×
كتاب للشيخ الأطرم يتحدث فيه عن بعض الأسئلة والأجوبة فى العقيدة.

 الأسئلة والأجوبة فى العقيدة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. وبعد: فهذه أجوبة عن أسئلة في العقيدة، التي لا يستغني عنها أحد من المسلمين أرجو من العلي القدير أن أكون قد وفقت للجواب عنها، وأن ينفع الله بها قارئها، وأن يجزي الله خيراً من نبهني على ما قصر جوابه من تلك الأسئلة أو نبى الفهم عنه. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. صالح بن عبد الرحمن الأطرم * * *

(1/5)


 س1/ عرف العقيدة والمعتقد ولم سيمت بذلك؟!

الجواب: العقيدة مأخوذة من الاعتقاد الذي معناه التصديق مطلقاً، فالعقيدة إذا أطلقت فالمراد بها ما صدق به القلب، فالمعتقد معناه: التصديق الجازم فيما يجب لله من الوحدانية والربوبية والإفراد بالعبادة والإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العليا. ومن هنا سُمّيت الكتب التي تبحث في وحدانية الله كتب الاعتقاد. كما قال الطحاوي: فنقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله إن الله واحد لا شريك له. وسميت بهذا الاسم لاحتياجها إلى اعتقاد جازم ويقين صادق لأن ما شد عقده يصعب حله ولهذا قال الله ـ تعالى ـ: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}. وقال ابن تيمية: أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة. * * *

 س2/ هل يوجد إنسان بلا معتقد؟

الجواب: لا يوجد إنسان بلا معتقد: إما حق وإما باطل،

(1/7)


قال ـ تعالى ـ: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} .. * * *

 س3/ ما المعتقد الحق مع ذكر بعض المعتقدات الباطلة وما علاماتها؟

الجواب: المعتقد الحق: توحيد الله بأفعاله وبأفعال عباده وبأسمائه وصفاته كما يليق بجلاله وعظمته وما عداه باطل باختلاف درجاته كاعتقاد الملاحدة والدهريين، وهو جحد لربوبيته. واعتقاد المشركين وهو: صرفهم شيئاً من العبادة التي لله إلى غيره. واعتقاد تشبيه أسمائه وصفاته بخلقه. أو تعطيله منها أو تحريفها أو تكييفها فيما لا يصل علمه إليه وهذا يوصف بالابتداع على اختلاف مراتبه وفرقه، وأكبر علامة لهم وأمارة اعتمادهم في الأسماء والصفات على العقل وتأويلهم النصوص، أو إعراضهم عنها كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة. وما شابهها وإن تعددت التسميات، ومن عرف الحق عرف ضده واجتنبه ومن لم يجتنب ما هو ضد الحق فلا تفيده معرفة الحق. * * *

(1/8)


 س4/ ما التوحيد؟

الجواب: التوحيد هو: اعتقاد إفراد الله ـ سبحانه ـ بما تفرد به وبما أمر أن يفرد به. * * * س5/ كم نوعاً للتوحيد؟ وما هي؟ الجواب: أنواعه ثلاثة: 1 - توحيد الألوهية ـ وهو استحقاقه ـ سبحانه وتعالى ـ أن يعبد وحده لا شريك له. 2 - توحيد الربوبية وهو: اعتقاد إفراد الله ـ سبحانه ـ بأفعاله. 3 - توحيد الأسماء والصفات: إفراده ـ سبحانه ـ بأسمائه وصفاته. * * *

 س6/ ما أول واجب على المكلف؟

الجواب: أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر، ولا القصد إلى النظر، ولا الشك، كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم. بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان، فالتوحيد أول ما يدخل في الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا كما قال، صلى الله عليه

(1/9)


وسلم: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» فهو أول واجب وآخر واجب. * * * س7/ ما معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ مع ذكر الدليل. الجواب: معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، والإله معناه المعبود المتأله إليه. ففيها نفي جميع المعبودات من وثن أو قبر أو شجر أو حجر أو ولي أو هوى، وفي قوله إلا الله إثبات العبادة لله وحده ومن عبده وحده اقتضى ذلك طاعة الله في جميع أوامره واجتناب منهياته، وهناك النصوص العديدة التي تفسرها من الكتاب والسنة: فمن الكتاب قوله ـ تعالى ـ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وقوله ـ تعالى ـ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}. وأدلة شهادة أن محمداً رسول الله قوله ـ تعالى ـ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته فيما أمر وتصديقه

(1/10)


فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع، فهذا مقتضى الشهادة بالرسالة وهذا مقتضى تواطؤ اللسان مع القلب. * * *

 س8/ ما المقصود بتوحيد الربوبية؟

الجواب: المقصود بتوحيد الربوبية: الاعتقاد والاعتراف والإقرار الجازم بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر لجميع الكائنات قال ـ تعالى ـ: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية، وقال ـ سبحانه ـ: {وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} فهو المالك المتصرف، وهذا يستلزم قبول أمره واجتناب نهيه {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} والنصوص في هذا كثيرة. * * *

 س9/ ما المراد بالخلق؟

الجواب: المقصود بالخلق: إيجاد الأشياء بعد أن لم تكن موجودة وبدعها على ما لم يسبق لها نظير {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي بدأها {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ

(1/11)


الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وكل شيء خلقه الله فهو مبتدئه على غير مثال سبق إليه {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ويأتي الخلق بمعنى التقدير ومنه قوله ـ تعالى ـ: {تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} أي المقدرين، وقوله ـ تعالى ـ {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} أي تقدرون كذباً. * * *

 س10/ ما المراد بالملك؟

الجواب: المراد بالملك: السلطان والعز والعظمة فالرب هو المالك قال ـ تعالى ـ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وقال: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} وأما قوله ـ سبحانه ـ: {مَلِكِ النَّاسِ} أي أفضل الملوك وأقواهم وأعزهم وأشملهم ملكاً. فالملك من الناس ملكاً نسبياً، ووصف الرب بالملك ملكاً مطلقاً تاماً فهو ملك الملوك. * * *

 س11/ ما المقصود بالتدبير؟

الجواب: المقصود بالتدبير إنفاذ الأمر وإبرامه فهو يعلم عواقب الأمور وما تؤول إليه، قال ـ تعالى ـ: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}. * * *

(1/12)


 س12/ لماذا نعت أهل الجاهلية بالشرك مع أنهم مقرون بتوحيد الربوبية؟

الجواب: نعت الجاهليون بالشرك مع أنهم مقرون بتوحيد الربوبية لأنهم صرفوا حق الله من أعمالهم لغيره، والمطلوب من الخلق أن يعبدوا الله وحده لا شريك له: وهذا معنى لا إله إلا الله فصرفهم ما كان لله لغيره كأنهم شركاء لله في ذلك والأمر ليس كذلك، وإقرارهم بتوحيد الربوبية يلزمهم بأن يصرفوا أفعالهم له وحده. وصرفها لغيره شرك به. قال ـ تعالى ـ: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وقال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} فبدأ الآية بأمرهم بالعبادة ثم ألزمهم بها وذلك بتذكيرهم بأفعاله ثم ختم الآية بقوله: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. * * *

 س13/ ما المقصود بتوحيد الألوهية مع الدليل؟

الجواب: المقصود بتوحيد الألوهية: هو إفراد الله بالعبادة قال ـ تعالى ـ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وعبادة الله وحده هي الغرض من إرسال الرسل، قال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وقال ـ

(1/13)


تعالى ـ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} وحديث معاذ: «أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً». وقوله ـ تعالى ـ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}. ومعنى الألوهية: العبودية على خلقه أجمعين مأخوذة من تأله القلب وهو أقوى درجات المحبة والرغبة، فلهذا كانت كلمة لا إله إلا الله أفضل الكلمات على الإطلاق وهي أول كلمة بدأ بها الرسول، صلى الله عليه وسلم، دعوته. انظر س15 الفرق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية في الأوراق التالية: * * *

 س14/ ما مفهوم العبادة في الإسلام؟

الجواب: مفهوم العبادة: الذل والخضوع وتجريد العبادة من شوائب الشرك ويستلزم ذلك الانقياد له بطاعته وطاعة نبيه فهذا مفهوم العبادة، فالله هو المدعو والمرجو والمستعان والمختص بالركوع والسجود له، والذبح له، فهذا ما دعت إليه الرسل وآمنت به وقال الله لأمة محمد، صلى الله عليه وسلم: {فَإِنْ آَمَنُوا

(1/14)


بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} وصبغة الله دينه، فحياة المؤمن ولحمه وعروقه كلها لله {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ} وقال الله ـ تعالى ـ فيمن عاند في صرف العبادة لغير الله: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ}. * * *

 س15/ ما الفرق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية؟

الجواب: الفرق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية فأقول وبالله التوفيق هذه مسألة عظيمة لا يستغني عن معرفتها والعلم بها واحد من المسلمين لأنها مبنى الدين وأساسه ومنطلق الرسالات. فتوحيد الربوبية: الإقرار بأن الله الخالق الرازق المدبر لجميع الكائنات. أما توحيد الألوهية فمعناه إفراد الله بالعبادة واجتناب الشرك به والكفر بما يعبد من دون الله وهذا معنى لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله وهذا المعنى هو ما تبينه الآيات الكثيرة في

(1/15)


القرآن فمنها ما جاء على وجه التفسير لها كقوله ـ تعالى ـ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} ومنها ما جاء على وجه الأمر بعبادة الله وحده ونفي العبادة عما سواه وجاء ذلك على لسان جميع الرسل من نوح إلى محمد، عليهم الصلاة والسلام، كل واحد منهم يقول لقومه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ومن الآيات ما وردت على بيان وجه الغرض من إرسال الرسل كقوله ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وكقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} فكلمة الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله هي مفتاح دار السلام وهي أول واجب على الإنسان وآخر ما يخرج بها من الدنيا كما قال عليه الصلاة والسلام في أول دعوته: «أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» وفي الحديث الآخر: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين أن يختم لنا بها. ومن الفروق أن الإقرار بتوحيد الربوبية لا يدخل في الإسلام لما يأتي من الأدلة كقوله ـ تعالى آمراً نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم، بأن يسأل قومه لما أبوا النطق بلا إله إلا الله من المالك

(1/16)


