×
يتناول هذا الكتاب التعريف بالإسلام دين الحق والتعريف بالشريعة الإسلامية شريعة الرحمة والبناء, مفندا أغلب الشبهات الحديثة التي دوما ما يطلقها أعداء الإسلام عليه, حول مسائل الجهاد والحدود والشريعة وتعدد الزوجات والغلو والتطرف والإرهاب, ويناقش الكتاب مسألة حرية التعبير والديمقراطية بين وجهة نظر الشريعة الإسلامية ووجهة نظر القوانين الوضعية.

 الشريعة في الإسلام والنصرانية واليهودية

(الشريعة – حد السرقة – الجهاد – تعدد الزوجات – حرية التعبير – الديمقراطية – الغلو والتطرف)

كتبه

الشيخ/ أحمد الأمير

المحامي بالإستئناف

راجعه وعدله وقدم له

فضيلة الدكتور عبد الرحمن بن عبد الكريم الشيحة

www.islamland.com



الفهرس

المقدمة

الباب الأول: التعريف اللغوي لكلمة شريعة والتضليل الإعلامي

الغرض من سن القوانين

القانون الأزلي وصناعة القوانين

إضطراب وتغير القوانين الوضعية لمواجهة الجرائم البشرية

عقوبات عبثية في القوانين الوضعية

جرائم تم تقنينها في القوانين الوضعية

الباب الثاني: الشريعة الإسلامية ومقاصد الشريعة الإسلامية والحدود

المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية للدول الغربية النصرانية!!

الباب الثالث: أيهما أردع للمخطئ وأرحم له وللناس جميعا؟ القانون الإسلامي أم القانون الوضعي؟

دفع الصائل في الشريعة الإسلامية والدفاع عن النفس

الباب الرابع: تعدد الزوجات وتعدد العشيقات وتبادل الزوجات في القوانين الوضعية

الباب الخامس: الفرق بين الشريعة الإسلامية والنظام الديمقراطي

الشريعة الإسلامية وحرية التعبير

الباب السادس: الجهاد وضمان حرية الإعتقاد في الشريعة الإسلامية

الجهاد في الكتاب المقدس

الباب السابع: الشريعة الإسلامية ومكافحة الغلو والتطرف

الشريعة الإسلامية ومكافحة العنصرية ومكافحة نظام الرق

الباب الثامن: نماذج من الشريعة النصرانية واليهودية من الكتاب المقدس

خاتمة


 المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 البشر خلق من مخلوقات الله تعالى في هذا الكون الفسيح جزء لايتجزأ منه, لهم دور وعمل محدد  بحيث لوخرجوا عن هذا الدور الذي حددته لهم الكتب السماوية التي أنزلت عليهم لحدث الإختلال الذي يؤثر فيه, وهذا ملاحظ ومشاهد فعندما فعل البشر مانهوا عنه وأعرضوا عما أمروا به واستجابوا لرغباتهم وشهواتهم ظهر الفساد الذي عم الأرض والسماء, فانتشرت الأمراض التي لم تكن معروفة في أسلافهم من قبل وكثرت الحروب التي قضت على الحرث والنسل وظهرت المشاكل البيئية كما هو مشاهد من التلوث البيئي وقضية الاحتباس الحراري - والذي لو استمر على ماهو عليه سيحول الأرض الى كوكب لايستطيع البشر العيش عليه -  كل ذلك نتيجة العبث البشري من تجارب نووية وإهدار للطاقة ومصانع تنتج أكثر من الإحتياج البشري كله لهثاً وراء المادة وتحقيقاً للرغبات وإشباعاً للشهوات حتى لوكانت على حساب إذلال إخوانهم في البشرية والإنسانية, فهم يريدوا أن يشبعوا حتى لو كان على حساب جوع غيرهم ويلبسوا حتى لو كان على حساب عري غيرهم ويستمتعوا حتى لو كان على حساب قتل غيرهم،  وصدق الله العظيم :" ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ "

فبين الله سبحانه تعالى للبشر أنهم لم يخلقوا عبثاً ولن يتركوا سدى، قال الله تعالى:" أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ "

وبين أن الحكمة من خلقهم وإيجادهم في هذا الكون خلافة الأرض جيلاً بعد جيل لِيُعبد الله وحده ولايُشرك به، هو الغني سبحانه عن عبادتهم ولكن ليبلوهم أيهم أحسن عملا فقال الله تعالى:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) "

وكما بين سبحانه وتعالى الطاقة المناسبة التي لن تعيش بدونها أجسادهم بقوله :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) "

بين كذلك الطاقة المناسبة التي لن تعيش بدونها أرواحهم فلن تطمأن بدون إيمان ولن ترتاح بدون عبودية لخالقها ولن تستقر بدون تطبيق لشريعته يقول الله تعالى:" الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) "

  ولكي يحقق البشر العبودية لله وحده أرسل لهم الرسل ليقتدوا بهم وأنزل معهم الكتب (الشريعة) ليهتدوا بها وتكون نبراساً يضئ طريقهم فتدلهم على الخير وتحذرهم من الشر وتنظم شئون حياتهم فيستخدموا أجسادهم وأرواحهم لما خلقت له ، قال الله تعالى:"  كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ "

    فكان آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي ختم الله به رُسله وأكمل به دينه وجاء بدين إحتوى على شريعة (قوانين) ربانية عالمية شاملة مناسبة لكل زمان ومكان تنظم حياة البشر وتسعدهم في دنياهم وأخراهم, سعد من أخذ بها وشقي من تركها, قال الله تعالى :" إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا (11)"

     (هكذا على وجه الإطلاق فيمن يهديهم وفيما يهديهم، فيشمل الهدى أقواما وأجيالا بلا حدود من زمان أو مكان ويشمل ما يهديهم إليه كل منهج وكل طريق، وكل خير يهتدي إليه البشر في كل زمان ومكان[1]. يهدي للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور، بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق.

     ويهدي للتي هي أقوم في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله، فإذا هي كلها مشدودة إلى العروة الوثقى التي لا تنفصم، متطلعة إلى أعلى وهي مستقرة على الأرض، وإذا العمل عبادة متى توجه الإنسان به إلى الله، ولو كان هذا العمل متاعا واستمتاعا بالحياة.

     ويهدي للتي هي أقوم في عالم العبادة بالموازنة بين التكاليف والطاقة، فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل وتيأس من الوفاء. ولا تسهل وتترخص حتى تشيع في النفس الرخاوة والاستهتار. ولا تتجاوز القصد والاعتدال وحدود الاحتمال.

     ويهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض: أفرادا وأزواجا، وحكومات وشعوبا، ودولا وأجناسا، ويقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي والهوى ولا تميل مع المودة والشنآن ولا تصرفها المصالح والأغراض. الأسس التي أقامها العليم الخبير لخلقه، وهو أعلم بمن خلق، وأعرف بما يصلح لهم في كل أرض وفي كل جيل، فيهديهم للتي هي أقوم في نظام الحكم ونظام المال ونظام الاجتماع ونظام التعامل الدولي اللائق بعالم الإنسان.

     ويهدي للتي هي أقوم في تبني الديانات السماوية جميعها والربط بينها كلها، وصيانة حرماتها فإذا البشرية كلها بجميع عقائدها السماوية في سلام ووئام.

     "إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ" .. "وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً، وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً" فهذه هي قاعدته الأصيلة في العمل والجزاء. فعلى الإيمان والعمل الصالح يقيم بناءه. فلا إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان. الأول مبتور لم يبلغ تمامه، والثاني مقطوع لاركيزة له. وبهما معا تسير الحياة على التي هي أقوم.. وبهما معا تتحقق الهداية بهذا القرآن.

فأما الذين لا يهتدون بهدي القرآن، فهم متروكون لهوى الإنسان. الإنسان العجول الجاهل بما ينفعه وما يضره، المندفع الذي لا يضبط انفعالاته ولو كان من ورائها الشر له: "وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا" ..ذلك أنه لا يعرف مصائر الأمور وعواقبها. ولقد يفعل الفعل وهو شر، ويعجل به على نفسه وهو لا يدري أو يدري ولكنه لا يقدر على كبح جماحه وضبط زمامه.. فأين هذا من هدى القرآن الثابت الهادئ الهادي؟) أهـ

     هذه هي الشريعه الاسلامية التي أقر بشموليتها وعالميتها وصلاحها  وقدرتها على حل جميع مشاكل  البشرية المنصفون من غير المسلمون من المستشرقين فالحق ما شهدت به الأعداء حيث نطقت ألسنتهم بالحقيقة التي لم يستطيعوا إخفائها ونحن نذكر كلامهم ليكون حجة على أقوامهم علَّها تجد قُلوباً خاليةً من التعصب والتبعية فتعرف الحقيقة المغيبة عنهم عن هذه الشريعة السمحة فتخبت لها قلوبهم ، يقول مونتجمري وات ( William Montogmery Watt)[2]: إن الإشارات القرآنية اللصيقة بالعرب لا تنفي أنه عالمي النزعة، أو ذو طبيعة عالمية، وأن رسالة الإسلام التي وجهت في البداية لأهل مكة في المدينة كانت تحمل في طياتها بذور العالمية، أو أنها كانت منذ البداية أو منذ مضمونها الأول ذات أبعاد عالمية.

 ويقول: إن القرآن يحظى بقبول واسع بصرف النظر عن لغته؛ لأنه يتناول القضايا الإنسانية.

 ويقول أيضًا: لقد أكد الإسلام نفسه بالفعل كدين مستقلٍّ عن الدينين الأقدمين (اليهودية والمسيحية)، ونقول عن حق: إنه بالفعل كان يفوقهما أو إنه فعلاً كان متفوقًا عليهما، أو أرقى منهما!.

والشريعة الإسلامية تختلف اختلافًا واضحًا عن جميع أشكال القانون؛ إنها قانون فريد في بابه، إن الشريعة الإسلامية هي جملة الأوامر الإلهية التي تنظِّم حياة كل مسلم من جميع وجوهها. أهـ

هذا هو ديننا وهذه هي شريعتنا التي نرجو ان يعتنقها البشر جميعاً لأنها لم تُنزل إلا لهم ورحمة بهم ، ونقول لكل من قرأ هذا الكتاب من غير المسلمين قول الله تعالى:"وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم "

عبد الرحمن بن عبد الكريم الشيحة


الباب الأول

·        التعريف اللغوي للشريعه.

·        التضليل الإعلامي لكلمة الشريعه.

·        الغرض من سن القوانين

·        القانون الأزلي وصناعة القوانين

1.     فشل القوانين الوضعية في القضاء على الجريمة.

2.     أهمية وجود الشريعة الإلهية.

3.     القانون الوضعي وقانون الغاب.

·        إضطراب القوانين الوضعية وعدم ثباتها

1.     القتل الرحيم.

2.     بيع المخدرات.

3.     عقوبة الاعدام.

·        عبثية العقوبات في القانون الوضعي.

1.     عقيدة التضحية البشرية في التشريعات البشرية.


 الباب الأول التعريف اللغوي للشريعة

 كلمة شريعة تعني في اللغة العربية قانون أو طريقة أو منهاج فشريعة الغاب هي قانون البقاء للأقوى, وشرائع الكنيسة هي القوانين المنظمة للكنيسة ولأحوالها, وشريعة حمورابي هي القوانين التي سنها الملك حمورابي ملك مملكة بابل القديمة, وشرائع الفراعنة هي القوانين التي سنها المصريون القدماء لتنظيم أمور دولتهم, أما إذا إقرنت كلمة الشريعة بالدين اليهودي أو النصراني أو الإسلامي فهنا تعني ما شرعه الله وسنه للناس من العقائد والأحكام والقوانين التي تنظم لهم شئون دنياهم وتدلهم على سبل الخير والفوز في أخراهم, مع العلم أننا هنا نقصد بكلمة الشريعة اليهودية والنصرانية الشريعة الأصلية التي أنزلها الله عزوجل على نبيه موسى ونبيه عيسى عليهما الصلاة والسلام قبل أن يحرفوهما الناس, وهي شرائع نسخت بالشريعة الإسلامية والتي حفظها الله من أي تحريف أو تغيير، قال الله تعالى :" وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)" سورة المائدة.

التضليل الإعلامي لكلمة الشريعة

 كلمة "شريعة" إذا ترجمت للغات الأخرى فإنها ستترجم بكلمة "قانون"وهذا هو الأصل والحق، ولكن بعض وسائل الإعلام الغربية الموجهة سخرت كل طاقاتها للنيل من الإسلام ومن شريعته السمحة بمحاولة تضليل الناس وإبعادهم عنه عن طريق تشويه المقصود الشرعي من كلمة الشريعة الإسلامية, فعند استعراضهم لمواضيع لها علاقة بالشريعة الإسلامية فإنهم لا يترجمون كلمة "الشريعة" بالمرادف الصحيح لها في لغتهم وهو كلمة "القانون", وإنما يقومون بترجمتها كما تنطق باللغة العربية "شريعة", ويكتبونها بطريقة "الكتابة الصوتية" فتكتب بالأحرف اللاتينية وتنطق باللغة الأجنبية كما تنطق باللغة العربية "شريعة"!!

SHARIA = LAW / SHARIA LAW = LAW LAW

 والسبب في عدم ترجمتها بالقانون الاسلامي لكون كلمة قانون تعني شئ منتظم ومنظم لأحوال البشر, فتحاول وسائل الاعلام المضللة الفصل بين كلمة قانون وبين كلمة شريعة وفك أي إرتباط بينهما, محاولين خلق صورة في ذهن المستمع لكلمة شريعة بأنها أعراف بربرية همجية غير منتظمة وليست منظمة لأحوال البشر، وبالمقابل إذا ترجموا كلمة شريعة موسى فإنهم يترجمونها بقوانين موسى, وعندما يترجمون كلمة شرائع الكنيسة يترجمونها بقوانين الكنيسة وهكذا!! كما أنها عند قيامها بعمل إعلامي وثائقي عن الشريعة الإسلامية فإنها تطفئ كاميراتها عن كل المسلمين الموجودين في بلاد العالم والبالغ عددهم قرابة المليارين مسلم وتذهب بكل كاميراتها في رحلة بعيدة عابرة للمحيطات والقارات حتى تصل لجبال قندهار حيث تعيش أفقر مجموعات قبلية لا يتعدى تعدادهم بضعة آلاف لا تملك ما تقتات عليه ولا تجد فرص في التعليم ولا حتى فرصة في الحصول على ماء صالح للشرب وبدلا من تصوير معاناتهم الإنسانية وحض العالم على تقديم المساعدات الإنسانية لهم فإنها تقوم بتحريض العالم عليهم وتصويرهم على أنهم الوكيل الحصري للإسلام وأن كل أفعالهم هي الإسلام ذاته!! وفي نفس الوقت تقوم بتصوير النصارى بأنهم الشعوب المتحضرة ذات التعليم العالي والتقدم العلمي محاولة بذلك خلق صورة في ذهن العالم عن مدى تأخر المسلمين ومعزية ذلك التأخر بسبب اتباعهم تعاليم دينهم الإسلامي, ومدى تقدم النصارى ومعزية ذلك بسبب اتباعهم تعاليم دينهم النصراني!! ولقد نسيت وسائل الاعلام تلك أو تناست شيئا مهما هو أن من أراد عمل مقارنة بين القبائل المسلمة التي تعيش في جبال قندهار وبين أي مجموعة عرقية نصرانية فإنه يجب أن يقارن بينها وبين قبائل الغجر النصرانية التي تملأ كل بلاد أوروبا!!! حيث عانت الكثير من الدول الأوروبية من محاولات إسكان قبائل الغجر تلك في منازل سكنية نظرا لرفض تلك القبائل لتوطينها في منطقة بعينها لتفضيلها عيش الترحال والتنقل من مكان إلى آخر.

 ولقد عانت تلك القبائل الغجرية عنصرية شديدة وانتهاكاً لكثير من حقوقهم في بلدانهم, وكل هذا تم تجاهله وإطفاء أضواء كاميراتهم عنه لإخفاءه عن العالم ولو كانت تلك القبائل الغجرية تدين بالاسلام لوجهت كاميراتهم عليها مصورة إياها بأنها هي الإسلام بعينه وأن تعاليم الشريعة الإسلامية هي التي جعلتهم يعيشون رحالة يتنقلون من مكان لآخر!!! كما تناست أيضا وسائل الإعلام تلك أن تصور لنا العلماء المسلمين الذين يعيشون الآن سواء في أوروبا أو أمريكا أو أستراليا أو أسيا أو أفريقيا, والذين يقودون العالم في الكثير من المجالات العلمية أو الاقتصادية أو السياسية فضلا عن العلماء المسلمين الأوائل الذين أناروا العالم بعلمهم في حقبة ما يعرف في أوروبا بالعصور الوسطى أو العصور المظلمة, حيث كانت أوروبا منغمسة في كل أوجه التخلف العلمي والحضاري منذ عام 400 ميلادية وحتى عام 1400 ميلادية تقريبا حيث كانت الكنيسة تضطهد كل ما له علاقة بالعلم أو العلماء, حتى قال المؤرخ الإنجليزي إدوارد جيبون مقولته الشهيرة عن تلك الحقبة: "ألف عام من انتصار الهمجية والدين"[3].

 والمسلمون مأمورون في شريعتهم بالتثبت من كل خبر يصلهم وعدم الحكم على الشئ إلا بعد التأكد من صحته وهذا مانطالب به غيرنا أيضاً، يقول الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " الحجرات 6

الغرض من سن القوانين

 إن الغرض الوحيد من صناعة القوانين وكتابة الدساتير هو تنظيم أحوال البشر سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أوالسياسية ...إلخ، بالإضافة إلى النص على حقوق وواجبات الفرد في المجتمع تجاه نفسه وتجاه غيره والمجتمع ككل, والنص على الحريات الفردية وحدودها, فحرية كل فرد ليست مطلقة وإنما تقف وتنتهي عند حقوق الآخرين, بمعنى أن لا تنتهك الحرية الفردية حقوق الآخرين وإلا أصبح اعتداءً, ولهذا فإن كل قانون ينص على جزاءات تأديبية وعقابية لكل منتهك لأي حق من حقوق الآخرين.

 وبناء على ما سبق فإن معيار نجاح أو فشل أي قانون يتوقف على مدى قدرته على تحقيق الغرض المذكور آنفا, وايجاد العقوبات التي تضمن تحقيقه ومعاقبة مخالفيه, مع الأخذ في الاعتبار أن العقوبات لا يجب أن تهدف إلى أذية المخطئ وإنما يجب أن تهدف إلى تحقيق الأمور التالية :

1.     إصلاح الخطأ: كما في العقوبات التعويضية عن طريق دفع تعويض مالي أو غرامة مالية للشخص المتضرر.

2.     تقويم المخطئ: وتأهيله كي يصبح شخصاً مستقيماً مرحباً به في المجتمع.

3.      ردع المخطئ: من أن يقدم على خطئه أو جريمته من البداية أو ردعه من أن يعود لخطئه أو جريمته مرة أخرى.

4.     ردع الآخرين: من الاقتداء بالمخطئ في خطئه أو جريمته, بعد أن رأوا العقاب الذي نزل به.

القانون الأزلي وصناعة القوانين

فشل القوانين الوضعية في القضاء على الجريمة:

 في عالمنا المعاصر نرى الكثير من المؤسسات القانونية والهيئات القضائية وكليات الحقوق والبرلمانات المحلية والدولية ومجالس الشورى, بالإضافة إلى جيوش من رجال القانون من المحامين والقضاة والفقهاء الدستوريين والمحكّمين الدوليين وغيرهم, بالإضافة إلى جيوش من رجال الشرطة وأيضا ملايين السجناء والمعتقلين, كما نرى العديد من المحاولات للوصول لصناعة قانون يحقق الغرض المذكور آنفا, فهل استطعنا صناعة هذا القانون الذي يمكنه أن يحقق الردع من انتهاك حقوق الآخرين ؟!! أم مازلنا نعيش في عالم ملئ بالجريمة في الكثير من دول العالم ؟!! وبصياغة آخرى هل نجحت القوانين الوضعية في توفير عالم آمن وهل إستطاعت القضاء على الجرائم والمشكلات التي نواجهها وتزداد يوماً بعد يوم ؟!!! إذا فالعالم في حاجة ملحة لقانون يحقق له ذلك ولكن كيف ؟

أهمية وجود الشريعة الإلهية:

 في قديم الأزل لم تكن هناك هيئات قانونية أو قضائية أو رقابية لصناعة وتطبيق قانون ينظم للناس شؤونهم؟!! ولهذا فإما أن ينزل الله تعالى قانوناً إلهياً منتظماً ومنظماً لشؤون البشرلا يحتاج لمشرعيين أو قانونيين لتحسينه أو تطويره, وإما أن يسود قانون الغاب ويأكل القوي الضعيف!!

 فكان من عدله ورحمته لعباده أن ينزل عليهم شريعة (قانونا), لا تتغير ثوابتها وعدلها بتغير الزمان ولا بتغير المكان, فالجريمة فيها جريمة ولن تصبح أبدا فضيلة, والحق فيها حقا ولن يصبح أبدا باطلا, والكل سواء أمام عدلها, أما أحكامها فتتجدد بين فترة وأخرى من خلال الرسل الذين يرسلهم الله ليهدون الناس ويدلونهم لشريعة الله التي تنظم شؤون حياتهم, فبعد أن أضاع وحرف اليهود أحكام شريعتهم, أرسل الله نبيه عيسى عليه السلام ليجدد لهم أحكام الشريعة الإلهية, وبعد أن أضاع النصارى وحرفوا أحكام شريعتهم, ختم الله شريعته الإلهية برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فبعثه بشريعة وأحكام صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان لا تتغير ولا تتبدل على مر العصور، فهي الشريعة الخاتمة، قال الله تعالى:" ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ" الجاثية 18

 وهذا يتجلى بوضوح في موازنة الشريعة لأنواع العقوبات بأنواع موجباتها، فجعل شدة العقاب مقابل شدة أثر الجريمة وخطرها على المجتمع، شريعة لا تخضع للأهواء والمجاملات, تساوي بين مستحقي العقوبة فلا تسقط عن الشريف لمنـزلته بين الناس أو جاهه أو سلطانه، ولا تسقط عن الغني لكثرة أمواله، وهذا واضحًا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" إنما أَهلَك الذين قبلَكم ، أنهم كانوا إذا سرَق فيهمُ الشريفُ ترَكوه ، وإذا سرَق فيهمُ الضعيفُ أقاموا عليه الحَدَّ ، وايمُ اللهِ لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سَرقَتْ لقطَعتُ يدَها " البخاري

القانون الوضعي وقانون الغاب:

 في واقع الأمر وحقيقته أن الكثير من القوانين الوضعية في عصرنا الحاضر وجه آخر لقانون الغاب وذلك لأن البعض من النخبة الموجودة في بعض البرلمانات أو بعض المشرعين القانونيين أشخاص فاسدون ذو أطماع في سلطة أو مال فيسنون قوانين ظاهرها الصلاح وباطنها تحقيق مصالحهم وخدمة أهدافهم في استغلال باقي الشعب من الفئات الفقيرة المطحونة !! ولهذا أنزل الله تعالى المنعم علينا قانونا عادلا حكيما لا يفرق فيه بين حاكم ومحكوم أو غني وفقير أو أبيض وأسود أو طبقة وطبقة, هو قانون العدل البعيد عن الأهواء أو الظلم أو الأطماع!! قال الله تعالى :" أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ " سورة المائدة الآية 50.

اضطراب القوانين الوضعية وعدم ثباتها

 إن الناظر في تاريخ صناعة القوانين وكتابة الدساتير يجد أنها قوانين وضعية بشرية مضطردة التغير حيث لم يثبت قانون على حاله لفترة من الزمن, فما كان معتبراً جريمة في زمن ما أصبح فضيلة أو حقاً في زمن آخر والعكس كذلك, فمثلا لباس السباحة للمرأة في أمريكا عام 1850 وعام 1920 كان عبارة عن رداء طويل يغطي الجسد كاملا، ولو ارتدت المرآة في ذلك الوقت ما ترتديه في عصرنا المرأة الأمريكية للسباحة لقبض عليها ولعوقبت، وكما أن القانون يتغير بتغير الزمان فإنه أيضا يتغير بتغير المكان, فمثلا في دول الإتحاد الأوروبي فإن قوانين كل دولة تختلف عن الدولة الآخرى داخل الإتحاد نفسه, بل وفي دولة واحدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية فإن القوانين تختلف من ولاية لولاية آخرى، إذاً فهي خاضعة لرغبات وأهواء السياسيين الذين يفرضونها على الناس ومن أمثلة على ذلك :-

القتل الرحيم[4]:

وهو الإنتحار بمساعدة شخص آخر, وينقسم إلى ثلاثة أقسام:-

1.     قتل رحيم طوعي: ويتم بموافقة المريض, وهو أمر قانوني في بعض الدول الأوروبية وبعض الولايات الأمريكية.

2.     قتل رحيم غير طوعي: ويتم بدون موافقة المريض، مثل القتل الرحيم للأطفال المباح به في ظل ظروف معينة في هولندا وفق بروتوكول جرونينجن[5].

3.     القتل القسري: وهو الذي يكون ضد إرادة المريض.

وخلاصة الأمر وجود مؤيدين للقتل الرحيم ومعارضين له وكل له حججه وأسبابه التي يعتقد صحتها، فبعض الدول تقنن القتل الرحيم في حين أن دول آخرى تجرمه.

 وقد تم تسجيل لحالات قتل مع سبق الإصرار مثل حالة دكتور نيجل كوكس[6] الذي قام بحقن مريضته ليليان بويز بحقنة كلوريد البوتاسيوم السامة ليوقف قلبها عن العمل, وقد إعتمد في دفاعه أنه أراد أن يخفف عنها آلامها الروماتيزمية, وقد حكمت عليه المحكمة بعام سجن مع وقف التنفيذ, وبعد عام واحد حصل ثانية على رخصته في مزاولة الطب وكأن شيئا لم يكن.

بيع المخدرات:

 هناك دول أوروبية قننت بيع وإستعمال المخدرات بشروط وكميات معينة، في حين أن بيع أو إستعمال المخدرات ممنوع منعا باتا في دول أوروبية آخرى, ومن العجيب أن إحدى الدول قد قننت بيع المخدرات ولكن لمواطنيها فقط, في حين حرمت على الزائرين كالسياح وغيرهم إستعمال المخدرات وذلك للحد من سياحة المخدرات على أراضيها, وهو القرار الذي رفضه غالبية مالكي المقاهي التي تبيع المخدرات قائلين أنه سيقضي على تجارتهم ودخلهم!!

عقوبة الإعدام:

 هناك دول أوربيه وبعض الولايات الأمريكية تحرم عقوبة الإعدام , في حين أن دولاً آخرى أوربيه وولايات آخرى أمريكية مازالت تسنها وتطبقها!!

 إذن: أين المقياس الثابت الذي يمكننا أن نقيس عليه ونعرف من خلاله ماهي الجريمة وما هي النزاهة ؟! وما هو الحق وما هو الباطل ؟!

 الخلاصه : أن ما يتفق عليه العقلاء أن الحق واحد وثابت لا يتغير بتغير الزمان أو المكان ، وكذلك الأخلاق والفضائل والرذائل والخطايا ثابتة لا تتغير بتغير الزمان أو المكان, ولا يمكن أبدا أن تتحول فضيلة لتصبح رذيلة أو أن تتحول رذيلة لتصبح فضيلة!!

عبثية العقوبات في القانون الوضعي:

 بالنظر في بعض التشريعات والعقوبات التي تم سنها على مر العصور كما في الحضارة الفرعونية أو الصينية أو الهندية أو اليونانية أو الرومانية القديمة أو تشريعات القبائل الأفريقية والهنود الحمر نجد أنها تشريعات أو عقوبات عبثية فقد كانت هذه العقوبات تعطى جزافاً على المخطئ, كعقوبة الإعدام على أبسط الأسباب والتفنن في كيفية تعذيب المحكوم عليه بالإعدام, فتارة تعدمه بقطع رأسه بالمقصلة مثل ما حدث مع ملك فرنسا لويس السادس عشر[7] عام 1793, وتارة بقطع رأسه بالفأس ثم تقطيع جسده لأربع أجزاء مثل ما حدث مع توماس أرمسترونج[8] عام 1684 بالمملكة المتحدة, وتارة بنزع أحشاءه وتقطيع أوصاله حيا ثم نزع قلبه من صدره ثم قطع رأسه مثل ماحدث مع بالثاسار جيرارد[9] عام 1584 بهولندا, وتارة بالذبح بالسكين, وتارة بالصلب على شجرة والحرق حيا كما في محاكم التفتيش الإسبانية والبرتغالية والرومانية تحت إشراف القساوسة, وتارة بإلقاءه حيا للأسود الجائعة في الملعب الروماني, وتارة بوضعه حيا في أفران هتلر, وتارة بالخازوق, وتارة بالصعق على الكرسي الكهربائي مثل ما حدث مع ليندا ليون بلوك[10] عام 2002 بالولايات المتحدة الأمريكية, وتارة بالإغراق مثل ما حدث مع أنصار الثورة الفرنسية[11] عام 1793 بفرنسا, وتارة بسحق رأسة بمطرقة حديدية أو بوضع أحجار ثقيلة على صدره مثل ما حدث مع جيليز كورآي[12] عام 1692 بالولايات المتحدة الأمريكية, وتارة بالإلقاء في الزيت المغلي مثل ما حدث مع ريتشارد رايس[13] عام 1531 في المملكة المتحدة, وتارة بحجرة الغاز السام, وتارة بالدفن حيا مثل ما حدث للمدنيين الصينيين من الجنود اليابانيين في مذبحة نانكينج أثناء الحرب العالمية الثانية, وتارة بنشر جسده من الأعلى إلى الأسفل بالمنشار الحديدي[14], وتارة بالشنق ثم ذبحه وقطع رأسه بالسكين مثل ما حدث مع جيريميا براندريث عام 1817, وتارة بالشد بين أربعة أحصنة قوية حتى يتمزق الجسد لأربعة أجزاء مثل ما حدث مع توباك أمارو عام 1781 في بيرو على يد الإستعمار الإسباني[15], وتارة بالتشريح البطئ حيا مثل ما حدث مع جوزيف مارشاند[16] عام 1835 في فيتنام, وتارة بالخنق, وتارة بالرمي بالرصاص, وغيرها من الطرق الأخرى البشعة والعبثية التي تتفنن في تعذيب المحكوم عليهم بالإعدام أثناء تنفيذ الحكم فيهم وفق قوانينهم !!! ولهذا فإن التشريع الإلهي هو تشريع رحمة, لا ينص على عقوبات جزافية, ولا يتركنا لقمة سائغة لأهواء وعبث المشرعين أو الحكام وأحكامهم العبثية. حتى مع الحيوان فقد نصت الشريعة الإسلامية على الرحمة والرأفة به حتى عند ذبحه لأكله, فقد قال صلى الله عليه وسلم :" إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته ) رواه مسلم .

