لماذا تدخن؟
ترجمات المادة
التصنيفات
الوصف المفصل
لماذا تدخن؟
المقدمه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد فإن التدخين وباءٌ خطير، وشر مستطير، وبلاء مدمر.
أضرارُه جسيمةٌ، وعواقبه وخيمة، وبيعه وترويجه جريمةٌ أيما جريمة.
وقد وقع في شَرَكِهِ فئام من الناس، فغدا بألبابهم، واستولى على قلوبهم، فعزَّ عليهم تركُه، وصعب في نفوسهم أن يتخلصوا من أسْره.
وكثير من هؤلاء المدخنين يملكون قلوباً حيَّة، وعواطف للإسلام قوية؛ فقلوبهم تنبض بالخير وتألفه، وعواطفهم تفيض بمحبة الإسلام وأهله.
إلا أنهم بلوا بالتدخين، فصاروا من ضحاياه، وممن يعاني من شروره وبلاياه.
ثم إن أكثر المدخنين_إن لم يكونوا جميعهم_لا يكابرون في ضرر التدخين، ولا يشُكُّون في أثره على الصحة والدين، بل تراهم يُؤمِّلون في تركه، ويسوِّفون بالإقلاع عنه، ويسعون في الخلاص منه.
فلهؤلاء حق على إخوانهم أن يعينوهم، ويأخذوا بأيديهم؛ كي يتخلصوا من هذا الداء العياء.
والحقيقة أن الذي يريد الكتابة عن التدخين لَيَترَدَّدُ كثيرًا؛ وذلك بسبب كثرة ما كتب في هذا الشأن، فلا تكاد تبالغ أو تعدو الحقيقة إن قلت: إنه من أكثر الموضوعات نصيباً في الكتابة عنه.
ولكن طالما أن شرَّه يزيد، وبلاءَه يستطير كان من المستحسن أن يكرر الطرق، وأن تتنوع الأساليب؛ لعل الآذان تصيخ، والأفئدة تصغي.
فهذا ما استثار الهمة، وأخذ برأس القلم يجره إلى الكتابة في هذا الباب، فَطَفِقْتُ أنظر في أحوال المدخنين، وأبحث عمّا كُتِبَ في التدخين من أقوال العلماء، وأهل الاختصاص من الأطباء وغيرهم(1)، فكانت هذه الأوراق التي تخاطب كل مدخن، وجاء عنوانها حاملاً المسمى التالي:
لماذا تدخن ؟
ذلك السؤال الذي يوجَّهُ إلى المدخنين؛ كي تستبين الدوافع من وراء تعاطيهم للدخان، ثم يُبْحث في ضوئها عن سبل العلاج.
ولو وجَّهْتَ إليهم هذا السؤال لوجدت أن لهم في الإجابة عنه سبلاً شتى، ولألفيتهم حيال هذا الأمر طرائق قددًا.
فَمِن قائل: إنني أدخن إذا ضاق صدري؛ كي أُرَوِّحَ عن نفسي.
ومن قائل: أدخن؛ كي أتسلى في غربتي وبعدي عن أهلي.
ومن قائل: أدخن إذا سامرت زملائي؛ ليكتمل فرحي وأنسي.
إلى قائل: أدخن؛ لأحصل على اللذة والمتعة.
إلى قائل: أدخن؛ لأتخلص من القلق، والتوتر، والغضب.
إلى آخر يقول: أدخن؛ مجاملةً للرفاق، ومسايرة لهم.
إلى قائل: أدخن؛ لفرط إعجابي بفلان من الناس؛ فهو يدخن وأنا أتابعه، وأعمل على شاكلته.
إلى مسكين يقول: تعلقت بالتدخين منذ الصغر فعز عليَّ تركه والخلاص منه.
إلى مكابر عنيد يقول: أدخن، لقناعتي بجدوى التدخين؛ فلا ضرر فيه ولا عيب.
إلى قائل. . .، إلى قائل. . .، إلى قائل. . .
تعددت الأسباب والموت واحد
هذه_تقريباً_هي الأسباب الحاملة على التدخين، وتلك هي الإجابات لكل من قيل له: لماذا تدخن ؟
=تساؤلات+
إذا كان الأمر كذلك فاسمح لي أيها الأخ المدخن بالحوار معك مدة يسيرة أخاطب فيها عقلَكَ، وفطرتَك، ووجدانك؛ عسى أن نصل معاً إلى نتيجة مُرْضِيَةٍ، يعقبها عملٌ جادٌّ.
أخي الحبيب، ألست مقتنعاً من حرمة التدخين، ومن أثره البالغ، وأضراره المتعددة ؟
ستقول: بلى، بلى، وسيقول ذلك كلُّ مَنْ عنده أدنى مُسْكةٍ من عقل.
وأقول لك: ألا تفكر جاداً في ترك التدخين، والإقلاع عنه إلى غير رجعة، بدلاً من تلك الخواطر التي تمر بخيالك مرور الطيف الزائر ؟
فستقول: بملء فيك: بلى. . بلى، ولكن آمل أن تزيدني قناعة بضرر التدخين، وجدوى تركه.
وأقول لك: يا أخيَّ، أصخِ السمع، وأصْغِ الفؤاد، فستجد_إن شاء الله_ما يزيدك قناعة بضرر التدخين، وجدوى تركه.
=تذكّر+
أخي الحبيب، أيُّهذا الشاكي، تذكَّر قبل كل شيء أنك عبدٌ لله، وأكرم بها من عبودية، وأعظم به من شرف؛ فعبوديتك لله تُحَرِّرُك من كل عبودية، حتى تحررك من نفسك التي بين جنبيك، فتصبح حرَّاً طليقاً عبدًا لربّ واحد، لا لأرباب متفرقين.
وإن لم ترض بهذه العبودية تناوشَتْكَ سائرُ العبوديات، فصرت أسيرًا لها، مُكَبَّلاً في أغلالها.
وإن مقتضى عبوديتك لله_عز وجل_أن تطيعه ولا تعصيه، وأن تشكره ولا تكفره، وأن تذكره فلا تنساه.
وأن تعلم أنه أمرك ونهاك؛ فأمرك بما فيه خيرك وفلاحك، ونهاك عمّا يفضي إلى شقائك، وسوء عاقبتك في دنياك وآخرتك.
إذا تقرر ذلك عندك فتذكر_أخي الحبيب_ما يلي:
=وقفات مع أضرار التدخين+
1_أن الدخانَ خبيثٌ، وربك يقول في محكم تنزيله: [وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ] (الأعراف: 157).
2_وأن الدخان تبذير، وربك_جلَّ في علاه_يقول: [وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ( 26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً] (الإسراء: 26_27).
فهل ترضى أن تلحق بزمرة المبذرين، وتكون من إخوان الشياطين ؟
3_وأن الدخان إسراف، والله_عزَّ وجلَّ_يقول: [إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ] (الأعراف: 31).
4_وأن الدخان قتل للنفس، والله_تبارك وتعالى_يقول: [وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً] (النساء: 29_30).
5_الدخان إلقاء باليد إلى التهلكة، والله_سبحانه وتعالى_يقول: [وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] (البقرة: 195).
6_والدخان ضرر، والرسول_عليه الصلاة والسلام_يقول: = لاضرر ولا ضرار +([2]).
7_ثم يا أخي الحبيب، كيف تطيب نفسك بأذية عباد الله عندما تدخن، فتلوث الهواء، وتجرح مشاعر الآخرين، وتؤذيهم بالأنفاس الكريهة، خصوصًا إذا كان التدخين في الأماكن العامة، كالطائرات، والقطارات، والأسواق، وأماكن الانتظار في المستشفيات ونحوها ؟ !
أما سمعت قول ربك_عزَّ وجلَّ_: [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً] (الأحزاب: 58).
8_المساجد بيوت الله، أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه.
وقد أُمرنا أن نأخذ زينتنا عند كل مسجد، ونهينا في مقابل ذلك أن نقرب المسجد حال أكل الثوم أو البصل مع أنهما مباحان. كل ذلك حفاظ_اً على مشاعر المصلين، وحذرًا من أذيتهم وتكدير صفوهم، وبعداً عمّا يشوش عليهم، ويقطع عليهم عبادتهم، ومناجاتهم لربهم.
