×
الغش والخداع: خطبةٌ ألقاها فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - في المسجد الحرام يوم الجمعة 13 - 7 - 1431 هـ، وتحدَّث فيها عن أعظم ما يقوض المعالم الحضارية: الغش والخداع لإخلاله لنظام الأمن التجاري، والأمن التعاملي، وتشويه إشراقه المجتمع المتراحم، وذكر الأدلة من الكتاب والسنة على التحذير من الغش والخداع بشتى صوره وأشكاله.

    الخطبة الأولى

    إن الحمد لله، نحمدك ربي ونشكرك، ونستعينك ونستغفرك، سبحانك لم يزل فضلُك على عبادك عميمًا سكَّابا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نبلغ في مرابعها أيّما طِلابا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله أسنى البرايا أخلاقًا وأعظمها انتسابا، صلى عليه الله ما زمَّتْ هممٌ للعلياء رِكَابا، وما ألِفَت قلوبٌ غشًّا وزورًا وعابا، وعلى آله وصحبه البالغين من التقى معارِجَ وأسبابا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان يرجوا جنات مُفتَّحة أبوابا، وسلِّم اللهم تسليمًا كثيرًا ما تأرَّجَ روضٌ أنسامًا عِذَابا.

    أما بعد، فيا عباد الله:

    خيرُ ما يُوصَى به: تقوى الله - عز وجل -، فبالتقوى تُؤخَذ النفوس بعنانها، وتتزكَّى الأرواح عن عيوبها وأدرانها: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5 ].

    فَمَنْ تَذَرَّعَ بالتقوَى استَنَارَ بها

    وَبَاتَ في بهجةِ الأعْمَالِ جَذْلانَا

    فَسِرْ تقُودُكَ التَّقْوَى مُحَجَّلةً

    شُجُونُها امتلأتْ رَوْحًا وريْحَانَا

    أمة الإسلام:

    قَصَدَت شريعتُنا الغرَّاء في غاياتها وبديع مآلاتها إلى إصلاح الأمم وائتلافِها وتزكية النفوس على تبايُنِها واختلافها، وأقامَت لذلك صُوىً ومعالما، متى استمسَكَت بها المجتمعات انتَزَعَ أبناؤها عناصر الخلود والنمَاء وخصائص الإبداع في البناء، فتجدَّدَت بهم الآمال وسَمَت بإخلاصهم الأعمال.

    وإن من أعظم ما يقوِّض تلك المعالم الحضارية: خصلةٌ مُوجِبةٌ للنبذ والحذر مُنذرةً بالتباري والخطر، مَن وَرَدها أُلقِي في البِيْد والمجاهيل ومن شمخ عنها عبَّ سلسال المناهي، إنها خلَّةٌ لكنها ذميمةٌ نكراء، تُقوِّضُ الحضارات، وتُفنِي مُقدَّرات المجتمعات، وصاحب هاتيك العُرَّة لا يزال مذموما، وبأقبح النعوت موسوما، تلكم - عافانا الله وإياكم -: هي جريرة الغش والخداع، ويا لله! كم في النفوس عليها وعلى أهلها من حسرةٍ والْتِياع!

    أيها المؤمنون:

    ولفَظَاعَة هذا الداء الدوِيّ والخُلُق الدنِيّ، ولإخلاله بنظام الأمن التجاري والأمن التعامُلي وتشويهه إشراقة المجتمع المُتراحم المُتوادِد المُتحابّ المُتعاضِد حرَّمت الشريعةُ ذلك البُهتان، وتوَّعَدت فاعلَه بالوَيْل والخُسران؛ وفي ذلك أُنزِلت سورة من القرآن، قال العزيز الديَّان: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1- 3 ].

    ولتلك الخلَّة الذميمة والعُرَّة القاتمة الأثيمة أقصَى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الغاشِّين عن المجتمع، وعدَّهم مارقين عنه منبوذين عن سِلكِه ووحدته وآصِرَته ولُحمَته، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من غشَّنا فليسَ مِنَّا»؛ أخرجه مسلم في «صحيحه»؛ أي: ليس على هدينا وسيرتنا وملَّتنا - في قول المُحقِّقين من أهل العلم -.

