×
مقالة مختصرة لفضيلة الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني اثابه الله، تتحدث عن حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وكلام السلف عن هذه الليلة.

    حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان

    الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله، وأصحابه أجمعين. أما بعد:

    فقد أكمل اللَّه لهذه الأمة دينها، وأتمّ عليها النعمة، قال اللَّه ﷻ‬: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾، [المائدة:3]، وقال I: ﴿أَمْ لَـهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَـهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَـمْ يَأْذَن بِهِ اللَّه﴾، [الشورى: 21]، وقال اللَّه ﷻ‬: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59].

    وقد حذّر النبي ﷺ‬ من البدع، وصرّح بأن كل بدعة ضلالة، وأنها مردودة على صاحبها، ففي الصحيحين عن عائشة ل عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ»([1] وفي رواية لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ»([2]).

    وحذّر السلف الصالح من البدع؛ لأنها زيادة في الدين، وشرعٌ لم يأذن به اللَّه، ورسوله ﷺ‬، وتشبُّهٌ بأعداء اللَّه: من اليهود والنصارى في زياداتهم في دينهم([3]).

    ومن البدع الاحتفال بليلة النصف من شعبان.

    فقد أخرج الإمام محمد بن وضَّاح القرطبي بإسناده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال: لم أدرك أحداً من مشيختنا، ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولم ندرك أحداً منهم يذكر حديث مكحول([4])، ولا يرى لها فضلاً على ما سواها من الليالي»([5]).

    وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي :: «وأخبرني أبو محمد المقدسي، قال: لم تكن عندنا ببيت المقدس قطُّ صلاة الرغائب هذه التي تُصلّى في رجب وشعبان، وأوّل ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة [448هـ]، قَدِمَ علينا في بيت المقدس رجل من أهل نابلس يعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام فصلَّى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل، ثم انضاف إليهما ثالث، ورابع، فما ختمها إلا وهم في جماعة كبيرة، ثم جاء في العام القابل فصلّى معه خلق كثير، ثم جاء من العام القابل فصلَّى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد، وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى وبيوت الناس، ومنازلهم، ثم استقرّت كأنها سُنَّة إلى يومنا هذا»([6]).

    وأخرج الإمام ابن وضاح بسنده أن ابن أبي مليكة قيل له إن زياداً النميري يقول: إن ليلة النصف من شعبان أجرها كأجر ليلة القدر، فقال ابن أبي مليكة: «لو سمعته منه وبيدي عصاً لضربته بها، وكان زيادٌ قاضياً»([7]).

    وقال الإمام أبو شامة الشافعي :: «وأما الألفية فصلاة النصف من شعبان سُمِّيت بذلك لأنها يُقرأ فيها ألف مرة ﴿قُلْ هُوَ اللَّه أَحَدٌ ﴾ لأنها مائة ركعة, في كل ركعة يقرأ الفاتحة مرة, وسورة الإخلاص عشر مرات، وهي صلاة طويلة مستثقلة لم يأتِ فيها خبر, ولا أثر, إلا ضعيف، أو موضوع, وللعوامّ بها افتتان عظيم, والتزم بسببها كثرة الوقيد في جميع مساجد البلاد, التي تصلَّى فيها، ويستمر ذلك الليل كله, ويجري فيه الفسوق والعصيان, واختلاط الرجال بالنساء, ومن الفتن المختلفة ما شهرته تُغني عن وصفه, وللمتعبّدين من العوامِّ فيها اعتقاد متين, وزيّن لهم الشيطانُ جَعْلَها من أصل شعائر المسلمين»([8]).

    وقال الحافظ ابن رجب : بعد كلام نفيس: «وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام: كخالد بن معدان, ومكحول, ولقمان بن عامر, وغيرهم يعظّمونها، ويجتهدون فيها في العبادة, وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها, وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثارٌ إسرائيلية, فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختُلف في تعظيمها، فمنهم من قبله منهم، ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عبّاد أهل البصرة، وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز، منهم: عطاء، وابن أبي مليكه، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة، واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:

    أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعةً في المساجد، كان خالد بن معدان، ولقمان بن عامر، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخّرون، ويكتحلون، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامها في المساجد ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.

