×
أحكام الإحداد في الإسلام: لا ريبَ أن أوجبَ الواجبات على العباد بعد توحيد الله تعالى تعلُّم الأحكام الشرعية والتفقُّه فيها، ومعرفة الحلال والحرام، والسنة والبدعة، وما إلى ذلك. وقد شابَ الكثيرَ من العبادات شوائبُ، وانتشرت بِدعُ ومُحدثات، وأذاع الناسُ الخُزعبلات والخُرافات. ومن أكثر الأحكام التي وقعَت فيها هذه الخُرافات والبدع والمُحدثات: الإحداد. فجاءت هذه الرسالة تُجلِّي الأحكام الشرعية للإحداد، وبيان السنن فيه والمُحدثات؛ بذكر الأحاديث الواردة في ذلك وبيان صحَّتها من ضعفِها، ثم أُلحِق بها عددٌ من فتاوى كبار العلماء.

 أحكام الإحداد في الإسلام  للشيخ

خالد بن عبدالله المصلح

بسم الله الرحمن الرحيم

 مسرد أحاديث الإحداد

 أولاً: أحاديث الصحيحين أو أحداهما :

  1 ـ عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبريه هذه الأحاديث الثلاثة .

قال: قالت زينب : دخلت على أم حبيبة زوج النبي ﷺ‬ ، حين توفي أبوها أبو سفيان . فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره ، فدهنت منه جاريةً . ثم مست بعارضيها. ثم قالت : والله مالي بالطيب من حاجة . غير أني سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول على المنبر: (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)) .

قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها. فدعت بطيب فمست منه. ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة, غير أني سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول على المنبر: (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)

قالت زينب: سمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ‬ فقالت: يا رسول الله:إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا ))  (مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول : لا). ثم قال: (( إنما هي أربعة أشهر وعشر . وقد كانت إحداهن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول )

قال حميد: قلت لزينب : وما ترمي بالبعرة على رأس الحول )) . 

فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حشفاً، ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة ، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به. فقلما تفتض بشيء إلا مات . ثم تخرج فتعطى بعرة ، فترمي بها . ثم تراجع بعد ماشاءت من طيب أو غيره.

رواه البخاري في مواضع ، وهو بهذا السياق في كتاب الطلاق باب : تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً 3/420 برقم  (5334،5335،5336،5337).

ورواه مسلم (2/1123 ـ 1125) برقم (1486) وفي رواية له (2/1127) برقم (1490) عن حفصة رضي الله عنها زاد : (( فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً )).

2ـ عن أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ‬ قال: (( لاتحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ،ولا تلبس ثوباً مصبوغا إلا ثوب عصب ، ولا تكتحل ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت من نبذة من قسط أو أظفار )) .

رواه البخاري في كتاب الطلاق ،باب القسط للحادة عند الطهر 3/421 برقم (5341)

ورواه مسلم برقم 938 واللفض له .

وزاد أبو داود (2/292) باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها (( ولاتختطب)) .

وزاد النسائي (6/203) برقم (3534) (( ولا تمتشط )) .

3 ـ عن عبيد الله عن عبد الله بن عتبة : أن أباه كتب إلى عمر ابن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية ، فيسألها عن حديثها وعن ما قال لها رسول الله ﷺ‬ حين استفتته فكتب عمر بن عبد اله بن الأرقم إلى عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة بنت الحارث أخبرته : أنها كانت تحت سعد بن خولة ، وهو من بني عامر بن لؤي ، وكان ممن شهد بدر ، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار ، فقال لها : مالي أراك تجملت للخطاب ، ترجين النكاح ، فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر .

قالت سبيعة :

(( فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت ، وأتيت رسول الله ﷺ‬ فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي )) .

رواه البخاري في المغازي ، باب فضل من شهد بدا 3/90برقم (3991).

ومسلم (2/1122) برقم (1484) .

4 ـ قال البخاري: حدثني إسحاق بن منصور : أخبرنا روح بن عباده : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً[ .قال : كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجما واجبا ، فأنزل الله : ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [ .

قال : جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت ، وهو قول الله تعالى : ]غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ[ فالعدة كما هي واجب عليها . زعم ذلك عن مجاهد .

رواه البخاري: في كتاب الطلاق، باب ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [ [سورة البقرة: الآية 234].3/422، برقم (5344).

5 ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : (( طاقت خالتي ، فأرادت أن تجد نخلها ، فزجرها رجل أن تخرج ، فأتت النبي ﷺ‬ فقال : (( بلى . فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً )) .

رواه مسلم (2/1121) برقم (1483) .

 ثانياً: أحاديث الكتب التسعة سوى الصحيحين:

1 ـ عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي ﷺ‬ قال :

(( المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل))  .

رواه الإمام أحمد (6/302)، وأبو داود (2/292) واللفظ لهما ، ورواه النسائي (6/203 ) برقم (3535) بدون قوله (( ولا الحلي ))  .

وقد ضعف ابن حزم الحديث فقال في المحلى 10/277:  (( ولا يصح لأن إبراهيم بن طهمان ضعيف )) .

وقد استنكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (5/708 -709) تضعيف الحديث بإبراهيم فقال:(( ولا يحفظ عن أحد من المحدثين قط تعليل حديث رواه ولا تضعيفه)

2 ـ عن أسماء بنت عميس أنها قالت : لما أصيب جعفر بن أبي طالب أمرني رسول اللهﷺ‬ فقال: (( تسلبي ثلاثاً ثم اصنعي بعد ما شئت )) .

رواه الإمام أحمد (6/369، 438) ،ولفظه[أي أحمد] : دخل علي رسول الله ﷺ‬ اليوم الثالث من قتل جعفر فقال: (( لا تحدي بعد يومك هذا))  ، وروا ابن حبان (الإحسان) واللفظ له (7/418)، برقم (3148) والبيهقي (7/438) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/75) والطبراني في الكبير (24/193) برقم (369) بلفظ (( تسكني ثلاثاً )) وقد ذكر أهل العلم لهذا الحديث علتين هما الشذوذ والانقطاع وسيأتي بسط ذلك إن شاء الله .

3_ عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفي و كانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء_ قال أحمد (أحد الرواة) : والصواب بكحل الجلاء _ فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة, فسألتها  عن كحل الجلاء , فقالت: لا تكتحلي به إلا من أمر لابد [منه] يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار ، ثم قالت عند ذلك أم سلمة : دخل علي رسول الله ﷺ‬ حين توفي أبو سلمة ، وقد جعلت على عيني صبراً ، فقال: (( ما هذا يا أم سلمة )) فقلت: إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب . قال : (( إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب )) قالت : بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: (( بالسدر تغلفين به رأسك )) .

رواه أبو داود واللفظ له (2/728) ، باب ما تجتنبه المعتدة في عدتها ، ورواه النسائي (6/204 ) برقم (3537).

وقد صحح الحديث ابن عبد البر في التمهيد 17/318،وحسنه ابن القيم في زاد المعاد 5/703 والحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ص204 ، وضعفه عبد الحق كما ذكر ذلك الزيلعي في نصب الراية 3/261 .

4 ـ عن علقمة والأسود قالا : أتي عبد الله في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها قبل أن يدخل بها ، فقال عبد الله : سلوا هل تجدون فيها أثراً ، قالوا : يا أبا عبد الرحمن ما نجد فيها –يعني أثراً – قال: أقول برأيي فإن كان صواباً فمن الله : لها كمهر نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة ، فقام رجل من أشجع فقال : في مثل هذا قضى رسول الله ﷺ‬ فينا في امرأة يقال لها بروع بنت واشق تزوجت رجلاً فمات قبل أن يدخل بها فقضى لها رسول الله ﷺ‬ بمثل صداق نسائها ولها الميراث وعليها العدة فرفع عبد الله يديه وكبر .

رواه النسائي واللفظ له (6/121) برقم (3354) ،وأبو داود (2/588) والترمذي (3/441)، وابن ماجه (1/60) برقم (1891)،والإمام أحمد (3/480) . وابن حبان (الإحسان) (9/409) برقم (4100) والحاكم في المستدرك (2/180) وقال بعد سرد رواياته 2/181 : (( فصار الحديث صحيحاً على شرط الشيخين ))  . ووافقه الذهبي وقال الألباني في إرواء الغليل 6/359: (( هو كما قالا))  . قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير 3/191: (( وصححه ابن مهدي والترمذي وقال ابن حزم : لا مغمز فيه لصحة إسناده والبيهقي في الخلافيات )) . وقال شيخنا عبد العزيز بن باز أثابه الله :(( إسناده لا بأس به )) .

5 ـ عن مالك أنه بلغ أن أم سلمة زوج النبي ﷺ‬ قالت لامرأة حاد على زوجها ، اشتكت عيناها ، فبلغ ذلك منها : (( اكتحلي بكحل الجلاء بالليل وامسحيه بالنهار )) .

الموطأ (2/598) برقم (105).

6 ـ عن مالك بن يحيى بن سعيد ، قال : بلغني أن السائب بن خباب توفي، وأن امرأته جاءت عبد الله بن عمر وذكرت له وفاة زوجها ، وذكرت له حرثاً لهم بفتاة ، وسألته : هل يصلح لها أن تبيت فيه ؟ فنهاها عن ذلك ،  فكانت تخرج من المدينة بسحر ، فتصبح في حرثهم ، فتظل فيه يومَها ، ثم تدخل المدينة إذا أمست ، فتبيت في بيتها )) .

رواه مالك في الموطأ (2/592) برقم (88) . وقد ضعف الألباني لانقطاع سنده ، إرواء الغليل 7/212.

7 ـ عن زينب بنت كعب بن عجرة ، عن الفريعة بنت مالك بن سنان –وهي أخت أبي سعيد الخدري – أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله ﷺ‬ تسأله أن تر جع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله ﷺ‬ أن أرجع إلى أهلي ، فإني لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة ، فقال رسول الله ﷺ‬ :

(( نعم)) ،قالت : فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له ، فقال: (( كيف قلت )) ؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي ، قالت : فقال :

(( امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله )) قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً ، قالت : فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك ، فأخبرته ، فأتبعه وقضى به .

رواه أبو داود واللفظ له (2/723) ، والترمذي (3/499 ـ 500) وقال: (حسن صحيح ) ، والنسائي (6/199) برقم (3529) وبلفظ (( اعتدي حيث بلغك الخبر ))  ، وفي لفظ آخر له أيضاً برقم (3530) (( امكثي في أهلك حتى يبلغ الكتاب أجله )) ، وابن ماجه (1/654)برقم (203) وفيه (( امكثي بيتك الذي جاء فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله )) . ورواه الإمام أحمد في مسنده (6/370 ، 420 ، 421) بلفظ قريب من لفظ ابن ماجه .

وقد صححه الترمذي كما تقدم والحاكم ووافقه الذهبي كما في المستدرك (2/208) ، وكره ابن حبان في صحيحه . انظر الإحسان (10/128-129) برقم (4292) ونقل الحافظ ابن حجر في الدراية 2/80 تصحيحه عن الذهبي وذكر ذلك الحاكم أيضاً في مستدرك 2/208 , وابن عبد البر في التمهيد 21/31 , وصححه وابن القيم في زاد المعاد 5/680 , والصنعاني في سبل السلام 6/419 , وأعله ابن حزم في المحلى 10/32 بجهالة زينب وبأن سعد بن إسحاق غير مشهور بالعدالة وتابعه على ذلك عبد الحق كما قال الحافظ في تلخيص الحبير 3/240 , وضعفه الألباني أيضاً في إرواء الغليل (7/206-207) وقد أجاب ابن القيم رحمه الله على علة جهالة زينب رضي الله عنها فقال في زاد المعاد 5/681 :(( فهذه امرأة تابعية كانت تحت صحابي وروى عنها الثقات, ولم يطعن فيها بحرف واحتج الأئمة بحديثها وصححوه )) . وقال الحافظ عن هذه العلة في تلخيص الحبير 3/240 :و(( زينب وثقها الترمذي )) وقد وثقها ابن حبان في الثقات 4/271 واحتج بها مالك كما في الموطأ في كتاب الطلاق باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل ص405 برقم ( 125 ) وأما سعد فقد قال الحافظ في تلخيص الحبير 3/240 :(( وثقه النسائي وابن حبان )) فالراجح أن الحديث ثابت محتج به .

8 ـ  عن أبي بن كعب t أنه سأل النبي ﷺ‬ عن قوله :] وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[ فقال ﷺ‬ : (( هي للمطلقة ثلاثاً وللمتوفى عنها )) .

رواه أحمد 5/116، والطبري في تفسيره 14/28/143، وفي رواية أحمد المثنى بن الصباح وهو ضعيف ورواية الطبري من حديث ابن لهيعة وهو ضعيف أيضاًً ، وطريقه الثانية فيها عبد الكريم بن أبي مخارق وهو ضعيف ولم يدرك أبي كما قال الزيلعي في نصب الراية 3/256 . وقد ضعف الحديث ابن كثير رحمه الله في تفسيره 8/178 والألباني فيه إرواء الغليل 7/196 . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الدراية ص 78 : (( ويقوي قول ابن مسعود ما جاء عن أبي بن كعب إن ثبت عنه )) .

 ثالثاُ : ما سوى الكتب التسعة :

1 ـ عن علي t أن النبي ﷺ‬ أمر التوفي عنها أن تعتد في غير بينها إن شاءت .

رواه الدار قطني (3/266): وقال : لم يسنده غير أبي مالك النخعي وهو ضعيف ومحبوب ضعيف أيضاًً .

2 ـ عن مجاهد قال : استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم إلى رسول الله ﷺ‬  فقلنا : إن نستوحش بالليل فنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا تبددند إلى بيوتنا . فقال النبي ﷺ‬ : (( تحدثنا عند إحداكن ما بدا لكن فإذا أردتن النوم فلتأت كل امرأة منكن إلى بيتها)) .

رواه البيهقي في السنن الكبرى (7/436) ومعرفة السنن (11/218) وعبد الرزاق في المصنف 7/36 .

وفي إسناد البيهقي عبد المعين بن عبد العزيز بن أبي رواد قال عنه الحافظ في التقريب ص 361 : (( صدوق يخطأ ))  ورجال إسناد عبد الرزاق كلهم موثقون إلا أنه مرسل ولذا ضعفه الألباني في ارواء الغليل 7/211 وعندي أن هذا المرسل يعتظد بحديث الفريعة فستأنس به والله أعلم .

3ـ  عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي e : (( نهى المعتدة أن تختضب بالحناء فإن الحناء طيب)) وفي لفظ آخر : (( نهى النبي e المعتدة عن التكحل والدهن والخضاب والحناء)).

عزاه السروجي للنسائي، قال الحافظ ابن حجر: (( وروى النسائي بلفظ ( نهى المعتدة عن الكحل والدهن والخضاب بالحناء) وقال (( الحناء طيب))، كذا عزاه السروجي في الغاية ولم أجده فليتأمل)) الدراية 2/79، وقد وهّم الزيلعيُ السروجي في هذا العزو فقال في نصب الراية 3/261 : (( وعزاه للنسائي ولفظه – وذكر لفظ الحديث – وهو وهم منه)). وقد ذكر محقق معرفة السنن في 7/168 أن ابن التركماني عزاه لابن عبد البر في التمهيد وللبيهقي في المعرفة بلفظ (لا تطيبي وأنت محد ولا تمسي الحناء فإنه طيب) وقد راجعت معرفة السنن زمناً طويلاً المطبوع منه والمخطوط لكني لم أجده بلفظ المحدة أو المعتدة بلى هو موجود بلفظ: (( لا تطيبي وأنت محرمة ولا تمسي الحناء فإنه طيب)) معرفة السنن 7/168 والذي يظهر والعلم عند الله أن هناك تصحيفاً لكلمة (محرمة) فجعلها بعضهم (محدة) وبعضهم (معتدة) وبهذا يرتفع الإشكال. وقد قال البيهقي في معرفة السنن 7/168 عن حديث نهي المحرمة عن الطيب: ((وهذا إسناد ضعيف ابن لهيعة غير محتج به)) . وقال التهانوي عن حديث نهي المعتدة عن الطيب والحناء في إعلاء السنن 11/265 : ((قال بعض الناس فالحاصل أن الحديث لم يثبت)). 4- عن عمرو بن شعيب قال: ((رخص رسول الله e للمرأة أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها وعلى أبيها سبعة أيام وعلى من سواهما ثلاثة أيام)).

رواه أبو داود في مراسيله ص 295، قال عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 9/486: ((مرسل أو معضل))، وهو شاذ أيضاً إذ إنه مخالف لما وواه الثقات فلا يعتمد عليه.

  

 الفصل الأول
 الإحداد وأقسامه

 المبحث الأول

 تعريف الإحداد

لغة : مأخوذ من حَدَّ، ثلاثي مزيد (مضعف)([1])  حَدَدَ، ومدار مادة الحاء والدال على المنع، ولذلك أطلق على العقوبات الشرعية التي ورد فيها تحديد شرعي حدود وذلك لأنها تحد صاحبها أي تمنعه من الإعتداء . ويطلق عليها امتناع المرأة عن الزينة والخضاب وما في معناها إظهار للحزن ([2]) .

شرعاً : - تنوعت عبارات العلماء رحمهم الله في تعريف الإحداد ويجمعها أن يقال : -

الإحداد : - تربص تجتنب فيه المرأة ما يدعو إلى جماعها أو يرغب في النظر إليها من الزينة وما في معناها مدة مخصوصة في أحوال مخصوصة ([3]) .

ومن التعريف يتضح أن أحكام الإحداد مما تختص بها النساء دون الرجال وهذا ظاهر جلي لكل من تأمل الحكمة التي من أجلها شرع الإحداد .

ومما يدل على أن الإحداد تختص به النساء دون الرجال ما أخرجه الشيخان دون الرجال وهذا ظاهر جلي لكل من تأمل الآيات والأحاديث الواردة في الإحداد أو تأمل الحكمة التي من أجلها شرع الإحداد .

ومما يدل على أن الإحداد تختص به النساء دون الرجال ما أخرجه الشيخان عن أن حبيبة وزينب بنت جحش رضي الله عنهما أن النبي ﷺ‬ قال : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )) رواه الشيخان ([4]) .

وفي رواية أم عطية رضي الله عنها: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً متفق عليه ([5])

ومما يدل على ذلك أيضاً إجماع المسلمين على أنه لا إحداد على الرجل ([6]) . ويتضح هذا الإجماع من خلال إطباق كل من كتب عن الإحداد وأحكامه

ذكر فقهاء الحنابلة ما يشعر بأن للرجل أن يحد فقال في الإنصاف مع الشرح 6/279 " : فائدة : يكره للمصاب تغيير حاله من خلع ردائه ونعله، وتغليق حانوته وتعطيل معاشه، على الصحيح من المذهب وقيل : لا يكره وسئل الإمام أحمد عن مسألة يوم مات بشر، فقال : ليس هذا يوم جواب : هذا يوم حزن وأطلقهما في الفروع . وقال المجد : لا بأس بهجر المصاب الزينة وحسن الثياب ثلاثة أيام وجزم به ابن تميم وابن حمدان " . وانظر مطالب أولي النهى 1/924 .

حيث لم يذكروا إلا أنه واجب على المتوفى عنها زوجها وهذا محل اتفاق بينهم، وإنما اختلفوا في بعض الحالات هل يجب فيها الإحداد أو لا ؟ كالمجنونة والصغيرة وغيرهما، لكنهم لم يذكروا خلافاً في وجوبه أو استحبابه للرجال البتة ([7]) .


 المبحث الثاني

 أقسام الإحداد الحكمية

ينقسم الإحداد من حيث حكمه الشرعي إلى قسمين

القسم الأول : الإحداد الشرعي .

وهو ما كان وفق أمر الله ورسوله ، وهو نوعان :

النوع الأول / إحداد المرأة على زوجها المتوفى عنها .

النوع الثاني : إحداد المرأة على غير زوجها .

وسيأتي بسط وتفصيل لأحكام كل من النوعين وأدلته في فصل أحكام الإحداد إن شاء الله تعالى .

القسم الثاني : الإحداد الجاهلي .

وهو ما لم يكن على أمر الله ورسوله ، وهو نوعان :

النوع الأول : الإحداد الجاهلي القديم .

إن الناظر في أحوال المرأة قبل الإسلام ليوقن إيقاناً لا يخالطه ريب أنها كانت تعاني ألواناً عديدة من الظلم والحيف والجور ، ومن الصور التي يتجلى فيها العدوان على المرأة والظلم لها في تلك العصور المظلمة وله صلة بموضوعنا هو طريقة إحداد المرأة على زوجها إذا توفي عنها ، فقد نقلت لنا دواوين السنة وكتب الآثار تلك الصورة البشعة التي كان يمارسها المجتمع الجاهلي على المرأة. فالمرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها عمدت إلى شر بيتها فلبثت فيه حولاً ولبست أطمار ثيابها فلا تغتسل ولا تتنظف ولا ترى شمساً ولا ريحاً ، حتى إذا حال عليها الحول خرجت بأقبح منظر وأفظع مرأى ، فتؤتى بدابة – حمار أو شاة أو طائر – فتمسح به جلدها فلا يكاد يعيش بعدما تتمسح به مما يجد من أوساخها وروائحها . وقد ذكر النبي ﷺ‬ بعض النساء لما أرادت أن تترخص لابنتها في الكحل فقال ﷺ‬ : (( إنما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالعرة على رأس الحول )) . وقد سئلت زينب – راوية الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها – وما ترمي بالبعرة على رأس الحول ؟ فقالت : (( كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حشفاً ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً حتى تمر السنة ثم تؤتى بدابة – حمار أو شاة أو طائر – فتفتض به فقلما بشيء إلا مات ، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره  ([8])  .

النوع الثاني : الإحداد الجاهلي الحديث .

إن إطلاق لفظة جاهلي على شئ ماليس وقفاً على زمان أو مكان معينين ، بل هو وصف متى ما بدت معالمه وقامت رسومه وجد . فهو وصف يخترق حدود الزمان والمكان ، فلا غرابة أن نطلق في هذا الزمان المتطور المستنير بالعلوم المادية على كل ما خالف الهدي الرباني بأنه جاهلي ، إذ الجاهلية متضمنة لعدم العلم أو لعدم العمل به كما قال شيخ الإسلام رحمه الله ([9]) .

وقال الأستاذ محمد قطب : (( ليست الجاهلية صورة معينة محدودة كما يتصورها الطيبون الذين يرون أنها فترة تاريخية مضت إلى غير رجوع . إنما هي جوهر معين يمكن أن يتخذ صوراً شتى بحسب البيئة والظروف والزمان فتتشابه كلها في أنها جاهلية وإن اختلفت مظاهرها كل الإختلاف )) .

وقال أيضاً : (( إنما الجاهلية – كما عناها القرآن وحددها – حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدي الله ووضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله  ] أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [ ([10])([11]).

ولما كان مصدر التشريع الجاهلي هو الهوى والشيطان لا هدى الرحمن ، ظهر التخبط والاضطراب في التشريعات والأحكام الجاهلية . وفي موضوعنا بالخصوص ظهر هذا الاضطراب جلياً ، ففي الوقت الذي يحرق فيه بعض أصحاب الديانات المرأة بعد موت زوجها كما هو الحال عند البوذيين والهنادكة ، يفترش المرأة عشيقها ليلة وفاة زوجها في المجتمعات الغربية والانحلالية الإباحية ، هذه صورة من صور الحياة الجاهلية في هذا العصر المفتون .

ومن صور الإحداد الجاهلي المعاصر الإحداد العام في الدول لموت رئيس أو عظيم أو حلول مصاب عام ، ومن مظاهر هذا الإحداد إيقاف الأعمال وتنكيس الأعلام ([12]) وتغيير برامج الإعلام بما يناسب المقام من ثناء على الميت وذكر أعماله وغير ذلك مما يندرج تحت تقديس الأشخاص وتعظيمهم .

ولا يشك عالم بقواعد الشريعة ونصوصها، عارف بسيرة أهل القرون الفاضلة ، أن هذا العفل ليس مما يجيئ بمثله الشرع الحنيف ولا فعله السلف الصالح مع كثرة من فقدوا رحكمهم الله من العظماء والأكابر . فهؤلاء الصحابة خير القرون رضي الله عنهم ما فيهم خير الخلق وسيد البشر وخليل الرحمن النعمة المسداة والرحمة المهداة رسولنا محمد بن عبدالله ﷺ‬ ، فلم يفعلوا ما فعله المتأخرون مع الصعاليك العظماء، فدل ذلك على عدم مشروعيته إذ لو كان مشروعاً لفعلوه مع إمام العظماء نبينا محمد ﷺ‬ .

وتقدم نقل الإجماع على أن الإحداد مما اختصت به النساء دون الرجال ، وهي إنما تحد على زوجها المتوفى عنها أربعة أشهر وعشراً ، أو على غيره ثلاثة أيام . أما ما سوى ذلك فهو من الإحداد الممنوع .

