَالصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مُتضمّنةٌ لِعِلْمِ العَبْدِ ذَلِك ، وتصديقِه بِهِ ، ومحبّتِه لَهُ ؛ فَكَانَت مِن أفضلِ الأعمال .

    الْفَائِدَة الثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ : أَن الصَّلَاةَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مِن العَبْد هِيَ دُعَاءٌ ، وَدُعَاءُ العَبْد وسؤالُه من ربه نَوْعَانِ :

    أَحدهمَا : سُؤَالُه حَوَائِجَه ومُهمّاتِه ، وَمَا يَنُوبُه فِي اللَّيْل وَالنَّهَار ؛ فَهَذَا دُعَاءٌ وسؤال وإيثارٌ لِمَحْبُوبِ العَبْدِ ومَطلُوبِه .

    وَالثَّانِي : سُؤَالُه أَن يُثْنِيَ على خَلِيلِه وحَبِيبِه ﷺ ، وَيزِيدَ فِي تشريفه وتكريمه وَرَفْعِه .

    وَلَا ريب أَن الله تَعَالَى يُحبُّ ذَلِك ، وَرَسُولَه يُحِبهُ ؛ فَالْمُصَلِّي عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم قد صَرَفَ سُؤَالَه ورَغبتَه وَطَلَبَه إلى مَحَابِّ اللهِ وَرَسُولِه ، وآثر ذَلِك على طلبِه حَوَائِجَه ومَحَابَّه هُوَ ، بل كان هذا الْمَطْلُوبُ مِن أحبِّ الْأُمُورِ إِلَيْهِ وآثرِها عِنْدَه ، فقد آثرَ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُه على مَا يُحِبهُ هُوَ ، فقد آثرَ اللهَ ومَحَابَّه على مَا سِواهُ ، وَالْجَزَاء مِن جِنس الْعَمَل ؛ فَمَن آثرَ اللهَ على غَيره ، آثرَه اللهُ على غَيرِه

    وَهَا هُنَا نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ لمن عَلّم أمتَه دِينَه وَمَا جاء به ودعاهم إِليه وحضَّهم عليه ، وصَبرَ على ذلك وهي أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَهُ مِن الأجرِ الزَّائِد على أجرِ عملِه مثلُ أجورِ مَن اتّبَعهُ ؛ فالدّاعي إِلَى سُنّتِه وَدينِه والمعَلِّمُ الْخَيْرَ للْأمّةِ إذا قَصَدَ توفيرَ هذا الْحَظِ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ، وَصَرفَه إليه ، وَكَانَ مَقْصُودُه بِدُعَاءِ الْـخَلْقِ إِلَى الله التَّقَرُّبَ إليه بإرشادِ عبادِه ، وتوفيرَ أجورِ الْمُطِيعِين لَهُ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَع تَوفِيتِهم أُجُورَهم كَامِلَة ؛ كَانَ لَهُ من الأجر فِي دَعوتِه وتعليمِه بِحَسبِ هَذِه النِّيَّة ، وَذَلِكَ فضلُ الله يؤتيه من يَشَاء ، وَالله ذُو الْفضلِ الْعَظِيم .

    والله تعالى أعلم .