×
فإن الله سبحانه وتعالى ما بعث الرسل - عليهم السلام - إلا لإتمام الأخلاق بعد توحيده وعبادته فعنه - صلي الله عليه وسلم - أنه قال:{إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق}، وفي هذا الكتيب بيان بعض أخلاق الإسلام.

 أخلاق الإسلام

أحمد العمران

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي (كان خلقه القرآن) وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:

فإن الله سبحانه وتعالى ما بعث الرسل إلا لإتمام الأخلاق بعد توحيده وعبادته فعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق» رواه الإمام أحمد.

وهذه الأخلاق العظيمة هي من نبع الإسلام، وهي منة الله على من شاء من عباده، يدل على هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت»([1]) .

وكما أن التحلي بأخلاق الإسلام دليل على قوة الإيمان، فإن التخلي عنها دليل على ضعف الإيمان أو عدم وجوده أصلاً.

والأخلاق ليست شيء يُكتسب بالقراءة والكتابة ولا بالمواعظ و الخطابة، ولكنها درجة، بل درجات لا تُنال بعد توفيق الله ورحمته إلا بالتربية والتهذيب والصرامة والحزم وقوة الإرادة والعزم.

فهذه بعض أخلاق الإسلام لعل الله أن ينفع بها

أحمد العمران


 الحياء

الحياء: من الأخلاق الجميلة التي حث عليها الإسلام ورغب فيها، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إن لكل دين خُلقًا وخلق الإسلام الحياء»([2])  وهو من شعب الإيمان لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «الإيمان بضع وسبعون شعبة» والحياء شعبة من الإيمان ([3]) .

وهناك حياء مطلوب وحياء مذموم، فالحياء المطلوب هو الحياء من الله ومن الناس، والحياء من الله سبحانه وتعالى يوجب العمل بطاعته وأن ينتهي عن معصيته، كما أن الحياء من الناس يوجب العمل بما يُزينه في أعينهم ويتجنب ما يُشينه عندهم.

والحياء: المذموم هو الذي يمنع صاحبه من السؤال في أمور دينه، وهو من الشيطان، قالت عائشة رضي الله عنها: «نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين» ([4]) . وجاءت أم سليم رضي الله عنها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسأله، فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غُسل إذا هي احتلمت؟ قال: «نعم إذا هي رأت الماء»([5]) وقال مجاهد: ( لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر).

 من ثمار الحياء:

1- الحياء: من الأشياء التي يُحبها الله سبحانه وتعالى: لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله عز وجل حيي ستير يُحب الحياء والستر»([6]) .

2- أنه من سنن المرسلين، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «أربع من سُنن المرسلين التعطر والنكاح والسواك والحياء»([7]) .

3- التشبه بالرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء في خدرها ([8]) .

4- الحياء طريق إلى الجنة، لأنه يمنع من فعل الفواحش ويحث على فعل الطاعات، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة»([9]) .

5- أنه مانع عن الصفات الذميمة، لحديث أبي سفيان رضي الله عنه لهرقل: «فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبًا لكذبت»([10]) .

6- الحياء كله خير. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الحياء لا يأتي إلا بخير»([11]) . وفي رواية مسلم «الحياء خير كله» أو قال: «الحياء كله خير».

7- أنه لا يكون في شيء إلا ويُزينه، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما كان الحياء في شيء إلا زانه»([12]) .

آفات الفُحش:

1- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «.. ولا كان الفُحش في شيء إلا شانه»([13]).

2- قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء»([14]) .

3- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «.. وإن الله ليُبغض الفاحش البذيء»([15]) .

4- قال - صلى الله عليه وسلم -: «.. والبداء من الجفاء والجفاء في النار»([16]).

ومن الكلام الذي حفظه الناس من كلام الأنبياء السابقين: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت» ([17]) . فإذا لم يكن لدى المرء حياء يردعه عن فعل الفواحش فليعمل ما يشاء فإن الله له بالمرصاد.


