فاستجاب لهم ربهم [ قصص ممن استُجيبت لهم دعواتهم ]
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- فاستجاب
لهم ربهم [ قصص ممن استُجيبت لهم دعواتهم ]
- (1) قصة نبي الله أيوب عليه السلام
- (2) قصة يونس عليه السلام
- (3) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأم أبي هريرة
- (4) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعروة بن أبي الجعد الباقري رضي الله عنه
- (5) دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنس بن مالك رضي الله عنه
- (6) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما
- (7) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - للنابغة الجعدي رضي الله عنه
- (8) دعاء عمير بن سعد رضي الله عنه
- (9) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - على بعض أعدائه
- (10) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - على سراقة بن مالك رضي الله عنه
- (11) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر
- (12) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب
- (13) دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على عتبة بين أبي لهب
- (14) دعاء الله بصالح الأعمال
- (15) دعاء عمر رضي الله عنه على نفسه
- (16) النعمان يقسم على ربه
- (17) دعاء المكروب
- (18) دعاء سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
- (19) فضل دعاء الأعمى
- (20) دعاء عمرو السرايا
- (21) صفوان بن محرز يدعو في جوف الليل
- (22) دعاء بسر بن سعيد على الواشي
- (23) دعاء مريض شافاه الله
- (24) فضل دعاء المجاهد في سبيل الله
- (25) دعاء النجاة من القتل
- (26) خروج الحصاة من الأذن
- (27) دعاء عاصم بن أبي إسحاق (شيخ القراء في زمانه)
- (28) دعاء أصبغ بن زيد
- (29) دعاء شقيق البلخي
- (30) دعاء سعيد بن جبير على الديك
- (31) دعاء من وشي به عند الحجاج
- (32) دعوة الوالد لولده
- (33) الدعاء وطلب الوظيفة
- (34) دعوة شاب صالح لوالده
- (35) الدعاء بطلب الذرية
- (36) الدعاء على الولد وللولد
- أحوال الناس في الدعاء
- شروط الدعاء
- بعض آداب الدعاء
- الأوقات الشرعية للدعاء
- توجيهات قبل الدعاء
- الخاتمــة
فاستجاب لهم ربهم [ قصص ممن استُجيبت لهم دعواتهم ]
صالح بن راشد الهويمل
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران].
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء]
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار([1]).
فهذه رسالة عن عبادة عظيمة هجرها بعض الناس وقد وسمتها فاستجاب لهم ربهم.
ولقد بدأت هذه الرسالة بشواهد من قصص بعض الأنبياء عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم والصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان ثم ختمت الشواهد بقصص من الواقع المعاصر.
ولقد ضمنت آخر الرسالة أحوال الناس في الدعاء وشروط الدعاء وآدابه والأوقات الشرعية للدعاء وتوجيهات قبل الدعاء.
آمل أن ينفع الله بها، وتكون من الأسباب القوية المؤثرة بالاتصال برب العالمين، والتمسك بالعقدية، ونبذ الشرك بالله واللجوء إليه سبحانه. ولقد اختصرت في سند الشواهد لسرعة الوصول إلى الشاهد ثم أحلت إلى المصدر.
وفي الختام أسأل الله القبول في القول والعمل
صالح بن راشد بن محمد الهويمل
* * * *
(1) قصة نبي الله أيوب عليه السلام
قال الله تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 83-84].
إن حادثة أيوب بلسم للمرضى وفي ذكرها رفع لمستوى الإيمان «وذلك أن أيوب كان له من الدواب، والأنعام، والحرث شيء كثير والأولاد كثر ومنازل مرضية فابتلي في ذلك كله وذهب عن آخره ...
ثم ابتُلي أيوب عليه السلام في جسده بمرض الجذام في سائر بدنه ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه يذكر بهما الله سبحانه، حتى إن الناس بعد ما كانوا أقرب إليه عافه أهل البلد ووضع في مكان في آخر البلد، ولم يبق أحد يحنو إليه سوى زوجته، كانت تقوم بأمره حتى إنها احتاجت فأخذت تخدم في البيوت لكي تؤمن له الطعام والشراب ولقد كان نبي الله أيوب عليه السلام غاية في الصبر، يُضرب به المثل في ذلك قال يزيد بن ميسرة: لما ابتلى الله أيوب عليه السلام بذهاب الأهل والمال والولد ولم يبق شيء له أحسن الذكر ثم قال: أحمدك رب الأرباب الذي أحسنت إلي؛ أعطيتني المال والولد فلم يبق من قلبي شعبة إلا وقد دخله ذلك فأخذت ذلك كله مني وفرغت قلبي فليس يحول بيني وبينك شيء لو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت حسدني، قال: فلقي إبليس من ذلك منكرًا، وقد طال بأيوب البلاء حتى إنه لبث في البلاء سبع سنين، وقيل ثلاث، وقيل ثماني عشرة سنة حتى إن إبليس حاول إغواء أيوب بواسطة صاحبيه في أن يشرب الخمر فنهرهما وقال عليه السلام لصاحبيه كلامكما وطعامكما وشرابكما حرام فقاما من عنده ثم إن إبليس – لعنه الله – تنكر بصورة طبيب فقال لزوجته قد طال سقم أيوب فإذا أراد أن يبرأ فليأخذ ذبابًا وليذبحه باسم صنم بني فلان فإنه يبرأ، ويتوب بعد ذلك، فقالت ذلك لأيوب فقال قد أتاك الخبيث، لله علي إن برأت أن أجلدك مائة جلدة فخرجت تسعى عليه، فحظر عنها الرزق فلما اشتد عليها ذلك وخافت على أيوب الجوع حلقت من شعرها قرنًا فباعته لصبية من بنات الأشراف؛ فأعطوها طعامًا طيبًا كثيرًا فأتت به أيوب فلما رآه أنكره وقال من أين لك هذا؟ قالت عملت لأناس فأطعموني فأكل منه فلما كان الغد خرجت فطلبت أن تعمل فلم تجد فحلقت أيضًا قرنًا فباعته على تلك الجارية فأعطوها أيضًا من ذلك الطعام فأتت به أيوب، فقال: والله لا أطعمه حتى أعلم من أين هو؟ فوضعت خمارها فلما رأى رأسها محلوقًا جزع جزعًا شديدًا فعند ذلك دعا الله عز وجل فقال: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ فقال الله له: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ فاغتسل أيوب عليه السلام بهذا الماء الذي أمره الله عز وجل به فعافاه الله، ولقد رد الله عليه ماله، وولده عينًا ومثلهم معهم»([2]).
فيا ليت أصحاب الأمراض والمنكوبين يتعظون من قصة نبي الله أيوب عليه السلام.
* * * *
(2) قصة يونس عليه السلام
قال الله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الأنبياء].
«كان يونس عليه السلام قد بعثه الله إلى أهل قرية نينوى - وهي قرية من أرض الموصل - فدعاهم إلى الله تعالى فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم فخرج من بين أظهرهم مغاضبًا لهم ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث، ثم ركب مع قوم في سفينة فلجلجت بهم وخافوا أن يغرقوا فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس عليه السلام فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا، فأبوا ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا؛ قال تعالى: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ [الصافات] أي وقعت عليه القرعة فقام يونس وتجرد من ثيابه ثم ألقى نفسه في البحر وقد أرسل الله سبحانه من البحر الأخضر – فيما قاله ابن مسعود – حوتًا يشق البحار حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة فأوحى الله إلى ذلك الحوت أن لا تأكل له لحمًا ولا تهشم له عظمًا فإن يونس ليس لك رزقًا وإنما بطنك تكون له سجنًا قال ابن مسعود: وكان يونس عليه السلام في ظلماتٍ ثلاث: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، وقال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما في ذلك أنه ذهب به الحوت في البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره فنادى في الظلمات: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ قال عوف الأعرابي: لما صار يونس عليه السلام في بطن الحوت ظن أنه قد مات ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه، ثم نادى يا رب اتخذت لك مسجدًا في موضع لم يبلغه أحد من الناس، وقال سعيد بن الحسن البصري: «مكث في بطن الحوت أربعين يومًا رواهما ابن جرير وقال محمد بن إسحاق بن يسار عمن حدثه عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحمًا ولا تكسر له عظمًا فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًا، فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه في بطن الحوت أن هذا تسبيح دواب البحر، قال: وسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد له في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم. قال: فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل كما قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ [الصافات: 145]
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ... دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له» رواه الترمذي والنسائي([3]).