وإذا بك _أيها الحبيب_ تدخل المسجد وقد تعاطيت التدخين، فتؤذي عباد الله المؤمنين، وملائكة رب العالمين!.
ثم يا أخيَّ هبْ أنك وقفت أمام مسؤول كبير، أو أمام شخص تُجِلُّه وتستحيي منه، بأي صورة ستظهر أمامه ؟
لا شكّ أنك ستظهر بالمظهر اللائق؛ من حسن الهندام، وطيب الرائحة، ونحو ذلك.
فكيف إذاً تقف في الصلاة أمام جبار الأرض والسموات ورائحة الدخان تنبعث منك ؟ !
فأين إجلال الله، وأين وقاره في قلبك ؟
9_الناس تدفع الأموال لشراء الأطياب ذواتِ الروائح الزكية الفوّاحة، وتجار العطور يتنافسون في ابتكار أفخر الأطياب؛ كي تروق مختلف الأذواق، وكرامُ الناس يكرمون ضيوفهم بالطِّيب الذي ينعشهم، ويدخل السرور على قلوبهم.
وأنت_هداك الله_تدير ظهرك لهذا كله؛ فلا تألف إلا الروائح المنتنة، ولا ينبعث منك إلا ما يسؤوك وينوؤك، ويبعث على الاشمئزاز منك، والنفور من الجلوس قربك، بل والسلام عليك !.
10_زوجتُك الحانيةُ، التي وهبتك حبَّها الطاهرَ، وأشرقت عليك بحنانها وعطفها، وفتحت لك قلبها على مصراعيه، تحرص على رضاك وإسعادك بكل ما أوتِيَتْ من قوة، فلا تظهر أمامك إلا بأبهى حلة، وأزكى رائحة.
فهل ترضى_أيها الحبيب_أن تظهر زوجتك أمامك بثياب رثَّةٍ، وأن تأتي إليك فلا تشمَّ منها إلا الروائح التي لا تروقك ؟
لا إخالك ترضى بذلك؛ إذاً فأين العدل وأنت تأتيها ورائحتك تفوح من الدخان الذي تَضَمَّخْتَ به، فعلق بك، وانبعث منك ؟
أما سمعت قول ربك_عزَّ وجلَّ_: [وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ] (البقرة: 228).
قال ابن عباس_رضي الله عنهما_: = إني لأحب أن أتزيَّن للمرأة كما أحبُّ أن تتزيَّن لي المرأة؛ لأن الله_تعالى_يقول: [وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ] (البقرة: 228).
11_النسل مطلب ضروري، يسعى له العقلاء، ويطمح إلى تحصيله الفضلاء؛ فالشرع ندب إليه، ورغب فيه، وحذَّر من إهلاكه وقطعه.
وأنت بالتدخين تتسبب في حرمان نفسك من هذه النعمة، وتعرض نفسك للعقوبة.
فالتدخين يضعف النسل، ويضعف القدرة الجنسية، بل ويقود إلى العقم.
12_أولادك فلذة كبدك، وثمرة فؤادك، أنعم الله عليك بهم، وأمرك بالمحافظة عليهم، فأنت تحبهم، وتحرص على ما فيه نفعهم، وتخشى من نسمة الهواء العليل إذا هبت عليهم، هذا هو شأنك وشأن جميع العقلاء مع أولادهم.
ثم تراك _أيها الحبيب_ من حيث تدري أو لا تدري تسعى إلى دمارهم، وهلاكهم؛ فأنت بالتدخين تعرضهم للتشويه، ونقص النمو، وزيادة العيوب الخِلْقية؛ فللتدخين أثر بالغ على صحة أولاد المدخن.
بل إن بعض المختصين يعد النيكوتين سُمَّاً خاصَّاً للنطفة؛ فله خطورته على النسل والإخصاب.
13_صلاح الأولاد نعمةٌ جلَّى، ومنحة كبرى، فإذا صلحوا كانوا من أسباب سعادة والدهم؛ فصلاحهم واستقامتهم يسعى إليه كل عاقل رشيد، وفسادهم وانحرافهم يخشاه ويرهبه كل ذي رأي سديد.
وأنت_أرشدك الله_تتسبب في إغوائهم وانحرافهم؛ فهم_وإن ولدوا أصحاءَ أقوياءَ، وسلموا من أضرار التدخين الصحية_فإنهم لن يسلموا من تبعات التدخين الخُلُقية، فسيعمدون إلى تقليدك ومحاكاتك.
وينشأ ناشىءُ الفتيان منا | على ما كان عوَّدَه أبوه |
14_بر الوالدين عظيم، وعقوقهما جرم جسيم، وشرب الدخان قد يقود إلى العقوق، ويصد عن البر؛ ذلك أن المدخن يخشى إن اقترب من والديه أن يشمّا رائحته، فيعاقباه أو يغضبا لفعله، فيقوده ذلك البعد عنهما، والحذر من الاقتراب منهما، ثم يتمادى به الأمر إلى أن يألف العقوق ويعتاده.
15_صلة الرحم واجبة، وقطيعتها كبيرة موجبة للعقوبة واللعنة.
قال_تعالى_: [فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ] (محمد: 22 ،23).
والتدخين كثيرًا ما يصرفك عن الصلة، ويقودك إلى القطيعة؛ فقد يكون لك أقارب صلحاء، أو ممن لا يرضون لك أن تدخن، فإذا هممت بزيارتهم خشيت أن يعلموا بحالك، فينزل قدْرُكَ عندهم.
وربما خشيت أن يطول بك المقام عندهم، فلا تحتمل ترك التدخين طوال هذه المدة.
وهكذا تقطع أرحامك، وتُحْرَمُ أجرَ الصلةِ، وبركةَ دعوات الأقارب.
فأي خير يرجى من عمل يتسبب في عقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام ؟ !
16_المال مال الله، ملَّكَكَ إيّاه، وابتلاك به، فأمرك أن تكسبه من حله، وأن تنفقه في حله.
فهل قمت بذلك وأنت تبذل المال في سبيل التدخين ؟
لا، وإنما أنفقته في غير حله، وبَذَّرْتَهُ وأفسدته.
وليت الأمر يقف عند تبذيره فيما لا ينفع ولا يضر، بل إنك بالتدخين أنفقته فيما يعود عليك بالضرر في دينك وصحتك.
بل إنك أضعت المال_زيادة على ذلك_في خذلان أمتك، ودعم أعدائها الذين يحاربونها ليل نهار.
وبفضل جهدك قد غدوت لصانعي | تلك السموم السود خيْرَ مُعينِ | |
تَحْبُوهُمُ المالَ الذي لولاه لم | يجدوا السبيلَ لكيد هذا الدينِ |
بل إن هناك أضرارًا مالية أخرى تَحْدُثُ بسبب التدخين، وذلك من خلال ترويجه، والاتِّجاربه، والأموال التي تبذل في مكافحته، والدراسات التي تعقد لبيان أضراره، وسبل الوقاية منه، والتي تُصرف في سبيل علاج المتضررين منه.
فإذا أقلعت عن التدخين ساهمت في التقليل من حجم تلك الخسائر الفادحة، وسَلِمْتَ من التعاون على الإثم والعدوان.
17_الحياة غاليةٌ، وهي قصيرة في الوقتِ نفسه، وأنت بالتدخين تُقَصِّرُها قِصَراً يتناسب مع كمية ما تدخن، والذين لا يدخنون أطول أعمارًا من المدخنين، وكلما تَقَدَّم البدءُ بالتدخين كان الأثر أوضح، والخطر أفدحَ.
بل إن معظم وفيات العالم الصناعي إنما هي بسبب التدخين؛ حيث يموت في العالم سنويَّ_اً بسبب التدخين؛ وحده مليونان وخمسمائة ألف شخص، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها 350 ألفًا.
وقد أجمعت البحوث العلميةُ على أن السجائرَ هي من كبرى المهلكات التي تصيب الإنسان بالعجز، وتُهَدِّدُهُ بالفناء، فالشاب البالغ من العمر 30 عامًا، ويدخن 15 سيجارةً في اليوم _يقْصُر عمره بما يعادل خمس سنوات عن الشخص الذي يدخن([3]).