 العدل وتحريم الظلم

العدل من أخلاق الإسلام العظيمة التي أوجبها الله تعالى على عباده وأمر بها قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90] وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ [الأعراف: 29].

ولا أحد أعدل من الله سبحانه وتعالى في الأمر والنهي، يقول عز وجل: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: 47] والله تعالى يُحب العدل وأهله.

قال تعالى:﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: 42].

ويجب العدل في الحكم بين الناس جميعًا مُسلمهم وكافرهم لقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: 42] وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح بأن الإمام العادل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - عن فضل العدل في الأهل والأولاد وجميع من له عليهم ولاية، بقوله: «إن المقسطين عند الله تعالى على منابر من نور على يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم، وأهلهم وما ولّوا»([18]) .

 آفات الظلم:

1- سوء المصير يوم القيامة لقول الله تعالى:﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: 29] وقوله تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227] وقوله تعالى:      ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار﴾ [غافر: 52] وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «الظلم ظلمات يوم القيامة..» ([19]) .

2- إن الله يُملي للظالم ويُمهله ليزداد إثمًا حتى إذا أخذه لم يُفلته قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾[إبراهيم: 42] وقوله تعالى:﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود:102].

3- مخالفة أمر الله سبحانه و تعالى قال الله تعالى: في الحديث القدسي: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظّالموا»([20]) .

4- مخالفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلمه..» ([21]) .

5- نفي الفلاح عن الظالم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام: 21].

6- التحذير من الميل للظالمين وموافقتهم على ظلمهم قال عز وجل:   ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود: 113].

 صور من الظلم:

1- الشرك بالله، وهو أعظم صور الظلم، لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13].

2- ترك العمل بالتكاليف الشرعية، لقول الله تعالى:﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾[الأحزاب: 72].

3- الإعراض عن آيات الله، قال الله تعالى:﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة: 22].

4- ظلم الإنسان لنفسه بتعريضها لعذاب الله قال الله تعالى:﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾[الطلاق: 1].

5- أكل أموال اليتامى ظلمًا قال تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: 10].

6- نقص الكيل والوزن، قال الله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ [الأنعام: 152].

7- عدم العدل بين الزوجات قال تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ [النساء: 3].

 الأمانة

الأمانة: من أشرف الصفات الجليلة التي حث الإسلام عليها لقول الله تعالى:﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58] وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخُن من خانك»([22]) .

وقد مدح الله سبحانه وتعالى المحافظين على أداء الأمانة الحريصين على الوفاء بها، في قوله:﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾[المعارج:32].

وهو شامل لجميع الأمانات التي بين العبد وبين الله، والأمانات التي بين العبد وبين الناس.

والأمانة من صفات الأنبياء الكرام لما ورد في حديث أبي سفيان رضي الله عنه مع هرقل: «قال سألتك ماذا يأمركم فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، قال: وهذه صفة نبي»([23]) .

كما أنها أول ما يُفقد من الدين، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة»([24]) .

ومع عظم شأن الأمانة فإنه لا يجوز الحلف بها لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من حلف بالأمانة فليس منا»([25]) .

 صور من الأمانة:

1- القيام بالتكاليف الشرعية التي أوجبها الله، وهي أعظم أمانة تحملها الإنسان قال الله تعالى:﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾[الأحزاب: 72].

2- إسناد الأمور إلى أصحابها من أهل القوة والأمانة لقوله تعالى: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾[القصص: 26] كما أن تضييعها من علامات الساعة، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: «إذا أُسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»([26]) .

3- حفظ الأسرار خاصة ما يدور بين الزوجين قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه ثُم ينشر سرها»([27]) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة»([28]) .

4- الصدق في المشورة، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «المستشار مؤتمن»([29]) .

5- الغسل من الجنابة قال - صلى الله عليه وسلم -: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة وأداء الأمانة كفارة لما بينهم» قلت: وما أداء الأمانة، قال: «غسل الجنابة فإن تحت كل شعرة جنابة»([30]) .

 آفات الخيانة:

1- عدم محبة الله للخائن. لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الأنفال: 58].

