×
هذا الكتاب ذكر فيه مؤلفُه رحمه الله جملةً من القواعد الفقهية المهمة، ثم قام بشرحها، وبيَّن أدلتها وأمثلتها بأسلوب سهل ميسر، ثم أتبَعَه بجملة من الفروق الفقهية بيَّن فيها الفروق الصحيحة من الضعيفة. اعتنى بتحقيقه: الشيخ خالد بن علي بن محمد المشيقح أثابه الله.

 القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة

تأليف العبد الفقير إلى الله تعالى

عبد الرحمن بن ناصر السعدي

غفر الله له ولوالديه والمسلمين

اعتنى بتحقيقه

د.خالد بن علي بن محمد المشيقح

الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

 كلية الشريعة بالقصيم


بسم الله الرحمن الرحيم


 المقدمة

إنَّ الحمدَ لله؛ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرهُ، ونعوذُ بالله من شرور أنفُسِنا وسيِّئات أعمالِنا، مَن يهده الله؛ فلا مضلَّ له، ومَن يُضْلِل؛ فلا هاديَ له.

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وحدَه لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.

{{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ  مُسْلِمُونَ *}} ([1]).

{{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا *}} ([2]).

{{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا *}} ([3]).

أما بعد:

فكتاب: «القواعد والأصول الجامعة، والفروق والتقاسيم البديعة النافعة لمؤلفه:


فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى.

تنبع أهميته:

من طبيعة مادته، فقد «اهتم الفقهاء بالقواعد الفقهية لما فيها من سهولة العلم والإحاطة بأحكام الفروع دون حفظها، والإلمام بمدلولاتها دون جمعها، ولما يترتب عليها من انتظام الكليات للجزئيات، ولولا القواعد الفقهية لكانت الأحكام الفقهية فروعاً متناثرة تتناقض في ظواهرها، وإن اتفقت في مدلول بواطنها» ([4]).

وجاء في كتاب المنثور:

«أما بعد، فإن ضبط الأمور المنتشرة في القوانين المتّحدة، أوعى لحفظها، وأدعى لضبطها، وهي إحدى حِكَم العدد التي وضع لأجلها.

والحكيم إذا أراد التّعليم لا بد له أن يجمع بين بيانين، إجمالي تتشوَّف إليه النفس، وتفصيليّ تسكن إليه.

وهذه القواعد تضبط للفقيه أصول المذهب، وتطلعه من مآخذ الفقه على نهاية المطلب» ([5]).

«وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتوى وتكشف» ([6]).

وأيضاً: فقد اعتنى كثير من علماء المسلمين بعلم الفروق بين المسائل والأحكام، وأفردوه بالتأليف، لما له من أهمية بالغة في إيضاح الفروق الدقيقة بين كثير من المسائل التي تتشابه صورها، وتختلف أحكامها، وأسبابها، وعللها.

وأيضاً: الفروق كالقواعد في تقريب العلم وتسهيله، والإلمام به  وحفظه.

وقد وقفت على النسخة الخطية لكتاب «القواعد والأصول الجامعة...» لمؤلفه الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله فقارنتها بالمطبوع من هذا الكتاب، فوجدت أن المطبوع قد اشتمل على كثير من التحريف والسقط فعزمت على طباعته مرة أخرى معتمداً على النسخة الخطية التي هي بخط المؤلف، وعليها بعض التصحيحات، وقد فرغ المؤلف من كتابتها في 22 ربيع الأول سنة1375هـ ويتجلى العمل في الآتي:

أولاً: إخراج الكتاب كما جاء في النسخة الخطية للمؤلف.

ثانياً: ترقيم الآيات القرآنية، وتخريج الأحاديث والآثار.

ثالثاً: توثيق النقول.

رابعاً: وضع فهرس للموضوعات.

أسأل الله عز وجل أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يثيب مؤلفه وناشره، وأن ينفع به قارئه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

كتبه:

د.خالد بن علي بن محمد المشيقح

جامعة الإمام محمد بن سعود

الإسلامية ـ كلية الشريعة بالقصيم

ص.ب 1196



 ترجمة مُوجَزة للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ([7])

رحمه الله تعالى آمين

هو العلامة الفقيه الأصولي المفسر المحقق صاحب الأخلاق الفاضلة والمناقب الحميدة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، التميمي.

ويشتمل على ما يلي:

أولاً: نسبه:

هو الشيخ أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر آل سعدي من قبيلة تميم ([8]).

ثانياً: مولده:

ولد في بلدة عنيزة في القصيم، وذلك بتاريخ 12 محرم عام ألف وثلاثمائة وسبع من الهجرة النبوية، وتوفيت أمه وله أربع سنين، وتوفي والده وله سبع سنين، فتربى يتيماً وكفلته زوجة والده رحمها الله حتى شبَّ، ثم انتقل إلى بيت أخيه الأكبر فقام على رعايته، ونشأ نشأة حسنة، وكان قد استرعى الأنظار منذ حداثة سنه بذكائه ورغبته الشديدة  في العلوم، فقرأ القرآن وحفظه عن ظهر قلب، وأتقنه وعمره أحد عشر سنة ([9]).

ثالثاً: طلبه للعلم ومشايخه:

ثم اشتغل في التعلم على علماء بلده، وعلى من قدم بلده من العلماء، فاجتهد وجد حتى نال الحظ الأوفر من كل فن من فنون العلم، ولما بلغ من العمر ثلاثاً وعشرين سنة جلس للتدريس فكان يتعلم ويُعَلِّم، ويقضي جميع أوقاته في ذلك ([10]).


أخذ العلم رحمه الله عن:

1 ـ الشيخ إبراهيم بن حمد بن جاسر توفي في الكويت سنة (1338هـ).

2 ـ الشيخ محمد بن عبد الكريم الشبل، قرأ عليه في الفقه، وعلوم العربية وغيرهما، وتوفي رحمه الله في عنيزة عام 1343هـ.

3 ـ الشيخ صالح بن عثمان القاضي قرأ عليه في التوحيد والتفسير، والفقه أصوله وفروعه، وعلوم العربية، وهو أكثر من قرأ عليه المؤلف ولازمه ملازمة تامة حتى توفي رحمه الله عام 1351هـ.

4 ـ الشيخ عبد الله بن عايض الحربي. ت(1322هـ).

5 ـ الشيخ صعب بن عبد الله التويجري. ت(1253هـ).

6 ـ الشيخ علي بن محمد السناني. ت(1253هـ).

7 ـ الشيخ علي الناصر أبو واداي، قرأ عليه في الحديث، وأخذ عنه الأمهات الست وغيرها، وأجازه في ذلك ت (1361هـ).

8 ـ الشيخ محمد بن الشيخ عبد العزيز المحمد المانع توفي سنة (1385هـ).

9 ـ الشيخ محمد الأمين محمود الشنقيطي نزيل الحجاز قديماً، ثم الزبير لما قدم عنيزة وجلس فيها للتدريس قرأ عليه المؤلف في التفسير، والحديث، ومصطلح الحديث، وعلوم العربية كالنحو والصرف ونحوهما، ت(1351هـ).

10 ـ محمد بن عبد الله بن سليم ت(1323هـ).

11 ـ إبراهيم بن صالح القحطاني ت(1343هـ) ([11]).

رابعاً: مكانته العلمية:

كان ذا معرفة تامة في علوم الشريعة، وخصوصاً في الفقه، أصوله وفروعه.

وكان أعظم اشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وحصل له خير كثير بسببهما في علم التوحيد، والتفسير، والفقه وغيرها من العلوم، وبسبب استنارته بكتب الشيخين المذكورين صار يرجح ما ترجح عنده بالدليل الشرعي.

خامساً: تلاميذه:

فأما تلاميذه فكثيرون أذكر منهم:

1 ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم البسام ت(1377هـ).

2 ـ الشيخ سليمان بن محمد الشبل ت(1386هـ).

3 ـ الشيخ صالح بن عبد الله الزغيبي ت(1372هـ).

4 ـ الشيخ عبد الله بن عبد العزيز المطوع ت(1354هـ).

5 ـ الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين.

6 ـ الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل.

7 ـ الشيخ علي بن حمد الصالحي.

8 ـ الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن صالح البسام.

9 ـ الشيخ عبد العزيز بن محمد السلمان.

10 ـ علي بن زامل السليم ت(1418هـ).

11 ـ محمد بن صالح الخزيم ت(1394هـ) ([12]).

12 ـ محمد بن عبد العزيز المطوع ت(1387هـ).

سادساً: مؤلفاته:

ألف الشيخ رحمه الله العديد من الكتب والرسائل والفتاوى، ومن هذه المؤلفات:

1 ـ تفسير القرآن الكريم المسمى «تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن» في خمس مجلدات، وقد أكمل تأليفه عام (1344هـ) مطبوع.

2 ـ «حاشية على الفقه» استدراكاً على جميع الكتب المستعملة في المذهب الحنبلي مطبوع.

3 ـ «إرشاد أولي البصائر والألباب لمعرفة الفقه بأقرب الطرق ويسر الأسباب»، رتبه على السؤال والجواب، طبع مراراً، وقد أعيد طبعه أيضاً تحت عنوان «الإرشاد إلى معرفة الأحكام».

4 ـ «الدرة المختصرة في محاسن الإسلام» مطبوع.

5 ـ «الخطب العصرية القيمة» مطبوع.

6 ـ «القواعد الحسان لتفسير القرآن» مطبوع.

7 ـ «تنزيه الدين وحملته ورجاله، مما افتراه القصيمي في أغلاله».

8 ـ «الحق الواضح المبين، في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين» مطبوع.

9 ـ «توضيح الكافية الشافية»، وهو كالشرح لنونية الشيخ ابن القيم مطبوع.

10 ـ وجوب التعاون بين المسلمين، وموضوع الجهاد الديني.

11 ـ «القول السديد في مقاصد التوحيد» مطبوع.

12 ـ «مختصر في أصول الفقه» مطبوع.

13 ـ «تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن» مطبوع.

14 ـ «الرياض الناضرة».

وغيرها كثير.

وله فوائد منثورة وفتاوى كثيرة في أسئلة شتى ترد إليه من بله وغيرها ويجيب عليها، وله تعليقات شتى على كثير مما يمر عليه من الكتب. وكانت الكتابة سهلة يسيرة عليه جداً، حتى أنه كتب من الفتاوى وغيرها شيئاً كثيراً، ومما كتب نظم ابن عبد القوي المشهور؛ وأراد أن يشرحه شرحاً مستقلاً فرآه شاقاً عليه، فجمع بينه وبين الإنصاف بخط يده ليساعد على فهمه فكان كالشرح له ([13]).

سابعاً: وفاته:

وبعد عمر دام قرابة 69 عاماً في خدمة العلم انتقل إلى جوار ربه فجر يوم الخميس الموافق 22 جمادي الآخرة عام 1376هـ بعد مرض لازمه قرابة خمس سنوات ـ وهو مرض ضغط الدم وضيق الشرايين ـ كان خلالها صابراً محتسباً، ودفن في مدينة عنيزة من بلاد القصيم رحمه الله رحمة واسعة. وصلِّي عليه بعد صلاة الظهر في الجامع الكبير، وكان الناس في حشد عظيم امتلأ الجامع بهم والشوارع المحيطة به. ولما علم الشيخ سليمان المشعلي بوفاته وكان عالماً جليلاً قال: (مات اليوم عالم نجد وقد طاب الموت بعده) ([14]).

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً.

أما بعد ، فإن معرفة جوامع الأحكام وفوارقها من أهم العلوم وأكثرها فائدة، وأعظمها نفعاً؛ لهذا جمعت في رسالتي هذه ما تيسّر من جوامع الأحكام، وأصولها، ومما تفترق فيه الأحكام لافتراق حكمها وعللها، وقسّمتها قسمين:

القسم الأول: في ذكر ما تجتمع فيه الأحكام من الأصول، والقواعد، وانتقيت من القواعد المهمة والأصول الجامعة ستين قاعدةً، وشرحت كل واحدة منها شرحاً يوضح معناها، ومثلت لها من الأمثلة التي تنبني عليها ما تيسر.

والقسم الثاني: أتبعت ذلك بذكر الفوارق بين المسائل المشتبهات، والأحكام المتقاربات، والتقاسيم الصحيحة.

فأقول في القسم الأول مستعيناً بالله راجياً منه الإعانة والتسهيل.

 القسم الأول: في ذكر ما تجتمع فيه الأحكا من الأصول، والقواعد

القاعدة الأولى

 الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة.

هذا الأصل شامل لجميع الشريعة، لا يشذ عنه شيء من أحكامها، لا فرق بين ما تعلق بالأصول أو بالفروع، وسواء تعلق بحقوق الله، أو بحقوق عباده. قال الله تعالى: {{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *}} ([15]) فلم يَبْقَ عدل ولا إحسان ولا صلة إلا أمر به في هذه الآية الكريمة، ولا فحشاء ومنكر متعلق بحقوق الله، ولا بغي على الخلق في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم إلا نهى عنه، ووعظ عباده أن يتذكروا هذه الأوامر وحسنها ونفعها فيمتثلوها، ويتذكروا ما في النواهي من الشر والضرر فيجتنبوها، وقال تعالى: {{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}} ([16]) فقد جمعت هذه الآية أصول المأمورات، ونبهت على حسنها كما جمعت الآية التي بعدها أصول المحرمات، ونبهت على قبحها، وهي قوله تعالى: {{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *}} ([17]) ولما ذكر الله الأمر


بالطهارة للصلاة إذا قام العبد إلى صلاته في قوله: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ}} ([18]) الآيات، وذكر الطهارتين، طهارة الحدث الأصغر، والحدث الأكبر بالماء ثم بالتراب عند العدم، أو الاضطرار، قال: {{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}} ([19]) فأخبر: أن أوامره الجليلة من أكبر نعمه العاجلة المتصلة بالنعم الآجلة، ثم تأمل قوله تعالى: {{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}} ([20]) إلى قوله: {{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}} ([21]) وقوله: {{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}} ([22]) إلى قوله: {{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}} وقوله: {{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}} ([23]) إلى قوله: {{وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً}} ([24]).

انظر إلى ما في هذه الآيات من الأوامر التي بلغت من حسنها، وعموم خيرها، ومصالحها الظاهرة والباطنة نهايةَ الحسن، والعدل، والرحمة، وما فيها من المنهيات التي ضررها عظيم، وجرمها كبير، ومفاسدها لا تعد ولا تحصى، وهي من أعظم معجزاتِ القرآن، والرسول صلّى الله عليه وسلّم، ومثلها ما وصف الله به خواص العباد وفضلائهم في قوله: {{وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً}} ([25]) إلى قوله: {{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا}} ([26]) الآية. وقوله: {{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *}} ([27]) ثم عدّد أوصافهم حتى قال: {{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ *الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *}} ([28]) وقوله: {{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ}} إلى قوله: {{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}} ([29]). فكل ما في هذه الآيات من الأوصاف التي وصف الله بها خيار الخلق قد علم حسنها، وكمالها، ومنافعها العظيمة، {{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}} ([30]).

وجميع ما في الشريعة من العبادات، والمعاملات والأمر بأداء الحقوق المتنوعة تفاصيل، وتفاريع لما ذكره الله في هذه الآيات، وجميع ما فصّله العلماء من مصالح المأمورات، ومنافعها، ومضار المنهيات، ومفاسدها داخل في هذا الأصل، ولهذا يعلل الفقهاء الأحكام المأمور بها بالمصالح، والمُنْهى عنها بالمفاسد، وأحد الأصول الأربعة المبني عليها جميع الأحكام: القياس الذي هو العدل، وما يعرف به العدل، وهو الميزان الذي قال الله فيه: {{اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ}} ([31]) وهو الجمع بين المسائل المتماثلة في مصالحها، أو في مضارها بحكم واحد، والتفريق بين المتباينات المختلفات بأحكام مختلفة مناسبة لكل واحد منها.

مثال: ما مصلحته خالصة من المأمورات ومضرته خالصة من المنهيات: جمهور الأحكام الشرعية، فالإيمان، والتوحيد، مصالحهما خالصة في القلب، والروح، والبدن والدنيا، والآخرة، والشرك والكفر


 مضرته ومفاسده خالصةً على القلوب، والأبدان، وفي الدنيا والآخرة، والصدق مصلحته خالصة، والكذب بضده، ولهذا إذا ترتب على أنواع الكذب مصلحة كبرى تزيد على مفسدته كالكذب في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس فقد رخص فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم ([32]) لرجحان مصلحته، والعدل مصالحه خالصة، والظلم مفاسده خالصة، والميسر والخمر مفاسدها ومضارها أكثر من نفعهما ولذلك حرمهما الله، قال تعالى: {{فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}} ([33]) وإذا ترتب بعض المصالح العظيمة على بعض أنواع الميسر كأخذ العوض في مسابقة الخيل والإبل والسهام جاز لما فيه من الإعانة على الجهاد الذي به قوام الدين، وتعلم السحر ومضرته خالصة، كما قال تعالى: {{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ}} ([34]) وتحريم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، ونحوها لما فيها من المفاسد والمضار، فإذا قاوم هذه المفاسد مصلحة عظيمة وهي الضرورة لإحياء النفس حلت، قال تعالى: {{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}} ([35]).

ويستدل بهذا الأصل العظيم، والقاعدة الشرعية على أن العلوم العصرية وأعمالها، وأنواع المخترعات الحديثة النافعة للناس في أمور


دينهم ودنياهم، أنها مما أمر الله به ورسوله، ومما يحبه الله ورسوله، ومن نِعَم الله على العباد؛ وبما فيها من المنافع الضرورية والكمالية، فالبرقيات بأنواعها، والصناعات كلها، وأجناس المخترعات الحديثة تنطبق عليها هذه القاعدة أتمَّ انطباق، فبعضها يدخل في الواجبات، وبعضها في المستحبات وشيء منها في المباحات بحسب ما تثمره، وينتج عنها من الأعمال كما تدخل في غيرها من الأصول الشرعية التي منها هذه القاعدة الكبرى وهي قوله:

الثانية

 الوسائل لها أحكام المقاصد

ويتفرع على هذا الأصل: أن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو  واجب، وما لا يتم المسنون إلا به، فهو مسنون، وطرق الحرام، والمكروهات تابعة لها ويتفرع عليها: أن توابع العبادات، والأعمال  حكمها حكمها.

هذا أصل وقاعدة كلية يتبعه عدة قواعد كما ذكره في الأصل، ومعنى الوسائل: الطرق التي يسلك منها إلى الشيء، والسبب الذي يوصل إلى الشيء، والأمور التي يتوقف الشيء عليها، واللوازم التي يلزم من وجود الشيء ووجودها، والشروط التي تتوقف عليها الأحكام، فإذا أمر الله ورسوله بشيء كان أمراً به، وبما لا يتم إلا به، وكان أمراً بالإتيان بجميع شروطه الشرعية، والعادية، والمعنوية والحسية، فإن الذي شرع الأحكام عليم حكيم يعلم ما يترتب على أحكامه على عباده من لوازم، وشروط ومتممات، فالأمر بالشيء أمر به، وبما لا يتم إلا به، والنهي عن الشيء نهي عنه وعن كل ما يؤدي إليه.

فالذهاب والمشي إلى الصلاة، ومجالس الذكر، وصلة الرحم،  وعيادة المرضى، واتباع الجنائز، وغير ذلك من العبادات داخل في العبادة، وكذلك الخروج إلى الحج والعمرة، والجهاد في سبيل الله من حين يخرج ويذهب من محله إلى أن يرجع إلى مقره وهو في عبادة؛ لأنها وسائل للعبادة ومتممات لها. قال تعالى: {{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ}} ([36]) {{فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}{وَلاَ يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *}} ([37]). وفي الحديث الصحيح: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله أو سهّل الله له طريقاً إلى الجنة» ([38]). وقد تكاثرت الأحاديث الصحيحة في ثواب المشي إلى الصلوات، وأن كل خطوة يخطوها تكتب له حسنة وتمحى عنه سيئة ([39]).

وفسر قوله تعالى: {{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}} ([40]) أي نقل خطاهم وأعمالهم للعبادات أو لضدها ([41])، وكما  أن نقل الأقدام، والسعي للعبادات تابع للعبادة، فنقل الأقدام إلى


 المعاصي تابع لها، ومعصية أخرى. فالأمر بالصلاة مثلاً أمر بها، وبما لا تتم الصلاة إلا بها من الطهارة، والسترة، واستقبال القبلة، وبقية شروطها، وأمر بتعلم أحكامها التي لا تتم [إلا] ([42]) به، وكذلك بقية العبادات، فما لا يتم الواجب والمسنون إلا به، فهو واجب للواجب، ومسنون للمسنون.

ومن فروع هذا الأصل قول العلماء ([43]): إذا دخل الوقت على عادم الماء لزمه طلبه في المواضع التي يرجو حصوله، أو وجوده فيها؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ويلزمه كذلك شراؤه وشراء السترة الواجبة بثمن مثلها، أو زيادة لا تضره، ولا تجحف بماله.

ومن فروعها: وجوب تعلم الصناعات التي يحتاج الناس إليها في أمر دينهم ودنياهم صغيرها وكبيرها.

ومن فروعها: وجوب تعلم العلوم النافعة وهي قسمان: علوم تعلمها فرض عين، وهي ما يضطر إليه الإنسان في دينه وعباداته ومعاملاته كل أحد بحسب حاله.

والثاني: فرض كفاية وهو: ما زاد على ذلك بحيث يحتاجه العموم، فما اضطر إليه الإنسان بنفسه تعين عليه، وما لم يضطر إليه بنفسه، لكن الناس محتاجون إليه فرض كفاية، وفرض الكفاية إذا قام به من يكفي سقط عن غيره، وإذا لم يقم به وجب على الكل، ولهذا من فروع هذه القاعدة: جميع فروض الكفايات من أذان، وإقامة، وإمامة صغرى، وكبرى، وأمر بالمعروف، ونهي عن منكر وجهاد لم يتعين وتجهيز الموتى بالتغسيل، والتكفين، والصلاة، والحمل، والدفن، وتوابع ذلك، والزراعة، والحراثة، وتوابع ذلك.

ومن فروعها: السعي في الكسب الذي يقيم به العبد ما عليه من واجبات النفس، والأهل، والأولاد، والمماليك من الآدميين والبهائم، وما يوفي به ديونه، فإن هذه واجبات والسعي في الأسباب المحصلة لها واجبات مثلها.

ومن فروعها: وجوب تعلم أدلة الوقت، والقبلة، والجهات لمن يحتاج إليها.

ومن فروعها: أن العلوم الشرعية نوعان: مقاصد، وهي: علم الكتاب والسنّة.

ووسائل إليها، مثل: علوم العربية بأنواعها فإن معرفة الكتاب والسنّة وعلومهما تتوقف أو يتوقف أكثرها على معرفة علوم العربية، ولا تتم معرفتهما إلا بها فيكون الاشتغال بعلوم العربية لهذا الغرض تابع للعلوم الشرعية.

ومن فروعها: أن كل مباح توسل به إلى ترك واجب، أو فعل محرم فهو محرم، ولذلك يحرم البيع والشراء بعد نداء الجمعة الثاني؛ لقوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}} ([44]). وكذلك إذا خيف فوت الصلاة المكتوبة، أو خيف فوت صلاة الجماعة الواجبة على الصحيح، وكذلك لا يحل البيع على من يريد أن يعمل بها معصية كبيع العصير على من يتخذه خمراً، أو السلاح لأهل الفتنة، أو قطاع الطريق، وبيع البيض ونحوه لمن يقامر عليه.

وكذلك تحرم الحِيَل في جميع المعاملات التي يتوصل بها  إلى محرّم كالحِيَل على قلب الدَّين على المدين ([45])، وكبيع  العينة ([46]) والتحيُّل على إسقاط شفعة الشفيع بالوقف، أو بإظهار الثواب. غير المقصود، أو إظهار زيادة في الثمن لئلا يأخذ الشفيع.

ومن فروعها: قتل الموصى له وقتل الوارث، للموصي والمورث، يعاقبان بنقيض قصدهما وكذلك من طلق زوجته في مرض موته المخوف فإنها ترث منه.

ومن فروعها: عضل الزوج لزوجته بغير حق، لتعطيه شيئاً من المال ليطلقها؛ كما قال تعالى: {{وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}} ([47]) فلا يحل الأخذ منها في هذه الحال.

ومنها: ما قاله الأصحاب: ومن أهدى لغيره حياءً منه أو خوفاً منه وجب عليه الرد ([48])، وكثير من هذه الفروع أيضاً داخل في أصل اعتبار المقاصد والنيات، وكلما كان الفرع يدخل في عدة أصول كان دليلاً على قوته، وكما أن الحِيَل التي يقصد بها التوسل إلى محرم، أو ترك واجب حرام، فالحِيَل التي يتوسل بها إلى استخراج الحقوق مباحة بل مأمور بها، فالعبد مأمور باستخراج حقه، والحق المتعلق به بالطرق الواضحة، والطرق الخفية. قال تعالى لما ذكر تحيُّل يوسف صلّى الله عليه وسلّم لبقاء


أخيه عنده: {{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}} ([49]). ومثله: الحِيَل التي تسلم بها النفوس والأموال؛ كما فعل الخضر بخرقه للسفينة الصالحة لتعيب فتسلم من الملك الظالم الذي يغتصب كل سفينة صالحة تمر عليه، فالحيلة تابعة للمقصود حسنها وقبيحها.

ومن فروعها: أن الله قال: {{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}} ([50]) والأمانات: كل مال ائتمن عليه العبد وولي عليه من وديعة، وولاية مال يتيم، ونظارة وقف، ونحوها من وسائل ردها إلى أهلها حفظها في حرز مثلها.

ومن وسائل حفظها: الإنفاق عليها إن كانت ذات روح.

ومن وسائل أدائها: عدم التفريط والتعدي فيها.

ومن فروع هذا الأصل: أن الله حرم الفواحش، وحرم قربانها بكل وسيلة يخشى منها وقوع المحرم كالخلوة بالأجنبية، والنظر المحرم، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه» ([51]).

ومن فروعها: النهي عن كل ما يحدث العداوة والبغضاء كالبيع على بيع المسلم، والعقد على عقده، وخطبة النكاح، وخطبة الولايات على خطبة أخيه؛ كما أن من فروعها الحث على كل ما يجلب الصداقة من الأقوال والأفعال بحسب ما يناسب الحال.

وقد خرج عن هذا الأصل: النذر لحكمة اختص بها، فالوفاء  بنذر الطاعة واجب، وعقده مكروه مع أن الوفاء لا يتأتى إلا بعقد  فلهذا أمر صلّى الله عليه وسلّم بالوفاء به ([52]) ونهى عن عقده، وقال: «إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل ([53])، لأنه ينقص الإخلاص، ويعرض صاحبه للبلاء وهو في سعة العافية، وفيه نوع تألٍ وإدلال.

ومن فروع هذا الأصل: التحيل بالتحليل لحل الزوجة لمطلقها ثلاثاً، فإنه حرام ملعون صاحبه لا يفيد الحل؛ لأنه لم يقصد به النكاح الحقيقي، وإنما صورته صورة نكاح، وحقيقته حقيقة السفاح، وكما أن وسائل الأحكام حكمها حكمها فكذلك توابعها ومتمماتها، فالذهاب إلى العبادة عبادة وكذلك الرجوع منها إلى الموضع الذي منه ابتدأ عبادة، ولهذا قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: «إني لأحتسب رجوعي إلى بيتي من الصلاة كما أحتسب خروجي منه إليها» ([54]).

الثالثة

 المشقة تجلب التيسير، وجميع رخص الشريعة وتخفيفاتها متفرعة عن هذا الأصل

قال الله تعالى: {{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}} ([55])


{{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}} ([56]) {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}} ([57]) {{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}} ([58]) {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} ([59]). فهذه الآيات وغيرها دليل على هذا الأصل الكبير.

فأولاً: جميع الشريعة حنيفية سمحة، حنيفية في التوحيد، مبنية على عبادة الله وحده لا شريك له، سمحة في الأحكام والأعمال، فالصلوات خمس فرائض في اليوم والليلة لا تستغرق من وقت العبد إلا جزءاً يسيراً، والزكاة جزء يسير من مال العبد من الأموال المتمولة دون أموال القنية، وهي في كل عام مرة، وكذلك الصيام شهر واحد من كل عام، وأما الحج فلا يجب في العمر إلا مرة واحدة على المستطيع، وبقية الواجبات عوارض بحسب أسبابها، وكلها في غاية اليسر والسهولة، وقد شرع الله لكثير منها أسباباً تعين عليها وتنشط على فعلها، كما شرع الاجتماع في الصلوات الخمس، والجمعة، والأعياد، وكذلك الصيام يجتمع المؤمنون في شهر واحد لا يتخلف منهم إلا معذور بمرض، أو سفر أو غيرهما.

وكذلك الحج، ولا شك أن الاجتماع يزيل مشقة العبادات وينشط العاملين، ويوجب التنافس في أفعال الخير، كما جعل الله الثواب العاجل، والثواب الآجل الذي لا يقادر قدره أكبر معين على فعل الخيرات،  وترك المنهيات، ثم إنه مع هذه السهولة في جميع أحكام الشريعة إذا عرض للإنسان بعض الأعذار التي تعجزه أو تشق عليه مشقة شديدة خفف عنه تخفيفاً يناسب الحال، فيصلي المريض الفريضة قائماً فإن عجز صلى قاعداً فإن عجز فعلى جنبه، ويوميء بالركوع، والسجود ويصلي بطهارة الماء، فإن شق عليه، أو عدمه عدل إلى التيمم، والمسافر لما كان في مظنة المشقة أبيح له الفطر والقصر والجمع بين الصلاتين، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، ومن مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً، ويتفرع عن هذا الأصل الأعذار التي تسقط حضور الجمعة والجماعة.

ومن فروعها: العفو عن الدم اليسير النجس، والاكتفاء بالاستجمار الشرعي عن الاستنجاء، وطهارة أفواه الصبيان ولو أكلوا النجاسة، وكذلك الهر؛ كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات» ([60]). وكذلك العفو عن طين الشوارع ولو ظنت نجاستها، فإن علمت عفي عن الشيء اليسير، ومن ذلك الاكتفاء بنضح بول الغلام الذي لم يأكل الطعام لشهوة، وقيئه، وكذلك العمل بالأصل في طهارة الأشياء وحلها، فالأصل الطهارة إلا لما علمت نجاسته، والأصل الحل في الأطعمة إلا ما علم تحريمه.

ومن فروعها: الرجوع إلى الظن إذا تعذر أو تعسر اليقين في تطهير الأبدان، والثياب، والأواني وغيرها، ودخول الوقت.

ومن فروعها: أن المتمتع والقارن قد حصل لكل منهما حج وعمرة

تامان في سفر واحد، ولهذا وجب الهدي على كل منهما شكراً لهذه النعمة.

ويدخل في هذا الأصل إباحة المحرمات كالميتة ونحوها للمضطر كما سيأتي ([61])، وإباحة ما تدعو الحاجة إليه كالعرايا للحاجة إلى الرطب ([62])، وكذلك إباحة أخذ العوض في مسابقة الخيل والإبل والسهام، وإباحة تزوج الحر للأمة إذا عدم الطول وخاف العنت ([63]).

ومن فروعها: حمل العاقلة الدية عن القاتل خطأ أو شبه عمد لأنه لم يقصد القتل، وهو معذور فناسب أن تحمل عنه العاقلة تحملاً لا يشق عليهم بأن توزع عليهم كلهم كل على قدر ماليته، وتؤجل عليهم ثلاث سنين، وهل يتحمل القاتل معهم إذا كان غنياً كما هو الصحيح ([64])، أم ينفردون بالتحمل كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ([65])؟.

وفروع هذا الأصل كثيرة، وقد حصل التوضيح بهذه الأمثلة.

القاعدة الرابعة

 الوجوب يتعلق بالاستطاعة، فلا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة

قال الله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} ([66]). وثبت في الصحيح عنه

صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ([67]). وهذه القاعدة تضمنت أصلين:

أحدهما: سقوط كل واجب مع العجز.

والثاني: إباحة المحظورات عند وقوع الاضطرار إليه، كما قال تعالى أيضاً في الأصل الثاني بعدما حرم الميتة والدم، وما عطف عليهما: {{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}} ([68])، وقال: {{وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}} ([69]). فهذه الآية صريحة بحل كل محرم اضطر العبد إليه، ولكن الضرورة تقدر بقدرها، فإذا اندفعت الضرورة وجب على المضطر الكف.