ولا شك أن تعطيل أعمال الناس لأجل موت أحدهم فيه إفساد لمصالح الأحياء وإهدار لطاقاتهم وربطهم بالموتى وكأن الإحداد المبتدع مما أخذه بعض المسلمين عن الكفار، ومعلوم من نصوص الكتاب والسنة أن التشبه بهم ممنوع، قال الله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [ ([13]) ، والتشبه بهم من موالاتهم . وقد نهى النبي ﷺ‬ (( ومن تشبه بقوم فهو منهم ))  رواه أحمد وأبو داود ([14]) . وقال شيخ الإسلام رحمه الله بعد هذا الحديث : وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم )) ([15]) .


 المبحث الثالث

 الحكمة من الإحداد

إن مما يحسن التنبيه إليه عند الكلام على حكم العبادات الحكمة العامة للتشريع لما في ذلك من إزالة التكلف في بحث ما خفيت حكمته ولم تظهر لأهل العلم علته ، إذ الحكمة العامة كافية شافية وتوجد في كل التشريعات وهي :

أولاً : اختبار مدى رضا العبد وانقياده وتسليمه لما أمر الله تعالى واجتنابه ما نهى عنه وزجر .

ثانياً : توفير المنح الربانية للعبد المسلم في جلب الأجر والثواب وتكثيره وتنميته وتقليل المعاصي والذنوب . قال الله تعالى :] إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [ ([16])

وقد تلمس أهل العلم رحمهم الله عدداً من حكم الإحداد وأسرار تشريعه يمكن تلخيصها بالآتي :

أولاً : تعظيم خطر هذا العقد ورفع قدره .

ثانياً : تعظيم حق الزوج وحفظ عشرته .

ثالثاً : تطييب نفس أقارب الزوج ومراعاة شعورهم .

رابعاً : سد ذريعة تطلع المرأة للنكاح أو تطلع الرجال إليها .

خامساً : الإحداد من مكملات العدة ومقتضياتها .

سادساً : تأسف على فوات نعمة النكاح الجامعة بين خيري الدنيا والآخرة .

سابعاً : موافقة الطباع البشرية ، فإن النفس تتفاعل مع المصائب والنوائب فأباح الله لها حداً تستطيع من خلاله التعبير عن مشاعر الحزن والألم بالمصاب مع الرضا التام بما قضى الله تعالى وقدر . وقد جلّى هذه الحكم العلماء رحمهم الله في كلامهم فقال ابن القيم رحمه الله :

(( هذا - أي الإحداد – من تمام محاسن الشريعة وحكمتها ورعايتها لمصالح العباد على أكمل الوجوه ، فإن الإحداد على الميت من تعظيم مصيبة الموت كان أهل الجاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة ويضيفون إلى ذلك شق الجيوب ولطم الخدود وحلق الشعور والدعاء بالويل والثبور وتمكث المرأة سنة في أضيق بيت وأوحشه لا تمس طيباً ولا تدهن ولا تغتسل إلى غير ذلك مما هو تسخط على الرب تعالى وأقداره ، فأبطل الله سبحانه وتعالى برحمته ورأفته سنة الجاهلية وأبدلنا بها الصبر والحمد والاسترجاع الذي هو أنفع للمصاب في عاجلته وآجلته ولما كانت مصيبة الموت لابد أن تحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن ما تتقاضاه الطباع سمح لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك ..)) ثم قال : فإن فطام النفوس عن مألوفها بالكلية من أشق الأمور عليها فأعطيت بعض الشيء ليسهل عليها ترك الباقي، فإن النفوس إجابتها إليه أقرب من إجابتها لو حرمت بالكلية )) ([17]) . وقال أيضاً رحمه الله : والمقصود أنه للنساء لضعف عقولهن وقلة صبرهن الإحداد على موتاهن ثلاثة أيام )) ([18]) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في علة إباحة الإحداد على القريب (( وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية )) ([19])

وعنها قال ابن القيم رحمه الله : وأما الإحداد على الزوج فإنه تابع للعدة وهو من مقتضياتها ومكملاتها ، فإن المرأة إنما تحتاج إلى التزين والتجمل والتعطر لتلحبب إلى زوجها وترد لها نفسه ويحسن ما بينهما من العشرة ، فإن مات الزوج واعتدت منه وهي لم تصل إلى زوج آخر فاقتضى تمام حق الأول وتأكيد المنع من الثاني قبل بلوغ الكتاب أجله أن تمنع مما تضعه النساء لأزواجهن مع ما في ذلك من سد الذريعة إلى طمعها في الرجال وطمعهم فيها بالزينة والخضاب والتطيب . فإذا بلغ الكتاب أجله صارت محتاجة إلى ما يرغب في نكاحها فأبيح لها من ذلك ما يباح لذات الزوج فلا شيء أبلغ من هذا المنع والإباحة، ولو اقترحت عقول العالمين لم تقترح شيئاً أحسن منه ))([20]) وقال أيضاً : ومما ذكر من حكم الإحداد إظهار التأسف على فوات نعمة النكاح التي هي من النعم الدينية والدنيوية إذ أنها من أسباب النجاة في الحال والمآل ([21]) .


 الفصل الثاني

 حكم الإحداد وشروطه

يختلف حكم الإحداد باختلاف المحد عليه وهو على قسمين : الأول منهما إحداد المرأة على زوجها المتوفى عنها ، والثاني إحدادها على غير زوجها .

القسم الأول : إحداد المرأة على زوجها المتوفى عنها .

وسيكون بحث هذا القسم في مبحثين وهما كما يلي :

 المبحث الأول

 حكم إحداد المرأة على زوجها المتوفى عنها

حكى من أهل العلم الإجماع على أن الإحداد واجب على المتوفى عنها زوجها من المسلمات الحرائر في عدة الوفاة غير واحد من أهل العلم ، أما الصحابة رضي الله عنهم فلم يعلم منهم مخالف ، وأما من بعدهم فقد نسب الخلاف إلى الحسن البصري والشعبي ، وقد ضعف ما نسب إلى الحسن . قال العيني رحمه الله : لا يصح هذا عن الحسن قال ابن العربي )) ([22]) .

وقد استنكر هذا الشذوذ جماعة ممن حكوه ، فالواجب عدم الالتفات إليه لعدم الدليل عليه ولمخالفته صريح السنة . قال ابن المنذر صريح السنة . قال ابن المنذر رحمه الله بعد ذكره أدلة الوجوب : (( قال أبو بكر : وهذا قول من لقيناه وبلغناه من أهل العلم إلا الحسن البصري فإنه انفرد به عن الناس فكان لا يرى الإحداد . قال أبو بكر : والسنة مستغنى بها عن قول كل أحد([23]) . وقال ابن قدامة رحمه الله : ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في وجوبه على المتوفى عنها زوجها إلا عن الحسن فإنه قال : لا يجب الإحداد وهو قول ذ به عن أهل العلم وخالف به السنة فلا يعرج عليه ([24]) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ومخالفتهما – أي الحسن والشعبي – لا تقدح في الاحتجاج وإن كان فيها رد على من ادعى الإجماع ([25]) ، ولذلك حكى أبو محمد بن حزم رحمه الله عدم الاتفاق على وجوب الإحداد ([26]) ، ولا شك أن ما قاله من انتفاء الإجماع بورود المخالفة صواب عند جمهور العلماء فبقي النظر في أدلة الفريقين لمعرفة الراجح من القولين .

أدله القول الأول :

القول الأول هو ما ذهب إليه جماهير العلماء من وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها واستدلوا بأدلة منها :

أولاً : قال الله تعالى : ] وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [ ([27]) .

والتربص المذكور في الآية هو التأني والتصبر عن النكاح كما قال القرطبي رحمه الله ([28]) . وقال ابن العربي رحمه الله  (( هو الانتظار ))  ([29]) .

وقال الحافظ بن كثير رحمه الله : (( هذا أمر من الله للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال )) ([30]) . وعند النظر في معنى كلمة التربص نعلم أنها بمجردها لا تفيد إلا الانتظار ولكن السنة الشريفة بينت جميع ما يتعلق بهذا التربص من أحكام . قال القرطبي رحمه الله : ((والأحاديث عن النبي ﷺ‬ متظاهرة بأن التربص في الوفاة إنما هو بإحداد وهو الامتناع عن الزينة ولبس المصبوغ الجميل والطيب ونحوه وهذا قول جمهور العلماء )) وإلا فالآية دلت على وجوب العدة فقط، وهي تجب بدون إحداد كما في الرجعية إجماعاً ، ولذا قال ابن المنذر رحمه الله بعد الآية : (( فثبتت العدة على المتوفى عنها بظاهر كتاب الله عز وجل ، ووجب الإحداد عليها بخبر رسول الله ﷺ‬ ([31]) . ومما يجدر التنبه له أن أكثر العلماء لم يذكروا الآية في أدلة وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها .

ثانياً : حديث زينب بنت جحش وأم حبيبة رضي الله عنهما أن النبي ﷺ‬ قال (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )) رواه الشيخان ([32]) .

ص 42 ومن ذلك أيضاً حديث أم سلمة رضي الله عنها .

والحديث ظاهر في المنع من الإحداد على كل أحد فوق ثلاث إلا على الزوج فإنه يحد عليه أربعة أشهر وعشر ، ولم تتعرض هذه الرواية إلى حكمه بل غاية ما هنالك أنها بينت حله وإباحته . ولكن رواية حفصة رضي الله عنها بينت أن ذلك سبيل الإيجاب ففي صحيح مسلم عن حفصة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ﷺ‬ : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً )) ([33]). فقوله ﷺ‬ : (( فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً خبر بمعنى الأمر .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلقاً على الحديث : قوله ( لا يحل ) استدل به على تحريم الإحداد على غير الزوج وهو واضح، وعلى وجوب الإحداد المدة المذكورة على الزوج . واستشكل بأن الاستثناء وقع بعد النفي فيدل على الحل فوق الثلاث على الزوج لا على الوجوب، وأجيب بأن الوجوب استفيد من دليل كالإجماع ([34]) وهو رحمه الله يشير بقوله : (( كالإجماع )) إلى ما ذكره الإمام النووي رحمه الله حيث قال: واستفيد وجوب الإحداد في المتوفي عنها من اتفاق العلماء على حمل الحديث على ذلك مع أنه ليس في لفظه ما يدل على الوجوب .. ([35]) . وأجاب الحافظ ابن حجر رحمه الله عن عدم دلالة الحديث على الوجوب فقال: (( وأجيب بأن السياق يدل على الوجوب فإن كل ما منع منه إذا دل دليل على جوازه كان ذلك الدليل دالاً بعينه على الوجوب كالختان والزيادة على الركوع في الكسوف ونحو ذلك([36]).

ويعترض جوابه رحمه الله أنه لا يلزم من ورود دليل الإباحة لشئ مُنِعَ أن يكون ذلك دالاً على الوجوب . قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين أثابه الله عند مراجعتي له في كلام الحافظ رحمه الله: في هذه القاعدة نظر، إذ يلزم منه أن كل مستثنىً من محرم فإن الاستثناء يدل على وجوبه وهذا غير مطرد. ثم أقول : إنه عند التأمل في الأمثلة التي ساقها رحمه الله نجد أنها لا تسلم من معارض، فإن الختان ذهب أكثر أهل العلم إلى عدم وجوبه ([37]) ، كما أن زيادة الركوع في صلاة الكسوف سنة عند جماعة من أهل العلم. قال البهوتي رحمه الله في زيادة ركوع صلاة الكسوف : وما بعد الأول سنة لا تدرك به الركعة ([38]) .

ومما يقوي دلالة الحديث على وجوب إحداد المتوفى عنها زوجها رواية أم عطية رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ﷺ‬ : (( لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب، ولا تكتحل ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار )) متفق عليه واللفظ لمسلم ([39]) .

فإنه بعد ذكر مدة إحداد المرأة على زوجها المتوفى عنها عقبه بأحكام متعلقة به فيها نهي المعتدة عن أشياء مباحة في الأصل، فدل منعها منها مدة الإحداد على وجوبه عليها إذ لو كان الأمر مباحاً فقط لم يلزمها الامتناع عن المذكورات . قال النووي رحمه الله مشيراً إلى هذا: ولكن اتفقوا على حمله – أي حديثنا هذا – على الوجوب مع قوله ﷺ‬ في الحديث الآخر حديث أم سلمة، وحديث أم عطية في الكحل والطيب ومنعها منه والله أعلم ([40]) .

ثالثاً: حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ‬ فقالت: يا رسول الله ابنتي توفى زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها ؟ فقال رسول الله ﷺ‬ : ((  لا )) مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول : (( لا ))  ثم قال ﷺ‬ (( إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالعراة على رأس الحول )) رواه البخاري ومسلم ([41]) .

وقد استدل النووي رحمه الله بهذا الحديث على وجوب الإحداد في عدة الوفاة ويندرج تحت هذا الدليل كل الأدلة الأخرى والتي فيها منع المتوفى عنها زوجها من أشياء مباحة لها مدة العدة، كحديث أم عطية المتقدم قريباً وحديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ‬ قال (( المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختصب ولا تكتحل )) رواه أحمد وأبو داود والنسائي ([42]) .

هذا مجمل ما استدل به جمهور العلماء على وجوب إحداد المتوفى عنها زوجها والله أعلم .

أدلة القول الثاني:

استدل القائلون بعدم وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها بدليلين:

أولاً: حديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: لما أصيب جعفر أمرني رسول الله ﷺ‬ فقال: (( تسلبي ثلاثاً ثم اصنعي ماشئت )) . أخرجه أحمد وابن حبان والطبراني والبيهقي والطحاوي ولفظ أحمد: دخل عليّ رسول الله ﷺ‬ اليوم الثالث من قتل جعفر فقال: (( لا تحدي بعد يومك هذا ))  ([43]) .

قال ابن القيم رحمه الله في بيان وجه استدلالهم بهذا الحديث: (( قالوا: وهذا ناسخ لأحاديث الإحداد لأنه بعدها، فإن أم سلمة رضي الله عنها روت حديث الإحداد وأنه ﷺ‬ أمرها به إثر موت أبي سلمة لا خلاف أن موت أبي سلمة كان قبل موت جعفر رضي الله عنهما ([44]) .

ثانياً: ما رواه ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً: (( لا إحداد فوق ثلاث )) ([45]).

وأجاب الجمهور رحمهم الله عما استدل به أصحاب هذا القول بما يلي:

أولا: الجواب على حديث أسماء رضي الله عنها.

أجاب العلماء عن حديث أسماء بأربعة أجوبة:

الأول: أن الحديث شاذ، وبهذا قال أحمد وإسحاق رحمهما الله ([46]) وأشار إلى هذه العلة البيهقي رحمه الله فقال: والأحاديث قبله أثبت والمصير إليها أولى وبالله التوفيق ([47]) . وقال في معرفة السنن والآثار: (( والحديث في إحدادها ثابت فالمصير إليه أولى وبالله التوفيق ([48]) . وحكى الحافظ ابن حجر رحمه الله عن شيخه العراقي القول بشذوذه، قال رحمه الله: (( وأجاب – يعني شيخه – بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة وأجمعوا على خلافه([49]). وقال ابن القيم رحمه الله عن رواية من روايات حديث أسماء رضي الله عنها: (( وفي الحديث الثاني حجاج بن أرطأة ولا يعارض بحديثه حديث الأئمة الأثبات الذين هم فرسان الحديث ([50]) .

الثاني: أن الحديث منقطع الإسناد، قال البيهقي رحمه الله: (( فلم يثبت سماع عبدالله من أسماء وقد قيل فيه: عن أسماء فهو مرسل ([51]) .وقد قال أبو محمد بن حزم رحمه الله: (( هذا منقطع لا حجة فيه لأن عبدالله بن شداد لم يسمع من رسول الله ﷺ‬ شيئاً  ([52]) .

وقد أجاب عن هذه العلة الحافظ ابن حجر رحمه الله فقال (( وهذا تعليل مدفوع فقد صححه أحمد ولكنه قال: إنه مخالف للأحاديث الصحيحة في الإحداد، قلت وهو مصير منه إلى أنه يعله بالشذوذ )) ([53])  .

وأعله البيهقي أيضاً بأن فيه محمد بن طلحة ليس بالقوي ([54]) . قال الألباني أثابه الله معلقاً على كلام البيهقي رحمه الله: (( ورجال أحمد رجال الصحيح)) ([55]) .

الثالث: أن الحديث منسوخ، قال الطحاوي رحمه الله في كلامه على حديث أسماء: ففي هذا الحديث أن الإحداد لم يكن على المعتدة في كل عدتها وإنما في وقت منها ثم نسخ ذلك وأمرت بأن تحد عليه أربعة أشهر وعشراً ([56]) ، وساق بعد هذا الكلام الأحاديث الناسخة .وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (( وليس فيها ما يدل على النسخ لكنه يكثر من ادعاء النسخ بالاحتمال فجرى على عادته ([57]) .

الرابع: أن يكون المراد بالإحداد المقيد بالثلاث قدراً زائداً على الإحداد المعروف الذي فعلته أسماء مبالغة في حزنها على جعفر فنهاها عن ذلك بعد الثلاث .

ثانيها: أنها كانت حاملاً فوضعت بعد ثلاث فانقضت عدتها فنهاها بعدها عن الإحداد ولا يمنع ذلك قوله في الرواية الأخرى: (( ثلاثاً))  لأنه يحمل على أنه ﷺ‬ أُطلع على أن عدتها تنقضي عند الثلاث .

ثالثها: لعله كان أبانها بالطلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها إحداد ([58]) .

ولا تخلو هذه الأجوبة من نقاش وأصح ما أجاب به العلماء على هذا الحديث القول بشذوذه كما قال أحمد واسحاق والبيهقي رحمهم الله تعالى.

ثانياً: الجواب على حديث ابن عمر .

أجاب الإمام أحمد لما سئل عن هذا الحديث فقال: (( هذا منكر والمعروف عن ابن عمر من رأيه ([59]) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (( وهذا – أي حديث ابن عمر – يحتمل أن يكون لغير المعتدة فلا نكارة فيه بخلاف حديث أسماء والله أعلم ([60]) .

فهر مما تقدم أن ما ذهب إليه عامة أهل العلم هو الموافق للنصوص وأنه ليس مع المخالف ما يقاوم أدلة الجمهور والله أعلم .


 المبحث الثاني

 حكم إحداد المرأة على غير زوجها

اتفق العلماء على جواز إحداد المرأة على غير زوجها ثلاثة أيام لقوله ﷺ‬ (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ([61]) . قال العيني رحمه الله: (( قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن من مات أبوها أو ابنها وكانت ذات زوج وطالبها زوجها بالجمع في الثلاثة الأيام التي أبيح لها الإحداد فيها أن يقضى له عليها بالجماع([62]) . وظاهر الحديث جواز الإحداد على كل ميت غير الزوج قريباً أو بعيداً، ولذلك بوب البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله: (( باب إحداد المرأة على غير زوجها ([63]) . وقال ابن القيم رحمه الله: (( فإن الإحداد على الزوج واجب وعلى غيره جائز )) ([64]) .

واختار جوازه على كل ميت شيخنا عبدالعزيز بن باز وشيخنا محمد العثيمين أثابهما الله عملاً بعموم الحديث .

وذهب بعض أهل العلم إلى عدم جوازه على الأجنبي مطلقاً، وخصه بعضهم بما إذا وجدت الريبة قال الهيثمي رحمه الله: (( وبحث الأذرعي حرمته من أجنبية على أجنبي ولو بعض يوم، وهو متجه حيث وجدت ريبة وإلا كأن حزنت عليه لنحو علمه وصلاحه وصداقته لنحو والدها وإحسانه إليها ولا ريبة بوجه فلا حرمة كما هو ظاهر ([65]) .

وما قاله متوجه إلا أنه لا يخالف ما تقدم عن جمهور العلماء إذ إن كلامهم رحمهم الله على المسألة من حيث الأصل دون ما قد يعرض لها مما يؤدي إلى تحريمه . وأما ما ذكره عن الأذرعي فلا وجه له وظاهر السنة يرده والله أعلم.


 المبحث الثالث

 شروط الإحداد

أجمع أهل العلم على أن الإحداد يلزم المتوفى عنها زوجها إذا كانت عاقلة بالغة مسلمة عقد عليها بنكاح صحيح ولو لم يدخل بها لحديث بروع بنت واسق ص 15 . واتفقوا أيضاً على أنه يلزم المطلقة الرجعية إذا مات زوجها وهي في العدة ثم اختلفوا بعد ذلك في عدة من هي دون البلوغ صور هل يجب فيها الإحداد أو لا والصحيح أنه يجب عليها الإحداد .

أبرز هذه المشاكل المسألة الأولى: حكم إحداد الصغيرة .

ذهب ألحنفية إلى أنه ليس على الصغيرة إحداد واستدلوا بقوله ﷺ‬ رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يفيق ([66]) . وبوقوله ﷺ‬ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ([67]) وبأن الخطاب موضوع عنها ([68]) وأنه لا يتناول الصغيرة فلا يجب عليها الإحداد ([69]) .

وأما الجمهور فذهبوا إلى لزوم حكم الإحداد للصغيرة ولو كانت في المهد([70]). واستدلوا بما أخرجه الشيخان ([71]) عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ‬ فقالت: يارسول الله ابنتي توفي زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها ؟ فقال رسول الله ﷺ‬ (( لا)) مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول: (( لا )) قال القرطبي رحمه الله: (( ولم يسأل عن سنها حتى يبين الحكم وتأخر البيان في مثل هذا لا يجوز، وأيضاً فإن كل من لزمتها العدة بالوفاة لزمها الإحداد كالكبيرة ([72]) . وما قاله رحمه الله ظاهر القوة أضف إلى ذلك (( أن غير تساوي المكلفة في اجتناب المحرمات كالخمر والزنى، وإنما يفترقان في الإثم فكذلك الإحداد ([73]) فإن كانت الصغيرة مميزة فإنها تلزم الأحكام المتعلقة بالإحداد وإلى فعلى وليها أن يجنبها ما يحرم على الحادة ([74]) . وقال ابن حزم رحمه الله معلقا على دليل الجمهور: فلم يخص عليه الصلاة والسلام كبيرة من صغيرة ولا عاقلة من مجنونة ولا خاطبها بل خاطب غيرها فهذا عموم زائد على ما في

القرآن )) ([75]) ، وقال النووي رحمه الله: (( وولي الصبية والمجنونة يمنعها مما تمنع منه الكبيرة العاقلة))  ([76]) .

المسألة الثانية: حكم إحداد المجنونة .

ذهب جمهور العلماء رحمهم الله إلى أن المجنونة يلزمها الإحداد إذا توفي عنها زوجها لدخولها في عموم الأدلة الدالة على وجوب الإحداد. ولأن غير المكلفة تساوي المكلفة في وجوب اجتناب المحرمات وإنما يختلفان في الإثم ([77]) . ويكون الخطاب على هذا القول متوجهاً إلى ولي المجنونة فعليه إلزامها بأحكام الإحداد . أما الحنفية ([78]) فعندهم أن المجنونة ليس عليها إحداد لحديث (( رفع القلم عن ثلاثة )) ([79]) وذكر منهم والمجنون حتى يفيق ولأن الخطاب موضوع عنها فلا يتناول المجنونة . والأقرب ما ذهب إليه الجمهور والله أعلم.

المسألة الثالثة: حكم الإحداد في النكاح الفاسد .

النكاح الفاسد: هو ما يسوغ فيه الاجتهاد ([80]) ، وقال شيخنا محمد العثيمين أثابه الله معلقاً: هو ما اختلف العلماء في فساده.

والنكاح الفاسد يساوي النكاح الصحيح في بعض الأحكام ويخالفه في بعضها ([81]) ، وقد وقع الخلاف بين العلماء في حكم الإحداد منه على قولين:

القول الأول: لا يجب الإحداد إلا على المعتدة من وفاة في نكاح صحيح وبه قال الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة ([82]) .

واستدلوا بحديث: (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )) ([83]) وهذا ليس زوجاً إذ أن نكاحه فاسد . قال النووي رحمه الله: (( والمعتدة عن وطء شبهة أو نكاح فاسد . وأم الولد لا إحداد علهن قطعاً لعدم برهان الزوجية ([84]) . وقال ابن حزم رحمه الله: (( ولا عدة من نكاح فاسد ، برهان ذلك أنها ليست متوفى عنها ولم يأت بإيجاب عدة عليها قرآن ولا سنة ولا حجة في سواهما ونفي العدة نفي الإحداد ([85]) .

القول الثاني: أنه يجب الإحداد على المعتدة من وفاة في النكاح الفاسد وهو قول القاضي أبي يعلى ([86]) . وقال الباجي رحمه الله: (( ومن تزوج امرأة فمات بعد بنائه بها فتبين أن نكاحهما فاسد، قال ابن قاسم في المدونة: لا إحداد عليها ولا عدة وتستبرئ بثلاث حيض، ووجه ذلك أنها ليست بمعتدة من وفاة يلزمها إحداد كالمطلقة . قال القاضي أبو الوليد: وهذا عندي في التي يفسخ نكاحها ولم يثبت بينهما شيء من أحكام النكاح من توارث ولا غيره، وأما التي يثبت بينهما أحكام التوارث فإنها تعتد عدة الوفاة ويلزمها الإحداد والله أعلم )) ([87]) .