2- مخالفة أمر الله، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].

3- نفي الإيمان عن الخائن، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا إيمان لمن لا أمانة له»([31]) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «والله لا يؤمن، والله لا يُؤمن، والله لا يُؤمن» قيل مَنْ يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه»([32]) .

4- الخيانة من صفات المنافقين. قال - صلى الله عليه وسلم -: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم»([33]) .

5- الخيانة بئست البطانة، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «.. وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة»([34]) .

6- وأخيرًا يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «من غش فليس منا»([35]) .

وقد ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الناس قد فُطروا على الأمانة ثم جاء القرآن وجاءت السنة فزادت من الحث عليها، ثم أخبر - صلى الله عليه وسلم - كيف تُرفع الأمانة في حديث حذيفة رضي الله عنه. قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة» ثم حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رفع الأمانة، فقال: «ينام الرجل فتُقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة، فتُقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرًا وليس فيه شيء» ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصى، فدحرجه على رجله ثم قال: «فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينًا حتى يقال للرجل: ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان»([36]) .

 الحلم والرفق والعفو والإعراض عن الجاهلين:

الحلم خُلُق رفيع من أخلاق الإسلام العظيمة، وهو ضبط النفس عند الغضب، وعدم مقابلة الأذى بمثله، منه ما هو جبلي ومنه ما هو مُكتسب.

 من ثمار الحلم والعفو:

1- الفوز بمحبة الله لقول الله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل ع مران: 134] ولقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس: «إن فيك خصلتين يُحبهما الله: الحلم والأناة»([37]) .

2- طاعة أمر الله لقوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].

3- طاعة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني قال: «لا تغضب» فردد مرارًا، قال: «لا تغضب»([38]) .

4- الفوز بالحور العين يوم القيامة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من أي الحور العين ما شاء»([39]).

5- كسب محبة الناس قال الله تعالى:﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34].

6- الثناء من الله للصابر على أذى الناس، الغافر لهم  عن الزلات، قال الله تعالى:﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾[الشورى:43].

7- إن الحليم هو أشد الناس وأقواهم. لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»([40]) .

 من ثمار الرفق:

1- التخلق بصفة يُحبها الله سبحانه وتعالى. لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله رفيقٌ يُحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يُعطى على سواه» ([41]) .

2- الفوز بالخير كله قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير كُله» ([42]) .

3- أنه لا يوضع في شيء إلا زانه لقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم -: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه»([43]) .

4- طاعة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -. لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا » ([44]) .

وقد علق الشيخ محمد بن عثيمين على حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من يُحرم الرفق يُحرم الخير كله» بقوله: (وهذا شيء مجرب ومشاهد أن الإنسان إذا صار يتعامل بالعنف والشدة فإنه يُحرم الخير ولا ينال الخير، وإذا كان يتعامل بالرفق والحلم والأناة وسعة الصدر، حصل على خير كثير، وعلى هذا فينبغي للإنسان الذي يريد الخير أن يكون دائمًا رفيقًا، حتى ينال الخير ([45]) .

 صور من الحلم والعفو والإعراض عن السفهاء:

فعن أنس رضي الله عنه قال: «كُنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك، ثم أمر له بعطاء»([46]) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبًا، من ماء، فإنما بُعثتم مُيسرين، ولم تُبعثوا مُعسرين »([47]) .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيًا من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»([48]) .

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: قدم عُيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحُر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر.. فقال عيينة لابن أخيه يا بن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن لعيينة فلما دخل قال يا بن الخطاب والله ما تعطينا الجزل وما تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم بأن يقع به فقال الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ وإن هذا من الجاهلين فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافاً عند كتاب الله ([49]) .

 الصدق

الصدق من الأخلاق العظيمة التي حث الإسلام عليها وأمر بها، لقول الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119].

كما أن مرتبة الصديق درجة عظيمة عند الله تأتي بعد درجة الأنبياء عليهم السلام.

قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69].