ويدخل في الأصل الأول: كل من عجز عن شيء من شروط الصلاة أو فروضها، وواجباتها فإنها تسقط عنه ويصلي على حسب مايقدر عليه من لوازمها، والصوم من عجز عنه عجزاً مستمراً كالكبير، والمريض الذي لا يرجى برؤه أفطر وكفر عن كل يوم إطعام مسكين، ومن عجز عنه لمرض يرجى زواله أو لسفر أفطر وقضى عدة أيامه إذا زال عذره، والعاجز عن الحج ببدنه إن كان يرجو زواله صبر حتى يزول، وإن كان لا يرجو زواله أقام عنه نائباً يحج عنه.

وقال تعالى: {{لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}} ([70]). وذلك في كل عبادة توقفت على البصر، أو الصحة، أو سلامة الأعضاء كالجهاد ونحوه، ولهذا اشترطت القدرة في جميع الواجبات، فمن لم يقدر فلا يكلفه الله ما يعجز عنه، وكذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» ([71]). وقال في النفقة والكسوة وتوابعها على الأهل: {{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا *}} ([72]). وقال صلّى الله عليه وسلّم في الواجبات المالية: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» ([73]).

ومن هذا الأصل: الكفارات المرتبة إذا عجز عن الأعلى انتقل إلى ما دونه، وأعذار الجمعة والجماعة داخلة في هذا الأصل كما دخلت في الذي قبله، وقال العلماء: في محظورات الإحرام والضرورات، تبيح للمحرم المحظورات، وعليه الفدية كما هو مفصل في كتب الفقه ([74]).

ومن فروعها: جواز الانفراد في الصف إذا لم يجد موضعاً في الصف الذي أمامه؛ لأن الواجبات التي هي أعظم من المصافة بالإتفاق تسقط مع العجز، فالمصافة من باب أولى وأحرى.


الخامسة

 الشريعة مبنية على أصلين: الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول صلّى الله عليه وسلّم

هذان الأصلان شرط لكل عمل ديني ظاهر كأقوال اللسان، وأعمال الجوارح، وباطن كأعمال القلوب. قال الله تعالى: {{أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}} ([75]) {{وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}} ([76]). والدين فسره النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث جبريل: «أنه شرائع الإسلام الخمسة وأصول الإيمان الستة، وحقائق الإيمان وهو الإحسان الذي هو أصل أعمال القلوب» ([77]). فهذه الأمور لا بد أن تكون خالصة لله مراداً بها وجهه ورضوانه وثوابه، ولا بد أن تكون مأخوذة من الكتاب والسنّة.

قال تعالى في متابعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم: {{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}} ([78])، وقال في الجمع بين الأصلين: {{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}} ([79]) أسلم وجهه: أخلص أعماله الظاهرة والباطنة لله، وهو محسن في هذا الإسلام، بأن يكون فيه متبعاً لرسول الله. وقال في عدة آيات: {{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}} ([80]) فالعمل الجامع للوصفين هو المقبول، وإذا فقدهما، أو فقد أحدهما فهو مردود على صاحبه يدخل في قوله تعالى: {{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا *}} ([81])، وقال تعالى مفرقاً بين عمل المخلصين والمرائين: {{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةِ بِرَبْوَةٍ}} ([82]) الآية، وقال: {{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً *}} ([83])، وقال صلّى الله عليه وسلّم في الهجرة التي هي من أفضل الأعمال: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ـ فهذا المخلص ـ ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» ([84]). وسُئِل صلّى الله عليه وسلّم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل للمغنم أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» ([85]). فمن كان قصده في جهاده القولي والفعلي نصر الحق فهو المخلص، ومن قصد غير ذلك من الأغراض، فله ما نوى، وعمله غير مقبول. وقال تعالى في الأعمال الفاقدة للمتابعة: {{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرَينِ أَعْمَالاً *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا *}} ([86]) الآية. وقال: {{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً}} ([87]).

فالأعمال الصالحة كلها إذا وقعت من المرائين فهي باطلة فاقدة للإخلاص الذي لا يكون العمل صالحاً إلا به، والأعمال التي يفعلها  العبد لله لكنها غير مشروعة فهي باطلة؛ لفقدها المتابعة، وكذلك الاعتقادات المخالفة؛ لما في كتاب الله وسنّة رسوله، كاعتقادات أهل البدع المخالفة لما عليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وكلها تدخل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» ([88]) متفق عليه، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» ([89]) متفق عليه. فالأول ميزان للأعمال باطناً، والثاني ميزان الأعمال ظاهراً، والإخلاص لله في كل شيء هو الذي وردت فيه نصوص الكتاب والسنّة في الأمر به، وفضله وثمراته، وبطلان العمل الذي فقده.

وأما نية نفس العمل فهذا وإن كان لا بد منه في كل عمل، لكنه حاصل من كل عامل معه رأيه وعقله؛ لأنها القصد، وكل عاقل يقصد العمل الذي يباشره ويعمله.

وكما أن هذا الأصل تدخل فيه العبادات، فكذلك المعاملات، فكل معاملة من بيع، أو إجارة، أو شركة، أو غيرها من المعاملات تراضى عليها المتعاملان لكنها ممنوعة شرعاً، فإنها باطلة محرمة، ولا عبرة بتراضيهما؛ لأن الرضى إنما يشترط بعد رضى الله ورسوله.

وكذلك التبرعات التي نهى الله ورسوله عنها كتخصيص بعض الأولاد على بعضهم، أو تفضيلهم في العطايا والوصايا، وكذلك في المواريث: «لا وصية لوارث» ([90]).

وكذلك شروط الواقفين لا بد أن تكون غير مخالفة للشرع، فإن خالفت الشرع ألغيت، وميزان الشروط مطلقاً قوله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً» رواه أهل السنن عن عوف بن مالك ([91]).

وكذلك النكاح شروطه وأركانه والمحلل منه، والذي لا يحل، والطلاق، والرجعة، وجميع متعلقات الأحكام المتعلقة به لا بد أن تقع على الوجه المشروع فإن لم تقع، فهي مردودة.

وكذلك الأيمان والنذور لا يحلف العبد إلا بالله، أو بصفة من صفاته، أو اسم من أسمائه، و«من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» ([92]).

وكذلك الحنث في الأيمان؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه» ([93]). والقضاء، والبينات، وتوابعهما جميعها مربوطة بالشرع.

قال تعالى: {{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *}} ([94])، {{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ([95]).

بل الفقه من أوله إلى آخره لا يخرج عن هذا الأصل المحيط، فإن الأحكام مأخوذة من الأصول الأربعة: الكتاب، والسنّة، وهما الأصل، والإجماع مستند إليهما، والقياس مستنبط منهما.

القاعدة السادسة

 الأصل في العبادات الحظر، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله، والأصل في العادات الإباحة، فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله

وهذه القاعدة تضمنت أصلين عظيمين، ذكرهما الإمام أحمد وغيره من الأئمة ودل عليهما الكتاب والسنّة في مواضع، مثل قوله تعالى في الأصل الأول: {{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ  بِهِ اللَّهُ}} ([96]) ومثل: الأمر بعبادته وحده لا شريك له في مواضع كثيرة ([97]). وقوله في الأصل الثاني: {{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}} ([98]) أي لجميع أنواع الانتفاعات فأباح منها جميع المنافع سوى ما ورد في الشرع المنع منه لضرره، وقوله تعالى: {{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}} ([99]) فأنكر تعالى على من حرم ما خلق الله لعباده من المآكل، والمشارب، والملابس، وتوابعها.

وبيان ذلك أن العبادة هي ما أُمر به أمر إيجاب أو استحباب، فكل واجب أوجبه الله ورسوله، أو مستحب فهو عبادة يعبد الله به وحده ويدان الله به، فمن أوجب أو استحب عبادة لم يدل عليها الكتاب ولا السنّة، فقد ابتدع ديناً لم يأذن الله به وهو مردود على صاحبه؛ كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» متفق عليه ([100]). وتقدم أن من شروط العبادة الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

واعلم أن البدع من العبادات: إما أن يشرع عبادة لم يشرع الله ورسوله جنسها أصلاً، أو شرعها الله ورسوله على صفة، أو في زمان، أو مكان مخصوص ثم غيرها المغير إلى غير تلك الصفة، كمن أوجب صلاةً، أو صوماً، أو غيرهما من العبادات بغير إيجاب من الله ورسوله، أو ابتدع مبتدع الوقوف بعرفة، أو مزدلفة أو رمي الجمار في غير وقتها، أو استحب مبتدع عبادة في وقت من الأوقات، أو مكان من الأمكنة بغير هدى من الله وحجة شرعية، والله تعالى هو الحاكم لعباده على لسان رسوله، فلا حكم إلا حكمه، ولا دين إلا دينه.

وأما العادات كلها كالمآكل والمشارب، والملابس كلها، والأعمال، والصنائع، والمعاملات، والعادات كلها فالأصل فيها الإباحة والإطلاق، فمن حرم شيئاً منها لم يحرمه الله ولا رسوله، فهو مبتدع كما حرم المشركون بعض الأنعام التي أحلها الله ورسوله، وكمن يريد بجهله أن يحرم بعض أنواع اللباس، أو الصنائع، أو المخترعات الحادثة بغير دليل شرعي يحرمها، فمن سلك هذا المسلك فهو ضال جاهل، والمحرَّم من هذه الأمور قد فصلت في الكتاب والسنّة، كما قال تعالى؛ {{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}} ([101]) ولم يحرم الله علينا إلا كلَّ ضار خبيث، ومن تتبع المحرمات وجدها تشتمل على الخبث والمضار القلبية، أو البدنية، أو الدينية، أو الدنيوية لا تخرج عن ذلك، ولهذا من أكبر نعمة الله علينا تحريمه ومنعه لنا مما يضرنا، كما أن من نِعَمه إباحته لنا ما ينفعنا، وهذان الأصلان نفعهما كبير، وبهما تعرف البدع في العبادات والعادات فكل من أمر بشيء لم يأمر به الشارع فهو مبتدع، وكل من حرم شيئاً لم يحرمه الشارع من العادات فهو مبتدع.

القاعدة السابعة

 التكليف وهو البلوغ والعقل، شرط لوجوب العبادات، والتمييز شرط لصحتها إلا الحج والعمرة، فيصحان ممن لم يميز، ويشترط مع ذلك الرشد للتصرفات، والملك للتبرعات

هذه القاعدة تشتمل على هذه الضوابط التي تنبني عليها العبادات وجوباً وصحة، والتصرفات والتبرعات، فالمكلف الذي هو بالغ عاقل  تجب عليه جميع العبادات، والتكاليف الشرعية؛ لأن الله رؤوف رحيم بعباده، فقبل بلوغ الإنسان السن الذي يقوى به على العبادات قوة تامة


وهو البلوغ لم يوجب عليه التكاليف، وكذلك إذا كان عادماً للعقل الذي هو حقيقة الإنسان من باب أولى، فالذي لا عقل له لا يجب عليه شيء من العبادات، كما لا تصح منه لعدم شرطها، وهو النية والقصد التي لا توجد من غير عاقل، والبلوغ يحصل: إما بإنزال المني يقظة أو مناماً، أو بتمام خمسة عشر، أو بإنبات شعر العانة للذكر والأنثى، وتزيد الأنثى إذا حاضت فقد بلغت.

لكن المميز يؤمر بالصلاة والعبادات التي يقدر عليها من غير إيجاب، ويضرب على التزامها وفعلها إذا بلغ عشراً ضرباً غير مبرح للتأديب، لا للوجوب، وهذا دليل على صحة العبادات كلها من المميز، فإنه إذا ميّز الأمور، وعرف في الجملة ما ينفع وما يضر صار معه عقل يقصد به العبادة والخير، فمن كان دون التمييز لا تصح عبادته كلها؛ لمشاركته حينئذ لغير العاقل الذي لا قصد له صحيح سوى الحج والعمرة، فإنه صح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «رفعت إليه امرأة صبياً في المهد، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر» متفق عليه ([102]). فينوي عنه وليه الإحرام ويجنبه ما يجنب المحرم، ويحضره في المناسك والمشاعر كلها، ويفعل عنه ما يعجز عنه، مثل: الرمي.

ويستثنى من العبادات، العبادات المالية كالزكاة، والنفقات الواجبة، والكفارات فإنها تجب على الكبير، والصغير، والعاقل، وغير العاقل؛ لعموم النصوص قولاً منه صلّى الله عليه وسلّم وفعلاً ([103]).

وأمـا التصرفات المالية فحيث كان الغرض الأكـبر منها حـفظ

الأموال، وحسن التصرف فيها احتيط فيها، فشرط لها مع التكليف: الرشد، وهو إحسان حفظ المال، وصيانته ومعرفة التصرف. قال تعالى: {{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}} ([104]) فشرط الله شرطين لدفع أموالهم إليهم: البلوغ، والرشد، وأمر قبل ذلك إذا شك في رشدهم باختبارهم هل يحسنون الحفظ والتصرف، فيدفع إليهم ما لهم أم لا يحسنون فلا يدفع إليهم لئلا يضيعوها فعلم: أن البلوغ، والعقل، والرشد: شرط لصحة جميع المعاملات فمن فقد واحداً منها لم تصح معاملته، ولم تنفذ، وتعين الحجر عليه.

وأما التبرعات فهي بذل الأموال بغير عوض من هبة، أو صدقة، أو وقف، أو عتق أو نحوها، فلا بد مع البلوغ، والعقل، والرشد: أن يكون المتبرع مالكاً للمال؛ ليصح تبرعه؛ لأن الوكيل، والوصي، والناظر للأوقاف، والولي على اليتامى والمجانين لا يصح تبرعه بما هو ولي عليه وهو لغيره؛ لقوله تعالى: {{وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ}} ([105]) أي أحسن لأموالهم وأصون لها وأنفع لها، والله أعلم.

الثامنة

 الأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بأمرين: وجود شروطها، وأركانها، وانتفاء موانعها

وهذا أصل كبير مطرد الأحكام في الأصول والفروع، فمن أعظم فوائده كثير من نصوص الوعد بالجنة، وتحريم النار على أعمال لا تكفي وحدها بمجردها وكثير من نصوص الوعيد التي رتب عليها دخول النار، أو تحريم دخول الجنة أو حرمان بعض أجناس نعيمها

فلا بد في هذه النصوص من اجتماع شروطها، ومن انتفاء موانعها، وبهذا يحصل الجواب عن كثير من الإيرادات والإشكالات على نصوص الوعد والوعيد، وهي كثيرة جداً فإذا قال قائل: قد رتب الشارع دخول الجنة على بعض الأقوال، أو بعض الأعمال فهل تكفي وحدها في ذلك؟

فالجواب عن هذا: أنه يجب علينا الإيمان بجميع نصوص الكتاب والسنّة، فلا بد أن يقترن بهذا القول وبهذا العمل الذي رتب عليه دخول الجنة الإيمان، والأعمال الأخر التي شرطها الشارع، ولا بد مع ذلك أن ينتفي المانع من الردة، أو مبطلات الأعمال.

وكذلك إذا قال القائل: قد رتب الله في كتابه دخول النار والخلود فيها على القتل عمداً؟

فالجواب: أن يقال هذا من موجبات الدخول والخلود ولكن لذلك مانع، وهو الإيمان فإنه تواترت النصوص، وأجمع السلف أن من كان معه إيمان وتوحيد صحيح لا يخلد في النار، وما أشبه ذلك من النصوص.

ومن هذا الأصل: فإن مذهب أهل السنّة والجماعة أنه قد يجتمع في الشخص الواحد خصال إيمان وخصال كفر، أو نفاق، وخصال خير وخصال شر، وموجبات للثواب وموجبات للعقاب، كما ثبتت بذلك النصوص الكثيرة ولذلك قامت الموازنة بين الأعمال عند الجزاء وهي مقتضى عدل الله وحكمته.

ومن فروع هذا الأصل: الصلاة لا تصح حتى توجد أركانها، وشروطها، وواجباتها، وتنتفي مبطلاتها، وهي الإخلال بشيء من الشروط، أو الأركان لغير عذر، أو فعل ما ينافيها.

وكذلك الصيام لا بد في صحته من وجود جميع لوازمه، وشروطه، ومن انتفاء موانعه وهي المفطرات.

وكذلك الحج والعمرة.

وكذلك البيع والشراء، وسائر المعاملات، والمعاوضات، والتبرعات لا بد من وجود شروطها، ومن انتفاء ما يفسدها ويبطلها.

وكذلك المواريث لا يرث أحد لم يقم به سبب الإرث، وتوجد الشروط، ثم لا يتم الإرث حتى تنتفي موانع الإرث من قتل، ورق، واختلاف دين.

وكذلك النكاح لا يصح حتى يوجد ركناه، وشروطه، وتنتفي موانعه.

وكذلك الحدود والقصاص، وتوابع ذلك لا بد في كل حكم منها من تمام شروطه، ومن انتفاء موانعه، وكلها مفصلة في كتب الأحكام معروفة.

ولهذا كل عبادة أو معاملة، أو عقد من العقود إذا فسدت، فلا بد لذلك من أحد أمرين: إما لفقد لازم من لوازمها، أو لوجود مانع خاص يبطلها، والله أعلم.

التاسعة

 العرف والعادة يرجع إليه في كل حكم حكم به الشارع، ولم يحده بحد

وهذا أصل واسع موجود في المعاملات، والحقوق، وغيرها، وذلك: أن جميع الأحكام يُحتاج كل واحد منها إلى أمرين: معرفة حدها وتفسيرها، ثم بعد ذلك يحكم عليها بالحكم الشرعي، فإذا وجدنا الشارع قد حكم عليها بإيجاب، أو استحباب، أو تحريم، أو كراهة، أو إباحة، فإن كان قد حدها، وفسرها، وميّزها رجعنا إلى تفسير الشارع، كما أمر بالصلاة وذكر فضلها، وثوابها، وقد حدّها الشارع وذكر تفاصيل أحكامها التي تميزها عن غيرها، فنرجع في ذلك إلى ما حده الله ورسوله.

وكذلك الزكاة، والصيام، والحج قد وضحها الشارع توضيحاً لا يبقي إشكالاً، وأمّا إذا حكم الشارع عليها، ولم يحدها، فإنه حكم على العباد بما يعرفونه، ويعتادونه وقد يصرح لهم بالرجوع إلى ذلك كما في قوله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} ([106]) وقد يدخل في ذلك المعروف شرعاً، والمعروف عقلاً، مثل قوله: {{وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}} ([107]).

ويدخل في هذا الأصل مسائل كثيرة جداً: منها: أن الله أمر بالإحسان إلى الوالدين، والأقارب، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وكذلك الإحسان إلى جميع الخلق، فكل ما شمله الإحسان مما يتعارفه الناس فهو داخل في هذه الأوامر الشرعية؛ لأن الله أطلق ذلك، والإحسان ضد الإساءة، بل وضد لعدم إيصال الإحسان القولي والفعلي والمالي.

وقال صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: «كل معروف صدقة» ([108]) وهذا نص صريح أن كل ما فعله العبد مع الخلق من أنواع الإحسان والمعروف فهو صدقة، وكذلك اشترط الله ورسوله في عقود المعاوضات، وعقود التبرعات الرضى بين الطرفين، ولم يشترط لذلك العقد لفظاً معيناً فأي لفظ، وأي فعل دل على العقد والتراضي حصل به المقصود، ولهذا قال العلماء: وتنعقد العقود بكل ما دلّ عليها من


قول، أو فعل ([109])، ولكنهم استثنوا منها بعض مسائل اشترطوا لعقدها القول لخطرها، مثل النكاح، قالوا: لا بد فيه من إيجاب وقبول بالقول، وكذلك الطلاق لا يقع إلا باللفظ أو الكتابة.

ومن فروع هذا الأصل: أن العقود التي اشترط لها القبض، فالقبض ما عده الناس قبضاً، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال، وكذلك الحرز حيث أوجبوا حفظ الأموال المؤتَمن عليها الإنسان في حرز مثلها، وحيث اشترطوا في السرقة أن يكون ذلك من حرز، والحرز يتبع العرف، فالأموال النفيسة لها أحراز، وغيرها لها أحراز، كل شيء بحسبه.

ومن ذلك أن الأمين إذا فرط أو تعدى فهو ضامن، فكل ما عده الناس تفريطاً، أو تعدياً علق به الحكم.

ومن ذلك أن من وجد لقطة لزمه أن يعرّفها حولاً كاملاً بحسب العرف، ثم إذا لم يجد صاحبها ملكها.

ومن فروعها: أن الأوقاف يرجع في مصارفها إلى شروط الواقفين التي لا تخالف الشرع فإن جهل شرط الموقف رجع في ذلك إلى العادة والعرف الخاص، ثم إلى العرف العام في صرفها في طرقها.

ومن ذلك الحكم باليد، والمجاراة لمن كان بيده عين يتصرف فيها مدة طويلة يحكم أنها له إلا ببينة تدل على خلاف ذلك.

ومن فروعها: الرجوع إلى المعروف في نفقة الزوجات، والأقارب، والمماليك، والأجراء، ونحوهم؛ كما صرح الله ورسوله بالرجوع إلى العرف في معاشرة الزوجات ([110])، والمعاشرة أعم من النفقة، فتشمل جميع ما يكون بين الزوجين من المعاشرة القولية والفعلية: بين الطرفين، وأنه يتعين في جميعها الرجوع إلى العرف.

ومن فروعها: رجوع المستحاضة التي لا تمييز لها إلى عادتها الخاصة، فإن تعذر ذلك بنسيان أو غيره رجعت إلى عادة نسائها، ثم إلى عادة نساء بلدها.

ومن ذلك: العيوب، والغبن، والتدليس يرجع في ذلك إلى العرف، فما عده الناس عيباً أو غبناً أو تدليساً علق به الحكم.

وكذلك الرجوع إلى قيمة المثل في المتقومات والمتلفات والضمانات، وغيرها.

وكذلك الرجوع إلى مهور المثل لمن وجب لها مهر ولم يسم، أو سمي تسمية فاسدة، ويختلف ذلك باختلاف النساء، والأوقات، والأمكنة وقس على هذه الأمثلة ما أشبهها وهي كثيرة مذكورة في كتب الأحكام.

القاعدة العاشرة

 البينة على المدعي، واليمين على من أنكر في جميع الحقوق، والدعاوى، ونحوها

وهذا أصل نبه عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: «البينة على المدعي واليمين على المنكر» رواه البيهقي بإسناد صحيح، وأصله في الصحيحين ([111]). وقد أجمع أهل العلم على هذا الأصل الذي يحتاجه القاضي والمفتي، وكل أحد، وقد قيل في تفسير قوله تعالى: {{وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}} ([112]) .

أن فصل الخطاب هو البينة على المدعي واليمين على من أنكر ([113])، لأن به تنفصل المشتبهات وتنحل الخصومات، ولا شك أن ذلك داخل في فصل الخطاب؛ لأن فصل الخطاب أعم من ذلك، فكل من ادعى عيناً عند غيره، أو ديناً على غيره، أو حقاً من الحقوق على غيره فعليه البينة، وهي كل ما أبان الحق، ويختلف نصابها باختلاف المشهود عليه، فإن لم يأت ببينة تشهد بصحة دعواه، فعلى الآخر اليمين التي تنفي ما ادعاه المدعي.

وكذلك إذا ثبت الحق في ذمة الإنسان، ثم ادعى أنه خرج منه بقضاء، أو إبراء أو غيره، فالأصل بقاؤه، فإن جاء ببينة، وإلا حلف صاحب الحق أنه لم يستوفه، وحكم له به.

وكذلك لو ادعى إنسان استحقاقاً في وقف أو ميراث، فعليه إقامة البينة التي تثبت السبب الذي يستحق به ذلك، وإلا لم يثبت له شيء، والبينة في الأموال، وحقوقها، وشروطها، ووثائقها إما شاهدان عدلان، أو رجل وامرأتان كذلك، أو رجل ويمين المدعي، أو دعواه ونكول المدعى عليه عن اليمين، فإن كان المال بيد من لا يدعيه لنفسه


كالملتقط ونحوه، فبينة المدعي أن يصفه بصفاته المعتبرة، فالوصف قائم مقام الشهود في الأموال التي لا يدعيها من هي بيده، وجميع الدعاوي محتاجة إلى هذا الأصل ويقارب هذه القاعدة الأصل الذي بعده، وهو هذا:

القاعدة الحادية عشر

 الأصل بقاء ما كان على ما كان، واليقين لا يزول بالشك

هذا أصل كبير يدل عليه قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح حين شكا إليه الرجل يجد الشيء، وهو في الصلاة قال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً» ([114]) أي: حتى يتيقن أنه أحدث، فمتى تيقن أمراً من الأمور، أو استصحب أصلاً من الأصول، فالأصل بقاء ذلك الأمر المتيقن، والأصل بقاء ما كان على ما كان، فلا ينتقل عن ذلك الأصل بمجرد الشك حتى يتيقن زواله، فيدخل في هذا بعض مسائل الأصل الذي قبل هذا، ويدخل فيه أن من تيقن الطهارة، وشك هل حصل له موجب الطهارة؟ فالأصل بقاء طهارته كما أن من تيقن الحدث وشك هل تطهر أم لا؟ فهو على حدثه.

وكذلك الطهارة أصل كل شيء، فمتى شك الشاك في طهارة ماء، أو ثوب، أو بقعة، أو آنية، أو غيرها، بنى على الأصل، وهو الطهارة، ومن ذلك: لو أصابه ماء من ميزاب، أو غيره، أو وطئ رطوبة لا يدري عنها، فالأصل الطهارة.


ومن فروع هذا الأصل: أن من شك هل صلى ركعتين أو ثلاثاً بنى على اليقين، وهو الأقل وسجد للسهو خشية الزيادة، وكذلك لو شك في عدد الطواف، أو السعي، أو عدد الغسلات المعتبرة بنى على الأقل، وكذلك لو شك في أصل الطلاق، فالأصل عدمه، ولو شك في عدده، فليأخذ بالأقل.

ومن ذلك: من عليه صلاة متعددة أو صيام، وشك في مقداره بنى على اليقين؛ لأنه تحقق ثبوت الواجب في ذمته، فلا يبرأ إلا بيقين.

ومثل ذلك: إذا شك هل خرجت المرأة من عدة زوجها، فالأصل: أنها في العدة، وإذا شك في عدد الرضعات هل هي خمس أو أقل؟ عمل بالأقل حتى يتيقن بلوغها خمساً فأكثر؛ ليترتب عليه التحريم.

ومن رمى صيداً مسمياً، ثم وجده قد مات، ولم يدر هل هو من رميته، أو بسبب آخر؟ فهو حلال؛ لأن الأصل عدم غير هذا السبب كما ثبت بذلك الحديث الصحيح ([115]) فكل شيء شككنا في وجوده، فالأصل عدمه، وكل شيء شككنا في عدده فالأصل البناء على الأقل، ويدخل في هذا الأصل من الأمثلة شيء كثير من تَتَبَّع كتب الفقه يرى فائدة هذا الأصل كما يرى فائدة بقية الأصول التي تجمع الفائدة الحاضرة، ويكون للإنسان ملكة يقتدر بها على رد المسائل إلى أصولها وإلحاقها بقواعدها، والله الموفق.


الثانية عشر

 لا بد من التراضي في جميع عقود المعاوضات، وعقود التبرعات

وقد دل على ذلك الكتاب والسنّة ([116]) والإجماع ([117])، كما قال تعالى في عقود المعاوضات: {{إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}} ([118]) فالتجارة: اسم جامع لكل ما يقصد به الربح، والكسب، فلا بد فيها من التراضي بين الطرفين، وقال في عقود التبرعات: {{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}} ([119]). فهذا التبرع من الزوجة لزوجها بالمهر شرط الله فيه طيب نفسها وهذا هو الرضى، فجميع التبرعات كلها نظير الصداق، فالبيع بأنواعه والتوثقات، والإجارات، والمشاركات، والوقف، والوصايا، والهبات لا بد فيها من الرضى.

وكذلك النكاح وغيره جميع العقود والفسوخ لا تتم إلا برضى المتصرف فيها؛ لأنها تنقل الأملاك من شخص إلى آخر أو تنقل الحقوق، أو تغير الحال السابقة، وذلك يقتضي الرضى، فمن أكره على عقد، أو على فسخ بغير حق، فعقده وفسخه لاغٍ، وجوده مثل عدمه.

ويستثنى من هذا الأصل العام من أكره على عقد، أو فسخ بحق، وضابط ذلك: أن من امتنع من واجب عليه وأكره فإن إكراهه بحق.

فإذا أكره على بيع ماله لوفاء دينه، أو لشراء ما يجب عليه من نفقة، أو كسوة فهو إكراه بحق، وكذلك المشترك الذي لا ينقسم، إلا بضرر إذا امتنع من بيعه أجبر عليه بحق.

وكذلك من وجب عليه طلاق زوجته لسبب من الأسباب الموجبة، وهي كثيرة فامتنع، أجبر عليه بحق، وكذلك لو وجب عليه إعتاق الرقيق عن كفارة أو نذره نذر تبرر، فامتنع أجبر على عتقه.

القاعدة الثالثة عشر

 الإتلاف يستوي فيه المتعمد، والجاهل، والناسي

وهذا شامل لإتلاف النفوس، والأموال، والحقوق، فمن أتلف شيئاً من ذلك بغير حق، فهو مضمون سواء كان متعمداً أو جاهلاً أو ناسياً، ولهذا أوجب الله الدية في القتل خطأ، وإنما الفرق بين العامد وغيره من جهة الإثم، وعقوبة الدنيا والآخرة وعدمها، وكذلك من أتلف مال غيره بماشرة أو سبب فهو ضامن.

ومن الأسباب المتعلق بها الضمان إتلاف بهيمته التي هو متصرف فيها، والتي يخرجها ليلاً أو نهاراً بقرب ما تتلفه، أو يطلق حيوانه المعروف بالصول على الناس في أسواقهم وطرقهم، فإنه متعد عليه الضمان.

ومما يدخل فيه هذا قتل الصيد عمداً أو خطأ في حق المحرم،  ففيه الجزاء عند جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة ([120])، واختار بعض أصحابهم أن الضمان خاص بقتله عمداً ([121])، كما قال تعالى: {{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}} ([122]) الآية، وهو صريح الآية الكريمة، والفرق بينه وبين أموال الآدميين: أن الحق في قتل الصيد للمحرم لله، والإثم مترتب على القصد، فكذلك الجزاء، وهذا القول أصح.

القاعدة الرابعة عشر

 التلف في يد الأمين غير مضمون إذا لم يتعد، أو يفرط، وفي يد الظالم مضمون مطلقاً، أو يقال: ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون، والعكس بالعكس

الأمين: هو الذي في يده مال غيره برضى المالك، أو برضى الشارع، أو برضى من له الولاية عليه.

فيدخل في هذا الوديع، والوكيل، والمرتهن، والأجير، والشريك، والمضارب، والملتقط، وناظر الوقف، وولي الصغير والمجنون والسفيه، ووصي الميت، وأمين الحاكم، فكل هؤلاء، ومن أشبههم إذا تلف المال بأيديهم لا يضمنون؛ لأن هذا هو معنى الائتمان؛ لأن التلف في أيديهم كالتلف بيد المالك، فإن تعدوا، أو فرطوا، فهم ضامنون.

والفرق بين التعدي والتفريط: أن التفريط ترك ما يجب من الحفظ، والتعدي: فعل ما لا يجوز من التصرفات، أو الاستعمالات؛ لأنهم في هذه الحال يشبهون الغاصب، ولأنهم مأذون لهم في الحفظ، أو التصرف، أو ما أشبهه، فلا يضمنون.

ويستثنى من هذا المستعير، فإنه ضامن في قول كثير من أهل العلم، ولو لم يفرط ولم يتعد، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد ([123]).

والقول الثاني أصح وهو: أن العارية تجري مجرى بقية الأمانات: إن تعدى فيها المستعير، أو فرط ضمن، وإلا فلا، والله أعلم ([124]).