الخالق الرازق فيجيبون بأنه الله فهم يعترفون بوجوده وإيجاده للخلق والرزق ويقرون بقدرته على التصرف لكنهم لما أمروا بأن يصرفوا أفعالهم له أبوا وامتنعوا وقالوا: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} فلما أنكروا العبودية لم يدخلوا في الإسلام بإضافة أفعال الله له لأن أفعال الله لا مدخل لهم فيها وإنما المطلوب والغرض أن يؤدوا ما خلقهم الله من أجله، لأن الله جعل لهم في أفعالهم مشيئة واختياراً بعد مشيئة الله فأما خلق الكائنات فلا مجال لإنكاره وحتى خلقهم مسيرين لا مخيرين قال ـ تعالى ـ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فأسند الفعل الأول له وطلب الفعل الثاني منهم وهو عبادته كما أمر الله بها في عدة آيات، فعبادة الله امتثال لأمره وترك العبادة معصية لخالقهم فمن هذه العجالة يتضح معنى لا إله إلا الله بأنه لا معبود بحق إلا الله وهذا أوضح تفسير لها فتقييد العبادة "بحق" ليبطل ما يصدر من العبادات الباطلة لسائر ما يتأله من دون الله. ومن الفروق: لو كان توحيد الربوبية يدخل في الإسلام ما قاتل الرسول، صلى الله عليه وسلم، كفار قريش لاعترافهم بقدرة الله وإيجاده للخلق قال ـ تعالى ـ: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ

(1/17)


فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} وقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} فما هذا التذكر والتقوى التي طلبت منهم ووبخوا بالانصراف عنها ما هي إلا إفراد الله بالعبادة فلو كان الإقرار بقدرة الله هو الإسلام لكانوا متقين ومتذكرين وما استحقوا التوبيخ لعدم التقوى والتذكر ولما وصفوا بالإفك في قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} ولما طلبت منهم التقوى وقد أقروا بأنه الرازق المحيي المميت المدبر في قوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}. ومن الفروق أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية بمعنى أن من أقر بقدرة الله تلزمه طاعته وأجل الطاعات إفراده بالعبادة والملزوم قد يحصل ممن لزمه وقد لا يحصل لما اتضح لنا من صنيع كفار قريش، وأما توحيد الألوهية أي من قال لا إله

(1/18)


إلا الله محمد رسول الله فأفرد الله بالعبادة على ما شرعه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو متضمن لتوحيد الربوبية بمعنى أن العبادة لا تصدر من عاقل لمعدوم إذًا من عبد الله فإنه لم يعبده إلا إقراراً بوجوده وقدرته وهكذا توحيد الأسماء والصفات فإن لله أسماء حسنى وصفات عليا فنصفه بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، صلى الله عليه وسلم، من غير تكييف ولا تمثيل كما قال ـ تعالى ـ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وقال: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فإفراد الله بالعبادة يتضمن إفراده بالأسماء الحسنى والصفات العليا ومن اعترف بالأسماء والصفات وإنفراده بها لزمته عبادة الله، لكن قد يأتي الإنسان بما يلزمه وقد لا يأتي به. ومن خلال ما تقدم تتضح الحاجة إلى معرفة تقسيم العلماء التوحيد إلى ثلاثة أقسام توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، والذي دفعهم إلى هذا التقسيم هو توضيح الرد على الذين يقرون بتوحيد الربوبية ويجعلون أول واجب هو النظر والقصد إلى النظر في الكائنات وهذا خلاف ما ثبت بالأدلة من أن أول واجب الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله كما هو

(1/19)


واضح بالآيات وفي قول الرسول، صلى الله عليه وسلم، لمعاذ لما بعثه إلى اليمن «إنك ستأتي أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله» فلم يبدأ بشيء قبلها وفي هذه النصوص إبطال دعوى الذين يجعلون بينهم وبين الله وسائط فيعظمونهم لأجل الاستشفاع بهم عند الله فينذرون ويقصدون الصلاة عندهم تعظيماً لهم ليشفعوا لهم، فسبحان الله ما أعظم شأنه هذا عين صنيع كفار قريش فإنه لم يعرف عن واحد منهم أنه أشرك بتوحيد الربوبية بل صنيعهم ما حكى الله عنهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}. فتأمل يا أخي القارئ معنى لفظة التوحيد ودوافع تقسيم العلماء له إلى ثلاثة أقسام حتى يتبين لك الطريق ويتضح لك السبيل والفرق بين معاني لفظة التوحيد عند أهل السنة والجماعة وعند الكفار وعند بعض أهل البدع. * * *

 س16/ ما حكم من ترك عبادة الله وعبد غيره مع اعترافه بوجود الله؟

الجواب: من ترك عبادة الله وعبد غير الله فلا يعتبر موحداً بل هو معاند جاحد كافر بالله، ولا ينفعه اعترافه بوجود الله وقدرته على الخلق والرزق قال ـ تعالى ـ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا

(1/20)


أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}. وأشد الكفر كفر إبليس حيث أبى واستكبر عن أمر الله قال ـ تعالى ـ: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، فانظر هذا الوصف لإبليس حيث ترك عبادة الله ولم يعبد غيره، فمن عبد مع الله غيره فهو كافر مشرك، ومن أنكر عبادة الله ولم يعبد غيره أو جحد وجود الله فهو كافر ملحد. * * *

