الكمال والتمام في رد المصلي السلام
التصنيفات
- فقه >> العبادات >> الصلاة >> الصلاة فضائل وحكم وأحكام
الوصف المفصل
الكمال والتمام في رد المصلي السلام
تأليف : أبي محمد إسماعيل بن مرشود بن إبراهيم الرميح
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد :
فإن خير الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
فإن من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وسنته رده السلام في الصلاة على من سلم عليه إشارة لا كلاما ونطقا ، ولكن لجهل كثير من الناس بهذه السنة ، تجدهم إذا سلم عليهم وهم في الصلاة ، بدل أن يأتوا بهذه السنة ويفوزوا بالأجر ، يعنفون من يسلم عليهم بالكلام أو رميه في غيبته بأقبح الصفات .
وما علم هؤلاء وأمثالهم بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد سلم عليه وهو يصلي نفر كثير من أصحابه رضوان الله عليهم فأقرهم على ذلك بل ورد السلام عليهم بالإشارة عليه الصلاة والسلام .
فأين هؤلاء من هذا الهدي النبوي؟! لذا كتبت هذه الأسطر لأدل من جهل هذه السنة ليعمل بها ، وليدل عليها غيره فإن من دل على خير فله مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا . والله تعالى أسأل أن ينفع بما كتبت ، وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله أجمعين .
مشروعية السلام على المصلي
عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : دخل رسول الله _ صلى الله عليه وسلم – مسجد بني عمرو بن عوف مسجد قباء يصلي فيه ، فدخلت عليه رجال الأنصار يسلمون عليه ، ودخل معه صهيبا ، فسألت صهيبا كيف كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصنع إذا سلم عليه ؟ قال يشير بيده [1]
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن صهيب قال : مررت برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي إشارة ، وقال لا أعلم إلا أنه قال أشار بأصبعه [2]
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال قلت لبلال كيف كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة ؟ قال كان يشير بيده [3]
وعن عمار بن ياسر – رضي الله عنهما – أنه سلم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يصلي فرد عليه [4]
قال الشوكاني – رحمه الله - : والأحاديث المذكورة تدل على أنه لا بأس أن يسلم غير المصلي على المصلي ، لتقريره صلى الله عليه وسلم من سلم عليه على ذلك. أهـ[5]
مشروعية رد المصلي السلام
عن جابر – رضي الله عنه – أنه قال إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بعثتني لحاجة. ثم أدركته و هو يسير – قال قتيبة- [6] يصلي، فسلمت عليه، فأشار إلي.[7]
و عن نافع – رحمه الله – قال إن عبدالله بن عمر مر على رجل و هو يصلي، فسلم عليه، فرد الرجل كلاماً، فرجع إليه عبدالله بن عمر فقال له إذا سُلم على أحدكم و هو يصلي فلا يتكلم و ليشر بيده.[8]
قال ابن القيم – رحمه الله – في هدي النبي صلى الله عليه و سلم و كان – يعني النبي صلى الله عليه و سلم – يرد السلام بالإشارة على من يسلم عليه و هو في الصلاة. أهـ [9]
و قال النووي يستحب رد السلام بالإشارة – يعني في الصلاة – [10] و قال الصنعاني – رحمه الله – و القول بأنه من سلم على المصلي لا يستحق جواباً يعني بالإشارة و لا باللفظ يرده رد النبي – صلى الله عليه و سلم – على الأنصار، و على جابر بالإشارة و لو كانوا لا يستحقون لأخبرهم بذلك، و لم يرد عليهم. أهـ [11]
و قال المباركفوري – رحمه الله – في جواز رد السلام بالإشارة في الصلاة هو مذهب الجمهور، و هو ا لحق. أهـ [12]
و قال ابن قاسم – رحمه الله – قال أحمد و غير واحد إذا سلم على المصلي رد بالإشارة. أهـ [13]
و قيل بأن رد السلام بالإشارة منسوخ، و هو مردود قال ابن حجر – رحمه الله – رد بأنه لو كان كذلك لرد باللفظ لوجوب الرد، فلا عدل عن الكلام دل على أنه كان بعد نسخ الكلام. أهـ [14]
و أما حكم الرد بالإشارة من المصلي فقال الصنعاني – رحمه الله – و الظاهر أنه واجب، لأن الرد بالقول واجب، و قد تعذر في الصلاة فبقي الرد بأي ممكن، و قد أمكن بالإشارة، و جعله الشارع رداً، و سمّاه الصحابة رداً، و دخل تحت قوله تعالى (أَو رُدّوها). أهـ [15]
كيفية رد المصلي السلام
أما صفة رد المصلي السلام بالإشارة فهو مخير بين ثلاث صفات :
1- إما أن يرد بأصبعه السبابة – من يده اليمنى - .
2- أو يرد بكف يده اليمنى بأن يجعل بطنه أسفل ، وظهره إلى أعلى – يعني الكف - .
3- أو يرد برأسه بأن يومئ به .