(3) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأم أبي هريرة
قال أبو هريرة رضي الله عنه: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يومًا فأسمعتني في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أكره، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فأدع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم اهد أم أبي هريرة» فخرجت مستبشرًا بدعوة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف – أي: مغلق – فسمعت أمي خشف قدمي – أي صوتهما على الأرض – فقالت: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء – أي صوت تحريك الماء – قال: فاغتسلت ولبست درعها، وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة؛ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرًا، قال: قلت يا رسول الله أدع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم حبب عُبَيدك هذا – يعني أبا هريرة – وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين» فما خُلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني [مسلم 4546].
(4) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعروة بن أبي الجعد الباقري رضي الله عنه
ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى عروة بن أبي الجعد البارقي دينارًا يشتري به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه. وفي مسند الإمام أحمد أنه قال له: «اللهم بارك له في صفقة يمينه؛ فكان يقف في الكوفة ويربح أربعين ألفًا قبل أن يرجع إلى أهله» [مسند أحمد 4/376]([4]).
(5) دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنس بن مالك رضي الله عنه
عن أنس رضي الله عنه قال جاءت بي أمي أم أنس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه فقالت: يا رسول الله هذا أُنيس ابني أتيتك به يخدمك فادع الله له فقال - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم أكثر ماله وولده». قال أنس رضي الله عنه فوالله إن مالي كثير وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم. [أخرجه مسلم].
(6) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما
فقد دعا - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس رضي الله عنهما، وهو يومئذ غلام فقال: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» فخرج أفقه الناس في الدين، وأعلمهم بالتأويل، حتى سمي البحر، لسعة علمه، رضي الله عنه.
(7) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - للنابغة الجعدي رضي الله عنه
فقد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنابغة الجعدي بقوله له: «لا يفضض الله فاك» فعُمَّرَ، وكان أحسن الناس ثغرًا كلما سقطت له سن نبتت له أخرى([5]).
(8) دعاء عمير بن سعد رضي الله عنه
عندما أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك أمر المسلمين بأخذ العدة، والعتاد، ويتجهزون، ويستعدون، وفي يوم من الأيام كان الفتى عمير بن سعد عائدًا إلى بيته بعد أداء الصلاة في المسجد وقد امتلأت نفسه بطائفة مشرقة من صور بذل المسلمين وتضحيتهم، رآها بعينيه، وسمعها بأذنيه وما كاد يسمع الجلاس ما سمع – وهو زوج أمه – حتى انطلقت من فمه كلمة أطارت صواب الفتى المؤمن إذ سمعه يقول: إن كان محمد صادقًا فيما يدعي من النبوة فنحن شر من الحمير. فالتفت عمير إلى الجلاس وقال: والله يا جلاس ما كان على ظهر الأرض أحد بعد محمد بن عبد الله أحب إلي منك، فأنت آثر الناس عندي وأجلهم يدًا علي، ولقد قلت مقالة إن ذكرتها فضحتك، وإن أخفيتها خنت أمانتي، وأهلكت نفسي وديني، وقد عزمت على أن أمضي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخبره بما قلت فكن على بينة من أمرك. ومضى الفتى عمير إلى المسجد وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما سمع من الجلاس بن سويد فاسْتَبْقَاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنده، وأرسل أحد أصحابه يدعو الجلاس، فجاء الجلاس وحيَّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجلس بين يديه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما مقالة سمعها منك عمير بن سعد؟» وذكر له ما قاله: فقال: كذب علي يا رسول الله وافترى، فما تفوهت بشيء من ذلك. والتفت الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى عمير فرأى وجهه قد احتقن بالدم، والدموع تنحدر مدرارًا من عينيه فتساقط على خديه وصدره وهو يقول: اللهم أنزل على نبيك بيان ما تكلمت به ... اللهم أنزل على نبيك بيان ما تكلمت به.
فبرز الجلاس وقال: إن ما ذكرته لك يا رسول الله هو الحق، وإن شئت تحالفنا بين يديك، وإني أحلف بالله إني ما قلت شيئًا مما نقله لك عمير.
فما إن انتهى من حلفه حتى أخذت عيون الناس تنتقل عنه إلى عمير بن سعد، حتى غشيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السكينة، فعرف الصحابة إنه الوحي، فلزموا أماكنهم، وسكنت جوارحهم، ولاذوا بالصمت، وتعلقت أبصارهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهنا ظهر الخوف، والوجل على الجلاس، وبدأ التلهف والتشوق على عمير، وظل الجميع كذلك حتى سري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فتلا قوله عز وجل: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾ إلى قوله عز وجل: ﴿فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [التوبة: 74].
فارتعد الجلاس من هول ما سمع وكاد ينعقد لسانه من الجزع ثم التفت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: بل أتوب يا رسول الله ... بل أتوب ... صدق عمير يا رسول الله وكنت من الكاذبين ... وهنا توجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الفتى فإذا دموع الفرح تبلل وجهه المشرق بنور الإيمان، فمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده الشريفة إلى أذنه وأمسكها برفق وقال: «وفت أذنك يا غلام ما سمعت، وصدقت ربك»([6]).
(9) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - على بعض أعدائه
من ذلك أن المشركين آذوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة وأمر أبو جهل بعض القوم أن يضع سلا الجزور بين كتفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد ففعل ذلك عقبة بن أبي معيط فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم: «اللهم عليك بقريش» ثلاث مرات فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال: «اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط» قال ابن مسعود: فوالذي بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالحق لقد رأيت الذي سمى صرعى يوم بدر، ثم سُحبوا إلى القليب، قليب بدر وفي رواية: فأقسم بالله لقد رأيتهم صرعى على بدر قد غيرتهم الشمس، وكان يومًا حارًا [مسلم 3/1420].
(10) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - على سراقة بن مالك رضي الله عنه
لحق سراقة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يقتله وأبا بكر رضي الله عنه؛ لكي يحصل على دية كل واحد منهما؛ لأن قريشًا جعلوا لمن يقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر – رضي الله عنه – أو أسرهما دية لكل واحد منهما، فلحق سراقة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعندما رآه أبو بكر – رضي الله عنه – قال: يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «اللهم اصرعه» وساخت يد فرس سراقة في الأرض حتى بلغت الركبتين. فقال سراقة: يا رسول الله ادع الله لي، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونجت فرسه، ورجع يخفي عنهما، فكان أول النهار جاهدًا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان آخر النهار مسلحة له يخفي عنه [البخاري في الفتح 7/238، 240، 249 برقم 3906، 3908، 3911].
(11) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً فاستقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة ثم مدّ يده فجعل يهتف بربه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» فما زال يهتف بربه مادًا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه فأتاه أبو بكر فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كذاك – أي كفاك – مناشدتك ربك فإنه سينجز لك وعدك. فأنزل الله عز وجل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]. فأمده الله بالملائكة [مسلم 3/1384].
قال ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيًا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة السوط فاحضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة» فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين. [مسلم 3/1384-1385].
(12) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب
كان المحاربون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الأحزاب خمسة أصناف هم: المشركون من أهل مكة، والمشركون من قبائل العرب، واليهود من خارج المدينة، وبنو قريطة، والمنافقون، وكان من حضر الخندق من الكفار عشرة آلاف، والمسلمون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة آلاف، وقد حاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - شهرًا ولم يكن بينهم قتال إلا ما كان من عمرو بن ود العامري مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله علي رضي الله عنه، وكان ذلك في السنة الرابعة من الهجرة [زاد المعاد 3/269 – 276].
ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم فقال: «اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم» [البخاري مع الفتح 7/406 برقم 415]. وأرسل الله على الأحزاب جندًا من الريح فجعلت تقوض خيامهم، ولا تدع لهم قدرًا إلا كفأته، ولا طنبًا إلا قلعته، ولا يقر لهم قرار، وجند الله الملائكة يزلزلونهم ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف [زاد المعاد 3/274].
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ [الأحزاب]([7]).
(13) دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على عتبة بين أبي لهب
روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تلا ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾ قال عتبة بن أبي لهب كفرت بالذي دنا فتدلى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم سلَّط عليه كلبًا من كلابك» يعني الأسد، فخرج عتبة مع أصحابه في عير إلى الشام حتى إذا كانوا في طريقهم زأر الأسد فجعلت فرائص عتبة ترتعد فقال أصحابه من أي شيء ترتعد فوالله ما نحن وأنت إلا سواء فقال إن محمدًا دعا عليَّ وما تُرد له دعوة ولا أصدق منه لهجة فوضعوا العشاء، فلم يدخل عتبة يده فيه وحاط القوم أنفسهم بمتاعهم وجعلوا عتبة وسطهم وناموا فجاء الأسد يشم رؤوسهم حتى انتهى إلى عتبة فهشمه هشمة أوصلته إلى آخر رمق، فقال: وهو بآخر رمق ألم أقل لكم إن محمدًا أصدق الناس لهجة؟([8]).