المسألة الرابعة: حكم إحداد الذمية المتوفى عنها .

تقدم أن جمهور العلماء ذهبو إلى أن الإحداد لازم لكل متوفى عنها ولو كانت ذمية، وذهب الحنفية إلى عدم وجوبه على الذمية ([88]) ووافقهم ابن كنانة ونافع ومالك في رواية وابن منذر([89])  وابن القيم وغيرهم .

واستدل الحنفية ومن وافقهم، بما أخرجه الشيخان وغيرهما مرفوعاً: (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ووجه استلالهم أن النبي ﷺ‬ جعل الإحداد من أحكام من يؤمن بالله واليوم الآخر، قال ابن القيم رحمه الله: (( فلا تدخل الكافرة )) وقال أيضاً في بيان استدلالهم بالحديث: قالوا وعدوله عن اللفظ العام المطلق ولوازمه وواجباته فكأنه قال: من التزم الإيمان فهذا من شرائعه وواجباته)) ([90]) .

وقالوا: إن الكافرة غير مخاطبة بحقوق الشرع، قال البابرتي في شرح العناية على الهداية: أما الكافرة وهي الكتابية فلأنها غير مخاطبة بحقوق الشرع والحداد من حقوقه أشار إلى ذلك قوله ﷺ‬: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ))) ([91]) .

وأما الجمهور فاستدلوا بعموم الأدلة الموجبة للإحداد وأنها تشمل الذمية ولا دليل على إخراجها من هذه المعلومات، وعللوا قولهم بأنه لا عدة إلا بإحداد، والعدة ثابتة عليهن، فالإحداد ثابت أيضاً، قال الشافعي رحمه الله: والحرة والكبيرة والمسلمة والصغيرة والذمية والأمة المسلمة في الإحداد كلهن سواء، من وجبت عليها عدة الوفاة وجب عليها الإحداد لا يختلفن. ودلت سنة رسول ﷺ‬ على أن المعتدة من الوفاة تكون بإحداد، أن لا تعتد امرأة بغير إحداد لأنهن إن دخلن في المخاطبات بالعدة دخلن في المخاطبات بالإحداد، ولو تركت امرأة الإحداد في عدتها حتى تنقضي أو في بعضها كانت مسيئة، ولم يكن عليها أن تستأنف إحداداً لأن موضع الإحداد في العدة فإذا مضت أو مضى بعضها لم تعد لما مضى ([92]) . وقال ابن العربي رحمه الله: (( لأنه – أي الإحداد – من توابع العدة فيلزمها كالسكن وعدم النكاح )) ([93]) .

هذا مجمل ما استدلوا إليه وأجابوا عن أدلة الحنفية ومن وافقهم بأن ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر ليس لحصر الحكم في أصحاب هذا الوصف إنما هو لبيان أن هذا الحكم ألصق بمن اتصف بهذا الوصل لا أنه خاص به، قال ابن عبدالبر رحمه الله: (( هذا لا حجة فيه أي دليل الحنفية – لأن العلة حرمة المسلم الذي تعتد من مائة، وجاء الحديث بذكر من يؤمن بالله واليوم الآخر لأن الخطاب إلى من هذه الحالة كان يتوجه فدخل المؤمنات بالذكر ودخل غير المؤمنات بالمعنى الذي ذكرناه ([94]) . ويحتمل وجهاً ثانياً في علة ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر أنه ترغيب في ذلك ووعيد لمن خالفه بمعنى أنه لا يتركه من يؤمن بالله واليوم الآخر ([95]) . فالغرض من ذكر ذلك تأكيد التحريم (( لما يقتضيه سياقه ومفهومه من أن خلافه مناف للإيمان باللفه واليوم الآخر)) ([96])  .

الترجيح:

الراجح في هذه المسألة ما ذهب إليه الحنفية ومن وافقهم من عدم وجوب الإحداد على الذمية لقوة ما استدلوا به وبقي الجواب عما استدل به الجمهور وهو كما يلي:

أولاً: قولكم: إن الذمية عامة للذمية ولا دليل على إخراجها من هذه العمومات، فجوابه: أن الأدلة قائمة على أنها غير مطالبة بهذا الحكم وإن كانت مخاطبة به، ذلك أن الشارع لا يلزمها شرائع الإيمان إلا بعد دخولها فيه. فحكم الإحداد معلق بوصف وهو الإيمان بالله واليوم الآخر وهو لم ينص عليه إلا لأن تأثيراً في الحكم. قال ابن القيم رحمه الله: والتحقيق أن نفي حل الفعل عن المؤمنين لا يقتضي نفي حكمه عن الكفار ولا إثباته لهم أيضاً، وإنما يقتضي أم من التزم الإيمان وشرائعه فهذا لا يحل له ويجب على كل حال أن يلزم الإيمان وشرائعه ولكن لا يلزمه الشارع شرائع الإيمان إلا بعد دخوله فيه ([97]) .

ثانياً: قولكم: إنه لا عدة إلا بإحداد والعدة ثابتة عليهن فالإحداد أيضاً ثابت، عير مسلَّم إذ إن العدة إنما وجبت عليها لتعلقها بحق الزوج، قال الزيلعي رحمه الله في التفريق بين العدة والإحداد: بخلاف العدة فإنها من حقوق الزوج ([98]) ، هذا فضلاً عن أن الآية عامة لكل امرأة متوفى عنها زوجها قال تعالى: ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً[ ([99]) قال ابن العربي رحمه الله: (( فحملها على ما ورد عاماً إبطال للخصوص ([100]) ثم إن الإحداد من خطاب التكليف لأن أحكامه أفعال حسية محكوم بحرمتها بخلاف العدة فإنها من ربط المسببات أي بمعنى أنه من خطاب الوضع ([101]) .

ثالثاً: قولكم: إن الإحداد حق الزوج، فالجواب عنه أن يقال: لا شك أن الإحداد فيه شائبة حق الزوج ولكن صلته بحق الله تعالى ألصق وأكبر، ولذلك فال النبي ﷺ‬ : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ([102]) فأبرز فيه حق الله تعالى. قال ابن القيم رحمه الله: (( ولهذا لو اتفقت هي والأولياء والمتوفى على سقوطه بأن أوصاها بتركه لم يسقط ولزمها الإتيان به فهو جار مجرى العبادات وليست الذمية من أهلها ([103]) . وقال الزيلعي رحمه الله في تعليل عدم وجوبه على الكافرة: إذ هي ترى أنه ﷺ‬ شرط أن تكون مؤمنة بما روينا من الخبر ولولا أنه عبادة لما شرط فيه الإيمان ([104]) .

المسألة الخامسة: حكم إحداد الأمة وأم الولد.

الأمة إما أن تكون مزوجة أو غير مزوجة، فإن كانت غير مزوجة أو أم ولد فلا إحداد عليها لعدم الدليل على ذلك. قال ابن المنذر رحمه الله: (( ولا أعلمهم يختلفون في أن لا إحداد على أم الولد إذا مات سيدها قال أبو بكر: وبه أقول وذلك لأنها ليست بزوجة ([105]) . وقال ابن القيم رحمه الله: (( الإحداد لا يجب على الأمة وأم الولد إذا مات سيدهما لأنهما ليسا بزوجين ([106]) .

أما إذا كانت الأمة مزوجة فهي داخلة في عموم الأخبار الدالة على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها وهو قول الجمهور ومنهم الحنفية ([107]) والمالكية ([108]) والشافعية ([109]) والحنابلة ([110]) ، وغيرهم . قال ابن المنذر رحمه الله: (( والأمة داخلة في جملة الأزواج ([111]) وقد ذكر الباجي رحمه الله عن أبي حنيفة عدم وجوب الإحداد على الأمة ([112]) والذي في كتب الحنفية الوجوب والله أعلم.

المسألة السادسة: حكم إحداد المعتدة من طلاق .

المراد بهذه المسألة هو بيان خلاف أهل العلم رحمهم الله في ثبوت أحكام الإحداد بالطلاق . وقبل الخوض في أقوالهم يحسن بنا تحرير محل النزاع في المسألة. فاعلم بارك الله فيك أن أهل العلم رحمهم الله متفقون على أن المطلقة الرجعية لا إحداد عليها بالطلاق، بل ينبغي لها أن تتجمل وتتزين وتتعرض لمطلقها لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ([113]) . وذهب بعض الشافعية إلى استحباب الإحداد للرجعية إذا طلقت مدة عدتها ([114]) . واتفق أهل العلم أيضاً على أن المطلقة قبل الدخول لا إحداد عليها بالطلاق ([115]) . فتبين أن محل الخلاف هو في المعتدة من طلاق بائن بينونة صغرى كالمخلوعة والمفسوخة، أو كبرى كالمطلقة ثلاثاً . وللعلماء في هذه المسألة قولان:

القول الأول: وجوب الإحداد على المعتدة من طلاق بائن، وهو مذهب الحنفية ([116]) والشافعي في القديم ([117]) ورواية في مذهب أحمد وعليه أكثر أصحابه ([118]) وقال به سعيد بن المسيب وأبو عبيد وأبو ثور ([119]) واستدلوا بما يلي:

أولاً: حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي ﷺ‬ (( نهى المعتدة أن تختضب بالحناء فإن الحناء طيب )) . وفي لفظ آخر : (( نهى المعتدة عن التكحل والدهن والخضاب والحناء وقال: الحناء طيب ([120]) .قالوا: وهذا عام في كل معتدة فيشمل المعتدة من وفاة أو من طلاق ([121]) .

ثانياً: ما روي موقوفاً على إبراهيم النخعي وهو من التابعين قال: المطلقة والمختلعة والمتوفى عنها والملاعنة لا يختضبن ولا يتطيبن ولا يلبسن ثوباً ولا يخرجن من بيوتهن . قالوا: (( وإبراهيم أدرك عصر الصحابة وزاحمهم في الفتوى فيجوز تقليده ([122]) .

ثالثاً: قياس المبتوتة على المتوفى عنها زوجها وذلك للاتفاق بينهما في بعض الأحكام . قال الطحاوي رحمه الله بعد ذكره الأحاديث التي فيها نهي المطلقة عن الخروج من منزلها: (( فلما ساوت – أي المطلقة المبتوتة – المتوفى عنها زوجها في وجوب بعض الإحداد عليها ساوتها في وجوب كليته عليها )) ([123]) ، وأيضاً لاتفاقهما في فوات نعمة النكاح. قال السرخسي رحمه الله: فهي كالمتوفى عنها زوجها وتأثيره أن الحداد إظهار التأسف على فوات نعمة النكاح والوطء الحلال بسببه، وذلك موجود في المبتوتة كوجوده في المتوفى عنها زوجها. وعين الزوج ما كان مقصوداً لها حتى يكون التحزن بفواته، بل كان مقصودها ما ذكرنا من النعمة وذلك يفوتها في الطلاق والوفاة بصفة واحدة ([124]) ، ومن مسوغات قياس المبتوتة على المتوفى عنها زوجها اشتركهما في العدة ([125]) .

رابعاً: أن المعنى الذي من أجله فرض الحداد على المتوفى عنها زوجها موجود في المطلقة طلاقاً بائناً إذ المقصود به أن لا يتشوف إليها الرجال في العدة ولا تتشوف إليهم وذلك سداً للذريعة في مكان حفظ الأنساب ([126]) .

القول الثاني: عدم وجوب الإحداد على المعتدة من طلاق بائن، وهو مذهب المالكية ([127]) والشافعي في الجديد ([128]) ورواية في مذهب أحمد ([129]) هي المذهب عند الأصحاب([130]). وقال به عطاء وربيعة ([131]) وابن عبدالبر ([132]) وابن القيم([133])، والشوكاني ([134]) وغيرهم .

واستدل أصحاب هذا القول بأن النصوص الموجبة للإحداد لا تتناول المطلقة فعلى من أوجبه الدليل ([135]) . قال ابن القيم رحمه الله: (( الذي دلت عليه السنة أثبتت ونفت فخصت بالإحداد الواجب الزوجات، وبالجائز غيرهن على الأموات خاصة وما عداها فهو داخل في حكم التحريم على الأموات فمن أين لكم دخوله على المطلقة البائن؟ ([136]) . وقال الباجي رحمه الله: وقوله ﷺ‬ : أن تحد على ميت ) يقتضي اختصاص هذا الحكم بالوفاة، وأما المطلقة فلا تعلق لها بالحديث ([137]) .

وأجابوا عن أدلة القول الأول بما يلي:

أولاً: الحديث الذي استدلوا به لم يثبت فلا يعتمد عليه في اثبات الحكم. ثم إنه لو صح فغنه يدل على وجوب الإحداد على المعتدة مطلقاً وذلك أن هذا الحديث عام خصصته الأحاديث التي فيها إلزام المتوفى عنها زوجها بالإحداد إذ أن تلك الأحاديث منعت الإحداد على ميت فوق ثلاث إلا للمتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً فحصر الحكم في هذه الصورة وهي من جملة المعتدات فصح حمل الحديث عليها .

ولقائل أن يقول: لمَ حصرتم دلالة الحديث على المتوفى عنها زوجها مع أن لفظ المعتدة عام يشمل المعتدة من وفاة أو طلاق ؟ .

فالجواب: أنه لما كان عموم هذا الحديث قد دخله التخصيص وذلك في المطلقة قبل الدخول اتفاقاًن بقي عندنا المعتدة من وفاة والمعتدة المبتوتة، وقد ورد النص صريحاً بلزوم الغحداد للمعتدة من وفاة وحصر الحكم فيها . أما المعتدة المبتوتة فلا دليل على دخولها إلا العموم المخصص الذي عارضه منطوق أحاديث وجوب الإحداد على المعتدة من وفاة فلا يصح الاستدلال به، ووجب حمله على ما يوافق الأحاديث الصحيحة الصريحة كي تجتمع الأدلة .

ثانيا: احتجاجكم بقول إبراهيم النخعي لأنه أدرك الصحابة وزاحمهم في الفتوى، فيجوز تقليده فهذا قد يسوغ عند فقدان النصوصن أما وظواهر الأدلة تدل على خلاف قوله فلا يسوغ لنا أن نقلده أو أحداً من العلماء وندع ظواهر الكتاب والسنة .

ثالثاً: اعتمادكم القياس في إثبات الحكم للمعتدة المبتوتة غير سائغ وذلك أنه قياس في مقابلة النص ثم هو قياس غير صحيح من عدة وجوه:

الأول: من شروط العلة التي من أجلها يلحق الفرع بالأصل أن لا تخالف نصاً أو إجماعاً وذلك القياس لا يقاومهما ([138]) . فقياسكم المعتدة المبتوتة على المعتدة من وفاة لتوافقهما في بعض الأحكام غير صحيح لمقابلته قول الله تعالى: ] قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق [([139]). قال ابن القيم رحمه الله: قد أنكر الله سبحانه وتعالى على من حرم زينته التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يحرم من الزينة إلا ماحرم الله ورسوله، والله سبحانه قد حرم على لسان رسوله ﷺ‬ زينة الإحداد على المتوفى عنها مدة العدة وأباح رسوله الإحداد بتركها على غير الزوج فلا يجوز تحريم غير ما حرمه بل هو على أصل الإباحة ([140]) . وقال الشافعي رحمه الله بعد ذكره بعض أوجه التشابه بين المتوفى عنها والمطلقة طلاقاً بائناً: ولا يبين لي أن أوجبه عليها لأنهما قد يختلفان في حال وإن اجتمعا في غيره )) ([141]) . وهو أيضاً قياس مقابل لمفهوم قوله ﷺ‬ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ([142]) فإن ظاهر الحديث أن الإحداد ممنوع في الأصل إلا في حالين على القريب ثلاثة أيام والمتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً، فقياس حال الموت على حال الحياة من أبطل القياس لتباين الحالين . قال الزركشي رحمه الله: (( والثانية وهي اختيار أبي بكر في الخلاف وابن شهاب لا يحرم إلا امرأة توفي عنها زوجها ([143]) . وقال النووي رحمه الله: (( ودليل من قال: لا إحداد على المطلقة ثلاثاً قوله ﷺ‬ : إلا على الميت فخص الإحداد بالميت بعد تحريمه في غيره ([144]) .

الثاني: قولكم في تعليل ما ذهبتم إليه من إلحاق المعتدة المبتوتة بالمعتدة من الوفاة بأنه لإظهار التأسف على فوات نعمة النكاح هو قياس مع الفارق. فهل يستوي عقلاً من بقي مع زوجه إلى أن فرّق بينهما الموت ومن فارق زوجه في الحياة بطوعه واختياره ؟ الجواب أنهما لا يستويان وهذا مستقر عند أهل العلم والعقل . قال ابن مفلح رحمه الله: (( فأما البائن فغنه فارقها باختياره وقطع نكاحها فلا معنى لتكلفها الحزن عليه ([145]) ، وقال الباجي رحمه الله: ((وهو أن المتوفى فارق زوجه وهو على نهاية الإشفاق عليها والرغبة فيها ولم تكن المفارقة من قبله فلزمها لذلك الإحداد وإظهار الحزن والمطلقة فارقها مختاراً لفراقها متابعاً لها فلا يتعلق بها حكم الإحداد كالملاعنة ([146]) . ثم إن الإحداد على فوات الزوج لا مجرد فوات الزوجية ([147]) لأنه يمكن خصولها أما الزوج فلا بعد موته .

الثالث: قولكم: اتفاق المعتدة من طلاق مع المعتدة من وفاة في المعنى حيث إنهما اتفقا في المنع من النكاح مدتهما فمنعت دواعية في كلتا المدتين سداً للذريعة ومنعاً للاستعجال، فالجواب عليه أنه: ليس المقصود من الإحداد على الزوج الميت مجرد ما ذكرتم من طلب الاستعجال فإن العدة فيه لم تكن لمجرد العلم ببراءة الرحم، ولهذا تجب قبل الدخول وإنما هو من تعظيم العقد وإظهار خطره وشرفه وأنه عند الله بمكان فجعلت العدة تحريماً له وجعل الإحداد من تمام هذا المقصود وتأكيده ومزيد الاعتناء ([148]) .

الرابع: قياسكم المطلقة المبتوتة على المتوفى عنها زوجها في وجوب الإحداد بجامع اشتراكهما في العدة بعيد جداً إذ إنهما اختلفا في السبب وفي قدر العدة أيضاً . فإن سبب عدة المتوفى عنها زوجها الموت وعدتها أربعة أشهر وعشر. وأما المبتوتة فإن سبب عدتها الطلاق وعدتها بالأقراء . قال ابن القيم رحمه الله بعد ذكر الاتفاق على عدم وجوب العدة على الموطوءة بشبهة ولا على المزني بها أو المستبرأة أو الرجعية: (( وهذا القياس – أي المبتوتة على الرعية ومن شابهها – أولى من قياسها على المتوفى عنها لما بين العدتين من (الفروق) قدراً أو سبباً وحكماً، فإلحاق عدة الأقراء بالأقراء أولى من إلحاق عدة الأقراء بعدة الوفاة ([149]) . وقال ابن حزم رحمه الله: (( ثم يقال لهم: هلاَّ أوجبتم الإحداد على الملاعنة والمختلعة والمطلقة عندكم طلاقاً بائناً فكل هؤلاء عندكم مفارقات لأزواجهن وأيضاًُ سمى الله عز وجل المطلقة طلاقاً رجعياً مفارقة لزوجها بتمام عدتها إذ يقول الله تعالى: ] فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوف [ ([150]) ولا خلاف في أنه لا إحداد عليها لا في العدة ولا بعد العدة وقد فرق الله تعالى بين ما جمعوا بينه فجعل عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً وعدة المبتوتة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر فلاح فساد من قاس إحداهما على الأخر وبالله التوفيق ([151]) . وبهذا كله يتبين ضعف هذا القياس ورجحان عدم الوجوب والله أعلم .

القول الثالث: استحباب الإحداد للمبتوتة وهو القول الجديد للشافعي ([152]) وأصحابه ([153])  قال الشافعي رحمه الله: (( وأحب إليَّ للمطلقة طلاقاً بائناً لا يملك زوجها الرجعة تحد إحداداً المتوفى عنها حتى تنقضي عدتها من الطلاق([154]) . وقال ابن المنذر رحمه الله: ورخص فيه عطاء بن المنذر أبي رباح وربيعة ومالك ([155]) .

والذي يبدو أن هذا القول إنما قال به الشافعي وأصحابه لأن أدلة الوجوب لم تقو على إثباته فرأوا الاستحباب لوجاهة بعض ما استدل به القائلون بالوجوب . فالجواب على هذا أن يقال : الاستحباب حكم من الأحكام الشرعية فلا بد له من دليل يستند إليه . وقد اتضح في مناقشة أدلة القائلين بالوجوب ضعف ما استدلوا به من النص والقياس فلا وجاهة فيما قالوا فوجب القول بمقتضى الدليل من التخصيص الحكم بالعدة من الوفاة والله أعلم .


 الفصل الثالث

 زمن الإحداد

المراد بزمن الإحداد مدته وابتداؤه وانتهاؤه،وسنتحدث عنه في عدة مباحث إن شاء الله تعالى .

 المبحث الأول

 مـدة الإحداد

تختلف مدة الإحداد باختلاف الميت المحدّ عليه وذلك على قسمين:

القسم الأول: مدة الإحداد على غير الزوج:

وردت الأحاديث النبوية ناصة على أنه يجوز الإحداد على غير الزوج ثلاث ليال فقط . قال رسول الله ﷺ‬: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث  ([156]) فدل الحديث على إباحة الإحداد ثلاثة أيام ومنعه فيما زاد على ذلك. وقال القرطبي رحمه الله: (( وفي قوله ﷺ‬ ( فوق ثلاث إلا على زوج ) دليل تحريم إحداد المسلمات على غير أزواجهن فوق ثلاث وإباحة الإحداد عليهم ثلاثاً ([157]) . ومما يدل على إباحته في الثلاث فقط ما رواه الشيخان من حديث بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي ﷺ‬ حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب فدعت بطيب فيه صفوة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول على المنبر: (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )) ([158]) .

فهذه أم حبيبة رضي الله عنها فهمت من إباحته في الثلاث منعه فيما زاد ولذلك تطيبت مع عدم حاجتها إلى الطيب. وقد ورد عن زينب بنت جحش رضي الله عنها مثل هذا في إحدادها على أخيها. فلا يجوز الإحداد على ميت فوق ثلاثة أيام كائناً من كان إلا على الزوج وهذا مذهب عامة أهل العلم رحمهم الله ([159]) .

ويشكل على هذا ما أخرجه أبو داود في مراسليه ([160]) من طريق جرير بن حازم قال: سمعت عمرو بت شعيب أن رسول الله ﷺ‬ (( رخص للمرأة أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها وعلى أبيها سبعة أيام وعلى من سواهما ثلاثة أيام )) . فظاهر الحديث جواز ما فوق الثلاثة إلى السبعة في حق الأب وهو مخالف لعموم الأحاديث التي لم تفرق بين الأب وغيره .

والجواب على هذا الحديث من وجهين :

أولاً: الحديث أرسله عمرو بت شعيب وهو من صغار التابعين فإن ابن حجر جعله من الطبقة الخامسة في التقريب ([161]) وقال في هذه الطبقة: الطبقة الصغرى منهم – أي التابعين – الذين رأوا الواحد والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كالأعمش ([162]) ، وقد قيل إنه ليس من التابعين فعلى تسليم أنه من التابعين فإنه من صغارهم كما رأيت فإن جل روايته عن صغار الصحابة، ومرسل هؤلاء الصواب فيه ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله وكثير من المتقدمين من أن المعتبر منها مراسيل كبار التابعين إذا أسند أو قوي بمرسل مقبول أو قول صحابي أو فتوى لجماعات من العلماء بمثل ما نص عليه ([163]) ولهذا أسقط ابن حجر رحمه الله الاعتبار به فقال: (( لكنه مرسل أو معضل([164]) فعليه يكون الحديث ضعيفاً من ناحية السند، ثم لو صح سنده لأمكن القول بشذوذه إذ الأحاديث كلها متفقة على منع الزيادة على الثلاث إلا على الزوج أربعة أشهر وعشراً .

ثانياً: لو رد كل ما ذكرنا سابقاً وسلم بصحته وعدم شذوذه لأمكن أن يقال: إن هذا الحديث مخصص لعموم الأحاديث الأخرى فإنه يخرج الأب من عموم الأحاديث فيجوز الإحداد عليه سبعة أيام ويبقى من سواه داخلاً في العموم فلا يشغب هذا الحديث على عموم الأحاديث الأخرى بعد ذلك. وأشار الحافظ ابن حجر رحمه لله تعالى إلى هذا فقال: (( فلو صح لكان خصوص الأب يخرج من هذا العموم )) ([165]) .

فالخلاصة أنه لا يجوز لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت كائناً من كان فوق ثلاث إلى على زوج أربعة أشهر وعشراً والله أعلم .

القسم الثاني: مدة الإحداد على الزوج .

لما كانت عدة المتوفى عنها ظرفاً لإحدادها لزمنا البحث في عدتها: فنقول: المتوفى عنها لا تخلو من أن تكون حائلاً أو حاملاً ولكل واحدة عدة تخصها .

