×
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم: ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بالمسجد النبوي بتاريخ 14 - 8 - 1432 هـ، والتي تحدَّث فيها عن بعض أخلاق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وما حلاَّه به مولاه - سبحانه - من صفاتٍ حميدةٍ ينبغي لكل مسلمٍ أن يتأسَّى به ويقتدي، وأشار إلى شيءٍ من حقوقه - عليه الصلاة والسلام - على أمته، وما يجب عليهم تجاهه.

    أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم

    ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم"، والتي تحدَّث فيها عن بعض أخلاق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وما حلاَّه به مولاه - سبحانه - من صفاتٍ حميدةٍ ينبغي لكل مسلمٍ أن يتأسَّى به ويقتدي، وأشار إلى شيءٍ من حقوقه - عليه الصلاة والسلام - على أمته، وما يجب عليهم تجاهه.

    الخطبة الأولى

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

    أما بعد:

    فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، وراقِبوه في السر والنجوى.

    أيها المسلمون:

    كرَّم الله بني آدم وفضَّلهم على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، واجتبَى منهم من خصَّه بالنبوة والرسالة، واصطفَى من أولئك أفضلَهم نبينا محمدَ بن عبد الله صفوةَ بني هاشم، وهاشمٌ خِيَر قريش، فهو خيرٌ من خيارٍ، اختاره الله لهذه الأمة لهدايتها إلى دين الله القويم وصراطه المستقيم، فكانت حياتُه - عليه الصلاة والسلام - عبادةً وشكرًا، ودعوةً وحلمًا، وابتلاءً وصبرًا، تحلَّى فيها بخُلُقٍ سامٍ وفألٍ محمود، شمائلُه عطِرةٌ وسيرتُه حافلة.

    قال ابن القيم - رحمه الله -: "اضطرارُ العباد فوق كل ضرورةٍ إلى معرفة الرسول وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر".

    ما من خيرٍ إلا دلَّ الأمة عليه، وما من شرٍّ إلا حذَّرَها عنه، قال عن نفسه - عليه الصلاة والسلام -: «ما يكن عندي من خيرٍ فلن أدَّخِره عنكم»؛ متفق عليه.

    قضى قريبًا من شطر زمن رسالته يدعو لأمرٍ واحدٍ هو أعظمُ أمرٍ أمَر الله به، من لم يستجِب له فيه خلَّده الله في النار وحرَّم الجنةَ عليه، استفتَحَ رسالتَه به وقام على جبل الصفا وقال لقريش: «قولوا: لا إله إلا الله تُفلِحوا».

    مكثَ عشر سنواتٍ في مكة لا يدعو إلى شيءٍ سواه، ثم دعا إلى بقية الشرائع معه إلى مماته، ووعدَ من حقَّق هذا الأمر بدعوةٍ منه مُستجابةٌ له يوم القيامة؛ فقال: «لكل نبيٍّ دعوةً مُستجابة، فتعجَّل كل نبيٍّ دعوتَه، وإني اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلةٌ - إن شاء الله - من مات من أمتي لا يُشرِك بالله شيئًا»؛ متفق عليه.

    كثيرُ التعبُّد لله، قام بالطاعة والعبادة خيرَ قيام، قدَماه تتشقَّقُ من طول القيام، في ركعةٍ واحدةٍ قرأ البقرة وآل عمران والنساء، وكان جميلَ الصوت في تلاوة القرآن، قال البراء - رضي الله عنه -: "سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العِشاء: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [التين: 1] فما سمعتُ أحدًا أحسنَ صوتًا أو قراءةً منه"؛ متفق عليه.

    خاشعٌ لله يُصلِّي وفي صدره أزيزٌ كأزيز المِرجَل من البكاء، ولسانُه لا يفتُر عن ذكر الله، قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: "كان يذكر الله على كل أحيانه"؛ رواه مسلم.

    وقال ابن عمر - رضي الله عنه -: "إن كنَّا لنعُدُّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد مائةَ مرةٍ: ربِّ اغفر لي وتُب عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم".

    يُحبُّ الصلاة ويُوصِي بها؛ قال أنس - رضي الله عنه -: كانت عامةُ وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - حين موته: «الصلاةَ، وما ملكَت أيمانُكم»، قال: حتى جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُغرغِرُ بها صدرُه وما يكادُ يُفيضُ بها لسانُه -أي: يُوصِي بها حتى فاضَت روحُه -؛ رواه أحمد.