(14) دعاء الله بصالح الأعمال
حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري حدثني سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقال: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ومالاً فنأى بي طلب شيء فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقها فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت والقدح على يدي أنتظر اسيتقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وقال الآخر: اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى قدرت عليها قالت: لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمّرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدِ إلي أجري فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال: يا عبد الله لا تهزأ بي. فقلت: إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئًا، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون»([9]).
(15) دعاء عمر رضي الله عنه على نفسه
... عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما نفر من منى، أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة من بطحاء فألقى عليها طرف رداءه، ثم استلقى، ورفع يديه إلى السماء، ثم قال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع، ولا مفرط، فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات رحمه الله ([10]).
(16) النعمان يقسم على ربه
... عن أبي ثابت بن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال النعمان بن قوقل رضي الله عنه يوم أحد: اللهم إني أقسم عليك أن أُقتل، فأدخل الجنة، فقُتل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن النعمان أقسم على الله، فأبره فلقد رأيته يطأ في حظيرتها ما به من عرج»([11]).
(17) دعاء المكروب
... عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار يكنى أبا معلق، وكان تاجرًا يتجر بمال له ولغيره يضرب به الآفاق، وكان ناسكًا ورعًا فخرج مرة فلقيه لص مقنع بسلاح فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك، قال: ما تريد إلى دمي؟ شأنك بالمال، قال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك، قال: أما إذا أبيت، فذرني أصلي أربع ركعات قال: صلَّ ما بدا لك، فتوضأ، ثم صلى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعَّال لما يريد، أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي يُضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، قال دعا: بها ثلاث مرات، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه، فطعنه، فقتله ثم أقبل إليه، فقال: قم قال من أنت؟ بأبي أنت وأمي؛ فقد أغاثني الله بك اليوم، قال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول، فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب فسألت الله أن يوليني قتله.
قال أنس: فاعلم أنه من توضأ، وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء، استجيب له مكروبًا كان، أو غير مكروب ([12]).
(18) دعاء سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
... عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: شكا أهل الكوفة سعدًا رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه، حتى قالوا: إنه لا يحسن يصلي، قال سعد: أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا أخرم – أي لا أنقص – عنها، أركد في الأوليين وأحذف الآخرين، قال عمر رضي الله عنه: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، ثم بعث رجالاً يسألون عنه في مجالس الكوفة فكانوا لا يأتون مجلسًا إلا أثنوا عليه خيرًا، وقالوا معروفًا، حتى أتوا مسجدًا من مساجدهم، فقال رجل يقال له أبو سعدة، فقال: اللهم إذا سألتمونا، فإنه كان لا يعول في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية، فقال سعد رضي الله عنه: اللهم إن كان كاذبًا فاعم بصره، وأطل فقره، وعرضه للفتن.
قال عبد الملك: فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك، فإذا قيل له: كيف أنت يا أبا سعدة؟ قال: كبير فقير مفتون، أصابتني دعوة سعد([13]).
(19) فضل دعاء الأعمى
عن نافع، أن ابن عمر رضي الله عنهما أضاف رجلاً أعمى، فأكرمه ابن عمر رضي الله عنهما، وأنامه في منزله الذي ينام فيه، فلما كان في جوف الليل، قام ابن عمر رضي الله عنهما، فتوضأ، فأسبغ الوضوء، ثم صلى ركعتين، ثم دعا بدعاء فهمه الأعمى، فلما رجع ابن عمر رضي الله عنهما إلى مضجعه، قام الأعمى إلى فضل وضوء ابن عمر رضي الله عنهما، فتوضأ، وأسبغ، ثم صلى ركعتين، ثم دعا بذلك الدعاء، فرد الله عليه بصره، فشده الصبح مع ابن عمر رضي الله عنهما بصيرًا، فلما فرغ، التفت إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: يا أبا عبد الرحمن دعاء سمعته منك البارحة تدعو به، فهمته، فقمت، فصنعت مثل الذي صنعت، فرد الله علي بصري، قال: ذاك دعاء علَّمناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمرنا أن لا نعلمه أحدًا يدعو به في أمر الدنيا، قال: «قل اللهم رب الأرواح الفانية، والأجساد البالية، أسألك بطاعة الأرواح الراجعة إلى أجسادها، وبطاعة الأجساد الملتئمة بعزتك، وبكلماتك النافذة فيهم، وأخذك الحق بينهم، والخلائق بين يديك ينتظرون فصل قضائك، ويرجون رحمتك، ويخافون عقابك، أن تجعل النور في بصري، واليقين في قلبي، وذكرك بالليل والنهار على لساني، وعملاً صالحًا فارزقني»([14]).
(20) دعاء عمرو السرايا
عن عمرو السرايا، قال: كنت أغزو في بلاد الروم وحدي، فبينا أنا ذات يوم نائم، إذا ورد علي علج، فحركني فانتبهت، فقال: يا عربي اختر إن شئت مطاعنة، وإن شئت مسايفة، وإن شئت مصارعه، فقلت: أما المسايفة والمطاعنة فلا طاقة لي بقتالهما، ولكن مصارعه. فنزل، فلم ينهنهني – أي لم يمهلني – أن صرعني، وجلس على صدري، فقال: أي قتلة أقتلك فتذكرت، فرفعت طرفي إلى السماء، فقلت: أشهد أن كل معبود ما دون عرشك إلى قرار أرضك باطل، غير وجهك الكريم، قد ترى ما أنا فيه ففرج عني، فأغمي علي ثم أفقت، فإذا الرومي قتيل إلى جانبي.
(21) صفوان بن محرز يدعو في جوف الليل
حدثنا جعفر بن سليمان قال: سمعت ثابتًا البناني، قال: أخذ عبيد الله بن زياد ابن أخ لصفوان بن محرز فحبسه في السجن، فلم يدع صفوان شريفًا بالبصرة يرجو منفعته إلا تجمل به عليه فلم ير لحاجته نجاحًا فبات في مصلاه حزينًا، قال: فهوم من الليل فإذا آت قد أتاه في منامه، فقال: يا صفوان قم فاطلب حاجتك من وجهها، قال: فانتبه فزعًا، فقام فتوضأ، ثم صلى، ثم دعا فأرق ابن زياد، فقال: علي بابن أخي صفوان بن محرز، فجاء الحراس، وجيء بالنيران، وفتحت تلك الأبواب الحديدية في جوف الليل، فقيل: أين ابن أخي صفوان بن محرز؟ أخرجوه، فإني قد منعت من النوم منذ الليلة، فأتى به ابن زياد، فكلمه، ثم قال: انطلق بلا كفيل ولا شيء، فما شعر صفوان حتى ضرب عليه ابن أخيه بابه، قال صفوان: ما هذا؟ قال: أنا فلان، قال فأي ساعة هذه الساعة؟ فحدثه الحديث([15]).
(22) دعاء بسر بن سعيد على الواشي
حدثني الحجاج بن صفوان بن أبي يزيد، قال: وشي رجل ببسر بن سعيد إلى الوليد [بن عبد الملك أنه يطعن على الأمراء، أو يعيب بني مروان] قال: فأرسل إليه الوليد، والرجل عنده، قال فجيء به ترعد فرائصه، فأدخل عليه، فسأله عن ذلك، فأنكره بسر وقال: ما فعلت، فالتفت الوليد إلى الرجل، فقال: يا بسر هذا يشهد عليك بذلك، فنظر إليه بسر وقال: أهكذا؟ قال: نعم، فنكس رأسه وجعل ينكت في الأرض، ثم رفع رأسه، وقال: اللهم قد شهد بما قد علمت أني لم أقله، فإن كنت صادقًا، فأرني به على ما قال: فانكب الرجل على وجهه، فلم يزل يضطرب حتى مات([16]).
