×
في هذه الرسالة بيان بعض أمراض القلوب وشفاؤها.

 أمراض القلوب وشفاؤها

الشيخ/

عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله

غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين


بسم الله الرحمن الرحيم

 مقدمة

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ‬ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن القلب يمرض كما يمرض الجسم ومرض القلب أخطر من مرض الجسم. وترى الواحد من الناس إذا مرض جسمه بادر إلى الطبيب في المستشفى لعلاجه. ولكنه يمرض قلبه ولا يحس به ولا يتألم ولا يعالجه. وفي الحديث «إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد وجلاؤها كثرة تلاوة كتاب الله تعالى وكثرة الذكر لله عز وجل» رواه ابن شاهين في الترغيب في الذكر([1]) وفي الحديث: «إن العبد إذا أذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن هو تاب ونزع صقل قلبه فإن عاد عادت حتى يسود قلبه فذلك الران الذي قال الله عنه: }كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [المطففين 14]» أخرجه النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح.

ويستفاد مما تقدم أن ذكر الموت يجلو القلب ففي الحديث «أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت فإنه ما ذكر في قليل إلا كثَّره ولا في كثير إلا قلله» رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان والبيهقي.

فإن الغني إذا ذكر الموت زهد في ماله والفقير إذا ذكر الموت قنع بما رزقه الله, وكذلك مما يجلو القلب تلاوة القرآن الكريم المشتمل على الوعد والوعيد والترغيب والترهيب والقصص والأمثال والعظات والتبشير والإنذار, وكذلك التوبة إلى الله والاستغفار طلب المغفرة من الله في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات تصقل القلب وتجلوه.

وكذلك الاكثار من ذكر الله تعالى }أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ [الرعد 28]. والدعاء بقولك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ويا مصرَّف القلوب صرَّف قلوبنا إلى طاعتك وطاعة رسولك.}رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ{ [آل عمران: 8].

وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 صلاح الجسد بصلاح القلب وفساده بفساده

قال النبي ﷺ‬: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» رواه البخاري ومسلم. والمضغة القطعة من اللحم وسمي القلب بها لصغره. وفيه دليل على أن صلاح الجوارح وفسادها بحسب ما في القلب، فإن كان القلب سليمًا صلحت حركات الجوارح ونشأ عن ذلك فعل الطاعات واجتناب المحرمات وإن كان فاسدًا فسدت حركات الجوارح وانبعثت إلى المعاصي بحسب اتباع هوى القلب. فالقلب ملك الأعضاء وبقية الأعضاء جنود له مطيعون ما يأمرهم به من خير أو شر فإن كان صالحا كانت جنوده صالحة, وإن كان فاسدًا كانت جنوده فاسدة.

فلا صلاح للقلب حتى يستقر فيه معرفة الله وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته ورجاؤه والتوكل عليه وقد قال الله تعالى}يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{ [الشعراء 88-89]، والقلب السليم هو الذي سلم من كل شبهة تعارض الحق ومن كل شهوة محرمة. وسلم من الشرك والشك والنفاق والحسد والحقد. وعلى كل حال فالمعاصي كلها تمرض القلوب وتميتها, وذكر الله وطاعته تحيي القلوب([2]) كما قال تعالى }أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ [الرعد: 28]. وقال الشاعر:

 رأيت الذنوب تميت القلوب

وقد يورث الذل إدمانها

 وترك الذنوب حياة القلوب

وخير لنفسك عصيانها

نسأل الله العظيم أن يصلح فساد قلوبنا، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك وطاعة رسولك. }رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ{. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 مفتاح حياة القلب

قال ابن القيم رحمه الله (ومفتاح حياة القلب: تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب)([3]) قال الله تعالى: }كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ{ [ص: 29].

فأخبر تعالى أنه أنزل هذا القرآن العظيم المبارك في ألفاظه ومعانيه وأوامره ونواهيه وأحكامه. فمن بركته أن من قرأ حرفا منه فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها كما في الحديث الذي رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. ومن بركته أن مَنْ قرأه وعمل به لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة كما قال بن عباس في تفسير قول الله تعالى: }فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى{([4]) ومن بركته أن مَن تعلمه وعلمه فهو من خير الناس كما في الحديث الذي رواه البخاري «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». ومن بركته أنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه الذين كانوا يعملون به في الدنيا كما في الحديثين الذين رواهما مسلم في صحيحه ([5]).

وأخبر تعالى أنه أنزل القرآن من أجل التدبر وهو التفكر في معانيه وأوامره ونواهيه بحيث إذا مرّ بآية يأمر الله فيها بأمر امتثله. وإذا مرّ بآية ينهاه الله فيها عن شيء انتهى عنه وتركه. وإذا مرّ بآية رحمة رجا رحمته وسأله من فضله وإذا مرّ بآية وعيد بالعذاب خاف من عذاب ربه واستعاذ بالله منه. وإذا مرّ بآية تسبيح سبح الله وبذلك يزيد الإيمان والعلم والهدى والتقى قال الشاعر:

فتدبر القرآن إن رمت الهدى

فالعلم تحت تدبر القرآن

 وقال الله تعالى في وصف المؤمنين: }وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا{ [الأنفال: 2] لما فيها من الوعد والوعيد الباعث على الخوف والرجاء.