عقيدة التضحية البشرية في التشريعات البشرية:

 مارست شعوب أمريكا الوسطى عقائد التضحية البشرية[17] في إمبراطورية الأزتك[18] التي استمر حكمها من القرن الرابع عشر ميلاديا وحتى السادس عشر ميلاديا وقد حكمت المنطقة التي تعرف اليوم بدولة المكسيك, حيث كان الكهنة يحضرون الضحية البشرية ويضعونها على صخرة كبيرة ويقوم الكاهن بشق صدر الضحية حيا ويخرج قلبه وهو مازال ينبض رافعا إياه نحو الشمس ليسترضي إله الشمس المسمى هويتزيلوبوشتلي[19] – معاذ الله-, أو لاسترضاء إله المطر المسمى تلالوك[20], أو لاسترضاء إله النار المسمى هويهويتيوتل[21] عن طريق عمل احتفال ديني لهذا الأخير يقومون فيه بإلقاء الضحية حيا في النار وقبل أن يموت يخرجونه من النار ويشقون صدره وينتزعون قلبه.

ومن خرافات تلك الإمبراطورية أن الإله كسيبه توتك[22] قد سلخ جلده من أجل أن يعطي البشر محصول الذرة, ولذلك فقد سأل البشر ان يعطوه جلدا بشريا مكان جلده, ولهذا فقد كان الكهنة يقومون بتكريم ذلك الإله عن طريق أن يسلخوا جلد الضحية البشرية ثم يرتدوا هم جلد الضحية لمدة عشرين يوما وبعدها يلقون بالجلد في النار!!

 وفي أفريقيا الأمثلة على ذلك كثيرة فمثلا في الاحتفال السنوي لمملكة داهومي[23] والتي تعرف اليوم بجمهورية بنين[24] بغرب أفريقيا, كانوا يأتون بالسجناء وأسرى الحرب ويتم ذبحهم كجزء من مراسم الاحتفال السنوي, كما أنهم في حالة موت الملك يقومون بذبح آلاف السجناء, فقد تم في عام 1727 ميلاديا ذبح 4000 ضحية في يوم واحد!!

 وفي حضارة الصين القديمة كان يتم دفن العبيد أحياء عند موت سيدهم, ففي عام 621 قبل الميلاد توفى الحاكم مو[25] حاكم مقاطعة كين[26], وتم دفن (177) من عبيده معه أحياء.

 وفي الشعوب السلافية, في القرن الثاني عشر كان يتم التضحية بأسرى الحرب وتقديمهم كقربان لإلهة قومية السلاف[27] بيرون[28].

 وفي بلاد شرق أسيا حيث تنتشر البوذية نرى صورا معاصرة على الإنترنت في غاية البشاعة , ففي يوم رأس السنة الصينية يقوم بعض البوذيين بإحضار فتاة بعد أن يستأذنوا أبويها, ويقوموا بغسلها وتنظيفها وربط أيديها من الخلف ثم يطعنوها بالسكين في رقبتها مثل طعن الخنازير ويضعوا وعاء تحت رقبتها حتى لا تسقط الدماء خارج الوعاء, ومن ثم يقوموا بتقطيع جسدها إربا وتوزيع هذا اللحم على الفقراء!!

 هذه فقط نبذة من تلك التشريعات والعقائد العبثية التي لا يقرها عقل سليم , وتقريبا لم تنج حضارة أو دولة من تلك العقائد الإجرامية كعقيدة التضحية البشرية لاسترضاء الإله بالدماء البشرية, ومن أراد الإطلاع والاستزادة فيمكنه البحث في تاريخ عقيدة التضحية البشرية حول العالم ليرى بنفسه كيف كان انتشارها في الأمريكتين وأوروبا واستراليا وأفريقيا وآسيا!! وقد ذكر العهد القديم تلك العادة والجريمة النكراء وانتقدها لشناعتها وجعل عقابها الموت بالرجم حيث كانت عادة الكنعانيين أن يقدموا أطفالهم كذبائح للإله مولك، فقد ورد في سفر اللاويين (20/1): (1 وكلم الرب موسى قائلا: 2 "وتقول لبني إسرائيل: كل إنسان من بني إسرائيل ومن الغرباء النازلين في إسرائيل أعطى من أطفاله لمولك فإنه يقتل. يرجمه شعب الأرض بالحجارة) . حيث كانت هذه هي عادة الكنعانيين أن يقدموا أطفال كذبائح للإله مولك - والعياذ بالله -.

 ولهذا من رحمة الله عزوجل بخلقه أن أنزل تشريعاً سماويا يكافح كل تلك التشريعات العبثية التي بنيت على إذلال الإنسان والتضحية به و مورست في شتى الحضارات حول العالم .!! قال الله تعالى :" قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " سورة الأنعام الآية 151.

وصدق الله العظيم حين قال عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله بدين الحق المشتمل على جميع مايصلح أحوال البشر في دنياهم وأخراهم والسعيد من آمن به وأخذ بشرعه :" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " الأنبياء:107

يقول ابن عباس ترجمان القرآن :أن الله أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم ، مؤمنهم وكافرهم . فأما مؤمنهم فإن الله هداه به ، وأدخله بالإيمان به وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة, وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله.

 بعثه الله للعالم ليدعوه لعبادة الله وحده بلا شريك وليمحق ويبطل ما كان من أمور الجاهلية وعاداتها الشركية وتقاليدهم العبثية الهمجيه المتعارف عليها.

 جرائم تم تقنينها في القوانين الوضعية

 هناك الكثير من الجرائم أو الأفعال التي تكاد تكون جرائم قد تم إباحتها وتقنينها في بعض القوانين الوضعية, مثل جريمة الإجهاض وقتل الجنين!! ومن لا يعرف كيف يتم قتل الجنين يمكنه رؤية ذلك عبر الإنترنت من خلال عمليات الإجهاض, والتي يقوم بها كبار الدكاترة المتخصصين ويساعدهم في ذلك ممرضات يفترض أن من صفاتهن الرحمة بالمريض !! والعجب أن تلك الجريمة النكراء تتم بعد تقديم طلب من الأم نفسها أو الأم والأب معا إلى الطبيب لقتل ابنهما الجنين, لأسباب تافهة تدل على مستوى الانحطاط البشري الذي وصلوا اليه كونهم غير مستعدين لإستضافته بسبب رغبتهم في التمتع بالسفر والحرية قبل الإلتزام بمسؤليات الإهتمام بطفل رضيع, أو بسبب عوائق مادية أو إجتماعية آخرى!!!

 وهذا الفعل منتشر في الكثير من الدول المتقدمة, وبشكل أسوأ في بعض الدول الفقيرة في أسيا وأفريقيا, خصوصا وإن كان الجنين أنثى لاعتبارها تشكل عبئا إقتصاديا على الأسرة بخلاف الولد الذي يشكل في مفهومهم عنصرا بناءا ومنتجا في الأسرة, فيحمل من أعباء الأب ويساعده في توفير الموارد المالية للأسرة. وقد رأينا صورا لأباء في بعض الدول الفقيرة بشرق أسيا يئدون بناتهم أحياء كما كان يفعل كفار مكة قبل مجئ الإسلام.، الذين قال الله تعالى حكاية عن فعلهم الشنيع وجريمتهم النكراء:" وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)" النحل 58-59

 وقد كانت تلك الجريمة مقننة في بعض القوانين القديمة مثل القانون الروماني والذي نصت المادة الرابعة منه على "أن يتم قتل أي طفل معاق"[29]. كما كانت تلك الجريمة أيضا منتشرة في الحضارة اليونانية القديمة حيث كانت الأم بعد الولادة تعرض المولود على الأب فإن رضي به عاش وإن لم يرض به يقتل كما تشير لذلك إحدى البرديات الرومانية الأثرية والتي تم إكتشافها في مدينة البهنسة (تسمى قديما بمدينة أوكسيرينخوس) بمحافظة المنيا بمصر وتبين إنتشار تلك العادة بين الرومان حيث تضمنت تلك البردية خطاب من زوج لزوجته يقول فيه: "لو كان المولود ولد دعيه يعيش, وإن كان أنثى فاقتليه"[30].

 أما الشريعة الإسلامية شريعة العطف والرحمة, فقد حرمت تلك الجريمة النكراء ، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اَللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ اَلْأُمَّهَاتِ, وَوَأْدَ اَلْبَنَاتِ, وَمَنْعًا وَهَاتِ, وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ, وَكَثْرَةَ اَلسُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ اَلْمَالِ) - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ونصت على حقوق الجنين وهو مازال في بطن أمه ومن أهم تلك الحقوق الحق في الحياة!! فقال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) سورة الأنعام الآية 151

 وألغت كل أشكال التمييز والتفرقة في المعاملة بين الأبناء ذكورا أو إناثا، فقال صلى الله عليه وسلم: " اعدلوا بين أولادكم في العطية " البخاري


 الباب الثاني الشريعة الإسلامية والحدود ومقاصد الشريعة الإسلامية

·        الشريعة الإسلامية

·        مقاصد الشريعة الإسلامية .

1.     حفظ الدين.

2.     حفظ النفس.

3.     حفظ العقل.

4.     حفظ المال .

5.     حفظ النسل .

·        الحدود في الشريعه الإسلامية .

·        المطالبة بتطبيق الشريعه الإسلامية في الدول غير الإسلامية .

1.     المحاكم الشرعية في غير الدول الاسلاميه .

2.     هل يجب مطالبة الدول غير الإسلامية بتطبيق الشريعه الإسلامية .


الشريعة الإسلامية:

 هي كما سبق وقلنا ما شرعه الله تعالى وسنه للناس من قوانين منظمة لعلاقتهم بالله تعالى وعلاقتهم بمحيطهم الانساني والحيواني والبيئي, فمن تلك القوانين ما ينظم أمور العبادة, ومنها ماينظم المعاملات الإقتصادية والتجارية والاجتماعية والأحوال الشخصية وقوانين تنظم الأسس التي تبني عليها الدولة وتنظم عمل السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية.

مقاصد الشريعة الإسلامية:

مقاصد الشريعة هي الغايات التي جاءت الشريعة لتحقيقها, وهي المعاني الكلية التي قصدتها الشريعة والتي من أجلها شرعت الأحكام والحدود، فمن المقاصد العامة للشريعة الإسلامية :

1- حفظ الدين: إن حفظ الدين هو أهم مقاصد الشريعة الإسلامية, قال الله تعالى :" وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ " سورة الإسراء الآية 23.

 ونصت الشريعة على الثواب العظيم لمن ساعد الناس على حفظ دينهم سواء بتعليمهم الدين فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه" صحيح البخاري.

 أو ببناء مايكون مجمعاً وملتقى لما يعلم الناس أمور دينهم ويفقهم بها كبناء المساجد للتعبد والتعلم, وقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَن بنى للهِ مسجدًا ولو كمَفْحَصِ قَطاةٍ بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ" صحيح ابن حبان.

والحفاظ على الدين من أوجب الواجبات في الشريعة الإسلامية لذلك حافظت عليه من خلال الآتي:

§         النص على مشروعية صد أي عدوان خارجي يقصد الإساءة للدين .

§        مكافحة وتحريم أي إساءة للدين داخل الدولة, مثل من يريد النيل من الدين عبر رسم رسومات كاريكاتورية تسئ إلى الإسلام أو لكرامة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم, بحجة حرية التعبير وما إلى ذلك, فحرية التعبير لا تعني أبدا أن تكون حرية في السب والتشهير والإساءة والتمييز العنصري.

§        مكافحة الابتداع في الدين وذلك لكون الدين كمل وتم، قال الله تعالى :" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ . سورة المائدة الآية 3.

 فمن ابتدع شيئاً في الدين فقد زاد فيه وأدخل فيه ما ليس منه، والابتداع وسيلة لهدم الدين، ولذلك قال الله تعالى :" فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ الأنعام: 144

2- حفظ النفس: خلق الله تعالى النفس البشرية وحرم الاعتداء عليها سواء كان هذا الاعتداء من الفرد تجاه نفسه بإهلاكها، لقوله تعالى :" وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " سورة النساء الآية 29

أومن إعتداء الفرد تجاه نفس أخرى سواءً أكانت نفس مؤمن أو كافر, لقول الله تعالى :" وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ " سورة الإسراء الآية 33

 فمن قتل نفساً متعمداً قُتل قصاصاً بحكم من القاضي وباب العفو مفتوح من أولياء القتيل بالتنازل عن القصاص، لقول الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ " البقرة 178

3- حفظ العقل: ميز الله تعالى الإنسان عن سائر الحيوانات بنعمة العقل وأوجب من التشريعات ما يحفظ للإنسان تلك النعمة فحرّم كل ما يلحق ضرر به أو يتسبب في تغييبه مثل الخمر وغيرها من المخدرات التي تذهب العقل وتتلفه, لقول الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " سورة المائدة الآية 90

 ولقد سميت في الاسلام بأم الخبائث لعظم خطرها سواءً على الفرد نفسه أو على مجتمعه فهي رأس كل شر ومبدأ كل جريمه.

4- حفظ المال: المال عصب الحياة جعله الله تعالى وسيلة أساسية للحفاظ عليها فبه تقوم المصالح وتستجلب الأرزاق فيتوفر الطعام والملبس والتعليم والمسكن... إلخ, وقد بين الله تعالى الطرق المشروعة لإكتساب المال وسبل تنميته وسبل إنفاقه, ولذلك حرم كل عمل يتسبب في إهلاك المال وضياعه دون وجه حق وحرم إستغلال الناس وأكل أموالهم بالباطل عن طريق الربا والرشوة والسرقة والقمار والرهان، لقول الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ " سورة النساء الآية 29

 أو إنفاقه بما يعود بالضرر على الشخص نفسه أو على غيره أو الاسراف والتبذير في صرفه من غير حاجة, وأوجب فيه من الحقوق سواءً للأقرباء بالصلة والبر أو عامة المحتاجين بالصدقة والاحسان لقوله تعالى :" وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً،إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً" الإسراء:26-27

5- حفظ النسل: حرمت الشريعة الإسلامية كل ما يكون سبباً في اختلاط الانساب مثل جريمة الزنا، قال الله تعالى: " وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا " سورة الإسراء الآية 32

 كما حرمت أيضاً جميع مايكون سبباً في القضاء على النسل أو قطعه كاللواط والسحاق، فقال الله تعالى " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ" سورة البقرة الآية 204 – 205.

الحدود:

 شرعت الحدود في الشريعة الإسلامية للحفاظ على تلك القوانين التي أنزلها الله لتنظم حياة البشر، ولضمان تطبيقها وإحترام الناس لها توجب وجود قانون ينظم جزاءات تأديبية وعقابية لمن خالف تلك القوانين فشرع الله الحدود وهو ( قانون العقوبات ) فالشريعة الإسلامية لم تنص على حد إلا لحماية حق، وكثيرا ما يخلط غير المسلمين بين مفهوم الحدود وبين الشريعة الإسلامية نفسها متصورين أن الشريعة الإسلامية هي فقط الحدود والجزاءات التأديبية والعقابية من قطع يد السارق (الكف) وقتل القاتل إلخ, وهذا التصور غير صحيح فالحدود عقوبات تطبق في حق من خالف الشريعه الاسلاميه للحفاظ عليها وضمان عدم مخالفتها ، وفي إقامة الحدود ( قانون العقوبات ) حياة للناس وحفاظ على أنفسهم وأموالهم وممتلكاتهم واعراضهم وعقولهم فهي ضمان للحفاظ على الكيان البشري فهي بمثابة السور الخارجي الذي يحمي المدينة وهي ( الشريعة الإسلامية) من اللصوص الذين يريدون إقتحامها والاعتداء على الساكنين الآمنين بداخلها ، وصدق الله العظيم :" وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ". سورة البقرة الآية 179.

علماً أن الحدود ليست أمراً مستحدثاً في الشريعة الإسلامية بل أمر الله تعالى بها في جميع الشرائع السماوية، فقد أمر الله بإقامة الحدود في التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، قال الله تعالى :" إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيْهَا هُدًى وَنُوْرٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّوْنَ الَّذِيْنَ أَسْلَمُوْا لِلَّذِيْنَ هَادُوْا وَالرَّبَّانِيُّوْنَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوْا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوْا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوْا بِآيَاتِيْ ثَمَنًا قَلِيْلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُوْنَ. وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون "(سورة المائدة أية 44-45)

وكذلك أمر الله بإقامة الحدود في الانجيل المنزل على عيسى عليه السلام، قال الله تعالى :" وقفينا على آثرهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتينه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين. * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" سورة المائدة الآية 46 – 47.

 من يتولى إقامة الحدود:

 إن أمر تنفيذ وتطبيق الحدود على من خالف الشريعه (القانون الاسلامي) فارتكب معصية توجب الحد موكول إلى الحاكم المسلم أو من ينوب عنه وليس لأفراد المجتمع الحق في إقامتها، فالإسلام دين نظام وترتيب وتدرج وليس دين عشوائية و همجية ، فلم يقم حد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه لأنه المكلف بتنفيذ الأحكام وإذا كان هو المكلف بالحكم لكونه الحاكم فهو حق لكل حاكم يحكم بالإسلام يأتي من بعده, يقول الله سبحانه وتعالى:" وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ" سورة المائدة 49.

ما تسقط به الحدود:

1.     الرجوع عن الإقرار: ذهب الجمهور (أبو حنيفة والشافعي وأحمد) إلى أنه يقبل من المقر الرجوع عن الإقرار ويسقط عنه الحد, وأنه يترك إذا هرب لعله يرجع[31], فماعز بن مالك رضي الله عنه والذي كان يتيما في وصاية هزال الأسلمي رضي الله عنه, قد وقع في الزنى مع جارية من الحي, فأشار عليه هزال رضي الله عنه بأن يذهب ويعترف بذنبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وبعد إقراره أربع مرات أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقيموا عليه الحد, ولكن عند إقامة الحد عليه جزعت نفسه وهرب حتى أوقفه عبد الله بن أنيس وأقاموا عليه الحد, فلما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ما حدث قال: (هلا تركتموه, فلعله يتوب, فيتوب الله عليه, يا هزال لو سترته بثوبك كان خيرا لك مما صنعت) أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والحاكم وصححه الألباني, وهزال هو الذي حث ماعز على الذهاب للنبي صلى الله عليه وسلم للإعتراف بذنبه, وقوله صلى الله عليه وسلم "لو سترته بثوبك" هي كناية عن صده عن الإعتراف الذي أوجب عليه الحد, قال الباجي: "وكان ستره بأن يأمره بالتوبة وكتمان خطيئته, وإنما ذكر فيه الرداء على وجه المبالغة"[32].

2.     الشبهة: فلا تقام الحدود بالظن, فالحدود تدرأ بالشبهات قال عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ الخليفة الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم : "لأن أعطلَ الحدودَ بالشبهاتِ، أحبُّ إليَّ من أن أُقيمَها بالشبهاتِ." أخرجه ابن أبى شيبة. ولذلك فمن سرق مالا ظنا منه أن له به حق, سقط عنه الحد.

3.     التوبة: إذا تاب الجاني قبل القدرة عليه سقط عنه الحد, أما إذا كانت التوبة بعد القدرة عليه فلا يسقط لقول الله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة المائدة الآية 34. والتوبة المقصودة هنا التي تسقط معها الحد قبل القدرة على الجاني هي التوبة المتعلقة بحد قطاع الطريق (حد الحرابة) وحد الردة, وهذا بإجماع الفقهاء. أما بالنسبة لباقي الحدود مثل الزنا والسرقة فهنا الأمر فيه قولان: الرأي الأول ذهب إلى أنه تسقط هذه الحدود بالتوبة قبل المقدرة عليه كذلك, أما الرأي الثاني فقد ذهب إلى أن التوبة في هذه الحدود قبل القدرة عليه لا تسقط الحد. أما التوبة المتعلقة بحد القذف فقد أجمع الفقهاء أنه لا يسقط معها الحد سواء قبل أو بعد القدرة على مرتكب هذا الذنب. وفي المسألة تفصيل ولمن أراد الإستزادة فعليه الرجوع لكتب الفقه الإسلامي في هذه المسألة.

4.     - الرجوع عن الشهادة : رجع الشهود عن شهادتهم بعد الحكم وقبل تنفيذه مسقط للحد عن المشهود عليه.

5.     التداخل: فإذا تكررت الحدود من جنس واحد قبل الحد فيجزئ عن الجميع حد واحد فقط .

شروط وجوب الحد[33]:

1-    التكليف (العقل والبلوغ) فلا يقام الحد على الصغير أو المجنون والمعتوه ولا على السكران الابعد الإفاقة ، لقوله صلى الله عليه وسلم :"رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ : عَن المَجنونِ المَغلوبِ على عَقْلِهِ حتى يَبْرَأَ ، و عن النائِمِ حتى يَستيقِظَ ، وعنِ الصبِيِّ حتى يَحْتَلِمَ." رواه (أحمد ، وأبو داود ، والحاكم) صحيح الجامع – الألباني.

2-    الإختيار وعدم الإكراه. قال الله تعالى :" مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "النحل 106

3-    الصحة والقدرة فلا يقام الحد على المريض وضعيف الخلقة إلا بعد الصحة .

4-    العلم بالتحريم.

استحباب الستر على المسلم[34]: من عاين ارتكاب مسلم لمعصية, فهو مخير بين أداء الشهادة حسبة لله تعالى, وبين الستر على أخيه المسلم, وهو الأولى (وفيه تفصيل ولمن أراد الإستزادة فعليه الرجوع لكتب الفقه الإسلامي), فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة" مسلم.

شبهة قسوة الحدود:

يتناقل من خلال وسائل الإعلام الغربي أن الحدود التي شرعها الإسلام لبعض الجرائم (القتل والقطع والرجم ) عقوبات قاسية وحشية همجيه لاتصلح في وقتنا الحاضر؟!!

والجواب على هذه الشبهة :

 إن الجميع يتفق على أن هذه الجرائم لها أضرارها التي لا تخفى على المجتمع، وأنه لابد من مكافحتها والتصدي لها بفرض العقوبات عليها، أما الاختلاف فيكون في نوع العقوبات! وليسأل كل نفسه: هل العقوبات التي وضعها الإسلام أجدى وأنجح في قطع دابر الجريمة أو تقليلها أم العقوبات التي وضعها وقنَّنها البشر التي لا تزيد الجريمة إلا انتشاراً!؟ فالعضو الفاسد لابد له من البتر ليسلم باقي الجسد!

·        من المعلوم عقلاً أن كل عقاب لابد فيه من قسوة ليكون أردع وأزجر للمجرمين ومالم يكن كذلك فقد فقد صلاحيته .

·        أن ترك تطبيق الحدود لعلة قسوتها ظلم للمجتمع فكيف سيأمن الفرد على نفسه وماله وعرضه ، فاقامة الحدود رحمة للمجتمع ولمن أقيم عليه الحد، فمثلًا الطبيب يجري عملية جراحية فيستأصل جزء من جسم المريض بغرض معالجته فظاهر عمله هذا قسوة في حق الجزء المستأصل ولكنه في الحقيقة رحمه لباقي الجسد ليسلم . وهكذا الحدود تستأصل مافسد من المجتمع ليسلم المجتمع .

علاقة الشريعة الإسلامية بالقوانين الوضعية:

الأصل في الاشياء في الشريعة الإسلامية الحل والإباحة لقوله تعالى :" أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً " سورة لقمان:20

إلا ما ورد دليل من مصادر الشريعة على تحريمه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أحلَّ اللَّهُ في كتابِهِ فَهوَ حلالٌ وما حرَّمَ فَهوَ حرامٌ، وما سَكَتَ عنهُ فَهوَ عافيةٌ، فاقبَلوا منَ اللَّهِ العافيةَ فإنَّ اللَّهَ لم يَكُن نَسيًّا ثُمَّ تلا هذِهِ الآيةَ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (سورة مريم:64)." المستدرك.

إذاً فالشريعة الإسلامية لم تحرم القوانين الوضعية التي تنظم حياة الناس بل أباحتها طالما أنها لا تتعارض معها كالقوانين البحرية أو قوانين العمل .... إلخ , وإنما حرمت تلك القوانين التي تقنن الجرائم أوالمحرمات التي أثرها السلبي الواضح على البشرية سواءً من الناحية العقلية أو المالية أو الإجتماعية والأخلاقية أو الصحية فالتحريم يصب في مصلحة الإنسان نفسه لأن الله في تشريعاته غني عن خلقه لن تضره معصيتهم ولن تنفعه طاعتهم ، قال الله تعالى :" قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ." سورة الأعراف الآية 33.

المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في غير الدول الإسلامية

محاكم الشريعة الإسلامية في الدول غير الإسلامية:

 هناك حملات إعلاميه وتقارير صحفية تستنكر وجود مجالس أو محاكم للشريعة الإسلامية في بعض الدول الغربية غير الإسلامية التي سمحت بها وقننتها وهي في واقع الأمر ليست محاكم بالمعنى المتعارف عليه قانونيا وإنما هي مجالس تساعد المسلمين في مسائل الزواج والطلاق والميراث وغيرها, فمثلا لو قتل شخص شخص آخر فلن تقيم عليه تلك المجالس حد القتل وإنما ستحيله الشرطة للمحاكم القانونية الإعتيادية في تلك البلاد. ولكن تلك الحملات إلاعلاميه والتقارير الصحفية تريد إرهاب المواطنين في تلك الدول من تلك المجالس فتصورها أنها غزو لبلادهم وهو كلام عبثي خال من الصحة مبني على جهل أو كراهية محضة للإسلام وأهله, حيث تجعل الناس يظنون أنه يتم تطبيق العقوبات المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية داخلها بعيدا عن أعين الشرطة!! وفي واقع الأمر فإن تلك المجالس على غرار قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين المطبق في الدول الإسلامية نفسها، فمن سماحة الشريعة الإسلامية أنها سمحت أن يتحاكم غير المسلمين المقيمين في الدول الإسلامية إلى شرائعهم في كثير من المسائل مثل الزواج والطلاق وغيره, ولم تفرض عليهم القوانين الإسلامية المطبقة على المسلمين في تلك المسائل إلا إذا رغبوا هم في أن يترافعوا إلى المحاكم الإسلامية للقضاء بينهم. وحتى في بعض الأفعال التي تنص الشريعة الإسلامية على تحريمها وتجريمها لم تحرمها على غير المسلمين, مثل شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وذلك لأن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير لا يعتقدوا في تحريمه رغم أنه في الواقع محرما في عقيدتهم وهناك العديد من الأدلة على ذلك.

 ومن الأمثلة على خبث هذه الحملات الإعلامية والتقارير الصحفية الموجهة والمسيسة أن مقدمي أحد البرامج على أحد القنوات الفضائية يسأل المسلمين المقيمين في بلاده: أيهما أولاً بالنسبة لك القانون الإسلامي أو قانون هذا البلد؟" فأجاب المسلمون بكل عفوية ونقاء "القانون الإسلامي أولا". وهذا رد طبيعي جدا لأن السؤال في حد ذاته ليس في محله ولا ينم إلا عن كراهية وعنصرية من مقدم البرنامج. وذلك لأن المسلم يقصد من رده أن كلام الله مقدما على كلام البشر, ولم يقصد أنه لا يحترم قانون البلد!! وذلك لأن القانون الإسلامي يأمره بأن لا يسرق أو يقتل أو يغش الناس وهو نفس ما تأمره به القوانين الوضعية فلا تضارب هنا, وما قصده المسلم برده أنه إذا كان القانون الوضعي في هذا البلد غير المسلم يبيح إتخاذ عشيقة أو شرب الخمر أو الإجهاض أو أكل لحم الخنزير فإنه لن يتبع تلك الرخص وإنما سيتبع حكم الله فيها فلن يشرب الخمر أو يتخذ عشيقة أو يقتل جنينه بالإجهاض, ولم يعني برده أنه سينتهك قانون تلك الدولة, أما بالنسبة إلى العقوبات الأخرى مثل عقاب السرقة أو القتل فلا يطبق على المسلم المغترب العقاب المنصوص عليه في الشريعة الإسلامية وذلك بسبب إنتفاء وجود شروطه فأمر الحدود موكول للحاكم المسلم وكذلك كونه دخل تلك الدولة وفق أنظمتها وقوانينها والمسلم مأمور بالوفاء بما أمضى من عقود ومواثيق، ونحن هنا نتحدث عن مسلم يعيش في دولة نصرانية وليس دولة إسلامية.

 بل يجب على المسلم المغترب الذي يعيش في دولة غير إسلامية أن يحترم ويلتزم بقوانين تلك الدولة طالما أنها لا تأمره بعمل معصية لله عزوجل, فإن أمرته بعمل معصية لله عزوجل وجب عليه الهجرة من تلك البلد التي لا تحترم الحريات الدينية والحقوق الشخصية, فعلى سبيل المثال لو أمرت تلك القوانين المرأة المسلمة بخلع الحجاب, فهنا يجب على تلك المرأة أن تهاجر من تلك الدولة فورا حتى تنقذ نفسها من تلك القوانين العبثية، ولا يجوز لها أن تقاوم السلطات بالعنف وما إلى ذلك، أما إذا تعارضت قوانين تلك البلد مع حقوق المسلم المقيم بها ولكن دون أن تأمره بعمل معصية لله فهنا يجوز للمسلم أن يجابه تلك القوانين بالسبل السلمية من خلال البرلمانات أو الصحافة أو ما إلى ذلك من الوسائل السلمية لإظهار إعتراضه على ذلك القانون!! مثل إذا كان القانون لا يسمح ببناء مسجد حتى يستطيع المسلمون أداء صلواتهم, أو يمنع القانون على المسلمين تعدد الزوجات في حين يبيح إتخاذ الخليلات على الزوجات, فهنا وجب على هذا المسلم اللجوء للقضاء أو للمجالس التشريعية مثل البرلمان أو يلجأ للصحافة حتى يستطيع نيل حقوقه الدينية التي فرضها الله عزوجل عليه مثل الصلاة أو أباحها له مثل تعدد الزوجات.

هل يجوز مطالبة الدول الغربية بتطبيق الشريعة الإسلامية:

 هناك بعض المسلمين المغتربين أو المسلمين الجدد في بعض الدول الغربية يحملون رايات سوداء كتب عليها لفظ الشهادتين ولافتات كتب عليها الشريعة لإنجلترا على سبيل المثال, فهل هذا الفعل صحيح أم خطأ ؟

ولمعرفة الجواب على هذا السؤال يجب أخذ الاعتبارات التالية:

·        أن هؤلاء لم يقوموا أولا بالتعريف الصحيح بالشريعة الإسلامية لمواطني تلك البلاد, وإنما هم يطالبوهم مباشرة بتطبيقها, وهم على علم أن كل ما في مخيلتهم عن الشريعة الإسلامية هي العقوبات المنصوص عليها في الشريعة مثل قطع يد السارق وغيره, فكيف يتوقع منهم تقبل فكرة تطبيق الشريعة عليهم؟!! فهو بهذا الفعل لا يعرفهم بالشريعة الإسلامية وإنما يخوفهم منها!!