(23) دعاء مريض شافاه الله
عن عمر بن ثابت الخزرجي، قال: دخلت في أذن رجل من أهل البصرة حصاة، فعالجها الأطباء، فلم يقدروا عليها، حتى وصلت إلى صماخه فأسهرت ليله، ونغصت عيش نهاره، فأتى رجل من أصحاب الحسن، فشكا ذلك إليه، فقال: ويحك إن كان شيء ينفعك فدعوة العلاء بن الحضرمي التي دعا بها في البحر وفي المفازة، قال: وما هي؟ قال: يا عليُّ، يا عظيم، يا عليم، يا حليم، قال: فدعا بها، فوالله ما برحنا حتى خرجت من أذنه ولها طنين حتى صكت الحائط وبرأ([17]).
(24) فضل دعاء المجاهد في سبيل الله
عن الشعبي: أن قومًا من المهاجرين خرجوا متطوعين في سبيل الله، فنفق – أي مات – حمار رجل منهم، فأرادوه على أن ينطلق معهم فأبى، فانطلق أصحابه مترجلين وتركوه، فقام، وتوضأ وصلى، ثم رفع يديه فقال: اللهم إني خرجت مجاهدًا في سبيلك، وابتغاء مرضاتك، وأشهد أنك تحيي الموتى، وأنك تبعث من في القبور، اللهم فأحيي لي حماري، ثم قام إلى الحمار فضربه فقام الحمار ينفض أذنيه فأسرجه وألجمه، ثم ركبه فأجراه حتى لحق بأصحابه، فقالوا له: ما شأنك؟ قال: إن الله تعالى بعث لي حماري.
قال إسماعيل: قال الشعبي: أنا رأيت هذا الحمار بيع أو يباع بالكناسة: مكان بالكوفة([18]).
(25) دعاء النجاة من القتل
عن عامر الشعبي، قال: كنت جالسًا مع زياد بن أبي سفيان، فأُتى برجل يُحمل، ما نشك في قتله، قال: فرأيته حرك شفتيه بشيء ما ندري ما هو، قال: فخلي سبيله، فقال بعض القوم: لقد جيء بك وما نشك في قتلك، فرأيناك حركت شفتيك بشيء ما ندري ما هو، فخُلي سبيلك! قال: قلت: اللهم رب إبراهيم، ورب إسحاق ويعقوب، ورب جبريل، وإسرافيل، ومنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم، ادرأ عني شر زياد، قال فخلى عني([19]).
(26) خروج الحصاة من الأذن
في رواية عن سعيد بن عنبسة قال: بينما رجل جالس يعبث بالحصى ويحذف به إذا رجعت حصاة منها عليه فصارت في أذنه فجهدوا بكل حيلة فلم يقدروا على إخراجها فبقيت الحصاة في أذنه مدة وهي تؤلمه فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع قارئًا يقرأ ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ فقال الرجل: يا رب أنت المجيب وأنا المضطر فاكشف عني ضر ما أنا فيه فنزلت الحصاة من أذنه في الحال.
(27) دعاء عاصم بن أبي إسحاق (شيخ القراء في زمانه)
روى البيهقي في فضائل الأعمال عن حماد بن سلمة أن عاصم ابن أبي إسحاق – شيخ القراء في زمانه – قال: أصابتني خصاصة أي حاجة، وفاقة فجئت إلى بعض إخواني فأخبرته بأمري فرأيت في وجهه الكراهة فخرجت من منزلي إلى الجبانة – أي إلى الصحراء – فصليت ما شاء الله تعالى، ثم وضعت وجهي على الأرض فقلت: يا مسبب الأسباب، يا مفتح الأبواب، ويا سامع الأصوات، ويا مجيب الدعوات، ويا قاضي الحاجات، اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك – يلح على الله بهذا الدعاء – قال: فوالله ما رفعت رأسي حتى سمعت وقعة بقربي فرفعت رأسي فإذا بحدأة طرحت كيسًا أحمر، فأخذت الكيس فإذا فيه ثمانون دينارًا وجوهرًا ملفوفًا في قطنة، فبعت الجواهر بمال عظيم، وأفضلت – أي أبقيت الدنانير – وأشتريت منها عقارًا وحمدت الله تعالى على ذلك.
(28) دعاء أصبغ بن زيد
عن أصبغ بن زيد قال: مكثت أنا ومن عندي ثلاثًا لم نطعم شيئًا من الجوع فخرجت إلى ابنتي الصغيرة وقالت: يا أبت الجوع – تشكو الجوع – قال: فأتيت الميضأة فتوضئت، وصليت ركعتين أُلهمت دعاء دعوت في آخره: «اللهم افتح علي منك رزقًا لا تجعل لأحد علي فيه منة ولا لك علي في الآخرة تبعة، برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم انصرفت إلى البيت فإذا بابنتي الكبيرة قد قامت إلي، وقالت: يا أبتاه جاء – رجل يقول: إنه عَمَّي – بهذه الصرة من الدراهم، وبحمال عليه دقيق، وحمال عليه من كل شيء في السوق، وقال: أقرئوا أخي السلام، وقولوا له إذا احتجت إلى شيء ادع بهذا الدعاء فتأتيك حاجتك. قال أصبغ بن زيد: والله ما كان لي أحد قط، ولا أعرف من كان هذا القائل، ولكن الله على كل شيء قدير».
(29) دعاء شقيق البلخي
عن شقيق البلخي قال: كنت في بيتي قاعدًا فقال لي أهلي: قد ترى ما بهؤلاء الأطفال من الجوع قال: فتوضأت وكان لي صديق لا يزال يقسم علي بالله إن يكن لي حاجة أعلمه بها، ولا أكتمها عنه، فخطر ذكره ببالي، فلما خرجت من المنزل مررت بالمسجد، فذكرت ما روي عن أبي جعفر قال: من عرضت له حاجة إلى مخلوق فليبدأ فيها بالله عز وجل، قال: فدخلت المسجد وصليت فيه ركعتين، فلما كنت في التشهد أفرغ علي النوم فرأيت في منامي أنه قيل: يا شقيق أتدُلُ العباد على الله ثم تنساه، قال: فاستيقظت، وعلمت أن ذلك تنبيه نبهني به ربي فلم أخرج من المسجد حتى صليت العشاء الآخرة ثم تركت الذهاب لصاحبي وتوكلت على الله، وانصرفت إلى المنزل فوجدت الذي أردت أن أقصده قد حركه الله وأجرى لأهلي على يديه ما أغناهم إن ربي لسميع الدعاء.
(30) دعاء سعيد بن جبير على الديك
كان لسعيد بن جبير ديك يقوم من الليل بصياحه، فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح ولم يصل سعيد تلك الليلة – أي لم يصل قيام الليل – فشق عليه ذلك قال: ما له قطع الله صوته – يعني الديك – وكان سعيد مجاب الدعوة فما سمع للديك صوت بعد ذلك الدعاء فقالت أم سعيد: يا بُني لا تدع على شيء بعدها ذكر ذلك الذهبي في كتابه (سير أعلام النبلاء)([20]).
(31) دعاء من وشي به عند الحجاج
ذكر التنوخي أن رجلاً وشي به عند الحجاج، فأمر بإدخاله السجن تمهيدًا لقتله فقام الرجل المسجون في جوف الليل، وصلى أربع ركعات ثم دعا بقوله: اللهم إنك تعلم أني كنت على إساءتي وظلمي وإسرافي على نفسي لم أجعل لك ولدًا ولا شريكًا ولا ندًا ولا كفوًا فإن تعذب فعدل منك وإن تعف فأنت العزيز الحكيم، اللهم إني أسألك يا من لا يأتي عطاؤه بإلحاح الملحين، ولا يَمُن بعفوه، أن تجعل في ساعتي هذه فرجًا ومخرجًا مما أنا فيه من حيث أرجو ومن حيث لا أرجو وخذ لي بقلب عبدك الحجاج وسمعه وبصره ويده ورجله حتى يخرجني في ساعتي هذه فإن قلبه وناصيته في يدك، يا رب يا رب، قال وقد كثَّر الدعاء فوالذي لا إله غيره ما انقطع دعاؤه حتى ضرب باب السجن وقيل: يا فلان فقام الرجل وقال للسجناء: يا هؤلاء إن تكن العافية فوالله لا أدع الدعاء لكم، وإن تكن الثانية فجمع الله بيننا وبينكم في مستقر رحمته، فبلغه من الغد أنه خُلي سبيله([21]).