    وكان يحثُّ صغارَ الصحابة على نوافل الصلوات، قال لابن عمر وهو فتى: «نِعم الرجلُ عبد الله لو كان يُصلِّي من الليل»؛ متفق عليه.

    يقينُه بالله عظيم، مُوقِنٌ بأن كلام الله فيه شفاء، إذا مرضَ يُرقِي نفسَه بكلام الله، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "كان إذا اشتكَى يقرأ على نفسه بالمُعوِّذات وينفُث"؛ متفق عليه.

    مُعظِّمٌ للرسل من قبله؛ قال له رجل: يا خير البرية، فقال: «ذاك إبراهيم»؛ رواه مسلم.

    ونهى عن إطرائه وتعظيمه؛ فقال: «لا تُطروني كما أطرَت النصارَى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبدُ الله ورسوله»؛ رواه البخاري.

    يدعو كلَّ أحدٍ إلى هذا الدين ولو كان المدعو صغيرًا، زار غلامًا يهوديًّا فقعدَ عند رأسه وقال له: «أسلِم»، فأسلَم الغلام؛ رواه البخاري.

    يتواضَعُ للصغير ويغرِسُ في قلبه العقيدة؛ قال لابن عباس: «يا غلام! إني أُعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجِده تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله»؛ رواه الترمذي.

    يتلطّفُ في تعليم صحابته ويُظهِر ما في قلبه من حبِّه لهم؛ أخذ بيدِ مُعاذ وقال له: «والله إني لأُحبُّك، أُوصيك يا معاذ لا تدعنَّ في دُبُر كل صلاةٍ أن تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك»؛ رواه النسائي.

    لا يُعنِّفُ ولا يتكبَّر؛ بل صدره مُنشرحٌ لكل أحد؛ دخل رجلٌ وهو يخطُب، فقال: يا رسول الله! رجلٌ غريبٌ جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينُه، قال: فأقبَل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك خطبتَه حتى انتهَى إليَّ، فأُتِي بكرسيٍّ حسبتُ قوائمَه حديدًا، قال: فقعد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل يُعلِّمني مما علَّمه الله، ثم أتى خطبتَه فأتمَّ آخرها؛ رواه مسلم.

    رفيقٌ بالشباب مُشفقٌ عليهم، قال مالك بن الحويرث: أتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن شَبَبةٌ مُتقاربون، فأقَمنا عنده عشرين ليلة، فظنَّ أنَّا اشتقنَا أهلَنا، وسألَنا عمن تركنا في أهلنا، فأخبرناه، قال: وكان رفيقًا رحيمًا، قال: «ارجعوا إلى أهليكم، فعلِّموهم ومُروهم، وصلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي»؛ متفق عليه.

    دَمثُ الأخلاق ليس بفاحشٍ ولا مُتفحِّشٍ في الألفاظ، وحياؤه أشد من العذارء في خدرها، عفُّ اليد لم يضرب أحدًا في حياته؛ قالت عائشة - رضي الله عنها -: "ما ضربَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا، إلا أن يُجاهد في سبيل الله، ولم ينتقم لنفسه؛ بل يعفو ويصفَح، وإذا خُيِّر بين أمرين أخذ أيسَرهما ما لم يكن إثمًا".

    طلْقُ الوجه؛ قال جرير بن عبد الله: "ما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطُّ إلا تبسَّم".

    واصلٌ لرحمه، صادقٌ في حديثه، قاضٍ لحوائج المكروبين؛ قالت له خديجة: «إنك لتصِلُ الرَّحِمَ، وتصدُق الحديث، وتحمِلُ الكلَّ، وتكسِبُ المعدوم، وتَقري الضيفَ، وتُعينُ على نوائب الحق».

    بارٌّ بوالدته؛ زار قبرها فبكى وأبكى من حوله، وقال: «استأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يُؤذَن لي، واستأذنتُه في أن أزور قبرَها فأذِن لي»؛ رواه مسلم.

    يُوصِي بالجار ويحُثُّ على حُسن جواره وإكرامه، قال لأبي ذرٍّ: «إذا طبختَ مرقةً فأكثِر ماءَها وتعاهَد جيرانك»؛ رواه مسلم.