·        أن هؤلاء في الغالب قد خلطوا بين مفهوم الشريعة وبين الدين الإسلامي بمعنى أنهم بعملهم هذا قصدوا دعوتهم للدخول في الإسلام ولكن بهذه الطريقة التي إتبعوها فهم الناس أنه يريد تطبيق القوانين الإسلامية عليهم, وبمعنى أصح فهم الناس أنه يريد تطبيق العقوبات المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية عليهم.

·        الشريعة الإسلامية هي شريعة الدولة الإسلامية فلا يجب مطالبة الدول غير الإسلامية بتطبيقها , حيث لم يذكر لنا التاريخ الإسلامي كله منذ عهد رسول الله صل الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين أن أحدا منهم قد طالب الدول غير الإسلامية بتطبيق شريعة المسلمين!! إذ كيف يمكن لدولة لا تعتنق الدين الإسلامي ويعتنق أغلبيتها الدين النصراني أو اليهودي ويحكمهم حاكم نصراني أو يهودي أن تطبق شريعة ليست بشريعتها ؟!!!

·        المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية كقوانين يجب ان يتم من خلال الأطر القانونية مثل أن يتم هذا الطلب داخل البرلمان لأنه الجهة الوحيدة المختصة بإقرار القوانين, لأنه لو تم من خلال رفع اللافتات في الشوارع فهذا سيثير حفيظة المواطنين والأثر سيكون عكسيا وسيتسبب في ضرر للجهود الدعوية ذاتها.


الباب الثالث

·        القانون الاسلامي والقانون الوضعي وتحقيق المقصود .

·        عقوبة السارق بين قطع اليد والسجن .

·        عقوبة السارق في الكتاب المقدس.

·        الدفاع عن النفس في الشريعة الإسلامية .

·        الدفاع عن النفس في الكتاب المقدس.

·        الدفاع عن النفس في القانون الوضعي


 الباب الثالث القانون الإسلامي و القانون الوضعي وتحقيق المقصود

إن جميع قوانين العقوبات لم توضع إلا لتحقيق هدفين اساسيين هما:-

·        الردع : وذلك بردع المخطئ عن العودة لخطئه، وردع الناس عن الإقتداء به في ارتكاب ذلك الخطأ.

·        الرحمة بالفرد والبشر: الرحمة بالفرد بردعه عن الإقدام على عمل ينتهك به حقوق الآخرين، فتتحقق الرحمة لذاك الفرد بأن لايقدم على خطئه وهكذا لا تنزل به العقوبة ، وتتحقق الرحمة للبشر بحماية حقوقهم من أن يقدم أحد على انتهاكها!! وهنا سؤال يطرح نفسه أيهما أردع وفي نفس الوقت أرحم للناس, القانون الإسلامي أم القانون الوضعي البشري؟! ولنأخذ بعض الأمثله ومنها على سبيل المثال جريمة السرقة وعقاب السارق بين القانون الإسلامي والقانون الوضعي لنرى أيهما أنجح في تحقيق الغرض المذكور آنفا!!

عقوبة السارق بين قطع اليد ( الكف) وعقوبة السجن لعدة سنوات:

 بدايةً يجب أن نعرف أن العقوبات ليست فضيلة أو شئ حسن, فلو كانت كذلك لما سميت عقوبة ولفقدت وظيفتها الأساسية وهي الردع، وهكذا فإننا عندما نقارن عقوبة السارق بين قطع اليد وبين عقوبة السجن فإننا نقارن بين شيئين سيئين وذلك لأن كلاً منهما في الواقع عقوبة ولكن نحن نختار أفضل السيئين وأخف الضررين.

 بالنظرة المنطقية والعقلية والنظرة المستشرفة للمستقبل بعيداً عن العاطفة يتبين أن عقوبة قطع اليد هي الأردع من عقوبة السجن والأمثل لقطع دابر الجريمة, لأن السارق عندما يعلم أنها ستقطع يده فليس من العقل أن يقدم عليها فتسلم يده وتسلم أموال الناس وممتلكاتهم ، أما عقوبة السجن فهي وإن كانت عقوبة إلا أنها لا تردع السارق عن الإقدام على جريمة السرقة فهي عقوبة مؤقتة بزمن معين ثم يطلق سراحه ليرتكب غيرها من الجرائم نظرا لاستهانة المجرم بهذه العقوبة!! قال الله تعالى :" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" سورة المائدة الآية 38.

 فقال الله تعالى:"نَكَالاً مِّنَ اللّهِ " أي عقوبة من الله ، لينكل به فهي من الله وليست من الخلق، وجب على خلقه أن يمتثلوا له ، لأنه أعلم بحالهم وبما يُصلح شأنهم ودنياهم ، ومع كون عقوبة قطع اليد للسارق هي الأردع من عقوبة السجن فهي أيضاً الأرحم له وللناس أجمعين!! فهي بردعها للسارق عن أن يقدم على جريمته ينتشر الأمن بين الناس فيعيشون في مجتمع مطمئنة فيه نفوسهم آمنين لا يخشى فيه أحد منهم على أمواله وممتلكاته, وبالمقابل أيضا أرحم بالسارق نفسه لأنها تنجيه من المضار والمساوئ الخبيثة لعقوبة السجن فمن المعلوم أن مجتمعات السجون هي مجتمعات تجمع المجرمين على اختلاف جرائمهم وهذه المضار والمساوئ تدمر المجرم نفسه وتدمر المجتمع ككل, فمن تلك المضار مايلي:-

1.     زيادة إجرام المجرم: إن من مضار السجن حبس المخطئ مهما كان خطئه صغيرا في بيئة إجرامية يتعلم فيها من فنون الإجرام أشكالا وألوانا متعددة فالسجن بمثابة الجامعة التي يتبادل فيها المجرمون الخبرات, فالمجرم الصغير في مجال الإجرام, يختلط بمجرمين كبار فيتعلم منهم أساليب إجرامية أخرى أشد خطورة , فيعود المجرم الصغير للمجتمع بعد اطلاق سراحه مجرما كبيرا أشد خطرا على المجتمع، حيث يقوم المجرمون بتكوين صداقات فيما بينهم تستمر حتى بعد الخروج من السجن, وهكذا تتشكل شبكات إجرامية جديدة تضم قاتلاً مع مروج مخدرات مع صيدلي مع مبرمج كمبيوتر مع عالم نووي, لم يجمعهم معا إلا أنهم دخلوا السجن لقضاء عقوبات عن جرائم مختلفة في الحجم والكيف!!! وهذا الأمر الخطير في عقوبة السجن دفع العديد من المشرعين القانونيين لابتداع نظرية العزل بين المساجين داخل السجون, وهي بالطبع نظرية أثبتت فشلها من الوهلة الأولى نظرا لاستحالة تطبيقها من الناحية العملية, فبسبب العزل بين المساجين ستتكون المشاكل النفسية والعصبية لهم, إلى جانب أن كلفتها المالية ستأخذ الكثير من أموال المواطنين الشرفاء من دافعي الضرائب لبناء الكثير من السجون الكبيرة والمجهزة بإمكانيات توفر هذا العزل بين المساجين!!!

2.     الموت البطئ للمجرم نفسيا ومعنويا: إن عقوبة السجن تدمر الحالة النفسية وتنتهي الحياة المعنوية للمسجون تماما في الغالب بمجرد دخوله السجن, فهو محبوس في قفص مثل الحيوانات الضارة وبِعُزْلة تامة عن المجتمع الخارجي, وبخروجه بعد انقضاء مدة سجنه يرجع للمجتمع أكثر عزلة وأكثر خطورة حيث يصعب عليه التأقلم ثانية مع المجتمع المدني المتحضر, كما يرجع بالعديد من المشكلات النفسية والعصبية التي لا يخفى مضارها !!

3.     الموت البطئ للمجرم إقتصاديا: إن عقوبة السجن تدمر الحياة الإقتصادية للمسجون وتنهار تماما بمجرد دخوله السجن, فإن كان موظفا فسيتم تسريحه من وظيفته, وإن كان صاحب تجارة وأعمال فستنهار تجارته وتضيع أعماله مما يترتب عليها إنهيار الحياة الإقتصادية لأسرته ولكل الأشخاص المعتمدين عليه إقتصاديا , فالموظفين الذين يعملون عنده سيخسرون وظائفهم مما سيعود على أسرهم وعلى المجتمع ككل بالضرر الإقتصادي بدون ذنب منهم!!

4.     الموت البطئ للمجرم إجتماعيا: إن عقوبة السجن تنهي الحياة الإجتماعية للمسجون, فأي حياة إجتماعية ستكون لشخص تم سجنه وعزله بعيدا عن زوجته وأطفاله وأقربائه وأصدقائه!!

5.     العقاب الجماعي لكل عائلة المجرم: إن عائلة المجرم المسجون سينالهم عذاب نفسي وإجتماعي بسبب سجنه بعيدا عنهم, فهذه زوجة أخذ منها زوجها, وهذه أم أبعد عنها ابنها, وهؤلاء أطفال صغار تم حرمانهم من أبيهم دون أي ذنب منهم!! فكيف يمكن لمسجون أن يراعي إحتياجات زوجته النفسية والإقتصادية والجنسية والإجتماعية, وكيف يمكن له أن يربي أطفاله ويعطيهم حنانه ورعايته, وكيف يمكن له أن يرعى أمه وأباه إن كانوا مرضى أو عجزة؟! ففي حقيقة الأمر أن في سجنه سجن لهم جميعاً!! هذا في حال كون المسجون رجلاً أما لو كان امرأة ولها أطفال صغار رضع ليس لهم من يرعاهم ويتولى شئونهم , فما هذه القلوب القاسية التي ستبعد أم عن أطفالها الصغار وتودعهم في مؤسسة من مؤسسات الدولة لرعايتهم !! وأي رعاية ستقدمها تلك المؤسسة لأطفال تم إبعادهم عن أمهم ، نعم تقدم لهم الأكل والشرب والملبس ولكن لا تستطيع أن تقدم لهم العطف والحنان ودفء الأمومة والتربية الحسنة!! ولاشك أن هذا سيخلق جيلا جديدا به ما يكفي من العقد النفسية والأخلاقية التي ستظهر أثارها السلبية مستقبلاً ولن يستقيم معها حال المجتمع!!

6.     الموت البطئ للمجرم سياسيا: إن عقوبة السجن هي موت بطئ وأيضا سريع للمجرم, والذي قد يكون في الحقيقة برئ مما نسب إليه من إتهامات, ففي إحدى الدول المتقدمة تم تلفيق تهمة فساد مالي لأبرز معارض سياسي في البلد, وقد وصفت دول عديدة من الدول المتقدمة تلك التهمة بالباطلة وبأنها لأسباب سياسية لإبعاد هذا المعارض ذو الصوت المؤثر في الجماهير عن المشهد السياسي تماما, وبالطبع كان أمام حكومته إختيارين, إما أن تقوم باغتياله وتصفيته جسديا أو اغتياله سياسيا بحبسه وعزله عن المجتمع وعن الجماهير!!!

7.     تحميل ميزانية الدولة والمواطنين الشرفاء أعباء إقتصادية هائلة: إن تكاليف بناء السجون وصيانتها وتكاليف حراساتها ومرتبات العاملين عليها من ضباط وعساكر وتكاليف تسليحهم وتكاليف سيارات الترحيلات الخاصة بنقل المساجين من القسم إلى المحكمة وبالعكس وتكاليف انتقلات الضباط من بيوتهم إلى مكان عملهم وتكاليف إطعام وإقامة المساجين داخل السجون, كل تلك التكاليف يتحملها المواطن الشريف الذي تمت سرقته بالفعل قبل ذلك, وذلك لأن الدولة تزيد من الضرائب على الدخل للمواطنين الشرفاء حتى تستطيع أن تصرف على المساجين بمعنى آخر أن اللص قد سرقه قبلا ثم ها هو يسرقه بعد دخوله السجن ثانيةً ولكن بطريقة غير مباشرة!! وبهذه الطريقة قد يصبح المواطن الشريف لصا هو الآخر بسبب كل هذا الضغط الضريبي الواقع عليه, فبدلا من أن ينفق ماله في تحسين تعليم أولاده وتحسين ظروفه المعيشية جعلته ينفقها على إطعام وإقامة اللص الذي سرقه!! وبالمقابل فلو أن تلك الأموال التي تنفقها الدولة على المساجين وخدماتهم وعلى مرتبات الضباط والعاملين داخل السجون أنفقتها على تحسين أوضاع محدودي الدخل لما وجد لصوص في المجتمع!! أضف الى ذلك أن القوانين الوضعية من خلال عقوبة السجن قد خلقت جيشا من المساجين وجيشا يحرسه من الضباط والعساكر وجعلت كلا الجيشين طاقة مستهلكة في المجتمع بدلا من أن تجعلهم طاقة منتجة تضيف وتساعد في نماء المجتمع!!

 هذه بعض المضار المترتبة على تطبيق عقوبة السجن على الفرد وعلى المجتمع, ولهذا لو عرض على السارق أن يتم عقابه بقطع يده (كفه) أو أن يتم حبسه لعدة سنوات فسوف يختار أن تقطع يداً واحدة له ولا تنهار حياته كلها الإجتماعية والإقتصادية والنفسية والمعنوية وحتى السياسية! وأيضا لو عرض نفس الأمر على ذاك المعارض السياسي فسوف يختار قطع يد واحدة له (كف) على أن يسجن, وهكذا ستكون عقوبة قطع اليد رحمة له وعذابا على من لفقوا له التهمة, لأنه وببساطة لن يختفي عن المشهد السياسي وسيظل يناضل ضد فسادهم المالي والأخلاقي!!

وأنا من هنا كمحامي وناشط في مجال حقوق الإنسان, أدعوا منظمات حقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة لاتخاذ موقف حاسم ضد تلك العقوبة البشعة الفظيعة المدمرة, عقوبة السجن للسارق!!

التطبيق العملي لعقوبة قطع اليد (الكف): ذكر الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في أحد دروسه أنه في غضون عشر سنوات قد سمع عن حالتين أو ثلاث حالات فقط لقطع اليد في المملكة العربية السعودية. وبالطبع لو قارنا تلك النسبة وبين الآلاف الذين يتم إيداعهم في السجون سنويا في كثير من الدول المتقدمة فسنرى مدى رحمة عقوبة قطع اليد بالسارق وبالمجتمع ككل, فهي قد حفظت الأمان للمجتمع وأيضا الأمان للسارق بردعه عن أن يقدم على سرقته وبهذا فلن تقع عليه أية عقوبة.

شروط قطع اليد (الكف) :-

 ليس الأمر كما يتخيل البعض أنه بمجرد أن يسرق الشخص يتم تطبيق عقوبة قطع اليد عليه فليس المقصود من إقامة حد عقوبة السرقة إيذاءه بسبب سرقته للمال ولكن المقصود إيقافه عن ترويع الآمنين وإقتحام بيوتهم وسرقتهم, كما ان العقوبة لا تطبق على كل سارق بل في حالات محددة جدا، ولكي يتم تطبيق عقوبة القطع يجب توافر شروط معينة وهي:

1.     أن يأخذ المسروق من حرزه, والحرز هو ما يخزن فيه الناس أموالهم مثل الخزنة وما شابهها. فمجرد الأخذ لا يعتبر سرقة توجب القطع عند جمهور الفقهاء إلا إذا نتج عن هتك الحرز, كأن يفتح السارق أغلاله ويدخل, أو يكسر بابه أو شباكه, أو ينقب في سطحه أو جداره, أو يدخل يده في الجيب لأخذ ما به ونحو ذلك.

2.     أن يخرجه من الحرز, فإذا ضبط السارق داخل الحرز قبل أن يخرج بما سرقه, فلا تقطع يده, وإنما يعزر بعقوبة آخرى حسب رأي القاضي. وفي هذا رحمة ودفع للشبهة, فقد يظن صاحب الحرز بمجرد رؤيته لأي شخص قد دخل في حرزه أنه يسرقه, في حين أنه قد يكون ذلك الشخص قد دخل الحرز (مثل المخزن أو الدكان) لغرض آخر غير السرقة.

3.     أن يطالب المسروق منه بماله, فإذا لم يطالب لم يجب القطع. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تعافوا الحدود فيما بينكم, فما بلغني من حد فقد وجب) صحيح أبي داود. وعندما أمسك صفوان بن أمية سارق سرقه في المسجد وبعد أن ذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يعفوا عنه, قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به) صحيح أبي داود.

4.     أن يبلغ المسروق نصابا معينا من المال, فإن قل عنه لم يجب القطع.

5.     أن تثبت السرقة بشهادة رجلين عدلين أو بإقرار السارق على نفسه مرتين.

6.     أن يكون السارق قد أخذ الشئ على وجه الخفية, فإن لم يكن على وجه الخفية فلا قطع, كما لو انتهب المال على وجه الغلبة والقهر على مرآى من الناس أو اغتصبه، وذلك لكون صاحب المال يمكنه طلب النجدة والأخذ على يده, أو كما لو أخذه على وجه الخيانة كمن أؤتمن على شئ بطريق العارية أوالوديعة فأخذه وادعى ضياعه أو أنكره , والسبب في ذلك أن المال كان في حرزه حرزا مأذونا له في دخوله, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع) الترمذي وصححه الألباني, والمختلس هو الذي يأخذ المال جهرة معتمدا على السرعة في الهرب. وقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن التمر المعلق؟ فقال: "من أصاب بفيه من ذي حاجة, غير متخذ خبنه, فلا شئ عليه, ومن خرج بشئ منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة, ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع" صحيح أبي داود. ومن هذا الحديث الشريف نجد أن عقوبة قطع اليد هي العقوبة القصوى للسرقة, تسبقها عقوبات آخرى مثل الغرامة المالية وغيرها.

7.     أن يكون السارق مكلفا –عاقلا بالغاً- فلا قطع على الصغير ولا المجنون, لرفع التكليف عنهم .

8.     أن يكون السارق مختارا, فلا قطع على المكره لأنه معذور.

9.     أن يكون عالما بالتحريم, فلا قطع على جاهل بتحريم السرقة وهذا يختلف مع القوانين الوضعية والتي تنص على "عدم جواز العذر بالجهل", فلو فعل شخص جريمة ما جاهلا بأنها تعد جريمة فالقوانين الوضعية تطبق العقوبة عليه ولا تأخذ بعذره وجهله أن هذا الفعل يعد جريمة, وفي هذا الفخ وقع الكثير من المسافرين الذين يزورون بلدانا أجنبية للسياحة أو العلاج أو الدراسة أو ما شابهها بسبب جهلهم بقوانين تلك البلاد.

10.                       ألا يكون للسارق شبهة في المال المسروق, فإن الحد يدرأ بالشبهة, مثل أن يسرق من شئ له فيه حق, فلو سرق والد من مال ابنه فلا تقطع يده , وكذلك الأجداد والجدات لا قطع عليهم فيما سرقوه من مال من تليه ولادتهم, وإذا سرق الولد من والده فلا قطع لأن الابن يتبسط في مال والديه عادة, وإذا سرق أحد الزوجين الآخر فلا قطع. وإذا سرق مسلم من بيت المال فلا قطع لأن لكل مسلم حقا في بيت المال. وإذا سرق دائن من مال مدينه شريطة أن يكون هذا المدين جاحدا للدين أو مماطلا وبشرط أن يسرق مقدار حقه ولا يزيد عليه فلا قطع . وإذا سرق شخص لضرورة ليدفع عن نفسه الهلاك كمن سرق ليرد جوعا أو عطشا مهلكا فلا عقاب عليه ولا قطع شريطة أن يكون مقدار ما سرقه هو مقدار ما يدفع به الهلاك عن نفسه من الجوع أو العطش.

11.                      أن لا يكون السارق قد رجع عن إقراره بالسرقة, فإذا كان الدليل على السرقة هو إقرار السارق بنفسه ثم قبل القطع رجع عن إقراره (اعترافه), سقط عنه الحد, لأن الرجوع عن الإقرار يورث شبهة.

شبهة: قد يقول شخص لماذا يكون القطع لمن سرق مبلغاً معيناً فاق النصاب, في حين لا تقطع يد المختلس الذي قد يكون اختلس مبلغا كبيرا جدا من المال؟ قال ابن القيم –رحمه الله تعالى- في الجواب عن ذلك: هذا من تمام حكمة الشارع, فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه. فإنه ينقب الدور ويهتك الحرز ويكسر القفل, ولا يمكن لصاحب المتاع الاحتراز بأكثر من ذلك, فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضا, وعظم الضرر, واشتدت المحنة بالسراق, بخلاف المنتهب والمختلس فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس, فيمكنهم أن يأخذوا على يديه, ويخلصوا حق المظلوم, أو يشهدوا له عند الحاكم. وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره, فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه, وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الإختلاس.

كيفية القطع: لا خلاف بين الفقهاء في أنه ينبغي مراعاة الإحسان في إقامة الحد فيساق السارق إلى مكان القطع سوقا رفيقا, ولا يعنف ولا يعير ولا يسب، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم) السلسلة الصحيحة 1638, وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حسن.

 كما ينبغي على الحاكم أن يتخير الوقت الملائم للقطع بحيث يتجنب الحر والبرد الشديدين, ولا يقيم الحد على السارق أثناء مرض يرجى زواله, ولا يقيم الحد على الحامل والنفساء أو على أي شخص قد تؤدي إقامة الحد عليه إلى موته. فإذا وصل إلى مكان القطع يجلس, ويضبط لئلا يتحرك وتوضع على مفصل كفه سكين حادة ويدق فوقها بقوة لتقطع في مرة واحدة, وإن علم وسيلة أسرع من ذلك قطع بها.

شبهة: لقائل أن يقول: قد رأيت مشهد قطع يد سارق من إحدى الجماعات الإسلامية في إحدى الدول العربية والتي بها حرب دائرة, وكان مشهد غير لائق, فقد قاموا بضرب يده بسيف بارد -أي ليس بحاد- عدة مرات حتى تقطع يده, وكانوا بهذا الفعل فرحين قائلين الله أكبر!!

والرد عليها: أن هذا الفعل هو تصرف شخصي مخالف لتعاليم الشريعة في هذا الجانب فلا يجوز في الشريعة الإسلامية قطع يد السارق بالطريقة التي قاموا بها, وفعلهم يدل على جهل بتعاليمها بوجه صحيح, بل هم بفعلهم هذا أساءوا لصورة الشريعة الإسلامية السمحة! ووجه مخالفتهم لتعاليم الشريعة من وجوه منها :-

1.     أن الحدود لا تقام في دار الحرب: فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تقطع الأيدي في الغزو) رواه الترمذي وصححه الألباني في صَحِيح الْجَامِع: 7397، المشكاة: 3601.

وقد قال ابن القيم: "فهذا حد من حدود الله وقد نهي عن إقامته في الغزو, خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره, من لحوق لصاحبه بالمشركين حمية وغضبا كما قال عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم".

2.     عدم الفرح بإقامة الحد على المذنبين: ، فلم يكن يفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك بل كان يكره ذلك وينهى عنه ولكن إقامة حدود الله واجبة طاعة لله وامتثالاً لأمره، قال عبد الله بن مسعود: إني لأذكر أول رجل قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم, أتي بسارق فأمر بقطعه, فكأنما أسف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا رسول الله, كأنك كرهت قطعه؟ قال: "وما يمنعني؟! لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم, إنه لا ينبغي للإمام إذا انتهى إليه حد إلا أن يقيمه, إن الله عفو يحب العفو (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ". السلسلة الصحيحة: 1638, وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حسن.

هذه هي عقوبة السارق في الشريعة الإسلامية والتي رأينا أنها من الناحية العقلية والمنطقية والمستقبلية أجدى وأنفع لصيانة المجتمع وحفظه، ولننظر الآن الى عقوبتها في الديانات الأخرى.

عقوبة السرقة في الكتاب المقدس

1- الرجم والحرق للسارق وعائلته: سفر يشوع (7/1): (1 وخان بنو إسرائيل خيانة في الحرام, فأخذ عخان بن كرمي بن زبدي بن زارح من سبط يهوذا من الحرام, فحمي غضب الرب على بني إسرائيل ... 10 فقال الرب ليشوع: "قم! لماذا أنت ساقط على وجهك؟ 11 قد أخطأ إسرائيل, بل تعدوا عهدي الذي أمرتهم به, بل أخذوا من الحرام, بل سرقوا, بل أنكروا, بل وضعوا في أمتعتهم. 12 فلم يتمكن بنو إسرائيل للثبوت أمام أعدائهم. يديرون قفاهم أمام أعدائهم لأنهم محرمون, ولا أعود أكون معكم إن لم تبيدوا الحرام من وسطكم" ... 19 فقال يشوع لعخان: "يا ابني, أعط الآن مجدا للرب إله إسرائيل, واعترف له وأخبرني الآن ماذا عملت. لا تخف عني". 20 فأجاب عخان يشوع وقال: "حقا إني قد أخطأت إلى الرب إله إسرائيل وصنعت كذا وكذا. 21 رأيت في الغنيمة رداء شنعاريا نفيسا, ومئتي شاقل فضة, ولسان ذهب وزنه خمسون شاقلا, فاشتهيتها وأخذتها. وها هي مطمورة في الأرض في وسط خيمتي, والفضة تحتها". 22 فأرسل يشوع رسلا فركضوا إلى الخيمة وإذا هي مطمورة في خيمته والفضة تحتها. 23 فأخذوها من وسط الخيمة وأتوا بها إلى يشوع وإلى جميع بني إسرائيل, وبسطوها أمام الرب. 24 فأخذ يشوع وجميع إسرائيل معه عخان بن زارح والفضة والرداء ولسان الذهب وبنيه وبناته وبقره وحميره وغنمه وخيمته وكل ما له, وصعدوا بهم إلى وادي عخور. 25 فقال يشوع: "كيف كدرتنا؟ يكدرك الرب في هذا اليوم!". فقام بنو إسرائيل ورجموه ورجموا عائلته وأحرقوهم جميعا بالنار, 26 وأقاموا فوق عخان رجمة حجارة عظيمة إلى هذا اليوم. فرجع الرب عن حمو غضبه.)

2- الصلب حتى الموت: إنجيل متى (27/37): (37 وجعلوا فوق رأسه علته مكتوبة: "هذا هو يسوع ملك اليهود". 38 حينئذ صلب معه لصان, واحد عن اليمين وواحد عن اليسار.)

3- الموت: سفر التثنية (24/7): (7 إذا وجد رجل قد سرق نفسا من إخوته بني إسرائيل واسترقه وباعه, يموت ذلك السارق, فتنزع الشر من وسطك)

4- العبودية والرق: سفر الخروج (22/1-3): (يجب على السارق أن يعوض صاحب الشئ المسروق, فإن لم يكن معه من المال ما يكفي لتعويض صاحب الشئ المسروق, فعندها يتم بيع السارق كعبد, ويعطى ثمنه إلى صاحب الشئ المسروق.)

أما في الاسلام فكل نفس مأخوذة بجرمها ومعاقبة بإثمها لايتعداها لغيرها، قال الله تعالى: " وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ." سورة الأنعام 164.

دفع الصائل في الشريعة الإسلامية والدفاع عن النفس

الدفاع عن النفس في الشريعة الإسلامية:

 إذا اعتدى إنسان على غيره في نفس أو مال أو عرض, أو صال عليه يريد ماله أو نفسه ظلما, فيجوز له ولغيره رد العدوان بالقدر اللازم لدفعه, يبدأ بالأخف فالأخف إن أمكن, فإن أمكن دفع المعتدي بالكلام لم يستعمل الضرب, وإن أمكن الدفع بالضرب باليد لم يستعمل العصا, وإن أمكن الدفع بقطع عضو حرم عليه القتل, وإن لم يمكن الدفع إلا بالقتل جاز للمدافع القتل ولا ضمان عليه. وإن تمكن المصول عليه من الهرب وجب عليه ذلك, لأن المُعْتَدى عليه مأمور بتخليص نفسه بالأسهل والأهون[35] قال الله تعالى :" فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " 194

ودفع الصائل له شروطه التي منها :

1.      أن يكون ثمة اعتداء : بمعنى أن يعتدي على المصول عليه بغير وجه حق.

2.      أن يكون الاعتداء حالاً : فلو كان الاعتداء بالتهديد بفعل شئ في المستقبل فلا يجوز الدفاع لأنه لا دفاع قبل الاعتداء. ولكن لواشهرعليه وهدده بماهو مظنة القتل كالسلاح فمن حقه رده ودفعه .

3.      تقديم البينة التي تثبت الاعتداء عليه من قبل الصائل فمجرد قوله لا يقبل ؛ إذ لو قبل هذا لسفكت الدماء بحجة دفع الاعتداء .

4.     التدرج في رد اعتداء الصائل : ويدل على مراعاة مبدأ التدرج في المدافعة قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي يسأله : " يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ إن عُدِيَ على مالي ؟ قالَ : فأنشِدِ اللَّهَ قالَ : فإن أبَوا عليَّ قالَ : أنشِدِ اللَّهَ قالَ : فإن أبوا عليَّ قالَ : فأنشدِ اللَّه قالَ فإن أبوا عليَّ قالَ : فقاتِلْ ، فإن قُتِلتَ ففي الجنَّةِ ، وإن قَتلتَ ففي النَّارِ ." مسند أحمد وصححه الألباني وقال شعيب الأرنؤوط : صحيح.

الدفاع عن النفس في الكتاب المقدس: سفر الخروج (22/2): (2 إن وجد السارق وهو ينقب, فضرب ومات, فليس له دم).

وجدير بالذكر أن الترجمة اليونانية المعتمدة للنص السابق ذكره, مكتوبة بشكل مختلف عن الترجمة العربية, فقالت: سفر الخروج (22/2): (2 وإذا قبض على اللص وهو يسرق, فيتم إعدامه وهو في مكانه, وليس على الذي سوف يقتله أية مسؤلية عن قتله).

(Αν ο κλέφτης συλληφθεί επ’ αυτοφόρω να κλέβει, θα εκτελείται επί τόπου, κι εκείνος που θα τον σκοτώσει δεν θα φέρει ευθύνη για το φόνο του.)