    وتلك صيغةٌ من صِيَغ العموم تشمل جميع أنواع الغش وصوره؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

    إخوة الإسلام: أما الغشُّ في المعاملات فهو خديعةُ المُشترِي والتغرير به، وله ضروبٌ وصورٌ شتَّى منها: خلطُ الجيِّد من البضاعة بالرديء الوضيع، وبيع الجميع على أنه من الرفيع، أو كتمان ما في السلع من عيب ونقصان، وذلك عينُ الغش وسبيل الخذلان، ومنها ما يُروَّج له من التخفيضات عبر الدعاية الكاذبة أو الإعلان، وما حقيقةُ ذلك الإنتاج إلا التدليس والبهتان.

    ومَا همُّهُم إلا المبيعَاتُ تَنْتهِي

    مبِيعَاتُ إِعلانٍ كحَدْبَاءَ تَعْرُجُ

    دَعُوا الغشَّ واسْعَوْا للحَلالِ فإنَّه

    هو الخيرُ ينْمِي والحرَامُ مُدَحْرَجُ

    ومن الناس من يسوق سلعَتَه بكاذب الأيمان، وما درى أن ذلك يسلبُ البركةَ ويخدِش الإيمان، في الحديث عن سيد ولد عدنان - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «الْحَلِفُ مَنفَقَةٌ للسلعة ممحَقَةٌ لِلْبَركَة»؛ متفق عليه.

    فامتطاءُ صهوة الغش يمحَقُ الأغراض الشريفة، ويُفسِدُ المقاصد المباركة الْمُنِيفَة، كما يُلوِّثُ كرامة الغاشّ بين الناس؛ إذ لا كرامة لمن تدنَّسَ بجريرة التغرير وأوبقها، وفي غوائل الغَبْن أركَسَها وأوثَقَها، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «فإنْ صَدَقَا وبيَّنَا - أي: العيوب - بُورِكَ لهما في بيعِهِمَا، وإنْ كَتَمَا وكَذبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بيعِهِمَا».

    ويا لها من بشرى سَنِيَّة، ومعيَّة رضِيَّة للتاجر الصدوق الأمين في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأمِينُ مع النَّبِيِّين والشُّهداءِ والصِّدِيقِين»؛ أخرجه الترمذي بإسنادٍ حسنٍ.

    قيل لعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: بما أيسرتَ؟ قال: «ما ردَدتُ ربحًا قط، وما كتمتُ عيبًا قط»، ولله درُّه! فتلك هي حقيقةُ الغِنى غِنَى الروح والطباع، لا غِنى الجشِع المِطمَاع.

    وذُو الغشِّ مرهُوبٌ وذُو النُّصْحِ آمِنٌ

    وذُو الطَّيْشِ مدْحُوضٌ وذُو الحقِّ يفلجُ

    وذو الصِّدقِ لا يرْتابُ والعدلُ قائِمٌ

    على طُرُقَاتِ الحقِّ والغبْنُ أَعْوَجُ

    إخوة الإيمان:

    ومن غرائب الزمان أن فِئامًا من الناس - هداهم الله - يظنُّون الغِشَّ كياسةً وذكاءً ومسلكًا مُباحًا لاكتساب الرزق ودهاءً، وهذا الضربُ من المعاملة تُوحِي به قلوبٌ أصلبُ من صمّ الصفاء قد تنصَّلت من الرأفة والصفاء؛ فالغاشّ - عياذًا بالله - قد عشي عن مكسبه أهو مالِكُه أم هالِكُه أم تارِكُه؟!

    فيا أخدان الغش والخديعة: أتتشبَّعون بسحتٍ قَضَمَتْه أسنانكم، وكسبٍ غشَّتْه أيمانُكم؟!