    رقيقُ القلب رفيقٌ بمن تحته؛ خدَمه أنسٌ عشر سنين، فما قال له أفٍّ قط، ولا قال لشيءٍ صنعَه لم صنعتَ، ولا ألا صنعتَ.

    رحيمٌ بالضعفاء والمرضى؛ أمر من يُصلِّي بهم أن يُخفِّف صلاتَه من أجلهم.

    رؤوفٌ بالناس شديد الحِلم؛ بالَ أعرابيٌّ جهلاً منه في مسجده، فتناولَه الناس، فقال لهم: «دَعوه حتى يقضِي بولَه، وهَريقوا على بوله سجلاً من ماءٍ أو ذنوبًا من ماء؛ فإنما بُعِثتُم مُيسِّرين ولم تُبعَثوا مُعسِّرين»؛ رواه البخاري.

    كثيرُ البذل والعطاء، لا يردُّ سائلاً ولا مُحتاجًا، قال حكيمُ بن حزامٍ - رضي الله عنه -: سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني؛ متفق عليه.

    كريمُ اليد واسعُ الجُود؛ جاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلَين، ورأى رجلٌ عليه بُردةً فقال: اكسنيها ما أحسنها، فأعطاه إياها؛ رواه البخاري.

    طيبٌ لا يأكل إلا طيبًا، يتوارى عن أي شُبهةٍ في المطعَم أو المشرَب، قال: «إني لأنقلبُ إلى أهلي فأجِدُ التمرةَ ساقطةً على فراشي فأرفعها لآكلَها، ثم أخشى أن تكون صدقةً فأُلقيها»؛ متفق عليه.

    يُجِلُّ صحابته ويُعظِم مكانتهم وإن كانوا حديثي السن، قال عن أسامة بن زيد - وهو لم يتجاوز حينذاك الثامنة عشرة من عمره -: «أُوصيكم به فإنه من صالحيكم»؛ رواه مسلم.

    وإذا مرِضَ أحدهم عادَه وحزنَ لمُصابه، زار سعد بن عبادة فوجدَ مرضَه شديدًا فبكى.

    وفيٌّ مع صحابته، لم ينسَ فضلَهم وإيثارهم، آخر يومٍ صعد فيه المنبر قال: «أُوصيكم بالأنصار؛ فإنهم كرِشي - أي: جماعتي وموضع ثقتي -، وعَيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقِيَ الذي لهم، فاقبَلوا من مُحسِنهم وتجاوزوا عن مُسيئهم»؛ رواه البخاري.

    وحفظَ لخديجةَ مواقفها العظيمة وبذلَها السخيّ وعقلَها الراجِح، فكان يذكرها بالخير بعد وفاتها ويصِل أقرباءها ويُحسِن إلى صديقاتها.

    وأمر بسدِّ كل خَوخةٍ - أي: باب - من البيت يُفتَح على المسجد النبوي سوى باب أبي بكرٍ - رضي الله عنه - وفاءً له.

    ومع عِظَم أعباء ما أُوكِل إليه من الرسالة كان جميلَ المعشَر مع أهله مُتلطِّفًا معهم، فإذا دخل بيتَه يكون في مهنتهم، وإذا حضرَت الصلاة خرج إلى الصلاة.

    رقيقٌ مع أولاده وأحفاده مُكرمٌ لهم، إذا دخلت ابنتُه فاطمةُ يقوم لها ويأخذ بيدها ويُجلِسُها في مكانه الذي كان يجلسُ فيه.

    وكان يضعُ الحسنَ على عاتقه فيقول: «اللهم إني أُحبُّه فأحِبَّه»؛ متفق عليه.

    وخرج على صحابته وبنتُ ابنته أمامةُ على عاتقه، فصلَّى بها فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها؛ متفق عليه.

    وصف عثمانُ - رضي الله عنه - معاملتَه لصحابته فقال: صحِبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر والحضَر، وكان يعودُ مرضانا، ويتبَعُ جنائزنَا، ويغزو معنا، ويُواسينا بالقليل والكثير؛ رواه أحمد.

    ذاقَ من الحياةِ مُرَّها ولأواءها؛ قالت عائشة - رضي الله عنها -: دخلت عليَّ امرأةٌ ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجِد عندي شيئًا غير تمرةٍ واحدة؛ متفق عليه.

