مائة وخمسون فائدة من أدعية الاستفتاح في الصلاة : مقالة بين فيها المؤلف - أثابه الله - بعض الفوائد التربوية وغيرها من أدعية الاستفتاح في الصلاة التي ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
150 مائة وخمسون فائدة من أدعية الاستفتاح في الصلاة
عقيل بن سالم الشمري
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد : فقد تعددت صيغ أدعية الاستفتاح للصلاة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شك بأن هذا التعدد له مميزاته ، وفيه أسراره الإيمانية ، وإكمالا لمشروع " الفوائد التربوية من الأحاديث النبوية " الذي يسر الله لي البداءة فيه ، أحببت أن أذكر بعض الفوائد التربوية وغيرها من أدعية الاستفتاح ، طالبا من ربي المدد والإعانة والفتح ، وألا يحرمني بذنوبي : الدعاء الأول : " اللهم بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كما بَاعَدْتَ بين الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللهم نَقِّنِي من الْخَطَايَا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ من الدَّنَسِ اللهم اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ " وفيه من الفوائد التربوية وغيرها ما يلي : الفائدة الأولى : مناسبة دعاء الاستفتاح في أول الصلاة وقبل القراءة ظاهرة جدا ، بل إنه لا يحسن به إلا هذا الموضع ، فهو كالمقدمة بين يدي الملوك ، لأن الفاتحة مناجاة ومخاطبة بين العبد وربه ، وأي مناجاة ومحادثة من الأليق أن يتقدمها جمل ليست بالطويلة المملة فيضيع معها مقصود المناجاة ، وليست بالقصيرة التي لا تغني ، فكان موقعه أنسب المواقع ، والحاجة له داعية . الفائدة الثانية : من تأمل ألفاظ الحديث وجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يطلب ربه المباعدة بينه وبين ذنوبه ، وأن ينقيه من الخطايا ، وأن يغسله بالماء والثلج والبرد ، وبهذا رفع الله رسله وأنبياءه ، حيث أنهم يجتهدون في الأعمال لمعرفتهم بعظمة من يعبدونه ، فأمتهم أحرى بذلك . الفائدة الثالثة: فيه الاعتراف بالذنوب والخطايا ، فمن تأمل الحديث وجد تكرار " خطاياي " ثلاث مرات ، وهذا له أثره على طرد العجب ، ومعرفة قدر النفس ، وشدة الارتباط بالله ، وذلك أكثر مناسبة للوقوف بين يدي الله والتقديم بين مناجاته ، حيث يعترف العبد بذنوبه وخطاياه ويطلب من ربه أن يباعد بينه وبينها بحيث لا تحول بينه وبين ربه . الفائدة الرابعة: في الحديث ثلاث مراتب للمؤمن مع خطاياه ، وكلها لها اعتبارات مختلفة، وهي : المرتبة الأولى : " باعد بيني وبين خطاياي " وهي مرتبة المباعدة ، وهذه الحالة تصدق على المؤمن قبل مواقعة الذنب ، فإنه يسأل ربه أن يباعد بينه وبين خطاياه أمدا بعيدا ، فإن هذا أدعى للسلامة من الوقوع فيها . المرتبة الثانية : " اللهم نقني من خطاياي " وهي مرتبة التنقية ، والمراد والله أعلم محو الذنوب وإزالتها ، وهذه المرتبة تتناول الذنوب التي واقعها ، فيطلب من ربه أن يمحوها ويزيلها عنه ويغفرها له . المرتبة الثالثة : " اللهم اغسلني من خطاياي " وهي مرتبة الغسل ، والمراد والله أعلم إزالة أثر الذنب بعد فعله ، وتصدق هذه الجملة على من تلبس بالذنب وواقعه ، ثم تاب لربه فإنه يسأل ربه أن يزيل أثر الذنب عنه ، فإن للذنوب أثرا غير كتابتها ، فكم من نظرة أورثت ندامة وأزالت علما ، مع أنها قد تغفر لصاحبها ، وذلك والله أعلم حتى لا يستوي من وقع بالذنب مع من لم يقع فيه . فشملت هذه الجمل الثلاث " باعد – نقني – اغسلني " مراتب المؤمن أمام الذنوب ، والله أعلم بأسراره شرعه . الفائدة الخامسة : وهناك رأي آخر في المراتب الثلاث قاله الكرماني رحمه الله : " يحتمل أن يكون في الدعوات الثلاث إشارة إلى الأزمنة الثلاثة ، فالمباعدة للمستقبل ، والتنقية للحال ، والغسل للماضي. الفائدة السادسة : في قوله " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب " المراد بها الذنوب التي لم يمارسها ، وعلى هذا يأتي سؤال : لماذا طلب المباعدة دون غيرها ؟ والذي يظهر والله أعلم لأن الله كتب على ابن آدم حظه من الذنوب مدرك ذلك لا محالة ،فلا نجاة للعبد منها أبدا ، فاقتصر في الدعاء على المباعدة وهي تدل على التأخير ، وهذا أنسب لأنه أبطأ أثرا . الفائدة السابعة : في تكرار لفظ " بين " في قوله : " بيني وبين خطاياي " دليل على شدة طلب العبد ربه أن يباعد بينه وبين ذنوبه أبعد مما بين المشرق والمغرب ، ولهذا لم يتكرر لفظ " بين " في قوله "بين المشرق والمغرب " وهذا الشعور في شدة الطلب بالمباعدة له أثره على معرفة العبد لأثر الذنوب والوقوع فيها . الفائدة الثامنة : في قوله " باعد بيني وبين خطاياي " دليل على أن الدنو من المعاصي والقرب من الذنوب وأماكنها أحد الأسباب التي تجعل العبد يقع فيها ، فمن هنا طلب العبد من ربه أن يباعد بينه وبين الخطايا حتى لا يجد سبيل يوصله إليها . الفائدة التاسعة : قوله : " باعد بيني وبين خطاياي" المباعدة تشمل : أ ـ طلب مباعدة الأثر : والمراد المباعدة من تأثيراتها وعقوباتها الدنيوية والأخروية ، فإن للذنوب أثرا في الدنيا والآخرة ، فيطلب المؤمن من ربه أن يباعد بينه وبين أثارها الدنيوية والأخروية . ب ـ وتشمل المباعدة المكانية : فيسأل ربه أن يباعد بينه وبين ذنوبه من حيث المكان ، فلا يكون قريبا من مواقع المعاصي ومواطنها لأن ذلك يسهل الوقوع فيها . ج ـ المباعدة الزمانية : فيسأل ربه أن يباعد بينه وبين زمن الوقوع في الخطايا ، فإن المؤمن يكون في عافية حتى يقع في شيء من الذنوب ، وهذا كالنتيجة للمباعدة الأولى . الفائدة العاشرة : المؤمن هو الحريص على إبعاد نفسه عن الذنوب ، فلذلك بدأ في طلب المباعدة بنفسه فقال : " باعد بيني " فبدأ بنفسه إشعارا منه لربه بأنه هو الحريص على الهروب من الذنوب ، وهذا في مقام الاستفتاح مناسب جدا ، فإن العبد بين يدي ربه يريد أن يظهر لربه وهو – وهو سبحانه أعلم به – أنه حريص كل الحرص على أن يقف بين يدي ربه هاربا بنفسه من الذنوب ومواقعها ، وهذا أنسب من لو قال : باعد بين خطاياي وبيني . الفائدة الحادية عشرة : قوله : " بين المشرق والمغرب " هذه أبعد مسافة بين نقطتين ، فكأن المراد باعد بيني وبين خطاياي بُعداً كثيرا كأبعد مكانين عن بعضهما وهما المشرق عن المغرب ، فإن ما عداهما من الأمكنة وإن بَعُد لا يصل إلى بعدهما . الفائدة الثانية عشرة : قال : " باعد " ولم يقل : أبعد لأن صيغة " باعد " تقتضي المبالغة في الإبعاد ، بخلاف الإبعاد فإنه يطلق على مجرد البعد دون الأبعد ، وهذا هو شعور المؤمن حين يقف أمام ربه يناجيه ويسأله مستعدا لمخاطبته فإنه يسأل ربه أن يباعد بينه وبين ذنوبه أبعد ما يمكن ، فاختار من الكلمات ما يناسب هذا الحال . الفائدة الثالثة عشر : نسب الذنوب لنفسه فقال : " خطاياي " فالعبد هو الذي باشرها ولذلك نسبها لنفسه ، وفي هذا رد على القدرية . الفائدة الرابعة عشر : دل الدعاء على أن الخطايا والذنوب تؤثر على مناجاة العبد لربه ، فكلما سلم العبد منها ، وتطهر من آثارها كلما كانت المناجاة أتم ، فلما كان المصلي بحاجة لتمام المناجاة ، والذنوب تؤثر عليها صار العبد يطلب من ربه المباعدة بينه وبين خطاياه . وعلى هذا من أراد التلذذ بمناجاة الله فليطهر نفسه من الذنوب فإن لها أثرا في المنع . الفائدة الخامسة عشر: في دعاء الاستفتاح يُظهِر العبد لربه تمام ذله بين يديه ، وأن الله هو مالك الأمر ، وبيده كل شيء ، وأن العبد ضعيف