الدفاع عن النفس في القوانين الوضعية: كما سبق ورأينا مدى الاضطراب في القوانين الوضعية في تحديد ما هي الجريمة وما هو الحق وكذلك الاضطراب في تحديد العقوبة المناسبة الموحدة التي يجب تطبيقها في شتى البلدان والتي من شأنها أن تحفظ الأمن وتردع المجرمين, فإن هذا الاضطراب والتخبط نراه أيضا في مجال الدفاع عن النفس ضد السطو على المنازل, فمن جهة هناك قوانين تقف في صف المجرم على حساب الضحية, وهناك قوانين تقف في صف الضحية ولا تقف في صف المجرم, فمثلا في الولايات المتحدة الأمريكية يتم تطبيق قانون "الوقوف على أرضك"[36] والذي يسمح لأرباب المنازل باستخدام قوة مميتة بمجرد شعورهم بأنهم تحت خطر سطو على منازلهم, وقد تسبب هذا القانون في نزاعات وخلافات سياسية وقانونية حادة, وقد خرجت العديد من المظاهرات المناوئة لذلك القانون, ففي ولاية كونيكتيكت الأمريكية دخل مدرس منزله فوجد شخصا مقنعا يحمل سكيناً في يده, فقام على الفور بإطلاق النار على ذلك الشخص وأرداه , فيما تبين بعد ذلك أن ذلك الشخص المقنع كان ابنه الشاب. أما في المملكة المتحدة فإن مجال الدفاع عن النفس شهد نزاعاً سياسياً وقانونياً حاداً, ففي حين أن كلا من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ووزير العدل كريس جريلينج[37] يحاولان إمرار قانون يكون أكثر صرامة ضد السطو على المنازل, إلا أن المجلس القومي للحريات المدنية يعارض بشدة إصدار مثل هذا القانون قائلا بأن تلك السياسة هي سياسة غير مسؤلة. ولعلنا هنا أن نستشهد بأقوال وزير العدل كريس جريلينج: "لا أحد منا حقا يعلم كيف ستكون ردة فعله إذا اقتحم أحد بيته, لا أحد منا حقاً يعلم كيف سيكون أمراً مرعباً أن نواجه سطواً على منازلنا في منتصف الليل, أو كم هو أمراً مرعباً عندما نشعر أن عائلتنا في خطر, وقد تجعلك سخونة الموقف لا تفكر في أي شئ إلا في حماية أحباءك, ولكن حتى الآن أنت لست متأكداً أن القانون حقاً سيكون في صفك, وأنا أعتقد أن أرباب البيوت يتصرفون بشكل غريزي, وصدقاً فإنه يجب أن تتم معاملتهم على أنهم هم الضحايا وليسوا المجرمين. ونحن بصدد تغيير أمرٍ آخر وهو هام جدا, يسمى "ضربتين وتكون بالخارج", فلو قمت بارتكاب اعتداء بالعنف أو بالاغتصاب مرتين سوف تحصل تلقائيا على عقوبة السجن المؤبد!! بعد الإنتخابات الماضية قد وعدنا بأننا سوف نتخذ تدابير حيال ثقافة حقوق الإنسان الخارجة عن السيطرة, إنه ضرب من الجنون أن يكون هؤلاء الناس الذين عقدوا العزم على مهاجمة مجتمعنا, قادرين على العودة للمحاكم لمحاكمتهم مرة بعد الآخرى , وأن يتم الإدعاء بأنه انتهاك لحقوق الإنسان إن قمنا بترحيلهم للبلاد التي أتوا منها. نحن نعلم جيدا أنه لا يمكننا التعامل مع هذا الأمر بالطريقة التي نريدها, ولكن لا نستطيع الإستمرار بالطريقة التي نحن عليها الآن". "يجب أن تضع نفسك في مكان الرجل أو المرأة الذي تصرف في وجود لص معتدي, وكانت ردة فعله ممتزجة بالغضب والقلق والخوف, ولم يكن هناك وقت لردة فعل هادئة".

 وهنا أقوال لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون: "يمكنك عمل أي شئ طالما أنها ليست غير متناسبة بشكل صارخ, فعلى سبيل المثال لا يمكنك طعن اللص لو كان بالفعل فاقدا للوعي. ولكن حقا يجب أن نضع القانون بقوة في صف أرباب المنازل, وأن نقول لهم: عندما يعبر اللص عتبة بيتك ويقتحم منزلك مهددا عائلتك فإنه قد تخلى عن كل حقوقه".

 وقد قالت إحدى الصحفيات البريطانيات من المناصرين لاتخاذ عقوبات أكثر صرامة على اللصوص: "أعتقد أن القضاة أكثر تساهلا مع الجرائم الخطيرة, وأعتقد أن الجمهور أيضا قد فشل في دعم اتخاذ قرارات بعقوبات أكثر صرامة ضد اللصوص. لأنك قد تحصل على عقوبة شديدة على جرائم بسيطة مثل مخالفات السرعة في القيادة وما شابه, بينما هناك جرائم خطيرة لا تحصل على عقوبات صارمة مناسبة لتلك الجرائم"[38].


 الباب الرابع التعدد في الشريعة الإسلامية والتعدد في القوانين الوضعية

·        تعدد الزوجات وتعدد العشيقات وتبادل الزوجات.

·        تعدد الزوجات وتعدد العشيقات في القوانين الوضعية.

·        الفرق بين الزوجة الثانية والعشيقة الثانية.

·        تبادل الزوجات في القوانين الوضعية.

·        تعدد الزوجات في اليهودية والنصرانية.

·        تعدد الزوجات في الإسلام.


تعدد الزوجات وتعدد العشيقات وتبادل الزوجات

 أباحت الشريعة الإسلامية للرجل تعدد الزوجات في إطار يحافظ على إستقرار المجتمع والأسرة, أما القوانين الوضعية فقد أباحت تعدد الخليلات والعشيقات في إطار يدمر المجتمع والأسرة, وسنورد بأمر الله تعالى مقارنة بين التعدد في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي لنرى التشريع الذي يتفق مع الفطرة ويضمن حق المرأة وكرامتها .

 إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي نص صراحة على تحديد تعدد الزوجات, قال الله تعالى :" وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا." سورة النساء الآية 3.

 أما بقية الأديان فإن تعدد الزوجات أمر مسموح به بلا قيود أو حد. وقبل أن نستطرد في موقف الأديان من تعدد الزوجات نعرض موقف القوانين الوضعية منه:

تعدد الزوجات وتعدد العشيقات في القوانين الوضعية:

 إن تعدد الزوجات أو تعدد العشيقات له معنى واحد عام, هو أن الرجل قد احتاج لأن يكون عنده أكثر من امرأة واحدة لأسباب خاصة به يمكن سرد بعض منها فيما بعد, ولكن النتيجة النهائية واحدة, وهي أن للرجل زوجة وزوجة آخرى غيرها, أو زوجة وعشيقة أخرى غيرها!! ومن المنظور القانوني فإن بعض القوانين الوضعية تجرم تعدد الزوجات قائلة أنه أمر ينافي الأخلاق الرفيعة, في حين أنها في الوقت ذاته تقنن تعدد العشيقات بل وتقنن أيضا ممارسة الفاحشة والبغاء!! أي أنه لو تزوج رجل بامرأة آخرى وعلمت الحكومة بهذا فإنه سوف يخضع للمحاكمة بسبب هذا الجرم والشهوانية والانحطاط الأخلاقي من وجهة نظرهم ويعاقب بالسجن, أما إذا اتخذ عشيقة على زوجته, بل واكتسب حتى منها أولادا غير شرعيين, فلا بأس بذلك ، فلا يجرم أو يعاقب, لأن هذا في نظرهم ليس بجريمة أو شهوانية أو انحطاط أخلاقي وإنما هو حرية شخصية وانفتاح أخلاقي!! مع العلم أن الفرق بين تعدد الزوجات وتعدد العشيقات هو فقط وجود ورقة زواج هي بمثابة عقد يضمن حقوق الزوجة الثانية في حالة الزواج, وعدم وجود تلك الورقة يعني أن المرأة الثانية ستظل مجرد عشيقة بلا حقوق رسمية معترف بها!! فهل حقا تحارب الحكومات أن يتخذ الرجل امرأة ثانية غير زوجته سواء بأن يتخذها زوجة ثانية أو حتى عشيقة, أم تحارب تلك الورقة وذلك العقد الذي يربطه بزوجته الثانية ويضمن لها حقوقها عليه ويلزمه بأداء تلك الحقوق؟!! بمعنى آخر هل الجرم هو اتخاذه لامرأة آخرى غير زوجته سواء كزوجة أو عشيقة ثانية أم الجرم هو إمضاءه على ورقة؟!! فإن كان تحريم تعدد الزوجات هو بسبب ألا يتخذ الرجل إلا زوجة واحدة فقط فمن الواجب أيضا تجريم وتحريم تعدد العشيقات!! بل والكثير من الرجال الآن في البلاد الغربية قد عزفوا عن الزواج وفضلوا أن يعيشوا حياتهم دون الإرتباط بامرأة واحدة، وذلك ليكون بمقدوره أن يغير كل عدة أشهر صديقته بصديقة جديدة يعاشرها معاشرة الأزواج دون إرتباطات. فهل كافحت القوانين الوضعية هذا الأمر وجرمته ؟!! أم أن هذا يعد حرية شخصية في أن يعاشر الرجل الواحد العديد من النساء دون حد أعلى لعددهن؟!! والأدهى من هذا كله هو أن القوانين الوضعية قد قننت مهنة البغاء, بحيث توجد أماكن مرخص لها من الحكومة, تقوم بإستعباد بعض النساء وتأجيرهن بالساعة للرجل الذي يريد أن يخون زوجته. وكل امرأة من تلك النساء تحصل على رخصة رسمية من الدولة بممارسة البغاء ولها ملف ضريبي حيث تدفع ضرائبها في آخر العام شأنها شأن أي مواطن صالح!! وقد انتشر هذا الأمر جدا في كثير من الدول التي هي نفسها تجرم تعدد الزوجات, فلا يكاد يخلو شارع من شوارعها من دار للبغاء!! وهنا نقول أن تعدد الزوجات أيضاً يعتبر من الحرية الشخصية إذا كان الغرب يريد تطبيقها, خاصة إذا علمنا أنه لايكون إلا برضى كل من الطرفين، كما إن اتخاذ العشيقات والبغاء لايكون إلا برضى كل منهما، ولكنه العداء لكل ماهو إسلامي، وصدق الله العظيم :" وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ." سورة البقرة الآية 120.

الفرق بين الزوجة الثانية والعشيقة الثانية:

 إن الرجل قبل أن يقرر اتخاذه لزوجة ثانية يفكر بمسئولية كبيرة بسبب ما يترتب على هذا الزواج من التزامات عليه وحقوقا لزوجته الثانية سواءً مالية أو شرعية, أما في حالة إتخاذه عشيقة فما أبسط الأمر لديه لعلمه أنها سوف تبقى عشيقة فقط بلا التزامات عليه أوحقوق لها أو لأبناءها منه إذا حملت!! وهذا يفتح باب الشر والفساد في المجتمع لأنه يدفع الرجل للتنقل بين عشيقة وعشيقة هدفه التسلية والتمتع, كلما قضى متعته وشهوته من عشيقة بحث عن عشيقة أخرى أو بمعنى أصح ضحية أخرى يلعب بأحاسيسها ومشاعرها ويدمر مستقبلها!! ولا يتورع عادة هذا الرجل من الكذب على عشيقته برغبته من الزواج منها وأن ما يمنعه كون الحكومة لا تسمح بتعدد الزوجات وأنه سوف ينفصل عن زوجته من أجل أن يتزوجها ، فمن كذب وخان زوجته فما الذي يمنعه من أن يخدع ويكذب على عشيقته ؟!!

 علماً أن هذا العمل (اتخاذ العشيقات) له أضراره السلبية على الرجل نفسه ، فحياته ستكون تعيسة يعيشها كما يعيش المجرمون يتوارى دائما محاولاً أن لا تراه زوجته معها أو تسمعه يحدثها, وهذا السلوك دليل دلالة قاطعة على خطأ العمل الذي يقوم به، إذ لو كان عملاً طيباً لما حاول إخفاؤه !! وكذلك له اضراره السلبية على المرأة أيضاً لأن المرأة التي رضيت بأن تكون عشيقة لرجل متزوج لن تكون أبدا على نفس القدر من زوجته الأولى بل ستعتبر نفسها امرأة من الدرجة الثانية تعرف أنها تعيش مع رجل ليس بزوجها وإنما هو زوج امرأة أخرى, فلا تستطيع أن تعيش معه حياة طبيعية سواءً داخلياً أو خارجياً فلا تستطيع أن تستمتع بوقتها بالتنزه معه مخافة أن يراهما أحد معا، أيضاً عدم استقرارها النفسي والعاطفي فهي معرضة للترك في أي لحظة يرى عشيقها أنه قد سئمها .

 والأمر الآخر الذي قد تغافلت عنه القوانين الوضعية أو تحاول تجاهله هو أن تعدد الزوجات يصب في مصلحة المرأة قبل الرجل, فعدد النساء حول العالم أضعاف عدد الرجال وذلك لعدة أسباب منها :-

1.      الولادة: فالإحصائيات الدولية تدل على أن معدل عدد المواليد الرضع من الإناث يفوق عدد الذكور.

2.     معدل الوفاة: حيث أن معدل الوفاة بين الرجال مرتفع جدا بسبب الحروب الطاحنة مثل الحرب العالمية الأولى والثانية والحروب التي تشن بين الدول بين فترة وأخرى وكذلك الحوادث المرورية الذي يكون أغلب ضحياها من الرجال أو بسبب معدل الوفاة في سن مبكرة والذي يرتفع عند الذكور عنه عن النساء.

3.     عزوف الرجال عن الزواج: بسبب عدم الرغبة في القيام بالإلتزامات الزوجية والعائلية أو بسبب الشذوذ حيث يتجه الكثير من الذكور في كثير من بعض الدول المتقدمة نحو الشذوذ الجنسي أو بسبب الرهبنة حيث أنه في المجتمعات النصرانية يتجه الكثير من الرجال نحو البتولية وعدم الزواج.

4.     السجن: حيث أن نسبة معدل المساجين من الذكور مرتفع أكثر من النساء.

 كل هذه الأسباب تجعل من العسير على المرأة أن تحصل على زوج يشاركها حياتها. وقد دفعت القوانين الوضعية بتحريمها لتعدد الزوجات الكثير من النساء أن يرضين بأن يصبحن مجرد عشيقات حتى يحصلن على رجل ولو كان هذا الرجل هو زوجا لامرأة آخرى!! وكان الأحرى بالقوانين الوضعية أن تقنن تعدد الزوجات تاركة الأمر لحرية واختيار المرأة, فالزواج بوجه عام لا يتم إلا بتراضي الطرفين, وتجريم تعدد الزوجات هو في الواقع ينافي الحريات الشخصية التي تنادي بها تلك الدول نفسها.

 فلو أن شخصا قال لامرأة من تلك النساء اللاتي لم يستطعن الحصول على زوج وأرادت الزواج برجل متزوج سواء أكانت نصرانية أو يهودية أو مسلمة أو بوذية أن تعدد الزوجات أمرغير لائق أخلاقيا وأنها من الأفضل أن تبقى عذراء بلا زوج ومحرومة من حقها في العيش حياة طبيعية كأي امرأة آخرى متزوجة, أو أنه الأفضل لها أن تعيش كعشيقة لرجل متزوج بالفعل من امرأة آخرى ثم بعد أن يتركها, عليها أن تبحث عن عشيق آخر وهكذا تمضي حياتها, فسوف ترد عليه قائلة: "وما شأنك أنت ؟ إن كنت لا ترغب في تعدد الزوجات أو ترى أنه غير لائق فهذا شأنك ولا تفرض رأيك على غيرك ممن يرون خلاف ذلك, فمن شاء فليعدد ومن لم يشأ فليقتصر على الزواج بواحدة!!"

تبادل الزوجات في القوانين الوضعية: ينتشر الأن وبشكل كبير في العديد من البلدان المتقدمة ظاهرة تبادل الزوجات[39], حيث يقوم رجلان بتبادل الزوجات فيضاجع كلا منهما زوجة الآخر, أو أن يقوم الرجل بمضاجعة زوجته وزوجة الرجل الآخر في نفس الوقت ثم بعدها يقوم الآخر بمضاجعة زوجته وزوجة الرجل الأول في نفس الوقت. والسبب في هذا كما ذكره العديد من الأزواج هو رغبتهم في التغيير والتعدد الجنسي وإعتباره وسيلة للتقارب بين الأصدقاء وتوطيد العلاقات بينهم. وقد ذكر الكاتب كورتيس بيرجستراند في كتابه "تبادل الزوجات في أمريكا" أن تلك العادة أخذت في الإنتشار في أمريكا أولا بين الطيارين الحربيين أثناء الحرب العالمية الثانية, حيث كان معدل الوفيات بين الطيارين مرتفعا, وكان الطيارون قد شكلوا مجتمعا خاص بهم ليربط بين عائلاتهم بشكل أفضل, وهكذا كان الطيارون يعتنون بزوجات الطيارين الآخرين في حالة فقدانهم أو موتهم, وكان هذا الإعتناء يمتد إلى الإعتناء العاطفي والجنسي أيضا, ومن أشكال تبادل الزوجات التي بدأت في الظهور والإنتشار بين الأزواج في المجتمع المدني الأمريكي, ما يعرف بنوادي المفاتيح, حيث يقوم الرجال بإلقاء مفاتيح بيوتهم على الأرض بشكل عشوائي ومن ثم تقوم كل زوجة بالتقاط أي مفتاح بشكل عشوائي, وهكذا تكون تلك الزوجة من نصيب ذلك الرجل صاحب المفتاح لتلك الليلة[40]. وقد نشر في موقع القناة الإخبارية السي إن إن بتاريخ 15 سبتمبر لعام 2011 أن عدد الأزواج الذين يمارسون تبادل الزوجات قد وصل إلى ما يقارب 15 مليون!! وتوجد الآن العديد من المنظمات العالمية التي تشجع ظاهرة تبادل الزوجات وتنظم رحلات ونوادي وحفلات خاصة لممارسة تبادل الزوجات, حيث لايسمح في تلك الحفلات للرجال بالدخول إن لم يكن معهم زوجاتهم أما النساء فيسمح لهن أن يدخلن ولو كن بدون أزواجهن, وتوجد في تلك الحفلات غرف مخصصة لممارسة الجنس, وهكذا يستطيع الرجل بعد الإنتهاء من ممارسة الجنس مع زوجة رجل آخر أن يعيد الكرة في نفس الليلة مع زوجة رجل غيره, ونفس الوضع بالنسبة لزوجته تستطيع تكرار ممارسة الرذيلة مع عدة أزواج كل واحد منهم على حدة!! وبالطبع فإن تبادل الزوجات غير مجرم في القوانين الوضعية وإنما يعتبرونه حرية جنسية وشخصية, ويعتبرون أنه من اللائق أخلاقيا أن يعتني طيار بزوجة طيار آخر متوفي أو مفقود بأن يشبع رغباتها الجنسية والعاطفية, أما تعدد الزوجات فيعتبرونه جريمة !!! فلو أن طيارا متزوجا قد تزوج زوجة طيار آخر متوفي ليعتني بها لاعتبروه مجرما وسجنوه بتهمة تعدد الزوجات!! ولكنه انتكاس الفطرة!!

تعدد الزوجات في اليهودية والنصرانية: في الغالب أنه لم يُذكر نبي في الكتاب المقدس إلا وله العديد من الزوجات, مثل نبي الله سليمان وداود وإبراهيم ويعقوب وغيرهم عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام, فقد ذُكر عن نبي الله سليمان عليه السلام في سفر الملوك الأول (11/3): (وكانت له سبع مئة من النساء السيدات, وثلاث مئة من السراري.). وقد ذكر في سفر التثنية (21/15): (إذا كان رجل متزوجا من امرأتين, إحداهما محبوبة والآخرى مكروهة ...). سفر الخروج (21/10): (أما إذا أعجبته وتزوجها, ثم عاد فتزوج من آخرى, فإنه لا ينقص شيئا من طعامها وكسوتها ومعاشرتها.)

 كما أنه لم يرد نص واحد في الكتاب المقدس لا العهد القديم ولا العهد الجديد يحرم تعدد الزوجات أو حتى يحدد عدد الزوجات!! فمن النصوص التي تثبت وجود التعدد في العهد الجديد:

رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس (3/1): (1 صادقة هي الكلمة: إن ابتغى أحد الأسقفية, فيشتهي عملا صالحا. 2 فيجب أن يكون الأسقف: بلا لوم, بعل امرأة واحدة, صاحيا, عاقلا, محتشما, مضيفا للغرباء, صالحا للتعليم ... 12 ليكن الشمامسة كل: بعل امرأة واحدة, مدبرين أولادهم وبيوتهم حسنا) وفي هذا النص نجد أن تعدد الزوجات مباح لجميع الناس إلا لمن أراد أن يصبح أسقفا أوشماسا. وقد ذكرت الكاتبة ماتيلدا جوسلين في كتابها المرأة والكنيسة والدولة ما يلي[41]: (أليس هذا دليلا واضحا من أقوال بولس عن مؤهلات الأسقف أن يكون (زوج امرأة واحدة) بأن تعدد الزوجات كان مسموحا به في الكنيسة الأولى بموافقة الرسل تلاميذ السيد المسيح؟! .. إن كان الأمر كذلك فلماذا إذن يتم الآن تبني معايير مختلفة عن تلك المعايير التي أقرها الرسل أنفسهم؟!)

 ولقد استشهد بعض النصارى ببعض النصوص من العهد الجديد على تحريم التعدد, مثل:

إنجيل مرقس (10/2): (2 فتقدم الفريسيون وسألوه: "هل يحل للرجل أن يطلق امرأته؟". ليجربوه. 3 فأجاب وقال لهم: "بماذا أوصاكم موسى؟". 4 فقالوا: "موسى أذن أن يكتب كتاب طلاق, فتطلق". 5 فأجاب يسوع وقال لهم: "من أجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية, 6 ولكن من بدء الخليقة, ذكرا وأنثى خلقهما الله. 7 من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته, 8 ويكون الإثنان جسدا واحدا. إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. 9 فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان". 10 ثم في البيت سأله تلاميذه أيضا عن ذلك, 11 فقال لهم: "من طلق امرأته وتزوج بأخرى يزني على زوجته الأولى. 12 وإن طلقت امرأة زوجها وتزوجت بآخر تزني")

إنجيل لوقا (16/14): (14 وكان الفريسيون أيضا يسمعون هذا كله, وهم محبون للمال, فاستهزأوا به. 15 فقال لهم: "أنتم الذين تبررون أنفسكم قدام الناس! ولكن الله يعرف قلوبكم. إن المستعلي عند الناس هو رجس قدام الله. 16 كان الناموس والأنبياء إلى يوحنا. ومن ذلك الوقت يبشر بملكوت الله, وكل واحد يغتصب نفسه إليه. 17 ولكن زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس. 18 كل من يطلق امرأته ويتزوج بأخرى يزني, وكل من يتزوج بمطلقة من رجل يزني")

إنجيل متى (5/31): (31 وقيل: من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. 32 وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني, ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني)

 وكما نرى من تلك النصوص الثلاثه أن النص يتحدث عن الطلاق وليس عن تعدد الزوجات, وفي عبارة (ولكن من بدء الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما الله) المقصود هنا آدم وحواء ككلاما سيق بوجه العموم, ولم يقل أن التعدد محرما منذ بدء الخليقة, لأن هذا يتعارض مع ما هو متعارف عليه في الكتاب المقدس من تعدد الزوجات وخصوصاً للأنبياء. وعلى هذا فهذه النصوص لايصلح الإستشهاد بها لتحريم تعدد الزوجات وإنما يستشهد بها لتحريم الطلاق, سواءً أكان للرجل امرأة واحدة أو أكثر. وذكرت النصوص أن الحالة الوحيدة المسموح فيها بالطلاق هي إن زنت الزوجة, فعندها للرجل أن يطلقها, ولكن إن طلقها ظلماً وعدواناً دون أن تكون قد زنت, ومن ثم تزوج بغيرها فهو قد زنى عليها (أي خانها وكأنه قد عاشر امرأة آخرى لا تحل له), ولا يقول النص أن من تزوج على زوجته دون أن يطلقها بأنه زنى أو خانها, وهي نفس الحالة في عبارة (وإن طلقت امرأة زوجها وتزوجت بآخر تزني) فهنا ربط صفة الزنى بتطليق الزوج وليس بالتعدد, ولو كان المقصود هو التعدد فكيف يكون التعدد في حالة أن امرأة طلقت زوجها وتزوجت بآخر (مفرد) أو الرجل طلق زوجته وتزوج بآخرى (مفردة)؟!! أي لو كان الإشكال هو التعدد لكان تطليق الزوج زوجته والزواج بآخرى حلالا!! ولكن المقصود هو عدم تطليق الزوج لزوجته حتى ولو كان عنده أكثر من زوجة. وفي عبارة (وكل من يتزوج بمطلقة من رجل يزني) فهنا تشير العبارة بوضوح أن الرجل الذي يتزوج بامرأة مطلقة حتى ولو كانت هي المرة الأولى التي يتزوج فيها, فإن هذا يعد زنى له, ليس بسبب التعدد فهو لم يعدد, ولكن بسبب أنه تزوج بمطلقة. وهنا نرى مدى الإختلاف في النص بين إنجيل مرقس وبين إنجيل لوقا, فكلاهما ذكر نفس القصة ولكن بنص مختلف جدا مما يعني عدم صلاحية الإستشهاد بكليهما واعتبارهما نصاً مقدساً موحي به من عند الله أو نسبتهما للسيد المسيح عليه السلام .

رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس (7/1): (1 وأما من جهة الأمور التي كتبتم لي عنها: فحسن للرجل أن لا يمس امرأة. 2 ولكن لسبب الزنا, ليكن لكل واحد امرأته, وليكن لكل واحدة رجلها... 8 ولكن أقول لغير المتزوجين وللأرامل, إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا. 9 ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا. لأن التزوج أصلح من التحرق.)

وهنا أيضا يقول (ليكن لكل واحد امرأته) والمعنى هنا لا علاقة له بتحريم تعدد الزوجات, وإنما المقصود ألا يمس الرجل امرأة ليست بامرأته, أي لا يقرب الزنى, وهذا على سياق أن يقال: ليراعي كل واحد منا ابنه, أو ليحمي كل واحد منا بيته أو ماله أو تجارته, وكما قيل في سفر صموئيل الأول (15/3): (3 فالأن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له, ولا تعف عنهم, بل اقتل رجلا وامرأة, طفلا ورضيعا, بقرا وغنما, جملا وحمارا) فليس المقصود أن اقتل رجلا واحدا وامرأة واحدة وطفلا واحدا وحمارا واحدا, بل المقصود كل ما هو من جنس الرجال والنساء والأطفال والحمير إلخ. وفي قوله (لأن التزوج أصلح من التحرق) ليس فيه أي إشارة لتحريم تعدد الزوجات, بل هو قال التزوج وتركها مفتوحة.

وهناك الكثير من القساوسة والنصارى من طوائف عدة يقرون بعدم وجود تحريم لتعدد الزوجات في النصرانية, وقد تزوج العديد منهم بأكثر من امرأة, مثل الملك شارلمان, الإمبراطور فالنتينيان الأول, لوثر وغيرهم, وقد ذكرت الكاتبة ماتيلدا جوسلين ذلك قائلة: "إنه ومن المعترف به تاريخيا بشكل لا يقبل الجدال فيه, هو أن كلا من الكنيسة المسيحية والدولة المسيحية عبر العصور المختلفة وتحت العديد من الظروف المختلفة, قد أعطوا نفوذهم لصالح تعدد الزوجات. فالإمبراطور فالنتينيان الأول في القرن الرابع الميلادي أعطى للمسيحيين الحق في التزوج بامرأتين, وفي القرن الثامن الملك شارلمان والذي كان رأس الكنيسة والدولة المسيحية, تزوج بستة نساء وبعض المؤرخين يذكرون أنهن كن تسع ... لوثر نفسه ممسكا بالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يقول: أعترف من جهتي بأنه إذا أراد رجل التزوج بامرأتين أو أكثر, فلا أستطيع تحريم ذلك عليه, ولا يخالف تصرفه هذا الكتب المقدسة"[42]. وقد قال القديس أغسطينوس: "والآن في الواقع في عصرنا هذا, بعد أن استخدمنا القانون الروماني, لا يستطيع الرجل أن يتزوج زوجة آخرى إضافية طالما أن زوجته الأولى مازالت على قيد الحياة"[43]. وهذا يدل على أن تحريم التعدد كان بسبب إعتماد القانون الروماني وليس بسبب نصوص دينية. ويقول أيضا القديس أغسطينوس: "مرة آخرى, يعقوب ابن اسحاق اتهم بإرتكاب جريمة كبرى لأنه تزوج بأربعة زوجات, ولكن لا يوجد اساس لهذا الإتهام, لأن تعدد الزوجات لم يكن بجريمة لأنه كان العرف, ولكن الآن أصبح جريمة لأنه لم يعد في العرف ... والسبب الوحيد لاعتبار تعدد الزوجات جريمة الآن هو فقط لأن العرف والقانون يحرمانه"[44].

تعدد الزوجات في الإسلام:

لفهم المنظور الإسلامي من تعدد الزوجات فيجب علينا معرفة الآتي:

1.     أن الإسلام ليس الدين الوحيد الذي شرع تعدد الزوجات, ولكنه الدين الوحيد الذي حد من تعدد الزوجات والذي كان مسموحا به في جميع الأديان الآخرى. فقد قال الحارث بن قيس: (أسلمت وعندي ثمان نسوة, فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر منهن أربعا") أبو داود وصححه الألباني.

2.     أن التعدد في الإسلام ليس من الأموار الواجبة على كل مسلم التي يأثم من تركها ويعتبر نقصاً في دينه ولكنه من الأمور المباحة فمن شاء عدد ومن شاء فلا، مثله مثل كثير من المباحات في الاسلام .التي لايؤاخذ المسلم بتركها.

3.     معرفة سبب نزول آية التعدد فقبل قراءة الآية القرآنية الشريفة التي تبيح تعدد الزوجات وتقصره على أربع علينا أن نقرأ الآيات القرآنية التي تسبقها ونفهمها ونفهم سبب نزولها لنعلم أنها لم تنزل إلا دفاعاً عن المرآة وحفظاً لحقوقها .

 قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)) سورة النساء.