فضلاً عن أن سنواتِ عُمُره الأخيرةَ تكون كلُّها معاناةً من الأثر السيِّئ للتدخين.
18_السعادة هدف منشود، ومطلب مُلِحٌّ، وكلُّ الناس يسعى لها، ويبحث عن السبل الموصلة إليها، وأنت بالتدخين تحرم نفسك من السعادة الحقيقية، وتقلل من فرص الاستمتاع بحياة هادئة طيبة، وتزعم مع ذلك أنك تجد السعادة والراحة، وما علمت أن ما تشعر به إنما هو مجرد أوهام، وأن السعادة الحقيقية تجدها عندما تقلع عن التدخين مخلصًا لله_عز وجل_.
وإلا كيف يشعر المدخن بالسعادة وحياتُه مليئةٌ بالأسقام، مهددة بالأخطار ؟ فالمدخنون في الحقيقة يعيشون حياة التعاسة والشقاء.
19_العقلُ نعمةٌ عظيمةٌ، ميَّزَك الله به عن سائر الخلق، وفضلك به على كثير ممن خلق تفضيلاً.
وأنت بالتدخين تسعى إلى تعطيل تلك النعمة، وإلى إطفاء ذلك النور؛ فالتدخين يؤثر في العقل، ويضعف التفكير، ويؤدي إلى البلادة وهبوط مستوى الذكاء، وهذا مشاهد في الطلاب وغيرهم.
ولقد أجرى المختصون الأمريكانُ تجاربَ لاختبار الذكاء بين طلاب المدارس، فتبين لهم بشكل واضح أن المدخنين أقلُّ ذكاءً من غيرهم، وأن مقدرتهم على الفهم والحفظ أقلّ من غيرهم ممن لا يدخنون.
بل إن تأثير التدخين على المخ بالذات يختلف عن كثير من المواد الأخرى المسببة للإدمان؛ فتأثيره يصل إلى المخ في أقلَّ من دقيقة من إشعال السيجارة وبدء التدخين.
20_القلب ملك الأعضاء لا تخفى أهميته، ولا تُجهل خطورةُ إصابته.
وأنت تعرضه للدمار ليل نهار؛ فتعرضه للجلطة، وتصلب الشرايين، وموت الفجأة، وجلطات الأوعية الدموية، ونحو ذلك من الأمراض.
21_عيناك هما نافذتك على الحياة، بهما تبصر الأشياء، وتنظر في ملكوت السموات والأرض.
وبالتدخين تسعى لإغلاق تلك النوافذ، وإطفاء ذلك النور أو إضعافه؛ فلقد اكتشفت دراسةٌ حديثةٌ أن تدخينَ أكثرَ من علبة سجائر واحدة في اليوم يزيد من احتمال الإصابة بالماء الأزرق، ومرض إعتام العين.
كما أنه يؤدي إلى التهاب الجفون، وزيادة تحسسها، بل ويؤدي إلى التهاب عصب الأبصار، والعمى.
22_العقلاء_يسعون للمعالي، ويترقَّون في درج المكارم، وأنت بالتدخين تنزل نفسك إلى الحضيض، وتهوي بها في الدركات؛ فالتدخين يُزري بك، ويثلم مروءتك، وينقص من قدرك، ويدل على ضعف إرادتك، وسفول همتك.
ولا أظنك_أيها الحبيب_ترضى لنفسك بهذا السقوط.
فأين أنت إذًا من الإمام الشافعي×إذ يقول:
= لو علمت أن الماءَ الباردَ يثلم مروءتي لما شربته + ([4]) !
23_التدخين يثقل عليك العبادة، ويكَرِّهُك بالخير وفِعْلِه، بل ويجرك إلى غيره من الجرائم، والمنكرات، والمسكرات، والمخدرات.
تلك العصا من هذه العصية | لا تلد الحيَّةُ إلا حيةْ |
24_صحبة الفضلاء شرف وفضيلة، والبعد عنهم والزهد بهم خسارة أيمّا خسارة.
والتدخين يدعوك إلى مخالطة الأراذل والسفل، ويزهِّدك بالأكابر والأفاضل والأخيار، وهذا من أعظم النقص عليك.
25_كم أنت محتاج إلى القوة والنشاط والحيوية؛ كي تنبعث إلى العمل بقوة، وإخلاص، وجدية.
والتدخين يوهن قواك، ويضعف قدرتك، ويورثك الخمول والكسل، بل ربما أفقدك القدرة على العمل؛ فتصبح بذلك عالة على أهلك، وأمتك.
26_الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفه إلاّ المرضى، والصحة كنز عظيم لا يوجد في خزائن الأغنياء، والناس تحافظ على صحتها، وتهرب من الأمراض صغيرها وكبيرها.
وأنت تدمر نفسك بنفسك، وتسعى لِحَتْفِكَ بظِلْفِك من حيث تشعر أو لا تشعر، فلا يكاد عضوٌ من أعضاء المدخن يسلم من أضرار التدخين.
وها هو الطب لا يفتأ يذكر لنا بين الفينة والأخرى ضررًا من أضرار التدخين، التي يصعب حصرها واستقصاؤها.
يا مَنْ يُريدُ دمارَ صِحّتِهِ وَيَهْـ | وَى الموتَ منتحرًا بلا سِكِّينِ | |
لا تيأسنَّ فإنَّ مثلَكَ واجدٌ | كلَّ الذي يرجوه بالتدخينِ |
27_الناس يرعبها مرض السرطان، وترتعد فرائصها عند ذكره؛ خوفاً وفزعاً منه.
وأنت تلقي نفسك في براثنه، وتقدم عليه بخطى حثيثة مسرعة!
أما علمت أن التدخين سبب رئيس للسرطان بأنواعه المتعددة ؟ فهو سبب لسرطان الرئة، وسرطان الحنجرة، وسرطان الشفة، وسرطان البلعوم، وسرطان المريء، وسرطان الفم، وسرطان اللسان، وسرطان البنكرياس، وسرطان المثانة، وسرطان الكُلى.
28_الأسنان جمال الإنسان، والناس تسعى سعيها كي تظهر بالمظهر اللائق، فيحرصون على الأسنان، ويبذلون الأموال الطائلة في سبيل علاجها، والمحافظة على سلامتها وجمالها وبريقها.
وأنت_هداك الله_تسعى لتسوسها، واصفرارها، وتتسبب في التهاب اللثة، وتقرحات الفم واللسان، وتشويه الشفاه، ووسخ الأسنان.
29_السموم تفتك بالصحة، وتقود إلى الهلاك، ولو أقْدَم أحدٌ على تعاطيها لاتُّهِمِ في عقله.
وأنت تَتَحَسَّى السمومَ قريرَ العين، وبمحض إرادتك، بل وتدفع مالك في سبيل ذلك.
أما علمتَ أن الدخان يحتوي على مركبات يصل عددها إلى 1000 مركب، وأن أشدها خطرًا، وأعظمها ضررًا هو النيكوتينُ، وأولُ أكسيد الكربون؛ فالنيكوتين موجود في أوراق التبغ الخضراء والمُخَمَّرة، ونسبته في الأوراق الخضراء تتراوح ما بين 2% إلى 10%، وفي المخمرة ما بين 0. 5 % إلى 5%.
أما السجائر المتداولة في السوق فنسبته فيها تتراوح ما بين 1% إلى 3%.
ومن خلال التجارب التي أجريت على النيكوتين ثبت الآتي:
أ_أن النيكتوين يؤثر على جميع أنسجة الجسم.
ب_وأن جراماً واحداً منه يكفي لقتل عشرة كلاب من الحجم الكبير دفعة واحدة.
ج__وأن حقنةً منه تُقدَّرُ بسنتيمتر مكعب كافيةٌ لقتل حصان قوي في لحظات قليلة.
د_وأن قطرةً منه في فأرة تمتيها في الحال.
ه__وأن 50 ملليجرامًا منه فقط، تقتل الإنسان في لحظات، خصوصاً إذا حقنت فيه عن طريق الوريد.