 س17/ ما الغاية من خلق البشر؟ مع الأدلة؟

الجواب: الغاية من خلق البشر: عبادة الله وحده قال ـ تعالى ـ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فأخبر الله أولاً عن فعله وهو الخلق والإيجاد ليفعل المخلوقون. الثاني وهو: عبادته وحده كما بين في الآيات الأخرى أن الغرض من إرسال الرسل دعوة أممهم إلى عبادة الله وحده قال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وقال ـ تعالى ـ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} فكل رسول يبدأ دعوة قومه إلى عباد الله وحده لا شريك له قال ـ تعالى ـ: {وَإِلَى عَادٍ

(1/21)


أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} الآيات .. * * *

 س18/ ما المقصود بتوحيد الأسماء والصفات؟

الجواب: المقصود بتوحيد الأسماء والصفات: هو الاعتقاد الجازم بكمال الله المطلق ونعوت جلاله وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، من أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل قال ـ تعالى ـ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فيدعى ويتوسل إليه بها قال ـ تعالى ـ: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وقال: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}. * * *

 س19/ ما المراد بالتمثيل والتكييف في توحيد الأسماء والصفات وما المعتقد الصحيح فيها؟

الجواب: المراد بالتمثيل: هو التشبيه أي تشبيهه بغيره. والتكييف: أي تكييف المعاني: أي معاني الصفات.

(1/22)


والمعتقد الصحيح أنها صفة معناها مفهوم من اللغة العربية وتكييفها لا يعلمه إلا الله فلم يرد السؤال عن التكييف ولهذا اعتبر السلف الصالح السؤال عنه بدعة كما ورد عن مالك ـ رحمه الله ـ لما سئل عن كيفية الاستواء قال: "الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة" وليس الخلق بحاجة إلى هذا. * * *

 س20/ ما مكانة التوحيد من بين العبادات مع بيان فضله؟

الجواب: مكانة التوحيد أعلى مكانة وأعز مطلب وأوجبه، وهو توحيد الله بالعبادة وهو حقه ـ تعالى ـ على العبيد ومن قام بهذا التوحيد فقد جاء بأقسام التوحيد الأخرى، أن توحيد العبادة يتضمن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، إذ لا يتصور أن عاقلاً يعبد غير موجود أو ناقص الكمال في الأسماء والصفات، فتوحيد العبادة أول ما يدخل في الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا. أما فضله فهو أفضل العبادات على الإطلاق ومن أبرز فضائله: أن ذنوب الموحد قابلة للغفران ولا يخلد في النار، وأن له الأمن والاهتداء، قال ـ تعالى ـ: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا

(1/23)


إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}. وأن الجنة مضمونة للموحد ما لم يأت بمناف لكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن جاء بما ينافيها فليس بموحد وإن نطق بها بلسانه، فالوعد للموحد بمغفرة الذنوب التي هي المعاصي التي لا تتنافى مع التوحيد والتي ليس فيها شرك وأحاديث فضائل التوحيد كثيرة كحديث عبادة وحديث عتبان وأبي سعيد وأنس وغيرها. * * *

 س21/ عرف الإيمان لغة واصطلاحاً وما أركانه؟

الجواب: الإيمان لغة: التصديق واصطلاحاً: قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان وهو الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه وأنه الخالق الرازق المحي المميت وإنه المستحق لأن يفرد بالعبادة والذل والخضوع وجميع أنواع العبادة وأنه المتصف بصفات الكمال المنزه عن كل عيب ونقص. وأركانه ستة حينما يأتي مقروناً بالإسلام وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره كما في حديث عمر لما سأل جبريل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم

(1/24)


الآخر وبالقدر خيره وشره» وسأله عن الإسلام وعن الإحسان. وحينما يأتي مفرداً فإنه شامل للقول باللسان والاعتقاد بالجنان والعمل بالجوارح. * * *

 س22/ هل الإيمان يزيد وينقص وبم يحصل ذلك؟

الجواب: نعم يزيد وينقص فيزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما قال ـ تعالى ـ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} وقوله ـ تعالى ـ: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} وقال ـ تعالى ـ: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} وقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة ... الحديث». * * *

 س23/ ما أسباب زيادة الإيمان ونقصانه؟

الجواب: سبب الزيادة فعل الخير والطاعة، وسبب النقصان فعل المعاصي. * * *

(1/25)


س24/ عرف الإلحاد لغة وشرعاً وما الإلحاد في أسماء الله وصفاته؟ مع ذكر أنواعه؟ الجواب: الإلحاد لغة الميل ويستعمل في الشرع: الميل بعد الاستقامة قال ـ تعالى ـ: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} وقوله ـ تعالى ـ: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} والإلحاد في أسماء الله وصفاته: الميل بها عن مراد الله سبحانه ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، بتأويل أو تشبيه أو تعطيل أو تكييف، والمطلوب في أسماء الله وصفاته الوقوف عند قوله ـ تعالى ـ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فيثبت لله من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وأنواع الإلحاد في أسماء الله خمسة: 1 - تسمية الأصنام بشيء من أسماء الله كتسميتهم اللات من الإله والعزى من العزيز. 2 - تسمية الله بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أباً وتسمية الفلاسفة له علة فاعلة. 3 - وصف الله ـ سبحانه ـ بما يتعالى ويتقدس عنه من النقائص