الله عزوجل في بداية الآيات الشريفة يأمر الناس أن يتقوه ويخشوه وأن يعطوا اليتامى الذين هم أوصياء عليهم أموالهم إذا وصلوا سن البلوغ ورأوا منهم القدرة على حفظ أموالهم, وألا يظلموهم بأكل أموالهم, فقد كان العرب قبل الإسلام إذا كان تحت وصية الرجل منهم يتيما ذا مال, فإنه يخلط أموال اليتيم بأمواله ويأخذ منها الجيد ويترك له الردئ من أجل أن يحتالوا عليهم!! وقد ذكر السدي في ذلك: "كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم, ويجعل مكانها الشاة المهزولة, ويقول: "شاة بشاة", ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف, ويقول: "درهم بدرهم"." وقد نهى الله عزوجل عن تلك الجريمة من سرقة مال اليتيم فقال: (إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا) أي إثما عظيما كبيرا.

 ويستمر مسلسل الإحتيال على اليتيم وأكل ماله خاصةً إذا كان اليتيم فتاة, فقد سأل عروة بن الزبير رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) قالت : (يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن). (البخاري)

 وهكذا فإن الأية الكريمة نزلت في الرجل يأكل حق اليتيمة التي تحت وصيته ورعايته, فإنه كان إن أراد أن ينكحها كان لا يعطيها مهرا كما هو المعتاد لغيرها من النساء, فنهاه الله عزوجل عن هذا وأمره أن يعطيها مهرها المتعارف عليه كما لغيرها من النساء, أو أن يتركها ولا يتزوجها وله أن يتزوج بامرأة آخرى غيرها, أو حتى اثنتين أو ثلاثة أو أربع من النساء كحد أقصى. ولكن كثيرا ما يأتي بعض من أعداء الإسلام بمقصهم السحري المعتاد والمعروف, فيقصوا من الآيات الكريمة كل ما سبق قوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ويقصوا أيضا ما بعده, وهو شرط التعدد وهو العدل بين الزوجات!!

شرط التعدد في القرآن:

الإسلام لم يأمر الرجل بأن يتخذ زوجة أخرى غير زوجته, وإنما أباح له ذلك ووضع له من الشروط ما يجعل الرجل يأخذ الأمر بغاية الجدية قبل أن يقرر الزواج بزوجة ثانية فمن تلك الشروط تحقيق العدل بين الزوجات في المأكل والملبس والمشرب والمبيت, قال الله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) سورة النساء الآية 3,

ونهى عن الجور والظلم للزوجات والميل نحو إحداهن على حساب الآخرى, فقال عزوجل: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما) سورة النساء الآية 129

 وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما, جاء يوم القيامة وشقه مائل" صحيح. رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه.

ويجب الأخذ في العلم عزيزي القارئ أن الإسلام دينا عالميا أنزل لكل البشر في كل زمان ومكان ولم ينزل لأشخاص أو مجتمعات معينه فتأتي قواعده وشرائعه لتتناسب مع تفكيرهم ورغباتهم، ولهذا فقد أباح الإسلام للرجل أن يتزوج بأكثر من زوجة تفهما لواقعهم الحياتي وظروفهم المعيشية فما يعتقد أنه لا يصلح في هذا المجتمع قد يصلح في مجتمع آخر وما لا يصلح في هذا الزمان قد يصلح في زمان بعده ، وأيضاً رحمة بالنساء اللاتي سيظللن عوانس في حالة عدم التعدد، فمن أراد ان يأخذ بهذه الرخصة فليأخذ بها ويلتزم بشروطها ومن أراد عدم الأخذ فله ذلك!!


 الباب الخامس القوانين المنظمة للمجتمعات

·        الفرق بين الشريعة الإسلامية والأنظمة الوضعية.

·        رأي الكتاب المقدس في الديمقراطية

·        الشريعة الإسلامية وحرية التعبير


الفرق بين الشريعة الإسلامية والأنظمة الوضعية:

 هناك كثير من الأنظمة المنظمة للمجتمعات ولكن السائد منها نظامين معروفين في المجتمعات الحديثة, النظام الديمقراطي والنظام الدكتاتوري, وكلاهما أنظمة اثبتت الممارسات العملية لها خلال القرون الماضية فشلها وعدم تحقيقها للسلام والعدل الدولي الذي ينشده العالم. والغريب أن العالم يسعى للبحث عن الأنظمة التي تحقق له استقراره وأمنه, في حين أنها على مرأى ومقربة منه وهي الشريعة الإسلامية، ولكن بعض النخب السياسية من مصاصي دماء الشعوب تعرف أنه بالأخذ بها ستضيع كثيرمن سلطاتهم وامتيازاتهم, لذلك هي تملي على المشرعين والقانونيين ما يمكنهم من احكام قبضتهم بالشعوب المغلوبة على أمرها.

تعريف الديمقراطية: مصطلح الديمقراطية هو مصطلح يوناني مشتق من كلمتين, "ذيموس" وتعني "شعب" و"كراتوس" وتعني حكم أو حكومة, أي حكم الشعب لنفسه, وذلك عن طريق إقامة نظام برلماني ينتخب فيه الشعب من يمثله في البرلمان, والذي بداخله تتم مناقشة جميع القوانين وإقرار ما يحصل منها على موافقة أغلبية الأعضاء في البرلمان, أي أن رأي أغلبية الأعضاء هو الرأي واجب النفاذ حتى ولو تعارض مع رأي الأقلية في داخل البرلمان، إذا فقوانينه وانظمته غير ثابته لأن البرلمان وأعضاؤه غير ثابتين متغيرين . وصدق الله العظيم الذي بين في القرآن أن البشر لايصلح حالهم إلا حكم الله حيث قال، :" وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ." سورة المؤمنون الآية 71.

تعريف الديكتاتورية: النظام الديكتاتوري هو عكس النظام الديمقراطي تماما, حيث أن رأي الأقلية الحاكمة أو النخبة أو رأي الديكتاتور الحاكم هو الرأي الواجب النفاذ حتى ولو تعارض مع رأي الأغلبية من الشعب. ، قال الله تعالى عن فرعون المتسلط الذي طغى وأفسد في الارض واستعبد أهلها :" قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ." سورة غافر الآية 29.

 إن الكثير منا عند سماع مصطلح الديمقراطية تأتي في مخيلته معاني جميلة مثل ضمان الحريات الشخصية وإحترام الرأي الآخر وحرية التعبير وحرية إقامة الشعائر الدينية للأقليات وإحترام حقوقهم ومصالحهم وعدم اضطهادهم, ولكن في واقع الأمر فإن النظام الديمقراطي نظام ديكتاتوري أو بمعنى أصح نظام سلطوي, وذلك لأن الأغلبية فيه تفرض العديد من القوانين التي تتماشى مع رغباتها وتوجهاتها على الأقلية حتى ولو كانت تلك القوانين تتعارض مع مصالح ومبادئ أو معتقدات الأقلية أوستتسبب بإلحاق الضرر بهم. وهناك حالات من الواقع المعاصر توضح لنا الوجه الآخرالقبيح للديمقراطية:

·        في عام 2009 وبإسم الديمقراطية تم إجراء إستفتاء في سويسرا على منع بناء المآذن, وهكذا تم إصدار قانون بناءا على رأي الأغلبية بحرمان الأقلية المسلمة من بناء مآذن لمساجدهم, وهو الأمر الذي جعل منظمة العفو الدولية تعرب عن أسفها لنتيجة هذا التصويت مشيرة إلى أن منع المآذن يمثل إنتهاكا لإلتزام سويسرا بحرية التعبير عن العقيدة!!

·        باسم الديمقراطية في بعض العواصم الأوروبية وحتى يومنا هذا لا يسمح ببناء مساجد للأقلية المسلمة, وفي كل مرة تحاول فيها الأقلية المسلمة استصدار تصريح ببناء مسجد, تقوم الأغلبية في برلمان تلك الدولة بالتصويت ضد استصدار التصريح بالبناء, وإذا وافقت على استصدار التصريح فإنها تضع من العراقيل ما يكفي لمنع بناءه.

·        باسم الديمقراطية في بعض الدول الأوروبية تم إصدار قوانين تمنع النساء المسلمات من إرتداء النقاب في الأماكن العامة, متذرعين بعدة أسباب, منها أنه ليس من اللائق تغطية الوجوه في الأماكن العامة وما إلى ذلك, ورغم أن هذا السبب قد يكون مقبولا للبعض من الناحية المنطقية, إلا أننا نرى نفس الحكومات هي التي تفرض على سائقي الدراجات النارية بارتداء خوذات تغطي وجوههم في الشوارع!! أليس من الأجدر أن يكشف سائقوا الدراجات النارية عن وجوههم أيضا!! كما أن هناك الكثير من الناس في كثير من الدول الأوروبية ودول شرق أسيا مثل الصين وتايلند وغيرها يفضلون إرتداء غطاء وجه طبي, فقط بسبب شعورهم بأنه يحميهم من الفيروسات والأمراض, ولم يتحدث أحد أبدا أو يعلق على هذا الأمر بأنه ليس من اللائق تغطية الوجه في الأماكن العامة!! أيضاً أليس في منع النساء من ارتداء ما يردنه ويرغبنه عدم إحترام لاختيارهن وتقيد لحرياتهن الشخصية ومعتقداتهن الدينية!! ليس معنى أنك غير موافق على معتقد الآخر أن تجبره على أن يتركه, فالعديد من الهنود السيخ يلبسون عمامات سوداء على رؤوسهم ويتركون شعورهم تنمو دون قص لها, ويتحركون بكل حرية في أوروبا ويتولون أيضا العديد من الوظائف الحكومية دون أن يخلعوا تلك العمامات, وليس من حق أي شخص أن يجبرهم على خلعها أو حلق شعورهم بسبب عدم قناعته بتلك العمامات أو طول شعرهم.

·        باسم الديمقراطية في إحدى الدول المتقدمة فاز أحد الأحزاب اليمنية المتطرفة في الإنتخابات المحلية لعدة مدن, وكان من أول قراراته التي اتخذها منع تقديم وجبات الأكل الحلال للطلاب المسلمين في المدارس التي تقع ضمن المدن التي فاز في إنتخاباتها, وهكذا فرض على المدارس أن تقدم وجبات تحتوي على لحوم الخنازير ولحوم آخرى لم تذبح وفق الشريعة الإسلامية للطلاب المسلمين، وكان الأجدر بهم أن يسنوا القوانين التي تقضي على الفساد وتضمن الحريات .

·        باسم الديمقراطية في إحدى الدول المتقدمة تم إصدار قانون يمنع طريقة الذبح الحلال في البلاد, مما يعني عدم قدرة المسلمين على تناول اللحوم التي لم يتم ذبحها وفق الشريعة الإسلامية, والهدف منه التضييق على المسلمين حتى يغادروا البلاد لبلد آخر يحترم عقائدهم, فكل الحيوانات التي تم صعقها بالكهرباء أو ضربها على رأسها بمطرقة حديدية حتى الموت أو التي تم شنقها أو خنقها أو إغراقها لا يستطيع المسلمون أن يأكلوا من لحومها.

هذه بضعة أمثلة عن استبداد الأغلبية بحقوق الأقلية, حتى حقها في ممارسة شعائرها الدينية بحرية دون أي اضطهاد أو مضايقات, أو حقها في اختيار نوع ملابسها أو حتى نوع الأكل الذي تريده!! ومن تلك الأمثلة وغيرها يتضح أن النظام الديمقراطي أو العلماني في الواقع العملي لا يستطيع أن يتعايش إلا مع نفسه فقط, أما بالنسبة للأقليات فهو يلفظها ويتذرع بالعديد من الذرائع لتعليل سبب اضطهاده لها وتضييقه عليها متهما إياها بأنها لا تستطيع التعايش مع الأنظمة الآخرى!! أما الشريعة الإسلامية فهي على خلاف هذا, فهي تستوعب جميع البشر على اختلاف دياناتهم فقد نصت على حقوق للأقليات وجعلت تلك الحقوق خارج سلطة الأغلبية, بل وألزمت الأغلبية بضمان حماية تلك الحقوق وعدم المساس بها, حتى ولو كان رأي الأغلبية مختلفا, فهنا لا اعتداد برأي الأغلبية طالما أنه تعارض مع حقوق نصت على ضماناتها الشريعة الإسلامية السمحة. ومن أراد الإستزادة من هذا الموضوع فهناك العديد من الكتب التي تحدثت عن حقوق غير المسلمين في البلاد الإسلامية, يمكنه الرجوع إليها، وصدق الله العظيم :" وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. " سورة الأنعام الآية 116.

فلن تستطيع أي انظمة بشرية مهما بلغت أن تحقق التعايش السلمي بين الشعوب وكذلك التعايش السلمي داخل المجتمع نفسه كما فعلت الشريعة الاسلاميه والسبب أنها أنظمة وقوانين ربانية أنزلها من خلق البشر وهو أعرف ما يصلح حالهم ، قال الله تعالى :" أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. " سورة الملك الآية 14.

رأي الكتاب المقدس في الديمقراطية

 أما الكتاب المقدس فقد ألقى بالديمقراطية كلية يقول بولس في رسالته إلى أهل رومية (13/1): (1 لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة, لأنه ليس سلطان إلا من الله, والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله, 2 حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله, والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة. 3 فإن الحكام ليسوا خوفا للأعمال الصالحة بل للشريرة. أفتريد أن لا تخاف السلطان؟ افعل الصلاح فيكون لك مدح منه, 4 لأنه خادم الله للصلاح! ولكن إن فعلت الشر فخف, لأنه لا يحمل السيف عبثا, إذ هو خادم الله, منتقم للغضب من الذي يفعل الشر. 5 لذلك يلزم أن يخضع له, ليس بسبب الغضب فقط, بل أيضا بسبب الضمير. 6 فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضا, إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه. 7 فأعطوا الجميع حقوقهم: الجزية لمن له الجزية. الجباية لمن له الجباية. والخوف لمن له الخوف. والإكرام لمن له الإكرام.)

الشريعة الإسلامية وحرية التعبير

 نصت الشريعة الإسلامية على حرية التعبير المنضبطة بضوابط الشرع التي تُصلح المجتمع ولا تفسده وتجمع وتألف بين أفراده ولاتفرقهم وتحقق أهدافهم المشتركة، وليست الحرية التي لا ضابط لها فتهدم ولا تبني وتفسد ولاتصلح وتورث العداوة بين أفراد المجتمع، حرية لا تعتدي على حقوق الآخرين وتنتهكها ، قال الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. " سورة الحجرات الآية 11.

في حين نرى برامج النقد الهزلي تملأ وسائل الإعلام في كثير من بلاد العالم التي تدعي التحضر والرقي غير مكترثين لشعور الذين ينتقدوهم بأسلوبهم الهزلي المهين, وتلك السخرية التي تسميها القوانين الوضعية بحرية الرأي وتضمن حريتها! ولقد ثبت أن هذه البرامج في بعض البلدان برامج مسيسة ولا علاقة لها بحرية التعبير, حيث يتم تمويلها من جهات أو أحزاب سياسية معينة لإضعاف خصومهم السياسيين وإسقاط شعبيتهم.

 أما حرية الرأي في الشريعة فهي مقيده بضوابط لو تجاوزتها لأصبحت تعدي على حقوق الأفراد أو المجتمع نفسه، فمثلاً قضية الاستهزاء برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ماهي النتائج المرجوة من ورائها بل ما هي المكتسبات الايجابية التي ستتحقق من هذا؟ أليس في هذا إشاعة لروح الكراهية بين الشعوب بل بين من يدين بالإسلام ومن لا يدين به من أفراد المجتمع نفسه، هل التعدي على الأموات وعدم احترامهم مظهر حضاري قبل أن يكون ديني ؟ وأعتقد أن من تجرأ على هذا وأيده لو سُب أحد والديه أو أبناءه أو حتى لاعبه أو فنانه المفضل لما وقف مكتوف الأيدي بل سيناضل بالدفاع عنه بشتى الوسائل، علماً أن تلك البلدان التي تم فيها الإساءة لنبي من أنبياء الله تحت مظلة حرية التعبير, تجرم تشريعاتها الإساءة بأي شكل لرئيس الدولة أو لرئيس الوزراء أو النيل من هيبته!! ألا يمكن الإساءة لرئيس الدولة عن طريق رسم كاريكاتوري أو ما شابه تحت مظلة حرية التعبير أيضا؟!!

وقد نهى الإسلام عن سب معتقدات الآخرين حتى لايشعل الفتن ويقضي على التطرف في المجتمعات, ولهذا فالواجب على العقلاء أن يأخذوا على أيدي من يريد إثارة الفتن وإشعال العداوات بين الشعوب والتي قد يكون نتيجتها حروب تأكل الأخضر واليابس، قال الله تعالى :" وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ." سورة الأنعام الآية 108.

علماً أن قضية الإستهزاء به صلى الله عليه وسلم ليست عملاً مستحدثاً أو وليدا لهذا العصر, بل بدأت منذ بعثته صلى الله عليه وسلم ، فقال أعداءه عنه كاذب وكاهن وشاعر ومجنون، و سطرهذا القرآن الكريم بقوله: " وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" سورة الحجر الآية 97 – 99.

وتقييد حرية التعبير ليس حكراً على الشريعة الإسلامية فقط, فالمجتمعات الأخرى تقيد حريات أفرادها وفق معتقداتها ومصالح شعوبها، بريطانيا مثلا منعت من نشر فيلم عن المسيح عليه السلام بحجة أن الدين المسيحي من النظام العام الذي يجب احترامه ومراعاته. وأيضا الكثير من الدول تقيد من حرية التعبير لأفرادها إن مست تلك الحرية اليهود أو شككت في الهولوكوست, حيث تقوم تلك الدول باتهام الفاعل بمعاداة السامية ويعاقب على ذلك بالسجن.

ولقد هيأت الشريعة الإسلامية للحرية التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر البيئة الصالحة التي تنمو فيها وتستقر فأعطت كل فرد الحق في المشاركة وإبداء الرأي فيما يخص المجتمع ولم ينزل فيه توجيه رباني وجعلته محل التداول والمشورة بينهم ، فقال لله تعالى :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)

 وأوجبت أن تكون حرية الرأي حرية مسؤولة غير تابعة لكي تستطيع أن تميز بين الحق والباطل، لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : "لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا" سنن الترمذي, صح موقوفا.

ولم تكن هذه الحرية مجرد نظريات أو حكراً على فئة دون فئة بل متاحة للجميع وفق ضوابطها الشرعية، طبقها المبعوث رحمة للعالمين تطبيقاً عملياً لتقتدي به أمته من بعده، يقول أبو سعيد الخدري قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينا كان عليه فاشتد عليه حتى قال له: أحرج عليك إلا قضيتني، فانتهره أصحابه وقالوا: ويحك تدري من تكلم؟ قال: إني أطلب حقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلا مع صاحب الحق كنتم، ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها: إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك، فقالت: نعم بأبي أنت يا رسول الله، قال: فأقرضته فقضى الأعرابي وأطعمه، فقال: أوفيت أوفى الله لك، فقال: أولئك خيار الناس، إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع" صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه وصحيح الجامع: 1857.

 فاقتدى به أصحابه من بعده ولما بويع لأبي بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة رقي المنبر فخطب في الناس خطبة إشتملت على أصول الولاية العامة في الإسلام مما لم تحققه الأمم ولن تحققه في ظل تشريعات بشرية تخضع للأهواء والمتغيرات السياسية والاقتصادية ، فقال : يا أيها الناس, قد وليت عليكم ولست بخيركم, فإن رأيتموني على حق فأعينوني, وإن رأيتموني على باطل فسددوني. أطيعوني ما أطعت الله فيكم, فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم, ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق منه, وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق له, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.)[45] (السيرة النبوية لابن هشام, والطبقات لابن سعد, والبداية والنهاية لابن كثير وقال هذا اسناد صحيح).

حرية التعبير الدينية: نصت الشريعة الإسلامية على ضمان حرية الإعتقاد لغير المسلمين من اليهود والنصارى دون اضطهاد, فلا يجبر أحدهم على ترك دينه وإعتناق الإسلام, قال الله تعالى: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" سورة البقرة 256, في حين أن التاريخ يذكر لنا الاضطهاد الذي مارسته طوائف النصرانية ضد بعضها البعض بسبب الإختلاف في المعتقد.

حرية التعبير العلمية: ونصت الشريعة الإسلامية على حرية التعبير في العلم والتعلم ورفعت من مكانة العلماء عاليا, في حين أن التاريخ يذكر لنا الصراع العنيف بين الكنيسة والعلم والعلماء وكبت حرية التعبير العلمية.

بل وقد أوجبت الشريعة الإسلامية على كل فرد مسلم أن يسعى لتحصيل العلم والتعلم، يقول صلى الله عليه وسلم :" طلَبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ" رواه أبو داود وابن ماجه وهو في صحيح الجامع.

وقد رفعت الشريعة الإسلامية من مكانة العلماء عاليا، يقول الله تعالى :" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " سورة المجادلة 11.

حرية التعبير في الكتاب المقدس:

كما رأينا في رسالة بولس إلى أهل رومية (13/1), فقد أطاحت تلك الرسالة بكل معاني الديمقراطية وحرية التعبير، بل وأسست قواعد الديكتاتورية والسلطوية والخضوع للسلطان خضوعا مطلقا.


الفصل السادس

·        الجهاد في الشريعة الإسلامية

·        حال الكرة الأرضية قبل ووقت وبعد ظهور الإسلام:

·        الشعوب على دين ملوكهم:

·        فرض النصرانية بحد السيف:

·        الجهاد وضمان حرية الاعتقاد

·         رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم للدفاع عن النصارى:

·        الجهاد في الاسلام وأقسامه

1.     مراحل الجهاد

2.     موانع الجهاد

3.     الهدف من الجهاد

4.     المستهدف من الجهاد

5.     ضوابط الجهاد

·        هل كل حرب من المسلمين جهاد.

·        الحرب المقدسة .

·        الفرق بين الجهاد والحرب .

·        الجهاد في الكتاب المقدس


 الفصل السادس الجهاد في الشريعة الإسلامية

 هذا الفصل ليس كافيا لتغطية التعريف بالجهاد وأسبابه وأهدافه وأخلاقه, ولكن سنتناول الأمر بشيئ من الإختصار حتى نعطي للقارئ الكريم فكرة موجزة عن موضوع الجهاد في سبيل الله الذي وجده الكارهون لشرع الله مدخلاً لتشويه الشريعة الإسلامية والتخويف منها والتي سيتضح من خلال الطرح أنه رحمة للبشرية جمعاء .

حال الكرة الأرضية قبل ووقت وبعد ظهور الإسلام:

 من يستطلع تاريخ الأمم والحضارات كلها عبر التاريخ يجد أن الكرة الأرضية كانت عبارة عن كتلة مشتعلة من الحروب التي وقودها المال والرجال, فكم خربت مدن, وانهار من اقتصاد, ورمل من النساء, ويتم من الأطفال, وإنتهكت بأسبابها جميع الحقوق لملايين من البشر هم ضحايا تلك الحروب في كل مكان, ففي قارة أوروبا وحدها لم تستقر دولة واحدة على حالها أو حدودها لبرهة من الزمن, بل كانت دائما متغيرة الحدود بسبب غزو من ناحية الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب, ولم تهدأ نار الحروب بين الدول ليوم واحد, وكانت الدول إما دولة تعطي الجزية (مُسيْطَر عليها) أو دولة تحصلها (مُسيطِرة), وكان الهدف من فرض الجزية هو معرفة استمرار الولاء من عدمه, فلو توقفت دولة عن دفع الجزية للدولة المسيطرة أعتبر بمثابة إعلان حرب عليها.

الشعوب على دين ملوكهم:

 هذا هو حال البشر قبل ظهور الإسلام تبعية في اعتقادهم لعقائد ملوكهم , حيث لم يكن ليجرأ مواطن من الإمبراطورية البيزنطية على سبيل المثال أن يعتنق المجوسية دين الإمبراطورية الفارسية, وإلا اعتبر خائنا للإمبراطور ويحكم عليه بالقتل والصلب لاعتناقه دين الأعداء, والعكس كذلك. والأدهى من ذلك تلك الحروب التي قامت بين الطوائف النصرانية بسبب اختلاف بعضها مع بعض في المعتقد, والمثال على ذلك الدولة الرومانية التي اضطهدت المصريين القبط بسبب كونهم نصارى في حين كان الدين الرسمي لها الوثنية, وبعد أن اعتنقت الدولة الرومانية الدين النصراني وأصبح الدين الرسمي لها استمرت في اضطهادها ومذابحها للمصريين النصارى بسبب اختلافهم معها في الطائفة!!

فرض النصرانية بحد السيف:

 كان النصارى يشكلون جماعة صغيرة ومضطهدة في الإمبراطورية الرومانية, ولكن باعتناق قسطنطين الأول للنصرانية قويت شوكة النصرانية وأصبحت الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية, وعلى إثر هذا انقلب الحال حيث تم اضطهاد جميع الوثنيين وتدمير معابدهم أو تحويلها لكنائس, بل وتم اضطهاد النصارى المخالفين في الطائفة فعلى سبيل المثال :-

·        في عهد ثيودوسيوس الأول تم إعلان النصرانية بأنها الديانة الوحيدة التي سيتم قبولها في الإمبراطورية الرومانية, فتم إحراق مكتبة الإسكندرية بحجة أنها تحوي كتبا وثنية, وإلغاء الألعاب الأوليمبية اليونانية بحجة أنها عادات وثنية.

·        في عام 772 ميلادية قام الملك شارلمان[46] بمحاربة الساكسون[47] لمدة 33 عاما ليفرض عليهم النصرانية بحد السيف, وكانت من جرائمه مذبحة فيردن[48] حيث ذبح 4500 أسير من الساكسون بسبب رفضهم اعتناق النصرانية, وبمجرد مغادرة جيش شارلمان رد الساكسون على تلك المذبحة بحرق الكنائس وذبح القساوسة إنتقاما لما حدث, وأصدر شارلمان قانون[49] يقضي بقتل كل من يرفض من الساكسون إعتناق النصرانية. 3

·        بين عامي 1929 و1945 قامت الحركة الثورية الكرواتية[50] بعمل مذابح ضد الصرب الارثوذكس وإرغامهم على إعتناق المذهب الكاثوليكي, مخلفة مئات الآلاف من الضحايا الصرب.

·        الأطفال المسروقة أو الأجيال المسروقة فبين عامي 1909 و1970 قامت الحكومة الأسترالية والكنيسة الأسترالية بإنتزاع الأطفال من أبويهم من السكان الأصليين الأبوريجن بالقوة وإبعادهم عنهم وتنصيرهم.

·        في عام 2007 قدم بابا الفاتيكان إعتذارا لسكان قارة أمريكا اللاتينية عن المذابح والاضطهاد والمعاناة التي قاسوها من حملات التنصير الجبري التي مارسها عليهم المستعمر الإسباني[51].

·         فيما بين القرن السادس عشر والسابع عشر قام المستعمر البرتغالي باضطهاد وتعذيب وذبح من يرفض إعتناق النصرانية من سكان مدينة جوا الهندية, وقد قام المستعمر بتدمير أكثر من 300 معبد هندوسي, فضلا عن تحريم القساوسة للهندوس من قراءة كتبهم البوذية المقدسة وعقاب المخالفين بقسوة, وإجبار الأطفال فيما فوق الخمسة عشر عاما للإستماع للتبشير النصراني, وفرض اللغة البرتغالية على السكان الهندوس وتحريم إستخدام لغتهم الأصلية.

 هذه فقط نبذة مختصرة عن فرض النصرانية على الناس بحد السيف واضطهاد أصحاب الأديان الآخرى، فضلا عن ذلك أضف الحروب التي اشتعلت بين الطوائف النصرانية فيما بينها من الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس بسبب الإختلاف في الطائفة واضطهاد بعضهم بعضا, فمن الأمثلة التي توضيح مدى الكراهية بين الطوائف النصرانية :

·        مذابح ضد طائفة الكاثاري من الكاثوليك في إقليم لانجويدوك بجنوب فرنسا من عام 1209 وحتى 1229, حيث أعلن البابا إنوسينت الثالث الحملة الصليبية على طائفة الكاثاري لإستئصالهم مما أدى إلى مذابح وصل عدد ضحاياها إلى مليون ضحية خلال 20 عاما من الحروب ضدهم. وكانت أول تلك المذابح هي مذبحة مدينة بيزييه عام 1209 حيث تم ذبح كل سكان تلك المدينة وإحراق المدينة بالكامل بعد حصار شديد حولها[52].

·         مذبحة مدينة ميريندول, فرنسا عام 1545,حيث قتل آلاف النصارى من طائفة الوالدينسييان على يد الكاثوليك[53].

·         مذبحة مدينة تولوز, فرنسا عام 1562 حيث قتل 5000 بروتستاني على يد الكاثوليك وتهجير البروتستانت من المدينة[54].

·         مذبحة فاسي أو واسي, فرنسا عام 1562 من الكاثوليك ضد البروتستانت, وأشعلت تلك المذبحة الحروب الدينية الفرنسية وعددها ثمانية حروب ضد البروتستانت[55].

·         مذبحة عيد القديس ميخائيل بمدينة نيم, فرنسا عام 1567 حيث نفذ البروتستانت مذبحة للكاثوليك بالمدينة وكان ضمن الضحايا 24 قسيسا كاثوليكيا ردا على اضطهاد الكاثوليك لهم[56].

·         مذبحة بارثولوميوس, فرنسا عام 1572 حيث قتل 30 ألف من البروتستانت على يد الكاثوليك[57].

·        العديد من المذابح ضد البروتستانت من الكاثوليك وأيضا ضد الكاثوليك من البروتستانت أثناء حرب الإحدى عشر عاما بين الأيرلنديين الكاثوليك وبين البرلمانيين الإنجليز والإسكوتلانديين البروتستانت, أيرلندا (1641 –1652) [58].

·         المذابح والاضطهاد ضد الآلاف من طائفة تجديد المعمودية (الأنابابتيست) من كلا من الكاثوليك وأيضا البروتستانت, فيما بين عامي 1525 و 1660 مما أدى إلى هجرات واسعة لمعتنقي تلك الطائفة لقارة أمريكا الشمالية[59].

·         في عام 1656 كتب مكاريوس الثالث بطريرك أنطاكية عن المذابح التي إرتكبها البولنديين الكاثوليك ضد النصارى أتباع الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية, مشيرا إلى أن عدد الذين قتلوا في تلك المذابح تراوح بين السبعين والثمانين ألف[60].

هذا نزر يسير من فيض غزير من الحروب والصراعات والمذابح والاضطهادات التي مارسها أتباع الديانة النصرانية ضد بعضهم البعض، وبعد هذا الاستطراد لنلقي نظرة عن الجهاد في الإسلام ليتضح لذوي العقول أنه رحمة للبشريه وليس كما يتخيله من رضع من ثدي وسائل الإعلام المغرضة والمسيسة .