أما أول أكسيد الكربون فإنه يؤثر على قدرة الدم على حمل الأوكسجين، وفي استفادة الأنسجة منه، ونسبةِ تأثيره في دم المدخنين تصل إلى 5% بينما هي 1% عند غير المدخنين.
30_وبالجملة فالتدخين سبب لأمراض عديدة، ومن شأنها أن تهلك الإنسان، وتُنَغِّصُ عليه حياته.
فأضراره الصحية لا تقف عند حد، بل لا يكاد يترك عضوًا إلا ويُلْحِق به الضرر، فمما يسببه التدخين من أمراض_زيادة على ما مضى_ما يلي:
الربو، ضيق النفس، نشاط الإفرازات المخاطية في القنوات الشُّعبية، السعال، البصاق، البلغم، السل الرئوي، ضعف كفاءة الرئة، سوء الهضم، تَلَيُّف الكبد، السكتة الدماغية، الذبحة الصدرية، إصابة شرايين المخ بالتصلب، ضيق شرايين الدماغ، الشعور بالامتلاء والانتفاخ والغثيان، حالات الإسهال والإمساك المزمن، الصداع، الشعور بالدوران، الأرق، الفشل الكلوي، ضعف السمع وتشوشه، فقدان حاسة الشم أو إضعافها، ضعف الجهاز المناعي والاستعداد للإصابة بأمراض خطيرة، زيادة أمراض الحساسية، التهابات الجلد، قرحة المعدة والاثني عشر.
أضف إلى ذلك أن المدخنين كغيرهم، من حيث إنهم معرضون لسائر الأمراض، ولكن تزداد مضاعفة المرض بسبب التدخين.
هذا غيض من فيض من الأضرار الصحية؛ فيا عجباً لعاقل حريص على صحته وهو مقيم على شربه !.
31_أضرار التدخين تتعدى إلى الآخرين؛ فهو يؤثر على الحمل والجنين _كما مر_ كما يتسبب في اشتعال الحرائق، وتلويث الهواء، بل إن هناك ارتباطاً بين التدخين وحوادث السيارات.
أيها الحبيب، وبعد هذا كله ألم تقتنع تماماً بخطر التدخين وحرمته وضرره ؟.
أليس فيما مضى ذِكْرُه عبرةٌ لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد ؟
ستقول_كعادتك_بلى، بلى.
وأقول: متى ستقلع عن التدخين إذًا ؟
ستقول: غدًا، أو بعد غدٍ، أو بعد ذلك سأحاول الإقلاع عن التدخين.
إذًا أظنك لم تقتنع بما قيل سابقاً، بل ستستمر على التدخين، ولن تقلع عنه أبدًا.
ستقول: لا، عفوًا، إنني مقتنع تمام الاقتناع بما مضى، ولكن يعُزُّ عليَّ ترك التدخين، ويصعب عليَّ الخلاص منه بسهولة، وأخشى ألا أستمر على تركه.
إذاً ما الحل أيها الحبيب ؟ هل نقف أمام طريق مسدود ؟ ونرضى منك أن تواصل التدخين حتى يهوي بك في مكان سحيق ؟
ستقول: لا يا أخي؛ لم يصل الأمر إلى هذا الحد.
إذاً ما العمل ؟
ربما تقول: لَعَلِّي أسلك طريقًا آخر؛ كي أنجو من أضرار التدخين، فسأتحوَّل عن التدخين إلى الغليون، أو الشيشة؛ فعلها أقلُّ ضررًا، وأهون خطرًا !
وأقول لك: ما أنت _والحالة هذه_ إلا:
كالمستجير من الرمضاء بالنار
أما علمت أن ما مضى ذكره من أضرار التدخين ينطبق على الشيشة والغليون ونحوها ؟
ربما تقول: إذاً سأنتقل إلى نوع خفيف من السجائر ذاتِ المحتوى المنخفض من النيكوتين والقطران؛ فحنانيك بعض الشر أهونُ من بعض !
وأقول لك: إن هذه خُدعةٌ كبرى، قد ثبت ضررها، وعدم جدواها، وذلك لما يلي:
أ_أن ذلك سبب لتدخين أكبر عدد من السجائر.
ب_أن المدخنين في هذه الحالة يسحبون عددًا أكثر من الأنفاس من السيجارة الواحدة.
جـ _ وأنهم يستنشقون الدخان بعمق، ويحتفظون به أطول فترة ممكنة؛ ليعوضوا نسبة النيكوتين التي فقدوها.
د_كل ذلك يؤدي إلى امتصاص المزيد من النيكوتين والقطران، ويحدث هذا بطريقة لا إرادية، دون أن يشعر بها المدخن.
فكيف تلجأ إلى هذا الحل إذاً ؟
ربما تقول بعد ذلك: لقد أعيتني الحيل، وضاقت بي السبل.
أقاطعك فأقول: لا يا أخيَّ، ما أعيتك الحيل، ولا ضاقت بك السبل؛ فلكلِّ داءٍ دواءٌ، ولكل مُعْضِلةٍ حلٌّ، وما مِنْ قُفْلٍ بلا مفتاح، وإلا فما هو بقفل!
ستقول: وما الحل ؟
أقول لك: أن تقلع عن التدخين فورًا، وأن تهجره بلا رجعة. ستقول بزفرة، ولهفة، وأمل، وشوق: كيف الوصول إلى ذاك السبيل ؟ وكيف النجاة من هذا الداء الوبيل ؟ وما العلاج الناجع، والدواء النافع من هذا السمِّ الزعافِ الناقع ؟
أقول لك حينئذٍ: أيها الحبيب، كل ما تريده ستجده طالم_اً بحثت عنه، وسعيت له سعيه، وطرقت أبوابه، وأخذت بأسبابه؛ فأعرني سمعك، وافتح لي قلبك؛ فستجد_إن شاء الله_ما يشفي عِلَّتَك، ويروي غلتك.
ففي ما يلي ذكر لبعض الأمور المعينة لك على ترك التدخين:
=الأمور المعينة على ترك التدخين+:
1_استحضار أضرار التدخين واستحضار حرمته في الدين: فلا يِغِبْ عن بالك أضرار التدخين، ولا يعزب عنك حرمة التدخين في الدين؛ فإن ذلك يقودك إلى تركه والإقلاع عنه.
ثم إيّاك_أخي الحبيب_أن تكابر في ضرره، أو حرمته، فتنفي ضرره، وتدعي حله وإباحته؛ فإن هذا أقبح من مجرد شربه.
2_التوبة النصوح: فبعد أن استبان لك الدليل، واتضحت لك السبيل، وتيقنت من ضرر التدخين على الصحة والدين_تُبْ إلى ربك، وعد إلى رشدك، قبل أن يُتْلِفَ التدخين جسدك، وقبل أن يفجأك الموت على غرة منك، فأقدم غير هياب ولا وَجِلٍ ولا متردد، وإيّاك والتسويفَ والتأجيلَ؛ فإن تسويفَك وتأجيلك ذنبٌ يجب عليك أن تتوبَ منه.
3_الإخلاص لله_عزّ وجلّ_: فالإخلاص أنفع الأدوية في هذا الشأن وفي غيره؛ فإذا أخلصت لربك، وصدقت في توبتك، وتركت ما تهواه؛ رغبةً في رضا الله، وخشية من سخطه وأليم عقابه_فإن الله سيقبلك، ولن يخذل_ك، فسييسرك لليس_رى، وسيجنبك العسرى، وسيسهِّل علي_ك ط_رقَ الخيرِ كلَّها.
4_امتلاء القلب من محبة الله_عزّ وجلّ_: فهذا تابع للإخلاص، وهو من أعظم ما يقي من الفساد والانحراف؛ فمِنَ المتقرر أن في القلب فقرًاذاتيَّاً، واضطرارًا، وجوعة، وشعثاً، وتفرُّقاً.
ولا يغني القلب، ولا يكفي ضرورته، ولا يشبع جوعته، ولا يلم شعثه وتفرقه_إلا محبة الله، وإخلاص العبادة له.
ومن هنا يحصل له الأنس والسرور، ويتسلى عن كل محبوب تتعلق به النفس.
