×
سهرا لتنام، وتعبا لترتاح، وكدحا لتسعد، وبذلا عمرهما، لتحيا زهرة عمرك، فكم لهما من الحقوق، وكم لهما من البر والتوقير، وهذه المقالة تبين، ماذا يعني بر الوالدين، كيف يكون برهما، فضائل برهما، برهما في الكبر وبعد موتهما، صور صادقة في برهما .

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله تعالى على ما أعطى ورزق. وحفظ وخلق. والصلاة والسلام على النبي الطاهر. وآله وصحبه أهل المفاخر.. وبعد:

    أخي المسلم: لقد جعل الله تعالى لكل شيء خلقه سببًا؛ في إيجاده؛ فالزرع يخرج من الأرض.. والمطر ينزل من السماء.. والبيضة من الدجاجة.. والإنسان من أب وأم.. فجعل تعالى هذه المسببات لازمة لأسبابها.. ليبقى هذا المخلوق (الإنسان) خارجًا من أب وأم.. {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس: 77].

    ثم أودع الله تعالى قلوب الآباء والأمهات من الرحمة؛ ما يكون سببًا لرعاية الأبناء، والعطف عليهم، والقيام بمصالحهم.. ولكن ما الذي سيعطيه الأبناء للآباء والأمهات؛ مقابل هذه الرعاية، والمحبة؟!

    يستحق الآباء والأمهات مقابل ذلك؛ شيئًا اسمه:

    (بر الوالدين)

    ** ماذا يعني بر الوالدين؟! **

    أخي المسلم: لا ينكر أحد فضل الوالدين، ومكانهما السامي في القلوب..

    فكم من عطف.. ورحمة..؟ ورعاية؛ وجدها الأبناء من أمهاتهم وآبائهم!

    سهرا لتنام.. وتعبا لترتاح.. وكدحا لتسعد.. وبذلا عمرهما؛ لتحيا زهرة عمرك!

    فكم لهما من الحقوق! وكم لهما من البر والتوقير!

    بر الوالدين؛ وظيفة يقوم بها أولئك الأبناء النجباء.. العقلاء.. الذين عرفوا طريق المكارم.. وسعوا لتحصيل سعادة الدنيا والآخرة.. أبناء عرفوا قيمة الإحسان فأثمر عندهم ذلك المعروف.. الذي وجدوه من أمهاتهم وآبائهم..

    فأين أنت أخي من بر والديك؟!

    ماذا قدمت لهما؛ جزاء لإحسانهما إليك؟!

    ماذا وجدا منك؛ بعد أن اشتد عودك، وقوي ساعدك؟!

    أخي المسلم: أتدري ماذا يعني بر الوالدين؟

    سُئل الحسن البصري رحمه الله: ما بر الوالدين؟

    قال: (أن تبذل لهما ما ملكت، وأن تطيعهما فيما أمراك به، إلا أن يكون معصية).

    أخي: ما أظنك تجهل معنى: بر الوالدين.. ولكن أردت لفت نظرك، وتنبيهك؛ لكي لا تنسى!

    فكل عاقل يعرف؛ ماذا يعني بر الوالدين.. ولكن قليل من تذكرّ!

    ولا يفوتك أخي المسلم أن الله تعالى عندما أمرك ببر الوالدين في أكثر من موضع في كتابه العزيز؛ خاطبك بكلمة: (الإحسان) فقال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام: 151].

    وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].

    وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8].

    وفي معنى الإحسان، في الآية الأولى، قال القرطبي رحمه الله: (الإحسان إلى الوالدين برهما، وحفظهما، وصيانتهما، وامتثال أمرهما، وإزالة الرق عنهما، وترك السلطان عليهما).

    أخي المسلم: ولأهمية بر الوالدين؛ فإن الله تعالى في الآيتين الأوليين؛ أمر ببرهما، بعد أمره بتوحيده تعالى، وإفراده بالعبادة.. فافهم هذا أيها العاقل.. ولا تكن من الغافلين!

    ** كيف يكون بر الوالدين؟! **

    أخي المسلم: مر معك بر الوالدين، وحقيقته؛ وهو باختصار: الإحسان إليهما بوجوه البر والصلة، وعدم التقصير في حقهما.