النوع الأول: عدة الحائل .

الحائل هي غير الحامل . وهي إما أن تكون مدخولاً بها أو غير مدخول بها وكلا الصنفين عدته من الوفاة أربعة أشهر وعشر. لعموم قوله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً[ ([166]) ، ولما أخرجه الشيخان مرفوعاً (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )) ([167]) فظاهر الآية والحديث يشملهما فلا فرق بين مدخول بها وغير مدخول بها . قال الزركشي رحمه الله : (( ولا فرق بين قبل الدخول وبعده إعمالاً لعموم الآية والخبر )) ([168]) .

وقال ابن القيم رحمه الله: وأما عدة الوفاة فتجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل اتفاقاً كما دل عليه عموم القرآن والسنة ([169]) .

ولما كانت غير المدخول بها تفارق المدخول بها في عدة المفارقة حال الحياة  ورد النص الدال لى استوائهما في المفارقة بالوفاة . فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: (( لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث )) فقام معقل بن سنان رضي الله عنه فقال: (( قضى رسول الله ﷺ‬ في بروع بنت واشق امرأة منا مثل الذي قضيت )) ففرح بها ابن مسعود. رواه الخمسة وابن حبان والحاكم بسند صحيح كما تقدم ([170]) . وهذا قد أجمع عليه العلماء رحمهم الله .

قال ابن المنذر رحمه الله: (( وأجمعوا أن عدة الحرة المسلمة التي ليست بحامل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر مدخولاً بها أو غير مدخول، صغيرة لم تبلغ أو كبيرة قد بلغت )) ([171]) وحكاه أيضاً في الإشراف ([172]) .

وإذا ثبت لزوم العدة للحائل مدخولاً بها أو غير مدخول فإن النصوص دلت على أن مدة الإحداد هي مدة العدة كما تقدم، فتحد الحائل المتوفى عنها أربعة أشهر وعشراً. قال ابن قدامة رحمه الله: (( فإن قيل: ألا حملتم الآية ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً[ لعلى المدخول بها. كما قلتم في قوله تعالى ] وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء [ ([173]) قلنا إنما خصصنا هذه بقوله تعالى ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [ ([174]) ولم يرد تخصيص عدة الوفاة ولا أمكن قياسها على المطلقة في التخصيص لوجهين .

أحدهما: أن النكاح عقد عمر فإذا مات انتهى والشيء إذا انتهى تقرت أحكامه كتقرر أحكام الصيام بدخول الليل، وأحكام الإجارة بانقضائها، والعدة من أحكامه.

الثاني: أن المطلقة إذا أتت بولد يمكن الزوج تكذيبها ونفيه باللعان وهذا ممتنع في حق الميت فلا يؤمن أن تأتي بولد فيلحق الميت نسبه ومماله من ينفيه فاحتطنا بإيجاب العدة عليها لحفظها من التصرف والمبيت في غير منزلها حفظاً لها ([175]) .

النوع الثاني: عدة الحامل.

أختلف أهل العلم في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها على ثلاثة أقوال.

القول الأول: أن الحامل أجلها أن تضع حملها ولو بعد الوفاة بوقت يسير ولو قبل دفنه. وهو مذهب أكثر العلماء ([176]) ومنهم الأئمة الأربعة ([177]) وحكى ابن قدامة الإجماع عليه فقال: (( وأجمعوا أيضاً على أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً وضع حملها إلا ابن عباس . وروي عن علي من وجه منقطع أنها تعتد بأقصى الأجلين ([178]) ، وحكاه أيضاً ابن عبدالبر رحمه الله .

أدلة القول الأول:

أولاً: قال الله تعالى: ] وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [ فالآية دالة على أن كل حامل أجلها وضع الحمل ومعلوم عند جمهور المفسرين أن آية الطلاق متأخرة عن آية البقرة، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (( نزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى )) ([179]) وهو قال جمهور الصحابة رضي الله عنهم ([180]) ومن بعدهم . قال ابن النحاس: وهذا أعني أن قوله تعالى: ] وَأُولاتُ الأَحْمَال [ ناسخة للتي في البقرة أو مبينة لها – قول أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء ([181]) ، والذي جعلهم يقولون هذا هو تعارض العمومين فإن عموم البقرة يشمل الحامل والحائل وعموم آية الطلاق يشمل المطلقة والمتوفى عنها فلا بد من حمل أحد العمومين لآية البقرة وبهذا نعمل بالآيتين فنقول: كل متوفى عنها تعتد أربعة أشهر وعشراً إلا الحامل فإن أجلها وضع حملها ([182]) .

واستدل بعضهم على شمول آية ] وَأُولاتُ الْأَحْمَال [ للمتوفى عنها بما روي عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه سأل النبي ﷺ‬ عن قوله تعالى ] وَأُولاتُ الْأَحْمَال [ للمطلقة ثلاثاً ؟ فقال ﷺ‬ (( هي للمطلقة ثلاثاً وللمتوفى عنها زوجها )) إلا أن الحديث لا يصح عند التحقيق ولو صح لكان نصاً في محل النزاع .

الثاني: عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي ﷺ‬ : أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها توفي عنها وهي حبلى فخطبها أبو السنابل بن بعكك فأبت أن تنكحه فقال: والله ما يصلح أن تنكحيه حتى تعتدي آخر الأجلين فمكثت قريباً من عشر ليال ثم جاءت النبي ﷺ‬ فقال: انكحي )) رواه الجماعة ([183]) . وروايات هذا الحديث متعددة كلها فيها إذن النبي ﷺ‬ لسبيعة في النكاح إذا وضعت حملها ورده لما قال أبو السنابل رضي الله عنه . وهذا الحديث متأخر عن آية البقرة فإن القصة إنما وقعت في حجة الوداع فإن زوجها الذي توفي عنها هو سعد بن خولة رضي الله عنها وقد توفي في حجة الوداع كما في الصحيحين ولفظه: فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل . فتبين بهذا أن عموم آية البقرة: ] وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [ مخصوص بآية الطلاق : ] وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [ .

قال القرطبي رحمه الله: (( فبين الحديث – أي حديث سبيعة الأسلمية – أن قوله تعالى: ] وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [ محمول على عمومه في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن، وأن عدة الوفاة مختصة بالحائل من الصنفين ([184]) .

وقال ابن عبدالبر رحمه الله: لما كان عموم الآيتين معارضاً – أعني قول الله عز وجل: ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [ وقوله ]وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُن [ - لم يكن بد من بيان رسول الله ﷺ‬ لمراد الله منهما على ما أمره الله عز وجل بقوله ] وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [ ([185]) فبين رسول الله ﷺ‬ مراد الله من ذلك بما أفتى به سبيعة الأسلمية، فكل ما خالف       لك فلا معنى له من جهة الحجة وبالله التوفيق ([186]) .

وقال البغوي رحمه الله: (( وعامة الفقهاء خصوا الآية بخبر سبيعة ([187]) ، وعلل الجمهور لهذا القول بتعليلين، قال ابن قدامة رحمه الله: (( ويحقق أن العدة إنما شرعت لمعرفة براءتها من الحمل، ووضعه أدل الأشياء على البراءة منه فوجب أن تنقضي به العدة ولأنه لا خلاف في بقاء العدة ببقاء الحمل فوجب أن تنقضي به كما في حق المطلقة ([188]) .

القول الثاني: أن الحامل تعتد بأطول الأجلين، روي هذا عن علي وابن عباس رضي الله عنهم ([189]) ، واختاره ابن سحنون رحمه الله ([190]) .

وعلة قولهم هذا هو تعارض العمومين، عموم قوله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ[ وعموم قوله: ] وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [ 

قال ابن عبدالبر رحمه الله: (( وأما مذهب علي وابن عباس – في هذه المسألة – فمعناه الأخذ باليقين .


 المبحث الثاني

 أقسام الإحداد الحكمية

ينقسم الإحداد من حيث حكمه الشرعي إلى قسمين :

القسم الأول : الإحداد الشرعي .

وهو ما كان وفق أمر الله ورسوله ، وهو نوعان :

النوع الأول : إحداد المرأة على زوجها المتوفى عنها .

النوع الثاني : إحداد المرأة على غير زوجها .

وسيأتي بسط وتفصيل لاحكام كل من النوعين وأدلته في فصل أحكام الإحداد إن شاء الله تعالى .

القسم الثاني : الإحداد الجاهلي .

وهو ما لم يكن على أمر الله ورسوله ، وهو نوعان :

النوع الأول : الإحداد الجاهلي القديم .

إن الناظر في أحوال المرأة قبل الإسلام ليوقن إيقاناً لا يخالطه ريب أنها كانت تعاني ألواناً عديدة من الظلم والحيف والجور ، ومن الصور التي يتجلى فيها العدوان على المرأة والظلم لها في تلك العصور المظلمة وله صلة بموضوعنا هو طريقة إحداد المرأة على زوجها إذا توفي عنها ، فقد نقلت لنا دواوين السنة وكتب الآثار تلك الصورة البشعة التي كان يمارسها المجتمع الجاهلي على المرأة. فالمرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها عمدت إلى شر بيتها فلبثت فيه حولاً ولبست أطمار ثيابها فلا تغتسل ولا تتنظف ولا ترى شمساً ولا ريحاً ، حتى إذا حال عليها الحول خرجت بأقبح منظر وأفظع مرأى ، فتؤتى بدابة – حمار أو شاة أو طائر – فتمسح به جلدها فلا يكاد يعيش بعدما تتمسح به مما يجد من أوساخها وروائحها . وقد ذكر النبي ﷺ‬ بعض النساء لما أرادت أن تترخص لابنتها في الكحل فقال ﷺ‬ : (( إنما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالعرة على رأس الحول )) . وقد سئلت زينب – راوية الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها – وما ترمي بالبعرة على رأس الحول ؟ فقالت : (( كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حشفاً ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً حتى تمر السنة ثم تؤتى بدابة – حمار أو شاة أو طائر – فتفتض به فقلما بشيء إلا مات ، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره  ([191]) .

النوع الثاني : الإحداد الجاهلي الحديث .

إن إطلاق لفظة جاهلي على شئ ما ليس وقفاً على زمان أو مكان معينين ، بل هو وصف متى ما بدت معالمه وقامت رسومه وجد . فهو وصف يخترق حدود الزمان والمكان ، فلا غرابة أن نطلق في هذا الزمان المتطور المستنير بالعلوم المادية على كل ما خالف الهدي الرباني بأنه جاهلي ، إذ الجاهلية متضمنة لعدم العلم أو لعدم العمل به كما قال شيخ الإسلام رحمه الله ([192]) .

وقال الأستاذ محمد قطب : (( ليست الجاهلية صورة معينة محدودة كما يتصورها الطيبون الذين يرون أنها فترة تاريخية مضت إلى غير رجوع . إنما هي جوهر معين يمكن أن يتخذ صوراً شتى بحسب البيئة والظروف والزمان فتتشابه كلها في أنها جاهلية وإن اختلفت مظاهرها كل الإختلاف)).

وقال أيضاً : (( إنما الجاهلية – كما عناها القرآن وحددها – حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدي الله ووضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله  ] أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [ ([193])([194]).

ولما كان مصدر التشريع الجاهلي هو الهوى والشيطان لا هدى الرحمن، ظهر التخبط والإضطراب في التشريعات والأحكام الجاهلية . وفي موضوعنا بالخصوص ظهر هذا الاضطراب جلياً ، ففي الوقت الذي يحرق فيه بعض أصحاب الديانات المرأة بعد موت زوجها كما هو الحال عند البوذيين والهنادكة ، يفترش المرأة عشيقها ليلة وفاة زوجها في المجتمعات الغربية والانحلالية الإباحية ، هذه صورة من صور الحياة الجاهلية في هذا العصر المفتون .

ومن صور الإحداد الجاهلي المعاصر الإحداد العام في الدول لموت رئيس أو عظيم أو حلول مصاب عام ، ومن مظاهر هذا الإحداد إيقاف الأعمال وتنكيس الأعلام ([195]) وتغيير برامج الإعلام بما يناسب المقام من ثناء على الميت وذكر أعماله وغير ذلك مما يندرج تحت تقديس الأشخاص وتعظيمهم .

ولا يشك عالم بقواعد الشريعة ونصوصها، عارف بسيرة أهل القرون الفاضلة، أن هذا العفل ليس مما يجيئ بمثله الشرع الحنيف ولا فعله السلف الصالح مع كثرة من فقدوا رحكمهم الله من العظماء والأكابر . فهؤلاء الصحابة خير القرون رضي الله عنهم ما فيهم خير الخلق وسيد البشر وخليل الرحمن النعمة المسداة والرحمة المهداة رسولنا محمد بن عبدالله ﷺ‬ ، فلم يفعلوا ما فعله المتأخرون مع الصعاليك العظماء، فدل ذلك على عدم مشروعيته إذ لو كان مشروعاً لفعلوه مع إمام العظماء نبينا محمد ﷺ‬ .

وتقدم نقل الإجماع على أن الإحداد مما اختصت به النساء دون الرجال ، وهي إنما تحد على زوجها المتوفى عنها أربعة أشهر وعشراً ، أو على غيره ثلاثة أيام . أما ما سوى ذلك فهو من الإحداد الممنوع .

ولا شك أن تعطيل أعمال الناس لأجل موت أحدهم فيه إفساد لمصالح الأحياء وإهدار لطاقاتهم وربطهم بالموتى وكأن الإحداد المبتدع مما أخذه بعض المسلمين عن الكفار، ومعلوم من نصوص الكتاب والسنة أن التشبه بهم ممنوع، قال الله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [ ([196]) ، والتشبه بهم من موالاتهم . وقد نهى النبي ﷺ‬ (( ومن تشبه بقوم فهو منهم ))  رواه أحمد وأبو داود ([197]) . وقال شيخ الإسلام رحمه الله بعد هذا الحديث : وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم )) ([198]) .

فالحديث الوارد حجة في محل النزاع فكل حجة مطروحة عند قوله ﷺ‬ وتفسيره.

ثانياً: عموم آية الطلاق أوسع من عموم آية البقرة فيقدم عليها قال ابن القيم رحمه الله: (( وفي القرآن ما يدل على تقديم آية الطلاق في العمل بها وهو أن قوله تعالى: ]أَجَلَهُنّ[ مضاف ومضاف إليه وهو يفيد العموم أي هذا مجموع أجلهن لا أجل لهن غيره . وأما قوله : ] يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ [ فهو فعل مطلق لا عموم له، فإذا عمل به في غير الحامل كان تقييداً لمطلقه بآية الطلاق ([199]) .

ثالثاً: قوله تعالى في آية البقرة: ]أَزْوَاجاً[ لا تفيد العموم لأنها جمع منكر والجمع المنكر لا عموم له عند جمهور الأصوليين ([200]) ، ذكر هذا الوجه الشوكاني ([201]) والشنقيطي رحمهما الله ([202]) . لكن يشكل على هذا الوجه أن أحداً من المفسرين لم يذكره إلا الشوكاني والشنقيطي رحمهما الله، وأما غيرهما من المتقدمين والمتأخرين فهم على أن الآية تفيد العموم لجميع المتوفى عنهن حتى الشوكاني رحمه الله قال في تفسيره: (( وظاهر هذه الآية العموم))([203]).

والظاهر لي أن العموم في الآية إنما استفيد من الاسم الموصول وهو قوله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ [ فإن الآية دلت على أن كل متوفى عنها فعدتها أربعة أشهر وعشر. ولقد سألت شيخنا محمد صالح العثيمين أثابه الله عما ذكرته من أن العموم مستفاد من الاسم الموصول فوافقه رعاه الله فلله الحمد والمنة.

رابعاً: رجوع بعض أصحاب هذا القول عنه لما تبين ما جاءت به السنة فلا معنى للقول به، ولذلك قال ابن حجر رحمه الله بعد نقله لاختيار ابن سحنون: (( وهو شذوذ مردود لأنه إحداث خلاف بعد استقرار الإجماع ([204]) . فهذا ابن عباس رضي الله عنه روي عنه الرجوع، ذكره الهروي رحمه الله في الناسخ والمنسوخ بسند مرسل وذكره عنه غير واحد من العلماء. قال ابن حجر رحمه الله. (( ويقال إنه رجع ويقويه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك ([205]) . القول الثالث: أن الحامل لا تنقضي عدتها إلا إذا طهرت من النفاس، وهو قول الشعبي والحسن والنخعي وحماد بن سلمة كلهم قالوا: لا تنكح حتى تطهر، وحكى عنهم ابن المنذر الكراهة فقط ([206]) . واحتجوا بحديث سبيعة الأسلمية وفيه: (( فلما تعلّت من نفاسها تجملت لخطاب ([207]) قالوا: ومعنى تعلت أي طهرت، فأجاب القرطبي رحمه الله عليهم فقال: (( والحديث حجة عليهم، ولا حجة لهم في قولها: ( فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ) كما في صحيح مسلم وأبي داود لأن تعلت وإن كان أصله طهرت من دم نفاسها – على ما قاله الخليل – فيحتمل أن يكون المراد هاهنا تعلت من آلام نفاسها أي استقلت من أوجاعها )) . ثم قال: (( ولو سلم أن معناه ما قاله الخليل فلا حجة فيه وإنما الحجة في قوله عليه الصلاة والسلام لسبيعة: ( وقد حللت حين وضعت ) فأوقع الحل في حين الوضع وعلقه عليه ولم يقل إذا انقطع دمك ولا إذا طهرت فصح ما قاله الجمهور ([208]) .


 المبحث الثاني

 مسائل متعلقة بزمن الإحداد

وهي ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: حكم انقضاء العدة بالسقط.

انقضاء العدة بالسقط يختلف باختلاف زمن الإسقاط، ويمكن تلخيصه في الحالات التالية:

الحال الأولى: أن تضع ما تبين فيه خلق الإنسان سواء قبل نفخ الروم أو بعده، فهذا تنقضي به العدة بالإجماع قال ابن المنذر رحمه الله: (( أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن عدة المرأة تنقضي بالسقط تسقطه إذا علم أنه ولد([209]) .

الحال الثانية: أن تضع مضغة لم يتبين فيها خلق إنسان ولكن شهد نساء ثقات بأن فيها صورة خفية لخلق إنسان أو شهدن أنها مبتدأ خلق إنسان فالسقط هنا يترتب عليه انقضاء العدة عند جمهور العلماء .

وبيان ذلك أنه إذا شهد القوابل بأن فيه صورة خفية فالأئمة الأربعة على انقضاء العدة به ([210]) . وأما إن شهدن بأنه مبتدأ خلق إنسان فالشافعية ورواية عن الحنابلة على أن العدة تنقضي به ([211]) وهو ما تفتي به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ([212]) .

الحال الثالثة: أن تضع ما لم يشهد القوابل بأنه مبتدأ خلق إنسان أو علقة أو نطفة فهذا لا تنقضي به العدة ولا يترتب عليه حكم عند جمهور العلماء ([213]) .

وذهب المالكية إلى أنها إن ألقت علقة فما فوق انقضت به عدتها وأما إن كان دون العلقة فليس بشيء ولا تنقضي به العدة ([214]) . واستدلوا بقوله تعالى: ] وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [ وذهب إلى هذا القول ابن حزم رحمه الله، واستدل لذلك بحديث حذيفة بن أسيد الغفاري وفيه قال ﷺ‬ (( وإذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله عليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال: (( يارب أذكر أم أثنى )) رواه مسلم([215]) . ثم قال: (( معناه خلق الجملة التي تنقسم بعد ذلك سمعاً وبصراً وجلداً ولحماً وعظاماً، فصح أو أول خلق المولود كونه علقة لا كونه نطفة وهي الماء ([216]) .

والذي يترجح أنها وضعت ما تبين فيه خلق إنسان أو شهد القوابل بأن السقط مبدأ خلق آدمي، فإنه تنقضي به العدة. وإن لم يتبين أو لم يشهد القوابل فإنه لا عبرة به ولا يتعلق به حكم وهذا هو الراجح، لا عبرة بنفخ الروح بل العبرة بالتبين. قال شيخ الإسلام: (( وإذا ألقت سقطاً انقضت به العدة وسقطت به النفقة وسواء كان قد نفخ فيه الروح أم لا إذا كان قد تبين فيه خلق الإنسان ([217]) .

أما الجواب عما استدل به المالكية من أن المراد بالآية وضع ما يعتبر حملاً، فبأن يقال: إن النطفة والعلقة والمضغة التي لم تخلق دم ولا عبرة به، فهو كدم العرق لا يثبت به حكم.

وأما ما استدل به ابن حزم رحمه الله فأقرب الأقوال فيه أن ذلك تصوير خفي غير مدرك. قال ابن القيم رحمه الله في كلامه على رواية حذيفة (( فيتعين حمله على تصوير خفي لا يدركه إحساس البشر، فإن النطفة إذا جاوزت الأربعين انتقلت علقة وحينئذ يكون أول مبدأ التخليق فيكون مع هذا المبدأ مبدأ التصوير الخفي الذي لا يناله الحس )) . ثم قال: (( وهذا التقدير الثالث باتعاظ الحديث وأشبه وأدل على القدر والله أعلم بمراد رسوله ([218]) . وهذا الذي استظهره شيخنا محمد العثيمين أثابه الله لما قرأت عليه كلام ابن القيم رحمه الله.

المسألة الثانية: حكم إحداد المغيبة .

سبق أن إحداد المتوفى عنها مرتبط بعدتها فمسألتنا هذه مبنية على عدة المغيبة وهي التي يموت زوجها ولا تعلم به إلا بعد زمن موته وفيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:

القول الأول: عدة المتوفى عنها تبدأ من يوم موت زوجها، هذا الذي عليه أكثر أهل العلم وهو قول ابن عمر وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم([219]) ، وبه قال الأئمة الأربعة وغيرهم ([220]) ، وهو اختيار ابن حزم رحمه الله وانتصر له الشوكاني رحمه الله انتصاراً قوياً فقال: (( ولم يرد في الكتاب والسنة أن العدة عند وقوع الموت أو الطلاق وإن تأخر العلم بهما لأن هذه المدة التي مضت بعد الوقوع وقبل العلم هي مدة من المدة المتعقبة لموت الزوج أو طلاقه فمن زعم أنه لا يحتسب بها فعليه الدليل، فإن عجز فهي من جملة العدة وليس على المرأة إحداد ولا غيره حتى تعلم لأنها لا تكلف بلوازم العدة إلا بعد علمها وإلا كان ذلك من تكليف الغافل وهو مجمع على هدم التكليف به. هذا على تقدير أن هذا الحكم تكليفي أعني كونَ الموت والطلاق سببين للعدة فإن كانا وضعيين فالأمر أظهر ([221]) . وعلل ابن الهمام هذا القول فقال رحمه الله: (( لأن سبب وجوب العدة الطلاق أو الوفاة فيعتبر ابتداؤها من وقت وجوب السبب ([222]) .

القول الثاني: عدة المتوفى عنها زوجها تبدأ من حين يأتيها خبر وفاة زوجها وهذا القول مروي عن أبي علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبه قال الحسن البصري وقتادة ([223]) ، وحجتهم أن العدة حق الله وحق للزوج فلا يسقط عدم العلم بل هو ثابت لا يسقط إلا بالأداء وهي لم تعلم فتعتد من علمها. والجواب عليه بأن يقال: إن كونه حق لله تعالى لا ينافي اعتدادها من حين العلم لأن النصوص ربطت العدة بحدوث الوفاة فلا تفصل عنها إلا بدليل والله أعلم.

القول الثالث: عدتها إن قامت بينة من يوم الوفاة وإن لم تقم فمن حين بلوغ الخبر، وهذا قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز ([224]) والشعبي ([225]) رحمهم الله، وهو رواية عن الإمام أحمد. قال ابن مفلح رحمه الله: (( وإن طلق غائب أو مات اعتدت منذ الفرقة وإن لم تحد، وعنه هذا إن ثبت ببينة أو كانت بوضع حمل وإلا فمن بلوغ الخبر ([226]) فأضاف رحمه الله أن لا تكون المغيبة حاملاً قد وضعت وهذا بالإجماع كما قال ابن المنذر ([227]) .

المسألة الثالثة: بيان معنى قوله تعالى: ] وَعَشْراً [ 

للعلماء في تفسير قوله تعالى] وَعَشْراً [: في آية البقرة قولان:

القول الأول: ذهب جمهور العلماء من الحنفية ([228]) والمالكية ([229]) والشافعية ([230]) والحنابلة ([231]) إلى أن المراد بالآية عشر ليال بأيامها ، فلا تحل حتى تدخل اليلة الحادية عشرة. قال ابن عطية رحمه الله: (( قال جمهور أهل العلم: ويدخل في ذلك اليوم العاشر وهو من العدة لأن الأيام مع الليالي ([232]) . وقال ابن المنذر رحمه الله: والعشرة التي مع الأربعة الأشهر عشرة أيام بلياليها ([233]) . والتمسوا لتذكير العدد في الآية عللاً فقالوا: إن المعنى وعشر مدد كل مدة يوم وليلة ، وقالوا: ذكر العدد في الآية تغليباً لحكم الليالي إذ الليلة أسبق من اليوم والأيام في ضمنها ابتداء الشهور بالليل عند الاستهلال فلما كان أول الشهر الليلة غلّب الليل، وقالوا أيضاً إن التذكير أخف في اللفظ من التأنيث ([234]) .