فإذا قلَّت تلك المحبة في القلب أصاب الإنسان ما أصابه من الهمّ والغمّ بقدر نقص تلك المحبة.
أما إذا خلا القلب من محبة الله_عزّ وجلّ_فلا تسل عن شقائه وعذابه، فستتسلط عليه سائر المحبوبات، فتفرقه، وتشتته، وتَذْهَبُ به كل مَذْهَب.
فما أحرى بمن وقع في شَرَك التدخين أن يملأ قلبه من محبة الله، وأن يفرغه من محبة ما سواه، فحينئذٍ سيجد الفرح، والأنس، والسرور، وسيسلو عن كل محبة تضعف القلب، أو تصرفه عن اعتداله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية×: = فالقلب لا يَصْلُح، ولا يُفْلِح، ولا يتلذذ، ولا يُسَرُّ، ولا يطيب، ولا يسكن، ولا يطمئن_إلا بعبادة ربه، وحبه، والإنابة إليه.
ولو حصل له كلُّ ما يتلذذ به من المخلوقات لم يطمئن، ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتيٌّ إلى ربه، ومن حيث هو معبوده ومطلوبه.
وبذلك يحصل له الفرح، والسرور، واللذة، والنعمة، والسكون، والطمأنينة +([5]).
فإذا وضعت_أيها الحبيب_حبَّ ربِّك نصب عينيك، واستحضرت مراقبته لك في سرك وعلانيتك_فإنك بإذن الله ستنتصر على شهواتك، وستغالب نفسك وشيطانك.
هذا ومما يعين على محبة الله أن تتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، وأن تكثر من ذكر الله على كل حال.
وسيأتي_إن شاء الله_مزيد بيان للأمور التي تعين على رسوخ تلك المحبة في القلب.
إذا تبين لك ذلك فهل تُؤْثِرُ محبة ما يضر على محبة ما ينفع؟!
5_الاستعانة بالله: وذلك بأن تأخذ بالأسباب المعينة على ترك التدخين، والتي سيأتي ذكر لشيء منها، ثم بعد ذلك تُفَوِّضُ أمرك إلى ربِّك، وتلتمس منه العون والمدد؛ فإنه_عزَّ وجلَّ_يُمِدُّك بإعانات متنوعة، وألطاف لا تخطر لك على بال؛ فإنه نعم المعين، ونعم الناصر، [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ] (الطلاق: 3).
6_استحضار الثمرات الحاصلة بترك التدخين: فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حسن عاقبتها من أعظم ما يعين على تمثلها والسعي إليها.
فكلما تَصَعَّبَتِ النَّفْسُ، وعزَّ عليها ترك التدخين_فذكِّرها بالثمار اليانعة التي تُجْنيها بتركه؛ فإنها حينئذٍ تلين، وتنقاد طائعة منشرحة.
فَتَذَكَّرْ أن من ترك لله شيئًا عوَّضَه الله خيرًا منه، والعوض أنواع مختلفة، وأجلُّ ما يُعوَّض به: الأنس بالله، ومحبته، وطمأنينة القلب بذكره، وقُوَّتُه، ونشاطه، وفرحه، ورضاه عن ربِّه_تعالى_([6]).
وتذكر الأجرَ المترتبَ على ترك التدخين؛ فكما أن ثوابَ الطاعةِ الشاقة أعظم مما لا مشقة فيه_فكذلك ترك المعصية إذا شق وصعب أعظم أجرًا.
وتذكر أنك بترك التدخين تنقذ نفسك من ضرر محقق.
وتذكر لذة الانتصار على النفس ومخالفة الهوى؛ فإن تلك اللذة أعظم من لذة عابرة.
7_مقارنة اللذة الموهومة بالضرر البالغ: فقارن بين لذة التدخين_إن كان فيه من لذة_بالضرر البالغ الذي يحصل من جرَّائه، حينها يتبين لك الغبن، وتظهر لك الخسارة؛ فكيف إذاً تُقْدِم على لذة موهومة سريعة الزوال والاضمحلال يكون بعدها همُّك، وغمُّك، وهلاكك، وعَطَبُك ؟ !!
8_العزيمة الصادقة: فمهما كان لديك من رغبة في ترك التدخين، ومهما كان عندك من علم في أضراره وآثاره_فإنك لن تسلك الطريق الموصل إلى تركه ما لم يكن لديك عزيمة صادقة، وسعي حثيث، وإلا فلن تتركه ما حييت، فستشربه إذا غضبت، وستشربه إذا رضيت، وستشربه إذا فرحت، وستشربه إذا حزنت، وستشربه إذا كنت وحيدًا، وستشربه إذا كنت في جماعة وهكذا. . .
9_الإرادة القوية: فالإرادة القوية إرادة تُقْدِم على ما قَصَدت مهما كلَّفها من المشاق، فلا تحجم أمام العقبات التي تعترضها، بل تبذل ما في وسعها لتذليلها، فلا شيء عندها أصعب من عدولها عن قصدها.
وهذه الإرادة هي سر النجاح في هذه الحياة، وهي عنوان عظماء الرجال، الذين إذا أرادوا أمرًا لم يثنِهِمْ عنه شيء، بل يسلكون إليه كلَّ سبيل، ويركبون له كل صعب وذلول.
والإرادة قد يعتريها ما يعتريها من الأمراض، فلا تستطيع مقاومة الأهواء، ولا تصمد أمام المغريات والشهوات، ولا تتحمل المسؤوليات والتبعات.
ومن المظاهر التي تعتري الإرداة أن يرى الإنسانُ الخير في شيء، ويرى وجوب عمله، ويعزم عليه، ثم تخونه إرادته، فيستسلم لشهواته، وملذاته.
فأكثر المدخنين يعلم حرمة التدخين، ويعزم على تركه ولكنه يُؤْتى من قبل إرادته الضعيفة.
وعلاج هذه الإرادة يمكن بأنواع من العلاج، منها الممارسات والمران، وذلك بإلزام النفس أعمالاً تتطلب مشقة وجهدًا، وتعويدها على أن تتحمل المصاعب شيئًا فشيئاً.
ومن ذلك محاسبة النفس وأخذها بمبدأ الثواب والعقاب؛ فإذا أحْسَنَتْ فرح بإحسانها وأراحها، وأعطاها بعض ما تشتهيه من المباح، وإذا قصَّرَتْ وتوانت أخذها بالجد والحزم، وحَرَمهَا من بعض ما تريد، وهكذا. . .
10_الصبر: فالصبر خصلة كريمة، وسجية محمودة، وكل أحد من الناس محتاج للصبر، فلا بدّ له من الصبر على بعض ما يكره إمّا اختيارًا وإمّا اضطرارًا.
فالكريم يصبر اختيارًا؛ لعلمه بحسن عاقبة الصبر، وأنه يحمد عليه، ويذم على قلَّته؛ فمن لم يصبر صبر الكرام سلا سلوَّ البهائم.
ولا ريب أن من يريد ترك التدخين سيجد مشقة كبرى خصوصاً في بداية الأمر؛ فالإقلاع عن التدخين ثقيل على النفس، ولكنه ليس متعذرًا ولا مستحيلاً.
والصعوبة في تركه تكمن في قوة ضغط العادة، ولأن كثيرًا من المدخنين_وخصوصًا المفرطين منهم_يشعر بالكآبة في الأسابيع التالية لإقلاعه عن التدخين، إلى جانب معاناة الرغبة الشديدة في التدخين؛ ذلك أن نتائج ترك التدخين ربما تتضمن الخمولَ، وشدّةَ التوتر، وسرعةَ الغضب، والقلقَ، والنومَ المتقطعَ، وصعوبة التركيز الذهنيِّ، وأعراضاً أخرى في المعدة والأمعاء، مع انخفاض في الدم، ومعدل النبض، وغير ذلك.
ومع هذا فبعض تلك النتائج قد يكون نفسيَّ_اً فقط، وقد لا تظهر إذا كانت الإرداةُ قويةً، والعزيمة صادقةً.
ثم إن المشقة لا تزال تهون شيئًا فشيئًا إلى أن يألف المدخن ترك التدخين.