    والثاني: أنه يُكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة، والقصص، والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي، إمام أهل الشام، وفقيههم، وعالمهم، وهذا الأقرب إن شاء اللَّه تعالى...»، ثم قال: «ولا يُعرف للإمام أحمد كلامٌ في ليلة نصف شعبان، ويُخرَّج في استحباب قيامها عنه روايتان، من الروايات عنه في قيام ليلة العيد؛ فإنه في رواية لم يستحبّ قيامها جماعةً؛ لأنه لم يُنقل عن النبي ﷺ‬ وأصحابه، واستحبّها في رواية؛ لفعل عبد الرحمن بن زيد بن الأسود لذلك، وهو من التابعين، فكذلك قيام ليلة النصف من شعبان، لم يثبت فيها شيء عن النبي ﷺ‬، ولا عن أصحابه، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام»([9]).

    قال الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز : بعد أن نقل كلام الحافظ ابن رجب :: «انتهى المقصود من كلام الحافظ ابن رجب :، وفيه التصريح بأنه لم يثبت عن النبي ﷺ‬ ولا عن أصحابهy شيء بليلة النصف من شعبان، وأما ما اختاره الأوزاعي : من استحباب قيامها للأفراد، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول، فهو غريب وضعيف؛ لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعاً لم يجزْ للمسلم أن يحدثه في دين اللَّه، سواء فعله مفرداً أو جماعةً، وسواءً أسرّه أو أعلنه، لعموم قول النبي ﷺ‬: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»([10])، وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها»([11]).

    وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية في حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان: «وردت أحاديث صحيحة في فضيلة صوم أيام كثيرة من شعبان، إلا أنها لم تخصَّ بعضاً من أيامه دون بعض، فمنها ما في الصحيحين أن عائشة ل قالت: «ما رأيت رسول اللَّه ﷺ‬ استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان، فكان يصوم شعبان كله إلا قليلاً» [البخاري، برقم 1970]، وفي حديث أسامة بن زيد أنه قال للنبي ﷺ‬: «لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم» رواه الإمام أحمد [برقم 21753]، والنسائي [برقم 2753]، ولم يصح حديث أنه ﷺ‬ كان يتحرى صيام يوم بعينه من شعبان، أو كان يخص أياماً منه بالصوم، لكن وردت أحاديث ضعيفة في قيام ليلة النصف من شعبان، وصيام نهارها، منها ما رواه ابن ماجه في سننه [برقم 1388]، عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «إذا كان ليلة نصف شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن اللَّه تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا حتى يطلع الفجر» ، وقد صحح ابن حبان بعض ما ورد من الأحاديث في فضل إحياء ليلة النصف من شعبان، من ذلك ما رواه في صحيحه، عن عائشة أنها قالت: «فقدت رسول اللَّه ﷺ‬، فخرجت فإذا هو في البقيع رافع رأسه، فقال: أكنت تخافين أن يحيف اللَّه عليك ورسوله؟ فقلت: يا رسول اللَّه، ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: «إن اللَّه تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب»([12]) ، وقد ضعف البخاري وغيره هذا الحديث، وأكثر العلماء يرون ضعف ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان، وصوم يومها، وقد عرف عند علماء الحديث تساهل ابن حبان في تصحيح الأحاديث.

    وبالجملة فإنه لم يصح شيء من الأحاديث التي وردت في فضيلة إحياء ليلة النصف من شعبان، وصوم يومها عند المحققين من علماء الحديث؛ ولذا أنكروا قيامها، وتخصيص يومها بالصيام، وقالوا إن ذلك بدعة»([13]).