وأما من بيده المال بغير حق فإنه ضامن لما في يده سواء تلف بتعدٍ، أو تفريط أو لا؛ لأن يد الظالم يد عادية يضمن صاحبها العين ومنافعها، فيدخل في هذا: الغاصب، والخائن في أمانته، ومن عنده عين لغيره فطلب منه الرد لمالكها، أو لوكيلها فامتنع بغير حق؛ فهو ضامن مطلقاً، ومن عنده لقطة فسكت ولم يعرفها، ومن حصل في بيته، أو يده مال لغيره فلم يرده ولم يخبر به صاحبه لغير عذر، وما أشبه هؤلاء فكلهم ضامنون.

ولهذا كان أسباب الضمان ثلاثة: اليد الظالمة كهذه اليد، ومباشرة الإتلاف بغير حق، أو فعل سبب يحصل به تلف كما تقدم في الأصل السابق، والله أعلم.

القاعدة الخامسة عشر

 لا ضرر ولا ضرار

     وهذا لفظ قوله صلّى الله عليه وسلّم، رواه أحمد وابن ماجه، من حديث


ابن عباس ([125]). فالضرر منفي شرعاً، فلا يحل لمسلم أن يضر أخاه المسلم بقول، أو فعل، أو سبب بغير حق وسواء كان له في ذلك نوع منفعة أم لا؟ وهذا عام في كل أحد وأخص منه وأعظم جرماً إضرار من يجب على الإنسان صلته والإحسان إليه كالقريب، والجار، والصاحب، ونحوهم.

ولـهذا قال العلماء: حـرّم على الجار أن يحدث بملكه مـا يضر

بجاره ([126])، ويحرم أن يجعل في طرق المسلمين وأسواقهم ما يضر بهم من أحجار، وأخشاب، أو حفر أو غيرها إلا ما كان فيه مصلحة لهم ([127]). وفي الحديث الصحيح: «من ضار مسلماً ضاره الله» ([128]).

ومن أشد أنواع الضرر: مضارة الزوجة، والتضييق عليها لتفتدي منه بغير حق كما قال تعالى: {{وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}} ([129]) {{وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}} ([130]) ومضارة أحد الوالدين للآخر من جهة الولد كما قال تعالى: {{لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}} ([131])، وقال تعالى: {{وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ}} ([132]).

يحتمل أن الفعل مبني للفاعل فيكون الكاتب والشهيد منهيين عن مضارتهما لصاحب الحق بأي ضرر يكون، ويحتمل أن يكون مبنياً للمجهول، فيكون صاحب الحق منهياً عن مضارته لأحدهما، وكل ذلك صحيح.

ومن ذلك إضرار المورث لبعض ورثته، أو إضرار الموصي في وصيته، كما قال تعالى: {{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ}} ([133]) فكل ضرر أوصله إلى مسلم بغير حق فهو محرم داخل في هذا الأصل. وكما أن الإنسان منهي عن الإضرار، فإنه مأمور ومرغب في الإحسان بجميع أنواعه كما قال تعالى: {{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}} ([134]). وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» رواه مسلم ([135]) من حديث شداد بن أوس، فأمر صلّى الله عليه وسلّم بالإحسان حتى في إزهاق النفوس.

القاعدة السادسة عشر

 العدل واجب في كل شيء، والفضل مسنون

العدل هو: أن تعطي ما لديك كما تطلب ما لك.

والفضل: الإحسان الأصلي، أو الزيادة على الواجب.

قال الله تعالى: {{وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}} ([136]). وقال تعالى: {{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ *}} ([137]). وقال تعالى: {{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}} ([138]) فأباح الله مقابلة الجاني بمثل جنايته، وهو العدل، ثم ندب إلى العفو وهو الفضل.

وكذلك المتعاملان بجميع أنواع المعاملات العدل فيها واجب، وهو أن تعطي الذي عليك كما تأخذ الذي لك، والفضل فيها مندوب إليه.  قال تعالى: {{وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}} ([139]) وهو العفو عن بعض الحق والمحاباة في المعاملة، وأمر تعالى بأخذ الحق من الواجد حالاً، وإنظار المعسر، وهذا هو العدل، ثم ندب إلى الفضل فقال: {{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ}} ([140]). وأباح مخالطة اليتيم في الطعام والشراب، وأباح التعادل فيه، وندب للفضل والاحتياط. وقال تعالى: {{وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}} ([141]). وقال تعالى: {{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}} ([142])، فهذا العدل. ثم قال: {{فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}} ([143]). وقال تعالى: {{لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ}} ([144]) أي فهو مباح له، ومع ذلك حث على الفضل في قوله تعالى: {{وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *}} ([145]).

فهذان المقامان لأهل العدل للمنصفين، والفضل للسابقين، ومن قصّر دونهما فهو من الظالمين. ويتفرع على ذلك العبادات كالوضوء، والصلاة، والصوم، والحج، وغيرها.

منها: كامل وهو الفضل التي يؤتى فيها بالواجبات والمستحبات.

ومنها: مجزئ وهو العدل الذي يقتصر فيها على ما يلزم، وكل ما أشبه هذه المسائل يجري هذا المجرى.

القاعدة السابعة عشر

 من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه

وذلك أن العبد عبد مملوك تحت أوامر ربه ليس له من الأمر شيء،

{{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}} ([146]) فإذا تعجل الأمور التي يترتب عليها حكم شرعي قبل وجود أسبابها الصحيحة، لم يفده شيئاً وعوقب بنقيض قصده، ويندرج تحت هذا الأصل صور عديدة:

منها: حرمان القاتل الميراث سواء كان القتل عمداً، أو خطأ إذا كان بغير حق؛ لأنه تعجل الميراث على وجه محرم فحرم الميراث. وكذلك الموصى له: إذا قتل الموصي بطلت وصيته له.

وكذلك المدبر إذا قتل سيده.

ومثل ذلك: من طلق زوجته في مرض موته المخوف فإنها ترث منه، ولو خرجت من العدة ما لم تتزوج بعده على مذهب أحمد ([147]).

وقيل: ولو تزوجت ([148])؛ لأنها معذورة، ومما يدخل في هذا أن من تعجل شهواته المحرمة في الدنيا عوقب بحرمانها في الآخرة ما لم يتب قبل موته. قال تعالى: {{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}} ([149]) ويقابل هذا الأصل أصل آخر؛ أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ولم يجد فقده.

القاعدة الثامنة عشر

 تضمن المثليات بمثلها، والمتقومات بقيمتها

اختلف العلماء ما هي المثليات: فقيل: إنها المكيلات، والموزونات فقط.

والمتقومات: ما عداها ([150]).

وقيل: إنها أعم من ذلك ([151])، وإنها كل شيء له مثل وشبيه ومقارب وهو الصحيح؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم: «استقرض بعيراً وأراد رد بدله، فلم يجد فقضى خيراً منه» ([152])، ولأنه ضَمَّنَ أم المؤمنين: «حيث كسرت صحيفة أم المؤمنين الأخرى بصحيفتها الصحيحة ([153]). والحديثان صحيحان، ولأن الضمان بالشبيه والمقارب يجمع الأمرين القيمة، وحصول مقصود صاحبه، وعلى القولين فمن أتلف مالاً لغيره فإن كان مثلياً ضمنه بمثله، وإن كان متقوماً ضمنه بقيمته يوم تلفه.

وكذلك من استقرض مثلياً رد بدله، وإن كان متقوماً رد قيمته، ومثل ذلك من أوجبنا عليه الضمان لكونه فرط في أمانته أو تعدى فيها، أو كانت يده يداً متعدية فكل هؤلاء يضمنون المثل بمثله، والمتقوم بقيمته، ومن أكل أضحيته ولم يتصدق منها بشيء لزمه أن يخرج لحماً أقل ما يجب عليه، وهكذا ما أشبه هذه المسائل.

القاعدة التاسعة عشر

 إذا تعذر المسمى رجع إلى القيمة

وهذه القاعدة غير القاعدة التي قبلها؛ لأن هذه في المعاوضات التي سمى لها ثمناً، واتفق المتعاوضان فيها على ذلك الثمن المسمى، فحيث تعذر معرفة المسمى، أو تعذر تسليمه لكون التسمية غير صحيحة؛ لغرر، أو تحريم، أو نحوها فإنه يرجع إلى قيمة ذلك الذي سمي له ذلك الثمن الذي تعذر تسليمه، فيدخل في ذلك البيع، والإجارة بأنواعهما. فإذا باع شيئاً بثمن وتعذر معرفة الثمن الذي سمياه في العقد رجعنا إلى قيمة المبيع؛ لأن الغالب أن السلع تباع بأقيامها، وكذلك إذا تعذر معرفة الأجرة رجعنا إلى أجرة المثل، ومثله لو كان الثمن أو الأجرة محرمين أو فيهما غرر. ومثل ذلك المسمى في مهور النساء إذا تعذر معرفته، أو تعذر تسليمه، فإنه يجب مهر المثل، وهذا الرجوع إلى أقيام المثل أقرب إلى حصول وإلى غرض كل منهما.

القاعدة العشرون

 إذا تعذر معرفة من له الحق جُعِل كالمعدوم

يعني إذا علمنا أن المال ملك للغير، ولكن ذلك الغير تعذر علينا معرفته، وأيسنا منه جعلناه كالمعدوم، ووجب صرف هذا المال بأنفع الأمور إلى صاحبها أو إلى أحق الناس بصرفها إليه.

ويترتب على هذا اللقطة إذا تعذر معرفة صاحبها بعد التعريف، فهي لواجدها؛ لأنه أحق الناس بها.

ومن كان بيده غصوب، أو ودائع أو أمانات أُخر جهل أربابها وأيس من معرفته، فإن شاء دفعها لولي بيت المال ليصرفها في المصالح النافعة، وإن شاء تصدق بها عن صاحبها ينوي أنه إذا جاء صاحبها خيّره بين أن يجيز تصرفه، ويكون لصاحبها الثواب كما نواه المتصدق، أو يضمنها له، ويعود أجر الثواب للذي باشر الصدقة.

وكذلك الأموال التي بيد السراق، أو قطاع الطريق إذا علم أنها للناس، وجهلوا صرفت للمصالح العامة، أو تصدق بها على الفقراء، وحلت لمن تصدق عليه بها؛ لأنه أيس من معرفة أربابها فكأنهم معدومون.

ومن هذا من مات وليس له وارث معروف، فميراثه لبيت المال يصرف في المصالح كلها، ومثله من لم يعرف لها ولي، فإنه يجعل كالمعدوم فيزوجها الحاكم.

القاعدة الحادية والعشرون

 الغرر والميسر محظور في المعاوضات والمغالبات

وقد قرن الله الميسر للخمر لما فيه من المفاسد الكثيرة؛ لأنه يوقع العداوة والبغضاء، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويوقع العبد في المكاسب الدنيئة المخالفة للمعقول.

وقد نهى صلّى الله عليه وسلّم «عن بيع الغرر» ([154]) فيدخل في ذلك بيع الآبق ([155])، والشارد ([156])، والحمل في البطن، والمجهولات التي يجهل تحصيلها، أو يجهل مقدارها، وكلها داخلة في الغرر، والميسر، ومن هذا الغرر في المشاركات، أو المساقاة، والمزارعة بأن يقول أحدهما للآخر: لك ربح أحد السفرتين، أو أحد السلعتين، أو أحد العامين، ولي الآخر، أو يقول لك: هذا الجانب من الزرع، أو الثمر ولي الجانب الآخر. فكل هذا داخل في الغرر والميسر، أو تؤجل الديون إلى آجال مجهولة.

وأما الميسر في المغالبات: فكل مغالبة فيها عوض من الطرفين، فإنها من الميسر كالنرد والشطرنج والمغالبات القولية والفعلية.

ويستثنى من هذا: المسابقة على الخيل والإبل والسهام، فإنها


جائزة، بل مستحبة؛ لما فيها من الإعانة على الجهاد في سبيل الله، وهل يشترط لذلك محلل كما هو قول كثير من أهل العلم ([157]) لتخرج عن شبه القمار، أو لا يشترط المحلل ([158]) كما هو ظاهر الأدلة الشرعية ([159])، وعمل الصحابة رضي الله عنهم ([160])، فالصواب: جوازه، ولو لم يكن محلل، بل ترك المحلل أولى، وأقرب للعدل.

القاعدة الثانية والثالثة والعشرون

 الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً، والمسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً

هذان الأصلان هما لفظ الحديث الذي صححه غير واحد من الأئمة ([161]) وما أعظم نفعهما، وأكثر فوائدهما. فهذا الحديث يدل على  أن جميع أنواع الصلح بين المسلمين جائزة، ما لم تدخل أهلها في محرم، فدخل في هذا الصلح في الأموال: صلح الإقرار، وصلح الإنكار، فمن اعترف لغيره بعين، أو دين، ثم صالحه عن بعض ذلك، فهو في معنى التبرع، وإن صالحه على غيره فهو في معنى البيع، وذلك جائز.

وكذلك لو صالحه عن حق ثبت له من خيار عيب، أو غبن، أو تدليس، فهو جائز.

وكذلك على الصحيح الصلح عن حق شفعة، أو خيار شرط لدخوله في هذا العموم، ولعدم المحذور الشرعي، وكذا لو صالحه عن دم العمد في النفس، أو ما دونها فكله جائز.

وكذلك لو صالحه عن المجهول من الديون والحقوق بشيء معلوم جاز، ومن هذا مصالحة أحد الزوجين الآخر عن بعض حقوق الزوجية، كأن تصالح زوجها الذي ترى منه الرغبة عنها فتسقط عنه بعض الحقوق؛ ليمسكها كما قال تعالى: {{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}} ([162]).

وكذلك الصلح عند المنازعات والمشاجرات بين الناس، لقطع النزاع بما يناسب الحال، سواء وقعت بتوسط القاضي أو توسط غيره. فهذه الأمور، وما أشبهها جائزة نافعة.

وأما مثال الصلح الذي يدخل في محرم: كأن يصالح من يقر له بالعبودية، أو تقر له بالزوجية وهو كاذب في ذلك، أو يصالح صاحب الحق الذي يجهل مقدار حقه، والمدين عالم به فيصالحه ويخفي عنه مقدار ما عليه من الدين فهذا حرام لا يحل له الصلح ما كان صالح عليه.

والأصل الآخر: الشروط التي يشترطها المتعاقدان، أو أحدهما على الآخر فكلها جائزة لما فيها من مصلحة المشترط، وعدم المحذور الشرعي، كأن يشترط البائع أن ينتفع بالمبيع، مدة معلومة، أو يشترط التأجيل إلى أجل معلوم، أو يشترط البائع أن ينتفع بالمبيع مدة معلومة، أو يشترط التأجيل إلى أجل معلوم، أو يشترط وثيقة رهن أو ضمين، أو كفيل، أو يشترط المشتري صفة مقصودة في المبيع ككون العبد كاتباً، أو يحسن الصنعة الفلانية، أو الدابة سهلة السير، أو لبوناً، أو الطير صيوداً، ونحو ذلك من الصفات المقصودة.

وأما الشرط الذي يدخل في الحرام، فمثل شرط البائع للعبد على المشتري إن أعتقه، فالولاء للبائع لمنافاته لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الولاء لمن أعتق» ([163]).

ومن الشروط الجائزة: شروط الواقفين ويجب اتباعها إذا لم تخالف الشرع، وكذلك الشروط بين الزوجين كأن تشترط المرأة على الزوج دارها، أو بلدها، أو لا يتزوج، ولا يتسرى عليها، كما صح عنه صلّى الله عليه وسلّم: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» ([164]).

ومن الشروط المحرمة في النكاح: المتعة، والتحليل، فهي فاسدة مفسدة للنكاح، لأنها تنافيه من أصله، وإن شرط أن لا مهر لها، أو لا نفقة، أو يقسم لها أكثر من ضرتها أو أقل، فيفسد الشرط، ولا يفسد النكاح، لأنه لا ينافيه من أصله، وإنما ينافي ما يجب فيه من الحقوق.


القاعدة الرابعة والعشرون

 من سبق إلى المباحات، فهو أحق بها

المراد بالمباحات هنا: ما ليس له مالك محترم؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» ([165]). فيدخل في هذا السبق إلى إحياء الأرض الموات، فمن عمّرها ببناء، أو حفر بئراً وصل إلى مائها، أو إجراء ماء إليها، أو تنقيتها من الأحجار التي لا تزرع مع وجودها، أو منع المياه المستنقعة التي لا تزرع مع وجودها ملكها، ولم يزاحمه أحد فيها.

وكذلك لو كان النهر المباح أو الوادي المباح يسقي حروثاً وبساتين وتنازعوا أيهما يبدأ فإنه يبدأ، بالأعلى فالأعلى، فإذا شرب أرسله إلى من بعده.

وأما المياه المملوكة فهي على قدر الأملاك والإتفاق الذي جرى بينهم.

ومن فروع هذا الأصل: السبق إلى صيد البر أو البحر، أو الحطب والحشيش ونحوها من المباحات، فمن سبق إلى شيء من ذلك واحتازه ملكه، وأما مجرد رؤيته له فلا يملكه بذلك، ويدخل في هذا أيضاً السبق إلى الأماكن المشتركة كالسبق إلى الجلوس في المساجد، أو الأسواق، أو الأوقاف من البيوت، ونحوها التي لا تحتاج إلى تقرير ناظر، فالسابق إلى شيء من ذلك أحق به من غيره حتى ينقضي غرضه الذي سبق إليه.

وأما الأوقاف التي لها ناظر خاص من الموقف، أو ناظر عام وهو الحاكم للأوقاف التي لا ناظر لها فيتوقف الانتفاع بها إلى تقرير الناظر لا بمجرد السبق.

القاعدة الخامسة والعشرون

 تشرّع القرعة إذا جهل المستحق، وتعذرت القسمة

وقد ثبتت القرعة في الكتاب والسنّة، وفي قول جمهور الأمة ([166]). قال تعالى: {{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ *}} ([167]) أي المغلوبين. وقال تعالى: {{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}} ([168]) الآية.

وقد ثبتت في عدة أحاديث صحيحة ([169])، فمتى تشاح اثنان  فأكثر في الأذان أو الإقامة، أو الإمامة ولم يكن لأحدهما مرجح أقرع بينهم.

وكذلك لو بذل ماء، أو ثوب، أو إناء أو نحو ذلك لأحد أشخاص ولم يعين الباذل من هو له، ولم يقل لكم جميعاً أخرج المستحق بقرعة.

ومنهـا: التقديم إلى الإمام، أو إلى القبلة في القبر، أو إلى الدفن

في بقعة معينة، ولم يكن لأحد الموتى مزية ولا سبق، فإنه يقرع بينهما أيهما يرجح.

ومنها: إذا تداعيا عيناً بيد غيرهما، ولم يكن لأحدهما بينة ولا مرجح أقرع بينهما.

ومنها: إذا استبق اثنان إلى شيء من المباحات ولم يمكن الإشتراك أقرع بينهم.

ومنها: إذا مات عن زوجات وقد طلق إحداهن طلاقاً يقطع الإرث، وجهل عين المطلقة عُينت بقرعة.

ومنها: الأولياء المستحقون للولاية المتساوون إذا تشاحوا أقرع بينهم، ويتعين منهم من أذنت له في تزويجها إذا كان إذنها معتبراً.

ومنها: إذا طلق مبهمة من نسائه ولم ينو معينة أخرجت بقرعة.

ومثلها: لو أعتق عبداً من عبيده وأنسيه أخرج بقرعة، أو أعتق عبيده في مرضه المخوف إذا اتصل به الموت وهم جميع تركته ولم يجز ذلك الورثة أخرج ثلثهم بقرعة فعتقوا، ورقَّ الآخرون، وصاروا تركة وكل ما أشبه هذه المسائل فطريقها طريقها.

وأما إذا علم اشتراكهم في الأعيان، أو الديون وأرادوا أن يقترعوا على أن من خرجت له القرعة فالمال له من عين أو دين، فهي من مسائل الميسر المحرمة بالنص والإجماع.

القاعدة السادسة والعشرون

 يقبل قول الأمناء في الذي تحت أيديهم من التصرفات، والإتلافات وغيرها، إلا ما خالف الحس والعادة

هذه قاعدة نافعة لكثير الاختلاف بين الملاك وبين الأمناء في متعلقات الأمانات، وأهل الأموال والحقوق ائتمنوهم عليها، وفوضوهم على التصرفات المتعلقة بها، فإذا اختلفوا في شيء من ذلك كان القول قول الأمين؛ لأن صاحبه ائتمنه ونزله منزلة نفسه، فإذا ادعى تلفاً أو تصرفاً معيناً وخالفه صاحب المال فالقول قول الأمين إلا إذا خالف المعتاد وكذبه الحس؛ لأن كل دعوى يكذبها الحس فقول مدعيها غير مقبول،  ولذلك يقبل قول الشريك والمضارب في الربح والخسارة وما اشتراه لنفسه، أو للمضاربة والشركة، ويقبل قوله: إنه باعه نسيئة، أو بالنقد الفلاني، أو بهذا المقدار وفي الشروط والوثائق المتعلقة به، ويقبل إقراره على ما في يده من الإقرارات الداخلة فيما فوض له فيه، وكذلك الوكيل، والوصي، وناظر الوقف، والولي على اليتيم والمجنون والسفيه وما أشبه ذلك.

القاعدة السابعة والعشرون

 من ترك المأمور جهلاً أو نسياناً لم تبرأ ذمته إلا بفعله، ومن فعل المحظور، وهو معذور بجهل أو نسيان برئت ذمته وتمت عبادته

وهذا الفرق بين ترك المأمور وفعل المحظور في حق المعذور بجهل، أو نسيان ثابت بالسنّة ([170]).

والصحيح: طرده في جميع المسائل من دون استثناء كما اختار ذلك شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم ([171]).

والمشهور من مذهب الإمام أحمد فيه تفصيل ([172])، ولكن طرده أولى وأقرب إلى أصول الشريعة. فمن ذلك: من نسي أو جهل وصلى وهو محدث، أو تارك لركن كالطمأنينة فعليه الإعادة، ومن صلى وعلى بدنه أو ثوبه نجاسة لا يعلمها، فلا إعادة عليه، ومن ترك نية الصيام لم يصح صومه، فإن صام ونوى لكنه نسي فأكل أو شرب فصيامه صحيح.

وكذا لو جهل بأن لم يعلم طلوع الفجر، ثم تبين له طلوعه قبل أن يأكل ويشرب، أو أكل وشرب ظاناً غروب الشمس فتبين أنها لم تغرب. فالصحيح: أن الجاهل حاله حال الناسي.

ولو ترك شيئاً من واجبات الحج جهلاً أو نسياناً فعليه دم؛ لأنه ترك مأموراً وإن غطى الرجل رأسه وهو محرم، أو لبس المخيط، أو تطيب المحرم، ونحو ذلك من المحظورات ناسياً، أو جاهلاً، فلا شيء عليه.

القاعدة الثامنة والعشرون

 يقوم البدل مقام المبدل، ولكن لا يصار إليه إلا إذا تعذر الأصل

قال الله تعالى بعدما أوجب الطهارة بالماء: {{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}} ([173]) فأقام التيمم عند


العدم للماء، أو عند الضرر باستعماله مقام الماء، فدل على أنه يستباح به ما يستباح بالماء من العبادات وغيرها، وأنه يقوم مقامه في كل شيء وفي بعض ذلك خلاف ([174]).

ومنها: إبدال الأضاحي، والهدي بخير منه يجوز، ويقوم البدل فيه مقام المبدل، وكذلك الوقف إذا جاز بيعه، وإبداله عند الضرورة قام بدله مقامه في أموره كلها.

القاعدة التاسعة والعشرون

 يجب تقييد اللفظ بملحقاته من وصف، أو شرط، أو استثناء، أو غيرها

وهذا الأصل واضح معلوم من لغة العرب، وغيرها ومن العرف بين الناس؛ لأنه لو لم يعتبر ما قيد به الكلام لفسدت المخاطبات وتغيرت الأحكام وانحلّ النظام، وهذا مطرد في كلام الله وكلام رسوله وكلام جميع الناطقين، فكما أننا نستفيد من كلام الله وكلام رسوله، ونعتبر ما فيها من القيود المخصصة لإطلاقات الكلام، فكذلك نعتبر ذلك في كلام الناس ونحكم عليهم بما نطقوا به من إطلاق وعموم، ومن قيود وتخصيصات، ويدخل تحت هذا الأصل من الأحكام ما لا يعد ولا يحصى من ألفاظ المتعاقدين، ومن شروط الوقف والوصايا، ومن التقييدات الواقعة في العتق والطلاق، وشروط الطلاق والأيمان داخلة في هذا الأصل، والله أعلم.


القاعدة الثلاثون

 الشركاء في الأملاك والحقوق والمنافع يلزم الممتنع منهم بما يعود على المشترك من الأمور الضرورية، والمصارف، والتعميرات وغيرها، ويشتركون في زيادتها ونقصانها بحسب أملاكهم، ومع الجهل بمقدار ما لكل منهم يتساوون

لأنه لا ضرر ولا ضرار، ويدخل في ذلك شيء كثير، فإذا احتاجت الدار إلى تعمير وامتنع أحد الشركاء أجبر على التعمير، وإن كان لو كان وحده لم يجبر، لكن إذا تعلق به حق الغير وجبت المعاونة المضطر إليها كما يجب عليهم أن يتفقوا على المماليك المشتركة من آدميين أو بهائم.

وكذلك لو احتاجت البئر أو النهر أو الأرض إلى تعمير عمروها جميعاً على قدر أملاكهم، ولا فرق بين الأملاك الحرة والأوقاف.

وكذلك يلزم كل واحد من الجيران مباناة ما بينهما من الجدران التي يحتاجها كل منهم لسترة أو بناء عليها.

وكذلك إذا زادت الأملاك المشتركة بذاتها أو أوصافها، أو نمائها المتصل أو المنفصل، أو نقصت فهم مشتركون في زيادتها ونقصها على قدر أملاكهم وحقوقهم، فالمواشي المشتركة على وجه الإشاعة إن نمت فلهم كلهم، وإن نقصت عليهم كلهم.

وكذلك العقارات، والأواني والأثاث وغيرها، والمحجور عليه لحق غرمائه إذا لم تفِ موجوداته بديونهم، قسّمت عليهم بمقدار حقوقهم إلا أن يكون لأحدهم تميّز بعين باعها، وهي عنه المفلس لم يتعلق بها حق للغير، ولم ينقد من ثمنها شيئاً فهو أحق بها، ومن له رهن اختص به فإن بقي من دينه شيء أدلى به مع الغرماء.

وكذلك العول في الفرائض، والرد فالعول تنقص به الفروض كلها كل على قدر ما يستحق والرد تزيد به الفروض، كل له من الزيادة بقدر فرضه، كما هو مفصل في علم المواريث.

وإذا علم اشتراك المشتركين في شيء وتعذر معرفة مقدار ما لكل منهم حكم لهم بالتساوي.

وكذلك إذا وقف موقف، أو وصى موصٍ، أو أقر مقر لجماعة بشيء أو لجهات ولم يقدر ما لكل منهم، أو منها فإنه يحكم فيها بالتساوي.

وكذلك شركة الأبدان يتساوون فيما يحصل إذا لم يشترطوا التفاضل، وأما شركة العنان فإذا لم يشترطوا مقدار ما لكل منهما من المكسب كان المكسب على قدر أموالهم.

القاعدة الحادية والثلاثون

 الأحكام تتبعض بحسب تباين أسبابها، فيعمل كل سبب في مقتضاه ولو باين الآخر

وهذه قاعدة لطيفة تستدعي معرفة مآخذ المسائل وحكمها، وترتب آثارها، ولها عدة أمثلة.

منها: في الشهادات إذا شهد رجل وامرأتان، أو رجل عدل وحلف معه صاحب الحق، ثبت المال دون القطع في السرقة؛ لأن القطع في السرقة لا بد فيه من شهادة رجلين عدلين، وشهادة ثبوت المال يكفي فيها ما ذكرنا.

ومنها: إذا ادعى عليه جناية عمد توجب القصاص أو المال، فإن أقام بذلك رجلين عدلين ثبت القصاص، وله أن يأخذ الدية، وإن ثبت بأقل من ذلك ثبت المال لكمال نصابه دون القصاص لعدم كمال نصابه.

ومنها: قالوا الولد يتبع أباه في النسب، ويتبع أمه في الحرية أو الرق، ويتبع في الدين خير الأبوين، ويتبع في النجاسة والطهارة وحل الأكل وعدمه أخبث الأبوين، فالبغل يتبع الحمار في النجاسة وتحريم الأكل ولا يتبع الفرس ([175]).

ومنها: مسائل تفريق الصفقة في البيوع والإجارات والشركات والتبرعات، وغيرها من العقود إذا جمع العقد بين مباح ومحرّم، أو بين ما يملك العقد عليه، وما لا يملك صح في المباح، وما يملك العقد عليه ولغى في الآخر.

ومنها: شهادة الفروع والأصول، وأحد الزوجين للآخر إذا كانوا عدولاً تصح شهادتهم عليهم، ولا تصح شهادتهم لهم لمكان التهمة، وعكس ذلك شهادة العدو على عدوه لا تقبل وله تقبل.

القاعدة الثانية والثلاثون

 من أدّى عن غيره واجباً بنية الرجوع عليه رجع، وإلا فلا

قال الله تعالى: {{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}} ([176]) فإن أجرة الرضاع على الأب، فإذا أرضعت الأم التي ليست في حبال أبي الطفل رجعت بالأجرة عليه، ومثل ذلك من أنفق على زوجة الغير أو أولاده، أو من تجب عليه نفقته من المماليك أو البهائم ونوى الرجوع عليه رجع، وخصوصاً إذا كانت العين بيده كالمرتهن، والأجير ونحوهم.

وكذلك من أدى عن غيره ديناً لغيره فله الرجوع، وكل هذه  


المسائل إذا نوى الرجوع، فإن نوى التبرع أو لم ينوِ شيئاً فليس له الرجوع، لأنه لم يوكله ولم يأذن له ولم ينو رجوعاً، وهذا بخلاف من عليه زكاة أو كفارة أو نحوها مما يحتاج إلى نية، فإن الغير إذا أداها عنه لم يرجع عليه؛ لأنه قضاء لا يبرئ ذمته؛ لأنه لم يوكله.

القاعدة الثالثة والثلاثون

 إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها، فيقدم الواجب على المستحب، والراجح مصلحة على المرجوح، وإذا تزاحمت المفاسد، واضطر إلى فعل أحدها قدم الأخف منها

وهذان أصلان عظيمان، قال تعالى: {{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}} ([177]) أي أصلح وأحسن. وقال تعالى: {{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}} ([178]) {{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}} ([179]).

وقصة الخضر في قتله الغلام وخرقه للسفينة تدل على الأصل الثاني، فإن الحال دائرة بين قتل الغلام وهو مفسدة وبين إرهاقه لأبويه وإفساده دينهما، وهي مفسدة أكبر فارتكب الأخف، وخرقه السفينة مفسدة، وذهاب السفينة كلها غصباً من الملك الذي أمامهم أكبر مفسدة، فارتكب الأخف منهما، فيدخل في هذا من مسائل الأحكام ما لا يعد ولا يحصى، فإذا دار الأمر بين فعل الواجب أو المسنون، وجب تقديم الواجب في الصلاة والصيام والصدقة والحج والعمرة وغيرها من العبادات.

وكذلك يجب تقديم ما تجب نفقته على الصدقة المستحبة، وتقديم طاعة من تجب طاعته على من تستحب طاعته، وأمثلة تزاحم الواجب والمسنون كثيرة، فإن تزاحم واجبان أو مسنونان قدم الأعلى منهما، فتقدم المرأة طاعة زوجها على طاعة أبويها، إذا لم يمكن الجمع بينهما، ويقدم العبد طاعة الله على طاعة كل أحد، ولهذا لا يطيع والديه في منعهما له من الحج المتعين والجهاد المتعين.

ويقدم الرواتب على السنن المطلقة، والعبادات التي نفعها يعم العامل وغيره على العبادات المختصة بالعامل، والعبادات التي تكثر المشاركة فيها على العبادة التي تقل فيها المشاركة؛ لأن الاشتراك في الخير مقصود عظيم من أهم المقاصد. قال الله تعالى: {{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى}} ([180]). ويقدم نفل العلم الشرعي على نفل الصلاة والصيام، والصدقة على القريب صدقة وصلة.