(32) دعوة الوالد لولده
يذكر الشيخ محمد المختار الشنقيطي رجلاً في ضعف وبؤس وضيق حال كان يذهب ويسعى لوالده فإذا جاء بأجرة يومه وضعها على المنضدة وذلك استحياء من أن يمدها بيده لأبيه فتكون منّة على أبيه، يقول الرجل: فكنت كلما أضع المال بين يديه يدعو الله ويقول: اللهم ارزق ابني القرآن واجعله من أهله فبلغ أكثر من عشرين عامًا وهو تائه في الأعمال حتى شاء الله يومًا من الأيام وهو راجع من عمله إذا به يلتقي بعالم كان عمدة في بلده في الفتوى فقال العالم للرجل: ما الذي أنت فيه؟ قال الرجل: ما ترى أسعى بالرزق. قال العالم: هل لك أن تجعل لي يومًا من أسبوعك؟ قال الرجل: نعم ونعمت عيني بذلك، فما زال يتردد عليه حتى جاء اليوم الذي يُناقش فيه الرجل في رسالة الدكتوراه في تفسير القرآن الكريم، فلما دُعي للمناقشة وجلس إذا بشيخه وأستاذه يقوم مهابة له وإجلالاً لما كان له من العلم فقال: تفضل يا شيخ – ومن المعلوم أن الشيخ لا يتنزل لطالبه – وإذا به أمام الجمع قال: هالني ما رأيت فيه من العلم والمعرفة بكتاب الله فعظمته وأجللته فلما تفضل الرجل جلس وهو يبكي فقال الشيخ: تبكي ونحن نريد أن نجلك؟ قال الرجل: تذكرت دعوة أبي رحمه الله: اللهم ارزق ابني القرآن واجعله من أهله، فبلَّغه الله هذه المنزلة العظيمة([22]).
(33) الدعاء وطلب الوظيفة
يذكر الشيخ محمد المختار الشنقيطي: أن رجلاً تنكدت عليه وظيفته وبقي في حزن وشجى فشاء الله أن لقيه الشيخ وقد بلغ الرجل من الهم والغم ما بلغ وكان يبحث عن رجل يؤثِّر على صاحب الصلاحية في التوظيف فقال للشيخ: هل رأيت فلان؟ فأجاب الشيخ: أنه لم يره، ثم سأله الشيخ: هل انقضت حاجتك؟ قال: لم تنقض حتى الآن، وإني أبحث عن الرجل الذي له تأثير قال الشيخ: هناك من يحل موضوعك ويكفيك همك.
فسأل الرجل: وهل يؤثر على صاحب صلاحية التوظيف؟ قال الشيخ: نعم يؤثر عليه. فسأل الرجل: وهل تعرفه؟ قال الشيخ: نعم. فسأل الرجل: وهل تستطيع أن تكلمه؟ فقال الشيخ: نعم وتستطيع أن تكلمه أنت أيضًا. فقال الرجل: بل كلمه أنت جزاك الله خيرًا. فسأل الرجل: من هو؟ قال الشيخ: إنه الله – هنا أصاب الرجل: نوع من التردد – ثم قال الشيخ: يا أخي اتق الله، لو قلت: فلان من البشر لقلت: هيَّا بنا إليه، ولما قلت: الله ترددت! نعم ما عرفت الله فهلا جربت دعوة الأسحار؟ وشاء الله أن يتقابل الشيخ بالرجل بعد أسبوع وإذا بالوجه البشوش. يقول الرجل: من العجب أني قمت من مجلسك ومن توفيق الله أني استيقظت وقت الأسحار وكأن شخصًا يوقظني فشاء الله وأن صليت ودعوت الله ولذت بالله كأني أراه فعندما أصبح الصباح فأردت أن أهب إلى مكان الوظيفة ثم شاء الله وأن أغير الطريق فمررت بمصلحة من المصالح ونزلت وسألت مدير المصلحة فرحب بي فأخبرته بموضوعي فقال المدير: أين أنت؟ نبحث عن أمثالك فخيرني بين وظيفتين وقد كنت أتمنى أقل منها([23]).
(34) دعوة شاب صالح لوالده
يحدث الشيخ عمر بن سعود العيد أن هناك شابًا صالحًا يحب الأخيار ويحب مجالستهم وكان له أب على نقيضه يكره الصالحين وكان إذا رآهم عند ابنه ربما طردهم من المنزل غير مراع لشعور ابنه – وكان ابنه حليمًا مع والده يدعوه ويدعو له ... وفي ليلة من الليالي كان لوالده مع الهداية موعدًا ... قام الابن في ثلث الليل وصلى ما تيسر له أن يصلي وفي آخر ركعة من صلاته رفع يديه إلى السماء وبدأ يدعو لوالده بالهداية، فما لبث إلا قليلاً حتى بدأت دموعه تنهمر من عينيه وأخذ يبكي وأخذت تلك الدعوات الصادقة تخرج من قلبه خوفًا وخشية على أبيه وفي تلك اللحظات المفعمة بصدق الالتجاء إلى الله دخل والده البيت قادمًا من إحدى سهراته وسمع باكيًا يبكي بحرقة وألم فذهب يلتمس مصدر الصوت وعندما وصل إليه وهمَّ بفتح الباب إذا به يسمع ابنه يتضرع إلى الله يدعو له بالهداية ... فتأثر الأب وجثا على ركبتيه عند باب الغرفة وأخذ يبكي ويقول: ... ولدي يدعو لي وأنا أضايقه ...، يدعو لي وأنا أحاربه، وفي غضون ذلك انتهى الابن من صلاته، ولما فتح باب الغرفة إذا بأبيه جالس يبكي، فلما رأى الأب ابنه اشتد بكاؤه وضم ابنه وقال له: والله لا أضايقك بعد اليوم.
والأعجب من ذلك كله ما قاله الشيخ بعدها، حيث قال: وكان الأب بعد ذلك ربما قام مع ابنه يصليان آخر الليل سويًا([24]).
(35) الدعاء بطلب الذرية
يروي لي شاب قصة مفادها أنه كان يعيش أيام الشباب في أحلام يريد تحقيقها ولكن لا لوحده بل معه أبناؤه ... وبعد أيام تحقق جزء من أحلامه فقد تزوج ولكن تأخر الحمل عند زوجته وصار الناس ينظرون إليه بنظرة إشفاق ورحمة وأخذ بعضهم يطرح عليه أسماء لامعة من الأطباء كي يتدارك العمر ليرى فلذات الأكباد فأصبح كلما جلس في مجلس نصحه الكبير والصغير ولكن ما هي هذه النصيحة؟! إنها نصيحة بالأخذ بالأسباب الدنيوية وللأسف الشديد ربما ينسون الأسباب القوية المؤثرة ألا وهي الاتصال برب العالمين برفع قوة الإيمان.
وفي مجلس من المجالس أخذ الحاضرون يطرحون اللائمة عليه وكأنهم يظنون أن هذا بيده حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت ثم إن زوجته قد شُحنت كذلك من النساء اللاتي يجلسن معها والمرأة المسكينة ربما تتعلق بالكلام ولو أنه من نسج الخيال، فيقول: فحدثتني بذلك، مما زاد الطين بلة. يقول: فصليت لله ركعتين أناجي فيهما ربي في دعاء عريض عند السجود وأتذكر قول الله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾ يقول: بحمد الله لم ينقض شهر إلا وقد قدر الله الحمل عند الزوجة.
(36) الدعاء على الولد وللولد
شاب كان يرعى الغنم لأبيه، ورأى تهافت الشباب على السفر والانخراط في السلك العسكري فطلب من أبيه أن يسمح له بالذهاب معهم فرفض الأب ذلك، حاول الشاب مرارًا فلم يأذن له الأب فقرر أن يذهب بالرغم من عدم رضا والده فقال الأب لابنه: أما القوة فما لي عليك من قوة، ولكن ما لي عليك إلا دعوة أرفعها إلى الله وقت السحر، فذهب الشاب وترك غنمه مع أحد أقرانه وذهب إلى سفره، وعلم الأب بسفره – وكان الأب صالحًا تقيًا – فرفع يديه إلى الحي القيوم وسأل الله عز وجل أن يريه في ولده ما يكره، فعمي الابن وهو في الطريق وأستقبله بعض أفراد قبيلته في الطائف وسألوه ماذا يريد؟ قال: كنت أريد الوظيفة أما الآن فأعمى لا يقبل مثلي في الوظيفة: فأتوا به إلى أبيه وعندما دخل عليه وهو في جوف الليل وكان والده ضعيف البصر فنادى الشاب. فقال أبوه: أفلان أنت؟ قال: نعم. قال أبوه: هل وجدت السهم؟ قال: نعم. فدخل على أبيه يُقاد. لكن الأب الحنون حزن حزنًا عظيمًا وتأثر تأثرًا كبيرًا وكان يود لو كانت في غير عينيه فقام ليلته تلك يبكي ويئن يركع ويسجد ويلحس بلسانه عين ولده ويدعو الله عز وجل والله قريب مجيب فما قام لصلاة الفجر حتى عاد لولده البصر فحمد الله كثيرًا([25]).