والأفضل أن يأتي بهذا تارة ، وهذا تارة اقتداء وتأسيا بالنبي صلى الله عليه و سلم .
قال الشوكاني – رحمه الله - ورد كيفية الإشارة لرد السلام في الصلاة حديث ابن عمر عن صهيب قال ( لا أعلمه إلا أنه قال أشار بأصبعه ) [16] ، وحديث بلال قال ( كان يشير بيده ) [17] ولا اختلاف بينهما فيجوز أن يكون أشار مرة بأصبعه ومر بجميع يده ، ويحتمل أن يكون المراد باليد الأصبع حملا للمطلق على المقيد. [18]
وفي حديث ابن عمر عند أبي داود ( أنه سأل بلالا كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه و سلم – يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي ؟ فقال يقول هكذا ، وبسط كفه وبسط جعفر بن عون [19] كفه وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق ) [20] ففيه الإشارة بجميع الكف .
وفي حديث ابن مسعود عند البيهقي بلفظ ( فأومأ برأسه ) [21] وفي رواية له (فقال برأسه ) يعني الرد. [22]
ويجمع بين الروايات بأنه صلى الله عليه و سلم فعل هذا مرة وهذا مرة ، فيكون جميع ذلك جائزا .أهـ [23]
وقال الصنعاني – رحمه الله – يجيب المصلي بالإشارة إما برأسه أو بيده أو بأصبعه. أ هـ [24]
لا يرد المصلي السلام كلاما
عن ابن مسعود – رضي الله عنه- قال كنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه و سلم – وهو في الصلاة ، فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه ، فلم يرد علينا، فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا، فقال إن في الصلاة لشغلا. [25]
قال الشوكاني – رحمه الله – ينبغي أن يحمل الرد المنفي ههنا – يعني في حديث ابن مسعود ( فلم يرد علينا ) – على الرد بالكلام لا الرد بالإشارة ، لأن ابن مسعود نفسه قد روى عن رسول الله - صلى الله عليه و سلم – أنه رد عليه بالإشارة ، ولو لم ترد عنه هذه الرواية لكان الواجب هو ذلك ، جمعا بين الأحاديث. أهـ [26]
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال كنا نسلم في الصلاة ، ونأمر بحاجتنا ، فقدمت على رسول الله - صلى الله عليه و سلم – وهو يصلي ، فسلمت عليه ، فلم يرد عليّ السلام فأخذني ما قدم وما حدث ، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه و سلم – الصلاة قال : إن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإن الله جل وعز قد أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة ، فرد عليّ السلام. [27]
قال المباركفوري – حفظه الله – في الحديث دليل على أنه لا يجوز لمن سلم عليه في الصلاة أن يرد السلام فيها نطقاً و قولاً.
و على أنه يستحب له أن يرد باللفظ بعد الفراغ من الصلاة.
و لا دليل فيه على منع الرد في الصلاة بالإشارة، بل مرسل ابن سيرين عند ابن أبي شيبة يدل صريحاً على أنه صلى الله عليه و سلم رد السلام على ابن مسعود في هذه القصة بالإشارة. أهـ [28]
و عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه و سلم – قال (لا غرار في صلاة و لا تسليم) قال أحمد يعني – فيما أرى – أن لا تسلم و لا يسلم عليك، و يغرر الرجل بصلاته فينصرف و هو فيها شاك. [29]
قال ابن الأثير – رحمه الله الغرار النقصان، و غرار النوم قلته، و يريد بغرار الصلاة نقصان هيأتها و أركانها. و غرار التسليم أن يقول المجيب و عليك، و لا يقول السلام.
و قيل أراد بالغرار النوم أي ليس في الصلاة نوم.
(والتسليم) يروى بالنصب والجر ، فمن جره كان معطوفا على الصلاة كما تقدم ، ومن نصب كان معطوفا على الغرار ، ويكون المعنى لا نقص ولا تسليم في صلاة ، لأن الكلام في الصلاة بغير كلامها لا يجوز. أ هـ [30]
وقال الشوكاني – رحمه الله – إنه لا يدل على المطلوب من عدم جواز رد السلام بالإشارة ، لأنه ظاهر في التسليم على المصلي لا في الرد منه .
ولو سلم شموله للإشارة لكان غايته المنع من التسليم على المصلي باللفظ والإشارة ، وليس فيه تعرض للرد ، ولو سلم شموله للرد لكان الواجب حمل ذلك على الرد باللفظ جمعا بين الأحاديث. [31]
وقال الألباني – رحمه الله – ومن الواضح أن تفسير الإمام أحمد المتقدم ، إما هو على رواية النصب ، فإذا صحت هذه الرواية فلا ينبغي تفسير ( غرار التسليم ) بحيث يشمل تسليم غير المصلي على المصلي كما هو ظاهر كلام الإمام أحمد ، وإنما يقتصر فيه على تسليم المصلي على من سلم عليه ، فإنهم قد كانوا في أول الأمر يردون السلام في الصلاة ثم نهاهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعليه يكون هذا الحديث من الأدلة على ذلك .