وقال تعالى: }أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{ [محمد: 24]. ومن أسباب حياة القلب التضرع بالأسحار أي الرغبة إلى الله تعالى بالدعاء والاستغفار والتوبة وسؤال المغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار وقت النزول الإلهي آخر الليل كما في الحديث الصحيح «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» رواه البخاري ومسلم ففيه الترغيب والحث على القيام آخر الليل للصلاة والدعاء والاستغفار وسؤال الجنة والنجاة من النار والدعاء بصلاح الدنيا والآخرة فإن الله تعالى أمر بالدعاء ووعد عليه بالإجابة وهو سبحانه لا يخلف الميعاد ومن أوقات الإجابة آخر الليل وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ومن أسباب حياة القلب ترك الذنوب التي تميت القلب وفي الحديث «أن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب واستغفر صقل قلبه وإن عاد إلى الذنب عاد السواد حتي يسود قلبه» فذلك الران الذى قال الله تعالى: }كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [المطففين: 14]. أخرجه النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح وقال الشاعر:

رأيت الذنوب تميت القلوب

وقد يورث الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب

وخير لنفسك عصيانها

ولما كانت أمراض القلوب وشفاؤها من الأهمية بمكان جمعت فيها هذه الرسالة، ولا يفوتني أن أنبه القارئ الكريم إلى أهم المراجع في هذا الموضوع وهي الجزء العاشر من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ص1-148 والجزء الأول من كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم رحمهما الله تعالى فقد ذكرا في هذا الموضوع ما يشفي ويكفي.

أسال الله تعالى أن ينفع بهذه الرسالة من كتبها أو طبعها أو قرأها أو سمعها فعمل بها كما أسأله تعالى أن يصلح فساد قلوبنا وأن يثبتنا على دينه حتى نلقاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 أمراض القلوب وشفاؤها

القلوب ثلاثة: صحيح، وهو الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهه تعارض خبره فسلم من عبودية ما سواه وسلم من تحكيم غير رسوله.

والقلب الميت: ضد هذا هو الذي لا حياة به فلا يعرف ربه ولا يعبده بأمره.

والقلب الثالث: قلب له حياة وبه علة ففيه من محبة الله والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه مما هو مادة حياته، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والأخلاق الرذيلة ما هو مادة عطبه وهو ممتحن بين هذين الداعيين.

فالقلب الأول: حي مخبت لين واع.

والثاني: يابس ميت.

والثالث: مريض فإما إلى السلامة وإما إلى العطب. وأمراض القلوب ترجع كلها إلى أمراض الشهوات والشبهات وحياة القلب وإشراقه مادة كل خير فيه، وموته وظلمته مادة كل شر فيه ولا يكون صحيحًا حيًا إلا بمعرفة الحق وإيثاره، ولا سعادة له ولا نعيم ولا صلاح حتى يكون الله وحده هو معبوده وغاية مطلوبة ولا يتم ذلك إلا بزكاة قلبه وتوبته واستفراغه من جميع المواد الفاسدة والأخلاق الرذيلة ولا يحصل له ذلك إلا بمجاهدة نفسه الأمارة بالسوء ومحاسبتها ومجاهدة شياطين الانس والجن شياطين الانس بالإعراض عنهم ومقابلة الاساءة بالإحسان وشياطين الجن بالاعتصام بالله منهم ومعرفة مكائدهم وطرقهم والتحرز منها بذكر الله تعالى والتعوذ به منهم.([6])

ومدار اعتلال القلوب وإسقامها على أصلين: فساد العلم وفساد القصد ويترتب عليهما داآن قاتلان: الغضب والضلال فالضلال نتيجة فساد العلم والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرضان ملاك أمراض القلوب جميعها وشفاء ذلك بالهداية العلمية والهداية العملية معرفة الحق واتباعه والقرآن كله شفاء لهذين المرضين ولغيرهما. ففيه الهداية التامة. اهـ. من مدارج السالكين لابن القيم.([7])


 آيات الشفاء في القرآن ([8])قال الله تعالى:

1- }وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ{ [التوبة: 14].

2- }وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ{ [الشعراء: 80].

3-}يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{ [يونس: 57].

4- }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{ [الإسراء: 82].

5- }قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ{ [فصلت:44].

6- }يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ{ [النحل:69].

 طب الأبدان

قواعد طب الأبدان تدور على ثلاثة فصول: حفظ الصحة والحمية عن المؤذي واستفراغ المواد الفاسدة ومن أصول الطب: تدبير الغذاء والحركة والنوم وجميع التصرفات و لايعدل إلى استعمال الأدوية إلا للضرورة أو الحاجة, وأربعة أشياء تمرض الجسم: الكلام الكثير والنوم الكثير والأكل الكثير والجماع الكثير.

وأربعة تهدم البدن: الهم والحزن والجوع والسهر.

أربعة تظلم البصر: المشي حافيا والتصبح والمساء بوجه البغيض والثقيل والعدو وكثرة البكاء وكثرة النظر في الخط الدقيق.

وأربعة تقوي الجسم: لبس الثوب الناعم ودخول الحمام المعتدل وأكل الطعام الحلو والدسم وشم الروائح الطيبة.

وأربعة تيبس الوجه وتذهب بهاءه وبهجته وطلاقته: الكذب والوقاحة وكثرة السؤال عن غير علم وكثرة الفجور.

وأربعة تزيد في ماء الوجه وبهجته: المروءة والوفاء والكرم والتقوى.

وأربعة تجلب البغضاء والمقت: الكبر والحسد والكذب والنميمة.

وأربعة تجلب الرزق: قيام الليل وكثرة الاستغفار بالأسحار وتعاهد الذكر أول النهار وآخره.

وأربعة تمنع الرزق: نوم الصبيحة وقلة الصلاة, والكسل والخيانة.