(1/26)


كقول أخبث اليهود أنه استراح يوم السبت، وكقولهم "يد الله مغلولة". 4 - تعطيل أسماء الله الحسنى عن معانيها وجحد حقائقها كقول بعض الجهمية سميع بلا سمع وحي بلا حياة. 5 - تشبيه صفات الله ـ سبحانه ـ بصفات خلقه والحق أن يثبت لله أسماء وصفات خالية من مشابهة المخلوقين. * * *

 س25/ هل يختلف الدين باختلاف الأنبياء؟ مع التوضيح.

الجواب: الدين لا يختلف باختلاف الأنبياء فدينهم واحد وهو عبادة الله وحده ونفي الشرك عنه قال ـ تعالى ـ: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ... } الآية وإن اختلفت شرائعهم كما قال ـ تعالى ـ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} وفي الحديث: «نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد». * * *

 س26/ هل يمكن حصول عبادة الله وحده من دون الكفر بالطاغوت مع الدليل؟

الجواب: لا يمكن عبادة الله دون الكفر بالطاغوت قال ـ

(1/27)


تعالى ـ: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} وقال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وقال صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله». * * *

 س27/ ما المقصود بالشرك؟

الجواب: المقصود بالشرك: هو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله أو اعتقاد أن هناك رباً ومدبراً غير الله أو يصرف شيئاً من أسماء الله وصفاته لغير الله، كل هذه الأمور تعد شركاً بالله ينهى عنه ويغلظ عليه ويدخل في المنهى عنه في قوله ـ تعالى ـ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} وتفرضه كلمة لا إله إلا الله وحده فإنه لا شريك له في عبادته وربوبيته وأسمائه وصفاته. * * *

 س28/ ما أنواع الشرك بالتفصيل؟

الجواب: أنواع الشرك نوعان: شرك أكبر وشرك أصغر. فالشرك الأكبر مخرج من الملة ومن مات على هذا الشرك خلد في النار قال ـ تعالى ـ: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ

(1/28)


اللَّهِ ... } الآية. وقوله ـ تعالى ـ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. والشرك الأكبر تجمعه أربعة أمور: 1 - الشرك في الدعوة: قال ـ تعالى ـ: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ .. } الآية. 2 - الشرك في الطاعة: بأن يتخذ المخلوق كأنه رب يطاع في أمره ونهيه باعتقاد حل ذلك قال ـ تعالى ـ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ .. } الآية. 3 - شرك في المحبة: فيحب غير الله كمحبة الله قال ـ تعالى ـ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ .. } الآية. 4 - شرك النية والإرادة والقصد قال ـ تعالى ـ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ .. } الآية. والنوع الثاني: الشرك الأصغر ومنه صرف بعض الأقوال التي لا تصلح إلا في جانب الله لبعض المخلوقين مثل: "ما شاء الله وشئت"، "ولولا الله وفلان" والحلف بغير الله. والإنسان مطلوب منه أن يخلص قلبه لله من أي شرك صغير أو كبير، قال ـ

(1/29)


تعالى ـ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. ومن هذا النوع الشرك الخفي: وهو أن يتظاهر الإنسان بالأعمال الصالحة لما يرى من نظر رجل إليه وهو أخفى من دبيب النملة السوداء، واشتد خوف الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، على أمته من هذا النوع كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي فسئل عنه فقال الرياء». * * *

 س29/ ما الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر في الآخرة؟

الجواب: والفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر في الآخرة أن الشرك الأكبر لا يغفر لصاحبه إذا لم يتب قبل الموت ويحبط جميع الأعمال ويخلد صاحبه في النار. أما الشرك الأصغر فحكمه أنه لا يغفر لصاحبه إلا بالتوبة لعموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} وأنه يحبط العمل الذي قارنه ولا يوجب التخليد في النار ويدخل تحت الموازنة إن حصل معه حسنات راجحة على ذنوبه دخل الجنة وإلا دخل النار ومآله الخروج منها أعاذنا الله منها. * * *

(1/30)


 س30/ ما الآثار المترتبة على شرك المشرك؟

الجواب: آثار الشرك على المشرك لا تنحصر ويكفي العاقل زجراً واحدة منها فأعظم ضرر: 1 - خسارة الدنيا والآخرة قال ـ تعالى ـ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}. 2 - أن الشرك يشط بصاحبه عن الطريق ويضله ويبعده عن الصراط المستقيم قال ـ تعالى ـ: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ}. 3 - أن ضرر الشرك أقرب من نفعه قال ـ تعالى ـ: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ}. 4 - أن المشرك سلك طريقاً مذموماً ومعوجاً {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. 5 - أنه يخسر أهله مع خسارته نفسه {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}. 6 - من الأضرار المعنوية أن المشرك يفقد الطمأنينة والأمن والاهتداء في الدور الثلاث دار الدنيا ـ دار البرزخ ـ الدار

(1/31)