مذنب ، وهذا من مقاصد العبادة ، ولهذا يقول المستفتح : " اللهم باعد بيني وبين خطاياي " ويقول : " اللهم نقني من خطاياي " وهكذا . الفائدة السادسة عشر: في قوله : " نقني من خطاياي " اعتراف بالذنب وأن العبد قد قارف الذنوب والمعاصي الفائدة السابعة عشر : في طلب العبد من ربه المباعدة والتنقية والغسل دليل على أن العبد ليس له ملجأ إلا لربه ، فالعبد على هذا محتاج لله قبل الذنب بأن يباعد الله بينه وبين ذنبه ، ومحتاج لربه بعد الذنب بأن ينقيه منه ومن أثره ، وهذا تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر : " ﴿ لا ملجأ ولا منجا إلا إليك ﴾ . الفائدة الثامنة عشر : شبه النفس بالثوب في قوله : " كما ينقى الثوب " وهذا له ما يشابهه في قوله تعالى : وثيابك فطهر فقد فسرها جماعة من المفسرين بأن المراد بالثياب : النفس ، والحديث يشهد لهذا التفسير . الفائدة التاسعة عشر: شبه الذنوب بالدنس ، والدنس هو التلطخ بقبيح ، ولا أقبح من الذنوب ، والوقوع فيها تلطخ بها . الفائدة العشرون : صيغة " نقني " أبلغ في طلب التنقية من " أنقني " ولهذا أتى بالصيغة التي تدل على زيادة في طلب التنقية ، وهي أليق بمقام التذلل لله سبحانه وتعالى ، فإنها تشعر أن العبد ملئ بالخطايا والذنوب ، فهو محتاج إلى المبالغة في تنقيتها ، فكلما ازدادت الأوساخ زادت الحاجة إلى زيادة التنقية . الفائدة الحادية والعشرون : ذكر الثوب الأبيض دون غيره من الألوان لأنه أظهر من غيره من الألوان. الفائدة الثانية والعشرون : وكذلك قوله : " الثوب الأبيض " إشعار منه إلى أن هذا هو الأصل ، فالأصل أن نفس المؤمن تكون صافية ناصعة البياض ، سليمة مما يدنسها ، فإن تلطخت بالذنوب فإن المؤمن مطالب بأن يرجع إلى ما كان عليه من الأصل ، وهو البياض .
الفائدة الثالثة والعشرون : وكذلك قوله : " الأبيض " إشعار منه إلى أن نفس المؤمن تتأثر بأدنى ذنب ، كما يتأثر الثوب الأبيض – دون غيره من الألوان - بأدنى دنس ، وعلى هذا فإن المؤمن عليه أن يحذر من الذنوب دقيقها وجليلها ، وعلى هذا كان نهج الصحابة ش كما قالت عائشة ك : " إنكم تعملون أشياء كنا نعدها زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر " . الفائدة الرابعة والعشرون : سبب تخصيص الغسل بالماء والثلج والبرد مع كون الماء الحار أبلغ في التنظيف ؛ لأن " الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفا ، فيرتخي القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه ، فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها ، ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه ، والماء يغسل الخبث ويطفئ النار ، فإن كان باردا أورث الجسم صلابة وقوة ، فإن كان معه ثلج وبَرَد كان أقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته ، فكان أذهب لأثر الخطايا " . " وقال الكرماني : جعل الخطايا بمنزلة نار جهنم لأنها مستوجبة لها بحسب وعد الشارع ، فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل تأكيدا في الإطفاء ، وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء إلى أبرد منه ، وهو الثلج ثم إلى أبرد من الثلج وهو البرد ، بدليل جموده لأن ما هو أبرد فهو أجمد " . الفائدة الخامسة والعشرون : في قوله : " كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس " وقوله : " اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد " تشبيه للأمر المعنوي بالأمر الحسي ، وهذا له أثره على التفكر بالدعاء ومعرفة معانيه ومقاصده ، فإن المؤمن إذا دعا بطلب التنقية من الذنوب وذكر تنقية الثوب الأبيض من الدنس كان عارفا بمعناها ، مستظهرا لمدلولها ، ومثله إذا دعا ربه أن يغسله من ذنوبه بالماء والثلج والبرد أيضا . وكلما كان الإنسان متفكرا بمعنى دعائه ، مدركا له ، كان ذلك أدعى للإجابة . الفائدة السادسة والعشرون : في قوله : " بالماء والثلج والبرد " طلب المبالغة في التطهير ، وهكذا المؤمن يسأل ربه أن يطهره ويغفر له وينقيه ، ويكرر العبارات ، ويعيد الجمل مع اتحاد المدلول ، وذلك مبالغة منه في طلب التطهير .
الدعاء الثاني : ﴿ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وما أنا من الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ له وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنا من الْمُسْلِمِينَ ، اللهم أنت الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إلا أنت ، أنت رَبِّي وأنا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جميعا إنه لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أنت ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلا أنت ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلا أنت ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ وَالشَّرُّ ليس إِلَيْكَ ،أنا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ﴾ وفيه فوائد : الفائدة السابعة والعشرون : ذكر الوجه دون غيره من الأعضاء لأنه أشرفها ، ففيه دلالة على التعبير عن الكل بالجزء ، وتسمية الشيء ببعضه ، فقد عبر عن الجسم بالوجه . الفائدة الثامنة والعشرون : لم يذكر القلب – في الحديث - مع أنه أهم في توجهه ، ولعل السبب لأن المؤمن مطالب بأفعال الظواهر لأن عليها الثواب والعقاب ، أما البواطن فأمرها إلى الله ، فعلق الأمر على أمر ظاهر يمكن مشاهدته . الفائدة التاسعة والعشرون : ذكره الوجه دليل على ارتباط الظاهر بالباطن ، والقلب بالجوارح كما هو مذهب أهل السنة والجماعة في العلاقة بين أعمال القلوب وأعمال الجوارح . فتوجه قلب المصلي لله أثر على توجه جوارحه ومنها الوجه ، ثم يبقى بعد ذلك مقدار هذا التوجه مبني على مقدار توجه القلب لربه ، فكلما زاد توجه القلب لربه زاد توجه الجوارح ، فخشع البصر فلم يتعد موضع سجود ، وسكنت جوارحه فلم تطيش ، وأما إذا ضعف توجه القلب لله ضعف أيضا توجه الجوارح ، فأصبح البصر يلتفت وهذا اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة المرء ، والجوارح تعبث ، وقد يصل الأمر إلى أضعف من هذا . الفائدة الثلاثون : قوله : " وجهت وجهي للذي فطر السموات " دليل على تلازم توحيد الربوبية مع الألوهية ، فمن عرف أن الله هو فاطر السموات والأرض قاده ذلك إلى التوجه له بالعبادة . الفائدة الحادية والثلاثون : قوله : " فطر السموات والأرض " فيه حث على التفكر في مخلوقات الله وآلائه ، وأن التفكر فيها يهدي للتوجه لربها وفاطرها ومبدعها سبحانه وتعالى . فكم يمر الإنسان بجبال وأنهار ؟ وكم نغفل عن الليل والنهار والشمس والقمر ؟ وصدق الله وفي أنفسكم أفلا تبصرون . الفائدة الثانية والثلاثون : فيه دليل على أن قراءة جزء من الآية في الدعاء أو غيره لا يعتبر قرآناً ، لأن قوله : " فطر السموات والأرض وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " هذه جزء من آية ، فلو كانت قرآنا لكان المستفتح بهذا الدعاء مخالفا للسنة حيث قرأ قرآنا قبل الفاتحة ، فصح القول بجواز قول الدعاء والذكر ولو تضمن جزء من آية ، وعلى هذا لو قرأ في ركوعه تسبيحا فيه جزء من آية لم يكن داخلا في النهي عن قراءة القرآن وهو راكع . الفائدة الثالثة والثلاثون : فيه التوكيد على الاعتراف بالتوحيد لله سبحانه ، وقد تكرر الاعتراف له في هذا الدعاء أكثر من مرة : فقوله : " وجهت وجهي " ، وقوله : " حنيفا " ، وقوله : " مسلما " ، وقوله : " وما أنا من المشركين " . كلها عبارات تدل على التوحيد ، وتعطينا الأهمية التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن في ذكره لتوحيده ، وهذا التكرار والاعتراف يناسب دعاء الاستفتاح جدا ، فإن المصلي يريد أن يناجي ربه ، ولهذا يذكر له توحيده له ويكرر هذا الأمر فإنه لن يجد أمرا يذكره في هذا المقام أفضل من ذكره للتوحيد . الفائدة الرابعة والثلاثون : ما تقرب متقرب لله سبحانه وتعالى أفضل من أن يوحده ، ويبرأ من الشرك به . الفائدة الخامسة والثلاثون : بين هذا الدعاء أن الإنسان لا يخلو من حالتين فقط : حنيف موحد أو مشرك ، لأنه قال : " حنيفا وما أنا من المشركين " ولو كان هناك خيار ثالث لذكره ، لأن المقام مقام إثبات ونفي ، فيقتضي الحصر ، فعلى الإنسان أن يفتش عن نفسه ، ويجدد إيمانه بالله سبحانه وتعالى . الفائدة السادسة والثلاثون : الملاحظ أن الصيغة في أول الحديث صيغة إفراد ، ثم قال: " وما أنا من المشركين " وهي صيغة جمع ، ولعل ذلك – والله أعلم – ليبين أن المؤمن لا يغتر بكثرة الهالكين ، فكأن لسان حال المؤمن الموحد : أني وجهت وجهي موحدا لك ، ولست من أولئك الذين أشركوا بك ، فلم أغتر بهم وبعددهم لأنهم على ضلالة . الفائدة السابعة والثلاثون : في قوله : " صلاتي ونسكي " ذكر أهم عبادتين وهما : الصلاة والذبح لأنهما يتضمنان كثيرا من العبادات الأخرى ، فالصلاة تتضمن الذكر وقراءة القرآن والدعاء والخشوع والإخلاص وغيرها ، والذبح يتضمن التسليم والانقياد والتعظيم والبذل المادي وغيرها ، وكثيرا ما تقترن الصلاة بالذبح كما في قوله : " فصل لربك وانحر " . الفائدة الثامنة والثلاثون : قوله : " ومحياي ومماتي " يشمل ما يلي : أ ـ حال الحياة وحال الموت ، والمعنى على هذا : أن حياتي كلها ، وموتي لله رب العالمين ، أحيا على التوحيد وأموت عليه،وهو هنا يشمل الحياة على التوحيد والثبات عليه . ب ـ حال الحياة وما بعد الموت ، والمعنى على هذا : أن حياتي كلها لله أطيعه فيها ، وأعمل الصالحات ، و ما بعد الموت أيضا لله من الحشر والصراط وغيره ، إلا أن ما بعد الموت على هذا التفسير لا يستقيم مع قوله " لله رب العالمين " فإن الآخرة در جزاء . ج ـ أن حال الحياة وحال الموت بيد الله ، الله متصرف فيها كما يشاء ، وهذا وإن كان صحيحا من حيث المعنى إلا أنه ناقص المعنى فإن الله متصرف بكل شيء بقوته وقهره سبحانه وتعالى . ولا شك بأن المعنى الصحيح من هذا الأمور هو أكملها وأوسعها وهو الاحتمال الأول ، لأنه يشمل حال الحياة وحال الممات ، فكان لسان حال المؤمن : أن حياتي كلها بجميع أعمالها أصرفها لله وحده ، فأعبده فيها موحدا له لا أشرك معه غيره ، وأستمر على هذا التوحيد إلى حال مماتي فاثبت عليه أيضا موحدا بالله غير مشرك . الفائدة التاسعة والثلاثون : دل قوله : " وبذلك أمرت " أن المؤمن يستسلم لأمر الله ، وأنه لا خيار له في عبادته لربه ، وإنما هو طاعة لأمره ، وتنفيذا لحكمه سبحانه ، فإن قصر في ذلك فقد قصر في واجب من الواجبات التي شرعها الله له . الفائدة الأربعون : في قوله : " وأنا من المسلمين " روايتان : " وأنا من المسلمين " و " وأنا أول المسلمين " وكل واحدة لها معنى : فرواية مسلم : " وأنا من المسلمين " أي أصرف صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله وحده لا شريك له ، وأنا بذلك من المسلمين المأمورين بذلك . والرواية الأخرى : " وأنا أول المسلمين " أي : أنا أمرت بأن أصرف صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ، وسأكون أول المسلمين الممتثلين بذلك ، وعلى هذا فيها دلالة على المسارعة في فعل الخيرات ، وامتثال الأوامر . الفائدة الحادية والأربعون : المستفتح بهذا الدعاء تلكم عن نفسه أولا بما مضى بيانه " وجهت وجهي ..." ثم توجه بخطابه إلى ربه بأنه الملك " اللهم أنت الملك ... " وهذا أحسن ما يكون من ترتيب الخطاب أن يبدأ الفقير ببيان حاله وأنه قاصد الملك لا يقصد غيره أبدا ، ثم يثني على الملك بما هو أهله ، فإن ذلك يقع من الملك الموقع الحسن ، ولهذا بعد أن بيّن المصلي حاله وأنه توجه لربه لا شريك له ، وأنه لم يتجه لغيره ، بدأ بالثناء المباشر على ربه بأنه الملك لا إله غيره ، فقال : " اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت " . الفائدة الثانية والأربعون : اسم الله الملك يناسب مقام الاستفتاح دون غيره من الأسماء الحسنى لأن المقام مقام مناجاة ومخاطبة وتذلل ، واسم الملك أليق بذلك ، ولهذا بدأ به المصلي في قوله في هذا الدعاء " اللهم أنت الملك " . الفائدة الثالثة والأربعون : هذا الدعاء كله ثناء على الله ومن ذلك : " الذي فطر السموات والأرض " و " لله رب العالمين " و " اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت " و " أنت ربي " و " إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " و " لا يهدي لأحسنها إلا أنت " و " لا يصرف عني سيئها إلا أنت " و " والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك " و " لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، تباركت ربنا وتعاليت " . ومقام الاستفتاح يناسب أن يكثر المصلي من الثناء على الله فإن الثناء بوابة الملوك ، والله ملك الملوك ، ولا يليق المدح إلا له سبحانه وتعالى . الفائدة الرابعة والأربعون : هذا الدعاء يُظهر فقر العبد لربه ، ومن ذلك : " وبذلك أمرت " و " وأنا عبدك ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي " و " أنا بك وإليك " . ومقام الاستفتاح يناسب أن يظهر العبد فقره لربه وذله له ، فإنه أرجى لرحمة ربه . الفائدة الخامسة والأربعون : في قوله : " أنت ربي وأنا عبدك " تمام منزلة العبودية لله ، والمسكنة له ، فإن المصلي يعترف بربوبية الله التي تعنى أنه قائم بشئون عبده وحاجاته كما هي دلالة معنى " رب " في اللغة ، وبالمقابل العبد يعترف بأنه عبد لهذا الرب ، ومن صفات العبد أنه لا يملك شيئا ، ولا يتصرف بشيء إلا فيما يرضي سيده ، فأي فقر يظهره العبد لربه أشد من قوله " أنت ربي وأنا عبدك " . الفائدة السادسة والأربعون : كما أن قوله : " أنت ربي " يشعر بالتودد لله ، ويتضمن معنى طلب الرحمة ، فإن الرب يرحم مربوبه ، والمصلي بحاجة لرحمة الله وهو قائم يناجي ربه . الفائدة السابعة والأربعون : في قوله : " ظلمت نفسي " دليل على أن ما يرتكبه العبد من خطأ وذنب هو ظلم لنفسه في المقام الأول . الفائدة الثامنة والأربعون : كما يشعر أيضا قوله : " ظلمت نفسي " بأن العبد هو المتضرر الوحيد في حال ارتكابه الذنب ، وأن ضرر ذنبه سيعود على نفسه ، فكأن لسان حال العبد : يا رب ما فعلته من ذنوب لا يعود ضرره عليك لكمالك ، وإنما أنا المتضرر به ، وقد اعترفت بظلمي لنفسي . الفائدة التاسعة والأربعون : يدل قوله : " ظلمت نفسي واعترفت بذنبي " أن العدل مع النفس هو بإقامتها على شرع الله وقهرها عليه . الفائدة الخمسون : في ترتيب قوله : " ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا " ترتيب بديع حيث قسم الأمور إلى ثلاثة أشياء : أولا : منزلة الاعتراف بالذنب ، وهي قوله : " واعترفت بذنبي " . ثانيا : منزلة الطلب ، وهي قوله : " فاغفر لي ذنوبي جميعا " . ثالثا : منزلة النتيجة ، وهي قوله : " ظلمت نفسي " . فكان الأصل أن يقدم قوله : " اعترفت بذنبي " لكنه بدأ بالنتيجة " ظلمت نفسي " إظهار لتمام الافتقار لله ، فكأنه قال : لم أستفد شيئا ، فقد أذنب ، وها أنا اليوم أطلب منك المغفرة ، وهذا بهذا المقام أليق ، فسبحان اللطيف الحكيم . الفائدة الحادية والخمسون : في قوله : " واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا " تحقيق لما جاء في الحديث الآخر القدسي :" علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ، قد غفرت لعبدي فليعمل ما يشاء " . ولعمر الله إن الإنسان ليعمل الذنب وهو عالم به ، معترف بخطيئته ، نادم على مخالفة ربه ، لهو أهون عند الله ممن يعمل الذنب متحايلا على شرع الله كما يحدث اليوم في بعض المعاملات المالية ، وقضايا الأنكحة ، والله المستعان . الفائدة الثانية والخمسون : من تأمل الحديث وجد جميع رواياته - التي وقفت عليها – بلفظ " واعترفت بذنبي " ثم لما طلب المغفرة قال : " واغفر لي ذنوبي " فنلاحظ أنه غاير بين اللفظين ، فأفرد أولاً ثم جمع ثانيا ، فما السر في ذلك ؟ لعل من الأسرار – والله أعلم وأحكم – أن المصلي المستفتح بهذا الدعاء يتكلم عن نفسه أولا مبينا توحيده وتوجهه للذي فطر السموات والأرض ، ثم أثنى على ربه بما هو أهله ، ثم تحدث عن نفسه وأنه عبد لله ، وقد ظلم نفسه وجاء معترفا بذنبه ، فهو يبين حاله ، وأنه كالعبد الآبق الهارب من سيده الذي جاء عائدا لسيده معترفا بخطئه ، فناسب ذلك أن يقول : " واعترفت بذنبي " . فلما انتقلت المناجاة إلى طلب بين يدي ربه ناسب أن يطلب من ربه مغفرة خطاياه جميعا ، فإن مقام الطلب يناسبه الجمع . الفائدة الثالثة والخمسون : في قوله : " إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " مع قوله : " فاغفر لي ذنوبي جميعا " تناسب واضح في الدعاء ونهايته ، وهذا يرجع إلى فقه العبد بدعائه ، وتفكره وتدبره له . الفائدة الرابعة والخمسون : قوله : " إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " أليق بهذا المقام من قول : إنك أنت الغفار ، وذلك لأن مقام المصلي في استفتاحه مقام العائد إلى ربه ، والعائد يناسبه أن يعترف بأنه لم يجد غير ربه ، فناسب أن يبدأ بالنفي " إنه لا يغفر " . ولذلك جميع ألفاظ الحديث بدأت بالنفي : " لا يغفر الذنوب إلا أنت " و " لا يهدي لأحسنها إلا أنت " و " لا يصرف عني سيئها إلا أنت " و " لا منجا ولا ملجأ " . الفائدة الخامسة والخمسون : قوله : " واهدني لأحسن الأخلاق " يدل على أن الأخلاق فيها حسن وأحسن ، وأنها مقامات ، والمؤمن الموفق من هداه الله لأعلى مقاماتها ، وهذا يجعل الإنسان يتجاوز التفكير بالانتصار للنفس من الغير عدلا من دون ظلم إلى خُلُقٍ أحسن من ذلك وهو العفو والصفح ، وحياة النبي صلى الله عليه وسلم فيها الدلالة على التعامل بأحسن الأخلاق ، فمنه تستقى مادة أحسن الأخلاق . الفائدة السادسة والخمسون : في سؤال المصلي - المستفتح بهذا الدعاء - حسنُ الأخلاق لطيفة على التأكيد على موضوع الأخلاق ، وأن أهميتها وصلت إلى أن المصلي يسألها ربه قبل صلاته . وهذا يرد على الذين ينظرون على الأخلاق وأنها من محاسن الأمور ، ومن نوافل الإيمان دون فرائضه، فقد رفع هذا الحديث قدر الأخلاق حتى جعلها مما يستفتح بها المصلي صلاته ، وأنها من الواجبات شرعا ، فإن الدين كله يقوم على الأخلاق . الفائدة السابعة والخمسون : أظهر الحديث أن العبد لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، وأن الأمر بيد الله ، فالله هو الهادي لأحسن الأخلاق ، وهو الصارف لسيئها ، وهو غافر الذنب ، وهذا شعور يجب أن يخالط العبد الداعي لربه لأن العبودية تقوم على ذلك . الفائدة الثامنة والخمسون : قول المصلي في دعاء الاستفتاح : " واهدني لأحسن الأخلاق " دليل على ارتباط الصلاة بحسن الخلق ، فمن حسنت صلاته ، وقام بحقوقها وأركانها وواجباتها ، وخشع فيها ، كان له نصيب وافر من حسن الأخلاق ، كما أن الصلاة الكاملة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والتي هي في مقابل حسن الأخلاق ، فكذلك تأمر بحسن الأخلاق . ويمكن لنا أن نستنبط أن من وسائل حسن الأخلاق المحافظة على الصلاة بسننها ، بما في ذلك دعاء الاستفتاح هذا . الفائدة التاسعة والخمسون : الملاحظ أن لفظ دعاء الاستفتاح :" واهدني لأحسن الأخلاق " ولم يقل بعد ذلك : واصرف عني أسوأ الأخلاق ، تماثلا في اللفظ بين " أحسن " و " أسوأ " ، وإنما قال : " واصرف عني سيئها " لأن المؤمن لا يريد أدنى المرتبتين في السوء ، بينما يسعى لأكمل المرتبتين في الكمال ، فكأن لسان حال المؤمن : اهدني لأكمل الأخلاق الحسنة ، واصرف عني أي خلق سيء ، ففي الأخلاق الحسنة يسعى لأكملها وأعلاها وأفضلها ، وفي الأخلاق السيئة يسعى لإزالتها كلها لا يفرق بين السيئ والأسوأ . الفائدة الستون : في قوله : " واهدني لأحسن الأخلاق " تربية للمؤمن على الهمة العالية ، والسعي في تكميل نفسه ، ولا يرضى بالمرتبة الدنيا مع وجود غيرها أعلى منها . وكم أصبح الحصول على أدنى مراتب العلم الشرعي ، وبذل أقل جهد دعوي ، عذرا في عدم المواصلة ، ولا يزول ذلك إلا بهمة عالية تجعل المؤمن يسعى للكمال دائما . الفائدة الحادية والستون : في الحديث تربية للمسلم على الاستعاذة بالله من الأخلاق السئية . الفائدة الثانية والستون : لم يكتف الحديث بسؤال الله حسن الأخلاق ، وإنما أضاف لها سؤال الله أن يصرف عنه سيئها ، مع أن المتبادر للذهن أنه إذا رزق أحسن الأخلاق فقد صُرف عنه سيئها ، لكن هذا يدل على أن الأخلاق مراتب ، وهي حسب تقسيم الحديث : 1ـ أحسن الأخلاق ، وهي أعلى المراتب . 2ـ سيء الأخلاق ، وهي أسوأ المراتب . 3ـ يكون فيه حسن أخلاق من جهة وسوء أخلاق من جهة أخرى . ولهذا لم يكتف بسؤال الله حسن الأخلاق حتى أضاف لها السلامة من سيء الأخلاق ليصل بذلك إلى أعلى المراتب ، وهي التي تجمع بين حسن الأخلاق مع السلامة من سيئها ، وهو هديه صلى الله عليه وسلم . الفائدة الثالثة والستون : قوله : " لبيك " قيل في معناها أربعة أمور : " أحدها : إجابتي لك يا رب ، وإقامتي معك مأخوذ من : ألب بالمكان وألب به : إذا أقام به ، ومعنى التثنية فيه ، أي : إجابة بعد إجابة ، وإقامة بعد إقامة ، كما يقال : حنانيك ، أي : رحمة بعد رحمة . والثاني معناه : اتجاهي إليك وقصدي ، من قولهم : داري تلب دارك ، أي تواجههما ، والتثنية للتأكيد . والثالث : محبتي لك من قول العرب : امرأة لبة : إذا ما كانت محبة لولدها . والرابع : إخلاصي لك " . والخامس : أنه انقياد ، من قولهم لببت الرجل إذا قبضت على تلابيبه ، ومنه لببته بردائه والمعنى انقدت لك . السادس : أنه من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها وتقابلها ، والمعنى مواجهتك بما تحب متوجه إليك السابع : من قولهم فلان رخي اللبب ، وفي لبٍ رخي أي : في حال واسعة منشرح الصدر ، والمعنى : أني منشرح الصدر متسع القلب لقبول دعوتك الثامن : من الإلباب ، وهو الاقتراب أي : اقترابا إليك بعد اقتراب ، كما يتقرب المحب من محبوبه . والمستفتح للصلاة المناجي ربه تشمله هذه المعاني كلها ؛ لأنه لا تناقض بينها فالمؤمن مقيم على إجابة ربه كلما دعاه ، منقاد له ، وقصده واتجاهه لربه سبحانه لا لغيره حسا ومعنى ، ومحبته الكاملة لله أيضا فهو المحبوب لذاته ، وإخلاصه عبادته لربه لا يخالطه شرك ولا رياء ، وهو بذلك منشرح الصدر ، ومن استفتح صلاته بهذا الشعور فحري أن يستجاب له . الفائدة الرابعة والستون : قوله : " وسعديك " أي مساعدة في طاعتك ، فهي تتضمن طلب المساعدة من الله على طاعته ، كما تتضمن السعد والسرور بذلك .