الجهاد وضمان حرية الاعتقاد

لكي نعرف مدى ضمان الإسلام لحرية الاعتقاد يجب معرفة الأهداف الحقيقية للجهاد وحتى تتضح الصورة أكثر نبدأ بالتدرج في تحليل مدلول كلمة الجهاد ولها مدلولان جهاد عام وجهاد خاص.

1.     الجهاد العام ينقسم الى قسمين :

§        جهاد النفس: بأن يجاهد الشخص نفسه على تعلم الدين والعمل به والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه، وكذلك مجاهدتها على ترك المحرمات وفعل الواجبات حسب القدرة والاستطاعة طلباً لمرضاة الله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" المجاهد من جاهد نفسه لله عز وجل" صحيح ابن حبان, وصحيح أبي داود 2258.

§        جهاد الشيطان: وهو جهاده باليقين على ما يوسوسه إليه من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان. والصبر على ما يوسوسه إليه من الشهوات والفساد. يقول الله تعالى :" وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. " سورة فصلت الآية 36.

 والجهاد العام هو الجهاد الحقيقي مادام الإنسان يجاهد نفسه وشيطانه كونه يلازم المسلم طوال حياته فلا ينفك عنه، كذلك جميع أعمال البر التي يعملها المسلم ويحتسبها خالصة لله جهاد ومنها :

§        الحج لبيت الله الحرام من الجهاد وذلك لما فيه من المشقة والصبر على الأذى وبذل المال لله ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل, أفلا نجاهد؟ فقال: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور") البخاري.

§        الصدع بالحق قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر, أو أمير جائر) (صحيح أبي داود).

§        تبليغ الإسلام لغير المسلمين بالدعوة إليه بالبيان والحجة والقرآن والصبر على تكذيب من كذب هو من الجهاد، يقول الله تعالى :" وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ( (52" سورة الفرقان

§        الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الجهاد وهو طريق الرسل وأتباعهم من بعدهم ، يقول رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" ما من نَبِيٍّ بَعَثَهُ الله في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مالا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مالا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" مسلم

§        الإحسان إلى الناس وعدم إيذائهم والعمل على إدخال السرور عليهم والصبر على آذاهم من الجهاد، يقول صلى الله عليه وسلم :" السَّاعِي على الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللَّهِ أو الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ " البخاري

§        السفر لطلب العلم من الجهاد، يقول صلى الله عليه وسلم :" من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع " الترمذي وقال حديث حسن, وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 88.

§        تعليم العلم من الجهاد، يقول صلى الله عليه وسلم :"من جاء مَسْجِدِي هذا لم يَأْتِهِ إلا لِخَيْرٍ يَتَعَلَّمُهُ أو يُعَلِّمُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ جاء لِغَيْرِ ذلك فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إلى مَتَاعِ غَيْرِهِ" صحيح ابن ماجه, صحيح الجامع 6184.

§        بر الوالدين جهاد، فقد جاء رَجُلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ في الْجِهَادِ فقال:" (أَحَيٌّ وَالِدَاكَ) قال: نعم, قال: (فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ)" صحيح البخاري.

§        الأمانه وعدم الخيانة والمحافظة على ما استأمن عليه من العمل للناس أو المجتمع من الجهاد ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته " أخرجه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 774.

2.     الجهاد الخاص (جهاد الدفع وجهاد الطلب): يقول الله تعالى :"وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا" سورة النساء الآية 75.

وينقسم الجهاد الخاص إلى قسمين:

§        جهاد الدفع: وهو قسمان :-

1.     جهاد خارجي: ويكون بدفع الظلم وإبعاده بقتال من يعتدي على ديار المسلمين أو أعراضهم أو أموالهم أودينهم وهذا حق مشروع للناس جميعاً أما الحرب للمصالح الدنيوية كبسط النفوذ واستعراض القوى و الحرب الانتقامية فقد منعها الإسلام.

2.     جهاد داخلي وهو نوعان :

v    جهاد أفراد: ويكون بالدفاع عن النفس أو عن الغير من معتدٍ يريد السرقة أو القتل أو الاعتداء, ويكون هذا الجهاد إما باليد أي بإبعاد المعتدي وإيقافه عند حده, فإن عجز فيكون باللسان أي بالكلام, وإن عجز فيكون بالقلب بإنكار هذا الفعل في قلبه, وذلك النوع الأخير هام جدا وأهميته هي إحياء القلوب فتنكر الظلم ولا تتعود على رؤيته ، يقول صلى الله عليه وسلم :" مَن رأى مِنكُم مُنكرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ ، فإن لَم يَستَطِع فبِلسانِهِ ، فإن لم يستَطِعْ فبقَلبِهِ . وذلِكَ أضعَفُ الإيمانِ. صحيح مسلم.

v    جهاد جماعات: وهو قتال الفئة الباغية من المسلمين حتى ترجع إلى الحق قال الله تعالى:"وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" سورة الحجرات الآية 9.

وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما". قلنا: يا رسول الله نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: "تكفه عن الظلم فذاك نصرك إياه". أخرجه البخاري وأحمد والترمذي.

§        جهاد الطلب :

لكي نفهم ما هو جهاد الطلب فسوف نعرض بعضا من رسائل النبي صلى الله عليه وسلم التي وجّهها لهرقل إمبراطور بيزنطة وإلى المقوقس حاكم الإسكندرية حتى ننظر إلى الأحداث بخلفياتها وليس بوقائعها فقط:

 رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم للدفاع عن النصارى:

 انتقد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الظلم الواقع من النصارى بعضهم على بعض وظلمهم لأنفسهم باشراكهم بالله وكتب هذا في رسالته لهرقل عظيم الروم, فكان في رسالته : "بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم, سلام على من اتبع الهدى, أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام, أسلم تسلم, وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين, وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين, و(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).) صحيح مسلم.

وخاطب أيضاً المقوقس عظيم القبط حاكم الإسكندرية , فكان في رسالته: "بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط, سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام, أسلم تسلم, وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين, فإن توليت فإن عليك إثم القبط) زاد المعاد (3/603).

 فقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالتيه وعاتب هرقل والمقوقس على المذابح التي تمت ضد طائفة الآريسيين[61] وضد الأقباط في مصر. وجدير بالذكر أن الآريوسية ليست فقط طائفة وإنما كانت أوروبا كلها تغلب عليها الآريوسية, وقد ذكر القسيس جيروم ذلك قائلا: "إستيقظ العالم متأوها ليجد نفسه أريوسيا!![62] ".

 ولكن تلك الفظائع التي تمت ضد الآريسيين يحاول الكثير إخفاءها, ولعل من يريد الإطلاع عليها يرجع للكتب التي ذكرت بعض من تلك الفظائع التي تمت ضدهم.

وكما ذكرنا سابقا أن القاعدة التي كان معمول بها قديما في جميع أنحاء العالم هي "الشعوب على دين ملوكهم إجبارا, وليس لأحد أن يعتنق الدين الذي يعتقد فيه", ولهذا فإن جهاد الطلب هو الجهاد الذي يخرج فيه جيش المسلمين لإيصال ونشر رسالة الإسلام للشعوب وإعلاء كلمة الله وإلغاء تحكم الحكام في إجبار الشعوب على إعتناق دينهم ومنعهم من إعتناق دين الإسلام, وسيأتي شرح هذا بالتفصيل بالأسفل. وفي هذا النوع من الجهاد ينعكس الترتيب السابق, فلا يكون إبتداءا باليد ثم باللسان ثم بالقلب, وإنما يكون إبتداءا باللسان ثم باليد، ويشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون بإذن إمام المسلمين, وقد قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد, فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع, إذا فاجأهم عدو يخافونه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعيّن القتال إذاً. وإنما لم يجز ذلك لأن الأمر منوط بالإمام فالغزو بلا إذنه افتيات عليه وتعد على حدوده, ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا من دون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى. كل من شاء ركب فرسه وغزا. ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة"[63].

 وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين أيضا شرطا هاما لجهاد الطلب وهو القدرة عليه فقال: "لا بد فيه من شرط, وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال, فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة, ولهذا لم يوجب الله ـ سبحانه وتعالى ـ على المسلمين القتال وهم في مكة, لأنهم عاجزون ضعفاء, فلما هاجروا إلى المدينة وكوّنوا الدولة الإسلامية وصار لهم شوكة أُمروا بالقتال, وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط, وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات, لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة"[64].

مراحل جهاد الطلب : لجهاد الطلب مراحل ثلاث يشترط فيها التسلسل هي:-

1.     الدعوة: حيث يقوم إمام المسلمين بإرسال دعوة إلى ملك معين يدعوه فيها إلى الإسلام, ولذلك الملك مطلق الحرية في قبول الدعوة والدخول في الإسلام أو البقاء على دينه.

2.     الجزية: الجزية هي نظام عالمي معمول به في العالم كله منذ قديم الزمان وحتى الآن, فهي رمز الولاء أو المهادنة والسلام, وقد كانت كل دول العالم إما دولة تأخذ الجزية (مبلغ مالي معين) أو دولة تدفع الجزية لدولة آخرى, وكان معنى توقف الدولة عن دفع الجزية رفض الولاء لها أو المهادنة معها وإستعدادها لشن حرب عليها. ونظام الجزية معمول به حتى الآن فالعالم كله منقسم في تحالفات كثيرة, حيث أن كل دولة من الدول العظمى تقوم بتكوين تحالفات دولية مع الدول الأصغر منها داعمة إياهم سياسيا أو عسكريا ...إلخ, ومقابل هذا الدعم تحصل الدولة العظمى على مميزات أو منافع مالية خاصة مثل أن تسمح لها إحدى الدول الموالية لها بإستغلال ميناء بحري على أراضيها لعمل قاعدة عسكرية لها , أو أن تحصل الدولة العظمى على منتجات الدول الآخرى من ماس أو يورانيوم أو حديد أو بترول بأسعار بخسة, أو تحصل على مميزات خاصة للإستثمار الإقتصادي بها, وما إلى ذلك, وكل هذا يعتبر عربون للصداقة وللدعم السياسي والعسكري, فلو قامت دولة آخرى بالاعتداء على الدولة الموالية لإحدى الدول الكبرى قامت تلك الدولة العظمى بالتدخل عسكريا والدفاع عنها, وهذا هو ما يعرف بنظام الجزية.

 وللملك المدعو للدخول في الإسلام حق رفض الدعوة والإحتفاظ بسلطانه , فلا يهاجمه أحد ولا يعزله أحد, ولكن يطلب منه دفع الجزية وهي مقدار مالي نظير الحماية التي سيتمتع بها في ظل الدولة الإسلامية ، فطالما أن حدود دولته تلاصق الدولة الإسلامية فهذا يعتبرعقد الهدنة المعمول به في كل دول العالم كما أشرنا, فهي ضمان لعدم مهاجمته للدولة الإسلامية, بل وفي حالة هاجمه جيش آخر عندئذ وجب على المسلمون رد الاعتداء عنه ومحاربة المعتدي.

 ويجب التنبية على أن قبول الملك لدفع الجزية ليس معناه حريته في أن يفعل ما يشاء في شعبه فيستعبدهم ويقمعهم ويفرض عليهم دينه، بل يجب عليه ألا يحارب الإسلام وأهله, وأن لا يحول بين دعاة المسلمين وشعبه, بل يتركهم يدعون الناس للدخول في الإسلام, فمن شاء منهم من اليهود والنصارى أن يسلم فلا يضطهد ومن أراد أن يظل على دينه فله ذلك ، قال الله تعالى: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها" سورة الكهف الآية 29,.

3.     القتال: لو رفض الملك ما ذكرنا من الدخول في الإسلام أو دفع الجزية وعدم اضطهاد شعبه, عندها فقط سمح لجيش المسلمين أن يخوضوا قتالا ضد هذا الملك وجنوده المقاتلين معه, أما الشعب فلا علاقة لهم, فلا يقتل غير المحاربين ولا يعتدي على النساء أو الأطفال أو الشيوخ أو الرهبان أو المسالمين بوجه عام.

موانع جهاد الطلب: وجهاد الطلب ليس على إطلاقه بل له موانع منها :-

v    عدم قدرة المسلمين واستطاعتهم على القتال, لضعف قوتهم أو قلة عددهم.

v    وجود عقد أو معاهدة مع الكفار فلا يجوز نقضها , وهذا مشاهد في عصرنا الحاضر فمعظم دول العالم بينها وبين بعضها البعض العديد من المعاهدات والشراكات.

v    وجود مصلحة ظاهرة في عدم القتال مع قدرتهم عليه فلهم ذلك, كما في صلح الحديبية.

الهدف من الجهاد:

 كثيرا ما تتكرر في بعض وسائل الإعلام التي لا تبث إلا السموم ولا تذيع إلا الكذب لتحقيق أجندات سياسية معينة عبارة أن الجهاد غزو للعالم ليكون تحت حكومة واحدة وهذا الكلام غير صحيح يكذبه قول الله تعالى: " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) " سورة هود.

 وتتضح أهداف الجهاد الحقيقية في قول الله تعالى: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" سورة الحج الآية 39-41.

 وهكذا نرى أن هدف الجهاد هو الدفاع عن الحق والدين ودفع الظلم , ينتفع به اليهود والنصارى والمسلمين, وليس هو دفاعا لنفع المسلمين خاصة[65]. فلولا ما شرعه الله من دفع الظلم والباطل بالقتال لهزم الحق ولخربت الأرض وهدمت أماكن العبادة من صوامع الرهبان, وكنائس النصارى, ومعابد اليهود, ومساجد المسلمين[66]. ونرى في الآية الكريمة نتيجة الجهاد أو ماذا بعد الجهاد بعد أن انتصر أهل الحق على أهل الطغيان والظلم والباطل, حيث توضح الآية أن على المجاهدين الإلتزام بهدف الجهاد وهو الإصلاح وليس نشر الفساد, فيقيموا الصلاة فلا يتجبروا في الأرض ، وأن يخرجوا زكاة أموالهم لمستحقيها من الفقراء والمحتاجين ولايستولوا على أموال الناس وثرواتهم, وأن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر .

المستهدف بالجهاد:

 إذا كان الجهاد هو لحماية الحق وإعلاء كلمة الله وحماية المستضعفين إذا فمن المستهدف بالجهاد؟!! بين الله تبارك الله وتعالى المستهدفين بالجهاد في قوله تعالى :"لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" سورة الممتحنة الآية 8-9

يقول ابن عباس: (كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: كانوا مشركي أهل حرب, يقاتلهم ويقاتلونه, ومشركي أهل عهد, لا يقاتلهم ولا يقاتلونه) البخاري. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله, لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما) ابن ماجه صحيح. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: (ألا من قتل نفسا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله, فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا) الترمذي - صحيح. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ("إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما". أو قال "ذمة وصهرا") مسلم.

ولعلنا الآن نرى ماذا ذكرت كتب النصارى أنفسهم عن مدى تسامح وعدم اضطهاد المسلمين لهم, فقد ذكر في "كتاب السنكسار"[67] الذي هو من أهم كتب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, وهو الكتاب الجامع لسير الأنبياء والشهداء والقديسيين, عن قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه والبابا بنيامين الأول[68], والتي من خلالها نستطيع أن نرى من المستهدف بالجهاد وكيفية تعامل المسلمين مع الشعوب, بل وسنرى من القصة من الذي كان حقا يضطهد الشعوب : "أنه بسبب مذابح الإمبراطورية البيزنطية واضطهادهم للأقباط المصريين, إضطر الأنبا بنيامين الأول بابا الإسكندرية إلى الهرب هو وأساقفته في الجبال لمدة 13 عاما, وبعد الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص -رضي الله عنه- ذهب عمرو بن العاص لفتح مدينة الإسكندرية ومحاربة الروم هناك لطردهم خارجها, فحدث شغب واضطراب للأمن, واستغل الفرصة بعض الأشرار فأحرقوا الكنائس والأديرة, وكان من ضمنها كنيسة القديس مرقس[69] ونهبوا كل ما فيها, ودخل رجل بحار في تلك الكنيسة وأدلى يده داخل تابوت القديس مرقس ظانا منه أن به مالا, فلم يجد إلا الجسد وأخذ ما عليه من الثياب, وأخذ رأس القديس مرقس معه وخبأها في سفينته. أما عمرو بن العاص فلما علم باختفاء البابا بنيامين, أرسل كتابا إلى سائر المدن المصرية يقول فيه: "الموضع الذي فيه بنيامين بطريرك النصارى القبط له العهد والأمان والسلام, فليحضر آمنا مطمئنا ليدبر شعبه وكنائسه, فحضر الأنبا بنيامين بعد أن قضي ثلاثة عشرة سنة هاربا, وأكرمه عمرو بن العاص إكراما زائدا وأمر أن يتسلم كنائسه وأملاكها". ولما قصد جيش عمرو مغادرة الإسكندرية إلى الخمس مدن, توقفت إحدى السفن ولم تتحرك من مكانها, فقام جيش عمرو بإستجواب ربانها وبتفتيشها فعثروا على رأس القديس مرقس. فدعوا البابا بنيامين فحملها وسار بها ومعه الكهنة والشعب وهم يرتلون فرحين حتى وصلوا إلى الكنيسة.".

تدرج حكم الجهاد من النهي إلى الفرضية:

1-    النهي عن القتال: كان الجهاد بالقتال في بداية الدعوة الإسلامية منهيا عنه للمسلمين, قال الله تعالى:" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ " سورة النساء الآية 7.

2-    الإذن بالقتال: ثم أذن للمسلمين بالجهاد لما بدأ المشركون في التضييق عليهم في سبل معيشتهم واجبارهم على ترك ديارهم, قال الله تعالى: " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ " سورة الحج الآية 39-41.

3-    الدفع بالقتال: ثم جاء الأمر بالجهاد إذا اعتدى المشركون على المسلمين وبدأوا بقتالهم, قال الله تعالى:" وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " سورة البقرة الآية 190.

4-    الأمر بالقتال : لما ظهر الإسلام وانتشر وبدأ الناس يدخلون فيه أفواجا, وكثر أعداؤه الخارجيين من الدول المجاورة للدولة الإسلامية الذين رأوا أن فيه خطراً عليهم, أمر الله تعالى المسلمين بجهاد الطلب لإيصال وتبليغ رسالة التوحيد للشعوب ونشر الدين وإعلاء كلمة الله, ومخاطبة الملوك والحكام ودعوتهم إلى الإسلام، يهدفون لإعلاء كلمة التوحيد وإحقاق العدل ونشره وليس التوسع والسيطرة وبسط النفوذ والاستعلاء والتكبر في الأرض أو الانتقام الذي نتيجته الخراب والتدمير،قال الله تعالى :" وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ " سورة الأنفال الآية 47.

 ولقد بين القرآن الاضطهاد الذي كان ينال المؤمنين بالله من النصارى على أيدي قومهم المشركين قبل ظهور الاسلام وخلد الله قصة اضطهادهم في القرآن الكريم ليبين أن الهدف الحقيقي هو رفع الظلم عن المؤمنين سواءً كانوا نصارى أو يهود أو مسلمين : قال الله تعالى: "قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" سورة البروج الآية 4.

 فقد نزلت هذه الآيات في القرآن الكريم لتخلد قصة قوم مؤمنين من نصارى اليمن كانوا قبل بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, تم تعذيبهم من أبناء بلدتهم بسبب أنهم مؤمنين بالله تعالى, فحفروا لهم أخدوداً عظيما وأشعلوا فيه النيران وخيروهم بأن يعودوا عن دينهم أو يتم إلقاءهم في النيران, وهكذا ألقوهم بسبب إيمانهم بالله عزوجل وجلسوا فوق الأخدود يشاهدون عذابهم وإحراقهم.

ضوابط الجهاد في الاسلام :

 الجهاد في الإسلام له ضوابطه وآدابه التي تسمو به عن الظلم والجور والاعتداء ، فلا يقتل من الأعداء إلا من اشترك في القتال أوساعد عليه. ويحرم قتل الشيوخ والأطفال والنساء والمرضى والمداوون للمرضى والجرحى والأسرى وكذلك العبَّاد الذين فرغوا أنفسهم للعبادة !. ولا يجهز على جريح المعركة، ولا يمثل بالموتى، ولا يلاحق من فر من المعركة، ولا تقتل الحيوانات، ولا تهدم المنازل، ولا يتعرض لدور العبادة بسوء، ولا تلوث المياه والآبار، ولا تقطع الأشجار ولا تحرق...إلخ.

ولقد كانت هذه توجيهات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده للجيوش التي كانوا يسيرونها للجهاد، فقد كانت وصية خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقواد الجيوش: "قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: "لاتخونوا، ولا تغلوا، ولاتغدروا، ولاتمثلوا، ولاتقتلوا طفلاً صغيراً، ولاتقتلوا شيخاً ولا امرأة، ولاتعقروا نخلاً ولاتحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة. وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له."[70]

 أما أسرى الحرب في الإسلام فلهم حقوق: فلا يجوز تعذيبهم أو إذلالهم أو إرهابهم ولا صبرهم - بأن يمنع عنهم الطعام والشراب حتى الموت، بل إكرام ومعاملة بالحسنى، لقول الله تعالى: " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا " [71]

 وللدولة الإسلامية الحق في التعامل مع الأسرى وفق ما تقتضيه المصلحة العامة والإتفاقيات الدولية إما أن يطلق سراحهم بدون فداء، أو بفداء من مال، أو تبادل أسرى من المسلمين، يقول الله تعالى :" حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا " [72]

 أما بالنسبة لعامة الشعب من غير المسلمين في تلك الدولة التي دخلها المسلمون, فقد حرم الإسلام الاعتداء عليهم أو أذيتهم بأي شكل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله, لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما" ابن ماجه وصححه الألباني في الصحيحة: 2356.

 وحرم النيل من كرامتهم, فلا يهانون أويحقرون, ولا يظلمون أو يضطهدون، فقد قال رسول صلى الله عليه وسلم: " ألا مَن ظلمَ معاهَدًا، أوِ انتقصَهُ، أو كلَّفَهُ فوقَ طاقتِهِ، أو أخذَ منهُ شيئًا بغيرِ طيبِ نفسٍ، فأَنا حَجيجُهُ يومَ القيامةِ " أبو داود السلسلة الصحيحة: 445.

وقد كان صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه المجاهدين بالاحسان لأهل البلاد المفتوحة ومعاملتهم بالحسنى فيقول "إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما". أو قال "ذمة وصهرا" مسلم - صحيح.

 وخير دليل على تنفيذ وصيته صلى الله عليه وسلم ذلك العهد الذي أعطاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل بيت المقدس عندما دخلها فاتحاً فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل المقدس من أمان: أعطاهم أماناً على أنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم.... ولايكرهون على دينهم ولايضار أحد منهم...ألخ .

 فهل شهد التاريخ مثل هذا النبل والعدل والتسامح من جانب منتصر غالب إلى منهزم مغلوب؟! مع أنه رضي الله عنه كان بإمكانه أن يملي عليهم ما يشاء من الشروط! ولكنه العدل والسعي لنشر دين الله، وحب الخير للناس. وهذا يدل على أن الجهاد في الإسلام ليس لأطماع دنيوية.

هل كل حرب من المسلمين جهاد:

 يجب الأخذ في الاعتبار أنه ليس كل حرب تقوم بها أي دولة إسلامية هي جهاد, وليس كل من قاتل من المسلمين يعتبر مجاهداً, فالجهاد له شروط ونحن كمسلمين نفرق دائما بين مصطلح الجهاد وبين مصطلح الحرب, ولكن كثيرا من وسائل الإعلام في هذا العصر تحاول تشوية صورة الإسلام من خلال الجهاد بأي وسيلة لتحقيق أهداف سياسية معينة ، فهي تنظر إلى أي حرب قائمة في العالم فإن كانت تلك الحرب بين نصارى قالت: "قامت حرب بين دولة كذا ودولة كذا", ولا تربط بين تلك الحرب وبين دين المتحاربين, أما إذا كان أحد طرفي الحرب من المسلمين قالت: "مسلمون متطرفون مجاهدون يعلنون الحرب المقدسة على دولة نصرانية" والسؤال هنا: من خولهم بإطلاق لفظ الجهاد على تلك الحرب أو لفظ المجاهدين على هؤلاء المحاربين؟!! ولكي يعرفوا إن كانت تلك الحرب هي جهاد وإن كان المحاربين مجاهدين فعليهم وضع أهداف الجهاد وأخلاقه وشروطه أمامهم والنظر في مدى تطبيقه في تلك الحرب من عدمه!! ويجب العلم بأنه توجد العديد من الاعتبارات السياسية التي تحكم هذا العالم وعلاقات الدول ببعضها بعيداً عن مسمى الجهاد وهو حروب المصالح , فمثلا:

 1- في حرب القرم[73] عام 1853 بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية, قامت بريطانيا وفرنسا بالدخول في الحرب ضد الروس لمساندة حليفتهم الدولة العثمانية, وهذا بالطبع لاعتبارات سياسية وليس لاعتبارات دينية, فكلا من روسيا وبريطانيا وفرنسا دول نصرانية في حين أن الدولة التركية دولة مسلمة.

2- في عام 1854 استغلت اليونان والتي كانت تحت الحكم العثماني في تلك الفترة فرصة حرب القرم بين الروس والأتراك, فقامت بعمل ثورة إبيروس[74] ضد الأتراك لإخراجهم من اليونان, فكان الذي قمع تلك الثورة فرنسا وبريطانيا, حيث قامتا بمحاصرة الموانئ الرئيسية في اليونان ومنع الإمدادات عنها وقمع المشاركين في تلك الثورة, حتى تظل اليونان تحت الحكم العثماني وهي دولة اسلامية.

الحرب المقدسة :

 هل الجهاد في الاسلام حرب مقدسة من خلالها يكره الناس على ترك دينهم واعتناق الإسلام فتهدم كنائسهم ومعابدهم ؟ فجوابه بالطبع لا وذلك لوجود نصوص صريحه في القرآن الكريم تمنع اجبار الناس على ترك دينهم ومعتقداتهم واجبارهم على اعتناق الاسلام, يقول الله تعالى: " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ " سورة البقرة الآية 256

 فالجهاد لتبليغ دين الله للناس وليس إكراههم على إعتناقه ، لقول الله تعالى: " فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ " سورة آل عمران الآية 20,

 والسبب في عدم الإكراه أن الهداية للدين الحق ومعرفته واتباعه منحة ربانية يختص بها الله من يشاء من عباده ولا تأتي عن طريق الفرض والإجبار، لقوله تعالى :" لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ " سورة البقرة الآية 272,

 فلا يجوز إجبار غير المسلمين من اليهود والنصارى على الدخول في الإسلام وإن حدث فإن إسلامهم باطل, لأن إعتناق الإسلام من شرطه أن يكون عن طواعية ورغبة وليس عن إجبار وإكراه. ولقائل أن يقول ولكننا نرى في الفضائيات خبراً عن الاعتداء على كنيسة في دولة بها حرب قائمة, فنقول: قد يحتمل الخبر صحته وقد يحتمل عدم صحته, ولو فرض صحته فكم من مسجد دمر واعتدي عليه في نفس تلك الدولة أيضا؟!! ولو قال أن هناك نصارى قد تم قتلهم فنقول وكم من المسلمين أبيدوا هناك أيضاً ؟!! فعندما تتحدث عن دولة بها حرب عنيفة فمن الطبيعي أن تحدث مثل هذه الأمور التي لا علاقة لها بالاسلام وتعاليمه، فلا يطلق على هذا جهاد ، والسبب في عدم اطلاق الجهاد عليه أن كثير من الناس هجروا أو قتلوا وكثير من دور العبادة هدمت وكل هذا يحاربه الجهاد ولايقره .

الفرق بين الحرب والجهاد:

يتضح الفرق بين الحرب والجهاد عندما نتطرق لبعض الحروب التي شنت على مدار التاريخ والتي منها :-

·        الإسكندر الأكبر: ينال الإسكندر الأكبر احترام شعوب ودول العالم كافة كشخصية عالمية مؤثرة وعظيمة, خاض معارك كثيرة من أجل توسيع رقعة مملكته حتى وصلت حدود الإمبراطورية الإغريقية الى الهند.

·         جنكيز خان: كون أكبر إمبراطورية بالعالم إمتدت بعد موته من الصين وحتى شرق أوروبا ببولندا وغيرها, وله العديد من التماثيل بعدة بلدان ويحظى بإحترام كثير من شعوب العالم.

·        هتلر: اجتاح أوروبا حتى ضمت حدود إمبراطوريته العديد من الدول الاوروبية.

·        الإمبراطورية البريطانية (الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس): إمتدت مستعمراتها من أقصى الشرق لأقصى الغرب ولهذا سميت بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

·         المستعمرات الفرنسية والإسبانية والبرتغالية والإيطالية واليابانية: إمتدت من الشرق وحتى الغرب لتوسيع سلطتها ونفوذها.

 وخلاصتها: اشتراك كل تلك الإمبراطوريات وكل تلك الحروب التي خاضتها في أن الهدف منها هو الإستيلاء على ثروات وأراضي الدول الآخرى وبسط النفوذ والسلطة حول العالم, وتشترك أيضا في أن النتيجة كانت تدميراً للحضارات, وذبح واستعباد للشعوب مخلفة ملايين من الضحايا, وهذا ما أثبته وبينه التاريخ لنا, فنجكيز خان الذي يعد بطلا قوميا في بلاده ينظر إليه وإلى حفيده هولاكو في البلاد التي إحتلاها على أنهما مجرمي حرب, قاما بسحق الشعوب وعاثا في الأرض فسادا ودمارا, فقد دمر هولاكو دار الحكمة وما بها من كتب ومخطوطات علمية لا تقدر بثمن. وعلى هذا ولمعرفة الفرق بين تلك الحروب وبين الجهاد فيجب أن نقارن بين أهداف تلك الحروب ونتائجها وأخلاقها وبين أهداف الجهاد ونتائجه وأخلاقه! فالجهاد هو الذي أوقف هذا الطغيان وحمى المدنيين مسلمين وغير مسلمين.

الجهاد في الكتاب المقدس

 قبل ذكر بعض النصوص عن الجهاد في العهد القديم سوف نذكر من العهد الجديد نفسه أقوال بولس حيث امتدح الجهاد المذكور في العهد القديم, وأثنى كثيراً على كل ما تم فعله أثناء تلك الحروب من قتل للمدنيين العزل!!

يقول بولس في رسالتة إلى العبرانيين (11/30): (30 بالايمان سقطت اسوار اريحا بعدما طيف حولها سبعة ايام 31 بالايمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة اذ قبلت الجاسوسين بسلام 32 وماذا اقول ايضا لانه يعوزني الوقت ان اخبرت عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والانبياء 33 الذين بالايمان قهروا ممالك صنعوا برا نالوا مواعيد سدوا افواه اسود 34 اطفاوا قوة النار نجو من حد السيف تقووا من ضعف صاروا اشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء)!!!