الآخرة ـ قال ـ تعالى ـ: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} فشركه أفقده هذه الطمأنينة. وقال ـ تعالى ـ: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}. 7 - الشرك أكبر ظلم يظلم الإنسان به نفسه قال ـ تعالى ـ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. 8 - الشرك لا ينفع معه عمل مهما كان قال ـ تعالى ـ: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} وقال ـ تعالى ـ: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}. 9 - الشرك والكفر كما يضر الشخص به نفسه يضر مجتمعه فيسبب الافتراق والاختلاف ومن ثم يقع التناحر والتقاطع والتدابر لأن طريق الحق واحد وطرق الشرك والكفر والباطل متفرقة متشتتة {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} أي مختلط. 10 - يسبب الخسارة المادية فإنه مهما بذل في سبيل باطله فهو غير مخلوف بخلاف ما يبذله طاعة لله فإنه مخلوف عليه، وبذلك يسيء أكبر إساءة إلى من أسدى إليه النعمة ثم بذلها في غير رضاه

(1/32)


وفي غير سبيله، ثم لينتج عنه ضرر آخر. 11 - ومن آثاره ينتج عنه العقوبة العاجلة فضلاً عن العقوبة الآجلة قال ـ تعالى ـ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}. 12 - كما أن الافتراق يحصل بسبب الكفر والشرك الحسي والمعنوي فإن التوحيد والإيمان يجمع الكلمة ويلقى الله هيبة المسلمين في قلوب الأعداء ويكون الإيمان سببًا للغناء أيضاً لأنهم يأمنون فينطلقون في التماس المعايش والأرزاق قال - صلى الله عليه وسلم - مخاطباً الأنصار: «ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي». 13 - أن المشرك يضطرب بين المعبودات وتتشتت به الأهواء بينما الموحد يعرف من يعبد، والطريق إليه طريق واحد {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}. * * *

 س31/ عرف الطاغوت؟

الجواب: الطاغوت: مأخوذ من الطغيان وهو التجاوز ومنه

(1/33)


طغيان الماء إذا تجاوز حده قال ـ تعالى ـ: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} ويقال للعاصي طاغ. فمعنى الطغيان بالإنسان الكفر والبغي والعصيان، وفي القرآن كل ما عبد من دون الله قال ـ تعالى ـ: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} وقال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}. * * *

 س32/ هل يعرف عدد الطواغيت؟

الجواب: الطواغيت كثيرة ومنهم رئيسهم إبليس، ومن عبد وهو راض، ومن دعا إلى عبادة نفسه، ومن ادعى علم الغيب ومن حكم بغير ما أنزل الله. * * *

 س33/ ما المعنى العام للإسلام والمعنى الخاص؟

الجواب: معناه العام: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، والمعنى الخاص، القيام بمراتب الدين وهي الإسلام، والإيمان، والإحسان، وكل مرتبة لها أركان. * * *

(1/34)


 س34/ كم ناقض للإسلام وما هي؟

الجواب: نواقض الإسلام المجمع عليها عشرة هي: أولاً: الشرك بالله. ثانياً: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم أو يستغيث بهم فقد كفر وأشرك. ثالثاً: اعتقاد عدم اكتمال الإسلام. رابعاً: من أبغض شيئاً مما جاء به النبي، - صلى الله عليه وسلم -، فقد كفر ولو عمل به ظاهراً. خامساً: عدم تكفير المشركين أو تصديقهم. سادساً: الاستهزاء بشيء من دين الله. سابعاً: ممارسة أنوع السحر. ثامناً: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين. تاسعاً: الاعتقاد في إمكان الخروج عن الشريعة. عاشراً: الإعراض عن دين الله. * * *

 س35/ ما المراد بالحكم بغير ما أنزل الله وما حكم من حكم بغير ما أنزل الله؟

الجواب: الحكم بغير ما أنزل الله قد يراد به التعبد بغير ما

(1/35)


أنزل الله فهذا شرك وكفر وبدعة، وقد يكون في الفروع فمن اعتقد جوازه بغير الشريعة فقد كفر وإن تساهل مع اعتقاد تحريمه فهذا كفر دون كفر، قال ـ تعالى ـ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. * * *

 س36/ هل هناك تفاوت بين الموحدين في الجنة؟

الجواب: بعد أن اتضح أن من مات مشركاً فهو من أصحاب النار وليس له حظ في الجنة فالموحدون يتفاوتون في التوحيد قوة وضعفاً فهم في الجملة على ثلاث مراتب كل صاحب مرتبة يعتبر موحداً: الأول: الموحد الذي عنده ارتكاب شيء من المعاصي وهذا هو الظالم لنفسه. الثاني: المقتصد الذي يفعل الواجبات ويترك المحرمات ولا يأت ببعض المستحبات ولا يتورع عن بعض المكروهات. الثالث: السابق بالخيرات وهو الذي يأتي بالواجبات والمستحبات ويترك المحرمات والمكروهات.