وأورد بعضهم فقال: إن تذكير اللفظ وإرادة الأيام والليالي غير جائز في اللغة . قال الطبري رحمه الله: (( فإن جاز ذلك المعنى فيه ما قلت – أي التذكير وإرادة الأيام والليالي جميعاً -. فهل تجيز: (عندي عشر) وأنت تريد عشرة من رجال ونساء ؟ قلت: ذلك جائز في عدد الليالي والأيام غير جائز مثله في عدد بني آدم من الرجال والنساء وذلك أن العرب في الأيام والليالي خاصة إذا أبهمت العدد غلبت في الليالي حتى إنهم فيما روي لنا يقولون: ( صمنا عشراً من شهر رمضان ) لتغليبهم الليالي على الأيام وذلك أن العدد عندهم قد جرى في ذلك فإن أظهروا مع العدد مفسرة أسقطوا من عدد المؤنث (( الهاء ))  وأثبتوها في عدد المذكر كما قال تعالى ذكره: ]سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً[ ([235]) فأسقط الهاء من سبع وأثبتها في الثمانية. وأما بنو آدم فإن من شأن العرب إذا اجتمعت الرجال والنساء ثم أبهمت عددها: أن تخرجه على عدد الذكران دون الإناث ([236]) ، وذكر نحوه النووي رحمه الله([237]).

القول الثاني: اختار الأوزاعي ويحي بن أبي كثير وبعض السلف وابن حزم رحمه الله اقتصار الحكم على الليالي فتخرج المرأة من العدة في يوم العاشر فليس من العدة بل انقضت عدتها بانقضاء عشر ليال واستندوا إلى ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قرأ (( وعشر ليال )) .

وما ذهب إليه الجمهور هو الصواب وهو اختيار شيخنا محمد العثيمين. ومهما يكن من أمر فإن المسلم إذا اختلطت عليه الأمور واشتبه الحلال بالحرام وجب عليه الأخذ بالأحوط، والاحتياط هنا أن لا تخرج من عدتها إلا بتمام يوم العاشر والفارق بين القولين من حيث المدة لا يكاد يذكر فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه والله أعلم.

وفي تخصيص عدة الوفاة بهذه المدة الطويلة علل منها أن هذه المدة يتكامل فيها خلق الإنسان ونفخ الروح فيه هي مائة وعشرون يوماً وهي الأربعة الأشهر، ولما كانت الأشهر تزيد وتنقص بنقصان الأهلة جبر الكسر إلى العقد احتياطاً([238]) . وقيل: زيد العشر لأن الروح تنفخ فيه وذكره الطبري رحمه الله عن أبي العالية وسعيد بن المسيب ([239]) . وقال ابن عطيه رحمه الله: وجعل الله تعالى العشر تكملة إذ الحركة بالجنين وذلك لنقص الشهور أو كمالها أو سرعة حركة الجنين او إبطائها ([240]) .

ومن العلل التي ذكرت في تحديد مدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر ما ذكره القاسمي رحمه الله حيث قال: (( أبدى المهايمي الحكمة في تحديد عدة المتوفى عنها بهذا القدر فقال: لئلا يتعارض في قلبها حب المتوفى وحب الجديد فأخذت مدة صبرها فتميل إلى الجديد ميلاً كلياً فينقطع في قلبها حب المتوفى وما ذكره رحمه الله فيه نظر من جهة أنه علة الحكم أو المدة والله أعلم .


 الفصل الرابع

 بيان ما يلزم الحادة على زوجها من الأحكام

 المبحث الأول

 تجنب أنواع الطيب ونحوها

أجمع كل من أوجب الإحداد على أن الحادة ممنوعة من الطيب ([241]) . ودليلهم حديث أم عطية رضي الله عنها وفيه قال النبي ﷺ‬ شأن الحادة: (( ولا تمس طيباً ))  ([242]) . وعلة هذا المنع أن الطيب مما يدعو إلى النكاح فمنعت الحادة منه لأنها ممنوعة من النكاح، واستثنى النبي ﷺ‬ الشيء اليسير عند الطهر للحاجة إليه فقال ﷺ‬ : (( إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار )) . والقسط والأظفار من أنواع الطيب فأباح للحادة النبذة وهي الشيء اليسير بعد الطهر لأنها تحتاج إلى دفع رائحة الحيض المنتنة. قال النووي رحمه الله في شرح القسط والأظفار: (( نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب والله تعالى أعلم ([243]) . وقوله ﷺ‬ (( ولا تمس طيباً )) يشمل جميع أنواع الأطياب والأدهان المطيبة والمياه المعتصرة من الأدهان الطيبة فهذه كلها من الطيب الممنوع ([244]) . وقد أدخل بعض أهل العلم الصابون والشمبو اللذين لهما رائحة طيبة في عموم الحديث لأنه من جملة الطيب واختار شيخنا عبدالعزيز بن باز وشيخنا محمد بن صالح العثيمين أثابهما الله عدم الدخول لأن الذي في الصابون ليس طيباً بل نكهة. وليس طيباً مقصودا ً إلا أن الأحوط تجنبه خروجاً من الخلاف والله أعلم.

وفي هذا المبحث عدة مسائل:

المسألة الأولى: حكم الأدهان غير المطيبة.

اختلف أهل العلم في الأدهان غير المطيبة كالزيت والشيراج والسمن والمراهم وغيرعا على قولين:

القول الأول: أن الأدهان غير المطيبة لا تمنع الحادة منها لأنها ليست طيباً فلا يشملها النص. وهذا مذهب المالكية ([245]) والحنابلة ([246]) والظاهرية ([247]) إلا أن مالكاً والشافعي ([248]) وأحمد في رواية منعوه في الرأس لأنه يزينه وهي ممنوعة من التزين .

القول الثاني: أن الأدهان غير المطيبة حكمها حكم الطيب في تحريمه على الحادة لأن الأدهان لا تخلو عن نوع طيب وفيها زينة للشعر وهذا هو مذهب الحنفية ([249]) .

والراجح أن الأدهان غير المطيبة لا بأس بها للحادة لأن النص لا يشملها ولا دليل على التحريم، أما ما يتخذ منها للزينة فإنها تمنع منه لأنها ممنوعة من الزينة في إحدادها .

المسألة الثانية: حكم أكل المطيب.

ذهب الشافعية رحمهم الله إلى أن الحادة ممنوعة من أكل الطيب. قال النووي رحمه الله: (( وطيب في بدن وثوب وطعام )) ([250]) . وعلة تحريمه في الطعام قياسه على منعه في البدن ورجحه شيخنا محمد العثيمين . وقال شيخنا عبدالعزيز بن باز إن كان له طعم ظاهر فإنها تمنع منه فلا يجوز لها شرب القهوة والمزعفرة لأنه طيب وهذا القول هو المتوجه لأن مس كل شيء بحسبه ومس الطعام بأكله فإذا كان مطيباً دخل في عموم قوله ﷺ‬ (( ولا تمس طيباً )

المسألة الثالثة: حكم التجارة بالطيب.

رجح المالكية أن الحادة يجب عليها ترك التطيب وعمله لتعلق رائحته بها فهو كالتطيب في الحقيقة وكذلك الاتجار به إن كانت تباشره بنفسها ([251]) ، لأن ما لا يتم ترك المحرم إلا به فهو محرم. واختار شيخنا محمد العثيمين أثابه الله أنه لا يجب ترك عمله أو الاتجار به لكن يجب عليها أن تتوقى مباشرته قدر الإمكان فإن أصابها منه شيء وجب عليها إزالته مباشرة، وهذا هو الراجح لأنه يفرّق بين ما مسته للتطيب وبين ما كانت تتجر به، فعليها أن تتوقى أن يعلق بها شيء منه وإن علق بها شيء مسحته، والأحوط لها أن تترك العمل به والاتجار مدة إحدادها والله أعلم .


 المبحث الثاني

 تجنب الزينة في الثياب

أجمع أهل العلم على أن الحادة يحرم عليها لبس كل ما فيه زينة من الثياب ([252]) لقوله  ﷺ‬ ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب )) ([253]) )) ([254]) ، ولقوله ﷺ‬ لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ([255]) )) . وهذا الذي عليه عامة أهل العلم، وألحقوا بالمنصوص كل ما وافقه في المعنى أو كان أولى منع بالمنع . قال ابن القيم رحمه الله: وهذا يعم المعصفر والمزعفر وسائر المصبوغ بالأحمر والأصفر والأخضر والأزرق الصافي وكل ما يصبغ للتحسين والتزين ([256]) . وقد حكى ابن المنذر رحمه الله منه هم حديث أم عطية رضي الله عنها وفيه

الإجماع على منعها من الثياب المصبغة والمعصفرة إلا ما صبغ بالسواد ففيه خلاف ([257]) . وقد أجمعوا أيضاً على أن للحادة لبس الأبيض من الثياب ومنع بعض المالكية الجيد منه ([258]) .

وقد ذهب ابن حزم إلى المنع من المصبوغ فقط. أما ما عداه من ثياب الزينة غير المصبوغة ولبس منسوج الذهب والفضة والجوهر والياقوت والزمرد وغير ذلك ومستنده أن الحديث نهى عن المصبوغ فقط ([259]) . وهذا هو الظاهر من قوله ﷺ‬ : (( ولا تلبس ثوباً مصبوغاً )) . قال ابن دقيق العيد رحمه الله: (( وقد يؤخذ من مفهوم الحديث جواز ما ليس بمصبوغ . ولكن بالنظر إلى المعنى الذي هو علة النهي يكون هذا ضرباً من الجمود . قال ابن القيم رحمه الله: فقد دار كلام الإمام أحمد والشافعي وأبي حنيفة رحمهم الله على أن الممنوع منه من الثياب ما كان من لباس الزينة من أي نوع كان وهذا هو الصواب قطعاً فإن المعنى الذي منعت من المعصفر والممشق لأجله مفهوم، والنبي ﷺ‬ خصه بالذكر مع المصبوغ تنبيهاً على ما هو مثله وأولى منه بالمنع والبرود المحبرة الرفيعة الغالية الأثمان مما يراد للزينة لارتفاعهما وتناهي جودتهما كان أولى بالمنع من الثوب المصبوغ وكل من عقل عن الله ورسوله لم يسترب في ذلك ([260]) .

وكل ما صبغ من بأصباغ لا يقصد بصبغه حسنه كالكحلي والأخضر المشبع والأسود أو صبغ لنفي الوسخ عنه أو لتقبيحه فالأئمة الأربعة ([261]) وغيرهم على جوازه لأنه لا يقصد به التزين فلا يمنع منه. وقد يدل لهذا قوله ﷺ‬ : (( ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب )) والعصب نبت تصبغ به الثياب كما رجحه ابن قدامة ([262]) وابن القيم ([263]) وقال السهيلي: الورس والعصب نبتان باليمن لا ينبتان إلا به ورجح ابن حجر([264]) رحمه الله ما ذهب إليه الأكثرون([265]) من تفسير العصب بأنه برود يمنية يعصب غزلها أي يجمع ويشد ثم يصبغ ونيسج فيأتي موشاً لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ . وعلى كلا التفسيرين فالمراد المنع من ثياب الزينة، قال ابن قدامة رحمه الله : (( فأرخص النبي صلى الله عليه وسلم  للحادة في لبس ما يصبغ لغير التحسين )) ([266]) وقال شيخنا محمد بن صالح العثيمين أثابه الله في قوله ﷺ‬ (( ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب )) : المراد ثوب الزينة وليس المعنى أنها لا تلبس إلا الأبيض، فالثياب نوعان: ثياب للتزين والتجمل فهذا لا يجوز للحادة، والنوع الآخر ثياب بذلة أي ليست للزينة فمهما كانت ألوانها فلا بأس بها ([267]) . والذي يبدو أن النبي ﷺ‬ إنما نص على المصبوغ لأنه مما يتجمل بصبغه غالباً، وذهب جماعة من أهل العلم منهم عائشة وابن عمر والزهري والثوري واسحاق وأبو ثور([268]) إلى منع الحادة من الأسود وما شابهه من الألوان مما لا يقصد بصبغه حسنه كالكحلي والأخضر المشبع والراجح جواز ذلك والله أعلم .

وقد اختلف أهل العلم في لبس الحرير للحادة فذهب الحنفية إلى منعه مطلقاً والمالكية في غير الأبيض منه ([269]) وذهب الظاهرية ([270]) والحنابلة ([271]) إلى جواز استعماله ما لم يصبغ، والأصح عند الشافعية([272]) الجواز ، وقيل: الأصح المنع([273]) . قال ابن قدامة رحمه الله. (( ولا تمنع من حسان الثياب غير المصبوغة وإن كان رقيقاً سواء كان من قطن أو كتان أو ابريسم – أي حرير – لأن حسنه من أصل خلقته فلا يلزم تغييره كما أن المرأة إذا كانت حسنة الخلقة لا يلزمها أن تغير لونها وتشوه نفسها ([274]) ))  .

والذي يترجح أن الحادة تمنع من لبس الحرير مطلقاً لأنه إنما أبيح لهن في التزين به والحادة ممنوعه منه، قال الحافظ رحمه الله: (( قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: إن قلت: إن تخصيص النهي للرجال لحكمة فالذي يظهر أنه سبحانه وتعالى علم قلة صبرهن عن التزين فلطف بهن في إباحته ولأن تزينهن غالباً إنما هو للأزواج ([275]) )) وقال ابن القيم رحمه الله: (( والبرود المحبرة الرفيعة الغالية الأثمان مما يراد للزينة لارتفاعهما وتناهي جودتهما كان أولى بالمنع من الثوب المصبوغ وكل من عقل عن الله ورسوله لم يسترب في ذلك )) ([276]) وهذا هو اختيار شيخنا محمد العثيمين أثابه الله لكن إذا احتاجت إليه مثل أن يكون حكة أو حساسية فإنه لا بأس به لدفع الحاجة فإنما حرم تحريم وسيلة أبيح للحاجة والله أعلم .


 المبحث الثالث

 تجنب الزينة في البدن

ذهب أهل العلم قاطبة إلى منع الحادة من الزينة في بدنها ([277]) وذلك بمنعها من خصلتين:

الخصلة الأولى : منعها من الخضاب .

فالحادة ممنوعة من الخضاب بالحناء ونحوه مما يكون فيه تجمل وزينة كالتشقير والتمييش والصبغ في هذا العصر ودليل هذا قوله ﷺ‬ وفي حديث أم سلمة (( المتوفي عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل )) رواه أبو داود والنسائي ([278]) . وبقوله ﷺ‬ لها رضي الله عنها لما دخل عليها : (( ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب ))  قالت : قلت بأي شيء أمتشط يارسول الله قال: (( بالسدر تغلفين به رأسك )) رواه أبوداود والنسائي  ([279]) وفي الحديث المنع من الامتشاط بالطيب والحناء وإباحة الامتشاط بالسدر لأنه ليس مما يتزين به .

الخصلة الثانية: منعها من الاكتحال

أكثر أهل العلم على أن الحادة ممنوعة من الكحل ودليله قوله ﷺ‬ (( ولا تكتحل )) ففيه منعها من الكحل ويدل عليه أيضاً ما أخرجه الشيخان عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ‬ فقالت: يارسول الله إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها ؟ قال ﷺ‬ : (( لا )) مرتين أو ثلاثاً ([280]) فإنه ﷺ‬ لم يرخص لها مع أن حاجتها داعية إليه وذهب بعض أهل العلم إلى أن الحادة لا تمنع من الكحل الذي لا زينة فيه والصواب المنع مطلقاً ورجحه الصنعاني ([281]) . وفي هذه الخصلة ثلاث مسائل :

المسألة الأولى: حكم الكحل في الضرورة .

اختلف أهل العلم في الاكتحال للحادة إذا اضطرت إليه على قولين :

القول الأول: ذهب جماعة من أهل العلم ومنهم ابن حزم رحمه الله ([282]) إلى أن الحادة لا يجوز لها الاكتحال لضرورة أو لغير ضرورة واستدلوا بحديث أم سلمة رضي الله عنها الذي فيه منعه ﷺ‬ الحادة الاكتحال مع حاجتها إليه .

القول الثاني: ذهب جمهور العلماء من الصحابة ومن بعدهم ابن عمر وعائشة وأم سلمة وأم عطية رضي الله عنهم وابن المثيب وعروة والأئمة الأربعة رحمهم الله ([283]) إلى جواز الكحل إذا اضطرت إليه تداوياً لا زينة فلها الاكتحال ليلاً وتمسحه نهاراً واستدلوا بما روته رضي الله عنها وفيه قالت دخل علي رسول الله ﷺ‬ حين توفي أبو سلمة وقد جعلت عليّ صبراً فقال ((  ما هذا يا أم سلمة )) فقلت إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب ، وقال ((  إنه يشب الوجه إليه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار )) رواه أحمد وأبو داود والنسائي ([284]) . قال في الفتاوى الهندية : وإنما يلزمها الاجتناب في حالة الاختيار ، أما في حالة الإضطرار وقد أعل هذا الحديث بما فيه الصحيحين من حديث أم سلمة رضي الله عنها وفيه قوله ﷺ‬ للتي استأذنته في الكحل لابنتها: (( لا )) مرتين أو ثلاثاً)) ([285])  .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (( وأعل بما في الصحيحين عن زينب بنت أم سلمة .. )) ([286]) وساق الحديث وأجاب ابن عبدالبر رحمه الله عن هذا فقال (( فإن ترتيب الحديث والله أعلم على أن الشكاة التي قال فيها رسول الله ﷺ‬ : (( لا )) لم تبلغ والله أعلم منها مبلغاً لابد لها فيه من الكحل بقوله هاهنا ولو كنت محتاجة إلى ذلك مضطرة تخاف ذهاب بصرها لأباح لها ذلك والله أعلم كما صنع بالتي قال لها: (اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار). والنظر يشهد بهذا التأويل لأن الضرورات تبطل المحظور إلى المباح في الأصول، وكذلك جعل مال فتوى أم سلمة هذه تفسيراً للحديث المسند في الكحل لأن أم سلمة روته وما كانت لتخالفه إذا صح عندها وهي أعلم بتأويله ومخرجه والنظر يشهد لذلك لأن المضطر إلى الشيء لا يحكم له بحكم المترفه المتزين، وليس الدواء والتداوي من الزينة في شيء وإنما نهيت الحادة عن الزينة لا عن التداوي ، وأم سلمة أعلم بما روت مع صحته في النظر وعليه أهل الفقه وبه قال مالك والشافعي وأكثر الفقهاء ([287]) )) .

فتلخص لنا من كلامه رحمه الله ثلاثة أجوبة:

الأول: أن التي استأذنت لابنتها في الكحل لم يبلغ ما بها حد الضرورة خلافاً لأم سلمة رضي الله عنها، فإنها اضطرت إليه فأباحه لها.

الثاني: أن النظر يشهد للإباحة عند الضرورة لأن الضرورات تبيح المحظورات.

الثالث: أن فتوى أم سلمة راوية الحديث تفسر المراد به فقد روى مالك رحمه الله بلاغا: (( أن أم سلمة زوج النبي ﷺ‬ قالت لامرأة حاد على زوجها اشتكت عينها فبلغ ذلك منها: اكتحلي بكحل الجلاء بالليل وامسحيه بالنهار ([288]) . وذكر غيره جواباً رابعاً: أن النهي في حديث المنع مع الضرورة إنما كان عن جحل مخصوص وهو ما يقتضي التزين لأنه يمكن التداوي بما لا زينة فيه ([289]) .

ولا تخلو أكثر هذه الأجوبة من اعتراض، وإليك هذه الاعتراضات:

الاعتراض الأول: ما ذكره ابن عبدالبر رحمه الله من أن ابنة الشاكية لم تبلغ لها الحال حد الضرورة، قال فيه ابن حجر رحمه الله: (( وتعقب بأن في حديث شعبة المذكور ( فخشوا على عينها ) وفي رواية ابن مند المتقدم ذكرها (رمدت رمداً شديداً وقد خشيت على بصرها) وفي رواية الطبراني أنها قالت في المرة الثانية: ( أنها تشتكي عينها فوق ما يظن فقال: لا ) وفي رواية ابن القاسم بن أصبغ أخرجها ابن حزم (إني أخشى أن تنفقي عينها، قال: لا وإن انفقأت) وسنده صحيح ([290]) .

ومجموع هذا يبين أن الشكاة كانت عن ضرورة.

الاعتراض الثاني: احتجاجهم بفتوى أم سلمة وهي رواية الحديث فتفسيرها بيان لمراد رسول الله ﷺ‬ مردود بأن العبرة بما روت لا بما رأت.

الاعتراض الثالث: فولهم: إن النهي كان عن كحل مخصوص وهو ما يقتضي التزين به لأنه يمكن التداوي بما لا زينة فيه. فالجواب عليه بأن يقال: إن المرأة لم تخص نوعاً معيناً في شكاتها بل سألت عن الاكتحال مطلقاً، فأجابها ﷺ‬ بالمنع فدل على منعه مطلقاً ولا دليل على ما قالوا من التفريق والله أعلم.

وأحسن مسالك الجمع بين الحديثين هو أن يقال: إن المنع الوارد في قصة المرأة إنما كان لأنه يمكن اندفاع ضرورتها بغير ما حرم عليها، فإن الضرورة لا تبيح المحرم إلا بشرطين:

الأول: أن لا يمكن اندفاع الضرورة بغير هذا الحرام.

الثاني: أن يتيقن اندفاع الضرورة بهذا المحرم.

وأشار إلى هذا ابن حجر رحمه الله فقال: (( وأجابوا عن قصة المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر ونحوه ([291]) .

فعلى هذا إن كان يمكن إزالة الضرر بأي مزيل غير الكحل فإنه لا يجوز استعماله لا ليلاً ولا نهاراً لاندفاع الضرورة بغيره ولا شك أن ما ذكره ابن عبدالبر من كون المعنى يشهد لحديث الإباحة عند الضرورة لا معارض له بعد هذا التوجيه .

وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يجوز للحادة في حال الضرورة استعماله إلا في الليل وتمسحه في النهار. وذهب بعض العلماء إلى أنها إن احتاجته بالنهار استعملته. قال البجي رحمه الله: (( قال القاضي أبو الوليد: وذلك عندي إذا لم تدع إلى إ]قاعه بالنهار ضرورة من شدة مرض ومخالفة على البصر، وبذلك قال سالم وسليمان: إنها إذا خشيت على بصرها إنها تكتحل ولم يخصا كحلاً من كحل وإنما بحسب المرض وما تدعو الضرورة إليه وإباحة ذلك وإن كان في الكحل والدواء طيب، وأشار مالك إلى أن ما أباحه من ذلك للضرورة فإن دين الله يسر ([292]) .

وقد نقل الحيمي عن ابن عبدالبر نحو ما تقدم فقال: (( والإباحة في الليل لدفع الضرر بذلك فلو كان لا يغني الوضع بالليل جاز لها في النهار والضرورة تنقل المحرم إلى الإباحة )) ([293]) .

وفي هذا النقل نظر ([294]) ، وعلى كل حال فإن هذا القول يسنده أنه لما جاز الأصل وهو إباحته للضرورة في الليل، فإنها إن دعت الضرورة إلى استعماله في النهار فلا بأس به لأن الضرورات تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها لكن ليس من الضرورة تعجيل البرء فلو كان استخدامه في الليل يرفع فقط الداء لكن يؤخر البرء لم يجز لها استعماله في النهار نزولاً عند النص. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الكحل عند الضرورة ولو كان مطيباً، والصواب عدم جوازه إلا إن كان للطيب أثر ضروري في العلاج والله أعلم.

المسألة الثانية: حكم استعمال المكايج ونحوها للحادة.

وتمنع الحادة من تحمير وجهها بالمحمرات والمجملات والمكايج وغيرها لأن النبي ﷺ‬ نهى أم سلمة رضي الله عنها عن وضع الصبر على وجهها في النهار، وعلل ذلك بقوله ﷺ‬ : (( إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار))([295]) . قال الزمخشري: (( أي يوقد ويزيد في لونه وهذا شبوب له )) ([296]) . وقال ابن منظور (( أي يلونه ويحسنه ([297]) وهي إنما وضعته للحاجة فأمرها أن تضعه بالليل دفعاً لحاجتها وإزالته بالنهار رعاية للإحداد وعدم التزين ولأن النهار وقت ظهور الزينة وهي ممنوعة منها مدة إحدادها، وبه قال شيخنا محمد العثيمين.

المسألة الثالثة: حكم لبس النقاب والخفاف للحادة.

وذهب بعض أهل العلم ([298]) إلى منع الحادة من النقاب والخفاف قياساً على المحرمة ولا شك أن هذا مما لا دليل عليه ولا هو في معنى المنصوص عليه، فيجوز لها كل ما لم ينص الشارع على تحريمه ومنعه ولم يكن في معنى الممنوع والله أعلم .