أحوال الناس في الدعاء
طرحنا في الصفحات السابقة شواهد من الدعاء وهي من قبل الأنبياء والصالحين، أناس رفعوا أكف الضراعة إلى الله فأجاب دعواتهم، وسبب طرحي لذلك علها أن تريح القلوب فتطمئن بأن الله سبحانه هو الواحد الأحد الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
أخي الداعي: ربما يأتيك الشيطان ويدعوك ويقول لك دعوت الله ولم يستجب لك فنقول: لا تعجل أخي فربما يريد الله أن يسمع تضرعك ويرى إنطراحك ويسمع استغفارك ويرى دموع ندمك تنسكب من عينيك مصحوبة بالتوبة، والالتجاء، والخوف من الله، ثم اعلم أخي: أن الداعي في أحوال ثلاثة: إما أن يستجيب الله له في الحال، وإما أن يصرف الله عنه من الشرور بقدر ما دعا، أو أن الله يدخر دعوته إلى يوم القيامة، فيجزل له العطايا، وذلك لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، حتى أن أهل الدعوات المستجابة في الدنيا يتمنون أن الله ما استجاب لهم دعواتهم لما يرون لإخوانهم الذين ادخر الله لهم أجرهم يوم القيامة.
فعن جابر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه، فيقول: عبدي إني أمرتك أن تدعوني، ووعدتك أن أستجيب لك، فهل كنت تدعوني؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول: أما إنك لم تدعني بدعوة إلا استجبت لك، أليس دعوتني يوم كذا وكذا أن أفرج عنك ما نزل بك ففرجت عنك، فيقول: نعم يا رب، فيقول: إني عجلتها لك في الدنيا، ودعوتني يوم كذا وكذا أن أفرج عنك ما نزل بك فلم تر فجرًا، قال: نعم يا رب، فيقول: إني ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا، ودعوتني في حاجة أقضيها لك يوم كذا وكذا فقضيتها، فيقول: نعم يا رب، فيقول إني عجلتها لك في الدنيا، ودعوتني يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك فلم تر قضاءها، فيقول: نعم يا رب فيقول: إني ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا» قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فلا يدع دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بيّن له إما أن يكون عجّل له في الدنيا، وإما أن يكون أُدخر له في الآخرة، قال: فيقول المؤمن في ذلك المقام يا ليته لم يكن عجّل له شيء من دعائه» انظر جامع الأصول (4/164)([26]).
أخي: إن بعض الناس يتكل على الأمور الدنيوية بل ربما ينسى الله في أغلب الأحوال وترى من حوله ينصحه أيضًا بأخذ الأسباب الدنيوية قبل الأسباب القوية المؤثرة وهي الاتصال برب العالمين لرفع ما به من شكوى إلى الله. فهو الشافي، وهو الواقي وهو على كل شيء قدير. ولا يمنع من الأخذ بالأسباب الدنيوية بعد التوكل على الله واللجوء إليه، وذلك لما حدث في قصة نبي الله أيوب عليه السلام فقال: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ﴾ [الأنبياء]، وفي موضع آخر قال: }ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ [ص].
شروط الدعاء
أولها: الإخلاص لله في الدعاء: أي أن لا يدعو الإنسان غير الله وأن لا يشرك به أحدًا فإن أشرك أحبط الله عمله يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر] وقال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن].
ثانيها: عدم الاستعجال فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل» قيل: يا رسول الله فما الاستعجال؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «يقول قد دعوت فلم أر يستجب لي؛ فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء» [رواه مسلم].
ثالثها: الدعاء بالخير فلا يدعو بإثم أو قطيعة رحم كما جاء في الحديث السابق فعليه بالدعاء بالخير له ولجميع إخوانه المسلمين.
رابعها: حضور القلب، وهو شرط مهم في الدعاء لأنك تخاطب رب الأرباب وملك الملوك فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب لاه» [حسن رواه الترمذي 9/450] أي يجب أن تعي ما تقول وأن تتذكر أنك أمام الله وتستشعر قبول العمل فإذا دعوت بالجنة تيقن بأنك تجاب ويقال لك: نعم لقد أجيبت دعوتك أو العكس – نسأل الله السلامة – فعلينا الإلحاح على الله بقبول الدعاء علَّ الله أن يستجيب فإن الله يحب الملحين عليه بالدعاء.
وخامسها: إطابة المأكل: فإن الأكل الحلال يورث لصاحبه تقوى من الله، وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص: «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة».
وقد ذُكر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك» [رواه مسلم 7/100].
سادسها: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «كل دعاء محجوب حتى يصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -» [حسن: صحيح الجامع الصغير 4523].
ويبدو أن هذا الشرط ليس شرطًا أساسيًا فقد صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أدعية كثيرة، ولم يُرد فيها الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن يحمل على الاستحباب والله أعلم([27]).
* * * *
بعض آداب الدعاء
للدعاء آداب نذكر بعضًا منها:
أولها: الثناء على الله قبل الدعاء، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ([28]).
وهذا قد تراه في البشر عندما يطلب أحد من أحدٍ أدنى حاجة تجد الطالب يتقدم بعبارات الثناء والمدح والاحترام ولله المثل الأعلى سبحانه فلقد سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً وهو يقول: يا ذا الجلال والإكرام فقال: «قد استجيب لك فسل» [حديث حسن رواه الترمذي 9/512]([29]).
ثانيها: الدعاء باسم الله الأعظم:
في صحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. فقال - صلى الله عليه وسلم -: لقد سأل الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب» وفي لفظ: «لقد سألت الله باسمه الأعظم».
وفي السنن وصحيح ابن حبان أيضًا من حديث أنس بن مالك: أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا ورجل يصلي ثم دعا فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقد دعا باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى» وأخرج الحديثين الإمام أحمد في مسنده وهو في جامع الترمذي وصحيح الحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ إنه لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له» [قال الترمذي: حديث صحيح].
وفي مستدرك الحاكم أيضًا من حديث سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم أمر مهم فدعا به يفرج الله عنه؟ دعاء ذي النون».
وفيه أيضًا عنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «هل أدلكم على اسم الله الأعظم، دعاء يونس». قال رجل يا رسول الله: هل كانت ليونس خاصة؟ فقال: «ألا تسمع قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء]. فأيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه هذا أعطى أجر شهيد، وإن برئ برئ مغفورًا له».
وفي مسند الإمام أحمد من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «علمني رسول الله إذا نزل كرب أن أقول: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين».
وفي مسنده أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أصاب أحدًا قط هم، ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ في حكمك عدل في قضاؤك أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدًا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا، فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلمها؟ قال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها»([30]).
ثالثها: حسن الظن بالله:
إن الظن الحسن بالله هو من أقوى الأسباب في إجابة الدعوة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني» فإن ظن الداعي ظن خير بالله وظن إجابة الدعوة فإن الله عند ظن العبد وإن كان العكس فلا حول ولا قوة إلا بالله، وجاء في حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا» [حسن رواه الترمذي 9/544 وأبو داود 1474].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» أي: وأنتم تعتقدون أن الله لا يخيبكم لسعة كرمه وعظم فضله ولقد وعد الله بالإجابة لمن دعاه: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186].
رابعها: الاعتراف بالذنب:
إن من الأدب الجم إظهار العبد التذلل لله عز وجل والإقرار بالخطيئة لعلمه أن الله مطلع على كل شيء ويُعتبر الاعتراف بالذنب والإقرار بالخطيئة من كمال العبودية لله سبحانه فعن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله ليعجب من العبد إذا قال: لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: عبدي عرف أن له ربًا يغفر ويعاقب» [حديث صحيح رواه الحاكم انظر صحيح الجامع الصغير رقم 1818]([31]).
خامسها: خفض الصوت ولينه:
لقد أمرنا المولى جل شأنه بالتضرع له والذل والمسكنة فقال عز وجل: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55].
قال الإمام القرطبي رحمه الله: هذا أمر بالدعاء وتعبد به، ثم قرن عز وجل بالأمر صفات تحسن معه، وهي الخضوع والاستكانة والتضرع. ومعنى (خفية) أي سرًا في النفس ليبعد عن الرياء وبذلك أثنى على نبيه زكريا إذ قال مخبرًا عنه: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم]. قال الحسن: لقد أدركت أقوامًا ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سرًا فيكون جهرًا أبدًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء فلا يُسمع لهم صوت، إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم.