    وإليك أخي بعض صور بر الوالدين، وكيف يكون برهما؟

    * طاعتهما فيما يأمران به:

    طاعة الوالدين واجبة على الولد؛ إذا أمراه أن يسمع لقولهما، ما لم يأمراه بمعصية الله تعالى..

    قال الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].

    بل إن العلماء أفتوا: أن الوالد إذا منع ابنه من صوم التطوع، فله أن يطيع والده.

    سئل الإمام أحمد رحمه الله: عن رجل يصوم التطوع، فسأله أبواه أو أحدهما؛ أن يفطر. قال: (يروى عن الحسن أنه قال: يفطر وله أجر البر، وأجر الصوم إذا أفطر).

    * خفض الصوت عندهما ومخاطبتهما بلين:

    إن مما يؤسف له أن الكثيرين؛ إذا خاطب أحدهم أحد والديه؛ تجده يرفع صوته، ولا يراعي الأدب معهما! وهذا لا شك من العقوق؛ الذي حذر منه النبي ﷺ‬.

    قال الله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].

    قال سعيد بن المسيب رحمه الله: (قول العبد المتذلل للسيد الفظ)!

    وهذا ابن عون رحمه الله: نادته أمه مرة، فأجابها بصوت عال، فأعتق رقبتين!

    * توقيرهما والتذلل لهما:

    وهذا من لوازم البر؛ فإن كثيرًا من الأبناء؛ تجده يتعالون على الوالدين؛ فإذا أمره أحدهما بشيء، فكأنما في ذلك إهانة له! وخاصة إذا كان الولد كبير المنصب.

    ولكن هذا الجاهل، غاب عنه؛ أن بر الوالدين ليس فيه إهانة ولا مذلة؛ بل إن المذلة في عدم طاعتهما!

    قال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24].

    قال عروة رحمه الله: هو أن لا يمنعهما من شيء أراداه.

    وقال طاوس رحمه الله: (إن من السنة أن نوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد).

    وأبصر أبو هريرة t رجلين، فقال لأحدهما: ما هذا منك؟ فقال: أبي. فقال: لا تسمه باسمه، ولا تمش أمامه، ولا تجلس قبله.

    * استئذانهما إذا نوى السفر الطويل؛ لطلب علم أو غيره:

    من البر استئذان الوالدين عند السفر الطويل؛ الذي يغيب صاحبه مدة طويلة.

    فإن رضا الوالدين من الأمور الضرورية في مثل هذه الحالة. ولك أن تعتبر أن إذن الوالدين واجب؛ حتى في حق الذي يريد الخروج إلى الجهاد.

    عن طلحة بن معاوية السلمى t، قال: أتيت النبي ﷺ‬ فقلت: يا رسول الله، إني أريد الجهاد في سبيل الله. قال: «أمك حية؟» قلت: نعم. قال النبي ﷺ‬: «الزم رجلها فثم الجنة!» [رواه الطبراني/ صحيح الترغيب للألباني: 2483].

    وجاء رجل إلى النبي ﷺ‬، فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبوي يبكيان. فقال: «ارجع عليهما؛ فأضحكهما كما أبكيتهما» [رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه/ صحيح أبي داود للألباني: 2528].

    * الإنفاق عليهما وسد حاجتهما:

    وهذا من لوازم البر الأكيدة؛ أن يطعم الابن والديه ويكسوهما، ويقوم على حاجتهما.

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي مالاً وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: «أنت ومالك لأبيك!» [رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما].

    في رواية: «إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم» [إرواء الغليل للألباني: 838].

    * الدعاء لهما، سواء في حياتهما أو بعد موتهما:

    إن من البر؛ أن يدعو الابن لوالديه بالرحمة؛ حتى وإن كانا أحياء وقد حثنا النبي ﷺ‬ على الدعاء لكل من صنع إلينا معروفًا، فكيف بالوالدين؟! ومعروفهما فوق كل معروف.

    وفي الدعاء لهما: أداء لبعض حقوقهما عليك، وليس ذلك بالصعب.

    قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24].

    قال النبي ﷺ‬: «إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: أني لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك» [رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما/ السلسلة الصحيحة: 1598].