وأربعة تضر بالفهم: ادمان أكل الحامض والفواكه والنوم على القفا والهم والغم.

وأربعة تزيد في الفهم: فراغ القلب وقلة التملي من الطعام والشراب وحسن تدبير الغذاء بالأشياء الحلوة والدسمة وإخراج الفضلات المثقلة للبدن. ومما يضر بالعقل: إدمان أكل البصل والباقلا والزيتون والباذنجان وكثرة الجماع والوحدة والأفكار والسكر وكثرة الضحك والغم.([9])

فائدة

قال بعض العلماء دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر , وخلاء البطن وقيام الليل, والتضرع بالأسحار, ومجالسة الصالحين. قال الشاعر:

 دواء القلب خمس عند قسوته

فدم عليها تفز بالخير والظفر

 خلاء بطن, وقرآن تدبره

كذا تضرع باك ساعة السحر

 كذا قيامك جنح الليل أوسطه            

وأن تجالس أهل الخير والخبر


 الوصايا الطبية النافعة

1- اجتنب السهر والكسل والخمول والتعب الكثير.

2- تعود الاستحمام أسبوعيا وارتد الملابس الخفيفة الواسعة الساترة.

3- اعتدل في المأكل والمشرب وتناول اللحم في غذاء الظهر فقط.

4- اجتنب المسكرات والتبغ وقلل من القهوة والشاي.

5- تعود على القراءة اليومية المختلفة واستنشاق الهواء الخلوي.

6- الابتعاد عن الاجتماعات المزدحمة واجتناب مخالطة المرضى بقدر الإمكان إلا للزيارة أو الخدمة لهم والتمريض.

7- اجتناب الإمساك وذلك بتعاطي الفاكهة وشرب الماء قبل النوم.

8- الاعتناء في كيفية طبخ الأغذية وتنظيف ما لا يطبخ قبل تعاطيه.

9- منتهى العناية بالأسنان وتركيب الناقص منها وتنظيفها بالسواك.

10- بكر إلى النوم وقم مبكرا تصبح نشيطا طيب النفس.

11- متى استيقظت صباحًا لا تتقلب في الفراش متثاقلاً فإن ذلك يضعف الجسم.

12- لا تتنفس من فمك وتنفس من أنفك فإنه يقوي الرئتين.

13- لا تشرب الماء عقب الاستحمام ولا التعب ولا الأكل ولا الجماع.

14- لا تشرب الماء دفعة واحدة فإنك لا تروى بل تنفس ثلاثا خارج الإناء.

15- الفم والأسنان باب المعدة والمعدة أصل الداء ومبعث البلاء.

16- اشرب الحليب يوميا فهو غذاء كامل لذيذ الطعم سهل الهضم.

17- الخضر والفواكه منشطة وأليافها تمنع حدوث الإمساك لأنها تحتوي على الأملاح المعدنية والفيتامينات.

18- البيض غذاء جيد غني بالفيتامينات والأملاح المعدنية سهل الهضم يساعد على النمو.

19- اللحوم والأسماك والألبان والبيض مصادر أساسية للتغذية بها يبني الجسم خلاياه ويعوض التالف منها.

20-لا تسرف في تناول الدهون فيفسد هضمك وترهق كبدك وتصاب بالترهل والبدانة.

21- لا تسرف في الطعام عموما فتصاب بالتخمة «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه» رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن.

22- نوع غذاءك ما استطعت لتحصل على أكبر فائدة منه وتظل نشطا نظرا.

23- هل تعلم أن أكل التفاح بعد غسله جيدا وبدون تقشير بعد الأكل ينظف الأسنان ويهدئ الأعصاب ويمنع الإمساك.

24- أكل الجزر أو شرب عصيره أهم مصدر للفيتامين المفيد للعينين.

25- الخبز الأسمر يحتوي على فيتامينات أكثر من الخبز الأبيض([10]).

 علامات صحة القلب

1- كثرة ذكر الله تعالى سرا وجهرا وخدمته في كل حال بلا عجز ولا ملل.

2- إذا فات الإنسان ورده مثل الصلاة مع الجماعة والقراءة وأذكار الصباح والمساء من ليل أو نهار تألم لذلك وتحسر على فواته.

3- شحه بالوقت يمضي ضياعا بلا علم ولا عمل ولا ذكر كالشحيح ببذل المال.

4- الاهتمام بالله وحده دون سواه.

5- ذهاب الهم في الدنيا وقت الصلاة والاهتمام بها وشدة الخروج منها.

 6- الاهتمام بتصحيح الأقوال والأعمال وإخلاص النيات وتخليص النصيحة من غير غش يمازج صفوها والحرص على اتباع الأمر والنهي الشرعي. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.([11])

 من أمراض القلوب وعلاجها

إلى من تبلغه هذه النصيحة من المسلمين. رزقني الله وإياهم الفقه في الدين ومزيد التمسك بما بُعِث به سيد المرسلين. ومَنَّ عليَّ وعليهم باقتفاء آثار الصدر الأول من سلفنا الصالح المصلحين, آمين. سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد. فإن من أعظم فرائض الدين التذكير بآيات الله وأيامه في خلقه والتحدث بنعمه, والتحذير من أسباب نقمه, لما في ذلك من أسباب حصول الخير الكثير, والسلامة من حلول العقوبات والتغيير. قال تعالى}وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ{([12])وقال تعالى: }فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ{([13]) وقال تعالى: }وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ{([14])وقال تعالى: }وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ{([15])