    ربَّاه ربَّاه! ما أحطّ الإنسان الذي دمَّرَ بالغش أمَّته وقِيَمه، وطَمَسَ بالممازقة مشاعره وشِيَمه! أما استقى من رحيق التوحيد؟ أما يخشى الآخرة وما فيها من وعيد؟ {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 4- 6 ].

    أما للغَشَشَة مُدَّكَر ومُعتَبَر في حادثة أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - مع المرأة التي غشَّت اللبنَ بالماء، فصدَّتْها ابنتُها قائلةً: إن أمير المؤمنين نهى عن الغش، فقالت الأم: وأين عمر حتى يرانا؟ فاصطَرَخَت البنتُ المباركة: إن لم يكن عمر يرانا فإن رب عمر يرانا.

    الله أكبر، الله أكبر، ولقد كان من آثار هذه التربية المُوفَّقة أن أنجَبَت تلك الفتاةُ خامسَ الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -.

    أيَا بَائِعًا بالغشِّ أَنتَ مُعَرَّضٌ

    لدَعوَةِ مَظْلُومٍ إلى سَامِعِ الشَّكْوَى

    فَكُلْ مِنْ حلالٍ وارْتدِعْ عن مُحرَّمٍ

    فَلسْتُ على نارِ الجحِيمِ غدًا تَقْوَى

    أمة الصدق والشفافية:

    وليس الغش قصرًا على البيع والشراء، بل حذَّرَ الإسلام من الغش في العقيدة وفي العبادة، وذلك بالجفاء عنهما، أو التنطُّع فيهما، والزيادة أو إحداث عبادات في أشهر ومناسبات لم يكن عليها سلف الأمة وأئمَّتها، كما يشمل شتى جوانب الحياة وطرائقها وجلائل المسئوليات ودقائقها.

    ومن أعظمها: الغِشّ ممن وَلِيَ أمرًا من أمور المسلمين وأماناتهم؛ ففي الوعيد الشديد يقول - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْترعِيْهِ الله رعيةً يَمُوتُ يومَ يموتُ وهَوَ غاشٌّ لرعيته إلا حرَّمَ الله عليه الجنة»؛ متفق عليه.

    يا لَهُ من وعيد يدُكُّ صدى السعيد، وهو عام يشمل الراعي مع رعيَّته، ورب البيت مع أسرته، والمسئول في وظيفته تحذيرًا من كل غش وتقصير منتاب، وحثًّا لهم على الطموح الوَثَّاب.

    وكذا غش الأمة في دينها ومصادر تلقِّيه في وقت كثُر فيه المُتعالِمُون والمُمتَطُون لصهوة القول على الله بغير علم، والمُتقحِّمُون لمقامات الفُتْيا وهم ليسوا منها في قليلٍ ولا كثيرٍ، غافلين عن آثار آرائهم في المجتمع ومآلاتها في الأمة في حَلِّ سِحرٍ ومظاعن، وغناءٍ، واختلاطٍ، وسواها مُتنَاسِين أثر عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «ما أنتَ بمُحدِّثٍ قومًا بحديثٍ لم تبلغْهُ عقولُهُم إلا كان لبعضِهِم فِتنَة».

    ولعلَّ من الحَزْم: الحَجْر على أمثال هؤلاء؛ فالحَجْر لاستصلاح الأديان أولى من الحَجْر لاستصلاح الأبدان.

    وكذا غشّ الأمة في فكرها الصافي بأفكار مُلوَّثة تُثيرُ الفتن والبَلْبَلَة وتتقفَّر الفتاوى الشاذَّة والأقوال الغريبة الفاذَّة خروجًا عن جماعة الأمة وجمهور أهل العلم، ونيلًا من علماء الأمة الربانيِّين وأئمَّتها الراسخين في عالم يمُوجُ بفَوضَى الفتاوى وعَبَث التعالُم.