قال ابن القيم×: = إنما يجد المشقَّةَ في ترك المألوفات والعوائد مَنْ تَركَ_ها لغير الله.
أما من تركها مُخلصاً من قلبه لله فإنه لا يجد في تركها مشقةً إلا في أول وَهْلَةٍ؛ ليمتحن أصادقٌ هو في تَرْكها أم كاذب.
فإن صبر على تلك المشقة قليلاً استحالت لذَّةً +([7]).
فيا أيها الحبيب تَجَرَّعْ مرارة الصبر، وغصص الحرمان في البداية؛ لتذوق الحلاوة وتحصل على اللذة في النهاية.
والصبر مثلُ اسمه مرٌّ مذاقَتُهُ | لكنْ عواقُبُه أحلى من العسل |
وقال آخر:
وقلَّ مَنْ جدَّ في أمرٍ تَطَلَّبَهُ | واستصحب الصبرَ إلا فاز بالظَّفَرِ |
وقال الآخر:
والصبرُ أكرمُ من صحبتَ مواسيًا | يحنو على الكبد الجديب فيينعُ |
ثم اعلم أنك مُعَانٌ من الله؛ فهو_عزّ وجلّ_يحب الصابرين، وهو مع الصابرين.
قال_عليه الصلاة والسلام_: = ومن يتصبر يصبره الله+([8]).
ثم استحضر أن الصبر عن التدخين أسهل بكثير مما يوجبه التدخين؛ فإنه يورث ألماً، وعقوبة، وهمَّاً وغمَّا ً، وندامةً، وذلاً، وضررًا_كما قد مر معك آنفاً_.
11_المجاهدة: فالمجاهدة عظيمة النفع، كثيرة الجدوى، والذي يجاهد نفسه في ذات الله فليبشر بالخير، والهداية، والتسديد، والتوفيق، والتيسير.
قال_تعالى_: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ] (العنكبوت: 69).
فجاهد نفسك_يا أخيَّ_في ذات الله، واقْدَعْها وكَفَّها عن شهواتها، وإلا قادتك إلى الغواية، ونزعت بك إلى شر غاية.
قال ابن المبارك×:
ومن البلايا من البلاء علامة | ألا يرى لك من هوالك نزوع | |
العبد عبد النفس في شهواتها | والحر يشبع تارة ويجوع |
وقال آخر:
والنفس إن أعطيتها مناها | فاغرةٌ نحو هواها فاها |
وقال آخر:
إذا المرء أعطى نفسه كلَّ ما اشتهت | ولم ينهها تاقت إلى كل مطلب |
وليست المجاهدة أن تحاول مرة أو مرات، وإنما تجاهد نفسك على سلوك سبيل الاستقامة حتى الممات.
12_علو الهمة: فعلو الهمة يستلزم الإباء والجد، وتطلب المعالي والكمالات، والترفع عن الصغائر والسفاسف والمحقرات.
فمن لم تكن له همة أبيَّة لم يكد يتخلص من هذه البلية؛ فإن ذا الهمة يأنف أن يملك رقَّه شيءٌ، وما زال الهوى يذل أهل العز.
فكيف تقنع بالدون ؟ وكيف ترضى لنفسك بالهوان ؟
أما علمت أن المدخنَ مزدرىً ممقوتٌ، ليس عند المسلمين فحسب؛ بل في مجتمعات الغرب الكافر؛ فلقد كان المثقفون والأطباء ونحوهم في الغرب يدخنون في الماضي، أما الآن فصار الناس عندهم يمقتون التدخين، وينظرون للمدخن نظرة احتقار وازدراء، وأنه رمز للإرادة السيئة والحمق والتخلف، مما حدا بكثير منهم إلى هجر التدخين، فصار شُرَّابُه في عداد السوقة والجهلة.
إذا كان الأمر كذلك فما أحرى بك أيها الحبيب أن تأنف هذا الذلَّ، وأن ترفع نفسك من هذا الهوان.
قال منصور الهروي:
خُلِقْتُ أبيَّ النفسِ لا أَتْبَعُ الهوى | ولا أستقي إلا من المشرب الأصفى | |
ولا أتحرَّى العزَّ فيما يُذِلُّني | ولا أخطب الأعمال كي لا أرى صرفًا | |
ولست على طبع الذباب متى يُذَدْ | عن الشيء يسقطْ فيه وهو يرى الحتفا([9]) |
13_لزوم الحياء: فالحياء كله خير، والحياء لا يأتي إلا بخير، والحياء خلق الإسلام، والحياء شعبة من شعبة الإيمان.
فإذا لزمت الحياء وحرصت على التحلي به_قادك إلى الخير، وأقْصَرك عن الشر؛ ذلك أنه خلق يبعث على فعل الجميل، وترك القبيح.
فالمستحي يخشى الفضيحة والعقوبة في الدنيا وفي الآخرة، فيحمله ذلك إلى التحلي بكل جميل، والتخلي من كل قبيح.
هذا ومما ينمي شجرة الحياء في قلبك أن تتذكر فضائله وثمراته، وأن تستحضر حياء النبي "فلقد كان أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها.
ومن ذلك؛ أن تمسك عمّا تقتضيه قلة الحياء من قول أو عمل؛ ومنها أن تتكلف الحياء مرة بعد أخرى حتى يصبح في نفسك سجية وطبعًا.
ومنها مجالسة أهل الحياء، ومجانبة أهل الوقاحة والمجاهرة بالسوء.
14_المحافظة على الصلاة مع جماعة المسلمين: فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال_تعالى_: [إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ] (العنكبوت: 45).
والتدخين من جملة ما تنهى عنه الصلاةُ من المنكر.
فإذا أقمتها حق الإقامة، وأعطيتها نصيبها من المحافظة عليها والخشوع فيها_فلا ريب أنها ستنهاك عن شرب الدخان، وستكون دافعاً قوياً لتركه.
15_الصيام: فالصيام علاج نبوي؛ يهذب النفس، ويسمو بالخلق، ويعين على محاربة الهوى، وكبحِ جماح الشهوة؛ فهو يقوي الإرادة، ويشحذ العزيمة، ويعين على ترك المحرم.
16_الدعاء: فهو من أعظم الأسباب المعينة على دفع البلاء ورفعه، فهو ينفع مما ينزل ومما لم ينزل.
وربك_تبارك وتعالى_يقول: [ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ] (غافر: 60).
ويقول: [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي] (البقرة: 186).
فأكثر من الدعاء، وألحَّ على ربك به، عسى أن يجيب دعاءك، وينفس كربتك.
وتحيَّن الأوقات، والأحوال، والأوضاع التي هي مظان إجابة الدعاء.
كالدعاء في السجود، وفي آخر الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي حال إقبال القلب، واشتداد الإخلاص والإضطرار، وغير ذلك([10]).
فاسأل ربَّك بصدق وإخلاص أن ييسرك لليسرى، وأن يجنبك العسرى، وتَضَرَّعْ إليه أن يريك الحق حقَّ_اً ويرزقك اتباعه، وأن يريك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه، وأن يحبب إليك الإيمان ويُزَيِّنه في قلبك، وأن يكره إليك الكفر والفسوق والعصيان.
ماضاق بالمرء أمر فايتعد له | عبادة الله إلا جاءه الفرج | |
ولا أناخ بباب الله ذو ألم | إلا تزحزح عنه الهم والحرج |
ولقد أحسن من قال:
والجأ لسيدك الذي لا تأتلي | أبدا بقيض حنانه تتمتع |
17_الإكثار من تلاوة القرآن: فهو طب القلوب، وشفاء الصدور، وهو مأدبة الله في أرضه، ففيه الهدى والنور، وفيه الفرح والأنس والسرور.
فما أحرى بك_أيها الحبيب_أن تُقْ_بِل على القرآن، وأن تتداوى به، فتكثر من تلاوته، وسماعه، وحفظ ه، وتدبره، وعقله؛ حتى يَصِحَّ قلبك، وتزكو نفسك، ويطيب عيشك، فتعتاض به عن كل محبوب، وتتسلى به عن كل مطلوب.