وأعظم نعمة أنعم الله بها على عباده بعثة عبده ورسوله محمد ﷺ‬ بالهُدى ودين الحق، وهما العِلم النافع والعمل الصالح. وأصل ذلك وأساسه عبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه، فأشرقت ببعثته قلوب من استجابوا له بعد ظلامها، وخشعت ولانت بعد قسوتها، ونالوا بذلك من القوة بعد الضعف، والعز بعد الذل، والعلم بعد الجهل، ما فتحوا به البلاد وقلوب العباد، وعلت بذلك كلمة الله، وصارت كلمة الكفر إلى السفال والفشل والإذلال، وعزل سلطان الجاهلية والإشراك، فلله الحمد على ذلك إلا أن إبليس أعاذنا الله منه لشدة عداوته لبني الإنسان وعظيم تغلغله بالكفر والطغيان ومزيد جده في الصدف عن طاعة الرحمن، وإن كان قد صدر منه ما صدر من اليأس لم يدع الجد في إطفاء هذا النور والتنفير عن الحق والترغيب في أنواع الكفر والإلحاد والفجور والدعوة إلى البدع والإكثار من الأزّ إلى المعاصي والشرور، وبث الشبه والشبهات وألوان المغريات على أيدي حزبه ومن استجابوا له من شياطين الإنس، ومن أنواع الخدع بزينة الدنيا وزخارفها الفتانة وضروب الشهوات وشتى أسباب الصد عن ذكر الله وعن الصلاة من أجناس الملاهي وصنوف المسكرات حتى ثقل على القلوب سماع القرآن وحصل التهاون بوعيده وعدم الاهتمام بزواجره وتهديده. ولا سيما بعد ما تصرمت أيام القرون المفضلة فإنه قد اشتد الخطب وانفتح باب الشر على مصراعيه ولم يزل في مزيد. وإن كان ربنا تبارك وتعالى قد مَنَّ ببقاء أصل هذا النور وتأييد هذا الحق بما أجراه على أيدي علماء الصدق وورثة الرسل من تجديد هذا الدين وإقامة حجج الله على عباده. ومع ذلك فالأمر على ما وصفته من تأثير مساعي إبليس وجنوده على الأكثر حتى اشتدت الكربة وصار الدين في غاية من الغربة ولا سيما أزماننا هذه التي صار فيها عند الأكثر المعروف منكرًا والمنكر معروفًا والسُّنة بدعة والبدعة سُنَّة. ربى على ذلك الصغير وهرم عليه الكبير، وطغى طوفان المادة وأخفى غبار الشبهات والشهوات وضوح الجادة وفشا الجهل وتكلم في الأمور الدينية من ليس لها بأهل حتى صرح من صرَّح من جهلتهم فيما يكتبونه وينشرونه بمزيد الحث والتحريض على ما هو من أعظم ما يهدم الإسلام وينسي أصوله العظام وأصبحت القلوب إن لم تمت في غاية من أنواع الأمراض مرض الجهل ومرض الشهوة ومرض الشبهه حتى استولت عليها القسوة والظلمة، فإنا لله وإنَّا إليه راجعون...

فيالها من أمراض ما أصعبها مع الإعراض عن الأدوية المحمدية، وما أسهلها وما أخفها وما أسرع برأها متى عُولجت بالدواء الذي بُعِثَ به طبيب القلوب الأكبر ﷺ‬.

وقد سَمَّى النبي ﷺ‬ الجهل مرضًا لما ينشأ عنه من عمى القلوب الذي هو المرض – أي مرض – وفيما بعث به ﷺ‬ من الكتاب والشُّنَّة لهذه الأمراض أنجح دواء وأنفع شفاء. قال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{([16]) وقال تعالى: }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا{([17]) فهلمَّ إخواني نداوي هذه الأمراض بأدوية كتاب الله وسُنَّة رسوله ﷺ‬ بتدبر أوامرهما ونواهيهما ووعدهما ووعيدهما وزواجرهما ومذاكرة بعضنا مع بعض وقيامنا لله مَثْنى وفُرادى لنتذكر ونتفكر ونتناصح ونتآمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر ونحب في الله ونبغض في الله ونوالي في الله ونعادي في الله ونتعاون على البر والتقوى ونبحث عن أدوية تلك الأمراض التي تحصيلها من أسهل شيء عندما تحصل القلوب على الصدق في طلب هذا الدواء والإقبال على الله في التماس السَّلامة من تلك الأدواء. قال تعالى: }قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا{([18]) هلم إخواني نشخص سائر أمراض قلوبنا ونشخص أدويتها ونجاهد نفوسنا على معالجتها من تلك الأمراض المهلكة، ويحض بعضنا بعضا ويحذَّر كل مِنَّا نفسه وأخاه من وبيل أخذ الله وشديد عقابه الدنيوي والأُخروي، ومن الإقامة على أسباب تغيير ما من الله به من التوحيد وتحكيم الوحي المحمدي والعز والتأييد والأمن والصحة والهدوء.}إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ{([19]) وفي الأثر أن الله أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك أنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله فيتحولون منها إلى معصية الله إلا حوَّل الله عنهم ما يحبون إلى ما يكرهون. إخواني: إن ربنا تبارك وتعالى لم يغير على قوم نوح بإهلاكهم بالطوفان وسائر من أوقع بهم عقابه وأحلَّ بهم سطوته إلا بعد أن غيَّروا بمعصيتهم رسله وفسقهم عن طاعته فاستوجبوا التدمير }وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا{([20]) هلم إخواني لإمساك بعضنا بيد بعض وتنشيط بعضنا لبعض إلى اليقظة والانتباه من هذه الرقدة التي طالما انتهز عدونا فيها الفرصة.