والآن لنرى من العهد القديم ماذا حدث بعدما سقطت أسوار أريحا التي ذكرها وامتدحها كثيرا بولس في رسالته السابقة!!

سفر يشوع (6/16): (16 وكان في المرة السابعة عندما ضرب الكهنة بالأبواق أن يشوع قال للشعب اهتفوا لأن الرب قد أعطاكم المدينة. 17 فتكون المدينة وكل ما فيها محرما للرب. راحاب الزانية فقط تحيا هي وكل من معها في البيت لأنها قد خبأت المرسلين اللذين أرسلناهما. 18 وأما أنتم فاحترزوا من الحرام لئلا تحرموا وتأخذوا من الحرام و تجعلوا محلة إسرائيل محرمة وتكدروها. 19 وكل الفضة و الذهب وآنية النحاس والحديد تكون قدسا للرب وتدخل في خزانة الرب. 20 فهتف الشعب وضربوا بالأبواق وكان حين سمع الشعب صوت البوق أن الشعب هتف هتافا عظيما فسقط السور في مكانه وصعد الشعب إلى المدينة كل رجل مع وجهه واخذوا المدينة. 21 وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل و شيخ حتى البقر و الغنم و الحمير بحد السيف ....... 24 وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها) لم يكتفوا بقتل كل ذي روح من الرجال والنساء والأطفال وحتى الحيوانات بل وأحرقوا المدينة كاملة بالنار !!!!!!!!

سفر صموئيل الأول (15/3): (3 فالأن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له, ولا تعف عنهم, بل اقتل رجلا وامرأة, طفلا ورضيعا, بقرا وغنما, جملا وحمارا)

سفر هوشع الإصحاح (13/16): (16 تجازى السامرة لأنها قد تمردت على إلهها, بالسيف يسقطون. تحطم أطفالهم والحوامل تشق)

سفر إشعياء الإصحاح (13/15): (15 كل من وجد يطعن، وكل من انحاش يسقط بالسيف. 16 وتحطم أطفالهم أمام عيونهم، وتنهب بيوتهم وتفضح نساؤهم)

سفر صموئيل الثاني (4/12): (12 وأمر داود الغلمان فقتلوهما و قطعوا ايديهما وأرجلهما وعلقوهما على البركة في حبرون)

 سفر أخبار الايام الأول (20/3): (3 وأخرج داود الشعب الذين بها ونشرهم بمناشير ونوارج حديد وفؤوس وهكذا صنع داود لكل مدن بني عمون)


 الباب السابع الغلو والتطرف بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي

·        الشريعة الإسلامية ومكافحة الغلو والتطرف

·        الرهبنة في النصرانية:

1.     البتولية أفضل من الزواج:

2.     عدم الطلاق:

3.     قطع الرؤوس:

·        الإسلام ومكافحة نظام الرق.

·        نظام الرق في الكتاب المقدس لليهود والنصارى.

·        الإسلام ومكافحة العنصرية:

·        الشريعة الإسلامية وإباحتها التمتع بالدنيا والحث على عمارتها.


الشريعة الإسلامية ومكافحة الغلو والتطرف

 أرسل الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه شريعة هي رحمة للعالمين، فقال سبحانه:" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" سورة الأنبياء 107.

 رحمة بهم في جميع شئونهم، رحمة لأنفسهم وأرواحهم التي كانت حيرى تعبد أصناماً لا تنفعهم ولا تضرهم ويشركون عباداً أمثالهم فهداهم الى عبادة الله وحده وعدم الاشراك به.

ورحمة بأجسادهم حيث حرم عليهم من المأكل والمشرب مايكون سببا في اتلافها ، قال الله تعالى :" قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" سورة الأنعام 145.

ورحمة لهم في اقتصادهم حيث حرم عليهم من المال مايؤخذ بغيروجه حق ومن الكسب مايكون فيه غش وأكل لأموال الناس بالباطل ، يقول الله تعالى :" وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " سورة البقرة 188.

وشرع لهم التنظيمات التي تقيم شئون حياتهم وبها تستقيم وتوافق فطر الناس لا غلو فيها ولا تقصير، قال الله تعالى :" شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ " سورة الشورى 13.

بعثه الله بشريعة الرحمة ، قال الله تعالى :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " سورة آل عمران 159.

وبعثه بشريعة الرفق واللين، يقول الله تعالى ممتناً على البشر بإرساله لهم :" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" سورة التوبة 128.

فكان من صفات هذه الشريعة السماحة واليسر لا تعنت فيها ولامشقة، يقول الله تعالى: " لايكلف الله نفساً إلا وسعها لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت " سورة البقرة 286.

 ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" فإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنبوه ، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم" صحيح البخاري.

 تقول عنه زوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: "ما خُيِّرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بين أمرينِ، أحدهما أيسرُ من الآخرِ، إلا اختارَ أيسرَهما. ما لم يكن إثمًا. فإن كان إثمًا، كان أبعدَ الناسِ منهُ" صحيح مسلم.

 بعثه الله بشريعة حاربت جميع أشكال الغلو والتطرف من خلال نصوص شرعية واضحة حذرت من التفريط أو الافراط في الدين كما فعل من كان من قبل، فقال الله تعالى: " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ " سورة المائدة : ٧٧:-

·        فنهى عن التشدد والغلو في الدين، فحذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تحذير فقال :" إياكم والغلو في الدين, فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين" أخرجه أحمد ، والنسائى ، وابن ماجه ، وفي السلسلة الصَّحِيحَة: 2144.

·        ونهى عن التشدد والغلو في العبادات، فقد روى أنس ابن مالك رضي الله تعالى عنه فقال : "جاء ثلاثُ رهطٍ إلى بُيوتِ أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، يَسأَلونَ عن عبادةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فلما أُخبِروا كأنهم تَقالُّوها ، فقالوا : أين نحن منَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قد غفَر اللهُ له ما تقدَّم من ذَنْبِه وما تأخَّر ، قال أحدُهم : أما أنا فإني أُصلِّي الليلَ أبدًا ، وقال آخَرُ : أنا أصومُ الدهرَ ولا أُفطِرُ ، وقال آخَرُ : أنا أعتزِلُ النساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا ، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : "أنتمُ الذين قلتُم كذا وكذا ؟ أما واللهِ إني لأخشاكم للهِ وأتقاكم له ، لكني أصومُ وأُفطِرُ ، وأُصلِّي وأرقُدُ ، وأتزوَّجُ النساءَ ، فمَن رغِب عن سُنَّتي فليس مني".) صحيح البخاري.

·        ونهى عن التشدد والتعنت في المعاملات, وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الدين يسر, ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه" صحيح البخاري.

·        ونهى عن التشدد والغلو في الدعوة لله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا" صحيح مسلم.

الرهبنة في النصرانية:

 لا يوجد في الإسلام رهبانية ولا رتب كنسية كما هو الحال في الديانات الأخرى، ولقد ذم الله تبارك وتعالى من عمل هذا العمل من أصحاب الديانات السابقة ، قال الله تعالى :" ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ. " سورة الحديد الآية 27.

وحذر من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تحذير فقال:" لا تشدِّدوا على أنفسِكم فيشدَّدَ اللَّهُ عليكم فإنَّ قومًا شدَّدوا على أنفسِهم فشدّدَ اللهُ عليهم فتلكَ بقاياهم في الصَّوامعِ والدِّيارِ (رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ" السلسلة الصحيحة: 3124.

 علماً أن المسيح عيسى عليه السلام لم يكن راهبا ولم يشرع الرهبانية على أمته , بل أمر تلاميذه بالذهاب للأمم لتبليغ دين الله لهم وهدايتهم للدين الصحيح .

 وعلى رجل الدين في الإسلام مسؤلية عظيمة فلا بد أن يخالط الناس يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويدلهم للطريق الصحيح، لقوله صلى الله عليه وسلم :" بلغوا عني ولو آيه " صحيح البخاري.

كما ينبغي عليه أن يكون عضوا منتجا في مجتمعه وقدوة حسنة لهم, لقوله صلى الله عليه وسلم :" المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسِ و يَصبِرُ على أذاهُمْ ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ و لا يَصبرُ على أذاهُمْ " رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني في صحيح الجامع.

وأن لايكون عالة عليهم يستجديهم في لقمة عيشه فقد كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعملون بأيديهم ويرعون الغنم يتكسبون فيعفون أنفسهم ويعفون أهليهم ، فقد قيل للرسول صلى الله عليه وسلم أكُنتَ ترعى الغنمَ ؟ قال : " نعمْ ، وهلْ مِنْ نبيٍّ إلاَّ رَعاها " صحيح البخاري.

البتولية أفضل من الزواج:

يقول بولس في رسالتة الأولى إلى كورنثوس (7/1): (1 وأما من جهة الأمور التي كتبتم لي عنها: فحسن للرجل أن لا يمس امرأة.... 8 ولكن أقول لغير المتزوجين وللأرامل, إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا) –أي أعزب-.

 وبالطبع هذه تعاليم بولس نفسه وليست تعاليم السيد المسيح عليه السلام, لأنها خلاف الفطرة التي فطر الله الناس عليها بل إن الزواج سنة الأنبياء عليهم السلام قال الله تعالى :" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ" سورة الرعد 38.

 فهل توافق المجتمعات المتحضرة على هذا الكلام بعدم التزاوج والتناسل الذي نتيجته القضاء على الجنس البشري؟ هل أراد الله لنا الفناء أم عمارة الأرض والنماء؟ إن هذا كله خلاف أمر الله تعالى الذي قال :" وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ " سورة الأنعام 165.

ونحن عندما نطالب الناس بالبتولة وعدم الزواج فنحن نصادم غريزة مركبة فيهم ، إنها شهوة في الانسان مثل شهوة الأكل والشرب، ولكن شريعة الاسلام جعلت لها مصرفها الشرعي عن طريق الزواج حيث تحصل المودة والرحمة والاستقرار النفسي لكلا الزوجين وعمارة الارض، قال الله تعالى :" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" سورة الروم 21.

و كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمُرُ بالزواج ويرغب فيه وينهى عن التَّبتُّلِ نهيًا شديدًا ويقولُ: "تزوَّجوا الوَدودَ الوَلودَ فإنِّي مُكاثرٌ الأنبياءَ يومَ القيامةِ" صحيح ابن حبان, وصححه الألباني في "صحيح أبي داود": 1789.

وحث صلى الله عليه وسلم الشباب خاصة على الزواج لغلبة الشهوة عليهم وليقطع بذلك الطرق الى الفحشاء ، فقال صلى الله عليه وسلم :" يا معشرَ الشبابِ ! من استطاع منكم الباءةَ فليتزوجْ . فإنه أغضُّ للبصرِ ، وأحصنُ للفرجِ . ومن لم يستطعْ فعليه بالصومِ . فإنه له وجاء" أخرجه البخاري ومسلم.

وأعظم من هذا أن جعل الزواج طريقاً لكسب الحسنات والصدقات ، فقال صلى الله عليه وسلم :" وفي بضعِ أحدكم صدقةٌ " . قالوا : يا رسولَ اللهِ ! أياتي أحدنا شهوتَه ويكون لهُ فيها أجرٌ ؟ قال : " أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان لهُ أجرًا " . صحيح مسلم.

عدم الطلاق:

 إنجيل متى (5/31): (31 وقيل: من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. 32 وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني, ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني)

 هل وافقت المجتمعات المتحضرة على عدم جواز التطليق أم أن أعلى نسبة للطلاق هي موجودة بالفعل في الكثير من الدول المتقدمة ؟!! هل استطاع النصارى اتباع تلك التعاليم أم اعتبروها غلوا وتعنتا ؟! الواقع العملي يقول أن هناك العديد من الزيجات لا يمكن أن تستمر وإن في إستمرارها أضرار لا يمكن رفعها إلا بالطلاق, بل وقد قرأنا في الصحف عن حالات قتل من المرأة لزوجها النصراني كوسيلة للتخلص منه ومن عشرته نظرا لعدم قدرتها على الطلاق منه!! أما الإسلام فقد أباح الطلاق تيسيرا على الناس عند استحالة العشرة, فينفصل كل ٌ منهما بشكل حضاري ومتحضر ويتزوج كل منهما ممن يرضى به زوجاً له، قال الله تعالى: "فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ" سورة الطلاق الآية 2.

وقد إتبعت كل الدول المتحضرة الأن الشريعة الإسلامية في هذا وأباحت وقننت الطلاق وجعلته طلاقا مدنيا بعيدا عن سلطة الكنيسة التي ترفض الطلاق شكلا وموضوعا.

قطع الرؤوس:

 إن قطع رؤس الأعداء والتمثيل بجثة المقتول مما نهى عنه الإسلام وحذر من فعله, فعندما بعث عمرَو بنَ العاصِ ، وشُرَحبيلَ بنَ حسَنةَ عُقبةَ بَريدًا إلى أبي بكرٍ برأسِ يَناقٍ بطريقِ الشَّامِ ، فلمَّا قدِم على أبي بكرٍ أنكر ذلك ، فقال له عُقبةُ : يا خليفةَ رسولِ اللهِ فإنَّهم يصنعون ذلك بنا ؛ قال : تأسِّيًا أو أسَيانًا بفارسَ والرُّومِ ، لا يُحمَلُ إليَّ برأسٍ . وإنَّما يكفي الكتابُ والخبرُ. ابن حجر العسقلاني

 إن بعض مقدمي البرامج في وسائل الإعلام الغربية في عصرنا هذا ينسبون للمسلمين عادة قطع الرؤوس, ولكن لو رجع مقدمو تلك البرامج الفضائية فقرأوا التاريخ لوجدوا أن العكس هو صحيح فكم من الرؤوس تم قطعها في بلادهم وحتى سنين قريبة مضت. فعلى سبيل المثال يوجد على جدران كنيسة ميلانو من الخارج تمثال لفارس يمسك برأس رجل قد قطعها وبيده الآخرى سيفا طويلا, فهل رأينا مثل هذا النحت على جدران مساجد المسلمين؟!! أما ما يشاهد من بعض المسلمين يذبحون علنا بعض الأشخاص ويقطعون رؤوسهم فهذه أعمال فردية شخصية لاعلاقة لها بالشريعة والاسلام منها براء، يقول الله تعالى :" وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ" سورة النحل 126.

الإسلام ومكافحة نظام الرق :

 كافح الإسلام نظام الرق بكل الطرق فأمربتحرير الأرقاء وشرع إعتاقهم ووعد بالأجر والثواب العظيم لمن أعتق مملوكه، وجعله من أسباب دخول الجنة، يقول صلى الله عليه وسلم: " من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى فرجه بفرجه" مسلم

 ولكن الاسلام لم يحرم نظام الرق حتى لا يصطدم إصطداما شديدا مع الواقع العملي فقد كان نظاما عالميا تتعامل به الدول كلها كونه المنظومة الإقتصادية والمالية المعتمدة في جميع المجتمعات, وعلى نفس المنوال لم يحرم أيضا السيد المسيح عليه السلام نظام الرق. ولكن الإسلام حرم جميع الطرق التي كان يسترق بها البشر إلا طريقاً واحداً وهو الرق عن طريق الأسر في الحروب بشرط أن يضرب إمام المسلمين عليهم الرق، وبما أن الإسلام ضيق موارد الرق فجعله من طريق واحد، فإنه بالمقابل وسع مصارف العتق فجعل الإعتاق كفارة لكثير من الذنوب التي يرتكبها المسلم مثل:

·        القتل الخطأ، لقول الله تعالى: " وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ " النساء 91

·        الحنث في اليمين، لقول الله تعالى: " لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ " سورة المائدة 89.

·        الظهار، لقول الله تعالى :" وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا " سورة المجادلة 3

·        الجماع في رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا وقع بامرأته في رمضان فاستفتى رسول الله عن ذلك، فقال: "هل تجد رقبة؟" قال: لا. قال: " وهل تستطيع صيام شهرين؟" قال: لا. قال: "فأطعم ستين مسكينا." مسلم

·        جعله كفارة للاعتداء على الأرقاء، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه "مسلم

ومما يؤكد حرص الإسلام على تحرير الأرقاء:

1.     أمره بالمكاتبة، وهو عقد بين السيد وعبده يتم فيه إعتاقه نظير مبلغ من المال يتفق عليه بينهما ، وقد أوجب بعض الفقهاء [75] رحمهم الله المكاتبة إذا طلبها العبد مستندين في هذا إلى قول الله تعالى: " وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ " سورة النور 33.

2.     جعل الرقاب من المصارف التي تصرف فيها الزكاة، وهو تحرير الأرقاء من الرق ، لقول الله تعالى: " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " سورة التوبة 60.

نظام الرق في الكتاب المقدس لليهود والنصارى:

ورد في سفر التثنية (20/10): (10 حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح, 11 فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك, فكل الشعب الموجود فيها يكون للتسخير ويستعبد لك. وإن لم تسالمك, بل عملت معك حربا, فحاصرها. 13 وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. 14 وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة, كل غنيمتها فتغتنمها, وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك. 15 هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا. 16 وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة, بل تحرمها تحريما).

ورد في سفر الخروج (21/7): (7 إذا باع رجل ابنته كأمة, لا تطلق حرة كما يطلق العبيد الرجال أحرار بعد ستة سنين من العبودية. 8 ففي حالة أنها لم تعجب سيدها الذي إشتراها كخليلة له, فيجب عليه أن يسمح لأبيها بأن يفاديها بالمال ويستعيدها منه.)

ورد في سفر الخروج (21/5): (5 ولكن إن قال العبد: أحب سيدي وامرأتي وأولادي, لا أخرج حرا, 6 يقدمه سيده إلى الله, ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب سيده أذنه بالمثقب, فيخدمه إلى الأبد.) – أي عبودية إلى الأبد -.

ورد في سفر الخروج (22/1-3): (يجب على السارق أن يعوض صاحب الشئ المسروق, فإن لم يكن معه من المال ما يكفي لتعويض صاحب الشئ المسروق, فعندها يتم بيع السارق نفسه كعبد, ويعطى ثمنه إلى صاحب الشئ المسروق.). والآن لنقرأ ما نسبه إنجيل متى للسيد المسيح عليه السلام,

الإسلام ومكافحة العنصرية:

 ألغى الإسلام كل مظاهر التفرقة بين البشر بتشريعات تنبذ العنصرية والطبقية أو العرقية بين الناس وجعلت التفاوت بينهم مبني على مدى القرب والبعد من تطبيق شرع الله, قال الله تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " الحجرات 13.

وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناسُ ! إنَّ ربَّكم واحدٌ ، و إنَّ أباكم واحدٌ ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ ، و لا لعجميٍّ على عربيٍّ ، و لا لأحمرَ على أسودَ ، و لا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكُم ، ألا هل بلَّغتُ ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللهِ قال : فيُبَلِّغُ الشاهدُ الغائبَ" السلسلة الصحيحة.

في حين نجد في الكتاب المقدس لليهود والنصارى ما يلي:

ورد في إنجيل متى (15/24): (24 فَأَجَابَ: «مَا أُرْسِلْتُ إِلاَّ إِلَى الْخِرَافِ الضَّالَّةِ، إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ, 25 وَلكِنَّ الْمَرْأَةَ اقْتَرَبَتْ إِلَيْهِ، وَسَجَدَتْ لَهُ، وَقَالَتْ: أَعِنِّي يَاسَيِّدُ! 26 فَأَجَابَ: لَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِجِرَاءِ الْكِلاَبِ! 27 فَقَالَتْ: «صَحِيحٌ يَاسَيِّدُ؛ وَلكِنَّ جِرَاءَ الْكِلاَبِ تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَوَائِدِ أَصْحَابِهَا! 28 فَأَجَابَهَا يَسُوعُ: «أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! فَلْيَكُنْ لَكِ مَا تَطْلُبِينَ!» فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ).

وفي هذا النص رد صريح وقاسي لكل من يدعي أن السيد المسيح عليه السلام جاء لخلاص العالم والصلب والفداء وما إلى ذلك, فهو يقول لك صراحة كلا لم أرسل إليك ولا أعرفك!! بل أرسلت لبني إسرائيل حصرا!!

ورد في سفر التثنية (23/19): (19 لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة، أو ربا طعام، أو ربا شيء ما مما يقرض بربا 20 للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا، لكي يباركك الرب إلهك).

الشريعة الإسلامية وإباحتها للتمتع بالدنيا :

اللباس والنظافة:

 الشريعة الإسلامية تأمر بأن يكون المسلم جميلاً في جميع أحواله ملبسه ومظهره ورائحته ولفظه، لقوله صلى الله عليه وسلم :" إن الله جميل يحب الجمال" صحيح مسلم

وقد قال جابر بن عبد الله: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره فقال: "أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره". ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة فقال: "أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه") سنن أبي داود وصححه الألباني.

وقد روي أبو الأحوص عن أبيه قال: (أتيت النبي صل الله عليه وسلم في ثوب دون[76], فقال: ألك مال؟ قال: نعم, قال: من أي المال؟[77], قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق, قال: فإذا أتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته) أبو داود وصححه الألباني.

وقد قال جابر بن سمرة: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان[78], وعليه حلة حمراء, فجعلت أنظر إليه وإلى القمر, فلهو عندي أحسن من القمر) الترمذي – صحيح.

وقد قال البراء بن عازب: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مربوعا, بعيد ما بين المنكبين[79], عظيم الجمة[80] إلى شحمة أذنيه, عليه حلة حمراء[81] ما رأيت شيئا قط أحسن منه صلى الله عليه وسلم) صحيح مسلم

وقد روي أبو زميل أن عبد الله ابن عباس قال: (لما خرجت -الخوارج- الحرورية أتيت عليا -رضي الله عنه- فقال: ائت هؤلاء القوم. فلبست أحسن ما يكون من حلل اليمن – قال أبو زميل : وكان ابن عباس رجلا جميلا جهيرا- قال ابن عباس: فأتيتهم فقالوا مرحبا بك يا ابن عباس, ما هذه الحلة؟! قال: ما تعيبون علي؟ لقد رأيت على رسول الله صل الله عليه وسلم أحلى ما يكون من الحلل) أبو داود وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي.

واعتبرت الشريعة أن الصرف على ما يكمل أناقة المسلم في جميع أحواله من غير تبذير وإسراف ومخيلة مما يؤجر عليه ويثاب ، لقول الله تعالى: " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " سورة الأعراف الآية 31

ولا يوجد في الشريعة الإسلامية ما يدعى بالزي الإسلامي, مثل ما يفعله بعض المتصوفة والشيعة من لبس لباس معين بألوان معينة مثل اللون الأخضر أو الأسود وما إلى ذلك, ولكن توجد مواصفات للباس في الشريعة الإسلامية, ينبغي على المسلم والمسلمة التقيد بها منها :-

·        أن لا يكون في هذا اللباس تشبه بغير المسلمين مثل أن يلبس زيا لا يلبسه إلا البوذيين أو النصارى أو اليهود كزي الرهبان والقساوسة على سبيل المثال، لقوله صلى الله عليه وسلم :" من تشبَّهَ بقومٍ فَهوَ مِنهم" ابن حبان – صحيح.

·        أن يستر هذا اللباس العورة التي نهى الشارع عن كشفها فلا تظهر بسبب قصره أو شفافيته.

·        أن يكون لباساً نظيفاً أنيقاً حسن المظهر، فلقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا عليه ثياب وسخة فقال: "أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه" سنن أبي داود, السلسلة الصحيحة: 493.

·        أن يكون لباساً طيب الرائحة لا ينفر الناس من صاحبه، فقد نهى صلى الله عليه وسلم من أكل ثوماً أوبصلاً من حضور الصلاة لما في ذلك من الأذية التي يلحقها بمن حوله ، لقوله صلى الله علي وسلم :" من أَكلَ من هذِه البَقلةِ ، الثُّومِ (وقالَ مرَّةً من أَكلَ البصلَ والثُّومَ والكرَّاثَ) فلا يقرَبَنَّ مسجدَنا . فإنَّ الملائِكةَ تتأذَّى مِمَّا يتأذَّى منهُ بنو آدَمَ " صحيح مسلم.

·        أن لايكون لباس شهرة بحيث يكون غريباً على المجتمع الذي يعيش فيه, فإذا لبسه استغربه الناس لحسنه فيزيد صاحبه عجباً وتكبراً وخيلاء ، أو يكون لباساً غير مناسب الشكل عرفا ومنافاته للمروءة ، لقوله صلى الله عليه وسلم :" من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة" أحمد, وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

·        أن لايكون فيه تشبه للرجال بالنساء ولا تشبه للنساء بالرجال " لعَن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الرَّجُلَ يلبَسُ لِبسةَ المرأةِ والمرأةَ تلبَسُ لِبسةَ الرَّجُلِ". صحيح ابن حبان.

 وهناك أحاديث دالة على أهمية اهتمام المسلم بمظهره الخارجي ومن أراد الإستزادة فليرجع إلى كتب اللباس في الإسلام, نستخلص مما سبق ذكره أن الشريعة الإسلامية اهتمت اهتماما بالغا بنظافة المسلم وحسن مظهره فلا ينبغي عليه أن ينفر الناس منه بسبب سوء مظهره وعدم نظافته وأناقته.

 وهنا نقطة هامة قد تسبب شبهة عن الشريعة الإسلامية لدى غير المسلمين بسبب اللباس خصوصاً في البلدان الغربية وهي أننا نجد بعض المسلمين المغتربين أو بعض المسلمين الجدد في بعض تلك البلدان قد يرتدي ملابس قد تبدو غريبة قاصدا من إرتداءها أن يُعَرِّف عن شخصيته لمن يراه بأنه مسلم, مثل أن يلبس جلبابا رماديا قاتما (والذي هو رداء أهل صعيد مصر سواء المسلمين منهم أو النصارى – فهو لا يعرف عن نفسه بأنه مسلم وإنما يعرف عن نفسه بأنه من صعيد مصر) أو قد يرتدي على هذا الجلباب سترة بدلة غربية أو سترة عسكرية (رغم أنه ليس رجلا عسكريا وليس مخول بإرتداء تلك السترة) أو يعصب رأسه بشال بطريقة غريبة, والذي ينبغي عليه أن يلبس من الملابس ما يحبب الناس فيه فيكون مصدر راحة واطمئنان لهم ولا يلبس ما ينفرهم منه ويجعله مصدر قلقهم وريبتهم ، فلقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم أحسن الناس مظهرا وأطيبهم رائحة و كان كل من رآه يشعر بالاطمئنان والسكينة.

 ولكن يجب التفريق بين زي معين لجهة معينة يُعرّف عن منتسبي تلك الجهة وبين زي معين لطائفة أو فرقة بنيت على أساس مذهبي وسبب ديني مثل ما يفعله المتصوفة والشيعة, أما زي المدارس والجامعات والمنظمات الدولية والمحلية فهو زي تعريفي لا يقوم على أساس مذهبي أو طائفي وإنما هو يُعَرّف عن المنتسبين لتلك الجهة وعن العاملين بها.

الأكل والشرب :

قال لله تعالى :" قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" سورة الأعراف 32.

فأباحت الشريعة الإسلامية الاستمتاع والتلذذ بجميع المآكل والمشارب ، الا ما نص الدليل على تحريمه، قال الله تعالى :"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ" المائدة 3.

ويقول الله تعالى :"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ " سورة البقرة 219.

واشترطت عدم الإسراف ، قال الله تعالى: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" الأعراف 31

وبينت الطريقة الصحية للأكل والشرب التي تضمن بإذن الله سلامة الجسم من الأمراض، يقول صلى الله عليه وسلم: " ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنٍ، بحسبِ ابنِ آدمَ أكلاتٍ يُقمنَ صُلبَهُ، فإن كان لا محالةَ : فثلُث لطعامِه، وثُلُثٌ لشرابِه وثُلُثٌ لنفَسِه" الترمذي – صحيح – "الإرواء": 1983.

اللهو المباح :

 الحياة في الشريعة الإسلامية ليست كما يظن البعض بعيدة عن اللهو والترفيه المباح، يقول حنظلة الأسيدي : لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا!. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وما ذاك" قلت: يا رسول الله! نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده! إنكم لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن.. يا حنظلة! ساعة وساعة". ثلاث مرات[82]

فبين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن اللهو المباح والترويح عن النفس مطلوب لتستعيد النفس نشاطها وحيويتها، ولقد بين صلى الله عليه وسلم لأصحابه أدب المزاح والمرح واللهوعندما سألوه فقالوا: يارسول الله إنك تداعبنا! فقال: "نعم، غير أني لا أقول إلا حقاً" [83]

وكما يكون المزاح بالقول يكون بالفعل، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رجلاً من أهل البادية اسمه زاهرٌ، وكان يهدي للرسول صلى الله عليه وسلم هدية من البادية، فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن زاهراً باديتنا ونحن حاضروه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لايبصره، فقال: من هذا؟ أرسلني! فالتفت، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يلزق ظهره بصدره. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يشتري هذا العبد؟" فقال زاهر: تجدني يارسول الله كاسداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكنك عند الله لست بكاسد! أو قال: "بل أنت عند الله غال."[84]

وله آدابه في الشريعة الإسلامية والتي منها :

§        أن لا يكون في المزاح مايؤذي المسلم أو يسيء إليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً."[85]

§        أن لايخرجه مزحه عن دائرة الصدق، فيكذب من أجل إضحاك الناس، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم! ويل له ويل له!."[86]

كما أباحت الشريعة الإسلامية التسلية واللهو بشرط أن يكون مباحا كرمي السهام والقوس والفروسية ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ , إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ , وَتَأدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ " رواه الترمذي وصححه الألباني, وكل ما كان فيه بناء للجسم وحفظ للصحة من أنواع الرياضة كالسباحة والمبارزة والمصارعة، وقد صارع النبيُّ رجلًا معروفًا بقوتِه يسمى - ركانةَ - فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم وكان شديدًا فقال: شاةً بشاةٍ فصرعه النبيُّ فقال: عاودني في أخرى فصرعه فقال: عاودني فصرعه النبيُّ الثالثةَ فقال الرجلُ: ماذا أقولُ لأهلي شاةً أكلها الذئبُ وشاةً نشزت فبما أقولُ في الثالثةِ: فقال النبيُّ :"ما كنا لنجمعَ عليك أن نصرعَك ونغرمَك خذْ غنمَك " الألباني – حسن.