وكتابُ ربِّك إن في نفحاته | من كل خير فوق ما يُتَوَقَّعُ | |
نورُ الوجود وأنسُ كلِّ مروَّعٍ | بكروبه ضاق الفضاء الأوسعُ | |
والعاكفون عليه هم جلساء مَنْ | لجلاله كلُّ العوالم تخشعُ | |
فادفن همومك في ظلال بيانه | تحْلُ الحياة وتطمئنَّ الأضلعُ | |
فبكل حرفٍ من عجائب وحيه | نبأٌ يبشر أو نذير يقرعُ |
18_الإكثار من ذكر الله_عز وجل_: فبذكر الله تطمئن القلوب، وتسكن النفوس، وتغشى الرحمة، وتتنزل السكينة.
وبه تطرد الخواطر الرديئة، والإرادات الفاسدة.
فأكثر من ذكر الله على كل حال، خصوصًا تلك الكلمات التي هي أفضل الكلام بعد القرآن وهي من القرآن: = سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر+.
وكذلك: = لا حول ولا قوة إلا بالله +؛ فهذه الكلمة كنز من كنوز الجنة، ولها تأثير عجيب في تحمل المشاق، ومعاناة المصاعب.
19_الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: فالشيطان يزين لك المعصية، ويقودك إلى فعلها واستمرائها.
فإذا تاقت نفسك إلى التدخين فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال_تعالى_ [وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] (فصلت: 36).
20_تجنّب الفراغ: فالفراغ يأتي على رأس الأسباب المؤدية للتدخين؛ فكثير من الناس _وخصوصاً الشباب_ يعاني من فراغ قاتل، يؤدي به إلى الانحراف، ويهوي به إلى الفساد.
فبدلاً من أن يجلس المرء وحيدًا فارغاً بلا شغل، مسترسلاً مع أوهامه وجنوحاته_عليه أن يشغل نفسه بما يعود عليه بالنفع، أو بما يشغله عمّا يضره؛ فيشتغل بطلب العلم، أو مذاكرة الدروس إن كان طالباً، أو بزيارة الأقارب وقضاء الحوائج، أو أن يشتغل ببعض المباحات كالبيع والشراء ونحو ذلك.
21_النظر في العواقب: فالعاقل ينظر في العواقب، فلا يُقْدِم على أمر إلا وهو على بينة من عاقبته، ولا يكتفي بظاهر الشيء دونما نظر في حقيقة وجدوى منفعته، ولا يُؤثر اللذة الحاضرة ويغفل عما ستعقبه من الضرر المحقق.
فالتدخين أضراره جسيمة، وعواقبه وخيمة، ولذته_إن كان فيه من لذة_تُعْقِبُ حسرة وندامة، وخزياً وعارًا، وذلة وشنارًا، فتذهب اللذات، وتبقى التبعات، وتذهب الشهوة، وتبقى الشقوة.
تفنى اللذاذات ممن نال صفوتها | من الحرام ويبقى الخزي والعار | |
تبقى عواقبُ سوءٍ في مغبتها | لا خير في لذة من بعدها النار |
22_الوقوف مع النفس: فمن الأدوية المجدية، والعلاجات النافعة الناجعة_أن يقف المدخن مع نفسه وقفة جادة.
فيا أيها الحبيب قف مع نفسك، وسائلْها بوضوح ومصارحة، بعيدًا عن المراوغة والمواربة.
فإن كنت كبيرًا فقل لها: ماذا أنتظر ؟ وإلى متى سأستمر؟ أأنتظر البلاء والضر ينزل بساحتي بعدما بلغت من الكبر عتيًا ؟ أم أنتظر الموت يبغتني بكرة أو عشيًا ؟
ثم عاتِبْها وقُلْ: ألَمَّا أَصْحُ والشيبُ وازعُ
وقل:
أطرباً وأنت قَنَّسْرِيُّ([11]) | والدهر بالإنسان دوَّارِيُّ |
وقلْ:
دا ارعواءٍ فليس بعد اشتعال الرَّ | أس شيبًا إلى الصبا من سبيل |
وإن كنت صغيرًا، فهل ستعمر طويلاً ؟ أم سيأتيك الموت وأنت في شرخ الشباب ؟
فإن قُدِّرَ لك الموت فهل ترضى أن تلاقي ربك وأنت مُصِرٌّ على التدخين ؟
وإن قدر لك العيش فهل ترضى أن تقضيه مهددًا بالخطر ؟ أو أن تضيع زهرة شبابك في هذا الفعل الشائن ؟ ثم كيف ستواجه الحياة بتلك الإرادة الضعيفة ؟ وكيف ستتغلب على ما يعترضك من مصاعب وقد عجزت عن الخلاص من أسر التدخين ؟
ثم ليقف كلُّ واحدٍ مع نفسه، هل هو في مأمن من الأمراض المستعصية المترتبة على الاستمرار في التدخين، والتي تعكر صفوه، وتقلب عليه الحياة جحيماً ملهباً ؟
وهل يرضى الواحد منكم_أيها الأحباب_أن يكون سبباً في دمار صحة أسرته ؟ أو أن يصبح معولَ هدم لمجتمعه وأمته.
فلعل هذه الوقفات والتساؤلات توقظ النفس، وتبعثها إلى ترك التدخين.
23_الحذر من اليأس: فقد تحاول ترك التدخين مرة أو أكثر فلا تفلح، وقد تتركه فترة ثم ترجع إليه مرة أخرى.
فربما قادك ذلك إلى اليأس، وربما ألقى الشيطان في قلبك أنْ لا سبيل إلى ترك التدخين، وأن كل محاولة ستبوء بالإخفاق.
فإيّاك أن يدِبَّ هذا الشعور إليك، أو أن يجد منفذاً إلى قلبك.
بل حاول مرة بعد مرة، وأعد الكرَّة بعد الكرَّة، ولا تيأسنَّ مهما حاولت وأخفقت؛ فلعلك إن أخفقت مرات نجحت في آخر المطاف.
اطلبْ ولا تضْجَرَ من مطلبٍ | فآفةُ الطالبِ أن يضجرا | |
أما ترى الحبلَ بتكراره | في الصخرة الصَّمَّاء قد أثَّرا |
24_البعد عما يذكر بالتدخين أو يغري به: فالقرب شقاء وبلاء، والبعد سلوة وجفاء وعزاء؛ فالمدخن إذا رأى الدخان، أو شمه، أو شاهد أهله أو جالسهم_ربما تذكر الدخان، وضعفت نفسه عن المقاومة، فرجع إلى سالف عهده إن كان قد هجر الدخان، إلا أن يكون ذا نفس عزيزة، وإرادة قوية.
فاحرص_أيها الحبيب_على البعد عمّا يذكرك بالتدخين، واقطع صلتك بكل ما يدعوك إليه، أو يغريك بشربه؛ فالشيء إذا قطعت أسبابه التي تُمِدُّه زال واضمحل.
25_البعد عن رفقة السوء: فرفقة السوء تحسن القبيح، وتقبح الحسن، وتجر إلى الرذيلة، وتبعد عن الفضيلة؛ فالمرء يتأثر بعادات رفقته، فالصاحب ساحب، والطبع استراق.
ولو ذهبت تسأل المدخنين عن سبب وقوعهم في التدخين لوجدت قطاعًا كبيرًا منهم وقع في التدخين بسبب صحبته السيئة؛ فالذي يجالس أهل السوء لا بدّ وأن ينالَه ما ينالُه من سوئهم.
ولو لم يأته من مجالستهم إلا أن يقارن أفعاله بأفعالهم السيئة، فيستقل سيئاته بجانب سيئاتهم، فيقوده ذلك إلى الجرأة والإقدام على فعل الموبقات والآثام.
فرفيق السوء يفسد عليك دينك، ويخفي عليك عيوبك، ويصلك بالأشرار، ويقطعك عن الأخيار، ويقودك إلى الفضيحة والخزي والعار.
كما أنه يُجَرِّؤك على ارتكاب المعاصي، ويهون عليك فعلها، ويدعوك إلى مماثلته في المحرمات.
ثم إن صحبة الأشرار عرضة للزوال في أي لحظة وعند أدنى خلاف، ولو دامت مودتهم في الدنيا_فإنها تنقشع في الآخرة.