    وربطَ على بطنه الحجرَ من الجوع؛ قال عمر - رضي الله عنه -: لقد رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظلُّ اليومَ يتلوَّى، ما يجدُ من الدَّقَل - أي: التمر الرديء - ما يملأ به بطنَه؛ رواه مسلم.

    لاقَى من المِحن والشدائد أشقَّها؛ نشأ يتيمًا، وأُخرِج من بلده، وحُوصِر في الشِّعبِ ثلاث سنين، واختفَى في غارٍ، ومات له ستة من الولد، وتبِعَه قومُه في مُهاجَره وقاتلوه، ومكرَ به أهلُ النفاق، وسُقِي السمُّ، وعُمِل له السحر، وكان يقول: «أُخِفتُ في الله وما يُخافُ أحد، وأُوذيتُ في الله وما يُؤذَى أحد».

    ومع ما لاقاه من تلك المصائب وغيرها كان مُتفائلاً في حياته ويقول: «يُعجِبني الفألُ والكلمةُ الحسنة»؛ متفق عليه.

    أعرضَ عن الدنيا ورجا ما عند الله؛ فكان يقول: «ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظلَّ تحت شجرةٍ ثم راحَ وتركها»، ففارقَ الحياةَ ولم يُخلِّف شيئًا من حُطامها؛ قالت عائشة - رضي الله عنها -: تُوفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ترك دينارًا ولا درهمًا ولا شاةً ولا بعيرًا، ولا أوصى بشيء.

    وصفَه عليٌّ - رضي الله عنه - بقوله: لم أرَ قبله ولا بعده مثلَه.

    وبعدُ، أيها المسلمون:

    فنبينا - صلى الله عليه وسلم - قد أدَّى أمانةَ الرسالة ونصحَ لأمته، وقال: «مثَلي ومثَلُكم كمثَل رجلٍ أوقدَ نارًا فجعل الجنادبُ والفراشُ يقعن فيها وهو يذُبُّهن عنها، وأنا آخِذٌ بحُجَزكم عن النار، وأنتم تفلَّتون من يدي»؛ رواه مسلم.

    ومن وفاء الأمة له: أداء حقوقه؛ من الإيمان به والتصديق بما جاء به، فقال: «لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسِلتُ به إلا كان من أصحاب النار»؛ رواه مسلم.

    ومن حقه - صلى الله عليه وسلم -: تقديمُ حبه على جميع المحاب، قال: «لا يُؤمنُ أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»؛ متفق عليه.

    ومن واجبات الأمة في جنابه: طاعته فيما أمر، واجتنابُ ما عنه نهى وزجَر، قال - عليه الصلاة والسلام -: «كل أمتي يدخلون الجنةَ إلا من أبَى». قالوا: يا رسول الله! ومن يأبَى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنةَ، ومن عصاني فقد أبَى»؛ رواه البخاري.

    ومن أصول الشهادة له بالرسالة: ألا يُعبَد الله إلا بما شرع، قال: «إياكم ومُحدثات الأمور».

    ومن محبته: قراءة سيرته ومعرفة هديه في كل حين، ونشر دعوته في الآفاق، وأن يدعو المسلمُ لما دعا إليه من التوحيد وأوامر الدين ومحاسنه وفضائله، ومن جعل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قدوتَه في عباداته ومعاملاته نالَ الفلاحَ والرضا.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21].

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

    أيها المسلمون:

    سعادةُ الدارَين بطاعته - عليه الصلاة والسلام -، وعلى قدر متابعته تكون الهداية والعزَّة والنجاة، قال - عز وجل -: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور: 54].

    ومن أطاعه صلُح دينُه وحسُنت دنياه وانشرَحَ صدره، ومن أحبَّ أن يكون رفيقَه في الآخرة فليكن مُقتفيًا أثرَه، مُستنًّا بسنته، مُعرِضًا عما يُناقِضُ الشهادةَ له بالرسالة أو يُنقِصُها، قال - سبحانه -: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69].

    ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا [الأحزاب: 56].

    اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

    اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

    اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءهم، ورُدَّهم إليك ردًّا جميلاً.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].

    اللهم إنا نسألك التوفيقَ والسعادة في الدنيا والآخرة، اللهم احشُرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

    رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23].

    اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا رب العالمين.

    عباد الله:

    إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].

    فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.