 المبحث الرابع

 تجنب الحلي

ذهب أكثر أهل العلم رحمهم الله إلى أن الحادة ممنوعة من لبس الحلي، وقد حكى ابن المنذر رحمه الله الإجماع على ذلك وقال: (( وأجمعوا على منع المرأة المحدة من لبس الحلي ([299]) ، وحكاه ابن قدامة رحمه الله قول عامة أهل العلم وحكاية الإجماع على المنع غير دقيقة، فإن ابن المنذر نفسه حكى فيه خلافاً سنذكره قريباً . وهذا المنع شامل لما ظهر من الحلي وما استتر تحت الثياب على الصحيح من أقوال أهل العلم . قال الهيتمي رحمه الله: (( ولو تحت الثياب)) ([300]) . ودليل الجمهور ما روته أم سلمة رضي الله عنها من قوله ﷺ‬ فيما تمنع منه المتوفى زوجها (( ولا الحلي )) إذ أن الحلي من الزينة التي تتجمل بها المرأة قال الشاعر:

وما الحلي إلا زينة لنقيصة

تتمم من حسن إذا الحسن قصرا ([301])

 وما الحلي يشمل كل ما تتجمل به المرأة وتتحلى به من قرط أو سوار أو خاتم سواء كان ذلك من فضة أو غيرها ([302]) .

وقد ذهب عطاء رحمه الله إلى إباحة الفضة دون الذهب، ونقل عنه أنه لا تكره الفضة إذا كان عليها حين مات، ولكن تمنع من ابتداء التحلي ([303]) وذكر عنه ابن قدامة الإباحة مطلقاً ([304]) .

واختار الشافعية جوازه بالليل مع الكراهة ومنعه في النهار ([305]) .

وقد ذكر ابن حجر رحمه الله عن الشافعية وجهين: فقال: (( في التحلي بالذهب والفضة وبالؤلؤ ونحوه وجهان أصحهما جوازه ([306]) ))  وذهب ابن حزم بجواز التحلي مطلقاً لضعف الحديث الوارد في النهي عنه .

وقد تقدم كلام ابن القيم رحمه الله في إبطال تضعيف الحديث ([307]) . فوجب العمل به وسقط بذلك القول بالإباحة مطلقاً .

أما قول المفرقين بين الإبتداء والإستدامة، أو بين الذهب والفضة، فإن الحجة لهم فإن اسم الحلي يصدق عليهما جميعاً. وأما قول الشافعية في التفريق بين الليل والنهار في لبسه فلا وجه له لأن التفريق بين الليل والنهار إنما ورد فيما دعت إليه الضرورة ولم يمكن دفعها إلا بارتكاب المحظور كالتداوي بالكحل مثلاً . أما ما ذكروه من علة في إباحة لبس الحلي ليلاً وهو الإحراز عند خشية سرقته فغننا نقول: الإحراز يمكن تحققه بغير هذا وقد ذكرنا آنفاً من شروط إباحة ارتكاب المحظور أن لا يمكن أن ندفع الضرورة إلا به وبقي أن نقول : أن ما كان في معنى الذهب والفضة مما يتزين به فله حكم الحلي نص عليه الشافعية رحمهم الله في الأصح عندهم قال الشربيني رحمه الله: (( وكذا لؤلؤ يحرم عليها التزين به ( في الأصح ) لأن الزينة فيه ظاهرة، قال تعالى: ] يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ[ ([308]) . وقال المرقئي رحمه الله : (( ولا يجوز التحلي برصاص ونحاس مموهين بالذهب والفضة أو شبههما بحيث لا يعرف إلا بالتأمل أو كانت من قوم عادتهم التحلي بذلك فإنه يحرم في هذه الأحوال ))  ([309]) . ومنع المالكية أيضاً جميع الحلي حتى الخاتم من الحديد ([310]) .

قال الباجي رحمه الله: (( وفي الجملة كل ماتلبسه المرأة على وجه مايستعمل عليه الحلي من التجمل فلا تلبسه الحادة )) : ثم قال ولم ينص أصحابنا على الجوهر واليواقيت والزمرد وهو داخل تحت قوله ولا غير ذلك من الحلي فكل ما يقع عليه هذا الاسم ممنوع عنده والله أعلم )) ([311]) . ويبدو أن هذا هو الحال عند الحنفية والحنابلة فإنهم لم ينصوا على غير الذهب والفضة والله أعلم .

وهذا القول هو الموافق للخبر والنظر، فأما الخبر فقوله: (( ولا الحلي ))  فإن اسم الحلي يصدق على الذهب والفضة وغيره، كالؤلؤ والزمرد والألماس ، فإن هذه الأشياء مما يتحلى به النساء وقد سمى الله تعالى ما يستخرج من البحر وغيره حلياً فقال تعالى: ]وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا[ ([312]) . وأما النصر فإن الحادة ممنوعة من الزينة فلا يجوز لبس الحلية لأنها مما يتزين به .


 المبحث الخامس

 حكم ما لو كانت متلبسة ببعض المنهيات قبل وفاة زوجها

إذا كانت الحادة متلبسة بشيء مما نهيت عنه قبل وفاة زوجها، كأن تكون متطيبة أو مكتحلة أو عليها لباس زينة أو مختضبة فإن الواجب عليها إزالة ما يمكن إزالته منها، لأن العلة التي منعت من إبتداء هذه الأمور موجودة في استدامتها فدل ذلك على منع استدامة ما نهيت عنه لأجل الحداد . ويشهد لهذا أن أم سلمة رضي الله عنها أذن لها النبي ﷺ‬ أن تضع الصبر لما احتاجت إليه بالليل وتنزعه بالنهار فدل ذلك على منع استدامة هذه الممنوعات. قال محمد بن رشد رحمه الله: (( قوله: إنه ليس عليها إذا توفي عنها وهي ممتشطة أن تنقض مشطها معناه إذا كانت امتشطت بغير طيب، وأما لو كانت امتشطت بطيب أو تطيبت في سائر جسدها لوجب عليها أن تغسل الطيب كما يجب عليها لو توفي عنها وهي لابسة ثوب زينة أن تخلعه عنها، وكما يجب على الرجل إذا أحرم وهو متطيب أن يغسل الطيب )) ([313]) . وقال الهيتمي رحمه الله: (( نعم يلزمها إزالة طيب عليها حال الشروع في العدة )) ([314]) .واختار هذا القول شيخنا محمد العثيمين أثابه الله .


 المبحث السادس

 وجوب لزوم الحادة بيتها

للعلماء رحمهم الله في وجوب لزوم الحادة بيتها الذي توفي زوجها وهي فيه قولان:

القول الأول: أنه يجب عليها لزوم بيت زوجها الذي توفي عنها وهي فيه، وإليه ذهب عامة العلماء ([315]) ومنهم الأئمة الأربعة([316]) . واستدلوا بقوله تعالى: ] لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ [ ([317]) . قال الشافعي رحمه الله عند هذه الآية: (( فكانت هذه الآية في المطلقات وكانت المعتدات من الوفاة معتدات كعدة المطلقة، فاحتملت أن تكون في فرض السكنى للمطلقات ومنع إخراجهن تدل على أن في مثل معناهن في السكنى ومنع الإخراج المتوفى عنهن لأنهن في معناهن في العدة )) ([318]) . والاستدلال بهذه الآية على المسألة لا يخلو من النقاش فإن أكثر المفسرين على أن الآية في المطلقات الرجعيات لا شأن للمتوفى عنه بها اللهم إلا على قول من قال بالقياس عليهن كما هو ظاهر من كلام الشافعي المتقدم وأشار إليه الطحاوي رحمه الله ([319]) . وأصرح من الآية في الدلالة على وجوب لزوم الحادة بيتها الذي توفي عنها زوجها وهي فيه ما أخرجه الخمسة ([320]) عن فريعة بنت مالك رضي الله عنها قالت: (( خرج زوجي في طلب أعلاج له فأدرجهم في طرف القدوم فقتلوه، فأتاني نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلي فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ‬ فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مال ورثته وليس المسكن له فلو تحولت إلى أهلي وأخوتي لكان أرفق لي في بعض شأني، قال: (( تحولي )) فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني أو أمر بي فدعيت فقال: (( أمكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله )) قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، قالت وأرسل إليّ عثمان فأخبرته فأخذ به .

القول الثاني: أنه لا يجب عليها لزوم بيت زوجها بل تعتد حيث شاءت واختاره جماعة من المتقدمين من الصحابة وغيرهم، منهم علي بن أبي طالب وابن عباس، وجابر، وعائشة، وجابر بن زيد، والحسن، وعطاء ([321]) . وحكاه البغوي عن أبي حنيفة، واختاره المزني من الشافعية وهو قول داود الظاهري([322]) وابن حزم أيضاً ([323]) .

واستدلوا بقوله تعالى: ] وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [ ([324]) . قال: مجاهد رحمه الله: ] وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً [ قال: كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجباً فأنزل الله: ] وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [ قال: جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وهو قوله تعالى: ] غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [ فالعدة كما هي واجبة عليها . وقال عطاء: قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت، وقول الله تعالى: ] غَيْرَ إِخْرَاجٍ [ وقال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقوله تعالى: ] فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ [ قال عطاء: (( ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها )) ([325]) ووجه الدلالة أن خروجهن لا حرج فيه.

واستدلوا أيضاً بأن الله تعالى أمر بالاعتداد أربعة أشهر وعشراً دون تعرض لذكر مكان معين فدل على عدم اشتراطه . واستدلوا أيضاً بما رواه الدارقطني بسنده إلى على بن أبي كطالب رضي الله عنه: (( أن النبي ﷺ‬ أمر المتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت )) ([326]) . وقال أيضاً: إن كثيراً من الصحابة رضي الله عنهم قتل مع النبي ﷺ‬ في الجهاد ولم يعلم أنه ألزم نساءهم بالبقاء في بيوت أزواجهن مدة العدة ولو حصل ذلك لكان من أظهر الأشياء وأبينها، ولما خفي على عائشة وابن عباس رضي الله عنهما، ولو كانت السنة جارية بذلك لم تأتي فريعة بالاستئذان ولما أذن لها ثم ردها ومنعها من ذلك لأن هذا يفضي إلى تغيير الحكم مرتين وهذا غير معهود في الشريعة وأجابوا عن أدلة الجمهور بأن الآية لا تشمل المتوفي عنها زوجها، وأما حديث فريعة فضعيف.

والراجح ما ذهب إليه الجمهور من وجوب لزوم الحادة بيت زوجها لقوة ما استدلوا به وأما الجواب على القول الثاني فمن وجوه.

أولاً: قولكم إن قول الله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [ ([327]) ناسخة لوجوب لزوم المتوفى عنها زوجها البيت فغير مسلم، فإن الآية لم تتعرض لهذا بل نسخت حكماً آخر. قال ابن القيم رحمه الله: وهو استحقاقها للسكنى في بيت الزوج الذي صار للورثة سنة وصية أوصى الله بها الأزواج تقدم به على الورثة ثم نسخ ذلك بالميراث ولم يبقى لها استحقاق في السكنى المذكورة، فإن كان المنزل الذي توفي فيه الزوج لها أو بذل الورثة لها السكنى لزمها الإعتداد فيه وهذا ليس بمنسوخ، فالواجب عليها فعل السكنى لا تحصيل المسكن. فالذي نسخ إنما هو اختصاصها بسكنى السنة دون الورثة والذي أمرت به أن تمكث في بيتها حتى تنقضي عدتها، ولا تنافي بين الحكمين والله أعلم )) ([328]) .

وقد يجاب عليه بأن يقال قوله تعالى: ] فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [ إنما هو بعد الأربعة الأشهر والعشر جمعاً بين النصوص وقد ألمح الشوكاني رحمه الله إلى هذا الوجه فقال: (( وأجيب عن استدلالهم بحديث ابن عباس بأن نسخ بعض المدة إنما يستلزم نسخ نفقة المنسوخ وكسوته وسكناه دون ما لم ينسخ وهو أربعة أشهر وعشراً )) ([329]) .

ثانياً: استدلالكم بحديث علي رضي الله عنه مردود بأن الحديث ضعيف كما تقدم عن الدارقطني ([330]) .

ثالثاً: قولكم إن الله لم يأمرها. فجوابه: إنه أمرها إذ إنه أمر باتباع ما جاءنا به النبي ﷺ‬ فقال تعالى: ] وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا[ ([331]) وقد ثبت في السنة أمر المتوفى عنها بالبقاء في بيتها الذي توفي عنها زوجها وهي فيه .

رابعاً: تضعيفكم حديث فريعة مردود لثبوته بالسند، وقد قال ابن القيم رحمه الله في جوابه: (( ليس في هذا ما يوجب رد هذه السنة الصحيحة الصريحة التي تلقاها عثمان بن عفان وأكابر الصحابة بالقبول )) ([332]) .

خامساً: قولكم: لو كان مشروعاً مشهوراً لما خفي على عائشة وابن عباس رضي الله عنهما فالجواب عليه بأن يقال: لعله لم يبلغهما أو تأولاه أو قام عندهما معارض له فلا حجة فيما احتجوا به، وقد خفيت بعض السنن المشهورة على بعض أكابر الصحابة رحمه الله عنهم ولم يسوغ هذا تركها .

سادساً: قولكم: إن كثيراً من الصحابة رضي الله عنهم قتلوا مع النبي ﷺ‬ ولم ينقل أنه أمر نساءهم بأن يعتددن في بيوتهن فجوابه: أن عدم النقل ليس نقلاً للعدم، وقد ورد ما يدل على أن وجوب لزوم البيت للمتوفى عنها زوجها مستقر عندهم وذلك من حديث فريعة نفسه حيث لو لم يكن ذلك مشهوراً عندها أو عندهم لما احتاجت إلى الاستذان وذكر العذر لطلب النقلة .

ويستأنس بما ورد مرسلاً من طريق مجاهد وفيه قال: استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم إلى رسول الله ﷺ‬ فقلن: إنا نستوحش يارسول الله فنبيت عند إحدانا حتى إذا أصبحنا تبددنا في بيوتنا فقال رسول الله ﷺ‬: (( تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن فإذا أردتن النوم فلتؤب كل امرأة إلى بيتها )) أخرجه البيهقي وعبدالرزاق ([333]) .

وأما إذن النبي ﷺ‬ ثم منعه إياها من التحول بعد ذلك فقد يكون اجتهاداً منه ﷺ‬ ثم إنه ﷺ‬ لما تأمل مسألتها رأى عدم العذر المبيح للخروج فرجعها إلى الأصل وهو لزوم البيت مدة العدة أو أنه أوحي إليه عدم الإذن لها.

فتبين بهذا ضعف أدلة أصحاب القول الثاني وأن ما ذهب إليه الجمهور من وجوب اعتداد المتوفى عنها في بيتها الذي توفي عنها زوجها وهي فيه هو الراجح من أقوال أهل العلم والله أعلم.

وفي هذا المبحث عدة مسائل:

المسألة الأولى: حكم ما لو بلغها الخبر وهي في غير بيتها

اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا بلغها الخبر وهي في غير بيتها فهل ترجع إلى بيتها أو تعتد في المكان الذي بلغها فيه الخبر؟ على قولين:

القول الأول: ذهب أهل العلم ([334]) إلى أنه يجب عليها الاعتداد في المنزل الذي توفي زوجها وهي ساكنة فيه، فإذا بلغها الخبر وهي في غيره وجب عليها الرجوع إليه لقول ﷺ‬ لفريعة بنت مالك: (( امكثي في بيتك )) ([335]) فإنه أمرها أن تمكث في بيتها خبر الوفاة . قال الشوكاني رحمه الله: (( وقد ذكرت أنه لا بيت لزوجها يدل على وجوب سكناها في بيت زوجها إذا كان له بيت بالطريق الأولى )) ([336] وقال الزركشي رحمه الله: (( وتجب العدة في المنزل الذي مات الزوج وهي ساكنة فيه سواء كان مملوكاً لزوجها أو لم يكن كحال فريعة )) ([337]) .

القول الثاني: اختار بعض أهل العلم أنها تعتد في المكان الذي جاءها فيه الخبر، واستدلوا ببعض ألفاظ حديث فريعة وفيه قوله ﷺ‬ (( اعتدي حيث أتاك الخبر )) ، ([338]) وفيه أنها تعتد حيث أتاها الخبر . قال سعيد بن المثيب والنخعي: لا تبرح من مكانها الذي أتاها فيه نعي زوجها اتباعاً للفظ الخبر الذي رويناه.([339])

وقد أجاب ابن قدامة رحمه الله على استدلالهم بهذا اللفظ فقال: (( ولنا قوله عليه السلام: ( امكثي في بيتك ) واللفظ الآخر قضية عين والمراد به هذا فإن قضايا الأعيان لا عموم لها، ثم لا يمكن حمله على العموم فإنه لا يلزمها الاعتداد في السوق والطريق والبرية إذا أتاها الخبر وهي فيها )) ([340]) .

والذي يبدو أن هذه اللفظة شاذة فإن أكثر الذين رووا حديث فريعة لم يذكره بهذا اللفظ والقصة واحدة، فالذي قاله النبي ﷺ‬ لا بد أن يكون أحد هذين اللفظين والأكثرون رووه بلفظ (( امكثي في بيتك ... )) والأخذ به هو الأجود والأقرب إلى الصواب والله أعلم.

المسألة الثانية: حكم السكنى للحادة.

ومما يتفرع عن مسألة وجوب لزوم البيت للحادة مسألة حكم السكنى للحادة وللعلماء فيها أربعة أقوال:

القول الأول: يجب لها السكنى مطلقاً سواء كانت حاملاً أو حائلاً مدخولاً بها أو غير مدخول بها وهو الأصح عند الشافعية ([341]) .

القول الثاني: لا تجب لها السكنى مطلقاً بل السكنى عليها وهو قول الحنفية([342]).

القول الثالث: تجب لها السكنى إذا كانت مدخولاً بها فقط وهو قول المالكية([343]).

القول الرابع: تجب لها السكنى إذا كانت حاملاً وهو رواية في مذهب أحمد([344]).

والراجح من هذه الأقوال أنه لا يجب للمتوفى عنها السكنى مطلقاً لعدم الدليل، فالأدلة تدل على أن الواجب على المتوفى عنها فعل السكنى لا أن يبذل لها السكنى فعليها أن تمكث في البيت الذي كانت تسكنه حين موت زوجها سواء كان البيت له أو لأبويه أو لأحدهما أو لها أو لأبويها أو لأحدهما أو لغيرهم، فالإضافة في قوله:]من بيوتهن [ ([345]) وقوله ﷺ‬ : (( امكثي في بيتك)) ([346]) إضافة سكنى لا إضافة ملك .

قال الحيمي نقلاً عن المقبلي: (( القرآن والسنة إنما دلت على وجوب لزومهن لبيوتهن لا يخرجن ولا يخرجن وذلك تكليف لهن ولذلك لا يجوز لهن الخروج )) . وقال أيضاً: (( والآية وحديث فريعة إنما دلا على هذا لا على لزوم السكنى للزوج. كيف وقد صرحت الفريعة أنه ليس البيت للزوج ؟ فسياق الحديث بين أنه ليس من وجوب السكنى على الزوج في شيء ولكن تكليف لها ))([347]).

المسألة الثالثة: حكم نفقة الحادة.

حكى بعض أهل العلم الإجماع على أن المعتدة من وفاة لا نفقة لها إن كانت حائلاً ([348]) . وقال البغوي رحمه الله: (( لا نفقة لها حاملاً كانت أم حاملاً لم يختلف فيها أهل العلم )) ([349]) فسوّى بين الحامل وغيرها في عدم النفقة، وفي هذا نظر فإن أهل العلم مختلفون في وجوب نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها على قولين:

القول الأول: تجب النفقة لها وتكون من جميع المال وهذا قول جماعة من العلماء منهم: علي، وعبدالله، وابن عمر، وابن سيرين، والشعبي، والثوري، وأبو عبيد، وهو وجه في مذهب أحمد ([350]) .

واستدلوا بقوله تعالى: ]وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [ ([351]) قالوا: (( ولأنها معتدة بالحمل عن نكاح فكان لها النفقة كالمطلقة الحامل )) ([352]) .

القول الثاني: ليس لها نفقة، وهو قول الأكثرين. قال به جابر، وابن عباس، وابن المسيب، وعطاء، والحسن، وربيعة ([353]) ، وأبو حنيفة ([354]) ، ومالك ([355]) ، والشافعي ([356]) ، وهو الراجح عند الحنابلة ([357]) ورجحه ابن المنذر رحمه الله ([358]) . وقالوا: لا دليل على وجوب النفقة فهي كالحائل: (( ولأنه لا يخلو إما أن تكون النفقة لها أو للحمل فبطل أن يكون للحمل لأن نفقة الأقارب تسقط بالوفاة، وبطل أن يكون لها لأنه لو كان لها لكانت لها وإن كانت حائلاً فإذا لم تجب لواحد منهما بطل وجوبها ([359]) . وقالوا أيضاًُ : (( والنفقة لسلطنته عليها وقد انقطعت وبأن النفقة حقها فسقطت إلى الميراث )) ([360]) وأجابوا عن الآية بأنها في الحامل المبتوتة وهذا قول أكثر المفسرين ([361]) وهو الصواب إن شاء الله تعالى.

المسألة الرابعة: أسباب الخروج من المنزل ومسوغاته .

مسوغات الخروج من المنزل قسمان: قسم يسوغ للحادة الانتقال عن المنزل، والآخر يسوغ الخروج المؤقت .

القسم الأول: مسوغات خروج الانتقال .

تقدم أنه لا يجوز خروج المعتدة عن البيت الذي توفي زوجها وهي ساكنة فيه مدة العدة، وقد ذكرت الأدلة المؤيدة لهذا القول. وبقي القول بأنه قد تدعو الحال إلى خروج المرأة عن بيتها لأسباب يتعذر معها البقاء فإذا كان الأمر كذلك فإنه يجوز لها الخروج لأن الواجبات مناطها الاستطاعة فإذا فقدت سقط ما يترتب عليها من الأحكام، قال تعالى: ] لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ج[ ([362]) وقال النبي ﷺ‬ : (( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ))  ([363]) وفي الجملة هذه الأسباب تعود إلى نوعين رئيسيين وإليك أسوق تفاصيل حكم كل نوعٍ.

النوع الأول: الأسباب المتعلقة بالسكن.

إذا خيف هدم أو غرق أو عدو أو حريق أو وحشة، أو كانت الدار غير حصينة يخشى فيها من اقتحام اللصوص، أو كانت بين فسقة تخاف على نفسها، أو تتأذى من الأحماء أو الجيران تأذياً شديداً، أو لأجل انتقال جيرانها من حولها ووجدت وحشة، فإن لها الانتقال إلى ما شاءت من المساكن بعد تعذر إقامتها لأي من الأسباب المتقدمة أو غيرها مما لا تستطيع القرار معه ([364]) .

ومن الأعذار المبيحة للانتقال إخراج الورثة لها أو انتهاء الإجارة أو نحو ذلك قبل تمام عدتها فلها الخروج وليس عليها بذل الأجرة على الصحيح لأن الواجب عليها فعل السكنى لا تحصيلها كما تقدم تقريره ومن الأعذار المبيحة للانتقال البدوية إذا انتقل جميع أهل المحلة فلها الانتقال معهم إن لم تتمكن من البقاء في محلها الذي هي فيه حين مات زوجها ([365]) .

وفي هذه المسألة فروع .

الفرع الأول: هل إذا انتقلت يلزمها المسكن الأقرب ؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أن الحادة إذا انتقلت فلها أن تسكن حيث شاءت وهو مذهب الحنفية ([366]) والمالكية ([367]) والحنابلة ([368]) ، وعللوا لقولهم بأن الواجب إنما تعلق بمحل السكنى فلما تعذر فما عداه من المساكن سواء لا يتعلق به الحكم، واختاره شيخنا محمد العثيمين أثابه الله .

القول الثاني: أن الحادة إذا انتقلت وجب عليها أن تنتقل إلى أقرب المساكن من مسكنها الأول وهو مذهب الشافعية([369]) والحنفية ([370]) ووجه عند الحنابلة ([371]) وعللوا قولهم (( بأنه أقرب إلى موضع الوجوب فأشبه من وجبت عليه الزكاة في موضع لا يجد فيه أهل السهمان فإنه ينقلها إلى أقرب موضع يجدهم فيه))([372]). وقد أجاب ابن قدامة عن هذا فقال: (( ما ذكروه إثبات حكم بلا نص ولا معنى نص، فإن معنى الاعتداد في بيتها لا يوجد في السكنى فيما قرب منه ويفارق أهل السهمان فإن القصد نفع الأقرب وفي نقلها إلى أقرب موضع يجده نفع الأقرب فوجب لذلك )) ([373]) .