هلم إخواني للتوبة النصوح إلى ربنا ورجوعنا ممَّا يسخطه إلى ما يرضيه قولاً وفعلاً ومعاملة لبعضنا مع بعض بإخلاص وصدق. قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ{([21]) }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{([22]) وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.([23])([24])


 الطب في القرآن الكريم

القرآن الكريم هو الشفاء التام لجميع الأمراض القلبية والبدنية وأمراض الدنيا والآخرة. قال تعالى: }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{([25]) وقال تعالى }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{([26])

}قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ{([27])

وإذا أحسن المريض التداوي به فوضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم لم يقاومه الداء أبدًا وكيف تقاوم الأمراض كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه وقد أرشد القرآن إلى أن قواعد الطب للأبدان ثلاثة: حفظ الصحة والحمية عن المؤذي واستفراغ المواد الفاسدة.

فأما حفظ الصحة: فقد قال الله تعالى في آية الصوم: }فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{([28]) فأباح الفطر للمريض ولعذر المرض والمسافر طلبًا لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في السفر.

وأما الحمية: فقال تعالى في آية الوضوء والطهارة }وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا{([29]) فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التيمم حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له مِنْ داخل أو خارج.

وأما استفراغ المواد الفاسدة: فقد قال تعالى في آية الحج: }فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ{([30]) فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه من قمل أو حكة أو غيرهما أن يحلق رأسه في الإحرام بالحج استفراغًا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باختفائها تحت الشعر فإذا حلق رأسه تفتحت المسام فخرجت تلك الأبخرة منها فهذا الاستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة: الدم والغائط والبول والريح والقيء والعطاس والمني والنوم والجوع والعطش، وكل واحدة من هذه الأشياء يوجب حبسه داء من الأمراض وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه كما هي طريقة القرآن التنبيه بالأدنى على الأعلى فقد أرشد سبحانه عباده إلى أصول الطب الثلاثة ومجامع قواعدها.([31])

وثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ‬ قال: «ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء» وهذا يعم داء القلب والروح والبدن وأدويتها. وقد جعل النبي ﷺ‬ الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء وأخبر الله سبحانه أن القرآن شفاء فهو شفاء القلوب من داء الجهل والشك والريب فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجح في إزالة الداء من القرآن ومن أنفع الأدوية الالحاح في الدعاء ([32]) }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{([33]) صدق الله العظيم وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 مرض القلب وعلاجه*

الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم. وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً. ووهب له العقل الذي امتاز به عن البهائم ليعرف به ربه ويدرك به مصالحه – فَإِنْ أحسن العمل في هذه الدنيا كان تكريمه موصولاً في الدنيا والآخرة: }وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً{([34]) وَإِنْ أساء العمل وألغى عقله رده الله أسفل سافلين: }وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً{([35]).

أحمده على نعمه التي لا تحصى. وأشكره وحقه أن يطاع فلا يعصى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله – كان يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك»([36]) صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله.. اتقوا الله تعالى الذي خلقكم وصوركم فأحسن صوركم: }يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ{([37]) نعم إنك أيها الإنسان مركب من أعضاء وكل عضو منك خلق لفعل خاص فإذا مرض ذلك العضو تعطل عمله أو اختل. فإذا مرضت اليد تعذر منها البطش. وإذا مرضت العين تعذر منها الإبصار. وإذا مرض القلب بالمعاصي تعذر منه فعله الخاص الذي خلق من أجله وهو العلم والحكمة والمعرفة وحب الله وعبادته. ومرض القلب هو الداء العضال وهو مرض خفي قد لا يعرفه صاحبه فلذلك يغفل عنه وإن عرفه صعب عليه الصبر على مرارة دوائه لأن دواءه مخالفة الهوى.. إن القلب هو ملك الأعضاء ومصدر سعادتها أو شقائها. ومصدر صلاحها أو فسادها- قال رسول الله ﷺ‬: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»([38]) ففي هذا الحديث دليل على أن صلاح أعمال العبد بحسب صلاح قلبه. وأن فساد أعمال العبد بحسب فساد قلبه فالقلب الصالح هو القلب السليم الذي لا ينفع عند الله غيره قال تعالى: }يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{([39]) فالقلوب على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: قلب سليم وهو السالم من الآفات والمكروهات كلها وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة الله وخشيته وخشية ما يباعد عنه.

النوع الثاني: القلب الميت الذي لا حياة به فهو لا يعرف ربه ولا يعبده فهو واقف مع شهواته ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه فلا يستجيب للناصح بل يتبع كل شيطان مريد.

النوع الثالث: القلب المريض وهو قلب له حياة وبه علة – فالقلب الأول قلب مخبت واع لين حي. والقلب الثاني قلب يابس ميت. والقلب الثالث قلب مريض. فأما إلى السلامة أدني وأما إلى العطب أدني.

 من أسباب حياة القلوب وموتها ومرضها

عباد الله.. ولحياة القلوب وموتها ومرضها أسباب يغفلها الإنسان.

1- فمن أسباب حياتها الإقبال على الله وتلاوة كتابه وتدبره والاشتغال بذكره قال تعالى: }الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{([40]).

وقال تعالى: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{([41]).

وقال تعالى: }أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ{([42])

2- ومن أسباب حياة القلوب مجالسة الصالحين ومخالطتهم والاقتداء بهم.