ومن أمثلة الأصل الثاني: من اضطر إلى أكل محرم، ووجد شاة ميتة وكلباً ونحوه قدم الشاة، ومن اضطر إلى وطئ إحدى زوجتيه، وإحداهما حائض، والأخرى صائمة للفرض قدم الصائمة؛ لأنها أخف، ولأن الفطر يجوز لضرورة الغير، كفطر الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد، ويقدم ما فيه شبهة على الحرام الخالص. هذا كله إذا ابتلي العبد بذلك، والمعافى من عافاه الله.

القاعدة الرابعة والثلاثون

 إذا خُيِّر العبد بين شيئين فأكثر فإن كان التخيير لمصلحته فهو تخيير تشهٍ واختيار، وإن كان لمصلحة غيره فهو تخيير اجتهاد في مصلحة الغير

مـثال القسم الأول: التخيير في كفارة اليمين بين العتق، أو إطعـام

عشرة مساكين، أو كسوتهم، وكذلك في فدية الأذى بين صيام ثلاثة  أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، وكذلك جزاء الصيد يخيّر  بين المثل من النعم، أو تقويمه طعاماً للمساكين، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً، وذلك كله لمصلحته والتسهيل عليه، والخيرة في ذلك له.

وكذلك من وجبت عليه الدية يخيّر في دية الذكر الحر بين مائة من الإبل، أو مائتين من البقر، أو ألفي شاة، أو ألف دينار ذهب، أو اثني عشر ألف درهم إذا قلنا: إنها كلها أصول كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ([181]) فالمخير الدافع.

ومثال القسم الثاني: تخيير الإمام في الأسير الحربي بين القتل، والرق، والفداء، وعليه فعل الأصلح.

ومثله: تخيير ولي اليتيم، والمجنون، والسفيه وناظر الوقف إذا دار الأمر بين تصرفين، يتعين عليه فعل الأصلح لمن ولي عليه. قال الله تعالى: {{وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ}} ([182]).

ومثل ذلك: تخيير من وجد لقطة حيوان في حول التعريف بين بيعه وحفظ ثمنه وبين أكله، وتقويمه، وبين حفظه وينفق عليه، وعليه ما يراه أصلح لصاحبه وأنفع.

القاعدة الخامسة والثلاثون

 من سقطت عنه العقوبة لموجب ضوعف عليه الضمان

وذلك إذا كان فعلـه سبباً ناهضاً لـوجوب العقوبـة عليـه، ولكن

سقطت عنه لسبب من الأسباب، فإنه يضاعف عليه ضمان الشيء، وليس ذلك خارجاً عن القياس، بل هو القياس الصحيح؛ لأن جنايته موجبة لعقوبته، ولكن وجود المانع يمنع العقوبة، ولكن يكون مقابل ذلك زيادة الغرم.

فمن ذلك: من سرق ثمراً أو ماشية من غير حرز، سقط عنه القطع، وضمن المسروق بقيمته مرتين.

ومن ذلك: إذا قتل المسلم الذميَّ عمداً لم يقتص منه لعدم المكافأة في الإسلام، ولكن تضاعف عليه الدية.

ومنها: إذا قلع صحيح العينين عين الأعور الصحيحة وجب عليه دية كاملة، وكذلك الأعور إذا قلع عين صحيح العينين المماثلة لعينه عمداً لم يقتص منه؛ لأنه بالقصاص يؤخذ جميع بصره، ولكن يضاعف عليه الغرم، فيكون عليه دية نفس كاملة، والله أعلم.

القاعدة السادسة والثلاثون

 من أتلف شيئاً لينتفع به ضمنه، ومن أتلفه دفعاً لمضرته فلا ضمان عليه

فمن ذلك: إذا صالت عليه بهيمة غيره فدفعها عن نفسه فأتلفها لم يضمنها، وإن اضطر إلى طعام فاضطر إلى ذبحها ضمنها؛ لأنه لنفع  نفسه.

ومن كان محرماً بحج أو عمرة فنزل الشعر في عينيه فقلعه، فلا ضمان؛ لأنه كالصائل عليه، وإن احتاج إلى أخذ شعره لقروح في رأسه أو لحكة أو نحو ذلك، فعليه فدية أذى.


القاعدة السابعة والثلاثون

 إذا اختلف المتعاملان في صفة من صفات المعاملة يرجح أقواهما دليلاً

والترجيحات كثيرة الرجوع إلى الأصول وكثرة القرائن المرجحة، وما أشبه ذلك. ولذلك قال العلماء: إذا اختلفا في شرط، أو في أجل، فالقول قول من ينفيه، لأن الأصل عدمه ([183]).

وإذا اختلفا هل كان العيب بعد الشراء، أو قبله، فالأصل: أنه حادث.

وإذا ادعى المشتري أنه شرط أن العبد كاتب، أو صانع، أو نحوه وأنكر البائع فالقول قول البائع.

وإذا اختلف الزوجان في الشروط التي يدّعي أحدهما أنه شرطها، فالقول قول من ينفيه وهذا من مفردات قولهم إذا اختلف في شرطٍ أو أجل، فالقول قول من ينفيه، فإن تساوى المتعاملان، ولم يكن لأحدهما مرجح تساقطت أقوالهما، مثل: أن يدّعي البائع ثمناً كثيراً، ويدّعي المشتري أقل منه، فإنه لا يترجح قول أحدهما على الآخر، فيتحالفان ويتفاسخان إن لم يرض أحدهما بقول الآخر، ومثله على الصحيح الاختلاف في عينالمبيع.

القاعدة الثامنة والثلاثون

 إذا عاد التحريم إلى نفس العبادة، أو شرطها فسدت، وإذا عاد إلى أمر خارج لم تفسد وصحت مع التحريم، ومثل ذلك المعاملة

وهـذا هـو الفرقان بين العبادات الواقعة عـلى وجه محرم؛ لأن

التحريم والنهي الشرعي إذا عاد إلى ذاتها أو شرطها، عاد على موضوعها ومقصودها بالإبطال، وإذا عاد إلى أمر آخر حرم على الإنسان ذلك الفعل ونقص العبادة، ولم يبطلها.

مثال ما عاد إلى نفسها: لو توضأ بماء محرم كمغصُوب، أو صلى في ثوب محرم عالماً ذاكراً بطلت طهارته وصلاته أي لم تنعقد، وإن كان الإناء الذي فيه الماء مغصوباً والماء مباح صحت طهارته، وكذلك لو صلى الرجل وعليه عمامة حرير أو خاتم ذهب، فالفعل حرام والصلاة صحيحة، وإن فعل الصائم شيئاً من المفطرات متعمداً فسد صومه، فإن فعل فعلاً محرماً أو تكلم بكلام محرم، حرّم عليه ونقص أجره، ولكن صيامه صحيح.

ومثال المعاملات: إذا باع الإنسان ما لا يملك أو عقد عقد ربا أو غرر لم يصح البيع، وإن تلقى الركبان أو نجش في بيعه، أو باع شيئاً معيباً، أو مدلساً، أو نحو ذلك حُرّم عليه ذلك، وصح العقد ولكن للآخر الخيار وإثبات الشارع الخيار للآخر فرع عن صحة العقد، وهكذا بقية العقود، قِسْ على ما ذكرنا.

القاعدة التاسعة والثلاثون

 لا يجوز تقديم العبادات، أو الكفارات على سبب الوجوب، ويجوز تقديمها بعد وجود السبب، وقبل شرط الوجوب وتحققه

وذلك: لأن الله تعالى جعل للعبادات أوقاتاً تجب بوجودها وتتكرر بتكررها، كأوقات الصلوات الخمس وشهر رمضان، وأوقات الحج، فلو فعلت هذه قبل دخول وقتها لم تصح.

ومن نذر صلاة أو صياماً، أو حجاً نذر تبرر، وعلقه على وجود شيء جاز تقديم ذلك المنذور بعد عقد النذر، وقبل وجود المعلق.

وكذلك الكفارات: لو كفّر كفارة يمين، أو ظهار، أو غيره قبل أن يحلف، ويظاهر بنية أن الكفارة لعقده المستقبل لم تجز هذه الكفارة.

ولو حلف ثم كفر بعد الحلف وقبل الحنث جاز ذلك، وكانت الكفارة تحلة ليمينه، والله أعلم.

القاعدة الأربعون

 يجب فعل المأمور به كله، فإن قدر على بعضه وعجز عن باقيه وجب عليه فعل ما قدر عليه، إل أن يكون المقدور عليه وسيلة محضة، أو كان بنفسه لا يكون عبادة، فلا يجب فعل ذلك البعض

ودليل هذا الأصل: قوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} ([184]) وقوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ([185]) متفق عليه. فيصلي من قدر على بعض أركان الصلاة، وبعض الشروط، وعجز عن باقيها فيفعل ما يقدر عليها منها، ويسقط عنه ما يعجز عنه.

بعضه إلى بدل كمن عجز عن القيام يكون القعود بدلاً منه. ومن عجز عن القراءة يكون التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير بدلاً منه. ومن عجز عن طهارة الماء تكون طهارة اليتيم بدلاً منه.

وبعضه إلى غير بدل، كمن عجز عن السترة ونحوها.

ومثال مـا يكون وسيلة محضة: من وجب عليه حضـور الجمعـة


والجماعة، وقدر على المشي إلى بعض الطريق، ولم يقدر أن يصل إلى المسجد لم يلزمه المشي المذكور الذي يقدر عليه، وكذلك من وجب عليه الحج والعمرة ولا يقدر على الوصول إلى مكة لحصر أو غيره، ولكنه يقدر على قطع مسافة الطريق أو بعضها، لم يلزمه ذلك؛ لأنه وسيلة محضة.

ومن وجب عليه الحلق أو الختان، ولكنه ولد مختوناً وكان رأسه لا شعر فيه، لم يلزمه إمرار الموسى على محل الختان، ولا على جلدة الرأس التي لا شعر فيها؛ لأن ذلك كله وسيلة محضة. ومن أوجب من العلماء إمرار الموسى في هذه الحال أو استحبه فقوله ضعيف؛ لأن هذا مقصود لغيره.

ومثال ما إذا كان بعض العبادة المقدور عليها ليس بنفسه عبادة: من عجز عن صوم اليوم الواجب وقدر على الإمساك إلى بعض اليوم، لم يلزمه ذلك؛ لأن الصوم هو الإمساك عن المفطرات بالنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فبعضه ليس بعبادة وحده.

القاعدة الحادية والأربعون

 إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد تداخلت أفعالهما، واكتفي عنهما بفعل واحد إذا كان مقصودهما واحد

وهذا من نعمة الله وتيسيره أن العمل الواحد يقوم مقام أعمال، فإذا دخل المسجد وقت حضور الراتبة وصلى ركعتين، ينوي أنهما الراتبة وتحية المسجد وحصلا وحصل له فضلهما.

وكذلك إذا اجتمعت سنة الوضوء معهما، أو مع أحدهما، أو صلاة الاستخارة، أو غيرها من الصلوات.

ومن حلف عدة أيمان على شيء واحد وحنث فيه عدة مرات ولم يكفر، فعليه للجميع كفارة واحدة، فإن كان الحلف على شيئين وحنث بكل منهما، فقد اختلف العلماء فيه: فالمشهور من المذهب ([186]) كذلك يكتفي بكفارة واحدة.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية ([187]): أن الكفارة تتعدد بتعدد المحلوف عليه.

وأما إذا كانت الكفارات متباينة مقاصدها ككفارة ظهار، ويمين بالله، أو للوطء في نهار رمضان وحنث في الجميع، وجب عليه كفارات لكل يمين قولاً واحداً.

القاعدة الثانية والأربعون

 استثناء المنافع المعلومة في العين المنتقلة جائز في باب المعاوضات، ويجوز الاستثناء للمنفعة المعلومة والمجهولة في باب التبرعات

والفرق بين البابين أن المعاوضات يشترط فيها تحرير المبيع، والعلم به وبمنافعه من كل وجه، وباب التبرعات أوسع منه لا يشترط فيه التحرير؛ لأنه ينتقل إلى المتبرع إليه مجاناً، فلا يضر جهالة بعض المنافع فيه.

مثال الأول: من باع داراً واستثنى سكناها مدة معينة، أو باع بهيمة واستثنى ركوبها، أو الحمل عليها إلى محل معين جاز ذلك لقصة جمل جابر حين «باعه على النبي صلّى الله عليه وسلّم واستثنى ظهره إلى المدينة» ([188])، أو باع سلاحاً أو آنية واستثنى الانتفاع بها مدة معلومة، أو باع كتاباً وشرط أن ينتفع به مدة ونحو ذلك كله جائز، وأما لو كانت المدة مجهولة، فإنه لا يصح ذلك.

ومثال الثاني: لو وقف عقاراً واستثنى الانتفاع به مدة معلومة، أو مدة مجهولة كمدة حياته أو أعتق رقيقاً واستثنى خدمته أو خدمة غيره مدة معلومة، أو مدة حياته فهو جائز؛ لأن أم سلمة «أعتقت سفينة وشرطت عليه أن يخدم النبي صلّى الله عليه وسلّم مدة حياته» ([189]).

القاعدة الثالثة والأربعون

 من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد، فإن قبضه لحظ مالكه قبل

وذلك؛ لأنه إذا قبضه لحظ مالكه فهو محسن محض، وما على المحسنين من سبيل، ولكن يقيد ذلك إذا ادعى رده للذي ائتمنه، فالمودع، والوكيل، والوصي، وناظر الوقف إذا كان ذلك منهم بغير عوض إذا ادعوا الرد قبل قولهم.

وأما من قبض العين لحظ نفسه كالمرتهن والأجير، ومنهم المذكورون إذا كانوا بعوض؛ لأنهم يكونون أجراء، فإذا ادعى أحد من هؤلاء الرد لم يقبل قوله إلا ببينة؛ لأنه يدّعي خلاف الأصل.


القاعدة الرابعة والأربعون

 إذا أدى ما عليه وجب له ما جعل عليه

وهذا شامل للأعمال والأعواض، فالأجير على عمل والمجاعل عليه، إذا عمل ذلك العمل وكمله استحق الأجرة والجعل المسمى، فإن لم يقم بما عليه لم يستحق في الجعالة شيئاً؛ لأن الجعالة عقد جائز، وقد جعل الجعل لمن يكمل له هذا العمل، فمتى لم يكمل لم يستحق شيئاً.

وأما الإجارة فإن ترك بقية العمل لغير عذر، فكذلك لم يستحق شيئاً، وإن كان لعذر وجب من الأجرة بقدر ما عمله، وكذلك لو تلفت العين المؤجرة المعينة.

ومن فروع ذلك: لو شرط استحقاق وصية أو وقف، أو نحوها لمن يقوم بعمل من الأعمال من إمامة، وأذان، وتدريس، وتصرف وعمل من الأعمال، فمتى عمل ذلك استحق ما جعل له عليه.

القاعدة الخامسة والأربعون

 من لا يعتبر رضاه في عقد أو فسخ، لا يعتبر علمه

ويدخل تحت هذا من له خيار شرط، أو عيب، أو غبن، أو تدليس، أو غيرها، فله الفسخ سواء رضي الآخر، أو لم يرضَ، وسواء علم، أو لم يعلم.

وكذلك من طلق زوجته لا يعتبر علمها، كما لا يعتبر رضاها،  أو راجعها، وكذلك المعتق والموقوف عليه؛ لأن العتق لا يشترط فيه رضى العتيق، فكذلك لا يشترط علمه، وكذلك الوقف، والفرق بين الوقف والهبة، حيث يشترط في الهبة القبول من الموهوب له؛ لأن  الهبة تبرع لشخص معين، والوقوف يعم؛ لأنه وإن كان وقفاً على  معين، فإنه يعمه ويعم من يأتي من بعده من البطون أو الجهات، وللشفيع الأخذ بالشفعة ولو لم يرضَ المشتري ويعلم.

القاعدة السادسة والأربعون

 من له الحق على الغير، وكان سبب الحق ظاهراً فله الأخذ من ماله بقدر حقه إذا امتنع، أو تعذر استئذانه، وإن كان السبب خفياً فليس له ذلك

للأول أمثلة منها: إذا امتنع الزوج من النفقة الواجبة على زوجته، فلها الأخذ من ماله بغير علمه بقدر نفقتها ونفقة أولادها الصغار.

ومنها: من وجبت نفقته على قريبه فامتنع أو تعذر استئذانه.

ومنها: الضيف حقه واجب على من نزل به، فإن امتنع من ضيافته فله الأخذ من ماله بعلمه وبغير علمه بقدر ضيافته؛ لأن أخذه في هذه الأحوال لا ينسب إلى خيانة؛ لأن سبب الحق ظاهر.

ومثال الثاني: من له دين على آخر من قرض، أو ثمن مبيع، أو نحوه من الحقوق التي تخفى، فهذا إذا امتنع من الوفاء فليس لصاحب الحق الأخذ من ماله بغير إذنه؛ لأنه وإن كان له حق لكنه في هذه الحالة  ينسب إلى خيانة، وأيضاً فيه سد الباب؛ لئلا ينفتح باب الشر ويدّعي  الآخذ أن له حقاً وهو مبطل لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» ([190]). وهذا القول المتوسط بين القولين وهو مذهب الإمام أحمد أصح الأقوال ([191])، لأن من العلماء من يقول: له الأخذ من ماله في الحالتين ([192]).

ومنهم من منع في الحالتين ([193]) ولكن الذي تدل عليه الأدلة الشرعية هذا القول المتوسط.

القاعدة السابعة والأربعون

 الواجب بالنذر يلحق بالواجب بالشرع

لأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» ([194]). يدل على أن مجرى النذر مجرى ما وجب على العبد بدون إيجابه على نفسه، فإذا نذر صلاة وأطلق فأقلها ركعتان ويلزمه أن يصليها قائماً.

ومن نذر صياماً لزمه أن يبيت النية من الليل؛ لأن هذا حكم صيام الفرض؛ لأن النفل يصح بنية من النهار.

ومن نذر صلاة وأطلقها لم يصلها في جوف الكعبة عند المانعين للفريضة في الكعبة، نعم لو عيّن صلاته في الكعبة فله ذلك قولاً واحداً.

ومنها: من عليه صوم نذر لم يكن له أن يتنفل بالصوم حتى يصوم نذره كالقضاء لرمضان، وله أمثلة أخرى.


القاعدة الثامنة والأربعون

 الفعل ينبني بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد

وذلك أن الانقطاع اليسير عرفاً بين مفردات الفعل الواحد لا يقطع اتصاله.

مثال ذلك: إذا اعتبرنا تطهير الماء المتنجس بإضافة الماء الكثير إليه، لا يشترط أن يصب عليه دفعة، بل إذا صبّ عليه شيئاً فشيئاً، حصل المقصود.

وإذا ترك شيئاً من صلاته فسلم قبل إتمامها، ثم ذكر ولم يطل الفصل، أتى بما تركه وسجد للسهو، ولو طال الفصل عرفاً أعادها كلها.

ومنها: يشترط في الوضوء الترتيب، فإن غسل بعض أعضائه، ثم انفصل غسل الباقي عن الأول بفصل قصير لم يضر، وإن طال الفصل بين أبعاض الوضوء، أعاده من أوله، وهكذا كل فعل تعتبر له الموالاة.

وكذلك كل قول يعتبر اتصال بعضه ببعض، فإذا ألحق بكلامه استثناءً، أو شرطاً، أو وصفاً، فإن طال الفصل عرفاً لم ينفعه ذلك الإلحاق، وإن اتصل لفظاً أو حكماً كانقطاعه بعطاس وشبهه لم يضر.

القاعدة التاسعة والأربعون

 الحوائج الأصلية للإنسان لا تعد مالاً فاضلاً

وذلك ما تعلقت به حاجته في حكم المستهلك، وذلك كالبيت الذي يحتاجه للسكنى والخادم والمركوب، وأثاث بيته وأوانيه وفرشه ولباسه، كل ذلك ليس بمال فاضل يمنع صاحبه أخذ الزكاة إذا كان فقيراً ونحوه، وكذلك لا زكاة فية.

وكذلك لا يلزمه أن يبيعه ليحج فرضه؛ لأن الاستطاعة فيما زاد عن الحوائج الأصلية.

وكذلك لا يجب عليه فيه نفقة قريبة المحتاج؛ لأن هذه الأشياء بمنزلة قُوتِه الضروري.

القاعدة الخمسون

 يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً

وذلك أن المسائل والصور التابعة لغيرها، يشملها حكم متبوعها، فلا تفرد بحكم، فلو أفردت بحكم لثبت لها حكم آخر. وهذا هو الموجب لكون كثير من التوابع تخالف غيرها، فيقال فيها عند الفرق أنها ثابتة على وجه التبع. ولها أمثلة كثيرة.

منها: كثير من أفعال الصلاة مثل الزيادة وعدم ترتيب أحوال الصلاة، لو فعلت مستقلة أبطلت الصلاة، فإذا كان للإنسان إمام وجب عليه أن يتابعه ولو ترك ترتيب صلاته، كالمسبوق بركعة في رباعية محل تشهده الأول بعدما يصلي ركعتين، لكنه مع إمامه إذا صلى الإمام ركعة بعدما يدخل معه جلس للتشهد الأول، فجلس المأموم معه، وبعدما يصلي المسبوق ركعتين فإمامه يقوم من السجود للركعة الرابعة يلزمه أن يقوم معه ولا يجلس للتشهد. ولو سهى الإمام لزم المأموم متابعته في سجود السهو، ولو لم يسه المأموم؛ لأنه تابع لإمامه وأشياء أُخر في حكم ذلك.

ومنها: إذا بدا صلاح الثمرة جاز بيعها كلها، وكأن ما لم يبدِ صلاحه تابعاً لما بدا صلاحه.

وكذلك لا يجوز بيع المجهول الذي لم يرَ ولم يوصف، لكن إذا بيعت الدار ونحوها دخلت فيها الأساسات ونحوها، مع أن المشتري لم يرها لكنها تابعة لما رآه.

ومنها: إجبار الشريك على العمارة مع شريكه تبعاً له، مع أنه لو انفرد بالملك لم يجبر على التعمير، وكذلك إجباره على البيع إذا طلبه الشريك في الأشياء التي تضر قسمتها.

ومن ذلك: إذا قبلنا قول المرأة الثقة في الرضاع ترتب على ذلك انفساخ النكاح، مع أن المرأة لا يقبل قولها في الطلاق، لكنه جاء تبعاً لقبول قولها في الرضاع، وأمثلة هذا الأصل كثيرة جداً.

القاعدة الحادية والخمسون

 الأسباب، والدواعي للعقود والتبرعات معتبرة

يعني: إذا عقد العاقد عقداً، أو تبرع وهنا داع وحامل حمله على ذلك اعتبرنا ذلك الذي حمله؛ لأن الأعمال بالنيات، والأمور بمقاصدها، فمن ذلك عقود المكره وتبرعاته، فصورة العقد والتبرع منه موجودة، ولكن الحامل له على ذلك الإكراه والإلجاء، فكانت هذه لاغية، فيدخل في ذلك أنواع البيوع، والوثائق، والشركات، والوقف، والهبة، والنكاح، والطلاق، والإقرارات، وغيرها.

ومن ذلك أيضاً: الحيل التي يتحيّل بها على المحرمات، فنربط العقد بذلك القصد ونلغيه.

ومن ذلك: هدايا العمال، فإنها لا تحل لهم؛ لأن السبب معروف، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم في قضية ابن اللتبية الذي أرسله عاملاً على الصدقة وحصل له هدايا من الناس المرسل إليهم، فقال صلّى الله عليه وسلّم منكراً عليه: «هلاّ جلس في بيته فينظر أيهدى إليه أم لا؟» ([195]). فاعتبر السبب الحامل لهم على الإهداء، ولهذا قال العلماء: ومن أهدي إليه خوفاً أو حياءً وجب عليه رد الهدية ([196]).

وكذلك قالوا: لا يحل للمقرض أن يقبل هدايا المستقرض قبل الوفاء، إلا أن ينوي مكافأته عليها، أو يحتسبها مما عليه ([197]).

ومن هذا عقود الأيمان، قالوا: إن اليمين يعتبر فيها نية الحالف، فإن تعذر ذلك نظرنا إلى السبب الذي هيج اليمين فبنيناها عليه ([198]).

بل وكذلك الحلف بطلاق الزوجة ينظر إلى لفظه ونيته والسبب الذي حمله على ذلك.

ومن هذا إقرارات الناس ينظر فيها إلى الحامل الذي حملهم على الإقرار، ولا ينظر إلى مجرد اللفظ، وأمثلة ذلك كثيرة والله أعلم.

القاعدة الثانية والخمسون

 إذا قويت القرائن قدمت على الأصل

وهذا أصل نافع وهو أن القرائن التي تحتفى بالأحكام قد تقوى، فتقدم على الأصل؛ لأننا إنما قدمنا الأصل حيث لا مرجح سواه، فإذا وجد ما هو أقوى منه وجب تقديم الأرجح، ولهذا الأصل أمثلة كثيرة:

منها: تقديم غلبة الظن في المواضع التي يقدم فيها على الأصل، مثل: قولهم في الطهارة ويكفي الظن في الإسباغ ([199])، ويكفي الظن في نقاء المحل من النجاسة ([200]).

ومثل: تقديم العادة في حق المستحاضة والبناء في الصلاة على غلبة الظن إذا قلنا به وهو الصحيح.

ومن فروعها: إذا ادعت المرأة على زوجها أنه لم ينفق عليها، وهي في بيته والعادة جارية أنه هو المنفق، قدم قوله على قولها على الصحيح.

ومن ذلك تقديم من له قرينة قويةً أن المال له صاحب اليد، وأشباه ذلك.

الثالثة والخمسون

 إذا تبين فساد العقد بطل ما بني عليه وإن فسخ فسخاً اختيارياً لم تبطل العقود الطارئة قبل الفسخ

وهذا ضابط وفرق لطيف، فمن اشترى شيئاً أو استأجره، أو اتهبه ونحوه، ثم تصرف فيه، وبعد تصرفه بان العقد الأول باطلاً، كان تصرفه أيضاً غير نافذ؛ لأنه تصرف في شيء لا يملكه شرعاً.

وأما لو تصرف فيه، ثم فسخ العقد الأول بخيار، أو تقايل، أو غيرها من الأسباب، فإن العقد الثاني صحيح،لأنه تصرف فيما يملكه من غير مانع وقت تصرفه، وحينئذ يرجع مع العاقد الأول إلى ضمان المثلي بمثله، والمتقوم بقيمته، ومثله إذا باعه شيئاً ووثقه على الثمن برهن أو ضمين، وأحاله به، ثم بان البيع باطلاً بطلت التوثقة والحوالة، لأنها بنيت عليه، فإن فسخ فسخاً وقد أحاله بدينه، فالحوالة بحالها، وله أن يحيله على من أحاله عليه.

الرابعة والخمسون

 العبرة بالمعاملات بما في نفس الأمر

ويدخل في ذلك إذا تصرف في شيء يظنه ملكه أو يظنه وكيلاً


أو بني على وكالة ساقطة، ثم بعد التصرف تبين أنه ليس بمالك، وليس بوكيل، أو قد فسخت وكالته فالتصرف غير صحيح، وإن كان الأمر بالعكس بأن تصرف ظاناً أنه غير مالك ولا وكيل، ثم تبين أنه مالك أو وكيل، فالتصرف صحيح؛ لأن المعاملات المغلب فيها ما يظهر من التصرفات.

الخامسة والخمسون

 لا عذر لمن أقر، ولو ادعى غلطاً

وذلك أن الإقرار أقوى البينات، وكل بينة غيره، فإنه يحتمل خطؤها، وأما إذا أقر العاقل المكلف على نفسه بحق من الحقوق ترتب على إقراره مقتضاه، فإذا أقر لغيره بدين قرض، أو ثمن مبيع، أو قيمة متلف، أو مغصوب، أو رهن، أو غيره وجب ما أقر به، ولو قال غلطت أو نسيت؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم ثبت عنه أنه قال: «إنما أقضي بنحو ما أسمع» ([201]) وكذلك لو أقر أنه استوفى منه حقه، أو أبرأه أو عاوضه عنه، فالإقرار ثابت، والإقرار مقبول من العدل وغير العدل، والعلماء عقدوا باباً مستقلاً للإقرار، وهو يرجع إلى هذا الأصل.

السادسة والخمسون

 يقوم الوارث مقام مورثه في كل شيء يتعلق بتركته، إلا ما استثني من خيار الشرط والشفعة إذا لم يطالب المورث في قول ضعيف.

لأنه لما مات الميت، وانتقل ماله إلى ورثته، وكان ماله ما خلفه


من أعيان وديون وحقوق فناب الوارث مناب مورثه في مخلفاته، فيطالب بالديون التي تتعلق بالموروث، ويقضي منه الوارث ديونه وينفذ وصاياه إن لم يكن له وصي وله أن يتصرف في التركة، ولو كان المورث مديناً بشرط ضمان الدين المتعلق بالتركة، ولكن لا يطالب الوارث بأكثر مما وصل إليه من التركة، لأنه لم يكن شريكاً للميت، وإنما كان بمنزلة النائب عنه في موجوداته وتركته ويتلقى عنه أمواله وحقوقه، مثل: خيار العيب والغبن والتدليس.

ومثل الرهون والضمانات، ونحوها.

وإنما اختلف العلماء هل يقوم مقامه في خيار الشرط وفي حق الشفعة؟ فالمشهور عن أحمد أنه لا يقوم فيها مقام مورثه، بل تبطل بموت المورث إن لم يكن طالب بها ([202]). والصحيح: أنها مثل غيرها؛ لأن المقصود واحد وليس على إبطالها دليل، ولا تعليل صحيح، وما قيل فيها من التعليل موجود في غيرها، والله أعلم.

القاعدة السابعة والخمسون

 يجب حمل كلام الناطقين على مرادهم مهما أمكن في العقود، والفسوخ، والإقرارات، وغيرها

وذلك أن الأقوال داخلة في الأعمال، فتدخل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» ([203]). أما ما يتعلق بالإنسان بنفسه، فهذا ليس فيه استثناء، بل إن العبرة بما نواه لا بما لفظ به.

وأمـا إذا تعلق بكلامه حق للغير فكذلك نعتبر مـا نوى إلا أن ذلك

الغير إذا طالبه بمقتضى لفظه لم يكن لنا أن نحكم إلا بالظاهر؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما أقضي بنحو مما أسمع» ([204]).

ومن هذا الباب باب الكنايات في الطلاق، والظهار، والإيلاء، والعتق، ونحوها كالوقف مما له صريح وكناية، فقال العلماء: إن كنايات العقود يشترط أن تقترن بها النية، أو تقوم القرينة الدالة على المراد ([205]).

ومن هذا الباب أيضاً مسائل الأيمان ألفاظها يرجع فيها إلى نية الحالف وقصده، حتى إن النية تجعل العام خاصاً والخاص عاماً.

ومما ينبغي أن يحمل كلام الناطقين على عرفهم وعوائدهم فإن لها دخلاً كبيراً في معرفة مرادهم، ومقاصدهم.

القاعدة الثامنة والخمسون

 الحكم يدور مع علته ثبوتاً وعدماً

وهذه قاعدة عظيمة واسعة تحيط أو تكاد تحيط بجميع الأحكام الشرعية، وعلة الحكم هي الحكمة في الأمر به، أو النهي عنه،  أو إباحته، والله تعالى حكيم له الحكمة في كل ما شرعه لعباده من الأحكام.

وقد ينص الشارع على الحكمة، وقد يفهم العلماء الحكمة من معرفتهم بمقاصد الشارع العامة والخاصة. ويقال للأخيرة: الحكمة المستنبطة، ثم قد يتفق العلماء على تلك العلة التي هي الحكمة،  وقد يتنازعون، وقد يكون للحكم عدة علل متى وجد واحدة منها ثبت الحكم، وقد تكون علة واحدة لكنها مجموعة من عدة قيود لا تكون علة حتى تتم هذه القيود.

وقليل من الأحكام من لا يفهم العلماء منه حكمة بيّنة فيقولون: إنه تعبدي أي يجب علينا التعبد به، وإن لم نفهم حكمته، والعلل قد تكون ملازمة للحكم وقد توجد تارة، وتفقد أخرى. فالملازمة متى وجد الحكم فهي موجودة، والأخرى إن وجدت ثبت الحكم، وإن فقدت لم يثبت، والعلل المذكورة قد توجد في المكلفين المحكوم عليهم، وقد تكون في الأحكام الشرعية بنفسها، ولنمثل لهذا الأصل أمثلة توضحه لعدم إمكان الاقتصار على أمثلته.