وهي ليست محصورة في الرجال دون النساء، لقوله تعالى: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ [المائدة: 75].

والصدق يكون في النيات والأقوال والأفعال.

 من ثمار الصدق:

1- المغفرة والأجر العظيم من الله، قال الله تعالى:﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾إلى أن قال:﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ﴾إلى قوله:﴿أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب: 35].

2- الصدق طريق إلى الجنة لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق، حتى يُكتب عند الله صديقًا»([50]) .

4- الفوز العظيم برضوان الله مع الخلود في الجنة قال الله تعالى:    ﴿قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[المائدة: 119].

5- الفوز بمنازل الشهداء، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه»([51]) .

6- البركة في البيع والشراء، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما»([52]) .

7- الطمأنينة القلبية قال - صلى الله عليه وسلم -:«دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة»([53]) .

8- الصدق منجاة من الهلاك، كما في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه عندما تخلف عن غزوة تبوك.

9- التشبه بصفة من صفات الله تبارك وتعالى. قال تعالى:﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: 122].

10- التشبه بالرسل الكرام. لقول الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾[مريم: 41] وقوله تعالى:﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾[مريم: 54].

11- الاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد كان أصدق الناس على الإطلاق.

 آفات الكذب:

1- الكذب سبب للعذاب والخزي يوم القيامة، لقول الله تعالى: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾[البقرة: 10] وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾[الزمر: 60].

2- الكذب طريق إلى النار لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يُكتب عند الله كذابًا»([54]) .

3- من كذب وحلف ليأكل أموال الناس بالباطل لقي الله وهو عليه  غضبان لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«من حلف علي يمين صبر هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان» ([55]) .

4- الويل لمن يكذب ليُضحك الناس لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«ويل للذي يُحدث فيكذب ليُضحك به القوم وبل له وبل له»([56]) .

5- الكذب إثم مبين قال الله تعالى:﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا﴾[النساء: 50].

6- نفي الإيمان عن الكاذب، لقوله تعالى:﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾[النحل: 105].

7- الكاذب لا يهديه الله، قال تعالى:﴿أَلَا لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾[الزمر: 3].

8- نفي الفلاح عن الكاذب. قال تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾[النحل: 116].

9- الكذب من علامات النفاق، قال تعالى:﴿وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾[المنافقون: 1] وقال - صلى الله عليه وسلم -:«آي المنافق ثلاث: إذا حَدَّث كَذبَ وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم»([57]) .

10- الكذب من الخيانة، قال - صلى الله عليه وسلم -:«كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا، هو لك به مُصدق، وأنت له به كاذب» ([58]) .

11- محق بركة البيع، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما»([59]).

وأعظم الكذب الكذب على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لقول الله تعالى:﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام: 93] وقوله - صلى الله عليه وسلم -:«من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»([60]).

 الصبر والاحتساب

الصبر من أجل صفات النفس وأعلاها قدرًا وفضيلة يحتاجها المسلم من دينه ودُنياه، ولا يُستغني عنها في أي حال من الأحوال، ومنة من الله لا ينالها إلا من وفقه الله إليها، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر»([61]).

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وجدنا خير عيشنا بالصبر).

أنواع الصبر:

1- الصبر على طاعة الله حتى يؤديها: من فرائض وبر الوالدين  وجهاد في سبيل وطلب علم وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وأهم ما يُعين المُسلم على فعل الطاعات واجتناب المعاصي الصبر والصلاة فقد حث الله تعالى عباده بالاستعانة بهما. قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾[البقرة: 153] .

2- الصبر عن معصية الله فلا يرتكبها:من زنا وشرب للخمر وقذف وكذب وسخرية بالمؤمنين وغيبة ونميمة وشهادة زور، لذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:«من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة»([62]) .

3- الصبر على أقدار الله المؤلمة: من رضي بالله ربًا لزمه أن يكون صابرًا عند البلاء، مُوطنًا نفسه على الشدائد، بعيدًا عن الجزع والتسخط عند نزول المصائب متذكرًا قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «الصبر عند الصدمة الأولى»([63]) .