(1/36)


وكل هؤلاء لا يخلدون في النار لأنهم ماتوا على التوحيد سالمين من الشرك وفي الحديث: «من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات يشرك به شيئاً دخل النار». * * *

 س37/ ما حكم الخوف من الشرك؟

الجواب: يجب الخوف من الشرك لأن عاقبته وخيمة وبلية على الإنسان وظلمة في الدنيا والآخرة ويدل على ذلك قوله ـ تعالى ـ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فتوعده بعدم المغفرة يجعل الإنسان متخوفاً من الشرك وقال ـ تعالى ـ: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} وقوله، - صلى الله عليه وسلم -: «من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار». فهذه النصوص تبعث الخوف من الشرك، وتدفع الكافر إلى الإسلام، وترغب فيه، كما أن هناك نصوصاً تجعل المسلم يتحرز ويتخوف من الشرك لأنه يحبط ما طرأ عليه وسبقه من الأعمال الصالحات، قال ـ تعالى ـ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وقال ـ تعالى ـ في دعاء إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} فانظر كيف خاف إبراهيم على

(1/37)


نفسه من الشرك مع قوة إيمانه وعلو درجته وقربه من ربه فهو خليله فلا يصح لمسلم أن يعجب بإسلامه ولا أن يثق من نفسه ومن هواه وشيطانه بل يعبد ربه وجلاً خائفاً سائلاً ربه الثبات، ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم، وقد اشتد خوف رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، على الصحابة وهم أفضل هذه الأمة فقال: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال "الرياء" يقوم الرجل فيحسن صلاته لما يرى من نظر رجل إليه» وذلك لخفائه وقد قال عليه الصلاة والسلام: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء في ظلمة الليل». * * *

 س38/ هل الخوف من غير الله شرك؟ مع بيان أنواع الخوف؟

الجواب: الخوف من الشرك يتفاوت معناه عن خوف ما سوى الله وهو أمر واضح ولله الحمد من نصوص الشريعة وألفاظ اللغة العربية، فقد يكون الخوف عبادة لله وصرفه لغير الله شرك، وهذا إذا حمل الإنسان على ترك عبادة الله أو ارتكاب معصية لله خوفاً من تأثير هذا الصنم أو الوثن أو الميت، أو خاف من حي وهو لا يقدر أن يجلب له نفعاً أو يدفع عنه ضرراً، فهذا هو الخوف الممنوع قال ـ تعالى ـ: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا

(1/38)


تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} وقال ـ تعالى ـ: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} فأما الخوف المنبعث في الغريزة الإنسانية كالخوف من سبع وعدو ولص يأخذ ماله فيحمله هذا الخوف على التحفظ والتحرز والاستعداد فهذا لا يضر في الإيمان ولا يزيد ولا ينقص من التوحيد، ولهذا شرعت الأسباب الواقية لأن الضرر متوقع من العدو والسبع، أما العتق من النار وإدخال الجنة فليس بيد أحد من المخلوقين وأسبابها طاعة الله وعبادته فمن علقها بغير الله خوفاً منه وقع فيما فر منه، ومن عرف معاني الخوف وجد الفرق واضحاً جلياً، فمن الخوف ما هو شرك وهذا ما نحن بصدده ويسمى خوف السر وهو أن يؤثر فيه مخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله من مرض أو منع رزق أو إصابته بفقر أو نحو ذلك بقدرته ومشيئته فهذا الخوف من الشرك الأكبر. الثاني: الخوف من المخلوق المؤدي إلى فعل محرم أو ترك واجب فهذا حرام. الثالث: خوف وعيد الله الذي توعد به العصاة وهذا الخوف من أعلى مراتب الإيمان. الرابع: الخوف الطبيعي كخوف الإنسان من السبع ونحوه وهذا جائز. * * *

(1/39)


 س39/ ما حكم التفرق في الإسلام؟

الجواب: في الحديث الشريف: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي». فالحديث يشير إلى تعدد الفرق إلى ثلاث وسبعين فرقة وإن تعددت إلى أكثر في هذا الوقت فيحمل على أن ما في الحديث أصولها وأنها ترجع إلى ما ذكر في الحديث، أو أن الحديث ليس على سبيل الحصر، والفرقة بالكسر معناها الطائفة والجماعة وبالضم الفرقة معناها: الافتراق، وإذا ألقيت نظرة على العالم الإسلامي اليوم وجدت اختلاف الاتجاهات لا تعد ولا تحصى وكفانا عنها تحذيراً وتنفيراً قوله ـ تعالى ـ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وقوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. * * *

(1/40)


 س40/ من هي الفرقة الناجية وما صفاتها وما أبرز خصائصها؟

الجواب: الفرقة التي على الحق هي التي قال عنها النبي، - صلى الله عليه وسلم -: «هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» وهي الفرقة الناجية وهم أهل السنة والجماعة، ونسبوا إلى السنة لتمسكهم بالنصوص وما تدل عليه. قال الشيخ عبد العزيز الرشيد في كتابه التنبيهات السنية: "أي المختصون والمتمسكون بها والمعتنون بدراستها وفهمها المحكمون لها في القليل والكثير، وسموا أهل السنة لانتسابهم لسنته، - صلى الله عليه وسلم -، دون المقالات كلها والمذاهب، وقد سئل بعضهم عن السنة فقال ما لا اسم له سوى السنة، يعني أهل السنة ليس لهم اسم ينتسبون إليه سواها خلافاً لأهل البدع، فإنهم تارة ينتسبون إلى المقالة كالقدرية والمرجئة وتارة إلى القائل كالجهمية والنجارية، وتارة إلى الفعل كالروافض والخوارج، وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها" ص15. والمراد بالجماعة الذين نسبت الفرقة إليهم هم الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والمراد بها: لزوم الحق ولو كان المتمسك بها قليلاً والمخالف لها كثيراً قال ـ تعالى ـ: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وقال ـ سبحانه ـ: {وَمَا