ويعلق الإمام ابن القيم – رحمه الله – على هذه الآية الكريمة، مبينًا فوائد إخفاء الدعاء العديدة الكثيرة فيقول:
أولها: أنه أعظم إيمانًا، لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع دعاءه الخفي.
ثانيها: أنه أعظم في الأدب والتعظيم، ولهذا لا تخاطب الملوك، ولا تُسأل برفع الصوت، وإنما تخفض عندهم الأصوات، وتخف عندهم الأصوات، ويخفت عندهم الكلام بمقدار ما يسمعونه، ومن رفع صوته لديهم مقتوه، ولله المثل الأعلى، فإذا كان ربنا يسمع الدعاء الخفي، فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت.
ثالثها: أنه – يعني الإخفاء – أبلغ في التضرع والخشوع، والذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده، فإن الخاشع الذليل الخاضع، إنما يسأل مسألة مسكين ذليل، وقد انكسر قلبه، وذلت جوارحه، وخشع صوته.
رابعها: أنه أبلغ في الإخلاص.
خامسها: أنه أبلغ في جمع القلب على الله في الدعاء فإن رفع الصوت يفرقه ويشتته، فكلما خفض صوته كان أبلغ في حمده، وتجريد همته وقصده للمدعو سبحانه وتعالى.
سادسها: وهو من النكت السريعة البديعة جدًا أنه دال على قرب صاحبه من الله، وأنه لاقترابه منه، وشدة حضوره، يسأله مسألة أقرب شيء إليه، فيسأله مسألة مناجاة القريب للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد.
سابعها: أنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال، فإن اللسان لا يمل، والجوارح لا تتعب، بخلاف ما إذا رفع صوته، فإنه يكل لسانه، وتضعف بعض قواه. انتهى.
ويكفي العبد منها أن يتذكر ما حدث من الصحابة رضي الله عنهم، والرد النبوي على هذا الأمر. فعن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمًا، ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا بصيرًا»([32]).
سادسها: الإلحاح في المسألة.
فإن العزم والإلحاح من آداب الدعاء ذلك ليظهر الداعي عدم الاستعجال والملل من مناجاة الله فلعل الله يريد أن يسمع منك أخي الداعي التذلل فيؤخر إجابتك فلا تيأس من تأخر إجابة الدعاء بل اعزم وألح على الله فإن الله يحب الملحين في الدعاء.
سابعها: الدعاء ثلاثًا:
وفيه كما ذكرنا نوع من الإلحاح على الله بالشيء المطلوب وفيه الحرص من الداعي على استجابة الله دعوته فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سأل الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة. ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أجره من النار» [صحيح رواه ابن ماجة 4340 وأحمد 3/117].
ثامنها: الدعاء بالجوامع من الدعاء.
أي أن الداعي يدعو بجوامع الكلم كما كان هدي الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يدعو بالجوامع فعن فروة بن نوفل قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن دعاء كان يدعو به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت وشر ما لم أعمل» [رواه مسلم 17/ وأبو داود 1535].
وقد فصَّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك الدعاء تفصيلاً ولكن ربما يزل الداعي بالتفصيل بكلمة فيها خطأ إما في العقيدة أو في الأدب مع الله فيفضل الالتزام بالمأثور قدر المستطاع لما فيه من أمن من الزلل والخطأ ومن الأدعية الشاملة لخير الدنيا والآخرة ﴿رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة].
تاسعها: الداعي يبدأ بنفسه
إن من الأدب بداية الداعي بنفسه؛ لأن ذلك الدعاء يرجع فائدته له ومن ثم لأخيه المسلم فقد جاء على لسان عباد الله المؤمنين: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ [الحشر: 10]، وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأعراف]، وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم]. وهذا ديدن المؤمنين يشركون معهم إخوانهم في دعائهم لينالهم نصيب من الخير فعن ابن عباس عن أبي بن كعب «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه» [صحيح رواه الترمذي 9/1327]. ولم يكن ذلك عادة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد قال لابن عباس «اللهم فقهه في الدين»([33])، وقال: «اللهم اهد أم أبي هريرة»، وقال: «اللهم اهد دوسًا وأت بهم».
والدعاء فيه خير عظيم أرأيت إذا أحسنت لمسلم ألا يكون لك أجر؟ بل أجور وحسنات مضاعفة فإنك إذا دعوت لإخوانك المسلمين فإن الله بكرمه ورحمته يعطيك عن كل مسلم حسنة بل حسنات والله يضاعف لمن يشاء، ودعوة الأخ المسلم لأخيه في ظهر الغيب حرية بالإجابة مثل: اللهم اغفر لي وللمسلمين.
* * * *
الأوقات الشرعية للدعاء
إليك أخي بعض الأوقات الشرعية للدعاء فمنها:
1- الدعاء في جوف الليل:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فاستجب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فاغفر له» [رواه البخاري 11/128 ومسلم (758) الترمذي (9/471) وأحمد 4/16].
2- الدعاء بين الأذان والإقامة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا» [صحيح رواه ابن خزيمة وابن حبان].
3- الدعاء في الصلاة:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم» [مسلم 4/152].
4- الدعاء في السجود:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء» [مسلم 4/200].
5- الدعاء بعد الصلوات:
عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أن رسول الله أخذ بيده وقال: «يا معاذ إني والله لأحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» [صحيح رواه أبو داود 1508 وأحمد 5/245].
6- الدعاء عند النداء والدعاء عند البأس:
عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثنتان لا تردان – أو: قلما تردان -: الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضًا» [صحيح رواه أبو داود 2523].
7- الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: «في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه، وقال بيده، قلنا: يقللها يزهدها» [رواه البخاري 11/199].
8- الدعاء يوم عرفة:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» [حسن رواه الترمذي 10/44].
9- الدعاء عند صياح الديكة:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكًا وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانًا» [رواه مسلم 17/46، الترمذي 9/426].
10- الدعاء عند تغميض الميت:
عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة – رضي الله عنهما – وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الروح إذا قُبض تبعه البصر» فضج الناس من أهله فقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه» [مسلم 6/222].
11- الدعاء في ليلة القدر:
عن عائشة بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – عندما قالت: يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟ قال: «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» [حديث صحيح رواه أحمد 1/419، وابن ماجة 3850].
12- الدعاء عند نزول المطر:
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثنتان ما تردان الدعاء عند النداء وتحت المطر» [حديث حسن رواه الحاكم راجع صحيح الجامع الصغير رقم 3073]([34]).
توجيهات قبل الدعاء
أولاً: الدعاء له آداب وشروط لا بد من تعلمها والحرص عليها واقرأ الكلام النفيس لابن القيم رحمه الله قال: «وإذا جمع العبد مع الدعاء حضور القلب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة، وخشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يدي الرب، وذلاً له، وتضرعًا، ورقة واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلاة على رسول الله ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ثم دخل على الله وألح في المسألة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته وتوحيده وقدّم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يُرد أبدًا ولا سيما إذا صادف الأدعية التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها مظنة الإجابة وأنها متضمنة للاسم الأعظم» [انتهى بتصرف من الجواب الكافي ص19].
ثانيًا: الصدقة:
قد أكد عليها ابن القيم في كلامه السابق ولها أثر عجيب في قبول الدعاء؛ بل وفي فعل المعروف أيا كان، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء كما قال أبو بكر رضي الله عنه وبعضهم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثالثًا: الصبر وعدم اليأس والقنوط وفي هذا توجيهات:
أولاً: اعلم أن الدعاء عبادة ولو لم يحصل لك من دعائك إلا الأجر على هذا الدعاء بعد إخلاصك لله عز وجل فيه لكفى.
ثانيًا: أن تعلم بأن الله أعلم بمصلحتك منك فيعلم سبحانه أن مصلحتك في تعجيل الإجابة أو عدمها.
ثالثًا: لا تجزع من عدم الإجابة فربما دُفع عنك بهذا الدعاء شر كان سينزل بك، فعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذًا نكثر، قال - صلى الله عليه وسلم -: الله أكثر» [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد، وزاد فيه: «أو يدخر له من الأجر مثلها».
رابعًا: ربما كان عدم الإجابة أو تأخيرها امتحانًا لصبرك وتحملك وجلدك فهل تستمر في الدعاء؟ أم تستحسر وتمل وتترك الدعاء؟ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي» [متفق عليه] وفي رواية مسلم قيل: يا رسول الله ما الاستعجال قال - صلى الله عليه وسلم -: «يقول قد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء».