    قال بعض التابعين: (من دعا لأبويه في كل يوم خمس مرات، فقد أدى حقهما، لأن الله تعالى قال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} فشكر الله تعالى أن يصلي في كل يوم خمس مرات، وكذلك شكر الوالدين؛ أن يدعو لهما في كل يوم خمس مرات).

    وقال بعض الصحابة y: (ترك الدعاء للوالدين؛ يضيق العيش على الولد).

    ** فضائل بر الوالدين **

    أخي المسلم: بر الوالدين كله فضائل وبركات.. ومن أعانه الله تعالى على بر الوالدين؛ فقد ساق إليه خيرًا عظيمًا.. ووفقه وهداه إلى طريق النجاة..

    فيا من أردت أن تعرف ما عليه البار لوالديه من الخير.. إليك هذه الزهرات؛ من فضائل بر الوالدين..

    * بر الوالدين أقرب طريق إلى الجنة: هل علمت أيها العاقل: أن بر الوالدين أقرب طريق إلى الجنة؟! وليس هذا من عندي؛ بل هو من كلام رسولنا ﷺ‬.. فاسمع.. وتدبر!

    عن عبد الله بن مسعود t، قال: قلت: يا نبي الله، أي الأعمال أقرب إلى الجنة؟! قال: «الصلاة على مواقيتها» قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: «بر الوالدين» قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» [رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم].

    * رضا الوالدين سبب في رضا الله تعالى: ما أعظمها من غنيمة! أن يفوز البار لوالديه؛ برضا الله تعالى! وإذا رضي الله تعالى عن عبد من عباده؛ أسعده في الدنيا والآخرة!

    قال رسول الله ﷺ‬: «رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد» [رواه الترمذي، وابن حبان، والحاكم/ صحيح الترغيب للألباني: 2501].

    * بر الوالدين زيادة في العمر والرزق: قال رسول الله ﷺ‬: «من سره أن يمد له في عمره، ويزاد في رزقه؛ فليبر والديه، وليصل رحمه» [رواه أحمد/ صحيح الترغيب: 2488].

    * بر الوالدين يوصل إلى الله تعالى: تتفاوت الأعمال الصالحة؛ بتفاوت درجاتها وفضلها؛ ولكن كلها تقرب إلى الله تعالى.. إلا أن بر الوالدين؛ طريق قصير لبلوغ قرب الله تعالى!

    قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله من بر الوالدة).

    * بر الوالدين سبب في غفران الذنوب: ويدلك على ذلك؛ هذه القصة: جاء إلى النبي ﷺ‬ رجل، فقال: إني أذنبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟ فقال: «هل لك من أم؟» قال: لا. قال: «فهل لك من خالة؟» قال: نعم. قال: «فبرها» [رواه الترمذي – واللفظ له – وابن حبان والحاكم/ صحيح الترغيب للألباني: 2504].

    أخي المسلم: تأمل في هذه الفضائل؛ التي يفوز بها البار لوالديه.. فإياك أن تكون من المحرومين!

    ** بر الوالدين في الكبر وبعد موتهما **

    أخي المسلم: لا شك أنك إذا كبرت؛ تحب أن تجد من يقوم بخدمتك.. ويحسن إليك.. ويجبر ضعفك..

    وأحق من قام بهذه المهمة؛ هم الأبناء؛ فهم الذخر للوالدين.. تعبا من أجل هذا اليوم..

    فما ظنك أخي بوالد كبرت سنة، ورق عظمه، وضعفت قوته، فتركه أبناؤه؟!

    ألا تذكر أيها الابن: يوم أن كان والداك يسهران لمرضك؟!

    ألا تذكر: يوم أن كانا يكدحان، ويتعبان؛ لتشبع أنت، وتنام مظمئنًا؟!

    ألا تذكر: يوم أن كانا يقومان بمصالحك، وأنت لا تستطيع أن تدفع عن نفسك ضرًا، ولا تجلب لها نفعًا؟!

    أيليق بك إن كنت عاقلاً؛ أن تنسى هذا الإحسان كله؟!

    إن من حقهما اليوم أيها الابن: أن تقف بجانبهما.. وتشملهما ببرك، وعطفك؛ كما وقفا بجانبك، وأفاضا عليك من عطفهما، وبرهما.. ولا تتضايق من خدمتهما؛ كما لم يتضايقا من خدمتك..