الفائدة الخامسة والستون : الجمع بين " لبيك وسعديك " يدل على : أن المؤمن يستجيب لدعاء ربه ، ومع ذلك يطلب منه العون على عبادته ، فرجع أمر المؤمن كله لله بداية ونهاية . فالاستجابة لدعاء الله هو " لبيك " وطلب العون منه هو " سعديك " . الفائدة السادسة والستون : دل قوله : " وسعديك " على أن المؤمن يعبد ربه بانشراح صدر مسرورا بذلك ، ولا يكون ذلك إلا بتحقيق ركني العبادة : الذل والمحبة . وهما لا يجتمعان إلا لله ، فالله هو المعبود لذاته ، المطاع محبة له ، وهذا كله من قول المستفتح بهذا الدعاء " وسعديك " فهي كلمة تدل على السعد والانشراح والفرح بطاعة الله الفائدة السابعة والستون : في قوله : " لبيك " في استفتاح الصلاة مناسبة ، لأن الله نادى المؤمن لحضور الصلاة عن طريق المؤذن ، والمؤمن يقول : " لبيك " فهي إجابة لنداء حقيقي . الفائدة الثامنة والستون : الملاحظ أن قوله : " لبيك وسعديك " لم تأت في أول دعاء الاستفتاح مع أن النظر يقتضي أن يكون موقعها أول الكلام ، وذلك لأن اللائق بحال العبد الذي يريد مناجاة الله أن يبدأ الكلام بالثناء على الله ، وبيان ضعفه وخطئه وذنبه . وحاله في ذلك حال العبد المتمرد على سيده ، وسيده يدعوه ، فالأولى بحال هذا العبد إذا رجع لسيده أن يبدأ بالثناء على سيده والاعتراف بخطئه ثم يذكر أنه إنما رجع إجابة لنداء سيده ، وهذا أليق من كونه يبدأ خطابه بإجابة نداء سيده ، لأن الذنوب تدل على عدم تمام صدق العبد في تلك الإجابة . الفائدة التاسعة والستون : في قوله : " والخير كله في يديك " تفاؤلا من المؤمن بما عند الله ، وأن ما عند الله كله خير للعبد ، وتفاؤلا بقبول صلاته . الفائدة السبعون : قوله : " والخير كله في يديك " مناسب جدا لما قبله ، وهو قوله : " لبيك وسعديك " فكأن لسان حال المؤمن المستفتح بهذا الدعاء يقول : استجيب لك يا رب ، فساعدني على طاعتك ، فإن الخير كله في يديك ، ولا يأتي منك إلا الخير . فائدة الحادية والسبعون : في قوله : " والخير كله في يديك " أبلغ من قول : والخير في يديك كله ، لأن المقام مقام ثناء على الله ، وصيغة الحديث أبلغ في تحقيق الثناء على الله بتقديم " كل " لئلا يحول بين المؤكَد والمؤكِد شيء . الفائدة الثانية والسبعون : في قوله : " والشر ليس إليك " لم يقل : كله ، كما قال في الخير " والخير كله في يديك " وذلك لأن الله لا ينسب له شر محض البتة ، مهما دق كما هو منهج أهل السنة والجماعة . الفائدة الثالثة والسبعون : قوله : " والشر ليس إليك " يبين منهج أهل السنة والجماعة في القضاء والقدر وأن الله لا ينسب له شر البتة ، وهذا يعود أثره على إيمان الإنسان وثقته بربه . فالمؤمن يعيش حياته واثقا بربه أنه لن يقدر عليه شر محض ، وكل أمر كان ظاهره شرا فإن عقيدة المؤمن تجعله ينظر له بأن في باطنه من الخير ما لا يعلمه إلا مقدره سبحانه فإن الخير كله في يديه ، والشر ليس إليه . الفائدة الرابعة والسبعون : قوله : " والشر ليس إليك " فيها أدب مع الله حتى في الألفاظ ، فلم يقل : والشر ليس في يديك ، كما قال في الخير " والخير كله في يديك " وذلك لأن ظاهر قول : ليس في يديك يدل على أنه خارج عن ملك الله ، والله سبحانه لا يخرج عن ملكه شيء ، فكان الأولى أن يقال : ليس إليك ، وهي أبلغ في أداء المقصود ، وهذا يجعل المؤمن يتحرى حتى في ألفاظه أنسب العبارات والجمل . الفائدة الخامسة والسبعون : قال في نفي الشر عن الله : " والشر ليس إليك " والقياس أن يقول : والشر ليس منك ، وقد عدل عن ذلك لأنها أكثر أدبا في حق الله ، ولأن المؤمن ينفي نسبة الشر لربه ، وهي نتيجة لأن الله لا يخلق شرا محضا ، فذكر النتيجة ونفاها ، وهذا أبلغ ، فإن نفي النتيجة نفي لمقدماتها . الفائدة السادسة والسبعون : قوله : " أنا بك وإليك " شملت حياة الإنسان وموته ، وبيان ذلك : أن قوله : " أنا بك " يشمل حال الحياة ، فالإنسان في حال حياته مرتبط بربه ، ولولا ربه لم يحيا ولا يستطيع فعل أي شيء . وقوله : " وإليك " يشمل حال الموت ، فمرجع الإنسان إلى ربه ، وعودته إليه . فالمصلي المستفتح بهذا الدعاء أرجع أمر حياته وموته لربه سبحانه ، وهذا من عظيم منازل العبودية لله ، وهذا المعنى أوسع المعاني التي قيلت في هذه اللفظة . الفائدة السابعة والسبعون : قوله : " أنا بك " تدل على ضعف الإنسان وأنه لا يستطيع شيئا ، ولا يملك شيئا ، وإنما قوامه بالله ، فربط أمره بربه " أنا بك " . الفائدة الثامنة والسبعون : قوله : " أنا بك وإليك " يحتمل أيضا أن المراد حالات المؤمن مع الطاعة والمعصية ، وبيان ذلك : أنه في حال الطاعة لله ما كان ذلك إلا بالله وإعانته ، وهو المراد بقوله :" أنا بك " . وفي حال المعصية المرجع والمآب لله وحده ، وهو المراد بقوله : " وإليك " ، والإنسان لا يخلو من حالة طاعة أو المعصية . فكأن لسان حال المؤمن أن يقول : يا رب في حال طاعتي لك فإن هذا لم يكن إلا بإعانتك لي ، وفي حال معصيتي لك فليس لي أحد أرجع إليه إلا أنت . الفائدة التاسعة والسبعون : في بعض الروايات : " لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك " وهو تفسير لقوله في هذه الرواية : " أنا بك وإليك " ، ولقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وبيان معناها في الفقرة القادمة . الفائدة الثمانون : قوله : " لا منجا ولا ملجأ إلا إليك " معناها لا مفر منك إلا بالرجوع إليك ، فأين المهرب وأنت تملك كل شيء ، ولا منجي من قدرك إلا إلى قدرك ، ولا من عذابك إلا إلى طاعتك . الفائدة الحادية والثمانون : قوله : " لا منجا ولا ملجأ " ليشمل الهروب والاختفاء ، والإنسان لا يخلو من هاتين الحالتين ، فرجع الأمر كله لله . الفائدة الثانية والثمانون : قوله : " لا منجا ولا ملجأ إلا إليك " إغلاق لجميع الطرق إلا طريق واحد ، وهو طريق الرجوع إلى الله ، فمن خلاله يدخل العاصي والطائع ، فالعاصي لا طريق للسلامة من عذاب الله إلا بالرجوع إلا الله والتوبة ، والطائع لا طريق لقبول طاعته إلا بالالتجاء إلى الله وسؤاله ، فرجع الخلق كلهم لله . الفائدة الثالثة والثمانون : قال في الدعاء : " لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك " ولم يقل " إلا بك " وذلك ليتضمن معنى الرجوع إلى الله ، أما الاستعانة بالله فقد مضى الاشارة إليها بقوله " أنا بك " فاقتضى السياق أن يكون هنا لفظ يشعر بالرجوع فجاءت صيغة " إليك " . الفائدة الرابعة والثمانون : قوله : " تباركت ربنا " جاءت في آخر الدعاء ، وهذا المكان أليق بها من غيره لأن التبارك كثرة الخير فناسب أن يختم بها صفات الثناء على الله لأن غيرها يدخل فيها ، ومخاطبة الملوك تقتضي هذا ، فإن المخلوق يثني عليهم ويمدحهم فإذا أراد أن يختم جاء بصفة مدح عامة ليدخل ما لم يذكره من الصفات فيها ، والله ملك الملوك سبحانه وأحق بذلك . الفائدة الخامسة والثمانون : قوله : " تباركت وتعاليت " يكثر الاقتران بين هاتين الكلمتين " تبارك " و " تعالى " والمناسبة بينهما ظاهرة لأن التبارك تعني السعة والعظمة والرفعة ، فناسب أن يأتي بلفظ يناسب الرفعة وهو " تعاليت " . فصاحب الخير الكثير في مكان عالٍ في قلوب الناس ، والله سبحانه وتعالى لا خير أكثر من خيره ، ولهذا تعالى حسا ومعنى ، فهو عالٍ على خلقه مستو على عرشه ، وعالٍ في قلوب عباده المؤمنين . الفائدة السادسة والثمانون : قوله : " أستغفرك وأتوب إليك " ناسب أن يختم بها ، حيث سبقها عبارات ثناء على الله فناسب أن يختم بطلب قبل صلاته ، فطلب المغفرة والتوبة وهي أعلى أماني المؤمن . الفائدة السابعة والثمانون : قوله : " أستغفرك وأتوب إليك " قرن بين الاستغفار والتوبة لينصرف الاستغفار إلى الذنوب التي فعلها ، وتنصرف التوبة إلى ما بعد حال الذنب ، فالعبد يسأل ربه أن يتوب عليه ويقبل رجوعه بعدما تلطخ بالذنب . الفائدة الثامنة والثمانون : قدم الاستغفار على طلب التوبة لأن محو الذنب مقدم على ما بعده ، فالعبد في بداية الأمر يسعى لئن يغفر الله له ذنبه ، ثم يأتي بطلب آخر ، فجاء ذلك على هذه الهيئة . الفائدة التاسعة والثمانون : كرر الاستغفار في هذا الدعاء في وسطه وآخره ليعطينا بذلك تصورا عن خطورة الذنوب ، وأنها تكون حاجبا بين العبد وربه في صلاته ، فلا تؤتي صلاته ثمرتها . الفائدة التسعون : في رواية لهذا الحديث : " واهدني لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت " وهو دليل على أن الأخلاق تؤثر في الأعمال ولهذا قرن بينهما ، فإن المهدي في أخلاقه مهدي في أعماله ، فإن الأخلاق تشمل الأقوال والأفعال ، فإذا حسنت أخلاقه حسنت أعماله ولا بد . الفائدة الحادية والتسعون : وبالمقابل أيضا " واصرف عني سيء الأخلاق والأعمال لا يصرف عني سيئها إلا أنت " وهو أيضا دليل على تأثير الأخلاق السيئة على أعمال العبد ، فمن ساءت أخلاقه ساءت أعماله ولا بد .
الدعاء الثالث : " سُبْحَانَكَ اللهم وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ ولا إِلَهَ غَيْرُكَ " وفيه فوائد : الفائدة الثانية والتسعون : هذا الاستفتاح اختاره بعض أهل العلم على بقية الأنواع لأجل أنه كله ثناء محض على الله ، وكان عمر بن الخطاب ط يعلمه الناس ، وهذا يعطينا مؤشرا على فهم الصحابة في تعليم الناس ، وأن المعلم عليه أن يختار أفضل أنواع العلم لينشرها ، فقد تضمن التسبيح والتحميد والبركة والعلو . الفائدة الثالثة والتسعون : بدأ هذا الحديث على خلاف الأدعية الأخرى ، فالغالب أن الأدعية تبدأ بـ " اللهم " بينما هذا الحديث بدأ بـ " سبحانك اللهم " وذلك تقديما لتنزيه الله على أي كلام آخر ، وهذا أليق بحال المصلي أن يبدأ بلفظ يشعر بالتنزيه أكثر من غيره . الفائدة الرابعة والتسعون : معمول التسبيح محذوف حيث قال : " سبحانك " ولم يذكر عن ماذا ؟ وذلك ليشمل تنزيه العبد لربه كل النقائص وبدون ذكر أو تحديد ، وهذا أبلغ في مقام التنزيه . الفائدة الخامسة والتسعون : جمع هذا الدعاء أحب الكلام وهي : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وقد ثبت أنهن أفضل الكلام ، فاجتمع لهذا النوع من الاستفتاح ميزتان : الأولى : كونه مما يستفتح به في للصلاة . الثانية : كونه أفضل الكلام . الفائدة السادسة والتسعون : بُدء في هذا الحديث بالتسبيح والتنزيه قبل التحميد لأن موضوع هذا النوع من الاستفتاح كله تقديس وتمجيد لله فناسب أن يبدأ بالتنزيه .
الفائدة السابعة والتسعون : قوله : " سبحانك اللهم " أبلغ في تخصيص التنزية من قول : سبحان الله ، وذلك لكاف الخطاب وهي تفيد الإغراق في تخصيص الخطاب ، والصلاة مقام مخاطبة بين العبد وربه فناسب تخصيص الخطاب . الفائدة الثامنة والتسعون : قوله : " اللهم " يدخل فيها جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى ، والمصلي يريد أن يخاطب ربه بأكبر قدر ممكن من الأسماء الحسنى ، فناسب " اللهم " لأن غيرها يدخل فيها . الفائدة التاسعة والتسعون : قوله : " وبحمدك " أي : أبتدئ بحمدك . الفائدة المائة : قرن بين التسبيح والتحميد لأن التسبيح تنزيه عن صفات النقائص جميعا ، فاقتضى إثباتا لصفات الكمال كلها وهو ما يشعر به التحميد ، وهذا دليل على أن النفي المحض لا يمدح الله به كما هو قول الجهمية والمعطلة ، بل الله سبحانه ينفي عن نفسه المقدسة صفات النقص لإثبات صفات الكمال . الفائدة الحادية ومائة : الواو في قوله : " وبحمدك " تحتمل أمورا : أ ـ واو مع ، والمعنى : سبحانك مع تحميدك ، فيقرن بين التسبيح والتحميد . ب ـ واو العطف،والمعنى:سبحانك اللهم وبحمدك سبحتك ، فعطف جملة على جملة . ج ـ واو الاستئناف ، والمعنى : وبحمدك حمدناك . د ـ واو الحال ، والمعنى : أسبحك متلبسا بحمدك . الفائدة الثانية ومائة : الباء في قوله : " وبحمدك " تحتمل : أ ـ باء السببية ، والمعنى : أسبحك وأنزهك بسبب ما تستحق من حمد . ب ـ باء الإلصاق ، والمعنى : أسبحك متلبسا بحمدك . وعلى كل فالمعنى أن المستفتح بهذا الدعاء يقرن بين التسبيح والتحميد لأن كل منهما لا يغني عن الآخر ، ولا يظهر كماله إلا باقترانه بالاسم الآخر ، فكان المستفتح بهذا الدعاء يقول في استفتاحه: أبدأ بتسبيح الله وتنزيهه عن صفات النقص التي يتنزه عنها ، وأحمده على صفات كماله التي يستحق الحمد عليها . ولهذا – والله أعلم لم يأت الباء في غير التحميد في هذا الدعاء ، وقد خلى " تبارك وتعالى " عن لحوق الباء ، لأن كلا من التبارك والتعالي يصلح إفراده عن الآخر ،بخلاف التسبيح والتحميد . الفائدة الثالثة ومائة : قوله : " وتبارك اسمك " أي كثر خيره . الفائدة الرابعة ومائة : قوله : " اسمك " يحتمل أمرين : أ ـ أن المراد اسم الله ، فأسماء الله مباركة ، بها يتحصن المتحصن ، ويستعيذ الخائف ، ويأمن المضطرب ، ويرقى ويستشفى بها وهكذا . ب ـ أن المراد ذات الله ، فالاسم يطلق على الذات . الفائدة الخامسة ومائة : قوله : " وتعالى جدك " أي ارتفعت عظمتك ، وهو متضمن لارتفاع الحظ والغنى المطلق وغيرها مما فسرها به أهل العلم . الفائدة السادسة ومائة : قوله : " تعالى " أنسب من أي لفظ آخر مثل : تعاظم مثلا أو غيرها ، للتشاكل من حيث المعنى بينها وبين " تبارك " قبلها، فإن اللفظين يدلان على العلو والسعة . الفائدة السابعة ومائة: ألفاظ أدعية الاستفتاح كلها تربي المؤمن على تعظيم الله قولا وفعلا ، فهي ثناء على الله أو مدح أو إجلال أو تنزيه أو اعتراف له بالعبودية ، وغير ذلك . الفائدة الثامنة ومائة : قوله : " ولا إله غيرك " هو كالنتيجة لما سبقه من عبارات ثناء ، فناسب أن يختم بالتهليل ، إعلاما بأنه المستحق بالعبودية وحده ، فسبحان الله العليم الحكيم .