فمنها: كثير من الأحكام السابقة المبنية على القواعد السابقة، وقد تكون نفس القاعدة هي العلة، وذلك كثير مثل قولنا: المشقة تجلب التيسير، لا ضرر ولا ضرار، الذي تجب عليه الأحكام هو البالغ العاقل، الذي يصح تصرفه هو البالغ العاقل الرشيد، الذي يصح تبرعه هو البالغ العاقل الرشيد المالك للشيء، العبادات والمعاملات تفسد بوجود موانعها أو بفقد شيء من شروطها، وما أشبه ذلك من الأصول التي إذا وجدت وجدت الأحكام.

ولما سئل صلّى الله عليه وسلّم عن الهرة؟ قال: «إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات» ([206]). فعلل بكثرة دورانها وترددها على الناس، وعظم المشقة فيها لو نجست، فدل على أن هذا ثابت لها، ولما كان مثلها، أو أولى منها كالحمر والبغال، وما دونها في الخلقة كالفأر ونحوه.

وقال تعالى: {{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}} ([207]) الآية. فعلل ترتيب أحكام الحيض عليه بوجود الأذى،


فكلما وجد الأذى الذي هو دم الحيض ترتبت عليه أحكام الحيض كلها، وكلما فقد الأذى لم يثبت منها شيء.

وقال تعالى: {{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}} ([208]) فعلل العدول إلى التيمم بأحد علتين إذا وجد أحدهما جاز التيمم:

أحدهما: فقد الماء.

والثاني: وجود الضرر باستعماله أي ضرر يكون مع وجوده فمتى فقد الماء، أو وجد الضرر عدل المتطهر إلى التيمم. وقال صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» ([209]) فعلل عدم قبول الصلاة بالحدث، وهو الذي جعله الشارع ناقضاً للوضوء، وهي نواقض الوضوء المعروفة، فالحدث وجوده يمنع من صحة الصلاة وارتفاعه بالطهارة يوجب صحتها أي مع بقية الشروط كما ذكرنا في الأصل الثامن.

وقال تعالى: {{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطِّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}} ([210]) فالحل دائر مع وجود وصف الطيب، والتحريم مع وصف الخبث لا يتخلف كل منهما عن وصفه، وقد أمر الله بالعدل والقسط والإحسان والصلاح والخير ونحوها. فحيث تحققت هذه الأوصاف تحقق الأمر، كما نهى عن الظلم والفساد والشر ونحوها، فحيث وجدت أوصافها تحقق النهي.

ومن ذلك: نهى صلّى الله عليه وسلّم «عن بيع الغرر» ([211]) و«عـن

الغش» ([212]) فحيث وجد في المعاملة أحد هذين الوصفين ثبت التحريم، وحيث انتفى الأمران زال حكم الغرر والغش، وأمثال هذه العلل التي توجد في كل باب من أبواب الفقه، ونكتفي من الأمثلة بما ذكرنا لحصول المقصود، والله أعلم.

ومن ذلك: العصير إذا تخمّر صار خمراً محرماً نجساً، فإن زال تخمّره بنفسه عاد خلًّا طاهراً حلالاً.

وكذلك الماء المتغير بالنجاسة نجس فإذا زال تغيره عاد طاهراً.

ومثله مال الغير لا يحل إلا بطيب نفسه، فمتى طابت نفسه بأي طريق جائز فهو حلال، ومتى لم تطب نفسه فهو حرام لحق الغير.

ومثله المحجور عليه لفلس أو سفه فما دام السبب موجوداً، فالحجر باق، فإذا زال السفه ووفى المفلس الغرماء زال الحجر، وأشياء كثيرة جداً على هذه الطريقة حكمها دائر مع علتها وجوداً وعدماً.

القاعدة التاسعة والخمسون

 النكرة في سياق النفي، أو النهي، أو الشرط تفيد العموم

ويدخل في هذا الأصل الجامع أمثلة كثيرة من الكتاب والسنّة وكلام المتكلمين فيترتب عليها أحكامها.

مثال ذلك: قوله تعالى: {{يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا}} ([213]) فهذه ثلاث نكرات في سياق النفي فيقتضي العموم، وأنه أي نفس، وإن عظم قدرها عند الله لا تملك لأي نفس وإن عظم اتصالها بها شيئاً من المنافع أو دفع المضار قليلاً كان أو كثيراً.

ومثال النهي: {{وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا}} ([214]).

ومثال الشرط قوله تعالى: {{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ}} ([215]) شملت الشرط، والنفي.

ويدخل في الأحكام في شروط الواقفين، وشروط الحالفين، وشروط الطلاق، والعتق، وفي النفي والنهي في هذه الأبواب، وفي الجعالة ونحوها، فإذا قال: من عمل لي داراً أو باباً أو نحوه، فله كذلك ثبت الجعل للمجعول له إذا عمل ما ذكر.

القاعدة الستون

 مَنْ، ومَا، وألْـ، وأيٌّ، ومَتَى، يدل كل واحد منها على العموم، وكذلك المفرد المضاف يدل على العموم

وأمثلتها من الكتاب والسنّة كثيرة جداً ([216]).

ومثال ذلك في الأحكام: إذا قال: من عمل هذا العمل، أو أي  أحد عمله، أو متى عملته أو العامل له، له كذا أو كذا، فأي أحد عمله استحق ذلك، وإذا قال الواقف في شروط وقفه هذا وقف على


ولدي، أو ولد فلان شمل الأولاد الذكور، والإناث وأولاد  الأولاد، وإن قال على المساجد شمل كل مسجد، أو على الفقراء من أولادي أو أولاد فلان فكل من اتصف بالفقر استحق.

وإذا قال: زوجتي طالق، وعبدي حر، وله متعدد من زوجات وعبيد ولم ينو معيناً ولا مبهماً شمل الزوجات كلهن والعبيد كلهم؛ لأنه مفرد مضاف، وإذا كانت هذه الأدوات تفيد العموم والشمول لكل ما دخل في لفظها، فمن باب أولى وأحرى الألفاظ الصريحة في العموم مثل: كل، وجميع، وعامة، وكافة، وما أشبهها، والله أعلم، وصلى الله على محمد وسلم، وهذا آخر القسم الأول من هذه الرسالة، وهو الأصول والقواعد الجوامع للمسائل المتفرقة في أبوابها.

 القسم الثاني: في الفروق بين المسائل الفقهية، والتقاسيم الشرعية

أصل هذه المسائل: أن تعلم أن الشارع لا يفرق بين المتشابهات من كل وجه، بل لا بد فيها من فوارق معنوية، وأوصاف متفاوتة أوجبت الفرق، فإذا وجد مسألتان قد فرّق بينهما، وحكم لكل واحدة بحكم مباين للأخرى، فإن كان ثمّ فارق صحيح ومعنى موجب للفرق، وإلا فاعلم أن الفرق صوري والفروق الصورية ضعيفة جداً، ولهذا الأصل الكبير أمثلة كثيرة نذكر منها ما نستحضره.

منها: ما ذكره العلماء رحمهم الله من الفرق بين فرض الصلاة ونفلها، فإن الأصل اشتراك الفرض والنفل منها في الأحكام، وقد فرّق بينهما بفروق ثابتة شرعية.

منها: أن النفل يصح من الجالس القادر على القيام، بخلاف الفرض وأنه يصح على الراحلة في السفر الطويل والقصير ([217]).

ويجوز فيه الشرب اليسير، والفرض بخلاف ذلك، وذلك يعود إلى سهولة النفل والترغيب في الإكثار منه ([218]).

ومنها: اشتراط ستر أحد المنكبين في الفرض دون النفل للرجل البالغ ([219])، وهذا الفرق ضعيف لعدم ثبوت الفرق بينهما في هذا الموضع شرعاً، فإن الأمر بستر أحد المنكبين يعم الفرض والنفل في حق الرجال، مع أن الصواب أن ستر المنكب من باب التكميل لا من باب الوجوب.

ومنها: تجويز النفل داخل الكعبة دون الفرض، ولكن فيه نظر،  فإنما ثبت في النفل ثبت في الفرض، والفرق الذي ذكره الفقهاء ([220])، وهو أنه في الفرض لا بد أن يستدبر شيئاً منها موجود في النفل.

ومن الفروق الضعيفة: المنع من إئتمام المتنفل بالمفترض مع ثبوته ثبوتاً لا ريب فيه، وقصة معاذ ([221]) وغيرها شاهدة بذلك، وتعليلهم باختلاف النية موجود في ائتمام المتنفل بالمفترض، والاختلاف المنهي عنه الاختلاف في الأفعال ([222]).

ومن الفروق الصحيحة: تجويز قطع النفل لحضور الفرض، وأنه لا يصح ابتداء نافلة بعد إقامة الفريضة، وأنه لا يجوز أن يشتغل بالنافلة مع ضيق الوقت عن الفريضة، وأنه لا تقضى النوافل إذا كثرت الفوائت الفرائض، وما أشبه ذلك فإن القصد من ذلك واحد وهو الاهتمام بالفرائض.

ومن الفروق الصحيحة: ما ذكروه في الفرق بين صلاة الجمعة وصلاة العيدين وهي عدة فروق قد فصّلتها في كتاب الإرشاد (2) .

ومن الفروق الصحيحة بين صيام الفرض والنفل: أن الفرض لا بد له من نية موجودة في ليل الصيام، والنفل يصح بنية من النهار بشرط أن لا يفعل شيئاً من المفطرات.

ومنها: أنه لا يصح صوم النفل ممن عليه فرض الصيام.

ومنها: أنه يصح صيام أيام التشريق للمتمتع والقارن الذي تعذر عليه الهدي دون قضاء رمضان وغيره؛ لأن الله عين الثلاثة أن تكون في الحج فوقتها محصور ([223]).

ومن الفروق بين النوافل: أن الصلاة والصيام وغيرها يجوز قطع نفلها إلا الحج والعمرة، فمتى أحرم بالحج أو العمرة وجب عليه الإتمام.

ومن الفروق الضعيفة: تفريقهم بين الجاهل والناسي والمتعمد في إتلاف الشعر والأظفار، وفي اللبس للمخيط وتغطية الرأس والطيب، وأن الأخيرات يعذر فيهما الجهل والنسيان، وإزالة الشعر وتقليم الأظفار تجب عليه فيه الفدية مطلقاً، وعللوه بأنه إتلاف ([224])، والذين لم يفرقوا ([225]) قالوا: المقصود من الجميع واحد وهو حصول الترفه بالمذكورات، وهي كلها مستويات في ذلك، والشعور والأظفار لا قيمة لها، وأيضاً إنما الإتلاف الذي يستوي فيه الأهل وغيره في حقوق الآدميين كإتلاف النفوس والأموال، وهذه الحق فيها لله متمحض، فإذا كان معذوراً بالإجماع غير آثم فكذلك الفدية، وبهذا أيضاً تعرف ضعف الفرق بين جماع المعذور بجهل أو نسيان وغير المعذور، كما هو المشهور من المذهب ([226]) والتفريق بين المعذور وغيره هو الأولى كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ([227]) وغيره في مسألة فطر الصائم إفساد الحج والعمرة وغيرها.

وبه أيضاً يعرف ضعف عدم التفريق بين المتعمد وغير المتعمد في قتل الصيد، وأن في الجميع الجزاء كما هو مذهب الجمهور ([228])، مع أن الآية الكريمة نصت على المتعمد نصاً صريحاً في قوله: {{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}} ([229]).

وكذلك تجويز النبي صلّى الله عليه وسلّم لرعاة المواشي وسقاة زمـزم أن

يجمعوا رمي أيام التشريق في آخر يوم ([230])، دليل على أن غيرهم لا يساويهم في ذلك، والمتأخرون من الحنابلة رحمهم الله جعلوا الجميع واحداً وأنه لا بأس أن يجمع الرمي في آخر يوم ([231])، ولو لم يكن معذوراً، وفيه نظر.

وأما قولهم: ومن وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة، ولو في جزاء الصيد ([232]).

فالصواب في ذلك القول الآخر: وأن جزاء الصيد يتعين فيه المثل لظاهر النص ([233])، ولأن فيه شائبة عقوبة بخلاف بقية الأحكام، فإن معنى السهولة فيها بينة واضحة.

ومن الفروض الصحيحة الثابتة شرعاً: الفرق بين من ترك المأمور سهواً أو جهلاً، فلا تبرأ الذمة إلا بفعله، وبين فاعل المحظور وهو معذور بجهل أو نسيان، فإنه يعذر وتصح عبادته، وذلك في الصلاة إذا ترك الطهارة أو السترة ناسياً أو جاهلاً ونحوها فعليه الإعادة، وإن صلى وقد نسي نجاسة على ثوبه أو بدنه فصلاته صحيحة، وكذلك الصيام والحج والعمرة، وبقية العبادات إذا ترك فيها المأمور، لا بد من فعله أو فعل بدله، وإذا فعل المحظور فهو معذور، فلا حرج عليه ولا إعادة ولا بدل.


واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وطرده في كل المسائل ([234]).

أما المشهور من المذهب ([235]) فإنهم لم يستقر لهم قرار، فتارة يفرقون، وتارة يجمعون ويوجبون على الجميع القضاء، فجمعوا بين من صلى محدثاً ناسياً، أو جاهلاً، ومن صلى وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة وقد نسيها أو جهلها، فأوجبوا الإعادة على هذا وهذا، وكما فرقوا وجمعوا بين من نسي وهو صائم فأكل وشرب، فلا يبطل صيامه، ومن جهل الأمر أو الحكم.

والصحيح: أن الحكم فيهما واحد.

ومن الفروق الضعيفة: تفريق مَنْ فَرّق من الفقهاء بين مخالطة الطاهرات للماء وتغييرها له بين ما وضع قصداً وما وضع لغير قصد، أو بمقره أو بممره، وأنه يسلبه الطهورية في الأول دون الثاني ([236]).

والصحيح: أن الحكم فيهما واحد، وأن الماء باق على طهوريته حتى تغيره النجاسة، وأن تفريقهم المذكور يدل على ضعف القول من أصله؛ لأنه تفريق بين متماثلين، فكلها قد غيّرها الطاهر تغييراً ممازجاً.

ومن الفروق الضعيفة: كراهة السواك للصائم بعد الزوال لا قبله، والصحيح استحبابه للصائم قبل الزوال وبعده كما هو ظاهر الأدلة ([237])، ولم يصح حديث يدل على الفرق، والله أعلم.

ومن الفروق الضعيفة: تفريقهم بين البيع والإجارة، وأن العيب في المبيع موجب للرد أو الأرش، والعيب في الإجارة موجب لخيار الرد دون الأرش ([238])، ويحق لابن نصر الله ([239]) ([240]) رحمه الله أن يقول: والفرق بينهما عسر، وقد تعبنا في الفرق فلم يحصل.

والصواب: أن الجميع حكمها واحد في الأرش، وفي الرد.

ونظير هذا تفريقهم بين الوصية وبين وقف البيت ونحوه بعد موته، وأنه لا يرجع في الثاني دون الأول ([241]).

والصواب: أن الجميع حكمه حكم الوصية، فله الرجوع في كل منهما قبل موته إذا لم يكن مانع.

ومن الفروق الضعيفة: الفرق بين العقود فلا يصح تعليقها، إلا الوكالات والولايات، وبين الفسوخ فإنه يصح تعليقها.

والصواب: أن العقود كلها كالفسوخ يصح تعليقها، ولا فرق بينها. والنصوص الصحيحة تشمل الجميع ([242]) وأيضاً لا مانع يمنع في الجميع؛ لأن الأصل أن الشروط المقصودة للمتعاقدين والمتفاسخين معتبرة، ما لم تُدخل أهلها في محذور شرعي، ومن أهم الشروط التعليقات، فإنها تقصد قصداً صحيحاً.

ومن الفروق الضعيفة في الأب: أن له التملك من مال ولده ما شاء بشروطه دون إبراء غريم ابنه، ودون إبراء نفسه من حق ولده، وليس له أن يخالع ابنته بشيء من مالها.

فالصواب: استواء هذه الأمور، بل إن كثيراً منها أحق من التملك من ماله، كخلعها من زوجها المسيء لعشرتها من مالها؛ لمحض مصلحتها.

ومن الفروق الضعيفة: إيجاب بعض المعروف من الخدمة للزوج دون بعض ([243])، فإرجاع الجميع إلى المعروف من غير فرق هو اللازم، وأن على كل واحد من الزوجين من الحقوق للآخر ما جرى به العرف والعادة من مثله لمثلها، والعرف أصل كبير ترجع إليه كثير من الأحكام والعقود والفسوخ، ومن ذلك انعقاد العقود كلها بكل قول أو فعل دل على عقدها وانفساخها كذلك، فمن فرّق بين لفظ ولفظ، أو عقد وعقد مع استواء الجميع في الدلالة ففرقه ضعيف غير معتبر.

ومن الفروق الصحيحة: التفريق بين شروط الموقفين والموصين ونحوهم: أن ما وافق منها الشرع اعتبر وما خالفه ألغي، فالمسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً، وهذا القول مطرد في كل الشروط كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ([244]).

وأما الأصحاب فإن كلامهم في بعض الشروط الذي يخالف هذا الأصل فيه نظر وهو ضعيف جداً ([245]).

ومنها: تسوية الجد والأخوة في باب المواريث ضعيف جداً مع تناقضه ([246]).

والصواب المقطوع به: تقديم عصوبة الأصول وهم الأب والجد وإن علا على عصوبة فروعهم كالأخوة والأعمام وبنيهم، وهو الأصل المحكم في كل الأبواب، كما فصّل ذلك في غير هذا الموضع.

ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين شروط الأشياء والشروط فيها، فشروطها هي: مقوماتها التي لا تتم ولا تصح إلا بها.

وأما الشروط فيها فهي أمور خارجة عن نفس العقود، وإنما يشرطها أحد المتعاقدين لغرض له خاص، وهي تثبت مع الشرط إذا كانت صحيحة وهي الشروط التي لا تدخل في محرم، ولا تخرح عن واجب، ويجب اعتبارها، فالمسلمون على شروطهم، وأحق الشروط أن يوفى به ما استحلت به الفروج، فكلها حق يجب الوفاء بها خصوصاً الشروط في النكاح.

ومن الفروق الضعيفة: تفريقهم بين دين السلم وغيره من الديون، وأن دين السلم لا يجوز المعاوضة عنه مطلقاً، ولا أخذ الوثيقة به ولا غير ذلك مما ضيقوه وغيره يجوز ذلك ([247]).

والصواب: أن دين السلم وغيره في الحكم واحد، فجميع المعاوضات التي لا محذور فيها والتوثقات تجوز فيه كما تجوز في غيره.

ومن الفروق الصحيحة: تفريقهم في العقد إذا انفسخ لظهور مبطل ومفسد، فيتبعه ما تعلق به من وثائق، وزيادة عوض، ونحو ذلك ([248])، وإذا فسخاه باختيارهما فإن الفسخ يختص به وتبقى التوابع على حالها حتى يحلوها.

ومن الفروق الضعيفة: تفريقهم بين الشهادة ومجرد الإخبـار، وأنه

 لا بد أن يقول الشاهد في حقوق الآدميين: أشهد بكذا أو كذا ولا يكفي إخباره ([249]).

والصواب: أن الإخبار الجازم هو الشهادة بعينها.

ومن الفروق الصحيحة: تفريقهم في أبواب كثيرة بين إقرار الإنسان على نفسه في مال أو حق من الحقوق فيقبل ويلزم به، وبين إقراره على غيره فلا يقبل ([250])؛ لأن الأول بينة قوية، والثاني دعوى مجردة.

ومن الفروق التي فيها نظر: تفريقهم بين قول الوكيل: اقبض حقي من فلان فلا يملك قبضه من وارثه، وبين قوله: اقبض حقي الذي عليه أو قبله فيملكه. والظاهر استواء الأمرين؛ لأن العرف لا يكاد يفرّق بين مثل هذه الألفاظ، وهكذا كل ما كان في معنى ذلك ([251]).

ومن الفروق الضعيفة بين قولهم: إن الوكالة عقد جائز عقدها وحلها، وإجازتهم الوكالة الدورية ([252]) فإنها تنافي هذا الأمر العام ([253]). والصواب: أن الدور في العقود والفسوخ لا يعتبر، بل يعتبر العقد بذاته إن كان لازماً فلازمٌ أو جائزاً فجائز، وتَدوير العقود والفسوخ إذهاب لروحها ومقاصدها.

ومن الفروق الضعيفة: قولهم: إذا قال المدعي: ليس لي بينة وأحضرها لم تقبل؛ لأنه مكذب لها، وإذا قال: لا أعلـم لي بينـة

 ثم أحضرها قبلت؛ لأنه لم يكذبها ([254]) فإقامتها لا تنافي قوله.

والصواب: أنه إذا أتى بالبينة العادلة الشرعية قبلت سواء نفاها أو لم ينفها؛ لأنه إنما نفى في الحقيقة العلم بها، فقد يكون عالماً بها ونسيها، وقد تكون شهدت في حالة لا يعلمها، فكلامه إنما هو إخبار عن الحالة التي يستحضرها، والله أعلم.

ومن الفروق الضعيفة: قولهم إن اتفق الزوجان على أن العدة قد انقضت، ثم بعد ذلك تنازع الزوجان فقال الزوج: كنت راجعتك قبل انقضاء العدة، وقالت: إنما ذلك بعد انقضائها، وأنه إن سبق بالكلام قدم قوله، وإن سبقت هي قدم قولها ([255]) هذا ضعيف، ولا يرجح تقديم أحدهما بالكلام قوله، وإنما المرجح الحالة الواقعة، فالعدة قد انقضت باتفاقهما وهو يدّعي أنه قد راجع قبل ذلك فعليه البينة، وإلا فالقول قولها سواء سبقها بالكلام أو سبقته.

ومن الفروق الضعيفة جداً: تفريقهم بين حق الشفعة إذا مات الشفيع قبل المطالبة، وخيار الشرط كذلك وأن وارثه لا يملك الشفعة ولا الخيار، وبين بقية الحقوق والخيارات، وأنها تثبت للوارث مطلقاً ([256]).

والصواب: أن الوارث يقوم مقام مورثه في كل الأشياء.

ومن الفروق الضعيفة: قولهم: وله أخذ الجعل على اقتراضه له بجاهه، لا على كفالته ([257])، والأولى المنع في الصورتين، لما في ذلك من الأخطار، وتفويت مقاصد القرض والوثيقة.

ومن الفروق الضعيفة: تفريقهم بين عارية الأرض للزرع وعاريتها للدفن، أو السفن للحمل: أن له الأجرة منذ رجع في الزرع ([258]). والصواب: الذي لا شك فيه أنه ليس له أجرة في الزرع؛ لأنه الذي أذن له وغرّه.

ومن الفروق الضعيفة: تفريقهم بين عتق العبد المرهون أنه ينفذ، دون التصرف بوقف الرهن وبيعه وغير ذلك من التصرفات، فلا تنفذ ([259]). والصواب: عدم نفوذ العتق مطلقاً حتى يأذن المرتهن، لما في ذلك من إبطال حق المسلم، ولأن العتق قربة فلا يتقرب إلى الله بفعل محرم.

ومن الفروق الضعيفة: جعل الفقهاء رحمهم الله الأمور الوجودية الأغلبية فرقاً فاصلاً وحدًّا محرزاً لكثير من الأحكام الشرعية التي أطلقها الشارع، مثل: أقل سن تحيض له المرأة وأكثره، وأقل الحيض وأكثره، وأكثر مدة النفاس، وأقل السفر، وأكثر الحمل. وأن من لم يبلغ من الذكور عشر سنين، ولم تبلغ من النساء تسع سنين لم تتعلق الأحكام بوطئه ووطئها، وما أشبه هذه المسائل ([260])، وإنما القول المستقيم الذي يدل عليه الدليل، وتتناوله النصوص الشرعية بظاهرها: تعليق الأحكام بتحقق وقوعها، وأنه متى وجد الشيء الذي علق الشارع الحكم عليه وجب تحقق الحكم الشرعي، فمتى وجد الدم في أوقاته حكمنا أنه حيض، ومتى زاد أو نقص لم يتغير الحكم، ومتى وجد مطلق السفر حكمنا بتعلق الأحكام السفرية عليه كالقصر والفطر والجمع وغيرها، ومتى  وجد الحمل وتحقق أنه في البطن لم تزل المرأة حاملاً ومحكوماً  بحملها حتى تضع، ولو مضى أكثر من أربع سنين، ومتى  وطئت من لها دون تسع سنين، أو وطئ من له أقل من عشر سنين تعلقت أحكام الوطء بذلك الجماع سوى الأحكام المتعلقة بالبلوغ، فإنهما إلى الآن لم يبلغا حتى يوجد السبب الذي يحكم الشارع لصاحبه بالبلوغ، وكذلك متى تحققت عدالة الشخص، وصار مرضياً عند الناس صار شاهداً معتبراً، ولو لم توجد فيه الصفات التي اعتبرها الفقهاء ([261]) التي لا تكاد تجتمع في شخص، وباعتبارها تضيع الحقوق، ونكون إذا اعتبرنا اعتباره عند الناس عاملين بقوله تعالى: {{مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}} ([262]).

ومن الفروق الضعيفة: التفريق بين العبد والحر في أن الجمعة والجماعة لا تلزم العبد، وأنه لو حج وهو عبد بالغ، ثم أعتق يلزمه أن يعيد حجة الإسلام ([263]) مع أنه إذا حج وهو معسر لا يلزمه الحج أجزأه بالاتفاق، فظاهر النصوص وعمومها يقتضي مساواة العبد للحر في الأحكام البدنية التي وظّفها الشارع على المكلفين الذي هو منهم، وبهذا قال طائفة من العلماء ([264]): أما الجمهور فإنهم لا يوجبون عليه جمعة ولا جماعة ولا يكتفون بحجه بعد بلوغه عن حجة الإسلام.

أما الأحكام المالية فالفرق بين العبد والحر ظاهر؛ لأن العبد لا مال له تتعلق به زكاة أو كفارة أو قيمة متلف، أو غير ذلك من الواجبات التي تتعلق بمن له مال، والله أعلم.

ومن الفروق الصحيحة: التفريق بين الذكر والأنثى في  إيجاب الجمعـة، والجماعة، والجهاد البدني على الذكر دون الأنثى، وفي

  تنصيف الميراث، والدية، والعقيقة، والشهادة، واختصاص الرجال بالولايات.

فهذه الفروق تابعة للحكمة، وتعليق الأحكام بحسب أهلية المحكوم عليهم وكفائتهم وحاجتهم، كما أن من الحكمة مساواة الأنثى للذكر في أحكام التكليف، والتصرفات، والتملكات، وغيرها لتساويهما في الأسباب والمسببات.

ومن الفروق الصحيحة: تفريقهم بين إضافة الطلاق أو العتاق ونحوها إلى جزء ينفصل كالشعر، والظفر فلا يثبت، وإلى جزء متصل فيثبت للجملة كلها، ولا يتبعض ([265]) لكن قولهم من خولع بعضها وجزء منها لم يصح الخلع ضعيف، فإن التفريق في هذا بين الخلع والطلاق ضعيف ([266]). وأما التصرفات الأُخر كالبيع والإجارة، والشركات، والوقف، والهبة ونحوها فيصح تبعيضها، ووقوعها على بعض الشيء دون بقيته، والله أعلم.

ومن الفروق الصحيحة: الفروق التي ذكروها بين الهبة والوصية، والفروق التي بين العطية في مرض الموت والوصية، فإن الهبة: العطية في حال الصحة على وجه العدل ثابتة كلها في وقتها قليلة أو كثيرة، ولو استوعبت جميع المال، والوصية لا تثبت إلا بالثلث فأقل لغير وارث، وتشارك العطية الوصية في هذا المعنى.

وتفارقها: في أن العطية تلزم من حينها، ويقدم فيها الأول فالأول مع التزاحم، ولا يملك المعطي الرجوع فيها بعد القبض المعتبر، والوصية لا تلزم ولا تثبت إلا بالموت، وله الرجوع قبل الموت ويساوى فيها بين المتقدم والمتأخر؛ لأنها لا تثبت إلا بالموت وتثبت دفعة واحدة، وأيضاً العطية يثبت الملك من حينها لكنه مراعى، والوصية لا يثبت إلا بعد الموت. فهذه ثابتة مبنية على الأصول الشرعية كما هو معروف مفصل ([267]).

ومن الفروق الضعيفة جداً بل الخارقة للإجماع: تجويز الفقهاء وقف المريض مرض الموت المخوف على بعض ورثته بلا إذن الباقين ([268])، فإن هذا القول هو عين الوصية للوارث الذي نص الشارع على بطلانه ([269]) وأجمع العلماء عليه ([270]).

ومن الفروق الصحيحة الثابتة بالنص والإجماع ([271]): التفريق بين قتل العمد العدوان الذي يوجب ما اختاره الولي من القصاص أو الدية، وقتل الخطأ وشبه العمد الممتنع فيه القصاص الذي يوجب الدية فقط، إلا إن عفي له عنها، وهذا موافق غاية الموافقة للحكمة والمصلحة. قال تعالى: {{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}} ([272]) وكذلك في الأطراف، إلا أنه إذا لم يمكن المماثلة امتنع القصاص، وتعينت الدية، وذلك في مسائل عديدة.

ومن الفروق الصحيحة: التفريق بين الأعضاء المغسولة في الوضوء فيشرع فيها التكرار، والممسوحة كالرأس، والخفين،  والخمار، والعمامة، فلا يشرع فيها التكرار؛ لبناء الممسوحات على السهولة، ولذلك جعل المسح في التيمم في بعض عضويه بدلاً عن غسل الجميع.

ومن الفروق الضعيفة: تفريقهم في طهارة التيمم وطهارة الماء، حيث حكموا على طهارة التيمم بأحكام ضيقة كاشتراط دخول الوقت، وبطلانها بخروجه، وأنه من تيمم لنفل لم يستبح الفرض ونحوها.

والصواب: أن طهارة التيمم قائمة مقام طهارة الماء في كل شيء كما أقامها الشارع، وكما هو مقتضى القياس كما قاله الإمام أحمد رحمه الله ([273]).

ومن الفروق الصحيحة: التفريق في طهارة الحدث الأكبر، وطهارة الحدث الأصغر حيث أوجبوا في الطهارة الكبرى إيصال الماء لباطن الشعور وظاهرها مطلقاً، والحدث الأصغر إنما يجب إيصالها للباطن إذا كان الشعر خفيفاً، وأما الكثيف فيكفي فيه الظاهر ([274]).

ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين السجود على حائل من أعضاء السجود، فلا يجزئ، وعلى حائل مما يتصل بسترة الإنسان فيكره إلا لعذر، وبحائل منفصل فلا يكره، والله أعلم.

ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين أجزاء الحيوان الطاهر إذا مات بغير تذكية شرعية، وأنها ثلاثة أقسام:

قسم طاهر على كل حال، وهو الشعر والصوف، والوبر، والريش، لأنها منفصلات لا فضلات فيها، ولا يحلها الموت.

وقسم نجس على كل حال محرم، وهو اللحوم، والشحوم باختلاف أنواعها، وما يتبعها من الأعصاب، والعروق، وكذلك العظام؛ لأنه يحلها الموت وتكون هذه الأجزاء بعد الموت خبيثة.

وقسم نجس يطهره الدباغ وهو الجلد كما ثبتت به النصوص، ولأن الدباغ يزيل ما فيه من الخبث.

كما قسّم الشارع الحيوانات بالنسبة إلى الحل والحرمة إلى ثلاثة أنواع:

قسم حلال طيب حياً وميتاً وهو حيوانات البحر، وكذلك الجراد.

وقسم حرام لا ينفع فيه ذكاة ولا غيرها وهو كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطيور، والخبائث كما هو مفصّل في الأطعمة.

وقسم يحل بشرط التذكية الشرعية وهو الأنعام الثمانية وما يتبعها من حيوانات البر المتنوعة، والله أعلم.

ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين الدماء التي يأكل منها صاحبها، والتي تجب الصدقة بها كلها: أن دم الأضاحي والعقائق، ودماء الأنساك كالتمتع والقران والهدي المستحب كلها يؤكل منها، ويُهدى ويتصدق.

وأما الدماء التي سببها فعل محظور، أو ترك واجب فإنه تجب الصدقة بها، لأنها تجري مجرى الكفارات، وتلك مجراها مجرى العبادات المحضة.

ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين المغالبات التي لا تحل مطلقاً لا بعوض ولا بغيره كالنرد والشطرنج التي هي شر، وشرها أكثر من نفعها والتي تحل مطلقاً بعوض وغير عوض كالمسابقة على الخيل والإبل والسهام؛ لأنها تعين على الجهاد، وقوام الدين، والتي يفرق فيها بين العوض، فلا تحل وإلا حلت، وهي باقي المغالبات؛ لأن الحكمة في ذلك بينة واضحة.

ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين ما تثبت فيه الشفعة من الشركة في العقارات التي لم تقسم؛ لكثرة ضرر المشاركة فيها ودوامه وبين المشتركات الأُخر التي لا شفعة فيها؛ لقلة ذلك وقصر زمنه.

ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين ما لا تصح فيه الوكالة كحقوق الله المحضة، وحق الآدمي الذي يتعين فيه صاحبه، وبين ما تصح فيه الوكالة من حقوق الآدميين، وحقوق الله التي تدخلها النيابة التي القصد الأعظم منها حصولها بقطع النظر عن الفاعل والمباشر، وهذه حكمة بيّنة واضحة.

ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين اليمين الذي تحله الكفارة الذي مقصوده الحث أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب، وبين النذر الذي يتعين الوفاء به الذي هو إلزام المكلف نفسه طاعة لله مطلقة أو معلقة على حصول نعمة حصلت، أو دفع نقمة اندفعت، فإن الملزم نفسه طاعة لله تعالى لا تبرأ الذمة إلا بأداء هذا الواجب الذي التزمه، فالطاعة فيه مقصودة، بخلاف اليمين.

وبهذا الفرق فرّق شيخ الإسلام ([275]) بين التعاليق المحضة في الطلاق التي إذا وجدت وقع الطلاق، وبين الطلاق المعلق على أمر يقصد المنع منه أو الحثّ عليه أن الأخير عنده يجري مجرى اليمين لوجود روح اليمين فيه ومعناه، والله أعلم.

وبهذا الفرق بعينه فرّق الأصحاب ([276]) بين أنواع النذر الجارية مجرى اليمين كنذر اللجاج والغضب ونحوها، فيكفر كفارة يمين وبين النذر الأصيل الذي تقصد فيه الطاعة قصد الداخل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» ([277]) فإنه يتعين الوفاء به ولا يجزي عنه كفارة ولا غيرها، والله أعلم.

ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين إيقاع التحريم على الزوجة بلفظ التحريم، أو الظهار، أو غيرها، ففيه كفارة ظهار، وبين تحريم غيرها من سرية، وطعام، وشراب، وكسوة، وتكليم، ودخول بيت، وغير ذلك ففيه كفارة يمين، لأن معناه معنى اليمين، بل هو يمين بغير لفظ الحلف ([278]).

ومن الفروق الصحيحة الثابتة بالنص ([279]): الفرق بين لغو اليمين، وهي: اليمين التي لم يقصدها الحالف، بل جرت على لسانه من غير قصد أو الحلف على أمر يعتقده كما قال، ثم يتبين بخلافه فلا كفارة في ذلك ولا إثم، وبين اليمين المنعقدة على أمر مستقبل مقصود ففيه الكفارة إذا حنث بفعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله، كما فرّق النص أيضاً بين الأمر بالحنث تارة إذا كان الحنث خيراً بفعل واجب أو مستحب، أو ترك منهي عنه، وبين النهي عن الحنث إذا كان الأمر بالعكس، والتخيير فيما سواهما وحفظها أولى ([280])، وهي داخلة في قوله تعالى: {{وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَِيْمَانِكُمْ}} ([281]) الآية. وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأتِ الذي هو خير» ([282]).

ومن الفروق الضعيفة: تفريق الأصحاب بين الحنث جاهلاً أو ناسياً حيث قالوا: يحنث في طلاق وعتاق، دون اليمين بالله لتعلق الأول بحق الآدمي ([283]).

والصواب: التسوية وأنه لا يحنث في الجميع. والفرق الذي ذكروا فيه نظر فإن الحق لله، وأيضاً ليس في ذلك إتلاف لمال وإنما فيه إزالة لحق الحالف في الغالب هو الذي له الحق الأكبر فيه.

ومن الفروق اللطيفة التي تتصيد في تتبع كلام الأصحاب ([284]): أن الألفاظ الصريحة في الطلاق ونحوه لا تحتاج إلى نية، ولا يقبل صاحبها حكماً إذا ادّعى أنه أراد خلاف ما صرّح به، والألفاظ المحتملة احتمالاً بيّناً لغير المفهوم الظاهر منها يقبل صاحبها حكماً؛ لأن احتمال إرادته قوي، والألفاظ التي تحتمل خلاف المفهوم احتمالاً مرجوحاً لا يقبل صاحبها حكماً، ولكنه يدين.

وهل الأولى للمرأة أن تدين زوجها في مثل هذه الأمور، أو ترفعه للحاكم: الأولى: النظر إلى القرائن، فإن علمت صدقه أو غلب على ظنها ذلك فالواجب عليها، أو الأولى أنها تدينه وتتركه لدينه، وإن كان الأمر بالعكس فعليها أن ترفعه إلى الحاكم الذي يحكم عليه بما جزمت أن إرادته لخلافه غير صحيح؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.

ومن الفروق الصحيحة: تفريقهم بين المسائل التي يخير فيها الإنسان بين أمرين فأكثر بين تخيير تتبع فيه المصلحة الظاهرة، وذلك مثل الولايات على اليتامى والأوقاف، والأمانات، فإن الوالي عليه سلوك طريق المصلحة، وبين المخير لمصلحته والسهولة عليه كالكفارات، والديات، فيتبع ما سهل عليه، وخف على نفسه؛ لأن القصد من ذلك التخفيف، والله  أعلم ([285]).

ومن الفروق الصحيحة بين مسح الجبيرة: بأنها تكون في الحدث


الأكبر والأصغر، ويمسح عليها كلها إلى خلعها، أو برئ ما تحتها، ولا يشترط لها على الصحيح تقدم الطهارة على الرواية الأخرى ([286])، وأنها عزيمة لا بد منها، وأما مسح الخفين والعمامة والخمار: فخاص بالحدث الأصغر ومدته محدودة، للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها، ويشترط لها تقدم الطهارة بالماء، ويكفي مسح أكثر ظاهرها، وهي رخصة له أن يمسح وله أن يخلع، ويطهر ما كان مستوراً.

ومن الفروق الصحيحة بين إزالة الأخباث، فتزول نواها المزيل أو لم ينوها؛ لأنها من أقسام التروك التي القصد منها تركها وإزالتها، وذلك حاصل بنية وبغير نية، وبين رفع الأحداث، فلا بد لها من نية كما فرقوا بين العبادات المالية كالزكاة والكفارات والنذور ونحوها، فتشترط لها النية، وبين النفقات وأداء الديون، فتبرأ الذمة إذا حصلت ولو لم ينو، لكن الأجر والثواب فيها مرتب على النية لبراءة ذمته والقيام بواجبه، والتقرب إلى الله بذلك ([287]).

وكما فرقوا أيضاً بين العبادات والعادات من جهتين:

إحداهما: أن العبادات لا بد أن يكون الشارع شرعها إيجاباً أو استحباباً، ومن تعبد بغير ما شرعه الله ورسوله، فهو مبتدع.

والعادات: الأصل فيها الإباحة، فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله.

والثانية: أن العبرة في العبادات بالنية، وبما في ظن المكلف، والمعاملات العبرة فيها بما في نفس الأمر فلو تصرف تصرفاً ظنه صحيحاً، فبان غير صحيح لم ينفعه ظنه، ولو تصرف تصرفاً صحيحاً، وهو يظنه غير صحيح نفذ التصرف؛ لأن الشارع رتب التصرفات على وجود أسبابها وطرقها بقطع النظر عن نية المتصرف، وإن كانت نيته تؤثر فيها من وجه آخر بحسب ما قصده المتصرف وتوسل إليه ([288]).

ومن الفروق الصحيحة: أن النجاسة ثلاثة أقسام:

مغلظة: كنجاسة الكلب، والخنزير التي لا بد فيها من سبع غسلات إحداها بتراب ونحوه.

ومخففة: كنجاسة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام يكفي نضحها، وكذلك قيئه، وكذلك يعفى عن الدم اليسير ونحوه.

ومتوسطة: وهي باقي النجاسات يكفي فيها على الصحيح أن تزول بأي شيء، وبأي عدد.

أما المشهور من المذهب ([289]) فلا بد فيها من سبع غسلات، إلا إذا كانت على الأرض فيكفي فيها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة، وطعمها، وريحها.

وكذلك من الفروق الصحيحة: تفريقهم في الدماء وأنها ثلاثة أقسام:

دماء نجسة لا يعفى عن قليل منها ولا كثير وهي التي من الحيوانات النجسة.

ودماء طاهرة مطلقاً، وهي من الحيوانات المأكولة إذا ذبحت، فالباقي في اللحوم والعروق ونحوها طاهر على كل حال.

والثالث: ما عدا ذلك فهو نجس يعفى عن اليسير منه وهو الذي لا يفحش كثرة ([290])، والله أعلم.

ومن الفروق الصحيحة: أن الحج والعمرة يصحان من الطفل الذي لم يميز كما دل عليه النص ([291])؛ لأن نية وليه تقوم مقام نيته، ولأنه يحضر مواضع المناسك كلها، فهذا المستطاع في حقه، وأما ما سواهما من العبادات فيشترط لها التمييز؛ لأن مبناها على النية ولا تتأتى النية إلا من مميّز.

ومن الفروق الصحيحة: أن عورة الصلاة ثلاثة أقسام:

غليطة: وهي عورة المرأة المكلفة الحرة، فكلها عورة إلا وجهها.

وخفيفة: وهي عورة الذكر الذي دون عشر سنين فهي العورة وحدها.

ومتوسطة: وهي ما عدا ذلك من السرة إلى الركبة للرقيقة مطلقاً، وللحرة التي دون البلوغ، وإن بلغ عشراً فما فوقها، والله أعلم ([292]).

كما فرقوا في عورة النظر: أن الحرة البالغة الأجنبية لا يجوز النظر إلى شيء منها من بدنها حتى شعرها المتصل من غير حاجة، والطفلة التي دون السبع لا حكم لعورتها، ومن دون البلوغ من الأجنبيات، وذوات المحارم مطلقاً، وعند الحاجة أو الضرورة يجوز النظر لدعاء الحاجة إلى ذلك، والله أعلم ([293]).

ومن الفروق الصحيحة: أن اللباس ثلاثة أقسام:

قسم حلال على الذكور، والإناث، وهو الأصل في جميع أنواع الأكسية التي لم يرد منع من الشارع عنها.

وقسم حرام على الذكور، والإناث، مثل المغصوب والتشبه بالكفار، وتشبه كل واحد من الرجال والنساء بالآخر.

وقسم حرام على الذكور حلال للنساء، مثل الحرير، والذهب، والفضة، والله أعلم ([294]).

ومن الفروق الصحيحة: أن الحركة في الصلاة على أربعة أنواع:

حركة مبطلة: وهي الحركة الكثيرة المتوالية عرفاً لغير ضرورة.

وحركة مكروهة: وهي الحركة اليسيرة لغير حاجة.

وحركة مباحة: وهي اليسيرة لحاجة، والكثيرة للضرورة.

وحركة مأمور بها: كالتقدم والتأخر في صلاة الخوف، وكالحركة للتقدم اليسير للصف الفاضل، أو لتعديل الصف المائل، ونحو ذلك.

ومن ذلك أن التكبير في الصلاة ثلاثة أقسام:

قسم ركن: وهي تكبيرة الإحرام، وتكبيرات الجنازة كلها.

وقسم مستحب: وهي تكبيرة المسبوق الذي أدرك أمامه راكعاً ينبغي له أن يكبر للركوع، والباقي من التكبيرات واجبات يجبرها سجود السهو.

ومن الفروق الصحيحة: أن المار بين يدي المصلي على ثلاثة أقسام:

قسم يبطل الصلاة: وهو الكلب الأسود، وكذلك المرأة، والحمار على الصحيح.


وقسم ينقص الصلاة، ولا يبطلها، وهو مرور من عدا المذكورات.

وقسم لا بأس به، وهو المرور بين يدي المصلي عند زحمة الطائفين، والمار بين المصلين في المسجد الحرام.

ومن الفروق الصحيحة: قسموا موقف المأموم خلف إمامه إلى أربعة أقسام:

موقف واجب: وهو وقوف الرجل الواحد، فيجب أن يكون عن يمين الإمام.

وموقف مستحب: وهو وقوف المأمومين اثنين فأكثر خلف الإمام، ووقوف المرأة خلف الرجل.

وموقف مباح: وهو وقوف المرأة مع الرجل، ووقوف المأمومين اثنين فأكثر عن يمينه، أو عن جانبيه.

ووقوف ممنوع: وهو وقوف الرجل الواحد خلفه، أو خلف الصف مع القدرة على المصافة، وكذلك على المذهب وقوفه عن يسار إمامه إذا كان وحده، والله أعلم ([295]).

ومن الفروق الصحيحة: تفريق الشارع بين إيجاب الزكاة في الأنعام الثمانية بوجود شروطها؛ لكمالها وكمال منافعها، وكثرتها، وبين ما لم يوجب فيه زكاة من أنواع الحيوانات كالخيل والبغال، والحمير، والطيور، ونحوها لقلتها غالباً، ولعدم وجود جميع المنافع التي في الأنعام الثمانية، إلا إذا كانت عروض تجارة فحينئذ قد أعدت وهيئت للنماء.

وكذلك التفريق بين ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار

المدخرة، إذا بلغت نصابها الشرعي؛ لكمال النعمة فيها دون بقية الخضر والفواكه؛ لأنها دون ذلك في كل شيء.

وكذلك التفريق في الأمتعة والأثاثات ونحوها المعدة للتجارة، فتجب فيها الزكاة إذا بلغت قيمتها نصاباً، دون الأشياء المعدة للقنية المصروفة عن النماء.

وكذلك على الصحيح: التفريق بين الديون التي في ذمم الموسرين الباذلين فتجب فيها الزكاة؛ لأنها مال في الحقيقة، وهي في قوة الموجودة عند الإنسان دون الديون التي في ذمم المعسرين، أو التي لا يقدر على استخراجها، فإنها ليست بمنزلة الأموال الحقيقية، ولا تفيد صاحبها ولا تغنيه، فضلاً عن كونها غير نامية.

وكذلك التفريق بين من يعطى من الزكاة لحاجته، فلا بد أن يكون فقيراً أو محتاجاً، وبين من يأخذ لحاجة الناس إليه فيعطى، ولو كان غنياً.

ومن الفروق الصحيحة: التفريق بين تصرفات المكره بغير حق، وأنها غير صحيحة، ولا تفيد ملكاً ولا غيره والمكره بحق كالذي يكره على الواجب عليه، فإنه إكراه بحق والتصرف فيه صحيح.

ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين الداخل في ملكه الذي يحتاج إلى حق توفية، فلا يصح تصرفه فيه كالمكيل، والموزون، والمذروع، والمعدود، والموصوف قبل وجود الكيل، والوزن، والعد، والذرع، والوقوف على الوصف، وبين ما لا يحتاج إلى حق توفية كالمعينات المتميزات فيصح التصرف فيها قبل قبضها، وكذلك الضمان وعدمه فما احتاج إلى حق توفية وتلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع، وكالثمار إذا أصابتها جائحة، والمبيع الذي منعه البائع من القبض بغير حق فكلها من ضمان البائع، وما عدا ذلك من ضمان المشتري.

ومن الفروق الصحيحة: التفريق بين الأملاك التي ليست بحيوانات، ولا تعلق بها حق الغير فلا يجبر صاحبها على تعميرها، وبين ما تعلق به حق الغير فيجبر على مجاراة شريكه فيه كتعمير المشتركات، والحيطان التي بين الجيران، ونحوها، فمن امتنع مما يجب عليه من التعمير أجبر عليه.

ومن الفروق الضعيفة: تفريقهم في جميع أبواب الولايات والاستحقاقات أنها لجميع العصبة من القرابات، إلا الولاية المالية، فإنها للأب وحده، ثم من بعده تنتقل للحاكم ([296])، يقولون: لأن الأموال محل الأطماع فباقي الأولياء يخشى من ولايتهم.

والصواب: أن هذا الباب كغيره، وإذا شرطنا أن الولي لا بد أن يكون عدلاً مرضياً زال المحذور الذي يخشى منه، ويقال: ما للأقارب من الحنو والشفقة يقتضي أن ولاية المال كغيره من الولايات، بل أولى، والله أعلم.

ومن الفروق الصحيحة: أن قول جميع الأمناء مقبول في دعوى التلف الممكن، وأما مسألة دعوى الرد فمن قبض منهم المال لمصلحة تعود إليه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة، ومن قبض الشيء لمصلحة صاحبه فهو محسن، وما على المحسنين من سبيل، فقوله مقبول بيمينه.

ومن ذلك قولهم: من أدى عن غيره ديناً واجباً ناوياً الرجوع، فإنه يرجع، وإن نوى التبرع لم يرجع ([297]).

ومن الفروق الصحيحة: تفريقهم بين الإجارة، والجعالة: بأن  الإجارة عقد لازم على عمل معلوم مع معين، والجعالة عقدها جائز،


والعمل قد يكون معلوماً وقد يكون مجهولاً، وتكون مع معين ومع غير معين، وأيضاً الجعالة أوسع من الإجارة، فتجوز على أعمال القرب دون الإجارة، ولا يستحق العوض في الجعالة حتى يعمل جميع العمل، وأما الإجارة ففيها تفصيل إن كان المانع من جهة المؤجر فلا شيء له، وإن كان من جهة المستأجر فعليه كل الأجرة، وإن كان بغير ذلك وجب من الأجرة بقدر ما استوفى، والله أعلم ([298]).

ومن الفروق الضعيفة: تفريق الأصحاب رحمهم الله بين الشفعة فتجب المبادرة بطلبها ([299])، فإن تأخر بعد العلم ولو يسيراً بطلت، وأما بقية الحقوق فلا يسقطها إلا ما يدل على إسقاطها من قول أو فعل. والصواب: أن الشفعة كغيرها؛ لأن الشارع أثبتها للشفيع، وأجمع العلماء عليها، فأي دليل يدل على سقوطها إلا رضى الشفيع بإسقاطها قولاً أو فعلاً، والأحاديث التي استدلوا بها كلها ضعيفة، لا تقوم بها حجة؛كالحديث الذي فيه: «الشفعة لمن واثبها»([300]) «الشفعة كحل العقال»([301]).فظاهر النصوص الصحيحة([302]) عدم اعتبار ما قالوه من وجوب المبادرة جداً، نعم لا يضر الشريك المشتري بتأخير الاختيار؛ كما لا يضر الشفيع بدفعه كدفع الصائل.

ومن الفروق الصحيحة: جعلهم اللقطة ثلاثة أقسام ([303]):

ما لا يجوز التقاطه مطلقاً، كالذي يمتنع من صغار السباع كالإبل ونحوها.

وما يجوز التقاطه، ويملك في الحال وهو ما لا تتبعه همة أوساط الناس كالأشياء الطفيفة.

وما يجوز التقاطه بشرط تعريفه حولاً كاملاً، فإن لم يعرف ملكه الملتقط، وهو باقي المال.

ومن الفروق الصحيحة: قولهم: الولد يتبع أباه في النسب، وأمه في الحرية أو الرق، وفي الدين خيرهما، وفي النجاسة وتحريم الأكل أخبثهما ([304]).

ومن الفروق: قولهم الطفل قبل التمييز عند أمه، وبعد التمييز يخيّر الغلام بين أبويه وتكون الأنثى عند أبيها، وبعد البلوغ يكون الغلام مستقلاً، والأنثى عند أبيها حتى يتسلمها زوجها، وهذا التقديم إذا كان المقدم أهلاً للحضانة، والله أعلم ([305]).

ومن الفروق الصحيحة: تفريقهم بين الوكيل، فلا تشترط له العدالة؛ لأنه نائب لجائز التصرف وموكله يراقبه في أعماله، وبين  الولي لليتيم والمجنون، وناظر الوقف، فاشترطوا عدالته ([306])؛ لأنها ولاية يجب فيها العمل بالأصلح.

ومن جهة أخرى قالوا: الوكيل لا يأكل إلا إن جعل له الموكل، والولي على اليتيم لا يأكل إن كان غنياً، ويأكل الفقير الأقل من أجرة مثله وعمله، وناظر الوقف يأكل بالمعروف ولو غنياً ([307]).

وفرّقوا في النفقة على الوقف بين الحيوان فتجب نفقته على كل حال، إما من الجهة المعينة له أو في أجرته، أو يباع بعضه للنفقة على الباقي، وبين العقارات فلم يوجبوا عمارتها إلا مع شرط الوقف ([308])، وقال شيخ الإسلام في مثل هذا: تجب عمارة الوقف على حسب البطون ([309]).

وفرّقوا بين العقود الباطلة والفاسدة في بابين: باب الحج والعمرة فأوجبوا المضي في الفاسد، ويقضيه بعد ذلك ([310])، وفي باب النكاح فلا يصح إنكاح من نكاحها فاسد حتى يطلقها أو يفسخها للاختلاف فيه ([311])، وأما بقية الأبواب فجعلوا الباطل والفاسد واحداً، الكل لا يصح ولا يفيد الملك والتصرف.

وكذلك فرّقوا في الفسوخ المتفق على إثباتها، فلا تحتاج إلى حاكم والفسوخ المختلف فيها تحتاج إلى حاكم، ليزول النزاع والاشتباه، والله أعلم ([312]).

ومن الفروق الصحيحة: التفريق بين القذف بالزنا، بأنه يوجب الحد ثمانين جلدة؛ لكونه يقدح في العرض قدحاً قد لا يتمكن المقذوف من إزالته، وبين القذف بما هو أعظم منه من الكفر، واليهودية والنصراينة بأنه يوجب التعزير؛ لكون المقذوف معروفة حاله ويتمكن من تكذيب من رماه.

وكذلك التفريق بين رمي زوجته بالزنا إذا لم يقم أربعة شهداء، أنه يدفع عنه الحد، أو التعزير لعانه؛ لأن ذلك دعوى مشوبة بإقرار على نفسه، لكون الضرر الأكبر عائداً عليه، وبين رمي غيرها فلا ينفع فيه اللعان.

ومن الفروق الصحيحة: التفريق بين الذبائح والصيود بتوسيع طرق حلها، لعدم القدرة عليها، ولهذا حلت بإصابتها في أي موضع من بدنها، وبصيدها بالطيور والكلاب والفهود المعلمة بشروطها، واعتبر هذا المعنى في الحيوانات الأهلية إذا نفرت وصارت كالوحشية صار لها حكمها، وعكسها الوحشية إذا كانت مقدوراً عليها لم تحل إلا بالذبح في محل الذبح كالأهلية رعاية للقدرة وعدمها، والله أعلم.

ومن الفروق بين المفتي والقاضي: أن القاضي يبين الأحكام الشرعية، ويلزم بها.

والمفتي يبين فقط، والمفتي يفتي في المسائل المتنازع فيها وفي غيرها، ولنفسه ولغيره.

والقاضي لا يقضي إلا لفصل النزاع، ولا يقضي لنفسه ولا لمن لا تقبل شهادته له، والقاضي لا يقضي بعلمه إلا فيما أقر به في مجلس الحكم، وفي عدالة الشهود وفسقهم، والمفتي بخلاف ذلك، وحكم القاضي يرفع الخلاف وإفتاء المفتي لا يفيد رفع الخلاف.

ومن الفروق الصحيحة: الفرق بين قسمة التراضي، وقسمة


الإجبار، وأن ما لا ضرر فيه ولا رد عوض يجبر الشريك إذا امتنع من القسمة، وأما ما فيه ضرر أو رد عوض فلا يجبر الممتنع، ولكن الضرر يزال بالبيع أو التأخير، أو المهايأة.

ومن الفروق الصحيحة بين البيع والإجارة: أن البيع واقع على الأعيان بمنافعها، والإجارة على المنافع، ولا يصح بيع الحر، ولا بيع الوقف من غير ضرورة، والإجارة بخلاف ذلك، والبيع يدخله الربا ربا الفضل، والإجارة لا يدخلها الربا فيصح استئجار حلي الذهب أو الفضة بمثله أو أقل أو أكثر بإجارة مقبوضة، أو غير مقبوضة.

ومن الفروق عند الأصحاب رحمهم [الله] ([313]): بين إيقاع طلقتين فأكثر بين المدخول بها وغير المدخول بها ([314])، أن العدد إذا وقع دفعة واحدة، أو في دفعات مرتبط بعضها ببعض أنه يقع العدد المذكور عليهما، وإذا كان بخلاف ذلك وقع بالمدخول بها العدد المذكور، وبانت غير المدخول بها بالطلقة الأولى، وصادفتها الطلقات الأُخر، وقد بانت فلم يقعن عليها، والألفاظ المتعددة التي ذكروها كلها تدخل تحت هذا الضابط.

ومن الفروق المهمة: نفع التأويلات في الأيمان، وعدم نفعها فاتفقوا على نفعها للمظلوم والمحتاج إليها، وعلى عدم نفعها للظالم، واختلفوا في نفعها لغير الظالم الذي لا يحتاج إليها فالمشهور عند الأصحاب ([315]) نفعها.

وعند شيخ الإسلام لا تنفعه في هذه الحال لأنها تشبه التدليس ([316])، وتوهم الكذب وتسيء ظنون الناس بصاحبها، والله أعلم.

ومن الفروق الصحيحة: التفريق بين من له حق سببه ظاهر كالضيف، والزوجة للنفقة، فله أن يأخذ من مال صاحبه إذا امتنع من الواجب؛ لأنه لا ينسب إلى خيانة، وبين ما إذا كان السبب غير ظاهر، فلا يحل له الأخذ من ماله؛ لأنه ينسب إلى الخيانة.

ومن الفروق الصحيحة: إسقاط الصلاة والصيام، والحج عن غير المكلف من الصغير والمجنون؛ لعدم التكليف الذي هو شرط للتكاليف التي هذه العبادات أمها، وإيجاب الزكاة عليهم، وكذا الكفارات؛ لأنها من الحقوق المالية التي يستوي فيها من له قدرة مالية من مكلف وغيره.

ويشبه هذا إيجاب الضمان على المكلفين وغير المكلفين في إتلافات النفوس والأموال؛ لربط الحكم بسببه الموجب للضمان.

ومن الفروق الصحيحة: أن القدرة على التكسب غنى يمنع صاحبه أخذ الزكاة لحاجته، ويوجب عليه فيه قضاء الدين والنفقات الواجبة؛ لأن الواجب قد تقرر عليه ولا سبيل إلى أدائه إلا بالاكتساب المقدور عليه، وليس ذلك بغنى يوجب الحج؛ لأنه مما لا يتم الوجوب إلا به، والأول مما لا يتم الواجب إلا به ففرق بين الأمرين.

ومن الفروق الصحيحة: أن العبد المملوك إذا كان للتجارة تجب فيه زكاة الفطر وزكاة المال؛ لوجود السببين الملك والتجارة، والذي لغير التجارة تجب فيه زكاة الفطر وحدها؛ لانفراد سبب الملك وحده، وهكذا كل حكم له سببان فأكثر مستقلان إذا وجدا ترتب عليهما مقتضاهما، وإذا انفرد أحدهما ترتب عليه حكمه، كالذي يوجد فيه سببان فأكثر من الأسباب التي يستحق بها الأخذ من الزكوات، أو الوقوف، أو الوصايا، أو يجب عليه في كل منهما واجب، والله أعلم.

ومن الفروق عند الأصحاب في مسائل الاشتباه: فتارة أمروه باجتناب الجميع، كما إذا اشتبه ماء نجس بطهور، أو ماء مباح بمحرم للطهارة.

وتارة أمروه بالتحري وترجيح ما يظنه مباحاً كما إذا اشتبه الماءان المذكوران عند الاضطرار إلى الشرب، وكما إذا اشتبهت القبلة على المسافر وحده.

وتارة أمروه بسلوك طريق الاحتياط في الثياب المشتبه نجسها، أو محرمها بطاهرها، أو مباحها ([317]).

واختار الشيخ ([318]) فيها التحري وإذا اشتبه على المصلي وشك في عدد الركعات، أو الطوافات أو نحوها، بنى على الأقل وهو اليقين، ولو غلب على ظنه الأكثر خلافاً لشيخ الإسلام ([319])، فإنه يبني عنده على غالب ظنه.

وإذا اشتبه على الإنسان كم ترك من صلاة، أو صيام واجب فعليه الاحتياط، وأن يبرئ ذمته فيؤدي ما به يتقين براءتها، لأنه واجب مستقر عليه، فلا يخرج من العهدة إلا بيقين بخلاف الأمور التي يشتبه على العبد، هل وجبت عليه أم لا؟ فالأصل: عدم الوجوب، ولو سلك العبد طريق الاحتياط كان حسناً.

وإذا اشتبه هل طلق أو لا؟ أو هل طلق واحدة، أو أكثر؟ بنى على العصمة، وأنه لم يطلق إذا شك في نفس الطلاق، وعلى الأقل إذا شك في العدد، وعلى عدم وجود الشرط الذي علق عليه إذا شك في وجوده؛ لأن الأصل في ذلك كله ثبوت الزوجية حتى يوجد يقين يزيلها، أو يزيل بعضها، وكثير من المشتبهات تعود إلى القاعدة المشهورة، وهي: الأصل بقاء ما كان على ما كان، وأنه لا يرفع الشك واليقين.

وإذا اشتبهت أخته بأجنبيات وجب الكف عن الجميع، وكذلك إذا اشتبهت ميتة بمذكاة، ما لم يبلغ مبلغاً يضمحل معه المحرم، كاشتباه أخته ونحوها بأهل بلد، وميتة بذبائح المصر، فإن المحرم هنا يتلاشى.

وإذا اختلط المال الحلال بالحرام على وجه لا يتيمز فقيل: يجتنب الجميع وهو ضعيف ([320]).

وقيل: يخرج مقدار الحرام منه، ويحتاط إن شك في كثرته ويطيب له الباقي، وهو الصواب فإن هذا النوع خبثه لمكسبه، واشتباه الميتة بالمذكاة الحرام خبثه لذاته، وبين الأمرين فرقٌ ظاهر.

ومن الاشتباه: الاشتباه في مقدار ما للشركاء من المال المشترك، فمتى تعذر معرفة ما لكل منهم قسم بينهم بعددهم، وكذلك إذا اعترى المال المشترك زيادة أو نقص، ولم ندرِ أي الأموال التي تزاد أو نقص كان ذلك على نسبة الأملاك.

وإذا اشتبه علينا مصرف المستحقين لريع الوقف ونحوه قسم بالسوية بين المستحقين، إلا إذا كان عادة وعرف جار، فإنه يجري على ما هو عليه؛ لأن الأصل أنه موافق لشرط الواقف.

وإذا اشتبه الولد وادعاه اثنان فأكثر ولم يحصل ترجيح بفراش ونحوه، عرض معهم على القافة، فمن ألحقته القافة به لحقه وإن ألحقته بالجميع لحقهم.

وإذا علم أن العين لأحد اثنين ولا مرجح لواحد منهما أقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة كان له، وكذلك لو طلق إحدى زوجتيه أو  أعتق أحد عبديه واشتبه عليه أخرج المشتبه بالقرعة، والقرعة لها

مدخل كبير في كثير من المشتبهات، والمطلقات، والمعتقين، والإقرارات التي لم يتضح الترجيح لأحدها على الآخر، وكل هذا من العدل الذي لا يمكن غيره، فالأشياء التي علم استحقاق الكل فيها طريقها القسمة كما تقدم، والأشياء التي علم أنها لأحدهم دون الآخر، أو واقعة على أحد الشيئين دون الآخر طريقها القرعة، وصور الاشتباه كثيرة نبّهنا على أصولها، وصور منها، والله أعلم.

ومن الفروق الصحيحة: أن من صلى في ثوب حرير، أو ذهب، أو فضة من الرجال لم تصح صلاته، ومن صلى في عمامة حرير حرم عليه وصحت صلاته.

ومن توضأ بماء مغصوب لم يصح وضوءه، ومن توضأ في إناء محرم صح وضوؤه مع التحريم.