خامسًا: أن تلقي باللوم على نفسك وهي من أهمها فقد يكون سبب عدم الإجابة وقوعك أنت في بعض المعاصي أو التقصير أو إخلالك بالدعاء أو تعديك فيه؛ فمن أعظم الأمور أن تتهم نفسك وتنسب التقصير وعدم الإجابة لنفسك فهذا من أعظم الذل والافتقار إلى الله، واقرأ أيضًا هذا الكلام النفيس لابن رجب رحمه الله في نور الاقتباس يقول: «إن المؤمن إذا أستبطأ الفرج ويئس منه ولا سيما بعد كثرة دعائه وتضرعه ولم يظهر عليه أثر الإجابة رجع إلى نفسه باللائمة يقول لها: إنما أُوتيتُ من قبلك ولو كان فيك خير لأُجبت وهذا اللوم أحب لله من كثير من الطاعات؛ فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه واعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه فلذلك يسرع له إجابة الدعاء وتفريج الكرب فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم وعلى قدر الكسر يكون الجبر» انتهى كلامه رحمه الله.
رابعًا: من التوجيهات الأساسية:
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: إذا كان الرجل دعَّاءً في السراء فنزلت به ضراء فدعا الله عز وجل قالت الملائكة: صوت معروف فشفعوا له، وإذا كان ليس بدعَّاءٍ في السراء فنزلت به ضراء فدعا الله عز وجل قالت الملائكة: صوت ليس بمعروف فلا يشفعون له. ذكر ذلك ابن رجب في نور الاقتباس.
خامسًا:
إن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان بالله تعالى وفيه اطمئنان للنفس وراحة للقلب فاعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وتذكر دائمًا أن كل شيء بقضاء وقدر وأنه من عند الله واعلم أن الله أرحم بك من أبيك وأمك.
سادسًا:
احرص على أكل الحلال فهو شرط من شروط إجابة الدعاء وفي الحديث «ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذَّي بالحرام فأنى يُستجَابُ له» [أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة]. فالله الله بالحلال فإن له أثرًا عجيبًا في إجابة الدعاء.
سابعًا: أكثر من الاستغفار في الليل والنهار فلو لم يكن في الحث عليه إلا قول الحق عز وجل: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح] لكان كافيًا. فأين من يشكو الفقر والعقم والقحط في هذه الآية؟
هذه توجيهات سبع انتبه لها قبل أن ترفع يديك إلى السماء علك أن تكون مجاب الدعاء ([35]).
* * * *
الخاتمــة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد:
في ختام هذه الرسالة آمل أن أكون قد وفقت في عرض بعض الشواهد والتي أتمنى أن تستمر في إصدارات أخرى بإذن الله، كما آمل أن أكون قد وفقت في عرض أحوال الناس في الدعاء وبعض آدابه والأوقات الشرعية للدعاء وتوجيهات قبل الدعاء.
كما لا يسعني بعد شكر الله شكر كل من ساهم في إخراج هذه الرسالة سائلاً الله أن يثيبهم خير الثواب إنه جواد كريم بر رحيم.
ثم إني أخشى أن أكون كشمعة تضيء للآخرين وتحرق نفسها، وكالإبرة تكسو غيرها وهي عريانة.
وصفت التقى حتى كأني ذو تقى | ||
وريح الخطايا في ثيابي تعبق | ||
ولقد تأملت كلامًا جميلاً في صيد الخاطر لابن الجوزي يقول فيه: لقد تاب على يدي في مجالس الذكر أكثر من مائتي ألف، وأسلم على يدي أكثر من مائتي نفس، وكم سالت عين متجبر لم تكن تسيل، ويحق لمن تلمح هذا الإنعام أن يرجوا التمام، وربما لاحت أسباب الخوف إلى تقصيري وزللي، يقول: ولقد جلست يومًا فرأيت حولي أكثر من عشرة آلاف وما منهم إلا قد رق قلبه أو دمعت عينه فقلت لنفسي: كيف بك إن نجوا وهلكت؟
فصحت بلسان وجدي: إلهي وسيدي إن قضيت علي بالعذاب غدًا فلا تعلمهم بعذابي صيانة لكلامك لا لأجلي، لأن لا يقولوا عذَّب من دل عليه، إلهي قد قيل لنبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -: أقتل أُبي المنافق. فقال: لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، إلهي فاحفظ حسن عقائدهم فيَّ بكرمك أن تعلمهم بعذاب الدليل عليك. حاشاك والله يا ربي من تكدير الصافي – إلى أن قال: إلهي أنت أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فلا تخيب من علق أمله ورجاءه بك وانتسب إليك ودعا عبادك إلى بابك وإن كان متطفلاً على كرمك ولم يكن أهلاً للسمسرة بينك وبين عبادك ولكنه طمعًا في سعة جودك وكرمك فأنت أهل الجود والكرم فربما استحي الكريم من رد من تطفل علي سماط كرمه انتهى كلامه رحمه الله ([36]).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
صالح بن راشد بن محمد الهويمل
غفر له ولوالديه ولجميع المسلمين ... آمين
([1]) هذه خطبة الحاجة التي كان يبدأ بها النبي ﷺ أخرجه مسلم (2/593) – 868 – وأبو داود (2/239) - 2118 والترمذي (4/61) – 1105 – والنسائي (6/89) – 3278 وأحمد (1/302-393).
([2]) ابن كثير، إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، ج3، ص 183-185 [بتصرف]
([3]) ابن كثير، إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، ج3ص186-188 [بتصرف].
([4]) القحطاني، سعيد بن علي بن وهف. شروط الدعاء، وموانع الإجابة، ص106-108.
([5]) السلمان، عبد العزيز بن محمد، سلاح اليقظان لطرد الشيطان، ص126-127.
([6]) الباشا، عبد الرحمن، صور من حياة الصحابة، ج4، ص12-20 [بتصرف].
([7]) القحطاني، سعيد بن علي بن وهف. شروط الدعاء وموانع الإجابة، ص108-113.
([8]) السلمان، عبد العزيز بن محمد. سلاح اليقظان لطرد الشيطان، ص126-127.
([9]) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الإجارة، رقم الحديث 2111.
([10]) الحافظ أبي الدنيا، مجابو الدعوة؛ تحقيق محمد عبد القادر عطاء، ص66 [بتصرف].
([11]) المرجع السابق، 63.
([12]) المرجع السابق، ص64-65.
([13]) المرجع السابق، ص73-74.
([14]) المرجع السابق، ص136.
([15]) المرجع السابق، ص99-100.
([16]) المرجع السابق، ص129.
([17]) المرجع السابق، ص82.
([18]) المرجع السابق، ص90.
([19]) المرجع السابق، ص138.
([20]) الدويش، إبراهيم بن عبد الله. يا سامعًا لكل شكوى (شريط تسجيل).
([21]) الشويعر، محمد بن سعد. مكان الدعاء، جريدة الجزيرة، 9269 (الجمعة 16 شوال 1418هـ) ص9.
([22]) الشنقيطي، محمد المختار. رحمة الضعفاء، (شريط تسجيل)، [بتصرف].
([23]) الشنقيطي، محمد المختار. الاعتصام بالله (شريط تسجيل)، [بتصرف].
([24]) عبد المحسن، عبد المحسن بن عبد الرحمن، غرقى فمن ينقذهم، ص33-34.
([25]) القرني، علي. عقوق الوالدين (شريط تسجيل)، [بتصرف].
([26]) السعدي، حسين عبد الله، معذرة المؤمنين إلى رب العالمين، ص37-38.
([27]) الخضري، عبد الله. الدعاء، ص21-25 [بتصرف].
([28]) المرجع السابق، ص27.
([29]) المرجع السابق، ص29.
([30]) ابن القيم. الجواب الكافي، ص30-34 [بتصرف].
([31]) الخضيري، عبد الله. الدعاء، ص31-33 [بتصرف].
([32]) الحافظ أبي الدنيا، مجابوا الدعوة؛ تحقيق مجدي إبراهيم، ص12-13.
([33]) الخضيري، عبد الله. الدعاء، ص35-38 [بتصرف].
([34]) الخضيري، عبد الله. الدعاء، ص41-51 [بتصرف].
([35]) الدويش، إبراهيم بن عبد الله. يا سامعًا لكل شكوى، (شريط تسجيل)، [بتصرف].
([36]) الدويش، إبراهيم بن عبد الله، روائع الأسحار (شريط تسجيل).