    وقال العلامة محمد بن صالح بن عثيمين : في حكم تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام، أو تخصيص يومه بصيام: « بعض الناس يخصّ ليلته بقيام، ويومه بصيام بناء على أحاديث ضعيفة وردت في ذلك، ولكن حيث لا تصحّ هذه الأحاديث الضعيفة، فإن ليلة النصف من شعبان لا تخصّ بقيام، ولكن إن كان الإنسان قد اعتاد أن يقوم الليل، فليقم ليلة النصف كغيرها من الليالي، وإن كان لم يعتد ذلك، فلا يخصّها بقيام، كذلك في الصوم لا يخصّ النصف من شعبان بصوم، لأن ذلك لم يرد عن رسول اللَّه ﷺ‬، لكن لو صام الأيام الثلاثة البيض وهي اليوم الثالث عشر واليوم الرابع عشر واليوم الخامس عشر، لو صامها فإن صيامها من السنة، لكن ليس باعتقاد أن لهذا مزية على سائر الشهور، وإن «كان رسول اللَّه ﷺ‬ يكثر الصوم في شعبان أكثر من غيره من الشهور، حتى كان يصومه كله، أو إلا قليلاً منه»([14]).

    فمما تقدم من كلام الإمام ابن وضاح، والإمام الطرطوشي، والإمام عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة، والحافظ ابن رجب رحمهم اللَّه، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية، وإمام هذا الزمان عبد العزيز ابن باز :، والعلامة ابن عثيمين :، يتضح أن تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة أو غيرها من العبادة غير المشروعة بدعة لا أصل لها من كتاب، ولا سنة، ولا عملها أحد من أصحاب النبي ﷺ‬، وقد قال اللَّه تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]، وقال اللَّه ﷻ‬: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]، وصلى اللَّه، وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.

    كتبه

    د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر يوم الجمعة 13/ 8/ 1437هـ

    ([1]) البخاري، برقم 2697، ومسلم، برقم 1718.

    ([2]) مسلم، برقم 1718.

    ([3]) انظر: التحذير من البدع، لابن باز، ص19.

    ([4]) يعني بحديث مكحول ما أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، برقم 512، وابن حبان برقم 5665 [ 12/481]، والطبراني في الكبير 20/109، برقم 215، وأبو نعيم في الحلية، 5/191، والبيهقي في شعب الإيمان، 5/272 برقم 6628، عن معاذ بن جبل t يرفعه: «يطلع اللَّه إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مشاحن»، قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: حديث صحيح روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضاً، وهم: معاذ بن جبل، وأبو ثعلبة الخشني، وعبد اللَّه بن عمرو، وأبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وأبو بكر الصديق، وعوف بن مالك، وعائشة y، ثم خَرَّج هذه الطرق الثمانية، وتكلم على رجالها في أربع صفحات. قلت: فإن صحّ هذا الحديث في فضل ليلة النصف من شعبان كما يقول الألباني رحمه اللَّه فليس فيه ما يدل على تخصيص ليلتها بقيام ولا يومها بصيام، إلا ما كان يعتاده المسلم من العبادات المشروعة في أيام السّنَة؛ لأن العبادات توقيفية.

    ([5]) كتاب فيه ما جاء في البدع، للإمام ابن وضَّاح، المتوفى سنة 287هـ ص100، برقم 119.

    ([6]) كتاب الحوادث والبدع، للطرطوشي، المتوفى سنة 474هـ، ص266، برقم 238.

    ([7]) كتاب فيه ما جاء في البدع، لابن وضاح، ص101، برقم 120، ورواه الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع عن ابن وضاح، ص263، برقم 235.

    ([8]) كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث، لعبد الرحمن بن إسماعيل، المعروف بأبي شامة، المتوفى سنة 665هـ، ص124.

    ([9]) لطائف المعارف، لابن رجب، ص263.

    ([10]) مسلم، برقم 1718.

    ([11]) التحذير من البدع، ص26، وانظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة له، 1/ 186- 192.

    ([12]) الترمذي، رقم 739، وابن ماجه، برقم 1389.

    ([13]) فتاوى اللجنة الدائمة 3/ 42.

    ([14]) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين 7/ 280.