    قال الله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].

    قال رسول الله ﷺ‬: «رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه»! قيل: من يا رسول الله؟! قال: «من أدرك والديه عند الكبر؛ أحدهما، أو كليهما؛ ثم لم يدخل الجنة»! [رواه مسلم].

    وأما برهما بعد موتهما: فيكون بالدعاء لهما، والاستغفار، والتصدق وإكرام صديقهما.

    قال النبي ﷺ‬: «إن الرجل لترفع درجته في الجنة؛ فيقول: أني لي هذا؟! فيقال: باستغفار ولدك لك» [رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما/ السلسلة الصحيحة: 1598].

    وعن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، قال: قدمت المدينة، فأتاني عبد الله بن عمر، فقال: (أتدري لم أتيتك؟) قال: قلت: لا. قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «من أحب أن يصل أباه في قبره؛ فليصل إخوان أبيه بعده» وإنه كان بين أبي عمر، وبين أبيك إخاء وود، فأحببت أن أصل ذلك» [رواه ابن حبان/ صحيح الترغيب للألباني: 2506].

    أخي المسلم: هذا أقل ما تقدمه؛ لوالدين قدما لك الكثير وأنت صغير، وما زال برهما بك متصلاً بعد أن كبرت.. فالبر.. البر.. يا طالب النجاة في الدنيا والآخرة!

    أطع الإله كما أمر

    واملأ فؤادك بالحذر

    وأطع أباك فإنه

    رباك في عهد الصغر

    واخضع لأمك وارضها

    فعقوقها إحدى الكبر

    ** صور صادقة في بر الوالدين **

    أخي المسلم: هذه نماذج صادقة؛ لأبناء بروا أمهاتهم وآباءهم؛ فكانوا نعم الأبناء.. وأصبح برهم هذا؛ حديث الأجيال.. يرويه الجميع! فإلى هذه الصور الصادقة.

    * قال محمد بن المنكدر رحمه الله: بت أغمز رجل أمي، وبات أخي عمر يصلي، وما يسرني أن ليلتي بليلته!

    * وكان ظبيان بن علي من أبر الناس بأمه؛ فباتت ليلة وفي صدرها عليه شيء، فقام على رجليه قائمًا؛ يكره أن يوقظها، ويكره أن يقعد؛ حتى إذا ضعف جاء غلامان من غلمانه، فما زال معتمدًا عليهما حتى استيقظت من قبل نفسها!

    * ودخل رجل على محمد بن سيرين، وهو عند أمه، فقال: ما شأن محمد، أيشتكي شيئًا؟! قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه!

    * وكان زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهما غاية في بره بأمه، فقيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة؟! فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها!!

    * وكان ذر بن عمر بن ذر؛ من أبر الناس بأبيه، فما مشي معه في ليل، إلا وكان أمامه، وما مشي معه في نهار؛ إلا كان وراءه، وما ارتقى على سقف تحته أبوه!.

    * وكان الفضل بن يحيى البرمكي شديد البر بأبيه، وكان أبوه يحيى؛ لا يتوضأ إلا بماء ساخن، ولما سجنوا؛ منعهم السجان ذات ليلة من إدخال الحطب، فلما أخذ يحيى مضجعه، قام الفضل إلى قمقم نحاس، فملأه ماء، ثم أدناه من المصباح، فلم يزل قائمًا، وهو في يده إلى الصباح! ففطن السجان لذلك، وفي الليلة التي تليها منعهم من إنارة المصباح، فقام الفضل إلى إناء وجعل فيه ماء ثم ألصقه بأحشائه حتى الصباح، ففترت برودة الماء، فقدمه لأبيه؛ ليتوضأ به!

    * وكان حجر بن عدي بن الأدبر، يلتمس فراش أمه بيده؛ فيتهم غلظ يده فينقلب عليه على ظهره، فإذا أمن أن يكون عليه شيء أضجعها!

    أخي المسلم: كان تلك بعض الصور الصادقة لأبناء بارين.. فلا تعجزن أن تكون من أولئك الأبناء الذين صدقوا في برهم بوالديهم.. فإن برك بأبويك طريقك إلى رضا الله تعالى.. وتأييده في الدنيا والآخرة..

    والحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وأصحابه والتابعين..