وأما حمله على تسليم غير المصلي على المصلي فليس بصواب ، لثبوت تسليم الصحابة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في غير ما حديث واحد ، دون إنكار منه عليهم ، بل أيدهم على ذلك ، بأن رد السلام عليهم بالإشارة .
ثم ذكر حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – في رد النبي – صلى الله عليه وسلم – إشارة في الصلاة ثم قال وقد احتج به الإمام أحمد نفسه ، وذهب إلى العمل به ، فقال إسحاق ابن منصور المروزي في المسائل ص22 قلت تسلم على القوم وهم في الصلاة ؟ قال نعم فذكر قصة بلال حين سأله ابن عمر كيف كان يرد ؟ قال كان يشير قال المروزي قال إسحاق كما قال. أهـ [32]
تـنبيــــه
حديث ( من أشار في الصلاة إشارة تفقه أو تفهم فقد قطع الصلاة ) ضعيف [33] وقال الشوكاني – رحمه الله – وعلى فرض صحته ينبغي أن تحمل الإشارة المذكورة في الحديث على الإشارة لغير رد السلام ، والحاجة ، جمعا بين الأدلة. أ هـ [34]
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد .
وكتبه أبو محمد إسماعيل بن مرشود بن إبراهيم الرميح غفر الله له ولوالديه ولمن له حق عليه وللمؤمنين والمؤمنات وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله إلى يوم الدين .
[1] أخرجه أحمد في المسند 2/10 واللفظ له والنسائي 3/5 وابن ماجه في سننه 1/ 183 رقم ( 1003 ) وابن خزيمه في صحيحه 2/49 رقم ( 888 ) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/257 رقم ( 1136 ) وصحح إسناده محقق صحيح ابن خزيمة محمد مصطفى الأعظمي 2/9
[2] أخرجه أحمد في المسند 2/10 والنسائي في سننه 3/5 وأبو داود في سننه 1/243 رقم ( 925 ) والترمذي في سننه – ومعه شرحه عارضة الأحوذي – 2/162 وصححه ابن العربي في عارضة الأحوذي 2/ 162 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/174 رقم ( 818 )
[3] أخرجه الترمذي في سننه 2/162 وصححه ابن العربي في عارضة الأحوذي 2/162 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/116 رقم ( 302 ) .
[4] أخرجه النسائي في سننه 3/6 وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن النسائي 1/ 157 رقم ( 1137 )
[5] انظر النيل 2/ 377 .
[6] أحد رواة الحديث
[7] أخرجه مسلم في صحيحه 2/71
[8] أخرجه مالك في الموطأ ص122 و صحح إسناده الألباني في مشكاة المصابيح 1/319 رقم (1013)
[9] انظر زاد المعاد 1/266
[10] انظر شرح النووي على مسلم 5/27
[11] انظر سبل ا لسلام 1/273
[12] انظر تحفة الأحوذي 2/264
[13] انظر حاشية الروض المربع 2/95
[14] انظر الدراية 1/183-184
[15] سورة النساء آية (86) و انظر سبل السلام 1/273.
تنبيه: رد السلام حكمه فرض كفاية و على هذا دلت الأدلة
[16] سبق تخريجه من حديث ابن عمر
[17] سبق تخريجه من حديث ابن عمر
[18] و يرد هذا الجمع حديث ابن عمر الآتي
[19] أحد رواة الحديث
[20] أخرجه أبو داود في سننه 1/243-244 رقم (927) و قال الألباني في صحيح سنن أبي داود حسن صحيح 1/174 رقم (820).
[21] أخرجه البيهقي في سننه 2/260 و إسناده حسن
[22] أخرجه البيهقي في سننه 2/260 وهو مرسل
[23] انظر النيل 2/378
[24] انظر سبل السلام 1/273
[25] أخرجه مسلم في صحيحه 2/71
[26] انظر النيل 2/377
[27] أخرجه أبو داود في سننه 1/243 رقم (924) و قال الألباني في صحيح سنن أبي داود حسن صحيح 1/174 رقم (817)
[28] انظر مرعاة المفاتيح 3/359
[29] أخرجه أحمد في المسند 2/461 و أبو داود في سننه 1/244 رقم (928) و الحاكم في المستدرك و صححه و و افقه الذهبي 1/264 و صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/567-568 رقم (318)
[30] انظر النهاية في غريب الحديث 3/356-357
[31] انظر النيل 2/378
[32] انظر السلسلة الصحيحة 1/568-569
[33] قال الحافظ قال أحمد لا يثبت. انظر الدراية 1/183 و قال ابن القيم حديث باطل. انظر زاد المعاد 1/267 و قال الصنعاني هو حديث باطل. انظر سبل السلام 1/274 و ضعفه المباركفوري في تحفه الأحوذي 2/364 و المباركفوري في مرعاة المفاتيح 3/361
[34] انظر النيل 2/378