الفرع الثاني:  هل ثبتت سكنى الحادة للبيت الجديد ؟

الصواب في هذه المسألة أن أحكام سكنى الحادة تثبت للبيت الجديد ويؤيد هذا أن المعنى الذي من أجله أمرت الحادة بلزوم البيت موجود في بيتها الجديد كما أن الواجب على الحادة أمران فعل السكنى ولزوم البيت، فلما تعذر فعل السكنى في بيت زوجها بقي عليها لزوم البيت الذي انتقلت إليه فلا يجوز لها الإخلال به ، فالضرورة بقدر بقدرها. قال الزيلعي رحمه الله: (( فيكون ذلك المنزل – أي المنتقل إليه – كالمنزل الأول فلا تنتقل منه إلا ببعض الأعذار)) ([374]) . وقال الكاساني رحمه الله (( إذا انتقلت لعذر يكون سكناها في البيت الذي انتقلت إليه بمنزلة كونها في المنزل الذي انتقلت منه في حرمة الخروج عنه، لأن الانتقال من الأول إليه كان لعذر فصار المنزل الذي انتقلت إليه كأنه منزلها من الأصل فلزمها المقام فيه حتى تنقضي العدة )) . وقال ابن مهنى النفراوي: (( ( و ) يجب عليها بعد خروجها للانتقال عند حصول سببه (أن تقيم بالموضع الذي انتقلت إليه حتى تقضي العدة ) لأنه صار كالأول )) ([375]) وهذا هو اختيار شيخنا محمد بن صالح العثيمين أثابه الله.

النوع الثاني: الأسباب المتعلقة بالمحدة نفسها.

وهذا القسم موافق في الأحكام للقسم السابق حذو القذة بالقذة لا يختلف عنه في القليل ولا الكثير، والداعي إلى التقسيم هو التمييز بين الأسباب فقط وإن كان موجبهما واحداً. فمن الأعذار المبيحة للانتقال والمتعلقة بالمرأة كون الحادة بذية تطيل لسانها على أحمائها وتؤذيهم بالشتم والسب ونحو ذلك من المؤذيات . قال الله تعالى: ] لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ج[ ([376]) وقد فسرها كثير من المفسرين ([377]) ببذائة اللسان على الأحماء.

وقال جماعة من المفسرين: المراد بالفاحشة الزنى، والمراد بالإخراج هنا هو الإخراج لإقامة الحد. والذي يظهر أن لفظ الفاحشة شامل لهما وهو إلى المعنى الأول أقرب لأنه الأكثر وقوعاً في الغالب خاصة إذا كان الفراق عن طلاق. قال ابن العربي رحمه الله: (( وأصح ما قيل في الفاحشة أنها كل معصية وهذا الذي اختاره الطبري ومن جملتها البذاء على الأهل )) ([378]) . فالفحش اسم جامع لكل ما لا يحبه الله ولا يرضاه من الأقوال والأفعال. قال ابن حجر رحمه الله: (( الفحش كل ما خرج عن مقداره حتى يستقبح ويدخل في القول والفعل والصفة ))  وقال القسطلاني رحمه الله: (( الفحش التكلم بالقبيح))  ويدل على أن هذا هو معنى الفحش حديث عائشة رضي الله عنها لما سألته لِمَ ألان القول للأعرابي وكان قد قال قبل دخوله عليه: (( بئس أخو العشيرة)) ، فقال لها ﷺ‬ (( ياعائشة متى عهدتني فحاشاً )) رواه  الشيخان ([379]) وفي رواية أبي داود: (( يا عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش )) ([380]) .

القسم الثاني: مسوغات الخروج المؤقت.

ذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة ([381]) إلى أن للحادة الخروج من منزلها في عدة الوفاة نهاراً إذا إحتاجت إلى ذلك إلا أنها لا تبيت إلا في بيتها.

واستدلوا بأدلة منها حديث الفريعة بنت مالك، ووجه الدلالة فيه أن النبي ﷺ‬ لم ينكر عليها خروجها من منزلها لما جاءته سائلة عن جواز انتقالها. قال الكاساني رحمه الله معلقاً على الحديث: (( أفادنا الحديث حكمين: إباحة الخروج بالنهار وحرمة الانتقال حيث لم ينكر خروجها.

 ومنَعها ﷺ‬ من الانتقال فدل على جواز الخروج بالنهار من غير انتقال )) ([382]) واستدلوا أيضاً بما رواه عبدالرزاق بسنده عن مجاهد مرسلاً قال: قال رسول الله ﷺ‬ : (( تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن فإذا أرتدن النوم فلتؤب كل امرأة إلى بيتها )) ([383]) .

واستدلوا أيضاً بما رواه مالك عن يحي بن سعيد: ((  أنه بلغه أن سائب بن خباب توفي وأن امرأته جاءت إلى عبدالله بن عمر فذكرت له وفاة زوجها وذكرت له حرثاً له بقناة وسألته: هل يصلح لها أن تبيت فيه ؟ فنهى عن ذلك فكانت تخرج من المدينة سحراً فتصبح في حرثه فتظل فيه يومها ثم تدخل المدينة إذا أمست فتبيت في بيتها ([384]) .

واستدلوا أيضاً بالقياس على المطلقة المبتوتة، إذ هي ممنوعة من الخروج لغير حاجة في قول الحنفية ([385]) والمالكية ([386]) والشافعية ([387]) ، ولما في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي ﷺ‬ فقال: (( بلى فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً )) ([388]) فلما جاز لها الخروج للحاجة، فكذلك المتوفى عنها لاتفاقهما في علة المنع من الخروج وموجبه . قال الشافعي الصغير رحمه الله: (( قال الشافعي: ونخل الأنصار قريب من منازلهم، والجذاذ لا يكون إلا نهاراً، ورد ذلك في البائن ويقاس بها المتوفي عنها زوجها ))  ([389]).

وقال بعضهم في علة جواز خروج المتوفى عنها في النهار: إنها لا نفقة لها فتحتاج إلى الخروج نهاراً لطلب المعاش ([390]) .

وفي هذا القسم فرعان:

الفرع الأول: هل تشترط الحاجة لجواز خروج الحادة ؟

ذهب بعض أهل العلم إلى عدم اشتراط الحادة لجواز خروج المعتدة نهاراً، فيجوز خروجها لما لا تحتاجه كحضور العرس ونحوه قال القرشي رحمه الله: (( وظاهر النقل جوازه – أي الخروج لغير الحوائج – فإنه قال: تخرج للعرس ولا تبيت إلا في بيتها )) ([391]) .

قال الزركشي رحمه الله: (( اشترط كثير من الأصحاب لخروجها في النهار الحاجة وأحمد وجماعة لم يشترطوا ذلك ))  ([392]) فظهر بهذا أن أحمد رحمه الله لم يشترط الحاجة لكن هذا لا يعني جواز الخروج لغير حاجة، قال الزركشي رحمه الله: (( فلا حاجة في التحقيق إلى اشتراطه لأن المرأة وإن لم يكن متوفى عنها تمنع من خروجها من بيتها لغير حاجة مطلقاً )) ([393]) . قال الله تعالى مخاطباً أمهات المؤمنين: ] وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [ ([394]) . قال القرطبي رحمه الله عند هذه الآية: (( وإن كان الخطاب لنساء النبي ﷺ‬ فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والاستنكاف عن الخروج منها إلا للضرورة ))  ([395]) فاشتراط الحاجة لجواز الخروج إنما هو تأكيد للأمر السابق وذلك لأن المعتدة بحاجة إلى مزيد صيانة عن الرجال، ويؤيد ذلك ما أخرجه الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: (( المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) . قال  الترمذي رحمه الله: (( حديث حسن غريب )) ([396]) .

أما ما نقله الخرشي عن مالك فالجواب عليه أن يقال: لعله قال ذلك لمن احتاجت إليه كأن يخرج أهلها لعرس وتستوحش بالبقاء وحدها فتخرج معهم مع أنه لابد أن تلتزم باجتناب الزينة وغيرها مما تمنع منها الحادة ويجب عليها أيضاً أن تعود إليه وأن لا تبيت إلا فيه . والله أعلم .

الفرع الثاني: حكم خروج الحادة ليلاً

أما خروجها ليلاً فظاهر مذهب الحنفية ([397]) والمالكية ([398]) والشافعية ([399]) ووجه عند الحنابلة ([400]) جوازه في الليل أيضاً أوله وآخره إلا أنها لا تبيت إلا في بيتها، ويشهد لهذا مرسل مجاهد المتقدم . كما يؤيده المعنى، فإن الحادة ممنوعة من الخروج إلا لحاجة، فإذا قامت الحاجة في أي وقت جاز لها الخروج والوجه الثاني عند الحنابلة منعها من الخروج ليلاً إلا لضرورة ([401]) لأن الليل مظنة الفساد. والصواب ما عليه الجمهور وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز أثابه الله.

وقد اختلف أهل العلم رحمهم الله في مسألتين مما يتعلق بخروج الحادة خروجاً مؤقتاً.

المسألة الأولى: حكم خروج الحادة للحج

اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى فيما إذا أحرمت المرأة بالحج قبل موت زوجها بإذنه ثم خشيت فوات الحج لضيق الوقت فهل لها أن تخرج وهي حادة على قولين:

الأول: أنه يجب عليها الخروج للحج وهذا مذهب مالك ([402]) والشافعي ([403]) وأحمد ([404]) وعلة قولهم: (( أنهما عبادتان استوتا في الوجوب وضيق الوقت فوجب تقديم الأسبق منهما كما لو كانت العدة أسبق ولأن الحج آكد لأنه أحد أركان الإسلام والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه )) ([405]) .

القول الثاني: أنه ليس لها الخروج ولو أدى ذلك إلى فوات الحج، وهذا مذهب الحنفية وعللوا قولهم فقالوا: (( المقام في منزلها واجب لا يمكن تداركه بعد انقضاء العدة وسفر الحج واجب يمكن تداركه بعد انقضاء العدة لأن جميع العمر وقته فكان تقديم واجب لا يمكن تداركه بعد الفوت جمعاً بين الواجبين فكان أولى)) ([406]) وكلامهم متوجه فيما لو ابتدأته بعد موته كما هو رأي الجمهور، أما وقد أحرمت فأصبحت الموازنة بين واجبين يخشى فواتهما على حد سواء. فالحج وإن كان زمنه العمر كله لكن لما أحرمت به صار واجباً عليها للعام الذي أحرمت به لا يجوز لها تأخيره أو إخراجه عن وقته وإلا تترتب عليها أحكام فوات الحج. فتبين بهذا صحة ما ذهب إليه الجمهور. أما خروجها بعد وفاة زوجها فهي آثمة عند الأئمة الأربعة بلا خلاف ([407]) سواء كان خروجها للحج أو لسفر غيره. والله أعلم .

المسألة الثانية: حكم بقاء الحادة في المعتكف بعد وفاة زوجها .

اختلف أهل العلم في امرأة اعتكفت قبل موت زوجها هل يجب عليها إكمال الاعتكاف أو يجب عليها الخروج ؟ على قولين :

القول الأول: أنه يجب عليها إكماله وهذا مذهب المالكية ([408]) وحكاه ابن قدامة عن ربيعة وابن المنذر ([409]) واحتجوا بأن الاعتكاف واجب والعدة واجبة فيقدم الأسبق.

القول الثاني: أنه يجب عليها الخروج من الاعتكاف لأجل العدة وهذا مذهب الجمهور ([410]) وحجتهم أن (( الاعتداد في بيت زوجها واجب فلزمها الخروج إليه كالجمعة في حق الرجل ([411]) . وأجابوا على المالكية فقالوا: إن كان هذا الاعتكاف واجباً فإنه لا يفوت لأنه يمكن قضاؤه وإن كان مستحباً فلا يشغل به عن الواجب . أما العدة فإنها تفوت ولا يمكن قضاؤها فيبدأ بالذي يخشى فواته، وكلامهم منتقض بوجوب خروج المعتكف للجمعة وسائر الواجبات التي يلزم فيها الخروج من المعتكف . والراجح ما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب الخروج من الاعتكاف فليس هذا عذراً يسوغ الاعتذار في المنزل والله أعلم .


 المبحث السابع

 ما أحدثه الناس في الإحداد

أحدث بعض الناس أموراً في الإحداد لا أصل لها في الشرع المطهر. وإنما جاءت نتيجة تلقي الأحكام من العادات المنتشرة بين الناس، والتي لم يأت بها كتاب ولا سنة. فمن هذه الأمور المستحدثة:

·       التزام بعض النساء لباساً معيناً أو لوناً معيناً للإحداد .

·       امتناع الحادة عن مشط رأسها .

·       امتناع الحادة من الاغتسال للتنظيف إلا يوم الجمعة .

·       امتناع الحادة عن العمل في بيتها من خياطة ونحوها .

·       امتناع الحادة من البروز للقمر .

·       امتناع الحادة من الظهور على سطح البيت .

·       اعتزال الحادة بحيث لا يراها أحد، وإذا زارها أحد زادت في العدة والإحداد يوماً مقابل ذلك اليوم الذي رئيت فيه كفارة لذلك أو قضاءً له .

·       اعتقاد بعضهم أن الحادة لا تقطع اللحمة الحمراء .

·       اعتقاد أن الحادة لا يجوز لها تكليم الرجال مطلقاً .

·       اعتقاد أن الحادة لا يجوز لها الخروج لقضاء حواجاتها ومصالحها .

·       اعتقاد أن الحادة لا تجيب الهاتف .

·       اعتقاد أن الحادة لا يجوز لها النصر إلى زوجها إذا مات .

·       اعتقاد أن الحادة لا يجوز لها النظر إلى صورة زوجها بعد وفاته .

وهذا على نوعين إذا كانت له صورة في وثيقة رسمية مثل الشهادة والبطاقة ونحوها مما عمت به البلوى للضرورة، فلو نظرت إليه الحادة فلا مانع. أما إذا كانت الصورة للذكرى فإن المحرم اقتناؤها سواء كانت الصورة لحي أو لميت.

·       اعتقاد بعضهم أن المتوفى إذا كان له زوجتان فإن العدة تقسم بينهما.

·       اعتقاد بعضهم أن المتوفى إذا كان له زوجتان إحداهما حامل وولدت ذكراً فإن هذا ينهي عدة الزوجة الثانية.

·       هذه بعض المحدثات في باب الإحداد ([412]) وقد تقدم أنه لا أصل لهذه الأمور، فعليه فإنه لا يجوز التعبد لله تعالى بها فإن النبي ﷺ‬ قال فيما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ([413]) .


ملحقــات

فتوى رقم اعتقاد 16842 وتاريخ وتاريخ 22/2/1415 هـ .

 الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي .. والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم ( 5385 ) وتاريخ 7/12/1414 هـ. وقد سأل المستفتي أسئلة وبعد دراسة اللجنة لها أجابت عما يلي:

س1 لقد توفي والدي وجدتي لأمي رحمهما الله رحمة واسعة، ومن العادات عندنا الخاصة بالنساء أن يحضروا النساء للعزاء ومعهن بعض البن الذي يستخدم في القهوة وبعض المال ويقمن بإعطائه نساء المتوفى، فحدث أن جاء بعض النساء ببعض البن والمال وأعطين أمي وهن من قرى مجاورة لنا وكان هذا قبل سبع سنوات ولم تعد أمي تعرف منهن اللاتي حضرن إليها لأنها كبيرة في السن حتى تقوم بإعادة تلك الأشياء لأصحابها وتريد أن تبرأ ذمتها من حقوق الناس فماذا تفعل حتى تبرأ ذمتها. وهل هذا العمل شرعي أم إنه بدعة أفتونا مأجورين؟ .

الجواب: التعزية مشروعة بالدعاء للمتوفى وذويه، ومواساة أهل الميت ووصيتهم بالصبر والاحتساب، وصنع طعام لهم من غير إسراف ولا مخيلة، وإذا كان ما أحضرته النسوة المذكورات على سبيل الهدية والمواساة فلا شيء فيه.

*****

س2 كانت زوجتي حاملاً في الشهر الثاني ودخل شهر رمضان وبعد أن صامت خمسة عشر يوماً ظهر لها دم ليس بدم دورة شهرية استمر معها مدى سبعة أيام ولكنها مستمرة في الصلاة والصيام وبعد ذلك أسقطت الحمل وأفطرت باقي الشهر. هل صيامها قبل الاسقاط صحيح مع نزول الدم أم عليها القضاء أفتونا مأجورين؟ .

الجواب: الدم النازر من المرأة الحامل المذكورة دم فساد لا يعتد به، وقد أحسنت باستمرارها في الصيام والصلاة، وصيامها وصلاتها قبل الإسقاط والحال ما ذكر صحيح ولا قضاء عليها، وأما الأحكام بعد الإسقاط فله أحكام مختلفة باختلاف زمن الإسقاط في أي أطوار الحمل على ما يلي:

الحكم الأول: إذا سقط الحمل في الطورين الأولين طور النطفة المختلطة من المائين وهي في الأربعين الأولى من علوق الماء في الرحم، وطور العلقة وهو طور تحولها إلى دم جامد في الأربعين الثانية إلى تمام ثمانين يوماً ففي هذا الحالة لا يترتب على سقوطها نطفة أو علقة شيء من الأحكام بلا خلاف وتستمر المرأة في صيامها وصلاتها كأنه لم يكن إسقاط .

الحكم الثاني: إذا سقط الحمل في الطور الثالث طور المضغة – أي قطعة من لحم – وفيه تقدر أعضاؤه وصورته وشكله وهيئته وهو في الأربعين الثالثة من واحد وثمانين يوماً إلى تمام مائة وعشرين يوماً، فله حالتان:

1- أن تكون تلك المضغة ليس فيها تصوير ظاهر لخلق آدمي ولا خفي، ولا شهادة القوابل بأنها مبدأ إنسان، فحكم سقوط المضغة هذه حكم سقوطها في الطورين الأولين لا يترتب عليه شيء من الأحكام.

2- أن تكون المضغة مستكملة لصورة آدمي أو فيها تصوير ظاهر من خلق الإنسان يد أو رجل أو نحو ذلك، أو تصوير خفي، أو شهد القوابل بأنها مبدأ إنسان فحكم سقوط المضغة هنا أنه يترتب عليها: النفاس وانقضاء العدة.

الحكم الثالث: إذا سقط الحمل في الطور الرابع أي بعد نفخ الروح وهو من أول الشهر الخامس من مرور مائة وواحد وعشرين يوماً على الحمل فما بعد، فله حالتان وهما:

1- أن لا يستهل صارخاً فله أحكام الحالة الثانية للمضغة المذكورة سابقاً ويزيد: أنه يغسل، ويكفن ويصلى عليه، ويسمى ويعق عنه.

2- أن يستهل صارخاً فله أحكام المولود كاملة ومنها ما في الحالة قبلها آنفاً وزيادة ها هنا هي أنه يملك المال من وصية وميراث، فيرث ويورث وغير ذلك. والله أعلم.

س3 حجت خالتي العام الماضي لكنها عن رمي الجمرات تقول: إنها عندما ترمي لا تشاهد أين يقع الحصى من شدة الزحام. هل هو في الحوض أم لا . علماً بأنها شاهدت الجمرة أحياناً وهي ترمي فماذا عليها أفتونا مأجورين؟

الجواب: من شروط صحة الرمي تحقق وقوع الحصى في المرمى، فإن كانت متيقنة من وقوعه حال الرمي في الحوض ثم شكت بعد ذلك فلا أثر للشك ورميها صحيح، وإن كانت شاكة ولم تتيقن وقوع الحصى في المرمى فعليها الفدية بدم يذبح لأهل الحرم الفقراء.وبالله التوفيق.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ....

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الرئيس عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

عضو                               عضو                               عضو

بكر بن عبدالله أبو زيد      عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ            صالح بن فوزان الفوزان

 بيان ما يلزم المحدة على زوجها من الأحكام

أولاً: تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة كمراجعة المستشفى عند المرض وشراء حاجتها من السوق ونحوه إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك.

ثانياً: تجتنب أنواع الطيب ونحوها إلا إذا طهرت من حيضها فلا بأس أن تتبخر بالبخور.

رابعاً: تجتنب الحلي من الذهب والفضة والألماس وغيرها سواء كان ذلك قلائد أو أسورة أو غير ذلك.

خامساً: تجتنب الكحل لأن رسول الله ﷺ‬ نهى المحدة عن هذه الأمور كلها، ولها أن تغتسل بالماء والصابون والسدر متى شاءت، ولها أن تكلم من شاءت من أقاربها وغيرهم، ولها أن تجلس مع محارمها وتقدم لهم القهوة والطعام ونحو ذلك، ولها أن تعمل في بيتها وحديقة بيتها وأسطحة بيتها ليلاً ونهاراً في جميع أعمالها البيتية كالطبخ والخياطة وكنس البيت وغسل الملابس وحلب البهائم ونحو ذلك مما تفعله غير المحدة، ولها المشي في القمر سافرة كغيرها من النساء، ولها طرح الخمار عن رأسها إذا لم يكن عندها غير محرم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

الرئيس العام

       لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

فتوى رقم 9578 وتاريخ 24/5/1406هـ:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من المستفتي .. المقيد بإدارة البحوث برقم 1519 وتاريخ 20/1405 وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه:

س1ما حكم تناول الغداء على الجرائد اليومية حيث أنها تحوي اسم الله في داخل طياتها.

الجواب: سبق أن صدر منا فتوى في حكم امتهان ما فيه ذكر الله نرفق لك صورتها.

س2 كم عدة الأصناف التالية ذكرهم:


1.   المطلقة

2.   الحائض

3.   الصغيرة

4.   النفساء

5.   الحامل

6.   المستحاضة

7.   الآيسة


الجواب: المعتدات ستة أصناف:

الصنف الأول: الحامل وعدتها من موت زوج أو طلاق هي وضع كامل الحمل لقوله تعالى: ] وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ ج[ .

الصنف الثاني: المتوفى عنها زوجها من غير حمل فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام من حين موته لقوله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا [ .

الصنف الثالث: المرأة ذات الحيض وعدتها من طلاق أو فسخ هي ثلاثة قروء لقوله تعالى: ]وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ج[ .

الصنف الرابع: المرأة التي لا تحيض إما لصغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى: ] وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ج[ ومثلها المستحاضة .

الصنف الخامس: المرأة التي ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه فعدتها سنة لقول الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكر علمناه.

الصنف السادس: امرأة المفقود وتعتد بعد مدة التربص أربعة أشهر وعشراً عدة الوفاة وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ..

اللجنة الدائمة

عضو                               عضو                                           عضو

عبدالله بن غديان                     عبدالرازق عفيفي                        عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

فتوى رقم 10658 وتاريخ 3/12/1407 هـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله .... وبعد.

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم من ... إلى سماحة الرئيس العام والمحال إليها برقم 4255 وتاريخ 17/11/1407 ونصه: ( إنني أبعث برسالتي هذه لسماحتكم أرجو من الله ثم منكم الاطلاع على مضمونها والإفادة عما بها وإرشادي بما يراه سماحتكم نحو هذا النوع وهل على إثم في ذلك أم لا وهو بأنه يوجد بعض أخوات لنا في الإسلام يسكنون .. إذا ماتت عندهم البنت يحزنون عليها الأيام التي تحزنها المرأة على زوجها وهي مدة أربعة أشهر إلا ربع وطيلة هذه المدة لا تلمس الطيب ولا تغير ملابسها وتجلس في ركن من أركان المنزل والنار لم تطفيء من محلها التي تجلسه حتى تنتهي المدة المذكورة وما بين كل أسبوع يذبحون دبايح على بنتها ويعملوا عزائم لمن أراد الله أن يأكل وإذا ماتت الأم أو الخالة أو الجدة فيحزنون مدى سنة كاملة بنفس ذلك الحزن وإذا أرادوا أن يحلفون فلا يحلفون بالله بل يحلفون بالأمانة ولا يقولون يا الله بل يقولون يا محمد ومن هذه لا شئ ويدعون بالإسلام ويحافظون على صلواتهم وصيامهم ويتصدقون لله سبحانه فهل علي إثم في ذلك بكوني متستراً عليهم وأعرف عنهم هذا الشيء أم لا ).

وأجابت بما يلي:

أولاً: لا يجوز لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً كما أرشد إلى ذلك النبي ﷺ‬ وعلى المسلم أن يصبر على المصيبة وأن يرضى بقضاء الله وقدره ولا يجوز له أن يشق ثوبه عند المصيبة أو يلطم وجهه وليس له النياحة بل يصبر ويحتسب أجره على الله ربما أن يعوضه الله خيراً مما فقده

ثانياً: صدر فتوى من اللجنة في ذبح أهل الميت الذبائح وعمل العزائم للوافدين لتعزيتهم وصدر أيضاً فتوى منها الحلف بالأمانة وفي الاستعانة بغير الله من أهل القبور نرفق لك صورها.

ثالثا: يجب عليك إرشاد هؤلاء إلى ما يجب عليهم من الصبر وترك البدع فإن سترت عليهم ولم ترشدهم فأنت آثم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ...

اللجنة الدائمة

   عضو               نائب رئيس اللجنة               الرئيس

عبدالله بن غديان                     عبدالرازق عفيفي                        عبدالعزيز بن عبدالله بن باز 

فتوى رقم 4182 وتاريخ 6/12/1401 هـ:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من المستفتي ... وقد سأل المستفتي عن أربعة أسئلة وبعد دراسة اللجنة لأسئلة المستفتي أجابت عن كل سؤال فيما بعد:

س1 هل استعمال المكياج والبودرة جائز للمرأة إذا تريد التزين بها أمام زوجها فقط.