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «..ومن يتصبر يُصبره الله»([64]) . وليعلم أن جميع ما يُصيبه تكفير لذنوبه وخطاياه، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ما يُصيب المُسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»([65]) .

فمن الأقدار المؤلمة المرض، والفقر، وفقد الأحبة والأولاد:

1- المرض:ومنه فقد البصر، فقد يُبتلي بعض الناس بفقد بصره، فيجب عليه أن يصبر ويحتسب ويتذكر قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله قال إذا ابتليت عبدي بحبيبته (يريد عينيه) فصبر عوضته منهما الجنة»([66]) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -:«من يُرد الله به خيرًا يُصب منه» ([67]) .

2- الفقر: إن الله تعالى كتب على بعض عباده الفقر لحكمة هو يعلمُها سُبحانه، فيجب على من قدر الله عليه الفقر أن يؤمن بقضاء الله وقدره، وكفاهم سلوى ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء»([68]) . وقول الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].

3- فقد الأحبة والأولاد: وقد يُبتلى المؤمن أيضًا بفقد ولده أو عزيز عليه، وهو والله مصاب عظيم على النفوس، لكن المؤمن تهون عليه المصيبة إذا تذكر جزاء الله العظيم لمن صبر واحتسب على مثل هذه المصيبة العظيمة. قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»([69]) .

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغو الحنث كان له حجابًا من النار أو دخل الجنة»([70]) .

من ثمار الصبر:

1- إن الله تعالى قد جمع للصابرين ثلاثة أمور، وهي الصلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155-157].

2- الصبر من أخلاق الأنبياء والرسل من أبينا آدم إلى نبنيا محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ [الأنعام: 34] وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: 35].

3- الصبر لا يوفق له إلا أصحاب العزائم والهمم العالية، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران: 186].

4- الفوز بالمنازل العالية في جنات النعيم، قال الله تعالى:﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا﴾[الفرقان: 75].

وقال تعال:﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [المؤمنون: 111].

5- الصبر خير لأصحابه: لقول الله تعالى: ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾[النمل:126] وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»([71]) .

6- بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين قال الله تعالى:﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: 24].

7- محبة الله للصابرين، قال الله تعالى:﴿وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾  [آل عمران: 146].

8- إن الله مع الصابر يحفظه ويؤيده لقول الله تعالى:﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[الأنفال: 46].

9- الأجر من الله بغير حد ولا مقدار. قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[الزمر: 10].

10- ما يُلقي الخصلة العظيمة التي هي دفع السيئة بالحسنة، إلا أصحاب الصبر. قال الله تعالى:﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾[فصلت: 35].

11- أصحاب الصبر هم أهل الصدق والتقوى، قال الله تعالى:        ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾[البقرة:177].

12- دخول الجنة مع الصالح من الآباء والأزواج والذرية لقول الله تعالى:﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾[لرعد: 23، 24].


 التواضع وخفض الجناح للمؤمنين

التواضع: هو انكسار القلب لله تعالى وخفض جناح الذُل والرحمة للمؤمنين، وهو وسط بين الكبر وابتذال النفس و الدناءة.

والتواضع: ناتج عن معرفة الإنسان قدر عظمة الخالق سبحانه وتعالى ومعرفته قدر نفسه.

والمتواضع حبيب إلى الله وقريب إلى الناس ومحبب إلى نفوسهم، قريب إلى الخير بعيد عن الشر، فما أجمل التواضع وأعظمه، خاصة من العلماء والرؤساء والأشراف والأغنياء.

وقد أمر الله تعالى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بلين الجانب والتواضع للمؤمنين في قوله تعالى:﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الشعراء:215].

وقد فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك كما قال تعالى:﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[آل عمران: 159].

صور من تواضع الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

1- عن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم، وقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله ([72]) .

2- وعنه رضي الله عنه قال: «إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - فتنطلق به حيث شاءت»([73]) .

3- قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لو دُعيت إلى ذراع أو كُراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت»([74]) .

4- عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أكل طعامًا لَعق أصابعه الثلاث، قال: وقال: «إذا سقطت لقمة أحدكم فليُمط عنها الأذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان» وأمرنا أن نسلت القصعة قال: «فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة»([75]).

5- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم» فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: «نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة»([76]) .

 من ثمار التواضع ولين الجانب:

1- محبة الله للمتواضع قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 54].

2- الرفعة من الله: لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله»([77])

3- النجاة من النار، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار؟ أو بمن تحرم عليه النار على كل قريب هين سهل»([78]) .

4- الاستجابة لله وللرسول. قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد»([79]) .

5- التواضع من أخلاق الأنبياء والمرسلين (سئلت  عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله –تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة ([80]) .

 التحذير من الكبر:

الكبر نوعان: كبر على الحق، وكبر على الخلق قال - صلى الله عليه وسلم -:«الكبر بطر الحق – أي دفعه ورده – وغمط الناس _ أي احتقارهم»([81]) .

وقال الله تعالى:﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا﴾ [القصص: 83] أي لا يُريدون التعالي على الحق، ولا التعالي على الخلق، بل هم متواضعون.

والكبر من الأخلاق الذميمة التي حرمها الإسلام أشد تحريم، فهذا إبليس لما تكبر وأبى السجود كان مصيره اللعنة والطرد من رحمة الله، قال الله تعالى:﴿فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾[الأعراف: 13] فما أقبح الكبر، خاصة من الوضعاء والفقراء.

 آفات الكبر:

1- حرمان دخول الجنة لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ [الأعراف: 36] ولقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثال ذرة من كبر»([82]) .

2- الكبر طريق إلى النار لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر: 60] وقوله - صلى الله عليه وسلم -:«احتجت الجنة والنار، فقالت النار، في الجبّارون والمتكبرون، وقالت الجنة، في ضعفاء الناس ومساكينهم، قال فقضى بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي، أعذب بك من أشاء، ولكلاكما علىّ ملؤها»([83]) .

3-  الكبر من صفات أهل النار، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر»([84]) .

4- العذاب من الله للمتكبر في الدنيا والآخرة قال - صلى الله عليه وسلم -:«العز إزاره، والكبرياء رداءه فمن يُنازعني عذبته»([85]) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -:«لا يزال الرجل يذهب بنفسه – أي يرتفع ويتكبر – حتى يُكتب في الجبارين فيُصيبه ما أصابهم»([86]) .

5- المتكبر من الثلاثة المحرومين من كلام الله لهم ومن نظر الله وتزكيته إياهم، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يُزكيهم ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر»([87]) وقوله - صلى الله عليه وسلم -:«لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرًا»([88]) .

6- عدم محبة الله للمتكبر لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾[لقمان: 18].

7- الطبع على قلب المتكبر: لقول الله سبحانه وتعالى:﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾[غافر: 35].

8- فوات العلوم النافعة على المتكبر قال الله تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف: 146].

9- التشبه بصفة من صفات إبليس اللعين.

وأخيرًا أخي المسلم: انظر إلى مصير بعض المتكبرين.

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلًا أكل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشماله فقال:«كل بيمينك» قال لا أستطيع قال: «لا استطعت» ما منعه إلا الكبرُ قال:فما رفعها إلى فيه ([89]) .

قال - صلى الله عليه وسلم -:«بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل جمته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة»([90]) .

 الرحمة والشفقة

الرحمة من الأخلاق الجليلة التي حث الإسلام عليها لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»([91]) .

فيجب عليك أخي المسلم أن ترحم نفسك أولاً بترك المعاصي والذنوب وأن ترحم الجاهل بتعليمه، والفقير بالإنفاق عليه، والضعيف بجاهك، والكبير والصغير بالشفقة والرأفة، والعصاة بدعوتهم إلى الله والصبر عليهم.

وأحق الناس بالرحمة الوالدين، لقول الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23، 24].