3- ومن أسباب حياة القلوب الاستماع إلى المواعظ والتذكير والمحافظة على صلاة الجمعة والجماعة.

4- ومن أسباب حياة القلوب النظر والتفكر في مخلوقات الله وما فيها من الحكم. قال تعالى: }إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ{([43]).

5- ومن أسباب حياة القلوب النظر في عواقب الظلمة والمفسدين وما أحل الله بهم من العقوبات قال تعالى: }فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ{([44])

أما أسباب موت القلوب فمنها إعراضها عن قبول الحق بعد معرفتها له قال تعالى: }فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{([45]) وقال تعالى: }ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ{([46]) وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ{([47]) والقلب الميت يكون صاحبه أحط من البهائم ويكون مآله إلى جهنم قال تعالى: }وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ{([48]) فيصبح هذا القلب مطموسًا منكوسًا مختومًا عليه لا ينتفع به صاحبه بسبب أنه أعرض عن الحق ورضي بالباطل فصار الباطل غذاءه. والضلال طريقه والجحيم مصيره نعوذ بالله من الخذلان.

وأما أسباب مرض القلوب:

1- فمنها أكل الحرام فإن المطعم الخبيث يغذي تغذية خبيثة. قال ﷺ‬ في الذي يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك. وما أكثر أكل الحرام في وقتنا هذا مما سبب مرض القلوب وفساد التصرفات وانحطاط الأخلاق كما ترون ذلك ظاهرًا في مجتمعنا.

2- ومن أسباب مرض القلوب فعل المعاصي فإن المعاصي تؤثر في القلوب وتمرضها قال تعالى: }كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{([49]) وقد ورد في الحديث أن العبد إذا أذنب ذنبًا نكت في قلبه نكتة سوداء فإن تاب صقلت تلك النكتة وإلا تزايدت وعظم خطرها على القلب.

3- ومن أسباب مرض القلوب استماع ما لايجوز استماعه من الكلام المحرم. واستماع الملاهي من الأغاني والمزامير وقد كثر هذا البلاء في هذا الزمان وتنوعت مفاسده وتعددت طرق ترويجه بيننا في الإذاعات والتلفاز والأشرطة. فظهر أثر هذا السماع المحرَّم فأفسد سلوك كثير من النساء والصبيان بل وكثير من الرجال. فالأغاني من أكبر ما تطرق به إبليس إلى فساد القلوب وقد فسر قوله تعالى لإبليس: }وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ{([50]) بأن المراد بصوته الغناء.

ومفاسد الغناء كثيرة لا يتسع هذا المقام لشرحها وقد بينها العلماء في كتبهم وشخصوها، فعلى المسلم أن يراجع تلك الكتب خصوصًا ما كتبه شمس الدين بن القيم في إغاثة اللهفان – ليعرف إلى أي مدى تنتهي تلك الأغاني بأصحابها. 4- ومن أسباب مرض القلوب النظر المحرَّم – قال ﷺ‬: «النظر سهم مسموم من سهام إبليس»([51]) وقال تعالى: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ{([52]) فالنظرة المحرمة تورث شهوة في القلب تمرضه. 5- ومو أسباب مرض القلوب مطالعة الكتب الفاسدة التي انتشرت في هذا الزمان فشغلت كثيرًا من الناس عن مطالعة الكتب النافعة وكذلك مطالعة الصحف والمجلات الخليعة وما أكثرها في أسواقنا وبيوتنا ومكاتبنا وقد رتع فيها الناس رجالاً ونساءً وأطفالاً... فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 شفاء أمراض القلوب

عباد الله.. إنه لاشفاء لأمراض القلوب إلا بالدواء الذي أنزله الله في كتابه وسنة نبيه,قال تعالى }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ{([53])

قال تعالى: }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{([54]) }قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ{([55]) فأقبلوا على كتاب الله وسنة رسوله لتداووا قلوبكم منهما ففيهما الشفاء والرحمة.وفيهما النور والهداية. وفيهما الروح والحياة. وفيهما العصمة من الشيطان ووساوسه. وليأخذ كل منا بنفسه فيبعدها عن مواطن الفتن ويقطع عنها وسائل الشر. وكذلك أبعدوا أولادكم وبيوتكم عن وسائل الشر ودواعي الفساد إن كنتم تريدون الشفاء لقلوبكم والخير لمجتمعكم وأكثروا من هذا الدعاء الذي كان يدعو به النبي ﷺ‬: «يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك»([56]) قال الله تعالى: }وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشـاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ{([57])

 قسوة القلب

قال ابن القيّم رحمه الله:

 ما عوقب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله وما خلقت النار إلا لإذابة القلوب القاسية. فإذا قسا القلب قحطت العين.

وقسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل والنوم والكلام والمخالطة. وكما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب, فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ.

ثم قال رحمه الله:

 من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته. لأن القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها. والقلوب آنية الله في أرضه فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها, شغلوا قلوبهم بالدنيا. ولو شغلوها بالله والدار الآخرة لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة ورجعت إلى أصحابها بغرائب الحكم من الفوائد, إذا غذي القلب بالتذكر وسقي بالتفكر ونقي من الفساد رأى العجائب وأُلهم الحِكم.

خراب القلب من الأمن والغفلة وعمارته من الخشية والذكر. لا تدخل محبة الله في قلب فيه حب الدنيا إلا كما يدخل الجمل في سم الإبرة. وقال: إنما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادة وسير الليل, فإذا حاد المسافر عن الطريق ونام الليل كله فمتى يصل إلى مقصده.