    وهكذا غشّ الأمة في قضاياها الكبرى ومُقدَّساتها بالتجافي عنها والاستخفاف بشأنها وإسلامها للاحتلال والحسار والذل والدمار، وما تُفرِزُه وسائل الإعلام، وأعمدة الصحافة، وقنوات الفضاء، وشبكات المعلومات من مواد فكرية مغشوشة تُلبِّس الحق الباطل، وتدنس الفضائل بالرذائل؛ لا سيَّما غش المرأة المسلمة وخداعها بالتبرُّج والسفور والاختلاط المُحرَّم.

    ومنها: الغشّ في المفاهيم والتلاعُب بالمصطلحات على ما نحو ما يُحاكُ ضد الدعوة السلفية في هذه الأيام، وما هي إلا لزوم منهج سلف الأمة من الصحابة الكرام والأئمَّة الأعلام، وليست فرقة حزبيَّة، أو دعوة عصبيَّة، أو الوقوع في فخِّ ما يُسمَّى بـ (الوهابية)، وما هي إلا دعوةٌ تجديديَّةٌ إصلاحيَّة، وليست مذهبًا خامسًا كما يُزعَم؛ بل ليس فيها - بحمد الله - ما يُخالِفُ الكتاب والسنة.

    ومن صوره: ما يتعلَّق بغشِّ الأوطان في بثِّ الفَوضَى فيها وزَعزَعة الأمن والاستقرار، وتعريضها لأعمال العُنف والإرهاب، وتهريبِ وترويجِ المُخدِّرات واستمراء المُحرَّمات والمنكرات.

    أمة الإسلام:

    ما مردُّ كثيرٍ من عِلَلِنا إلا إلى الغشّ عقيدةً وفِكرًا ومعاملةً؛ كالغش في المبيعات وناره، والتدليس في الصناعات وأخطاره، والتزييف في المعاملات وسعاره، أو الزَّيْف في العلاقات وأضراره، وتلك الحال التي أمَّت وعمَّت، واستشْرَت وطمَّت، أغرَّت ضِعافَ النفوس بأداء المسئوليات ناقصةً مُشوَّهة مدخولةً مُموَّهة؛ مما أغرق كثيرًا من المجتمعات في تلك الآسنات، فكم يرمد أهل الغيرة أن يروا الغش في المصنوع والمطبوع والمزروع والمذروع، الغش في المخزون والموزن، في الكساء والغذاء، في التطبَّب والدواء، في البناء والعَمَار، وما يُفضِي إلى الدمَار، قد دخلوا في الوِدَاد والوَفَاء، والحُبِّ والإِخَاء، تزويرٌ في الشهادات الوظيفية والمهنية جرَّع البُرآء السقم والعناء، وكبَّد الأوطان الويلات والأرزاء.

    ألا وَيْح الأمم التي فتَكَت بالصدق والنزاهة والشفافية، واستمرأت جرائم الغش والتزوير والأنانية، لهاثًا خلف خوثي المتاع دون تحرجٍ أو استذراع.

    ألا أكثر الله في الأمة من الصادقين النَّصَحَة، ونحَّى الله أهل التزوير الغَشَشَة {يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 9 ].

    نفعني الله وإياكم بهدي الكتاب، وبسنة النبي المصطفى الأوَّاب، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل خطيئةٍ وإثم؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان توابًا رحيمًا.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله على نعمٍ لا نُحصِي لها عدًّا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نَهَانَا عن كل ما أساء وأردَى، وأشهد أن نبيَّنا وحبيبَنا محمدًا عبد الله ورسوله حذَّر من الغش وله تصدَّى، صلى الله وسلم وبارَك عليه وعلى آله الأُلَى كانوا كالزهر بل أندَى، وصحبه الأخيار نُصحًا ومجدا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يحشر المُتَّقون إلى الرحمن وفدا.

    أما بعد:

    فاتقوا الله - عباد الرحمن - واحذروا الغشَّ والكِتمان، وتواصَوا بالنُّصْح والبيان تفُوزُوا بأعالي الجنان.