ومن فعل محرماً في صلاته، فإن كان من مبطلات الصلاة المعروفة فسدت صلاته، وإن كان من المحرمات الأُخر صحت، وكذلك الصيام إذا فعل مفطراً فسد صيامه، وإذا فعل محرماً غير المفطرات صح صيامه مع التحريم، وهذه المسائل مرجعها إلى أن التحريم إذا عاد إلى نفس العبادة أو شرطها أخل بها وفسدت، وإذا عاد إلى أمر خارج عنها صحت، والله أعلم.

ومن الفروق الصحيحة: التفريق بين سترة المصلي، وسترة المتخلي، وسترة الجار: أن سترة المصلي يكفي فيها ولو عصى أو خطاً يخطه بين يديه.

وسترة المتخلي لا بد أن تستر أسافله عورته وما يتبعها.

وأما سترة الجار، فلا بد أن تمنع المشارفة وهي على الأعلى من الجارين، فإن استويا اشتركا.

وفرقوا بين الخارج من بدن الإنسان: أن البول والغائط نجس لا يعفى عن قليله، والدم والقيح والصديد، والقيء نجس يعفى عن يسيره، وما سوى ذلك فهو طاهر ([321]).

ومن جهة أخرى الخارج من السبيلين ناقض للوضوء مطلقاً، والخارج الكثير النجس غيرهما ناقض أيضاً دون اليسير، وما سوى ذلك فغير ناقض ([322]).

وقسموا شعور بدن الإنسان إلى ثلاثة أقسام:

قسم تحرم إزالته وهو شعر اللحية، وشعر رأس الأنثى من غير ضرورة، وشعر الحاجب وأهداب العينين.

وقسم يشرع إزالته وهو شعر الشارب، والإبط، والعانة.

وقسم يباح، وهو باقي الشعور ([323]).

وفرّقوا بين مس المرأة بشهوة وبغير شهوة فنقضوا بالأول الوضوء، وحرموا ذلك على الصائم، وعلى المحرم بحج أو عمرة، بخلاف المس بغير شهوة، وكذلك يحرم مس غير الزوجة والسرية لشهوة ([324]).

وفرقوا بين الخارج من الذكر، منه نجس لا يعفى عن يسيره، ويوجب غسله، ونقض الوضوء به وهو البول.

ومنه نجس ينقض الوضوء ويوجب غسله، وغسل الذكر والأنثيين منه وهو المذي، ومنه طاهر يوجب الغسل وهو المني ([325]).

وفرقوا بين نجاسة البدن، فأوجبوا لها التيمم عند تعذر غسلها دون نجاسة الثوب والبقعة، فليس عنهما تيمم ([326]).

والصحيح: اختيار شيخ الإسلام ([327]) أن النجاسات كلها لا تيمم عنها، وإنما يتيمم عن الأحداث لاستواء النجاسات في عدم ورود النص بها، وقياس بعضها على الحدث دون بعض فيه نظر، وإنما الواجب إزالة النجاسة والبعد عنها بحسب الإمكان، فإذا فعل ذلك فعبادته صحيحة، والله أعلم.

وفرقوا بين تطهير الخمرة إذا انقلبت خلًّا، والعلقة إذا صارت حيواناً طاهراً، والماء المتغير بالنجاسة إذا زال تغيره، أنها تطهر بالاستحالة من الخبث إلى الطيب دون غيرها ([328])، وشيخ الإسلام يعمم ذلك في كل شيء استحال من الخبث إلى الطيب أنه يطهر ([329])، والله أعلم.

ومن الفروق الصحيحة: أن الجنين له ثلاثة أحكام:

1 ـ حكم يتعلق بنفخ الروح فيه، وهو السقط الذي لا يصلى عليه حتى يتم له أربعة أشهر، لأنه ابتدأ نفخ الروح، ومثل ذلك العقيقة؛ لأنه قبل ذلك جماد.

2 ـ وحكم يتعلق به إذا ولد حياً حياة صحيحة، وهو الميراث وملك المال في وصية ووقف ونحوها.

3 ـ وبقية الأحكام كالنفاس، والعدة، والاستبراء، وما تصير به أمة أم ولد ونحوها تتعلق بتخليقه ولو خلقة خفية، والله أعلم.

ومن الفروق الصحيحة: أن تصوير ذوات الأرواح لا يحل، وتصوير الأشجار والقصور، والمراكب ونحوها جائز.

وفرقوا بين المشهود عليه بين ما يقبل فيه رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين كالأموال، ونحوها.

وبين ما يقبل فيه رجلان فأكثر كالقصاص والحدود غير الزنا.

وبين ما يقبل فيه ثلاثة رجال، وهي من ادعى الفقر بعد الغنى ليأخذ من الزكاة، وبين ما لا يقبل فيه إلا أربعة، وهو الزنا وبين ما يقبل فيه الواحد من رجل أو امرأة وهو شهر رمضان، وإخبار الديانات والفتاوى، وبين ما تقبل فيه شهادة امرأة واحدة، وهو ما لا يطّلع عليه إلا النساء غالباً.

وبين ما يقبل فيه قول طبيب واحد أو بيطار واحد، وهو داء الآدمي والدواب، ونحوها. وذلك بحسب الآثار الواردة في هذا الباب، وبحسب الحكم المترتبة على ذلك التحديد، والله أعلم ([330]).

ومن الفروق الصحيحة في أوقات النهي عن النوافل كلها: إلا سنّة الفجر قبلها، وإعادة جماعة أقيمت، وركعتي الطواف، وسنّة الظهر إذا جمع، وإذا دخل المسجد، والإمام يخطب، وصلاة الجنازة ولو نافلة.

واختلف في ذوات الأسباب، فمنهم من منعها وهو المشهور في المذهب ([331])، ومنهم من أجازها ([332]).

ومن الفروق الصحيحة: أن الأرض والأماكن كلها يصلى فيها، إلا المقبرة، والحمام، وأعطان الإبل ([333])، والنجسة، والمغصوبة،  والحش، وزادوا في المشهور من مذهب الإمام أحمد ([334]): المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطريق، وأسطحتها، والفرض في جوف الكعبة. والقول الآخر أقرب إلى الصواب وهو الذي تدل عليه الأدلة الصحيحة أنها تصح فيها ([335]).

وفرّق الأصحاب بين الإقامة التي تقطع أحكام السفر للمسافر بين من ينوي الإقامة الجازمة في موضع أكثر من أربعة أيام فتنقطع في حقه رخص السفر، وبين من ينوي أقل، أو لا يدري المدة فيترخص ([336]). والصواب: القول الآخر: أنه ما دام مسافراً فإنه يترخص حتى ينقطع سفره؛ لأنه ليس لنا مرتبة ثالثة لا مقيم ولا مسافر، بل الناس إما مقيم فلا يترخص، أو مسافر فيترخص، وإثبات قسم ثالث لا دليل عليه.

ومن الفروق الصحيحة: أن المواشي من الأنعام الثمانية ثلاثة أقسام:

1 ـ قسم فيه زكاة ماشية إذا بلغ نصابه الشرعي، وهي: المُعدّة للدر والنسل والتسمين.

2 ـ وقسم فيه زكاة عروض، وهي: المُعدّة للتجارة والبيع والشراء فتعتبر قيمتها.

3 ـ وقسم لا زكاة فيه وهي: ما عدا ذلك كالمُعدّة للعمل والاستعمال.

ونظير هذا التقسيم العقارات مـن البيوت والدكاكـين والمسقفات

ونحوها، وكذلك الأثل ونحوه ما أعد منها للبيع والشراء، ففيه زكاة عروض يقوم إذا حال الحول فيزكى عن قيمته. وما أعد للكرى والاستغلال، فالزكاة في فعله يضمه المزكى إلى ما عنده من أموال التجارة، وما أعد للسكنى والاستعمال، فلا زكاة في عينه ولا فعله.

ومن الفروق الصحيحة: أن المال الزكوي خمسة أقسام:

1 ـ قسم يجب فيه ربع العشر، وهو النقدان، وعروض التجارة.

2 ـ وقسم يجب فيه نصف العشر، وهو الحبوب والثمار المدخرة التي تسقى بمؤنة.

3 ـ وقسم يجب فيه العشر، وهو الذي يسقى بلا مؤنة.

4 ـ وقسم يجب فيه الخمس وهو الركاز ألحق بالزكاة إلحاقاً.

5 ـ وقسم الواجب فيه مقدر شرعاً لا مشاعاً، وهو المواشي وقد فصلت أنصباؤها.

ومن الفروق الصحيحة: استعمال الذهب والفضة على ثلاثة أقسام:

1 ـ قسم يحرم على الذكور والإناث، وهي الأواني، والآلات ونحوها لاشتراك الجميع في المعنى الذي حرمت لأجله.

2 ـ وقسم حلال للإناث حرام على الذكور، وهو اللباس المعتاد لحاجة الأنثى الخاصة ولغير ذلك من الحكم.

3 ـ وقسم يحل حتى للذكور، وهو لباس الحرير وما استعمل للضرورة، أو لربط الأسنان ونحو ذلك.

وقسّم الأصحاب الأقارب إلى قسمين: أصول، وفروع لهم أحكام يختصون بها، ومن عداهم يشتركون مع غيرهم.

فمما يختص به الأصول والفروع: أنه لا تدفع الزكاة إليهم ولو كانوا فقراء، وغيرهم من الأقارب يجوز دفعها للمستحقين إلا من يرثه المزكي على المذهب ([337])، وعلى القول الصحيح الصواب: جواز إعطائهم.

ومنها: أن الأصول والفروع لا تقبل شهادة الإنسان لهم ولكنها تقبل عليهم، ولا يحكم لهم الحاكم بخلاف باقي الأقارب.

ومنها: ثبوت المحرمية بين الأصول والفروع على كل حال من دون تفصيل، وأما الباقون من الأقارب، فلا تثبت المحرمية إلا لفروع الأبوين وإن نزلوا، وفروع الأجداد والجدات الأدنين فقط.

ومنها: أن الوكيل والوصي، والناظر للوقف يمتنع من البيع والشراء ونحوها على أصوله وفروعه مطلقاً، لمكان التهمة دون بقية أقاربه إذا لم يكن مانع.

ومنها: وجوب النفقة للمعسرين من أصوله وفروعه مطلقاً.

وأما من سواهم فبشرط أن يكون وارثاً لهم.

وقسّم الأصحاب المكلف الذي أفطر في رمضان إلى ثلاثة أقسام:

1 ـ قسم له الفطر وعليه القضاء، وهو المريض مرضاً يرجى برؤه، وكذا المسافر.

2 ـ وقسم له الفطر وعليه الكفارة لكل يوم مسكين مدّ بر أو نصف صاع من غيره، وهو المريض مرضاً لا يرجى برؤه، والكبير الذي لا يطيق الصوم.

3 ـ وقسم لا قضاء عليه ولا كفارة، وهو هذا الأخير إذا كان مسافراً قالوا: لوجود السببين ([338]).

والصواب: في هذا الأخير أن عليه الكفارة لظاهر النصوص.

وثمّ قسم رابع: وهو الحامل، والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على ولديهما فعليهما القضاء، وعلى وليهما الكفارة؛ لفطرهما لأجل الولد، والله أعلم.

وقسّموا المكلفين الذين يوجه إليهم فرض الحج إلى أربعة أقسام:

1 ـ قادر مستطيع ببدنه وماله فيجب عليه السعي إليه فوراً.

2 ـ وعاجز ببدنه، وماله، فلا يجب عليه ما دام كذلك.

3 ـ وعاجز ببدنه قادر بماله، فعليه أن ينوب من يحج ويعتمر عنه قرب أو بعد.

4 ـ وعاجز بماله قادر ببدنه، فلا يجب عليه إلا إذا كان قريباً أقل من مسافة القصر.

وقسّموا البيع المعيب إلى خمسة أقسام:

1 ـ قسم يخيّر المشتري فيه بين الرد والأرش، وهو الأصل.

2 ـ وقسم يتعين فيه الأرش، وهو ما إذا تعذر الرد.

3 ـ وقسم يخيّر المشتري بين الرد أو الإمساك بلا أرش وهو بيع الربوي بربوي من جنسه.

4 ـ وقسم يذهب على البائع إذا كان عالماً البائع بالعيب، وكتمه تدليساً على المشتري حتى تلف قبل الرد، فإنه يذهب على البائع، ويرجع المشتري بجميع الثمن.

5 ـ وقسم لا رد فيه ولا أرش، وهو ما إذا علم المشتري بالعيب قبل الشراء، فإنه قد دخل على بصيرة.


وقسّموا بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إلى قسمين:

1 ـ قسم لا يجوز، وهو الأصل.

2 ـ وقسم يجوز وهو بيعها مع أصلها تبعاً، وبيعها بشرط القطع في الحال لزوال علة المنع، وبيعها لمالك أصلها.

والرواية الأخرى أصح المنع في هذه الأخيرة لدخولها في العموم وعدم المعارض ([339]).

ومثل ذلك بيع الزرع قبل اشتداد حبه فيه هذه الأقسام الثلاثة.

وقسّموا المتلفات إلى قسمين:

1 ـ مثلي وهو المكيل والموزون فقط ففيه ضمان المثل.

وقيل وهو الصحيح: أن المثلي أعم من ذلك ما له مثل أو مقارب من مكيل، أو موزون، أو مذروع، أو معدود، أو ما أشبه ذلك، واختاره شيخ الإسلام ([340]).

2 ـ ومتقوِّم وهو ما عدا ذلك ففيه القيمة.

وقسّموا الأشياء إلى قسمين:

قسم لا يتم إلا بالقبض كبيع الربويات بعضها ببعض، اتفق الجنس أو اختلف إذا اتفقا في علة الربا التي هي الكيل، أو الوزن، فلا بد من قبض العوضين بالمجلس، وكذلك السلم لا بد من قبض رأس مال السلم قبل التفرق من مجلس العقد.

وكذلك الرهن لا يلزم عند الأصحاب ([341]) إلا بالقبض، وفيه قول

 قوي بلزومه مطلقاً، وهو الصحيح ([342]) والهبة لا تتم إلا بالقبض، وتقدم أنه لا يصح التصرف فيما يحتاج إلى حق توفيته إلا بالقبض، ولا ينتقل الضمان من البائع إلى المشتري إلا بالقبض ([343])، وكذلك قالوا: لا يتم للأب التملك من مال ولده إلا بالقبض، مع القول أو النية وفيه خلاف قوي  تقدم ([344]).

ومن قبض اللقطة لم يبرأ من ضمانها إلا بتعريفها، أو بدفعها إلى الإمام، أو ردها إلى مكانها بإذن الإمام، وما عدا ذلك من الأشياء فإن القبض فيها ليس بشرط، والله أعلم.

وقسّموا ما يتعلق بالرقيق من ضمانات الأموال إلى أربعة أقسام:

1 ـ قسم يتعلق بذمة سيده قليله وكثيره، وهو ما أذن له فيه.

2 ـ وقسم يتعلق برقبة العبد وهو جناياته وإتلافاته فيخيّر سيده بين فدائه بالأقل من قيمته أو أرش الجناية والإتلاف، أو يسلمه للمجني عليه.

3 ـ وقسم يتعلق أيضاً برقبته على المشهور ([345]) وهو تصرفاته التي يلزم فيها مال، وعلى القول الصحيح. هذا القسم يتعلق بذمته.

كالقسم الرابع: ديون العبد التي بلا إذن السيد، فتتعلق بذمته قولاً واحداً ([346]) يتبع بها بعد عتقه، والله أعلم.

وقسّم الأصحاب أسباب الضمان إلى ثلاثة أقسام:

1 ـ يد متعدية كالغاصب، ونحوه فيضمن بتلف الشيء عنده، أو إتلافه فرط أو لم يفرط، ويضمن نقصه.

الثاني: إتلاف بغير حق عمداً أو خطأ ففيه الضمان على المكلف وغيره.

والثالث: تلف الأمانات عند المؤتمنين إذا فرطوا في حفظها، أو تعدوا فيها، ولا فرق في الإتلاف بين المباشر والمتسبب على وجه العدوان ([347])، والله أعلم.

وقسّم الأصحاب الغرس والبناء في أرض الغير إذا رجعت الأرض إلى صاحبها إلى محترم، وإلى غير محترم.

فغير المحترم غرس الغاصب وبناؤه، فيخيّر صاحب الأرض بين إلزامه بقلعه ونقضه مع ضمان النقص والأجرة مدة بقائه بيده وبين تملكه بقيمته فتقوم الأرض مغروسة ومبنية، وتقوم خالية منهما فما بينهما فهو القيمة، وبين إبقائه بأجرة المثل إلا أن يختار الغاصب القلع مع الضمانات المذكورة للنقص من كل وجه.

وأما القسم المحترم فهو غرس المستأجر إذا تمت مدة الإجارة وغرس المستعير ونحوهم ممن أيديهم غير ظالمة، بل مأذون لهم بعوض أو بغير عوض، فهنا ليس لصاحب الأرض قلعه ولا نقضه بلا إذن صاحبه، لكنهما يتفقان على تأجيره وإبقائه بأجرة المثل أو شراء صاحب الأرض له، والخيرة في هذين الأمرين لصاحب الأرض، أو يختار صاحبه قلعه ونقضه بلا تضمين نقص إلا أن شرط بقاؤه، أو كان بقاؤه لازماً كالوقف فليس لصاحبه قلعه، وأصل هذا كله الحديث الصحيح: «ليس لعرق ظالم حق» ([348]) فهذا حد فاصل أن العرق لظالم  ليس له حق في الأرض، فليس له حق إلا بقاء بلا إذن ربها، ومفهومه أن من ليس بظالم له حق الإبقاء، لكن بحالة فيها الرفق به وبصاحب الأرض، وحيث كان صاحب الأرض صاحب الأصل كانت الخيرة بيده في اختيار التملك أو الإبقاء بأجرة ([349]).

ومن الفروق الصحيحة: تقسيمهم الولاية، والوكالة على الأموال والحقوق إلى ثلاثة أقسام:

وكيل وولي خاص كالذي يباشر الموكل والموصي، توكيله وتوصيته فعمله وتصرفه مقصورة في دائرة ما أذن له فيه.

والثاني: وكيل وولي عام، وهو الإمام، والحاكم وكيل من لا وكيل له ولا ولي من القاصرين، والغائبين، والمتغيبين، وولي الأوقاف التي لا ناظر لها خاص، وولي من لا ولي لها في النكاح.

الثالث: وكيل وولي اضطرار، وهو في كل حالة يضطر فيه إلى تولية، فإن لم يفعل ترتب عليه ضياع المال، وفواته كمن مات في محل لا وصي له ولا حاكم كبرية وبحر ونحوها، فعلى من حضره جمع ما تركه وحفظه وبيع ما الأصلح بيعه حتى يصل إلى وارثه أو وصيه ([350])،  وكحفظ المال الذي إن تركه ضاع، وإن تولاه انحفظ على أهله،  فيتعين عليه حفظه وإيصاله إلى أهله بأجرة أو تبرعاً؛ فالوكيل  الخاص تصرفه تبع الإذن مقصور على ما أذن له فيه، والعام  تصرفه شامل لكل ما فيه مصلحة، والضروري مقصور على مقدار الضرورة.

ومن الفروق والتقاسيم الصحيحة: تقسيم الورثة إلى أصحاب فروض لهم نصيب مقدر لا يزيد إلا بالرد ولا ينقص إلا بالعول، وعاصب له نصيب غير مقدر، وذوي أرحام يتفرعون على أصحاب الفروض والعصبات ويدلون بهم ويرثون ميراثهم.

وتقسيم العصبات إلى:

1 ـ عاصب بالنفس، وهم جميع ذكور القرابة والولاء المدلون بأنفسهم أو بمحض الذكور، وأن من انفرد منهم أخذ المال كله، ومن كان مع صاحب فرض له ما فضل عنه، وإذا استغرقت الفروض التركة سقط، وأنه إذا وُجد اثنان من العصبة فأكثر قدم الأقرب جهة ثم الأقرب منزلة، ثم الأقوى ومع التساوي من كل وجه يشتركون.

2 ـ وإلى عاصب بالغير وهن البنات، وبنات الابن، والأخوات لغير أم مع إخوتهن يعصبونهن فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين فيما ورثوه.

3 ـ وعصبة مع الغير وهن الأخوات لغير أم مع البنات أو بنات الابن يأخذن ما بقي بعدهن.

وأن الأخوات مع إخوتهن ثلاثة أقسام:

قسم للذكر مثل حظ الأنثيين، وهم المذكورون.

وقسم الذكر والأنثى سواء وهم الأخوة لأم مع أخواتهم، وذوو الأرحام.

وقسم يختص به الذكر، وهم من عداهم من أولاد الأخوة لغير أم والأعمام وهم أولادهم وعصبة الولاء.

وتقسيم الحجب إلى ثلاثة أنواع:

محجوب بالوصف: بأن يتصف المحجوب بصفة تمنعه من الميراث كالقتل، والرق، واختلاف الدين.

ومحجوب بالشخص حجب نقصان، وهذان القسمان يتأتى دخولهما على جميع الورثة، ومحجوب بالشخص حجب حرمان، وهذا يدخل على جميع الورثة إلا الزوجين، والأبوين، والولدين للصلب، وهذه الجمل قد فصّلت ووضّحت في المواريث.

ومن التقاسيم الصحيحة: تقسيم العتق إلى أربعة أقسام:

أحدها: العتق بإيقاعه بلفظ من ألفاظ العتق، والتحرير الصريحة، أو الكناية المقترنة بالنية، أو القرينة.

الثاني: العتق بالفعل بأن يمثل برقيقه بجدع، أو تحريق، أو تخريق عضو من أعضائه، فيعتق عليه بهذا الفعل.

الثالث: العتق بالملك، فإذا ملك ذا رحم محرم بالقرابة عتق عليه.

الرابع: بالسراية، وهو أن يعتق جزءاً من رقيق له فيه شركة، فيسري إلى بقيته إن كان موسراً، ويغرم حصة شريكه، وإن كان معسراً فقيل: يعتق كله، ويستسعى العبد بالمعروف وهو الصحيح.

والمشهور في المذهب ([351]): أنه لا يعتق نصيب الشريك في هذه الحال، بل يبقى حقه رقيقاً، وهذا هو المبعض الذي تتبعض أحكامه بحسب ما فيه من الحرية والرق.

ومن التقاسيم الصحيحة: تقسيم المماليك إلى أقسام بحسب الأسباب: رقيق، وقن، وعبد مطلق.

وهو الذي لم يوجد فيه من أسباب العتق شيء، وهذا الأصل في المماليك.

ومدبر وهـو الذي علق سيده عتقه بموته، فإن مات السيد وهـو

 على ملكه عتق من ثلثه. وأمُّ ولد: وهي الجارية التي ولدت من سيدها ما فيه صورة ولو خفيت، وحكمها أنها في حال حياة سيدها يملك سيدها منافعها منافع الخدمة، ومنافع الاستمتاع دون التصرف فيها بنقل الملك ببيع أو هبة أو رهن، أو نحوها، وبعد موت سيدها تعتق من رأس ماله.

ومكاتب: وهو الذي اشترى نفسه من سيده بنجوم مؤجلة، فما دام كذلك ملك أكسابه ومنافعه، فإن أدى لسيده أو لمن قام مقامه من وارث أو مشتر عتق، وإن عجز عن الأداء عاد إلى الرق، ومُعلَّقٌ عتقه على صفة إن وجدت، وسيده حي عتق من رأس المال إن كان صحيحاً، وإن كان مريضاً مرض الموت المخوف عتق من ثلثه، والله أعلم.

ومن التقاسيم الصحيحة: تقسيم الصداق إلى مسمى وإلى مهر المثل، وإلى متعة.

فالمسمى ما سمي من عوض من مال وديون ومنافع، واغتفرت فيه الجهالة اليسيرة، قالوا: لأن العوض في النكاح مقصود لغيره.

وأمَّا مهر المثل ففي صور: لمن لم يسم لها صداق، ولمن نفي صداقها، ولمن سمي له مهر فاسد وهو أنواع كثيرة.

وأما المتعة الواجبة فلمن طلقت قبل الدخول، لها المتعة بحسب يسار الزوج وإعساره.

وأما نصف المهر المسمى فلمن طلقت قبل الدخول وبعد تسمية المهر.

وأما المتعة المستحبة، فلكل مطلقة، والله أعلم.

وكذلك تقسيم المهر إلى ثلاثة أقسام: تارة يسقط إذا كانت الفرقة من قِبَل الزوجة قبل الدخول.

أو فسخ لعيبها قبل الدخول، وتارة يستقر إذا حصل الدخول، أو الخلوة، أو الموت.

وتارة يتنصف إذا كانت الفرقة قبل الدخول من قبله، أو قبل أجنبي.

ومن الفروق والتقاسيم الصحيحة: تقسيم الإجابة إلى الدعوات ثلاثة أقسام:

أحدها: تجب الإجابة إليها وهي وليمة العرس خاصة بشروطها.

والثاني: تكره، وهي وليمة المأتم الذي يصنعه أهل الميت للناس؛ لأنه مكروه، والإجابة إليه كذلك.

والثالث: باقي الدعوات فالإجابة إليها مستحبة حيث لا عذر، والله أعلم.

ومن التقاسيم الصحيحة: أن الطلاق يكره من غير حاجة، وهو الأصل.

ويحرم في الحيض، أو في طهر وطئ فيه، أو بالثلاث.

ويجب على المولي إذا أبى الفيئة ولمن تركت العفة، أو أصرّت على ترك الصلاة. ويسن إذا طلبت منه لتضررها بالبقاء معه، ويباح إذا احتيج إليه من غير ضرر عليها.

وتبين المرأة من الزوج إذا كمل الطلاق والثلاث.

وإذا كان على عوض.

وفي النكاح الفاسد.

وإذا كان قبل الدخول.

وإذا انقضت عدة الرجعية قبل الرجعة.

والرجعية: هي التي طلقت دون الثلاث بعد الدخول في نكاح صحيح بغير عوض.

ومن التقاسيم الصحيحة والفروق: تقسيم العِدد إلى أنواع: الحامل عدتها وضع الحمل بفراق الحياة والوفاة.

والمتوفى عنها بغير حمل أربعة أشهر وعشراً.

والمفارقة في الحياة بعد الدخول ثلاثة قروء وهي:

الحيض، فإن لم تحض، أو أيست فثلاثة أشهر.

وأما المرتفع حيضها قبل اليأس، وامرأة المفقود فمتفرعة عن هذه العِدة بحسب ما هو مفصل في الفقه ([352]).

ومن التقاسيم الصحيحة: تقسيم الإحداد إلى واجب، ومباح، وحرام.

فالواجب: للمتوفى عنها زوجها مدة العدة.

والمباح على كل ميت من ثلاثة أيام، فأقل، والمحرم ما عدا ذلك كما دلت على ذلك نصوص السنّة ([353])، وكلام الأصحاب ([354]) هنا فيه خلل لا يمكن تطبيقه على القواعد الصحيحة.

ومن التقاسيم الصحيحة: تقسيم الزوجات إلى من تجب لها النفقة، وهي كل زوجة في حبال زوجها، أو قد طلقها طلاقاً رجعياً قبل انقضاء عدتها، أو كانت حاملاً مطلقاً.

ولمن لا تجب لها وهي الناشز، والمطلقة البائن بغير حمل، وكذلك عند الأصحاب ([355]) من لا يوطأ مثلها، كبنت دون تسع.

وظاهر الأدلة وجوبها، فإنه وإن كان لا يمكن وطؤها، فإن بقية الاستمتاعات حاصلة بها فبأي شيء تسقط نفقتها وهي زوجة.

وأما نفقة القريب فيشترط لها شرطان: غنى المنفق، وفقر المنفق عليه. ويكفي هذان الشرطان في الأصول والفروع، ويزاد في غيرهم أن يكون المنفق وارثاً للمنفق عليه بفرض أو تعصيب، وهذه النفقات تتبع العرف والكفاية، وكذلك نفقة المماليك من الآدميين والبهائم.

ومن الفروق المتنوعة بين النكاح وبين سائر العقود، ما يزيد على عشرين فرقاً قد ذكرتها في كتاب الإرشاد ([356])، ولنقتصر على هذه الأمثلة من الفروق والتقاسيم مع أن المتأمل يدرك أكثر من ذلك، والله أعلم.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

قال ذلك الفقير إلى ربه عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي. غفر الله له ولوالديه، ولجميع المسلمين.

فرغ منه 22 ربيع الأول سنة 1375هـ.



[1]- سورة آل عمران: الآية (102).

[2]- سورة النساء: الآية (1).

[3]- سورة الأحزاب: الآيتان (70، 71).

[4]- المدخل للفقه الإسلامي (ص227) للدكتور عبد الله الدَرعان.

[5]- المنثور للزركشي (1/65، 66).

[6]- الفروق للقرافي 1/3.

[7]- الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي له تراجم كثيرة مشهورة، فلذا لم أطل بترجمته هنا، وإنما اقتصرتُ على ما لا بد منه للتعرف بمؤلف هذا الكتاب فمن ذلك.

1 ـ روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين، محمد بن عثمان القاضي.

2 ـ علماء نجد خلال ستة قرون، للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام.

3 ـ مشاهير علماء نجد وغيرهم، للشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ.

4 ـ علماء آل سليم وتلامذتهم، صالح بن سليمان العمري.

5 ـ ترجمة في آخر كتاب المختارات الجلية لابن سعدي، طبعة المدني بقلم الشيخ سليمان بن عبد الكريم السناني.

6 ـ مقدمة كتاب الرياض الناضرة لابن سعدي بقلم أحد تلاميذ الشيخ.

7 ـ سيرة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي جمع وتقديم محمد حامد الفقي.

8 ـ الأعلام لخير الدين الزركلي.

9 ـ معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة.

10 ـ مجلة الجامعة الإسلامية: ص11، ع4، ص205، مقال للدكتور عبد الرحمن العدوي.

11 ـ مجلة العرب عدد ربيع الأول 1393هـ، ص690 بعنوان معجم المطبوعات العربية، تحدث فيه عن مؤلفات الشيخ ابن سعدي.

12 ـ مجلة الحج الحجازية س11 ع1 سنة 1376هـ ص125.

13 ـ مقدمة كتاب شرح القصيدة التائية بقلم عبد الغني عبد الخالق.

وللشيخ محمد بن سليمان البسام (المولود 1333هـ) وهو من أخص تلاميذ الشيخ ترجمة لشيخه ابن سعدي وذلك في مقدمة تحقيقه لكتاب «التعليق وكشف النقاب عن نظم قواعد الإعراب» للسعدي.

[8]- انظر: روضة الناظرين (1/220)، وعلماء نجد (2/422).

[9]- ينظر: ترجمة الشيخ في ذيل المختارات الجلية ص410.

[10]- ينظر: روضة الناظرين (1/221).

[11]- انظر: علماء نجد (1/1002)، وروضة الناظرين (1/41).

[12]- انظر: علماء نجد (2/426)، وروضة الناظرين (1/184).

[13]- المصادر السابقة.

[14]- المصادر السابقة.

[15]- سورة النحل: الآية (90).

[16]- سورة الأعراف: الآية (29).

[17]- سورة الأعراف: الآية (33).

[18]- سورة المائدة: الآية (6).

[19]- سورة المائدة: الآية (6).

[20]- سورة الإسراء: الآية (23).

[21]- سورة الإسراء: الآية (39).

[22]- سورة الأنعام: الآية (151 ـ 153).

[23]- سورة النساء: الآية (36).

[24]- سورة النساء: الآية (38).

[25]- سورة الفرقان: الآية (63).

[26]- سورة الفرقان: الآية (75).

[27]- سورة المؤمنون: الآية (1).

[28]- سورة المؤمنون: الآيتان (10، 11).

[29]- سورة الأحزاب: الآية (35).

[30]- سورة المائدة: الآية (50).

[31]- سورة الشورى: الآية (17).

[32]- حديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً» أخرجه البخاري في الصلح، باب ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس (9226)، ومسلم في البر والصلة، باب تحريم الكذب وبيان المباح (2605).

زاد مسلم: «قالت أم كلثوم ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها».

[33]- سورة البقرة: الآية (219).

[34]- سورة البقرة: الآية (102).

[35]- سورة المائدة: الآية (3)، والمخمصة: المجاعة. (تفسير ابن كثير 3/400).

[36]- المخمصة: المجاعة (تفسير ابن كثير 3/400).

[37]- سورة التوبة: الآيتان (120، 121).

[38]- أخرجه مسلم في الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن (2699)، عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه: «من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة».