قال ابن القيَّم رحمه الله: (فائدة جليلة)([58])

إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده.. تحمَّل الله سبحانه حوائجه كلها.. وحمل عنه كل ما أهمَّه.. وفرّغ قلبه لمحبته.. ولسانه لذكره.. وجوارحه لخدمته وطاعته.

وإذا أصبح وأمسى والدنيا همُّه.. حمَّله الله همومها وغمومها وأنكادها.. ووكله إلى نفسه.. فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق – ولسانه عن ذكره بذكرهم وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم.. فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره.. كالكير ينفخ بطنه.. ويعصر أضلاعه في نفع غيره فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بلي بعبودية المخلوق ومحبته.. قال تعالى: }وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ{([59])

وقال رحمه الله:

كيف يَسْلَمُ؟ من له زوجة لا ترحمه.. وولد لا يعذره.. وجار لا يأمنه وصاحب لا ينصحه.. وشريك لا ينصفه.. وعدو لا ينام عن معاداته.. ونفس أمَّارة بالسوء.. ودنيا متزينة, وهوى مردٍ..وشهوة غالبة له.. وغضب قاهر وشيطان مزيَّن.. وضعف مستولٍ عليه.. فإن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها.. وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة.([60])

وقال: اطلب قلبك في ثلاثة مواطن:

1- عند سماع القرآن.

2- وفي مجالس الذكر.

3- وفي أوقات الخلوة.

 فإن لم تجده في هذه المواطن فسَلِ الله أن يمنَّ عليك بقلبٍ فإنه لا قلب لك.([61])

 فصل (في أحكام التداوي)

يباح: التداوي, وتركه أفضل ([62])نص عليه. ومع ظن النفع: فعله. ويباح: رقية وتعاويذ. ولا بأس: بالحمية. وللرائحة الطيبة أثر في حفظ الصحة, ويكره: أن يستعين بذمي في شيء من أمور المسلمين. ويباح: استطبابه, وينبغي: أن يستعين في كل شيء بأعلم أهله. وتكره: تمائم ونحوها. وتباح: قلادة فيها قرآن وذكر ولا بأس: بتعليق ما فيه قرآن. نص عليه ([63])ولا بأس: بكتب شيء منه لوجع, وشربه, وأن يكتب للحمى والنملة والعقرب والحية والصداع والعين, ويرقى من ذلك بقرآن وغيره.ويكره: بغير العربية. ولا بأس: بالكتابة لعسر الولادة. ويباح: نفث, وكي, وحقنة لضرورة. وللحاقن ونحوه: نظر موضع الحقنة. وللطبيب ونحوه: نظر ما تدعو إليه الحاجة, حتى إلى فرج من ذكر وأنثى. صغير وكبير لذكر وأنثى. ويباح التشريط, وفصد العروق, والحجامة, والكحل, ومداوات العين بيد وحديد. ويباح: البط مع الأمن. ويحرم: المداوات والكحل بنجس, ومحرم, ولو كان طاهرًا, حتى بسماع غناء وملهاة. نص عليه. وبطاهر مضر. ويحرم: بقاتل. ويجوز: ببول طاهر. ويكره: تعليق القرآن على حيوان طاهر, ويحرم: على نجس. ويباح للمرأة: شرب دواء لقطع حيض ومجيئه, لأقرب رمضان لتفطر. ويجوز: لإلقاء نطفة, لا جنين. ولا بأس: بتعليم الطب. ولا بأس: بنشره, وأن يطلق عن المسحور ([64])ويحل المعقود نص عليه. ولا بأس: بشرب مسهل, ومقيء. وكان أحمد يستشفى بماء زمزم ([65]) ويكره: سب الحمى والوجع. ولا يكره: مركَّب تُعلَمُ أجزاؤه. واستعمل أحمد دواء مركبًا. ويباح: دواء لا محرَّم فيه. ويباح: استعمال خواص نبات, وحيوان في أمر ينجح فيه مما تدعو إليه الحاجة, فإن كان الحيوان محرمًا أو نجسًا لم يجز على قاعدة مذهبنا. وعندي: إن جرب نجحه في خلاص نفس من علة متلفة, وخلاص من سم ونحوه: جاز استعماله في ذلك, وإلا فلا([66]).

 قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل

ولابد من التنبيه على قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل, فتعتصم به, فتقل آفاتها, أو تذهب عنها بالكلية, بحول الله وقوته.

 فتقول: اعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة, والخوف والرجاء. وأقواها المحبة, وهي مقصودة تراد لذاتها, لأنها تراد في الدنيا والآخرة بخلاف الخوف فإنه يزول في الآخرة, قال الله تعالى: }أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ{([67]) والخوف المقصود منه: الزجر والمنع من الخروج عن الطريق, فالمحبة تلقي العبد في السير إلى محبوبه, وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره إليه, والخوف يمنعه أن يخرج عن طريق المحبوب, والرجاء يقوده, فهذا أصل عظيم, يجب على كل عبد أن يتنبه له, فإنه لا تحصل له العبودية بدونه, وكل أحد يجب أن يكون عبدًا لله لا لغيره.