    إخوة الإيمان:

    وفي هذه الأيام التي توجَّه ويتوجَّه فيها أبناؤنا الطلاب والطالبات إلى قاعات الاختبارات ليجِدَ المجتهد غِراسَ عامه والمثابر لباب أيامه، فإن الوصية مبذولة لهم: أن اتقوا الله، وأخلِصُوا النية فيما تصْبُون إليه من الأمنية؛ فقد سهرتم الليالي لبلوغ المعالي؛ فاحذَرُوا الغشَّ في الامتحانات فإنه خيانةٌ يأنَف عنها أهل الإباء والديانة، ولئن مسَّكم الرَّهَقُ في هذه المرحلة لنَيْل الدرجات، فاذكروا دومًا أن الآخرة هي الميدان الأَزَليّ لاستباق رفيع الدرجات ومرضاة رب البريات، وتلك أعظم الرجاءات.

    أيها المعلمون والمعلمات، بناة العقول والأجيال:

    الاختبارات مسئوليات، وفحصها أمانات؛ فاحذروا الإفراط فيها والتفريط، خُذُوها بالأمر الأيسر الأعدل الوسيط؛ فطلابُنا وطالباتنا ثمراتُ فؤادنا وفَلَذَاتُ أكبادنا، كونوا بهم رحماء عُطَّافا، لا إفراطًا ولا إجحافا، وإنهم بين أيديكم أمانة من ضيَّعها ولم ينصح لها لقي الوِزْر والمهانة.

    أيها الآباء والمُربُّون:

    وماذا بعد الاختبارات؟ ماذا عن شغل أوقات الفتيان والفتيات في العُطَل والإجازات؟

    إن من صُوَر الغِشّ في ذلك: الإهمال واللامُبَالاة والتقصير في التربية والمتابعة، وعدم شغل الإجازة بالبرامج النافعة التي تعود على الجميع بالآثار المباركة في أمور الدين والدنيا والآخرة.

    ألا فاتقوا الله - عباد الله - في أماناتكم ومسئولياتكم تسعَدُوا وتُفلِحُوا.

    ثم صلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على زكيّ النبعة والطباع مَنْ نهى عن الغش والغَرَر والخداع، كما أمركم بذلك المولى الحميد في الكتاب المجيد، فقال تعالى قولًا كريمًا: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56 ].

    وأزْكَى صَلاةِ الله ثم سَلامِه

    على المصطفى ماحِي الضَّلالةِ والكُفْرِ

    كذا الآلِ والأصْحَابِ ما هبَّتِ الصَّبَا

    ومَا لاحَ في الأفَاقِ مِنْ كَوكَبٍ دُرِّي

    اللهم صلِّ وسلِّمْ وزِدْ وبارِكْ على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، والحبيب المرتضى: نبيِّنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وزوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين، وصحابته الغُرِّ المَيَامِين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

    اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

    اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتَنا وولاة أمورنا، واجعل ولاياتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

    اللهم وفِّق إمامنا بتوفيقك وأيِّده بتأييدك، اللهم وفِّقه لهداك واجعل عمله في رضاك، اللهم وفِّق خادم الحرمين الشريفين إلى ما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وهيِّئ له البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفِّق نائب خادم الحرمين الشريفين إلى ما تحب وترضى، اللهم وفِّق النائب الثاني وإخوانهم وأعوانهم إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد.

    اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعلهم رحمةً على عبادك المؤمنين.

    اللهم وفق أبناءنا، اللهم وفق أبناءنا وفتياتنا للنجاح في الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّوْل والإنعام، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فلا تكِلْنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله.

    اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزُونك، اللهم فرِّق جمعهم، وشتِّت شملَهم، واجعلهم عبرةً للمُعتبِرين يا رب العالمين.

    اللهم أنقِذ المسجد الأقصى، اللهم أنقِذ المسجد الأقصى، اللهم أنقِذ المسجد الأقصى من براثِن المُحتلِّين المُعتدِين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام،

    اللهم انصر إخواننا المُجاهدين في سبيلك، والمضطهدين في دينهم في كل مكان يا قوي يا عزيز.

    ربنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار.

    ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.