وكذلك الأطفال فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم قالوا: لكنا والله ما نُقبل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أو أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة؟»([92]).

وأيضًا الرحمة بالحيوان، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا أضجع شاة، وهو يحد شفرته فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:«أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها»([93]).

 صورة من رحمة الله بعباده:

1- إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - للثقلين قال الله تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].

2- مغفرة الذنوب لقول الحق تبارك وتعالى:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].

3- فتح باب التوبة: لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«إن الله عز وجل يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار، ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها»([94]) .

5- أن رحمته تغلب غضبه، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«لما خلق الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش:إن رحمتي تغلب غضبي»([95]) .

6- أن جعل الجزء الأعظم من رحمته يوم القيامة لحاجة الناس الماسة لذلك لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - «جعل الله الرحمة مائة جُزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جُزءًا وأنزل في الأرض جُزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق..» ([96]) .

7- جعل الليل والنهار قال تعالى:﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص: 73].

8- خلق الأزواج قال تعالى:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].

صور من رحمة الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع:إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:«من لا يرحم لا يُرحم»([97]) .

2- ولما حضر - صلى الله عليه وسلم - موت ابن إحدى بناته، فدفع إليه الصبي ونفسه تقعقع ففاضت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال سعد بن عبادة رضي الله عنه ما هذا؟ فقال:«هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله، من عباده الرحماء»([98]) .

3- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. ([99]) .

4- قال - صلى الله عليه وسلم -:«إني لأقوم إلى الصلاة، وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه»([100]) .

5- قال - صلى الله عليه وسلم -:«إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء»([101]) .

6- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:«من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها»([102]) .

الطرق الموصلة إلى رحمة الله:

1- اتباع كتاب الله علمًا وعملاً لقول الله تعالى:﴿وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون﴾ [الأنعام: 155].

2- إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى:         ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النور: 56].

3- تقوى الله والإيمان بآياته قال تعالى:﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾[الأعراف: 156].

4- الإيمان الصحيح وتصديقه بالعمل الصالح لقوله تعالى:﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ﴾ [الجاثية: 30].

5- التوبة والاستغفار: لقوله تعالى:﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[النمل: 46].

7- الحج إلى بيت الله الحرام قال - صلى الله عليه وسلم -:«ما رئي الشيطان يومًا هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة»([103]) .

8- حضور مجالس الذكر لقوله - صلى الله عليه وسلم -:«.. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده»([104]) .

9- عيادة المريض لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرفة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة»([105]) .

من ثمار الرحمة:

1- الحصول على الرحمة من الله. لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»([106]) .

2- مغفرة الذنوب لقوله - صلى الله عليه وسلم -:«بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له»([107]) .

3- الاتصاف بصفة من صفات الرحمن تبارك وتعالى قال عز وجل   ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾[الكهف: 58].

4- الاقتداء بالرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -:قال تعالى:﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[التوبة: 128].

وعن أنس رضي الله عنه قال: ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ([108]) .

5- الاقتداء بالصحابة الكرام والسلف الصالح. قال تعالى:﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾[الفتح: 29].

6- البعد عما يقدح في انتمائه إلى هذه الأمة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا»([109]) .

7- ترابط المجتمع الإسلامي. لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:«مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»([110]) .

 آفات القسوة:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:«من لا يرحم الناس لا يرحمه الله»([111]) .

وقال - صلى الله عليه وسلم -:«من لا يرحم لا يُرحم»([112]) .

وقوله - صلى الله عليه وسلم -:«لا تُنزع الرحمة إلا من شقي» ([113]) .

وعنه - صلى الله عليه وسلم -:«عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض»([114]) .

وعن جابر رضي الله عنه قال: مر حمار برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كوي في وجهه، يفور منخراه من دم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:«لعن الله من فعل هذا، ثم نهى عن الكي في الوجه، والضرب في الوجه»([115]).



([1]) رواه مسلم.

([2]) رواه ابن ماجه.