الدعاء الرابع : " الله أَكْبَرُ كَبِيرًا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا " وهو قريب من الدعاء السابق ، وفيه فوائد أخرى : الفائدة التاسعة ومائة : قوله : " كبيرا " و " كثيرا " و " بكرة وأصيلا " كل واحدة من هذه الألفاظ تناسب الكلمة المقرونة بها ، فالتكبير يناسبه " كبيرا " ، والتحميد يناسبه " كثيرا " لكثرة ما يحمد عليه الله ، فما من نعمة في قديم أو حديث إلا وهي من الله ، والتسبيح يناسبه " بكرة وأصيلا " لما يراه الإنسان من نقائص في يومه وليلته ينزه الله عنها . الفائدة العاشرة ومائة : دل الدعاء على أن الجمع بين التكبير والتحميد والتسبيح يُفَتح له أبواب السماء ، كما في آخر هذا الحديث حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : " عجبت لها فتحت لها أبواب السماء " . الفائدة الحادية عشرة ومائة : بدأ بالتكبير في هذا النوع من الدعاء لأن المصلي يترك كل شيء ويقبل على ربه لأنه أكبر عنده من كل شيء ، فناسب أن يبدأ بالتكبير ، حتى يتناسب فعله مع قوله . الفائدة الثانية عشرة ومائة : دل الدعاء على أن وقتي " البكرة والأصيل " وقتان لهما ميزة بين سائر الأوقات ، ولهذا – والله أعلم – تسن قراءة أذكار الصباح والمساء فيهما .
الدعاء الخامس : " الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا " ، وفيه بعض الفوائد ، وهي : الفائدة الثالثة عشر ومائة : هذا النوع من الاستفتاح تحميد لله فقط ، ويتناسب مع فاتحة أم الكتاب . الفائدة الرابعة عشر ومائة : جمع التحميد في هذا الحديث عدة مميزات تجعله صالحا للاستفتاح ، وهي : أ ـ الكثرة . ب ـ الطيب . ج ـ البركة فيه . ولا يوجد تحميد جمع مميزات مثل هذا الدعاء ، فإن الحمد قد يكون كثيرا لكن لا يكون طيبا فقد يدخله شيء من رياء أو غيره ، وقد يكون طيبا لكنه غير مبارك فلا يكثر أكثر مما هو عليه ، فجمع هذا الرجل في استفتاحه أفضل صفات التحميد . الفائدة الخامسة عشر ومائة : دل الحديث على جواز رفع الصوت بالذكر ، لأن الرجل قائل هذا الاستفتاح رفع به صوته ، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم . الفائدة السادسة عشر ومائة : دل الحديث على أن الملائكة يكتبون الدعاء والذكر داخل الصلاة ، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقد رأيت اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا " .
الدعاء السادس : " اللهم لك الْحَمْدُ ، أنت قَيِّمُ السماوات وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ لك مُلْكُ السموات وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أنت نُورُ السموات وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أنت مَلِكُ السموات وَالْأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أنت الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ ،وَالسَّاعَةُ حَقٌّ ، اللهم لك أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ،وَبِكَ خَاصَمْتُ ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أَخَّرْتُ ،وما أَسْرَرْتُ وما أَعْلَنْتُ ، أنت الْمُقَدِّمُ ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إلا أنت ، أو لَا إِلَهَ غَيْرُكَ " وفيه فوائد جليلة ، منها بالإضافة لما سبق : الفائدة السابعة عشر ومائة : التحميد في هذا النوع من الاستفتاح بُين سببه ، فقرن بين كل حمد وسببه ، فيحمد لأنه قيم السموات والأرض ومن فيهن ، ويحمد لأنه نور السموات والأرض ومن فيهن ، وهكذا . الفائدة الثامنة عشر ومائة : بيان سبب التحميد له أثر على استشعار معناه ، فمن حمد الله حمدا مطلقا ، ليس كمن يحمده حمدا مقيدا بسببه ، فإن أثر التحميد يكون أظهر لمن ذكر سببه ، ولهذا عدد في هذا الدعاء أساب تحميد الله فحمده لأنه " نور السموات والأرض " وحمده لأنه " قيم السموات والأراضين " وهكذا . الفائدة التاسعة عشر ومائة : في هذا النوع من الاستفتاح جمع بين " قيّم ، ومُلك ، وملِك السموات والأرض " مع أن المؤدى واحد . والذي يظهر لأن مقام المصلي - خاصة في نافلة الليل – مقام تفصيل في الثناء ، فليس الأمر كالفريضة يتقيد المأموم بالإمام ، بل هو أمير نفسه . ثم إن هناك سببا آخر فيما يظهر لي ، وهو أن القيم قد لا يكون مالكا ، وقد لا يكون المالك ملِكاً ، فجمع بينها في هذا الدعاء ليُظهر عظمة الله سبحانه وتعالى ، وأنه قيم ومالك وملِك ، وهو أهل لذلك سبحانه وتعالى . الفائدة العشرون ومائة : حتى الجمادات شملها قيومية الله سبحانه وتعالى " السموات والأرض ومن فيهن " فلم يخرج من هذه الصيغة شيء . الفائدة الحادية والعشرون ومائة : قوله : " السموات والأرض " يشمل العالمين العلوي والسفلي وما بينهما . الفائدة الثانية وعشرون ومائة : جمع هذا الدعاء أعلى أنواع المدح لمقام الرب سبحانه وتعالى ، فكل هذا الدعاء مدح وثناء ، ويزيد على الأنواع الأخرى في كثرة تفصيلاته . الفائدة المائة والثالثة والعشرون : الحديث يربي الالتجاء والاعتصام بالله وطلب الحاجات إليه لأنه هو القيوم على السموات والأرض ومن فيهن . الفائدة المائة والرابعة والعشرون : هذا النوع من دعاء الاستفتاح يدل على أن الصلاة نور ، ولهذا يستفتح المصلي ربه بأنه نور السموات والأرض ومن فيهن ، ونور الصلاة قد يكون حسيا ، وقد يكون معنويا يرزق من خلاله المصلي المحافظ على صلاته نور البصيرة ، ويؤيده عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " الصلاة نور " . الفائدة المائة والخامسة والعشرون : بالعلاقة بين قول المستفتح بهذا الدعاء : " أنت قيم السموات والأرض " وبين الصلاة نستطيع القول بأن الصلاة تعين على قضاء الحاجات وتيسيرها ، والله سبحانه وتعالى شكور لعباده . الفائدة المائة والسادسة والعشرون : هذا النوع من الدعاء يعالج أمراض الشكوك وضعف اليقين ، ولهذا ختمت أغلب عباراته بقوله : " حق " . الفائدة المائة والسابعة والعشرون : الحديث يربي على الإيمان بالغيب وهو أحد الأركان التي لا يقوم الإيمان إلا بها ، فالإيمان بالله ووعده وقوله ولقائه وأنبيائه والساعة ؛ كلها من أمور الغيب . الفائدة المائة والثامنة والعشرون : ذكر في الحديث الوعد ولم يذكر الوعيد ؛ وذلك لأن الله غفور رحيم ، يعفو ويصفح ، أما وعده فكائن لا محالة بإذنه تعالى ، وفي هذا تربية على حسن الظن بالله . الفائدة المائة والتاسعة والعشرون : قوله : " وبك خاصمت " يحتمل أمرين : أ ـ أن خصومة المؤمن لغيره تكون في ذات الله ، لقوله : " وبك " حيث قصر خصومته بالله ، أي لأجل الله ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتقم إلا إذا انتهكت محارم الله . ب ـ ويحتمل أن خصومة المؤمن ومحاجته للآخرين ، وظهوره عليهم بالحجة والبرهان مستمدة قوتها من الله وإعانته لعبده المؤمن ، لقوله : " وبك خاصمت " أي بإعانتك خصمت أعدائي . فشملت هذه الجملة الحجة بالبرهان والسنان . الفائدة المائة والثلاثون : قوله : " وإليك حاكمت " أي تحاكمت ، وهي مناسبة جدا لما قبلها ، من قوله : " وبك خاصمت " فإن المخاصمة