فإن قيل فالعبد في بعض الأحيان, قد لايكون عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه, فأي شيء يحرك القلوب؟ قلنا يحركها شيئان:

 أحدهما: كثرة الذكر للمحبوب, لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به, ولهذا أمر الله عز وجل بالذكر الكثير, فقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً{([68])

 والثاني: مطالعة آلائه ونعمائه, قال تعالى: }فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{([69]) وقال تعالى: }وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ{([70]) وقال تعالى: }وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً{([71])وقال تعالى: }وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا{([72])

 فإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه, من تسخير السماء والأرض, وما فيها من الأشجار والحيوان, وما أسبغ عليه من النعم الباطنة, من الإيمان وغيره, فلابد أن يثير ذلك عنده باعثًا , وكذلك الخوف؛ تحركه مطالعة آيات الوعيد, والزجر, والعرض, والحساب ونحوه, وكذلك الرجاء , يحركه مطالعة الكرم, والحلم, والعفو, وما ورد في الرجاء والكلام في التوحيد واسع

وإنما الغرض التنبيه على تضمنه الاستغناء بأدنى إشارة, والله – سبحانه وتعالى – أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.([73])



([1]) كنز العمال 2/241.

([2]) محاسن الدين على متن الأربعين ضمن المجموعة الجليلة للشيخ فيصل آل مبارك ص399.

([3]) انظر حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم ص45.

([4]) انظر تفسير ابن كثير3. الآية 123. من سورة طه.

([5]) انظر فضل قراءة القرآن في رياض الصالحين ص305.

([6]) انظر إغاثة اللهفان لابن القيم جـ1 ص7-10 ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية جـ10 ص91-149.

([7]) انظر طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول لابن سعدي ص204.

([8]) أي الآيات التي ذكر فيها لفظ الشفاء وإلا فالقرآن الكريم كله شفاء لأمراض القلوب والأبدان كما دلت عليه هذه الآيات.

([9]) الطب النبوي لابن القيم ص 323.

([10]) المراجع: 1- الدين والصحة لعباس كرارة ص 26.

       2- الموجز في علم التغذية وتغذية المرضى ص 145.    

([11]) انظر (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان)ج1ص71-72 لابن القيَّم

([12]) سورة الذاريات- آية 55

([13]) سورة ق – آية 45

([14]) سورة الضحى- آية 11

([15]) سورة إبراهيم – آية 5.

([16]) سورة يونس-آية 57.

([17]) سورة الاسراء-آية 46.

([18]) سورة سبأ-آية 46.

([19]) سورة الرعد-آية 11.

([20]) سورة الاسراء-آية16-17.

([21]) سورة التوبة-آية 119.

([22]) سورة التحريم-آية 8

([23]) انظر أمراض القلوب وشفاؤها في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 10/91-148.

([24]) كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية 11/138 (كتاب النصائح) جمع الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم

   رحمه الله. وهذه النصيحة للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتى المملكة السابق رحمه الله.

([25]) سورة الاسراء – آية 82.

([26]) سورة يونس – آية 57.

([27]) سورة فصلت – آية 44.

([28]) سورة البقرة – الآيات 184-185.

([29]) سورة المائدة – آية 6

([30]) سورة البقرة – آية 196.

([31]) مقتطفات من زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم جـ/3 ص135-377 ببعض التصرف.

([32]) من الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم ص1-2-6.

([33]) سورة غافر – آية 60.

([34]) سورة الإسراء- آية 21.

([35]) سورة الإسراء-آية 72.

([36]) رواه الترمذي2/20 وقال حديث حسن قال الألباني وهو على شرط مسلم.

([37]) سورة الإنفطار-آية 6-8.

([38]) رواه البخاري ومسلم.

([39]) سورة الشعراء- آية 88-89.

([40]) سورة الرعد آية 28.

([41]) سورة الأنفال- آية 2.

([42]) سورة الحديد- آية 16.

([43]) سورة آل عمران- آية 190.

([44]) سورة الحج- آية 45-46.

([45]) سورة الصف- آية 127.

([46]) سورة التوبة- آية 127.

([47]) سورة الأنفال- آية 24.

([48]) سورة الأعراف- آية 179.

([49]) سورة المطففين- آية 14.

([50]) سورة الإسراء- آية 64.

([51]) رواه الإمام أحمد.

([52]) سورة النور- آية 30-31.

([53]) سورة يونس – آية 57.

([54]) سورة الإِسراء – آية 82.

([55]) سورة فصلت-من آية 44.

([56]) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

([57]) سورة الشورى – آية 52.

([58]) الفوائد ص 83.

([59]) سورة الزخرف – آية 36.

([60]) الفوائد ص 147

([61]) الفوائد ص 147

([62]) بل فعله أفضل فقد كان من هدي النبي ﷺ‬ فعل التداوي بنفسه والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه ولنا في رسول الله أسوة حسنة (انظر زاد المعاد لابن القيَّم 1/148بتحقيق الأرنؤوط).

([63]) الصحيح عدم جواز تعليق القرآن كغيره لعموم النهي وسدًا للذريعة ولأنه يكون سببًا لامتهانه.

([64]) قوله «وأن يطلق عن المسحور»أقول: إذا كان ذلك بسحر مثله فهو حرام, لكونه من عمل الشيطان (أما إذا كان بالقرآن والأدوية المباحة فهو جائز. والنشرة هي حل السحر عن المسحور)

([65]) فهو طعام طعم وشفاء سقم كما في الحديث الذي رواه البزار بإسناد صحيح.

([66]) من كتاب مغني ذوي الإِفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام ص29-30

([67]) سورة يونس – آية 62.

([68]) سورة الأحزاب – آية 41-42.

([69]) سورة الأعراف – آية 69.

([70]) سورة النحل – آية 53.

([71]) سورة لقمان – آية 20.

([72]) سورة إبراهيم – آية 34وسورة النحل – آية 18

([73]) مجموع فتاوى شيخ الإِسلام إبن تيمية 1/95