[39]- من ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الرجل في جماعة تُضَّعَفُ على صلاته في بيته، وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوةً إلا رفعت له بها درجةً، وحطت عنه بها خطيئة...».

أخرجه البخاري واللفظ له في الأذان، باب فضل صلاة الجماعة (647)، ومسلم في المساجد، باب فضل صلاة الجماعة (649).

[40]- سورة يس: الآية (12).

[41]- وهو قول الحسن، وقتادة. (تفسير ابن كثير 3/565).

[42]- ما بين المعقوفتين زيادة على الأصل.

[43]- المغني 1/314.

[44]- سورة الجمعة: الآية (9).

[45]- ومن صور قلب الدين: أن يكون لشخص على آخر دين مؤجل، فيحل أجله ويكون لصاحب الدين صاحب يتفق معه على أن يقرض المدين ليوفي الدائن، فيقلب عليه الدين مرة أخرى.  =

=ومن صورها: أن يكون لشخص على آخر دين مؤجل، فيحل أجله، وليس عنده ما يوفيه، فيقول صاحب الدين: أدينك وتوفيني، فيدينه ويوفيه. (المداينة للشيخ محمد العثيمين ص17، 18).

[46]- والعينة: أن يبيع شخص سلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها بأقل منه نقداً.

وسمي هذا البيع عينةً؛ لأن مشتري السلعة إلى أجل، يأخذ بدلها عيناً أي نقداً حاضراً، أو لأن البائع اشترى عين ماله. (فتح العزيز مع المجموع 8/231، وشرح المنتهى 2/158، والمصباح 2/441).

[47]- سورة النساء: الآية (19).

[48]- ا لمنتهى 2/22.

[49]- سورة يوسف: الآية (76).

[50]- سورة النساء: الآية (58).

[51]- أخرجه البخاري في الإيمان باب فضل من استبرأ لدينه (52)، ومسلم في المساقاة باب أخذ الحلال وترك الشبهات (1599) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.

[52]- حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» أخرجه البخاري في الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة (6696).

[53]- حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أنه نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل». أخرجه البخاري في الأيمان والنذور، باب الوفاء بالنذر (6693)، ومسلم في النذر، باب النهي عن النذر (1639).

[54]- روى أبي بن كعب رضي الله عنه قال: «كان رجل من الأنصار لا أعلم أحداً أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة، فقيل له: لو اشتريت حماراً لتركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد جمع الله لك ذلك كله». أخرجه مسلم في المساجد باب كثرة الخطا إلى المساجد (663).

[55]- سورة البقرة: الآية (185).

[56]- سورة البقرة: الآية (286).

[57]- سورة الطلاق: الآية (7).

[58]- سورة الحج: الآية (78).

[59]- سورة التغابن: الآية (16).

[60]- أخرجه الإمام أحمد 5/296، 303، وأبو داود في الطهارة، باب سؤر الهرة (75)، والترمذي في الطهارة، باب ما جاء في سؤر الهرة (92)، والنسائي 1/55، وابن ماجه في الطهارة، باب الوضوء بسؤر الهرة (367).

وأخرجه مالك 1/45، وعبد الرزاق (353)، والحميدي (430)، وابن أبي شيبة 1/31، والدارمي 1/187، وابن حبان (121)، والطحاوي في المشكل 3/270، والحاكم 1/159.

وصححه الترمذي، والحاكم، وفي التلخيص 1/41: «وصححه البخاري، والترمذي، والعقيلي، والدارقطني» وصححه البيهقي كما في المجموع 1/215، وكذا النووي.

[61]- كما في القاعدة الرابعة.

[62]- جمع عرية، وهي بيع الرطب على النخل خرصاً بمثل ما يؤول إليه الرطب إذا جف وصار تمراً كيلاً. (شرح المنتهى 2/197).

[63]- العنت: فسر القاضي أبو يعلى، وابن عقيل: العنت بالزنى.

وفسره المجد وابن حمدان: بعنت العزوبة إما لحاجة المتعة، وإما للحاجة إلى خدمة المرأة. (الإنصاف مع الشرح الكبير 20/360).

([64])(5)   ينظر: الشرح الكبير مع الإنصاف 26/51.

[66]- سورة التغابن: الآية (16).

[67]- أخرجه البخاري في الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (7288)، ومسلم في الحج، باب فرض الحج (1337) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[68]- سورة المائدة: الآية (3).

[69]- سورة الأنعام: الآية (119).

[70]- سورة النور: الآية (61).

[71]- أخرجه مسلم في الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (49).

[72]- سورة الطلاق: الآية (7).

[73]- في حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك».

أخرجه مسلم في الزكاة، باب الابتداء بالنفقة بالنفس... (997)، وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول...».

أخرجه البخاري في الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى... (1426).

[74]- انظر: شرح المنتهى 2/20.

[75]- سورة الزمر: الآية (3).

[76]- سورة البينة: الآية (5).

[77]- أخرجه البخاري في الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلّى الله عليه وسلّم (50)، ومسلم في الإيمان، باب بيان الإيمان... (9).

[78]- سورة الحشر: الآية (7).

[79]- سورة النساء: الآية (125).

[80]- سورة المائدة: الآية (92).

[81]- سورة الفرقان: الآية (23).

[82]- سورة البقرة: الآية (265).

[83]- سورة النساء: الآية (38).

[84]- أخرجه البخاري في بدء الوحي (1)، ومسلم في الإمارة، باب قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنية» (1907).

[85]- أخرجه البخاري في العلم، باب من سأل وهو قائم (123)، ومسلم في الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا (1904).

[86]- سورة الكهف: الآية (103).

[87]- سورة القصص: الآية (50).

[88]- سبق تخريجه ص(37).

[89]- أخرجه بهذا اللفظ مسلم في الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة (1718).

وهو متفق عليه بلفظ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».

أخرجه البخاري في الصلح، باب إذا اصطلحوا على أمر جور (2697)، ومسلم في الموضع السابق.

[90]- أخرجه 5/267، وأبو داود في الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث (2870)، والترمذي في الوصايا، باب لا وصية لوارث (2121)، وابن ماجه في الوصايا، باب لا وصية لوارث= =(3/27)، وأخرجه عبد الرزاق (16308)، وسعيد بن منصور (427)، وابن أبي شيبة، 11/149، وابن الجارود (949)، والطبراني في الكبير (7531)، والبيهقي 6/212، وابن عدي (290).

من طرق عن إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني عن أبي أمامة رضي الله عنه.

وسكت عنه أبو داود، وحسنه الترمذي، وهذا من رواية إسماعيل بن عياش عن أهل الشام إذ شرحبيل بن مسلم من ثقات الشام، ورواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيحة قاله الإمام أحمد والبخاري.

[91]- حديث: «المسلمون عند شروطهم» علقه البخاري 4/451 فتح بصيغة الجزم. وقد أخرجه موصولاً الإمام أحمد 2/366، وأبو داود (3594)، وابن الجارود (637)، والحاكم 2/45، وابن عدي (2088) عن أبي هريرة من طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عنه. وأخرجه الترمذي (1370) عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً، والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً» وكذا أخرجه الطبراني في الكبير (30)، وابن عدي (2081)، والدارقطني 3/27، والبيهقي 6/79، وابن ماجه (2353) دون الجملة الأخيرة وله شواهد من حديث عائشة، وأنس، وعبد الله بن عمر، ورافع بن خديج رضي الله عنهم فهو ثابت بمجموع طرقه.

[92]- سبق تخريجه ص(30).

[93]- أخرجه مسلم في الأيمان باب ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها... (1650) (12) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[94]- سورة النساء: الآية (65).

[95]- سورة النساء: الآية (59).

[96]- سورة الشورى: الآية (21).

[97]- كقوله تعالى: {}{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا *} [الجن: 18].

[98]- سورة البقرة: الآية (29).

[99]- سورة الأعراف: الآية (32).

[100]- تقدم تخريجه ص(38).

[101]- سورة الأنعام: الآية (119).

[102]- أخرجه مسلم في الحج، باب صحة حج الصبي (1336)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

[103]- لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار...» الحديث، أخرجه مسلم في الزكاة/ باب إثم مانع الزكاة 2/680.

[104]- سورة النساء: الآية (6).

[105]- سورة الأنعام: الآية (152).

[106]- سورة النساء : الآية (19).

[107]- سورة الأعراف: الآية (199).

[108]- أخرجه البخاري في الأدب، باب كل معروف صدقة (6021) من حديث جابر رضي الله عنه.

ومسلم في الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (1005) من حديث حذيفة رضي الله عنه.

[109]- قال شيخ الإسلام كما في الاختيارات ص121: «وكل ما عده الناس بيعاً، أو هبة من متعاقب، أو متراخ من قول أو فعل انعقد به البيع والهبة».

[110]- كما في قوله تعالى: {}{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ولحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لهند: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» أخرجه البخاري في البيوع، باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون... (2211)، ومسلم في الأقضية، باب قضية هند (1714).

[111]- أخرج البخاري في التفسير، باب إن الذين يشتَرون بعهد الله... (4552)، ومسلم في الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه (1711)، عن ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه عند مسلم: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه».

وعند البيهقي 10/252: «البينة على المدعى عليه، واليمين على من أنكر».

وقال الحافظ في البلوغ (1437): «بإسناد صحيح».

[112]- سورة ص: الآية (20).

[113]- وهو قول قتادة. (تفسير ابن كثير 4/30).

[114]- أخرجه البخاري في الوضوء، باب لا يتوضأ من الشك (137)، ومسلم في الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل (361) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه.

[115]- أخرجه البخاري في الذبائح/ باب الصيد إذا غاب عنه يومين... (5484)، ومسلم في الصيد/ باب الصيد في الكلاب المعلمة (1929) عن عدي بن حاتم.

[116]- كقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث جابر رضي الله عنه: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا». أخرجه مسلم في الحج، باب صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم (1218).

[117]- الإفصاح 1/317.

[118]- سورة النساء: الآية (29).

[119]- سورة النساء: الآية (4).

[120]- ينظر: بدائع الصنائع 2/188، و195، و201، والبحر الرائق 3/13، ومواهب الجليل 3/154، وحاشية الدسوقي 2/56، والمجموع 7/342، ونهاية المحتاج 2/452، والفروع 3/462، والإنصاف 3/527، 528.

[121]- وهو قول عند الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام، وابن القيم، وبه قال ابن حزم.

=(إعلام الموقعين 2/50، والفروع 3/463، والإنصاف 3/528، والمحلى 7/214).

[122]- سورة المائدة: الآية (95).

[123]- بداية المجتهد 2/313، والأم 3/250، ومسائل أحمد لابنه عبد الله ص308، والفروع 4/474.

[124]- وهو مذهب الحنفية. (المبسوط 11/134، وبدائع الصنائع 6/117).

[125]- أخرجه الإمام أحمد 1/313، وابن ماجه في الأحكام، باب من بنى بحقه ما يضر جاره (2341)، والطبراني في الكبير (11806)، عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وله طريق ثانية عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما.

أخرجه الدارقطني 3/77، والخطيب في الموضح 2/52، والطبراني في المعجم الكبير (11576).

وطريق ثالثة عن معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن سماك عن عكرمة به.

أخرجه ابن أبي شيبة كما في نصب الراية 4/384.

والحديث له شواهد كثيرة، يتقوى بها، فقد روي من حديث عبادة بن الصامت، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وثعلبة بن أبي مالك القرظي، وأبي لبابة رضي الله عنهم.

وقد استوفي الكلام على شواهده وطرقه ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم حديث رقم (32).

وحديث أبي سعيد من طريق عثمان بن محمد، ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عنه، وزاد: «من ضار ضره الله، ومن شاق شق الله عليه».

أخرجه الدارقطني 3/77، دون الزيادة، والحاكم 2/57، والبيهقي 6/69، وقال: «تفرد به عثمان بن محمد».

وقد تابعه عبد الملك بن معاذ النصيبي عن الدراوردي به أخرجه ابن عبد البر في التمهيد كما في نصب الراية 4/385، وقال: «وعبد الملك هذا لا يعرف له حال، ولا يعرف من ذكره».

وقد أخرجه مالك في الموطأ 2/245 عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه مرفوعاً مرسلاً.

[126]- الشرح الكبير مع الإنصاف 13/195.

[127]- الشرح الكبير مع الإنصاف 13/182.

[128]- تقدم في الحديث السابق.

[129]- سورة الطلاق: الآية (6).

[130]- سورة البقرة: الآية (231).

[131]- سورة البقرة: الآية (233).

[132]- سورة البقرة: الآية (282).

[133]- سورة النساء: الآية (12).

[134]- سورة البقرة: الآية (195).

[135]- أخرجه مسلم في الصيد، باب الأمر بإحسان الذبح (1955)، عن شداد بن أوس رضي الله عنه.

[136]- سورة الحجرات: الآية (9).

[137]- سورة النحل: الآية (126).

[138]- سورة الشورى: الآية (40).

[139]- سورة البقرة: الآية (237).

[140]- سورة البقرة: الآية (280).

[141]- سورة البقرة: الآية (220).

[142]- سورة المائدة: الآية (45).

[143]- سورة المائدة: الآية (45).

[144]- سورة النساء: الآية (148).

[145]- سورة فصلت: الآية (34).

[146]- سورة الأحزاب: الآية (36).

[147]- وهو المذهب. (الشرح الكبير مع الإنصاف 15/257).

[148]- وهو مذهب المالكية. (بداية المجتهد 2/62).

[149]- سورة الأحقاف: الآية (20).

[150]- الإنصاف مع الشرح الكبير 5/257.

[151]- المصدر السابق.

[152]- أخرجه مسلم في المساقاة، باب من استسلف شيئاً فقضى خيراً منه (1600) عن أبي رافع رضي الله عنه.

[153]- أخرجه البخاري في المظالم، باب من كسر قصعة أو شيئاً لغيره (2481).

[154]- أخرجه مسلم في البيوع، باب بطلان بيع الحصاة (1513) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[155]- في المصباح 1/2: «أبق العبد إذا هرب من سيده».

[156]- في المصباح 1/309: «شر البعير شروداً من باب قعد ندَّ، ونفر».

[157]- وهو مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة. (حاشية ابن عابدين 6/403، وتحفة المحتاج 0/402، ومطالب أولي النهى 3/707).

[158]- وهو قول شيخ الإسلام وابن القيم. (مجموع الفتاوى 28/22، والفروسية ص20).

[159]- لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا سبق إلا في خف، أو حافر، أو نصل». أخرجه الإمام أحمد 2/474، وأبو داود في الجهاد، باب في السبق (2574)، والترمذي في الجهاد، باب في السبق (1700)، والنسائي 6/226، والطبراني في الصغير (50)، والشافعي 2/128، والبيهقي 10/16، والبغوي في شرح السنة (2653).

وابن حبان (4690) إحسان، وحسنه الترمذي، وصححه ابن القطان وابن دقيق كما في التلخيص 4/161.

والسبق: بفتح السين والباء، المال المشروط للسابق على سبقه، ولم يشترط النبي صلّى الله عليه وسلّم المحلل لأخذ السبق.

1- ينظر: البخاري في الجهاد، باب التحريض على الرمي (2899).

[161]- تقدم ص(28).

[162]- سورة النساء: الآية (128).

[163]- أخرجه البخاري في المكاتب، باب استعانة المكاتب (2563)، ومسلم في العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق (1504) عن عائشة رضي الله عنها.

[164]- أخرجه البخاري في النكاح، باب الشروط في النكاح (5151)، ومسلم في النكاح، باب الوفاء في الشروط (1418) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.

[165]- أخرجه أبو داود في الخراج، باب في إقطاع الأرضين (3071)، والبيهقي 6/142، والطبراني في الكبير 1/76، والمقدسي في المختارة 1/458 عن أسمر بن مضرس. (وإسناده ضعيف).

[166]- ينظر: المغني 10/252، 253، 524، 526، و13/427، و14/395.

[167]- سورة الصافات: الآية (141).

[168]- سورة آل عمران: الآية (44).

[169]- ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه...».

أخرجه البخاري في الأذان، باب الاستهمام في الأذان (615)، ومسلم في الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها (437).

[170]- مثال ترك المأمور: حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك».

أخرجه البخاري في المواقيت، باب من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها (597)، ومسلم في المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة (684).

ومثال فعل المحظور: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه».

أخرجه البخاري في الصوم، باب الصائم إذا أكل أو شرب (1933)، ومسلم في الصوم، باب أكل الناسي وشربه (1155).

[171]- [1]ـ[2] انظر ص(45).

[172]-انظرص(45)

[173]- سورة النساء: الآية (43).

[174]- ا ينظر: حاشية ابن عابدين 1/241، والمدونة 1/42، والأم 1/39، ومجموع الفتاوى 21/353، والإنصاف 1/263.

[175]- لمنتهى 2/343.

[176]- سورة الطلاق: الآية (6).

[177]- سورة الإسراء: الآية (9).

[178]- سورة الزمر: الآية (55).

[179]- سورة الزمر: الآية (18).

[180]- سورة المائدة: الآية (2).

[181]- الشرح الكبير مع الإنصاف 25/367.

[182]- سورة الأنعام: الآية (152).

[183]- لمغني 6/285.

[184]- سورة التغابن: الآية (16).

[185]- سبق تخريجه ص(34).

[186]- الشرح الكبير مع الإنصاف 27/533.

[187]- الاختيارات ص(328).

[188]- أخرجه البخاري في الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة (2718)، ومسلم في المساقاة، باب بيع البعير (715).

[189]- أخرجه الإمام أحمد 5/221، و6/319، وأبو داود في العتق، باب في العتق على الشرط (3932)، وابن ماجه في العتق، باب من أعتق عبداً واشترط خدمته (2526).

(وإسناده حسن).

[190]- أخرجه أبو داود في البيوع، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده (3535)، والترمذي في البيوع (1264)، والدارمي 2/264، والطحاوي في المشكل 2/338، والخرائطي ص30، والدارقطني 3/35، والحاكم، 2/46، وأبو نعيم في أخبار أصبهان 1/269، من طرق عن طلق بن غنام عن شريك وقيس عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وهو ثابت بمجموع طرقه، وله شاهد من حديث أنس، وأبي بن كعب، وأبي أمامة، ورجل سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد حسنه الترمذي، وصححه الحاكم.

[191]- الروض المربع مع حاشية العنقري 3/353.

[192]- معالم السنن للخطابي مع سنن أبي داود 3/803، ونيل الأوطار 5/298.

[193]- نيل الأوطار 5/298.

[194]- سبق تخريجه ص(30).

[195]- أخرجه البخاري في الأحكام، باب محاسبة الإمام عماله (7197)، ومسلم في الإمارة، باب تحريم هدايا العمال (1832) عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.

[196]- دليل الطالب مع شرحه نيل المآرب 2/11.

[197]- شرح المنتهى 2/225.

[198]- المغني 13/546.

[199]- نيل المآرب 1/20.

[200]- المصدر السابق.

[201]- أخرجه البخاري في الشهادات/ باب من أقام البينة بعد اليمين (2680) ومسلم في الأقضية/ باب الحكم (1713) عن أم سلمة رضي الله عنها.

[202]- الشرح الكبير مع الإنصاف 15/454، وشرح المنتهى 2/172

[203]-سبق تخريجه ص(26)

[204]- أخرجه البخاري في الشهادات، باب من أقام البيّنة بعد اليمين (2680)، ومسلم في الأقضية، باب الحكم بالظاهر... (1713) عن أم سلمة رضي الله عنها

[205]- ينظر: المنتهى 2/3.

[206]- سبق تخريجه ص(32).

[207]- سورة البقرة: الآية (222).

[208]- سورة النساء: الآية (43).

[209]- أخرجه البخاري في الوضوء، باب لا تقبل صلاة بغير طهور (135)، ومسلم في الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة (225) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[210]- سورة الأعراف: الآية (157).

[211]- تقدم تخريجه ص(64).

[212]- كحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من غشّنا فليس منّا». أخرجه مسلم في الإيمان، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من غشّنا فليس منّا» (101).

[213]- سورة الانفطار: الآية (19).

[214]- سورة القصص: الآية (88).

[215]- سورة يونس: الآية (107).

[216]- فمن ذلك: قوله تعالى: {{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}} [الطلاق: 2 ـ 3].

وقوله تعالى: {}{وَمَا تُقَدِّمُوا لأَِنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20].

وقوله تعالى: {{قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً *}} [الإسراء: 110].

وقوله تعالى: {{وَالْعَصْرِ *إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *}} [العصر: 1 ـ 2].

ومثال المفرد المضاف قوله تعالى: {}{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ *} [الضحى: 11].

[217]- [1]ـ[2]ـ[3] شرح المنتهى 1/204 و212، و143.

[220]- شرح العمدة 2/488، والفروع 1/376، والإنصاف مع الشرح الكبير 3/351.

[221]- أخرجه البخاري في الأذان/ باب إذا طول الإمام (700)، ومسلم في الصلاة/ باب القراءة في العشاء (465).

[222]- الإرشاد ص(68).

[223]- في قوله تعالى: {}{} [البقرة: 196].

[224]- المغني 5/388، والفروع 3/462، والإنصاف 3/527.

[225]- المصادر السابقة.

[226]- المصادر السابقة.

[227]- إعلام الموقعين 2/50، والفروع 3/462، وحاشية ابن قاسم على الروض 4/60.

[228]- انظر ص(43).

[229]- سورة المائدة: الآية 95.

[230]- أخرجه الإمام أحمد 5/450، وأبو داود في المناسك، باب في رمي الجمار (1975)، والترمذي في الحج، باب الرخصة للرعاء (955)، والنسائي في الحج، باب رمي الرعاة 5/273، وابن ماجه في المناسك، باب تأخير رمي الجمار (3036)، والحاكم 1/478، والبيهقي 5/192 عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبي البداح بن عاصم عن أبيه، وصححه الترمذي، والحاكم.

[231]- المغني 5/333.

[232]- الإنصاف 3/535، ونيل المآرب 1/109.

[233]- الإنصاف 3/535.

[234]- المصادر السابقة.

[235]- المصادر السابقة.

[236]- نيل المآرب 1/6.

[237]- كحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة» رواه البخاري في الجمعة/ باب السواك يوم الجمعة (887)، ومسلم في الطهارة /باب السواك (252).

[238]- الشرح الكبير مع الإنصاف 11/389.

[239]- ابن نصر الله: أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر البغدادي الحنبلي، ولد سنة (765هـ) وأخذ عن البلقيني، وابن الملقن، وابن رجب وغيرهم. من مصنفاته: «شرح مسلم»، «حواشي على المحرر» و«حواشي على الفروع»، مات سنة (844هـ). (الضوء اللامع 2/233، والشذرات 7/250، والمقصد الأرشد 1/202).

[240]- حاشية العنقري 2/323.

[241]- المنتهى 2/6.

[242]- انظر ص(56).

[243]- المنتهى 1/371.

[244]- الاختيارات ص(125).

[245]- ينظر: المغني 6/166، و171.

[246]- العدة شرح العمدة ص(307).

[247]- المغني 6/423.

[248]- ينظر: المغني 6/424.

[249]- نيل المآرب 2/194.

[250]- الروض المربع مع حاشية العنقري 3/439، 440.

[251]- الشرح الكبير مع الإنصاف 13/533.

[252]- الوكالة الدورية: هي أن يقول الوكيل: وكلتك، وكلما عزلتك فقد وكلتك، سميت دورية؛ لدورانها على العزل. (شرح المنتهى 2/308).

[253]- المصدر السابق.

[254]- الروض المربع مع حاشية العنقري 3/298.

[255]- المنتهى 2/314.

[256]- المنتهى مع شرحه للبهوتي 2/266.

[257]- الروض المربع 2/159.

[258]-ا لكافي 2/385.

[259]- المقنع ص(116).

[260]- شرح الزركشي 1/406 و411 و440.

[261]- المبدع 10/219.

[262]- سورة البقرة: الآية (282).

[263]- المغني 5/6، والشرح الكبير مع الإنصاف 5/160، ونيل المآرب 1/56، 67 و103.

[264]- الشرح الكبير مع الإنصاف 5/160.

[265]- المغني 10/513.

[266]- منتهى الإرادات 2/239.

[267]- الروض مع حاشية العنقري 2/504.

[268]- منار السبيل 2/18.

[269]- تقديم تخريجه ص38.

[270]- الإفصاح 2/70.

[271]- الإجماع لابن المنذر ص(144).

[272]- سورة البقرة: الآية (179).

[273]- مطالب أولي النهى 1/190.

[274]- شرح المنتهى 1/81.

[275]- مجموع الفتاوى 35/268 ـ 305.

[276]- معونة أولي النهى 8/799.

[277]- تقدم تخريجه ص(30).

[278]- المنتهى 2/535.

[279]- كما في قوله تعالى: {{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَيْمَانَ... } [المائدة: 89].

[280]- المنتهى 2/533.

[281]- سورة البقرة: الآية (224).

[282]- أخرجه البخاري في كفارات الأيمان، باب الكفارة قبل الحنث وبعده (7555)، ومسلم في الأيمان، باب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها... (1649).

[283]- معونة أولي النهى 8/708، والروض المربع مع حاشية العنقري 3/375.

[284]- التنقيح المشبع ص(315).

[285]- قواعد ابن رجب ص(229)، والتنقيح المشبع ص(206 و252 و294).

[286]- الكافي 1/41.

[287]- ينظر: شرح الزركشي 2/427، ونيل المآرب 2/103.

[288]- المصادر السابقة، وقواعد ابن رجب ص(217).

[289]- مطالب أولي النهى 1/222.

[290]- المصدر السابق 1/231.

[291]- لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه قوله صلّى الله عليه وسلّم لمن رفعت إليه صبياً وسألته ألهذا حج؟ قال: «نعم، ولك أجر». أخرجه مسلم في الحج، باب صحة حج الصبي (1336).

[292]- شرح المنتهى 2/143.

[293]- منتهى الإرادات 2/152.

[294]- مطالب أولي النهى 1/353، 354.

[295]- المقنع ص(37).

[296]- التنقيح المشبع ص(206).

[297]- قواعد ابن رجب ص(137).

[298]- منار السبيل 1/456.

[299]- شرح الزركشي 4/193.

[300]- قال في نصب الراية 4/176: «غريب»، وفي الدراية (893): «لم أجده، وإنما ذكره عبد الرزاق من قول شريح»، وفي التلخيص 3/56: «هذا الحديث ذكره القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ، والماوردي هكذا بلا إسناد... إلخ، وذكره ابن حزم في المحلى 10/19، وجزم بأنه مكذوب موضوع».

[301]- أخرجه ابن ماجه في الشفعة، باب طلب الشفعة (2500) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وفي الزوائد: «في إسناده محمد بن عبد الرحمن البيلماني، قال ابن عدي: كل ما يرويه البيلماني فالبلاء فيه منه، وإذا روى عنه محمد بن الحارث فهما ضعيفان...».

وذكره ابن أبي حاتم في العلل (1434): بسند ابن ماجه، ونقل عن أبي زرعة أنه حديث منكر يضرب عليه».

[302]- كحديث جابر رضي الله عنه قال: «قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة». أخرجه البخاري في البيوع، باب بيع الأرض والدور... (2214).

[303]- شرح الزركشي 4/328 و348.

[304]- منار السبيل 2/277.

[305]- نيل المآرب 2/120.

[306]- منتهى الإرادات 2/10.

[307]- منار السبيل 1/389، 396 و2/14.

[308]- منتهى الإرادات 2/13.

[309]- الاختيارات ص(175).

[310]- والفاسد من الحج: ما حصل فيه جماع قبل التحلل الأول. والباطل: ما ارتد فيه. (كشاف القناع 2/443).

[311]- والفاسد من النكاح: ما اختلف العلماء في صحته. والباطل: ما أجمع العلماء على بطلانه. (كشاف القناع 5/237).

[312]- الشرح الكبير مع الإنصاف 20/455، 514 و22/8.

[313]- ما بين المعقوفتين زيادة على الأصل.

[314]- العدة شرح العمدة ص(419، 420).

[315]- الشرح الكبير مع الإنصاف 23/8.

[316]- الاختيارات ص(328).

[317]- ينظر: المغني 1/82 و85، ودليل الطالب مع شرحه نيل المآرب 1/7، 41.

[318]- الإنصاف 1/77.

[319]- مجموع الفتاوى 23/5 ـ 16.

[320]- ينظر: الشرح الكبير مع الإنصاف 27/210.

[321]- منار السبيل 1/33، 34.

[322]- المغني 1/248.

[323]- دليل الطالب مع شرحه منار السبيل 1/23

[324]- مطالب أولي النهى 1/145.

[325]- نيل المآرب 1/29، 30.

[326]-الشرح الكبير مع الإنصاف 2/205.

2-الاختيارات ص(20).

[328]-  المغني 1/97.

[329]- مجموع الفتاوى 20/225 و21/70، 72، 481، 610.

[330]- نيل المآرب 2/191.

[331]- العدة شرح العمدة ص(94).

[332]- وهو اختيار شيخ الإسلام. (الاختيارات ص66).

[333]- المذهب: أن أعطان الإبل: الأماكن التي تقيم بها، وتأوي إليها.

=وقيل: المواضع التي تصدر إليها بعد أن ترد الماء.

وقيل: المواضع التي قرب النهر، فتناخ فيه الإبل حتى ترد الماء. (شرح العمدة 2/465، وشرح الزركشي 2/34، والفروع 1/371).

[334]- المبدع 1/395.

[335]- الكافي 1/139، وشرح العمدة 2/443، والإنصاف 1/489.

[336]- المغني 2/132، ومجموع الفتاوى 24/18، 137، 140.

[337]- كشاف القناع 2/289.

[338]- الإنصاف 3/284.

[339]- الشرح الكبير مع الإنصاف 12/179.

[340]- تقدم ص(61).

[341]- الشرح الكبير مع الإنصاف 17/20.

[342]- العدة شرح العمدة ص246.

[343]- الشرح الكبير مع الإنصاف 11/499.

[344]- المنتهى 2/28.

[345]- المغني 6/349 و562.

[346]- المغني 9/438.

[347]- قواعد ابن رجب، القاعدة الثالثة والأربعون ص(55).

[348]- أخرجه أبو داود في الخراج والإمارة، باب في إحياء الموات (3073)، والترمذي في الأحكام، باب إحياء الأرض الموات (1378)، وأبو يعلى (975)، والبيهقي 6/142 عن عبد الوهاب الثقفي، ثنا أيوب، عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد رضي الله عنه.

وله شواهد من حديث عائشة، ورجل من الصحابة، وسمرة بن جندب، وعبادة بن الصامت وغيرهم.

والحديث سكت عنه أبو داود، وحسنه الترمذي، وأقره المنذري في تهذيبه (2949).

[349]- قواعد ابن رجب، القاعدة التاسعة والسبعون ص(152).

[350]- الروض المربع مع حاشية العنقري 2/239 و227 و3/21.

[351]- المغني 14/360، 361.

[352]- المذهب: أن من ارتفع حيضها، ولم تدر ما رفعه، فعدتها سنة تسعة أشهر للحمل، وثلاثة أشهر للعدة.

وإن علمت ما رفعه من مرض، أو رضاع، أو غيرهما، فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به وإن طال الزمن، أو تبلغ سن اليأس فتعتد عدة ذات الإياس.

ونقل ابن هانئ: أنها تعتد سنة واختاره شيخ الإسلام.

وأما امرأة المفقود: فتتربص أربع سنين من فقده إن كان ظاهر فقده الهلاك، وتمام تسعين سنة من ولادته إن كان ظاهر فقده السلام، ثم تعتد للوفاة.

وعن الإمام أحمد: أن مدة التربص ترجع إلى اجتهاد الحاكم، فيضرب الحاكم له مدة، ثم تعتد عدة الوفاة. (الإنصاف مع الشرح الكبير 18/226)، والروض المربع مع حاشية العنقري 3/211).

[353]- كحديث أم عطية رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً...». أخرجه البخاري في الطلاق، باب تلبس الحادّة ثياب العصب (5342)، ومسلم في الطلاق، باب وجود الإحداد في عدة الوفاة (1228).

[354]- ينظر: الشرح الكبير مع الإنصاف 24/127، 128.

[355]- الشرح الكبير مع الإنصاف 24/341.

[356]- الإرشاد ص(172).