([3]) رواه مسلم.

([4]) رواه البخاري.

([5]) رواه البخاري ومسلم.

([6]) رواه أبو داود.

([7]) رواه الإمام أحمد.

([8]) رواه البخاري.

([9]) رواه الترمذي.

([10]) رواه البخاري.

([11]) متفق عليه.

([12]) رواه البخاري في الأدب المفرد.

([13]) رواه البخاري في الأدب المفرد.

([14]) رواه الترمذي.

([15]) رواه الترمذي.

([16]) رواه الترمذي.

([17]) رواه البخاري.

([18]) رواه مسلم.

([19]) رواه البخاري ومسلم.

([20]) رواه مسلم.

([21]) رواه البخاري.

([22]) رواه الترمذي وأبو داود.

([23]) رواه البخاري.

([24]) رواه أبو داود.

([25]) رواه أبو داود.

([26]) رواه البخاري.

([27]) رواه مسلم.

([28]) رواه أبو داود.

([29]) رواه أبو داود.

([30]) رواه ابن ماجة.

([31]) رواه الإمام أحمد.

([32]) رواه البخاري ومسلم.

([33]) رواه مسلم.

([34]) رواه أبو داود.

([35]) رواه الترمذي.

([36]) رواه البخاري ومسلم.

([37]) رواه مسلم.

([38]) رواه البخاري.

([39]) رواه أبو داود.

([40]) رواه البخاري ومسلم.

([41]) رواه مسلم.

([42]) رواه مسلم.

([43]) رواه مسلم.

([44]) رواه البخاري.

([45]) شرح رياض الصالحين.

([46]) متفق عليه.

([47]) متفق عليه.

([48]) رواه البخاري ومسلم.

([49]) رواه البخاري.

([50]) الأحزاب: 24.

([51]) رواه مسلم.

([52]) رواه البخاري ومسلم.

([53]) رواه الترمذي.

([54]) رواه البخاري.

([55]) رواه البخاري ومسلم.

([56]) رواه أبو داود.

([57]) رواه مسلم.

([58]) رواه أبو داود.

([59]) رواه البخاري ومسلم.

([60]) رواه البخاري ومسلم.

([61]) رواه البخاري.

([62]) رواه البخاري.

([63]) متفق عليه.

([64]) رواه البخاري.

([65]) رواه البخاري.

([66]) رواه البخاري.

([67]) رواه البخاري.

([68]) رواه البخاري.

([69]) رواه البخاري.

([70]) رواه البخاري.

([71]) رواه مسلم.

([72]) رواه البخاري.

([73]) رواه البخاري.

([74]) رواه البخاري.

([75]) رواه مسلم.

([76]) رواه البخاري.

([77]) رواه مسلم.

([78]) رواه الترمذي.

([79]) رواه مسلم.

([80]) رواه البخاري.

([81]) رواه مسلم.

([82]) رواه مسلم.

([83]) رواه مسلم.

([84]) رواه البخاري ومسلم.

([85]) رواه مسلم.

([86]) رواه الترمذي.

([87]) رواه مسلم.

([88]) رواه البخاري ومسلم.

([89]) رواه مسلم.

([90]) رواه البخاري.

([91]) رواه الترمذي.

([92]) رواه مسلم.

([93]) رواه الطبراني.

([94]) رواه مسلم.

([95]) رواه البخاري ومسلم.

([96]) رواه البخاري ومسلم.

([97]) رواه البخاري ومسلم.

([98]) رواه البخاري ومسلم.

([99]) رواه البخاري ومسلم.

([100]) رواه البخاري.

([101]) متفق عليه.

([102]) أبو داود.

([103]) موطأ مالك.

([104]) رواه مسلم.

([106]) رواه البخاري ومسلم.

([108]) رواه مسلم.

([109]) رواه أبو داود.

([110]) رواه مسلم.

([111]) رواه البخاري ومسلم.

([112]) رواه البخاري ومسلم.

([113]) الترمذي وأبو داود.

([114]) رواه البخاري ومسلم.

([115]) رواه ابن حبان.