 الباب الثامن كشف الحقائق

·        نماذج من الشريعة النصرانية واليهودية من الكتاب المقدس

1.     عقوبة قطع اليد في الكتاب المقدس

2.     عقوبة الزنا في الكتاب المقدس

3.     عقوبة الإعدام في الكتاب المقدس

4.     حرية العقيدة في الكتاب المقدس (الردة)

5.     شريعة الغيرة في الكتاب المقدس (اللعان)


نماذج من الشريعة النصرانية واليهودية من الكتاب المقدس

 يقوم أغلب العالم الغربي من خلال إعلامه الموجه بتشويه الدين الاسلامي وذلك بالتسويق لهمجية الحدود التي تقام في الاسلام وعدم حضاريتها ومواكبتها للتطور الذي يشهده العالم وغير ذلك مما يقصد به صد الناس عن هذا الدين الرباني الذي لو اطلع عليه الناس بعيداً عن التعصب والأحكام المسبقة لعلموا أنه الدين الحق الذي يجب اتباعه ولكنه الخوف من صوت الحق أن يصل للناس علماً أنه سيصل شاؤا أم أبوا تحقيقاً لوعد الله القائل :" يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " سورة التوبة 32.

 وتطبيق الحدود في الإسلام تنفيذ لشرع الله وليست من قبل أنفسنا كمسلمين ولقد رأينا خلال الفصول السابقة أنها رحمة بالفرد والمجتمع على حد سواء وسوف نرى من خلال تصفح الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد من تطبيق الحدود ما كان يعاب عليه من المسلمين بل وماهو أشد قسوة، ولكنه الإعلام الغربي الذي يكيل بمكيالين ويجلب بخيله ورجله في محاولة منه يائسة لتشويه الشريعة الإسلامية التي لا تزداد الا إنتشاراً لكونها صوت الحق الذي لايمكن أن يُخمد، وصدق الله العظيم:" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ ولو كره المشركون " سورة التوبة 33.

هل العهد القديم هو كتاب النصارى المقدس واليهود أيضا؟!

 قبل الخوض في سرد بعض الأحكام (الحدود) من الشريعة النصرانية واليهودية، نريد معرفة إن كان العهد القديم هو الكتاب المقدس لدى النصارى واليهود أيضا أم لا ؟, فخلال محاوراتي مع بعض النصارى أجد أنهم في بادئ الأمر يبدون حماسة بالغة بأن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد هو كلمة الله الموحاة والغير محرفة والتي لا يمكن أن تضيع أو تتغير, وبعد قرآءة بعض النصوص عليه من العهد القديم سرعان ما يتراجع ويقول يمكنك أن تسأل رجال الدين عن تلك النصوص فأنا لست يهوديا, بل ويصل بهم الأمر في بعض الأحيان للتبرأ من العهد القديم ككل ويقول كل هذا كان قبل مجئ المسيح ولكن بعد مجيئه تغير كل شئ , وبالطبع فتفسيره هذا غير مقبول لا عقلاً ولانقلاً. فكل نصراني لا يمكن أن يكون نصرانيا إلا إذا آمن بالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد على السواء, وهذا أمر واضح وجلي لدى النصارى, وعلى هذا فإن قال أحد النصارى أنه لا يؤمن بالعهد القديم ويؤمن فقط بالعهد الجديد فهو قد أصبح كافرا بالديانة النصرانية! ومن يريد التأكد من ذلك فلعله يسأل أحد القساوسة ويسمع بنفسه ماذا سيقول له! فقد ذكر في إنجيل متى (5/17) أن عيسى عليه السلام قال: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا, يدعى أصغر في ملكوت السماوات".

ولنأخذ بعضاً من نصوص الحدود التي وردت في الكتاب المقدس:-

عقوبة قطع اليد في الكتاب المقدس

سفر التثنية (25/11): (11 إذا تخاصم رجلان بعضهما بعضا, رجل وأخوه, وتقدمت امرأة أحدهما لكي تخلص رجلها من يد ضاربه, ومدت يدها وأمسكت بعورته,12 فإقطع يدها, ولا تشفق عينك)

عقوبة الزنا في الكتاب المقدس

ذكر في إنجيل متى (5/27) أن عيسى عليه السلام قال: (27 قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزن. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها, فقد زنى بها في قلبه. فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك, لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك, لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم".

سفر اللاويين (21/9): (9 إذا تدنست إبنة كاهن بالزنى فقد دنست أباها . بالنار تحرق!!!!!!!!)

سفر التثنية (22/20): (20 ولكن ان كان هذا الامر صحيحا و لم توجد عذرة للفتاة,21 يخرجون الفتاة الى باب بيت ابيها ويرجمها رجال مدينتها بالحجارة حتى تموت لانها عملت قباحة في اسرائيل بزناها في بيت ابيها فتنزع الشر من وسطك)

سفر التثنية (22/22): (22 اذا وجد رجل مضطجعا مع امرأة زوجة بعل يقتل الاثنان الرجل المضطجع مع المرأة و المرأة)

سفر التثنية (22/23): (23 اذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة و اضطجع معها ,24 فاخرجوهما كليهما الى باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا)

سفر اللاويين (20/10): (10 وإذا زنى رجل مع امرأة, فإذا زنى مع امرأة قريبه, فإنه يقتل الزاني والزانية. 11 وإذا اضطجع رجل مع امرأة أبيه, فقد كشف عورة أبيه. إنهما يقتلان كلاهما. دمهما عليهما. 12 وإذا اضطجع رجل مع كنته, فإنهما يقتلان كلاهما. قد فعلا فاحشة. دمهما عليهما. 13 وإذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة, فقد فعلا كلاهما رجسا. إنهما يقتلان. دمهما عليهما. 14 وإذا اتخذ رجل امرأة وأمها فذلك رذيلة. بالنار يحرقونه وإياهما, لكي لا يكون رذيلة بينكم. 15 وإذا جعل رجل مضجعة مع بهيمة, فإنه يقتل, والبهيمة تميتونها ...)

 ويستمر الإصحاح في ذكر عقوبة الموت للمرأة التي تضجع مع بهيمة أو الرجل الذي رأى عورة أخته أو اضطجع مع امرأة طامث أو رأى عورة خالته أو عمته أو اضطجع مع امرأة عمه أو أخيه!! لقائل أن يقول ولكن ألم يلغي السيد المسيح عقوبة الزنى وهي الرجم حتى الموت وجعلها جريمة بلا عقوبة؟ ألم يقل في إنجيل يوحنا (8/7): (7 من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر)؟ فنرد عليه قائلين: لقد أجمع علماء اللاهوت من النصارى أن تلك القصة غير صحيحة وقد تمت إضافتها في الإنجيل في القرن العاشر الميلادي[87], وعلى هذا لا يمكن أن يعول عليها. أضف على هذا أقوال السيد المسيح نفسه التي ترفض نقد الناموس أو شريعة موسى, إنجيل متى (5/17): (17 لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء, ما جئت لأنقض بل لأكمل. 18 فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل). بمعنى آخر أنه لو كان السيد المسيح معنا اليوم لكان رجم أي امرأة تزني وفقا لشريعة موسى عليه السلام.

عقوبة الإعدام في الكتاب المقدس

يقول بولس في رسالته إلى العبرانيين (10/28): "28 من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة."

سفر الخروج (21/12): (12 من ضرب إنسانا فمات يقتل قتلا ... 14 وإذا بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدر فمن عند مذبحي تأخذه للموت. 15 ومن ضرب أباه أو أمه يقتل قتلا. 16 ومن سرق إنسانا وباعه أو وجد في يده يقتل قتلا. 17 ومن شتم أباه أو أمه يقتل قتلا ... 22 وإذا تخاصم رجال وصدموا امرأة حبلى فسقط ولدها ولم تحصل أذية, يغرم كما يضع عليه زوج المرأة, ويدفع عن يد القضاة. 23 وإن حصلت أذية تعطى نفسا بنفس, 24 وعينا بعين, وسنا بسن, ويدا بيد, ورجلا برجل, 25 وكيا بكي, وجرحا بجرح, ورضا برض.)

سفر الخروج (22/18): (18 لا تدع ساحرة تعيش. 19 كل من اضطجع مع بهيمة يقتل قتلا. 20 من ذبح لآلهة غير الرب وحده, يهلك.)

سفر التكوين (9/6): (6 سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه.)

سفر العدد (35/31): (31 ولا تأخذوا فدية عن نفس القاتل المذنب للموت, بل إنه يقتل ... 33 لا تدنسوا الأرض التي أنتم فيها, لأن الدم يدنس الأرض, وعن الأرض لا يكفر لأجل الدم الذي سفك فيها إلا بدم سافكه.)

سفر الخروج (32/26): (26 وقف موسى في باب المحلة, وقال: "من للرب فإلي" فاجتمع إليه جميع بني لاوي. 27 فقال لهم: "هكذا قال الرب إله إسرائيل: ضعوا كل واحد سيفه على فخذه ومروا وارجعوا من باب إلى باب في المحلة, واقتلوا كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه وكل واحد قريبه". 28 ففعل بنو لاوي بحسب قول موسى. ووقع من الشعب ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل)

سفر التثنية (21/18): (18 إذا كان لرجل ابن معاند ومارد لا يسمع لقول أبيه وأمه, ويؤدبانه فلا يسمع لهما. 19 يمسكه أبوه وأمه ويأتيان به إلى شيوخ مدينته وإلى باب مكانه, 20 ويقولان لشيوخ مدينته: ابننا هذا معاند ومارد لا يسمع لقولنا, وهو مسرف وسكير. 21 فيرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت.)

حرية العقيدة في الكتاب المقدس (الردة)

إنجيل لوقا (19/27) ينسب للسيد المسيح عليه السلام أنه قال: (27 أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي")

سفر التثنية (13/12): (12 إن سمعت عن إحدى مدنك التي يعطيك الرب إلهك لتسكن فيها قولا, 13 قد خرج أناس بنو لئيم من وسطك وطوحوا سكان مدينتهم قائلين: نذهب ونعبد آلهة آخرى لم تعرفوها. 14 وفحصت وفتشت وسألت جيدا وإذا الأمر صحيح وأكيد, قد عمل ذلك الرجس في وسطك, 15 فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف. 16 تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها, وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك, فتكون تلا إلى الأبد لا تبنى بعد.)

سفر التثنية (7/1): (1 متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها, وطرد شعوبا كثيرة من أمامك ... 2 ودفعهم الرب إلهك أمامك, وضربتهم, فإنك تحرمهم. لا تقطع لهم عهدا, ولا تشفق عليهم, 3 ولا تصاهرهم ... ولكن هكذا تفعلون بهم: تهدمون مذابحهم, وتكسرون أنصابهم, وتقطعون سواريهم, وتحرقون تماثيلهم بالنار.)

سفر حزقيال (9/4): (4 وقال له الرب: "اعبر في وسط المدينة, في وسط أورشليم, وسم سمة على جباه الرجال الذين يئنون ويتنهدون على كل الرجاسات المصنوعة في وسطها". 5 وقال لأولئك في سمعي: "اعبروا في المدينة وراءه واضربوا. لا تشفق أعينكم ولا تعفوا. 6 الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء, اقتلوا للهلاك. ولا تقربوا من إنسان عليه السمة, وابتدئوا من مقدسي" فابتدأوا بالرجال الشيوخ الذين أمام البيت. 7 وقال لهم: "نجسوا البيت, واملأوا الدور قتلى. اخرجوا" فخرجوا وقتلوا في المدينة.)

شريعة الغيرة في الكتاب المقدس (اللعان)

سفر العدد (5/11): (11 وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: "12 أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا غَوَتِ امرأة رَجُلٍ وَخَانَتْهُ 13 بِزِنَاهَا مَعَ رَجُلٍ آخَرَ، وَخَفِيَ الأَمْرُ عَلَى زَوْجِهَا، وَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهَا دَلِيلٌ وَلَمْ يُقْبَضْ عَلَيْهَا مُتَلَبِّسَةً بِزِنَاهَا 14 وَإِذَا اعْتَرَتْ زَوْجَهَا الْغَيْرَةُ وَارْتَابَ بِزَوْجَتِهِ وَكَانَتْ نَجِسَةً، أَوْ غَارَ عَلَى امْرَأَتِهِ مَعَ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ 15 فَلْيُحْضِرِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى الْكَاهِنِ، وَيَأْتِي مَعَهُ بِقُرْبَانِهَا عُشْرِ الإِيفَةِ (نَحْوَ لِتْرَيْنِ وَنِصْفِ اللِّتْرِ) مِنْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ. لاَ يَصُبُّ عَلَيْهِ زَيْتاً، وَلاَ يَضَعُ عَلَيْهِ لُبَاناً، لأَنَّهُ تَقْدِمَةُ غَيْرَةٍ، تَقْدِمَةُ تَذْكِرَةٍ تُذَكِّرُ بِذَنْبٍ. 16 فَيَجْعَلُ الْكَاهِنُ الزَّوْجَةَ تَمْثُلُ أَمَامَ الرَّبِّ، 17 ثُمَّ يَأْخُذُ مَاءً مُقَدَّساً فِي إِنَاءٍ مِنْ خَزَفٍ وَيَلْتَقِطُ بَعْضَ غُبَارِ أَرْضِ الْمَسْكَنِ وَيَضَعُهُ فِي الْمَاءِ 18 وَيَكْشِفُ رَأْسَ الزَّوْجَةِ، وَيَضَعُ فِي يَدَيْهَا تَقْدِمَةَ التَّذْكَارِ الَّتِي هِيَ تَقْدِمَةُ الْغَيْرَةِ، وَيَحْمِلُ الْكَاهِنُ بِيَدِهِ مَاءَ اللَّعْنَةِ الْمُرَّ 19 وَيَسْتَحْلِفُ الْكَاهِنُ الْمَرْأَةَ قَائِلاً لَهَا: إِنْ كَانَ رَجُلٌ آخَرُ لَمْ يُضَاجِعْكِ، وَلَمْ تَخُونِي زَوْجَكِ، فَأَنْتِ بَرِيئَةٌ مِنْ مَاءِ اللَّعْنَةِ الْمُرِّ هَذَا 20 وَلَكِنْ إِنْ كُنْتِ قَدْ خُنْتِ زَوْجَكِ وَتَنَجَّسْتِ بِمُضَاجَعَةِ رَجُلٍ غَيْرِهِ. 21 فَلْيَجْعَلِ الرَّبُّ لَعْنَةَ شَعْبِكِ عَلَيْكِ، فَيَتَبَرَّأُونَ مِنْكِ عِنْدَمَا يَجْعَلُ الرَّبُّ فَخْذَكِ يَذْوِي وَبَطْنَكِ يَتَوَرَّمُ. 22 وَلْيَدْخُلْ مَاءُ اللَّعْنَةِ هَذَا فِي أَحْشَائِكِ لِيُسَبِّبَ وَرَماً لِبَطْنِكِ، وَلْيَذْوِ فَخْذُكِ». فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ: آمِين. آمِين. 23 ثُمَّ يُدَوِّنُ الْكَاهِنُ هَذِهِ اللَّعَنَاتِ فِي دَرْجٍ وَيَمْحُوهَا بِالْمَاءِ الْمُرِّ؛ 24 وَيَسْقِي الْمَرْأَةَ مَاءَ اللَّعْنَةِ الْمُرَّ الَّذِي مَحَا بِهِ اللَّعْنَاتِ فَيَدْخُلُ فِيهَا مَاءُ اللَّعْنَةِ لِيُسَبِّبَ لَهَا آلاَمَ الْمَرَارَةِ. 25 ثُمَّ يَأْخُذُ الْكَاهِنُ مِنْ يَدِ الْمَرْأَةِ تَقْدِمَةَ الْغَيْرَةِ، وَيُرَجِّحُهَا أَمَامَ الرَّبِّ، ثُمَّ يُقَدِّمُهَا إِلَى الْمَذْبَحِ. 26 وَيَتَنَاوَلُ مِلْءَ قَبْضَتِهِ مِنْهَا وَيُحْرِقُهُ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْقِي الْمَرْأَةَ الْمَاءَ. 27 فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ قَدْ تَنَجَّسَتْ وَخَانَتْ زَوْجَهَا، فَإِنَّهَا حِينَ تَشْرَبُ الْمَاءَ الْجَالِبَ اللَّعْنَةَ يُسَبِّبُ لَهَا آلاَمَ مَرَارَةٍ، فَيَتَوَرَّمُ بَطْنُهَا وَيَذْوِي فَخْذُهَا، وَتُصْبِحُ الْمَرْأَةُ لَعْنَةً فِي وَسَطِ شَعْبِهَا. 28 أَمَّا إِنْ كَانَتْ بَرِيئَةً طَاهِرَةً، فَإِنَّهَا تَتَبَرَّأُ وَتحبل.)

 الخاتمة

 في النهاية أود القول بأن كل ما قد ذكرنا من أقوال الكتاب المقدس, يهدف فقط إلى تخفيض حدة وتيرة هؤلاء الذين يتهمون الإسلام والشريعة الإسلامية بأشياء كثيرة دون وجه حق ودون أن ينظروا أولا فيما تقوله كتبهم المقدسة. إن الشريعة الإسلامية هي الشريعة الوحيدة التي تحارب على مستوى العالم خلاف غيرها من الشرائع, كل مظاهر العنصرية والتمييز بين الناس وأكل أموالهم وسرقتهم ونهبهم والتعدي على أعراضهم وهتكها.

في حين نقرأ في الكتاب المقدس في سفر التثنية (23/19): (19 لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة، أو ربا طعام، أو ربا شيء مما يقرض بربا 20 للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا، لكي يباركك الرب إلهك).

 وفي سفر الخروج (3/22): (22 بل تطلب كل امرأة من جارتها و من نزيلة بيتها أمتعة فضة و أمتعة ذهب وثيابا وتضعونها على بنيكم وبناتكم. فتسلبون المصريين).

وفي سفر زكريّا (14/1): (1 هو ذا يوم للرّب يأتي فيقسم سلبك في وسطك. وأجمع كل الأمم على أورشليم للمحاربة , فتؤخذ المدينة, وتنهب البيوت , وتفضح النّساء, ويخرج نصف المدينة إلى السبي).

فأين إذن الإعلام الغربي الذي يتهم الشريعة الإسلامية ليل نهار دوما بالكذب, من أن ينتقد ما قرأناه الآن من إنتهاك صريح لحقوق الانسان!! ولكن معرفتهم الداخلية أنه الدين الحق وحقدهم عليه جعلهم يهبون بهذه الهجمة الشرسة لينفروا الناس منه خاصةً بعدما رأوا الإقبال الشديد على الدخول في الاسلام. ولكن هيهات فهم كمن يضع يده أمام الشمس ليحجب نورها عن الكون ، قال الله تعالى :" وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ. (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ. (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. (90) وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ. (92) " سورة البقرة.

 وأقول بكل ثقة أنه لا منقذ لمجتمعات العالم الحديث مما هي فيه من دمار شامل لحقها في جميع مجالاتها الأخلاقية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية بسبب طغيان أنظمتها الوضعية من الرأسمالية البغيضة والشيوعية الإلحادية والإشتراكية المذلة للشعوب آكلة كدهم وجهدهم، والدكتاتوريات الحاقدة قاتلة الإبداع البشري وما تعيشه من سيادة لغة العنف والتمييز العنصري بسبب الطائفية والعرقية، وكذلك لا منقذ لأرواح البشرية الحائرة وما تعيش فيه من فراغ نفسي قاتل وقلق وتوتر عاطفي إلا بالأخذ بالإسلام واعتناقه وتطبيق تعاليمه, حينها يسود المجتمعات البشرية الأمن والعدل والسلام والرخاء والرحمة ، وتطمئن قلوب شعوبها الحائرة وتهدأ أنفسهم المتوترة وتنشرح صدورهم المنقبضة، وصدق الله العظيم :" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" سورة الأعراف 96.

ولقد ظهر كثير من المفكرين الغربيين الذين يرشحون الإسلام ليكون منقذاً للبشرية مما هي فيه من الانحدار في مهاوي الفساد والرذيله واللاإنسانية، فيقول المفكر الفرنسي ديباسكييه (Deebckeeh) : إن الغرب لم يعرف الإسلام أبداً، فمنذ ظهور الإسلام اتخذ الغرب موقفاً عدائياً منه، ولم يكف عن الافتراء والتنديد به لكي يجد مبررات لقتاله، وقد ترتب على هذا التشويه أن رسخت في العقلية الغربية مقولات فظة عن الإسلام، ولا شك أن الإسلام هو الوحدانية التي يحتاج إليها العالم المعاصر ليتخلص من متاهات الحضارة المادية المعاصرة التي لابد إن استمرت أن تنتهي بتدمير الإنسان أهـ.

ويقول المفكر الانجليزي برناردشو George Bernard Shaw)) في كتابه (محمد) الذي تم احراقه من قبل الحكومة البريطانية في ذلك الوقت لما يحتويه من تصريح بالاعتراف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وصلاحية دينه: إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة - يعني أوربا - إن رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجة للجهل أو التعصب قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة لقد كانوا يعتبرونه عدواً للمسيحية أهـ.

ويقول في موضع آخر في نفس الكتاب : لكنني أطلعت على أمر هذا الرجل فوجدته أعجوبة خارقة، وتوصلت إلى أنه لم يكن عدواً للمسيحية، بل يجب أن يسمى منقذ البشرية، وفي رأي أنه لو تولى أمر العالم اليوم لوفق في حل مشكلاتنا، بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنوا البشر إليها أهـ.

ويقول المؤرخ الانجليزي ويلز : كل دين لا يسير مع المدنية فى كل أطوارها فاضرب به عرض الحائط، وإن الدين الحق الذي وجدته يسير مع المدنية أينما صارت هو الإسلام.. ومن أراد الدليل فليقرأ القرآن وما فيه من نظرات ومناهج علمية وقوانين اجتماعية، فهو كتاب دين وعلم واجتماع وخلق وتاريخ، وإذا طُلِب مني أن أحدد معنى الإسلام فإنني أحدده بهذه العبارة "الإسلام هو المدنية" أهـ.

وهنا سؤال يطرح نفسه: "لماذا لا يريدون الإسلام ولا يريدونكم أن تعرفوه أو لتعرفوه ولكن وفق تشويههم ؟" السبب: أنهم لن يستطيعوا من خلال الإسلام أن يستولوا على أموالكم من خلال فرض الضرائب والربا وباسم الاقتصاد العالمي المفتوح, ولن يستطيعوا أن يجعلوا النساء مثل الملكية العامة بين الرجال من خلال فرض الحرية الجنسية, ولن يستطيعوا أن يستعبدوا البشر من خلال ما يفرضونه عليهم من قوانين وضعية لا تزيدهم إلا تكبيلاً وخضوعاً لهم، لكن من خلال الشريعة الإسلامية لن يستطيع أحد أخذ أموالك ولن يستطيع أحد الاعتداء على عرضك ولن يستطيع أحد استعبادك ، يقول الله صلى الله عليه وسلم :" إن أموالَكم وأعراضَكم ودماءَكم حرامٌ عليكم كحرمةِ يومِكم هذا في شهرِكم هذا في بلدِكم هذا " الألباني – صحيح.

في واقعنا الحياتي عندما تضل الطريق وتجد من يدلك على الطريق الموصلة للجهة التي تقصدها تتقدم له بالشكر وجزيل العرفان ، إذاً فما بالك بمن يدلك على الطريق الموصلة للسعادة والنعيم المقيم في الحياة الأبديه في الجنة ويحذرك من الطريق الموصلة للشقاوة والعذاب المقيم في الحياة الأبدية في النار أليس من الأولى بك أن تتقدم له بالشكر الجزيل على ماقدم لك من إنقاذ روحك وجسدك من النار بدل أن تنتقده وتحذر الناس منه !!؟ كذلك الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يعهد عليه كذب ولاخيانه قبل الإسلام وبعده, فقد كان مثالًا كاملًا للأمانة وأداء الحقوق لأربابها، والصدق في الحديث، لم تحص عنه خيانة ولا كذبة قط، ولقد اشتهر بأمانته منذ صغره حتى لقب بالأمين، ولما بلغ هرقل ملك الروم كتاب النبي داعيًا له إلى الإسلام طلب ناسًا من قومه يسألهم عنه، فجيء له برهط فيهم: أبو سفيان بن حرب فكان مما قال له: (هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟) قال: لا، قال هرقل: (ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله!!) ومن أمانته صلى الله عليه وسلم أنه لما هاجر الى المدينة سراً خوفاً من قومه أن يمنعوه ترك ابن عمه عليًا بمكة ليرد الودائع التي كانت عنده إلى أصحابها؛ لذلك كانوا يلقبونه بالصادق وبالأمين، فالواجب ان يقال عنه مثل ماقال هرقل عظيم الروم ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله!!.

الذي جاء بالشريعة الإسلاميه ليكون لك منقذاً في الدنيا من ظلم وجور الحكام والأنظمة الجائرة ومنقذاً لروحك الحائرة ونفسك القلقة بسبب ماتجده من التناقض في دياناتها وشرائعها التي تعبد البشر وتألههم وليكون لك منقذاً من النار بعد الموت، فالشريعة الإسلامية هي الحق فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، قال الله تعالى: " قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ " سورة النور 54.

تم بحمد الله

اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

www.islamland.com




[1] سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن ج /4 ص/2215

[2] مونتجمري وات، المؤرخ الإنجليزي، الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر (ص: 223 - 226) (33)

[3] Edward Gibbon: ‘In the preceding volumes of this history, I have described the Triumph of barbarism and religion’. The Decline and Fall of the Roman Empire, vol. 3, ch. LXXI, p. 1068.

[4] Euthanasia.

[5] Groningen Protocol, 2004, Eduard Verhagen, Netherlands.

[6] Nigel Cox.

[7] Louis XVI.

[8] Hanged, drawn and quartered, Sir Thomas Armstrong.

[9] Disembowelment or evisceration, Balthasar Gérard.

[10] Lynda Lyon Block.

[11] Drownings at Nantes, Noyades de Nantes.

[12] Death by crushing or pressing, Giles Corey.

[13] Richard Rice.

[14] Death by sawing.

[15] Dismemberment, Peru, Túpac Amaru II.

[16] Slow slicing, Joseph Marchand.

[17] Human sacrifice

[18] Aztec

[19] Huitzilopochtli

[20] Tlaloc

[21] Huehueteotl

[22] Xipe Totec

[23] Annual Customs of Dahomey

[24] Benin

[25] Mu

[26] Qin

[27] Slavs

[28] Perun

[29] Roman Law, Table IV. A dreadfully deformed child shall be quickly killed.

[30] Oxyrhynchus, Egypt, 1 B.C. (Oxyrhynchus papyrus 744. G).

 صحيح فقه السنة (4/8).[31]

[32] المنتقى (7/135).

 صحيح فقه السنة (4/13).[33]

 صحيح فقه السنة (4/20).[34]

 راجع موسوعة الفقه الإسلامي, محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري.[35]

[36] 'stand your ground' laws.

[37] Christopher Stephen Grayling, Lord Chancellor and Secretary of State for Justice. http://www.independent.co.uk/news/uk/politics/the-burglar-is-unarmed-you-have-a-knife-so-what-do-you-do-next-8203046.html

[38] http://www.telegraph.co.uk/news/politics/conservative/9595589/David-Cameron-when-a-burglar-invades-your-home-they-give-up-their-rights.html

[39] Swinging, wife swapping, wife sharing, partner sharing, wife trading or wife lending.

[40] Swinging in America: Love, Sex, and Marriage in the 21st Century, By Curtis R. Bergstrand, Jennifer Blevins Sinski.

[41] Matilda Joslyn Gage, ‘‘Women, Church and State’’, Chapter VII, Polygamy, page 404.

[42] Matilda Joslyn Gage, ‘‘Women, Church and State’’, Chapter VII, Polygamy, page 398.

[43] St. Augustine of Hippo, ‘‘Moral Treatises Of St. Augustine’’.

[44] Philip Schaff, ‘‘Nicene and Post-Nicene Fathers’’: First Series, Volume IV St. Augustine: The Writings Against the Manichaeans, and Against the Donatists, Book XXII, Page 289.

 كتاب آثار ابن باديس.[45]

[46] Charlemagne.

[47] Saxons.

[48] Verden, 782 A.D.

[49] Capitulatio de partibus Saxoniae.

[50] Ustaša, Croatian Revolutionary Movement.

[51] http://www.nytimes.com/2007/05/24/world/americas/24pope.html?_r=0

[52] Albigensian Crusade or Cathar Crusade (1209–1229), Catharism, Pope Innocent III, Massacre at Béziers 1209.

[53] Massacre of Mérindol (1545), Waldensians.

[54] Riots of Toulouse 1562.

[55] Massacre of Vassy 1562.

[56] Michelade, Saint Michael’s Day (1567), Nîmes.

[57] St. Bartholomew's Day massacre 1572.

[58] Irish Confederate Wars 1641 – 1652.

[59] Anabaptists 1525 – 1660.

[60] Macarios III Zaim Patriarch of Antioch.

[61] Arianism – nontrinitarian, Arius.

[62] Look: ‘When Jesus became god’, page 191, Richard E. Rubenstein.

 الشرح الممتع (8/22).[63]

 الشرح الممتع (8/7).[64]

 تفسير ابن عاشور.[65]

 التفسير الميسر.[66]

[67] Coptic Synaxarium, Pope Benjamin I of Alexandria http://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/Coptic-Synaxarium-or-Synaxarion_English/05-Topah/Coptic-Calendar_08-Toba.html#3.

[68] Pope Benjamin I of Alexandria.

[69] Saint Mark's Coptic Orthodox Cathedral (Alexandria).

[70] الطبري ج3 ص: 226

[71] الإنسان 8-9

[72] محمد 4

[73] Crimean War.

[74] Epirus Revolt of 1854.

[75] عند الإمام أحمد

 ثوب دون: أي دنئ غير لائق بحالي من الغنى.[76]

 أي من أي صنف من جنس الأموال.[77]

 أي مضيئة مقمرة.[78]

 أي عريض أعلى الظهر.[79]

 الجمة: الشعر الذي نزل إلى المنكبين.[80]

 أي ثوب أحمر.[81]

[82] صحيح مسلم ج4 ص2106 رقم الحديث 2750

[83] سنن الترمذي ج4 ص357 رقم الحديث 1990

[84] صحيح ابن حبان ج13 ص106 رقم الحديث 5790 – صحيح.

[85] مسند الإمام أحمد ج5 ص362 رقم الحديث 23114 – صحيح.

[86] سنن أبي داود ج4 ص 297 رقم الحديث 4990 - حسن.

[87] Bart D. Ehrman ‘‘Misquoting Jesus in the Bible’’ LECTURE minute 33:00. /see also, Bart D. Ehrman "Jesus and the Adulteress," ‘‘New Testament Studies’’, xxxiv (1988) pp. 24-44./ See also, Bruce Metzger, A Textual Commentary on the Greek New Testament (Stuttgart, 1971), pages 219-221.