إذا تبين لك ذلك فما أحراك_أيها الحبيب_أن تنأى بنفسك عن صحبة السوء، وأن تفر منهم فرارك من الأسد.
26_مجالسة الأخيار: فجليس الخير ينصح لك، ويبصرك بعيوبك، ويدلك على تلافيها.
وجليس الخير يدلك على أهل الخير، ويبعدك عن أهل الشر، ويكفُّك عن المعاصي؛ فقد تتركها حياءً منه، ثم تنبعث بعد ذلك إلى تركها بالكلية.
وجليس الخير يذكرك بالله، ويحفظك في حضرتك ومغيبك، ويرفع من قدرك، ويحافظ على سمعتك.
ومجالس الخير تغشاها الرحمة، وتحفها الملائكة، وتتنزل فيها السكينة، ويذكر الله أهلها فيمن عنده.
وأهل الخير زين في الرخاء، وعدَّة في البلاء.
إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم
ولا تصحبِ الأردى فتردى مع الردي |
27_لا تلتفت إلى هؤلاء: فقد تُبْتَلى بأناس يُخَذِّلونك إذا رأوك هممت بترك التدخين، فربما عوَّقوك وثبَّطوك، ووضعوا العراقيل في طريقك، وسعوا جادين لثنيك عن عزيمتك.
فهل تستسلم لهم ؟ وهل تقيم وزنًا لكلامهم ؟
لا، بل أدر ظهرك لهم، وأشح بوجهك عنهم، وتوكل على ربك، وخذ بالعزيمة، واستشعر التحدي، وعليك بالإصرار، فستصل إلى غايتك بإذن الله.
28_التدرج: فاللائق بك، والمؤمل فيك، والواجب عليك أن تقلع عن التدخين فورًا، وأن تهجره بلا رجعة.
فإن ضعفت نفسك عن ذلك، وشق عليك هجر التدخين جملة واحدة_فلا أقلَّ من أن تتدرج، وتمضي في طريقك لتركه، فتسعى إلى ذلك شيئاً فشيئًا، فتقلل من شربه إلى أن تتركه بالكلية.
ومما يعينك على ذلك ما يلي:
أ_ترك المجاهرة: لأنها تقودك لأن تشرب الدخان في كل مكان، فيكثر شربك تبعًا لذلك.
فإذا تركت المجاهرة قلَّ شربك للدخان؛ بسبب حاجتك للقاء الناس، والظهور في الأماكن العامة، فتضطر_والحالة هذه_إلى أن تقلل من التدخين.
ب_تَجَنُّبُ مجالس المدخنين، والبعد عما يغري بالتدخين_كما مضى_.
ج_المكث في أماكن تعينك على ترك التدخين: كالجلوس مع الوالدين، والتردد على من تستحيي منهم، والجلوسُ طويلاً معهم؛ حتى تتسلى عن التدخين، وتعتاد هجره.
د_استعمال البديل المناسب: كاستعمال السواك، أو بعض أنواع ( لعلوك )، أو ممارسة الرياضة المناسبة من سباحة، وجري، ونحوها.
29_عرض الحال على من يعين: فمن الأسباب المعينة على ترك التدخين؛ أن تعرض حالك على من يعينك، فتعرضها على من تتوسم فيه الخير والصلاح والعلم؛ لعله يجد لك حلاً ملائماً يخرجك من مأزقك.
أو تعرض حالك على طبيب مختص، فقد يجد لك علاجًا ناجعاً، أو يدلك على طريقة تتبعها، لتتخلص من هذا الداء العياء.
وأخيرًا آن للقلم أن يتوقف عن الجريان؛ فأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهديك لأرشد أمرك، وأن يحبب الإيمان إليك، ويزين_ه في قلبك، وأن يُكَرِّهَ إليك الكفر والفسوق والعصيان، ويجعلك من الراشدين.
كما أسأله_تبارك وتعالى_أن يريك الحق حقَّاً ويرزقك اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه.
وفي الختام أعتذر إليك_أخي الحبيب_إن كنت أطلت أو قسوت عليك، وآمل أن تجد هذه الكلمات صدىً في نفسك، وأن تكون معينة لك على التخلص من التدخين.
وكم يسعدني، ويفرح قلبي أن يحمل إليَّ البريد رسالة منك، تبشر بتوبتك وإقلاعك عن التدخين، وما ذلك على الله بعزيز.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
([1]) من ذلك على سبيل المثال: حكم شرب الدخان للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، ورسالة في حكم شرب الدخان لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ويليها موقف الطب من التدخين، والتدخين كارثة عصرية وهذا الكتاب أخطر تقرير علمي للأكاديمية البريطانية عن التدخين والمدخنين، والتدخين وأثره على الصحة د. محمد علي البار، والتجارة الخاسرة، اقتصاديات التبغ والتدخين د. محمد علي البار، والتدخين مادته وحكمه في الإسلام للشيخ د. عبد الله بن جبرين، والتدخين مادة وحكماً للشيخ ابي بكر الجزائري، وحكم الدخان والتدخين على ضوء الطب والدين للشيخ محمد بن جميل زينو، والمواعظ الحسنة الحسينية في مستعمل التتن وشجرته الكريهة وآلته القبيحة، صنفها عماد الدين الصنعاني تحقيق ودراسة الشيخ د. عبد الله = الطيار، وفي بيان حكم الدخان وأضراره وبعض ما يتعلق به لسليمان السديري، ومعلومات هامة وخطيرة عن التدخين وما يسببه من أضرار صحية ونفسية واجتماعية، صدر عن اللجنة الخيرية لتوعية الشباب حمايتهم من أضرار التدخين بجدة، بالإضافة إلى العديد من الصحف والمجلات والنشرات.
([2]) رواه مالك في الموطأ كتاب الأقضية كتاب القضاء في المرفق رقم (31)، واحمد 1/313، وابن ماجه 2/75_85، وصححه ووافقه الذهبي.
([3]) قد يشكل هذا الأمر على بعض الناس، كيف يتسبب التدخين في تقصير عمر المدخن مع أن الله_عز وجل_قد كتب مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض ومع انه_تعالى_يقول: [فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ] ( الأعراف: 34).
والجواب أن يقال: لا تعارض في ذلك؛ فكما أن الله_عز وجل_كتب مقادير الخلائق ومن ذلك انه قدر آجالهم بأوقات معلومة وبأعمار محددة_فكذلك ربط_سبحانه_الأسباب بالمسببات؛
فكما أن الصحة، وطيب الغذاء والهواء، واستعمال الأمور المقوية للأبدان والقلوب تعد من أسباب طول العمر_فكذلك عكس هذه الأمور، والتي منها التدخين تعد من أسباب قصر العمر؛ فلا تعارض إذاً بين تقدير الله السابق وبين ربطه الأسباب بالمسببات؛ فالشبع_على سبيل المثال_قدر بالأكل، والري قدر بالشرب، وحصول الولد قدر بالوطء، وحصول الزرع قدر بالبذر وهكذا. . .
= بل إن هناك أموراً ربانية معنوية يحصل بها زيادة العمر كصلة الرحم، والاستغفار، والطاعات عموماً.
كما أن هناك أموراً معنوية تتسبب في تقصير العمر كالذنوب والمعاصي عموماً؛ فهل يقول عاقل بأن ربط الأسباب بالمسببات يقتضي خلاف التقدير السابق أو ينافيه بوجه من الوجوه ؟ إذا تبين هذا علمنا إن التدخين يقصر العمر من جهتين: من جهة كونه معصية لله، ومن جهة إضراره بالصحة. انظر: الإيمان بالقضاء والقدر للكاتب.
([4]) روِِِِِِِِِِضة المحيين لابن القيم ص 468.
([5]) الفتاوى الكبرى 5/188-189.
([6]) انظر الفوائد لابن القيم ص 16.
([7]) الفوائد ص 159_160.
([8]) رواه البخاري 7/183، ومسلم (1053).
([9]) ذم الهوى لابن الجوزي ص 480.
([10]) انظر: الدعاء للكاتب.
([11]) القنسري هو كبير السن الذي أتى عليه الدهر، انظر لسان العرب 5/117.