الجواب: لا نعلم مانعاً من ذلك والأصل جواز ذلك وقد صدر في ذلك فتوى من اللجنة نرفق لك صورتها لمزيد من الفائدة.

س2 ما حكم الرهان في الإسلام .

الجواب: الأصل في الرهان أنه ممنوع إلا ما ترتب عليه مصلحة شرعية فيجوز وقد صدرت فتوى مفصلة في ذلك نرفق لك صورتها.

س3 كم مدة حداد المرأة الواجبة على كل امرأة يتوفى زوجها .. وهل هي من أجل التأكد من عدم الحمل والاستعداد للزواج من شخص آخر.

الجواب: إذا توفي الرجل عن زوجته فإنه يجب أن تعتد أربعة أشهر وعشراً إذا كانت غير حامل وتخرج من العدة بوضع الحمل إذا كانت حاملاً وتلزم الإحداد في وقت عدتها.

وأما الحكمة في ذلك في تبين براءة رحمها وطييب خاطر زوجها ورعاية حقوق الأسرة وغير ذلك، ولذا وجب عليها الإحداد في أيام العدة وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة

            عضو                               عضو                               عضو

عبدالله بن قعود                           عبدالله بن غديان                     عبدالرازق عفيفي



([1]) وهو ما كانت عينه ولامه من جنس واحد نحو كَدَّ .

([2]) انظر مختار الصحاح (125 – 126)، لسان العرب 3/143 ، تهذيب اللغة 3/15 .

([3]) انظر : الروض المربع ص 266، روضة الطالبين 8/405 ، شرح فتح القدير 4/338، الكافي ص 295، الموسوعة الفقهية 2/ (103 – 104) .

([4]) تقدم تخريجه ص 9 .

([5]) تقدم تخريجه ص 10 .

([6]) الموسوعة الفقهية الكويتية 2/104 .

([7]) انظر : الإشراف على مذاهب العلماء ص 294 ، الموسوعة الفقهية 2/104 .

([8]) تقدم تخريجه ص 9 .

([9]) الفتاوى 7/ 540، وللشيخ كلام طويل في بيان معنى الجاهلية في اقتضاء الصراط المستقيم 1/223 – 227 .

([10]) سورة المائدة : الآية 50 .

([11]) جاهلية القرن العشرين ص (6 – 7) .

([12]) قال شيخنا بكر بن عبدالله أبو زيد أثابه الله : (( تنكيسها يعني تنزيل العلم عن مستواه في الارتفاع ))  .

([13]) سورة المائدة: الآية 51 .

([14]) أحمد 2/50، أبو داود 4/314 وقد جود إسناده شيخ الإسلام في الاقتضاء 1/236 .

([15]) اقتضاء الصراط المستقيم 1/236 .

([16]) سورة هود : الآية 114 .

([17]) إعلام الموقعين 2/146 – 147 .

([18]) المصدر السابق 2/148 .

([19]) فتح الباري 9/477 .

([20]) إعلام الموقعين 2/148 .

([21]) فتح الباري 4/338 .

([22]) عمدة القاري 8/67 .

([23]) عمدة القاري 8/68 .

([24]) المغني 11/284 .

([25]) فتح الباري 9/486 .

([26]) مراتب الإجماع ص 78 .

([27]) سورة البقرة : الآية 234 .

([28]) الجامع لأحكام القرآن 3/176 .

([29]) أحكام القرآن 1/208 .

([30]) تفسير القرآن العظيم 1/419 .

([31]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 294 .

([32]) تقدم تخريجه ص 9 .

([33]) تقدم تخريجه ص 9 .

([34]) فتح الباري 9/ (485 – 486) .

([35]) شرح مسلم للنووي 10/112.

([36]) فتح الباري 9/486 .

([37]) انظر : فتح الباري 10/341.

([38]) الروض المربع ص 127 .

([39]) تقدم تخريجه ص 10 .

([40]) شرح مسلم للنووي 10/112 .

([41]) تقدم تخريجه ص 9 .

([42]) أحمد 6/302، أبو داود 2/292، النسائي 6/203. تقدم تخريجه ص 13.

([43]) تقدم تخريجه ص 13 .

([44]) زاد المعاد 5/697 .

([45]) تقدم الكلام عليه .

([46]) الجامع لأحكام القرآن 2/180 .

([47]) السنن الكبرى للبيهقي 7/438.

([48]) معرفة السنن والآثار 11/222 .

([49]) فتح الباري 9/487.

([50]) زاد المعاد 5/697.

([51]) السنن الكبرى للبيهقي 7/438.

([52]) المحلي 10/280 .

([53]) فتح الباري 9/487 .

([54]) السنن الكبرى للبيهقي 7/438 .

([55]) مجمع الزوائد 3/17 .

([56]) شرح معاني الآثار 2/75 .

([57]) فتح الباري 9/487 .

([58]) المصدر السابق .

([59]) المصدر السابق .

([60]) المصدر السابق .

([61]) تقدم تخريجه ص 9 .

([62]) عمدة القاري 8/64 .

([63]) فتح الباري 3/146 .

([64]) زاد المعاد 5/696 .

([65]) فتح الجواد 2/203 .

([66]) رواه أحمد (6، 100 – 101)، وأبو داود (4398)، واللفظ له، والنسائي (2/100).

([67]) تقدم تخريجه ص 9 .

([68]) انظر: شرح فتح القدير 4/341، تبيين الحقائق 3/35 .

([69]) سبل السلام 3/413 .

([70]) الفروق للقرافي 3/204 .

([71]) تقدم تخريجه ص 9 .

([72]) الجامع لأحكام القرآن 3/180.

([73]) المغني 11/284 .

([74]) انظر: جواهر الإكليل 1/389، المنتقي 4/148.

([75]) لى 10/275 .

([76]) روضة الطالبين 8/405 .

([77]) انظر المغني 11/284 .

([78]) انظر: شرح فتح القدير 4/341، تبيين الحقائق 3/35 .

([79]) تقدم تخريجه ص 50 .

([80]) شرح الكوكب المنير 1/473 .

([81]) المصدر السابق .

([82]) انظر: حاشية رد المختار 3/530، المدونة 2/458، روضة الطالبين 8/405، الإنصاف9/303 .

([83]) تقدم تخريجه ص 9 .

([84]) روضة الطالبين 8/405 .

([85]) الإنصاف 9/303 .

([86]) الإنصاف 9/303 .

([87]) المنتقى 4/144 .

([88]) انظر: تبيين الحقائق 3/34، شرح فتح القدير 4/336.

([89]) انظر: الجامع لأحكام القرآن 3/179، المدونة 2/435 .

([90]) تقدم تخريجه ص 9 .

([91])زاد المعاد 5/698 .

([92]) الأم 5/232 .

([93]) عارضة الأحوذي 5/173 .

([94]) المصدر السابق .

([95]) انظر: المنتقى .

([96]) إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (2/196) .

([97]) زاد المعاد 5/698 .

([98]) تبيين الحقائق 3/36 .

([99]) سورة البقرة : الآية 234 .

([100]) عارضة الأحوذي 5/172 .

([101]) حاشية رد المحتار 3/532 .

([102]) تقدم تخريجه ص 9 .

([103]) زاد المعاد 5/699 .

([104]) تبيين الحقائق 3/35 .

([105]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 295.

([106]) زاد المعاد 5/699 .

([107]) شرح فتح القدير 4/341 تبيين الحقائق 3/36 .

([108]) المدونة 2/435 .

([109]) الأم 5/332 .

([110]) المغني 11/284.

([111]) الإقناع 1/327.

([112]) المنتقى 4/145 .

([113]) انظر الإجماع ص 112، موسوعة الإجماع 1/54، شرح مسلم للنووي10/112، المغني 11/285 .

([114]) انظر: روضة الطالبين 8/405، المجموع 18/118 .

([115])انظر: موسوعة الإجماع 1/54 .

([116]) حاشية رد المحتار 3/531 .

([117]) انظر: روضة الطالبين 8/405 .

([118]) انظر: الإنصاف 9/203، المغني 11/299، المبدع 8/140.

([119]) المغني 11/299 .

([120]) انظر نصب الراية 3/211، البناية 5/437.

([121]) انظر: المبسوط 6/58 – 59، البناية 5/437.

([122]) شرح فتح القدير 4/338 .

([123]) شرح معاني الآثار 3/79 .

([124]) المبسوط 6/ (58 – 59) .

([125]) زاد المعاد 5/700 .

([126]) بداية المجتهد 2/124 .

([127]) جواهر الإكليل 1/5389، المنتقى 4/145 .

([128]) انظر: روضة الطالبين 8/405، المجموع 18/181 .

([129]) انظر: الإنصاف 9/302، المبدع 8/140 .

([130]) انظر: الإنصاف 9/281، زاد المستنقع ص 72 .

([131]) المغني 11/299 .

([132]) التمهيد 71/319 .

([133]) زاد المعاد 5/700 .

([134]) نيل الأوطار 8/84 .

([135]) انظر: التمهيد 17/319، نيل الأوطار 8/84، المغني 11/299 .

([136]) زاد المعاد 5/700 .

([137]) المنتقى 4/145 .

([138]) انظر: شرح الكوكب المنير 4/85 .

([139]) سورة الأعراف : الآية 32 .

([140]) زاد المعاد 5/700 .

([141]) الأم 3/230 .

([142]) تقدم تخريجه ص 9 .

([143]) تقدم تخريجه ص 9 .

([144]) شرح الزركشي 5/580 .

([145]) المبدع 8/140 .

([146]) المنتقى 4/145 .

([147]) انظر: عارضة الأحوذي 5/172 ، فتح الباري 9/478.

([148]) زاد المعاد 5/701 .

([149]) زاد المعاد 5/701 .

([150]) سورة الطلاق : الآية 2 .

([151]) المحلى 10/281 .

([152]) انظر: روضة الطالبين 8/405 .

([153]) انظر: نهاية المحتاج 7/149 .

([154]) الأم 3/230 .

([155]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 297 .

([156]) سبق تخريجه ص 9 .

([157]) الجامع لأحكام القرآن 3/180 .

([158]) تقدم تخريجه ص 9 .

([159]) زاد المعاد 5/696 .

([160]) تقدم تخريجه في ص 20 .

([161]) تقريب التهذيب ص 423 .

([162]) المصدر السابق ص 75 .

([163]) انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح 2/551، المراسيل لأبي داود ص 21 .

([164]) فتح الباري 9/486 .

([165]) المصدر السابق .

([166]) سورة البقرة: الآية 234 .

([167]) سبق تخريجه ص 9 .

([168]) شرح الزركشي 5/552 .

([169]) زاد المعاد/ 664 . وانظر: الأحكام لابن دقيق العيد (2/195 – 199 ) .

([170]) تقدم تخريحه ص 15 .

([171]) الإجماع ص 108 .

([172]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 274 .

([173]) سورة البقرة: الآية 228 .

([174]) سورة الأحزاب: الآية 49 .

([175]) المغني 11/ ( 223 – 224 ) .

([176]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 281 .

([177]) انظر: شرح فتح القدير 4/310، المدونة 2/420، الأم 5/220، الكافي 3/302.

([178]) المغني 11/227 .

([179]) رواه البخاري 3/313.

([180]) الناسخ والمنسوخ في القرآن ص 90 .

([181]) المصدر السابق .

([182]) انظر: المغني ( 11/227 – 228 )، فتح الباري 9/474.

([183]) تقدم تخريجه ص 10 – 11.

([184]) الجامع لأحكام القرآن 3/175 .

([185]) سورة النحل: الآية 44.

([186]) التمهيد 20/37 .

([187]) شرح السنة 9/306 .

([188]) المغني 11/228 .

([189])الإشراف على مذاهب العلماء ص 281 .

([190]) tjp hgfhvd 9/474 >

([191]) تقدم تخريجه ص 9 .

([192])الفتاوى 7/540، وللشيخ كلام طويل في بيان معنى الجاهلية في اقتضاء الصراط المستقيم 1/223 – 227 .

([193]) سورة المائدة : الآية 50 .

([194]) جاهلية القرن العشرين ص ( 6- 7 ) .

([195]) قال شيخنا الكبير بكر بن عبدالله أبو زيد أثابه الله : (( تنكيسها يعني تنزيل العلم عن مستواه في الارتفاع )) .

([196]) سورة المائدة : الآية 51 .

([197]) أحمد 2/50، أبو داود 4/314 وقد جود إسناده شيخ الإسلام في الاقتضاء 1/236 .

([198]) اقتضاء الصراط المستقيم 1/236 .

([199]) تهذيب السنن 3/203 .

([200]) انظر: المحصور 2/ (375 – 376)، المستصفى 2/37، شرح الكوكب المنير 3/142.

([201]) نيل الأوطار 8/79 .

([202]) أضواء البيان 1/218.

([203]) فتح القدير 1/248 .

([204]) فتح الباري 9/474.

([205]) فتح الباري 9/474 .

([206]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 281 .

([207]) تقدم تخريجه ص 10- 11 .

([208]) الجامع لأحكام القرآن 3/176 .

([209]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 282 .

([210]) انظر: حاشية رد المحتار 3/511، جواهر الإكليل 1/387، التفريع 2/116، الأم 5/221، الإنصاف 9/272، المحلى 10/266 .

([211]) انظر: روضة الطالبين 8/376، الإنصاف 9/273 .

([212]) انظر: الأم 5/221، التفريغ 2/116، جواهر الإكليل 1/387، المغني 11/231.

([213]) انظر: الأم 5/221، التفريع 2/116، جواهر الإكليل 1/387، المغني 11/231 .

([214]) أضواء البيان 5/33 .

([215]) مسلم 4/2037 برقم (2644).

([216]) المحلى 10/267 .

([217]) الفتاوى 34/98.

([218]) طريق الهجرتين وباب السعادتين ص139 .

([219]) انظر: البناية 5/426، الفتاوى الهندية 1/533، المدونة 2/429، روضة الطالبين 8/425 الإنصاف 9/294.

([220]) المحلى 10/311.

([221]) السيل الجرار 2/297 – 298.

([222]) شرح فتح القدير 4/329 .

([223]) المحلى 10/311.

([224]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 284 .

([225]) المحلى 10/312.

([226]) الفروع 5/550.

([227]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 284 .

([228]) انظر: حاشية رد المحتار 9/275، شرح فتح القدير 3/313.

([229]) الكافي للمالكية ص 294.

([230]) زاد المحتاج 3/512.

([231]) الإنصاف 9/275.

([232]) المحرر الوجيز 2/216.

([233]) الإقناع 2/324 .

([234]) انظر: الجامع لأحكام القرآن، 3/186 المحرر الوجيز 2/216، الفتوحات الإلهية 1/190.

([235]) سورة الحاقة الآية 7.

([236]) تفسير الطبري 2/2/515.

([237]) انظر: شرح مسلم 10/112.

([238]) الجامع لأحكام القرآن 3/187.

([239]) تفسير الطبري 2/2/516.

([240]) المحرر الوجيز 2/216 .

([241]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 296 .

([242]) تقدم تخريجه ص 10.

([243]) شرح مسلم للنووي 10/119.

([244]) انظر: زاد المعاد 5/(701 – 702)، المحلى 10/276.

([245]) انظر: بلغة السالك 2/278ن المنتقى 4/147.

([246]) الإنصاف 9/303 – 304.

([247]) المحلى 10/279.

([248]) انظر: المجموع 18/186 ، الأم 5/231.

([249]) شرح فتح القدير 4/339.

([250]) زاد المحتاج 3/518.

([251]) انظر: جواهر الإكليل 1/389، بلغة السالك 2/279.

([252]) الإجماع ص 112، المغني 11/286.

([253]) سبق تخريجه ، ص 2 .

([254]) سبق تخريجه ص 13.

([255]) الممشق قال في الفتح الرباني 17/47: (( بضم الميم الأولى وفتح الثانية وتشديد الشين المعجمة مفتوحة على لفظ اسم المفعول من التفصيل المصبوغ بطين أحمر يسمى مشقاً بكسر الميم وهي المغرة )) .

([256]) زاد المعاد 5/704 .

([257]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 295 .

([258]) شرح مسلم للنووي 6/118 .

([259]) المحلى 10/276 .

([260]) زاد المعاد 5/707 .

([261]) انظر: شرح فتح القدير 3/340، جواهر الإكليل 1/389، مغني المحتاج 4/399، المبدع 8/143.

([262]) المغني 11/289 .

([263]) زاد المعاد 5/711 .

([264]) فتح الباري 9/491 .

([265]) انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر 3/245، المجموع المغيث 2/458، وغريب الحديث للحربي 1/304، لسان الميزان 1/604.

([266]) المغني 11/289.

([267]) من تعليقات شيخنا على صحيح البخاري كتاب الطلاق باب القسط للحادة عند الطهر 3/421.

([268]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 295 .

([269]) انظر: تبيين الحقائق 3/35، حاشية رد المحتار 3/533 .

([270])انظر: بلغة السالك 2/279، المنتقي 4/147 .

([271]) المغني 11/289 .

([272]) انظر: مغني المحتاج 4/399، شرح مسلم للنووي 7/117 .

([273]) أوجز المسالك 10/289.

([274]) المغني 11/289.

([275]) فتح الباري 10/296.

([276]) زاد المعاد 5/707.

([277]) الإجماع ص 112، المغني 11/286.

([278]) تقدم تخريجه ص 13.

([279]) تقدم تخريجه والكلام عليه ص 14.

([280]) تقدم تخريجه ص 9.

([281]) سبل السلام 3/417.

([282]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 296.

([283]) انظر: شرح فتح القدير 3/339، جواهر الإكليل 1/389، مغني المحتاج 3/400 المبدع 8/142 .

([284]) لم يذكر أحمد ص 14.

([285]) الفتاوى الهندية 1/533 .

([286]) تلخيص الحبير 3/239.

([287]) التمهيد 17/319 .

([288]) تقدم تخريجه ص 14.

([289])انظر: فتح الباري 9/ (488 – 489).

([290]) فتح الباري 9/488.

([291]) المصدر السابق.

([292]) المنتقى 4/146.

([293]) الروض النضير 4/127.

([294]) ووجهه أن الذي في التمهيد 17/319 غير المنقول، فإن كلامه هناك في التوفيق بين حديث المنع من الكحل مطلقاً وبين حديث الترخيص ولم يتعرض لاستعماله بالنهار فليتأمل. ويحتمل أن يكون نقله من موضع آخر.

([295]) سبق تخريجه ص 14.

([296]) الفائق 2/218.

([297]) لسان العرب 1/482.

([298]) المبدع 8/ (142 – 143).

([299]) الإجماع ص 111.

([300]) المغني 11/289.

([301]) المغني 11/289.

([302]) الفواكه الدواني 2/95.

([303]) الإشراف على مذاهب العلماء ص 296.

([304]) المغني 11/289.

([305]) مغني المحتاج 3/399 – 400 .

([306]) فتح الباري 9/491.

([307]) تقدم الكلام على الحديث ونقل كلام ابن القيم في ص 13 .

([308]) مغني المحتاج 3/400. والآية في سورة الكهف رقم :31 .

([309]) إخلاص الناوي 3/346.

([310]) جواهر الإكليل 1/389.

([311]) المنتقى 4/147.

([312]) سورة النحل: الآية 14.

([313]) البيان والتحصيل 5/369.

([314]) فتح الجواد 2/203.

([315]) انظر: المغني 11/290، التمهيد 21/31.

([316]) انظر: شرح فتح القدير 4/343، زاد المحتاج 3/523، جواهر الإكليل 1/391، والمقدمات الممهدات 1/514، الإنصاف 9/306، المغني 11/290.

([317]) سورة الطلاق: الآية 1.

([318]) الأم 5/226.

([319]) شرح معاني الآثار 3/79.

([320]) تقدم تخريجه والكلام عليه ص 16.

([321]) المغني 11/290.

([322]) الجامع لأحكام القرآن 3/177.

([323]) المحلى 10/282.

([324]) سورة البقرة: الآية 240.

([325]) تقدم تخريجه ص 18.

([326]) تقدم تخريجه ص 18 .

([327]) سورة البقرة: الآية 234.

([328]) تهذيب السنن 3/200.

([329]) نيل الأوطار 8/91.

([330]) تقدم الكلام عليه ص 17.

([331]) سورة الحشر: الآية 7.

([332]) زاد المعاد 5/691.

([333]) تقدم تخريجه والكلام عليه ص 19.

([334]) سنن الترمذي 3/500.

([335]) تقدم تخريجه ص 16.

([336]) نيل الأوطار 8/90 – 91.

([337]) شرح الزركشي 5/576.

([338]) تقدم تخريجه ص 16.

([339]) انظر: المغني 11/291.

([340]) المصدر السابق.

([341]) انظر: روضة الطالبين 8/408، نهاية المحتاج 7/154.

([342]) انظر: المبسوط 6/33، شرح فتح القدير 4/344.

([343]) انظر: بلغة السالك 2/280، جواهر الإكليل 1/391.

([344]) انظر: المغني 11/293، شرح الزركشي 5/577.

([345]) سورة الطلاق: الآية 1.

([346]) سبق تخريجه ص 16.

([347]) الروض النضير 4/124.

([348]) انظر: شرح السنة 9/302، أوجز المسالك 10/184.

([349]) شرح السنة 9/302.

([350]) المسائل الفقهية 2/218.

([351]) سورة الطلاق: الآية 6.

([352]) المسائل الفقهية 2/218.

([353]) الجامع لأحكام القرآن 3/185.

([354]) بدائع الصنائع 3/211.

([355]) الخرشي على مختصر خليل 4/150.

([356]) انظر: إخلاص الناوي 3/345، ونهاية المحتاج 7/154.

([357]) المسائل الفقهية 2/218.

([358]) نقلاً عن ابن المنذر الجامع لأحكام القرآن 3/185.

([359]) المسائل الفقهية 2/218.

([360]) نهاية المحتاج 7/154.

([361]) محاسن التأويل 16(201- 302).

([362]) سورة البقرة: الآية 286.

([363]) رواه ابن ماجه 1/630 برقم (2045)، مستدرك الحاكم 2/198 بلفظ (تجاوز الله عن أمتي .. ) وقال: هذا على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

([364]) انظر: البناية 5/448، الممهدات والمقدمات 1/94، نهاية المحتاج 7/(156 – 157)، شرح الزركشي 5/577. وانظر: شرح مختصر خليل للخرشي 4/159.

([365]) نهاية المحتاج 7/159، المغني 11/198.

([366]) المبسوط 6/36.

([367]) بلغة السالك 2/281.

([368]) المغني 11/292.

([369]) الاعتناء 2/929، نهاية المحتاج 7/157.

([370]) حاشية رد المحتار 3/536.

([371]) الإنصاف 9/306.

([372]) المصدر السابق .

([373]) المغني 11/292.

([374]) البناية 5/449.

([375]) الفواكه الدواني 2/99.

([376]) سورة الطلاق: الآية 1.

([377]) المغني 11/293.

([378]) القبس شرح الموطأ 2/(752 – 753).

([379]) البخاري (5685): ومسلم (2591).

([380]) أبو داود 5/ (145 – 146).

([381]) انظر: البناية 5/445، الخرشي على مختصر خليل 4/159، فتح الجواد 2/210، المغني 11/297.

([382]) المبسوط (6/32)، بدائع الصنائع 3/205.

([383]) تقدم تخريجه ص 19.

([384]) تقدم تخريجه والكلام عليه ص 16.

([385]) بدائع الصنائع 3/205.

([386]) الخرشي على مختصر خليل 4/155.

([387]) نهاية المحتاج 7/156.

([388]) تقدم تخريجه ص 13.

([389]) نهاية المحتاج 7/156.

([390]) انظر: بدائع الصنائع 3/205، نهاية المحتاج 7/156.

([391]) الخرشي على مختصر خليل 4/159.

([392]) الزركشي على مختصر الخرقي 5/578.

([393]) .. ؟

([394]) سورة الأحزاب: الآية 33.

([395]) الجامع لأحكام القرآن 14/179.

([396]) سنن الترمذي 3/467 برقم (1173).

([397]) البناية 5/445.

([398]) الخرشي على مختصر خليل 4/159.

([399]) نهاية المختاج 7/156.

([400]) الإنصاف 9/308.

([401]) المغني 11/297.

([402]) جواهر الإكليل 2/392.

([403]) نهاية المحتاج 7/159.

([404]) المغني 11/305.

([405]) المصدر السابق .

([406]) بدائع الصنائع 3/206.

([407]) انظر: شرح فتح القدير 4/346، جواهر الإكليل 2/392، نهاية المحتاج 7/159، المغني 11/305.

([408]) انظر: الخرشي على مختصر خليل 4/158 ، وجواهر الإكليل 1/392.

([409]) المغني 4/485.

([410]) انظر: مجموع شرح المهذب 6/514 المغني 4/485، الموسوعة الفقهية 2/113، حلية العلماء 3/ (23-224).

([411]) المغني 4/485.

([412]) غالب هذه المحدثات أفادنا بها شيخنا بكر بن عبدالله أبو زيد اثابه الله.

([413]) البخاري كتاب الصلح باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود 2/267 برقم (2697) ومسلم في الأقضية برقم (1718).