بمعنييها تحتاج إلى حَكَم بين المتخاصمين ، والله سبحانه أحكم الحاكمين . الفائدة المائة والحادية والثلاثون : قوله : " وإليك حاكمت " تدل على أنه لا حاكم إلا الله ، ولا يتحاكم إلا إلى شريعته ، وبالمقابل تبديل شريعته يعتبر تحاكما لغيره ، قال الإمام النووي شارحا " إليك حاكمت " قال : " أي من جحد الحق حاكمته إليك ، وجعلتك الحاكم بيني وبينه لا غيرك مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم من صنم وكاهن ونار وشيطان وغيرها ، فلا أرضى إلا بحكمك ، ولا أعتمد غيره " . الفائدة المائة والثانية والثلاثون : في الحديث قدم " إليك ، وبك ، وعليك " لإفادة التخصيص والحصر ، فكأن المستفتح بهذا الدعاء حصر إسلامه وإنابته ومخاصمه ومحاكمته لله وبالله ، وهذا يفيد النفي عن غيره . الفائدة المائة والثالثة والثلاثون : قوله : " وبك خاصمت " يعطي المؤمن الثقة بربه ، والقوة في حجته ، لأنه يعتمد في حجته وقوته على إعانة ربه ، واستشعار ذلك يعطيه دافعا في مواصلة المقارعة بالحجة وعلى سلامة النية . الفائدة المائة والرابعة والثلاثون : في قوله : " وبك خاصمت " توجيه لطيف لمن يقوم بمحاجة الأعداء بالبراهين أن عليه أن ينطق بنية صالحة ، يجعل همه نشر دين ربه ، وصد من حال بين الله وبين عباده ، وعلى قدر نيته الصالحة يكون توفيق الله له في مخاصمته به ، والله أعلم . الفائدة المائة والخامسة والثلاثون : قوله : " أنت المقدم وأنت المؤخر " تحتمل أمورا : أ ـ أن الله يقدم من يشاء من عباده لطاعته ، ويؤخر آخرين . ب ـ أن الله يقدم من يشاء من عباده لثوابه ، ويؤخر آخرين . ج ـ أنها بمعنى الأول والآخر ، وهما اسمان من أسماء الله الحسنى معناهما : أنه ما من متقدم إلا والله قبله ، ولا من متأخر إلا والله بعده ، يرث الأرض ومن عليها سبحانه . ويظهر لي والله أعلم أن المقدم والمؤخر يشمل الأقوال جميعا ، فالله هو الذي يقدم من يشاء من عباده لطاعته ، وبالتالي للثواب ، ويؤخر من يشاء وبالتالي يستحقون العقاب ، كما أن الله سبحانه وتعالى المقدم لعباده لكل خير هو مقدم عليهم فهو الأول ، والآخر . الفائدة المائة والسادسة والثلاثون : قوله : " وما قدمت وما أخرت " ثم قال : " وما أسررت وما أعلنت " ليشمل ذلك جميع الذنوب في أي زمان سواء أكان متقدما أم متأخرا ، وجميع الأماكن سواء أكان سرا أم علانية ، ولهذا يعتر هذا الحديث من جوامع الدعاء . الفائدة المائة والسابعة والثلاثون : قوله : " وما أنت أعلم به مني " دليل على أن الإنسان يفعل أعمالا لا يعدها ذنوبا ، ومع ذلك قد تحجب عنه مناجاة الله ، وهذا يربي في نفس المؤمن دوام الاستغفار . كما يمكن أن يضيف إلى رصيد علم المؤمن أن المحاسبة تتعدى مواطن الذنوب لتصل إلى ما لا يظنه الإنسان ذنبا ، وهذا من قوله " وما أنت أعلم به مني " .
الدعاء السابع : " اللهم رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، أنت تَحْكُمُ بين عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فيه يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فيه من الْحَقِّ بِإِذْنِكَ ، إِنَّكَ تَهْدِي من تَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " وفيه فوائد : الفائدة المائة والثامنة والثلاثون : جمع في هذا النوع من الدعاء بين ربوبيته وألوهيته فقال : " اللهم رب " . الفائدة المائة والتاسعة والثلاثون : الجامع بين هؤلاء الملائكة الكرام الثلاثة هو الإحياء " فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح ، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان ، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم " . فكأن المستفتح بهذا الدعاء يريد حياة قلبه وروحه ، فذكر ربوبية الله لأهل الحياة ، كما أن هذا دليل على أن الصلاة حياة للقلوب . الفائدة المائة وأربعون : هذا الدعاء دليل على أن الاختلاف واقع بين الناس،والله يحكم بين المختلفين لقوله : " اهدني لما اختلف فيه " وهذا قدر كوني لا محيص عنه ، ويعالج بالقدر الشرعي من سؤال الله الهداية ، وطلب الحق من طريقه . الفائدة المائة والحادية والأربعون : قوله : " من الحق " من هنا بيانية أي : بينت الذي يراد الهداية له وهو الحق . الفائدة المائة والثانية والأربعون : قوله : " اهدني لما اختلف فيه من الحق " يشمل نوعين من الاختلاف : أ ـ الاختلاف بين الحق والباطل . ب ـ الاختلاف في مسائل الحق ، كخير الأمرين ، وأفضل العبادتين ، وهكذا . فيكون الداعي بهذا الدعاء سأل ربه الهداية للحق عموما في جميع الأزمان والأمكنة . الفائدة المائة والثالثة والأربعون : فيه إثبات المشيئة لله سبحانه وتعالى كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، لقوله : " من تشاء " . الفائدة المائة والرابعة والأربعون : أطلق على الخلق جميعا العبودية ، فقال : " أنت تحكم بين عبادك " وذلك لأن المقام مقام حُكْم بين العباد فاقتضى ذلك ملكهم والتصرف فيهم ، وهذا يأتي بلفظ العبودية أظهر من غيره . الفائدة المائة والخامسة والأربعون : الجمع بين صفة العلم وبين الهداية للحق في قوله : " عالم الغيب والشهادة اهدني " فيها إشارة إلى أن العلم يهدي لما اختلف فيه ، وبالمقابل الجهل يزيد صاحبه بعدا عن الهداية ، فليتزود الإنسان من العلم ليكون قريبا من الهداية للحق . الفائدة المائة والسادسة والأربعون : الحق هو الصراط المستقيم ، بدليل قوله : " اهدني لما اختلف فيه من الحق " ثم قال : " إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " ولم يقل إنك تهدي إلى الحق ، وذلك لأن الحق هو الصراط المستقيم . الفائدة المائة والسابعة والأربعون : من الفائدة السابقة يتضح أن الباطل ليس صراطا مستقيما ، ولذلك يلزمه الاعوجاج والتلوي والبعد ، وكلها صفات ذاتية في الباطل .
الفائدة المائة والثامنة والأربعون : قوله : " بإذنك " تحتمل أمرين : أ ـ أن تعود إلى طلب الهداية ، ويكون المعنى : اهدني بإذنك لما اختلف فيه من الحق . ب ـ أن تعود إلى الاختلاف ، ويكون المعنى : اهدني لما اختلف فيه بإذنك ، أي كأنها جوابا على سؤال سائل : كيف يختلف بين الحق والباطل ، مع أن الفارق بينهما ظاهرا جدا ، فيكون الجواب : أن الاختلاف وقع بإذن الله وفيه حكم له سبحانه . الفائدة المائة والتاسعة والأربعون : سؤال الله الهداية للحق يدلنا على أن هداية الله لا غنى للإنسان عنها ولو في أوضح الأمور وهي الهداية للحق من الباطل . الفائدة المائة والخمسون : حرص الداعي بهذا الدعاء على سؤال الهداية دليل على أن الحق قد يخفى أحيانا فيلتبس بالباطل فيحتاج العبد إلى هداية ربه للوصول له ، نسأل الله الكريم من فضله .
وأخيرا : فهذه مائة وخمسون فائدة من أدعية الاستفتاح تؤكد لنا أهمية الصلاة ، فإن كانت هذه الفوائد توجد في استفتاحها فما بالك ببقية أقوالها وأفعالها ، ومن أمعن النظر ، وأدام الاستغفار ، وأطال الفكر في أسرار هذه الأحاديث سيقف على أكثر من ذلك ، لكن يعلم الله كم حُجب عنا الكثير بسبب ذنوبنا وظلمنا لأنفسنا ؟ وصلى الله وسلم على نبينا محمد،