(1/41)


يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} وقال: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}. فهذه النصوص تدل على أنه لا عبرة بالكثرة الضالة، يوضح هذا ما جاء في حديث عرض الأنبياء وأممهم حيث قال: «يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان ويأتي النبي وليس معه أحد» وفي الحديث الآخر: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة» وفي هذا المعنى جاءت هذه الجملة الحية: "لا تستوحش من الطريق لقلة السالكين ولا تغتر بكثرة الهالكين". وأبرز خصائص أهل السنة والجماعة تقديم النص على العقل. * * * س41/ لماذا تعتبر هذه الفرق فرقاً إسلامية؟ الجواب: وشمل اسم الإسلام سائر الفرق لانتسابهم إليه ولكنهم استعملوا التأويلات والمشابهات وهذا أبرز خصائص الفرق الأخرى. قال ابن حجر في فتح الباري عند حديث حذيفة وقول الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، لما وصف له أصحاب الفتن، وفرض تعذر وجود إمام وجماعة «فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك» قال:

(1/42)


ويؤخذ منه ذم من جعل للدين أصلاً خلاف الكتاب والسنة وجعلهما فرعاً لذاك الأصل الذي ابتدعوه" فتح الباري 13/ 37. * * *

 س42/ ما المقصود بالكهانة وما تأثير الكهانة على أصول الدين؟

الجواب: المقصود بالكهانة الإخبار عن المغيبات، وقيل: الإخبار عما في الضمير، وكان الكاهن قبل بعثة النبي محمد، - صلى الله عليه وسلم -، يأخذ من الشياطين التي تسترق السمع، ولما حرست السماء بالشهب بعد مبعث النبي محمد، - صلى الله عليه وسلم -، صار الكهان يتلقون عن أوليائهم من الجن الأخبار البعيدة، فيخبر الكاهن الجهال بذلك فيقع في أذهانهم وظنونهم أن هذه كرامة لهذا الكاهن فيعتقدون فيه الولاية فيصدقونه بما يقول مما يضرهم في دينهم ودنياهم قال ـ تعالى ـ: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} ومعنى استمتاع الإنس والجن أن تقضي الجن حوائج الإنس، واستمتاع الجن بالإنس أن الإنس يعظمونهم، وكون الشيء يحصل به

(1/43)


منفعة دنيوية من كف شر أو جلب خير لا يدل على أنه ليس من الشرك. أما تأثير الكهانة على أصول الدين فلأنها تتضمن ادعاء علم الغيب وهذا خاص بالله ـ تعالى ـ ولأن الكهانة تعتمد على وسائل الشرك كاستخدام الجن، فكلا الأمرين يؤثر على التوحيد لكونه اعتقد علم الغيب في غير الله واعتقد صحة هذه الوسائل الشركية. وحكم الكهانة كفر في الجملة وكذلك التصديق بها، فإذا تضمنت اعتقاد جواز اتخاذ هذه الوسائل الشركية وإضافة علم الغيب للمخلوق فهذا كفر وإن كان عمله دجلاً ومجرد ادعاء من دون استخدام الجن وتخرصاً وتمويهاً على العامة فهذا حرام ويكون كفراً دون الكفر الأكبر. * * *

 س43/ ما هي العرافة وما حكمها مع الدليل؟

الجواب: تحدث عنها الشارع بأسلوب التحذير عن إتيان الكهان والتحذير عن تصديقهم ببيان كفر من أتاهم وعدم قبول ثواب طاعاتهم ففي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي، - صلى الله عليه وسلم -، عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -: «من

(1/44)


أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً» وعن أبي هريرة ـ - رضي الله عنه - ـ عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، قال: «من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد، - صلى الله عليه وسلم -» وتارة ببيان أن من تعاطى بالكهانة فليس على طريقة الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، كما في حديث عمران بن حصين مرفوعاً: «ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد، - صلى الله عليه وسلم -». * * *

 س44/ ما الأسباب الداعية إلى الكهانة؟

الجواب: والأسباب الداعية إلى الكهانة إما عدم الإيمان بالشرع أو ضعف الإيمان أو المحبة لامتصاص الأموال بما يأخذه الكاهن عوضاً عن تكهنه وإخباره بما لا يعلمه الناس مما أطلع عليه أولياؤه من الجن فأخبروه به وهذا النوع له مكانته عند الكفار وضعفاء الإيمان من عوام المسلمين في قديم الزمان وحديثه. * * *

(1/45)


 س45/ ما الأسباب الداعية إلى إتيان الكهان؟

الجواب: الأسباب الحافزة على إتيان الكهان وتصديقهم لها عدة عوامل منها أن الإنسان مجبول على طلب الشفاء وحبه إذا كان الكاهن يستعمل كهانته باسم العلاج، ومن العوامل ما في غريزة الإنسان من حب الاستطلاع على ما غاب عن نظره وعلمه فيأتي الكاهن ليخبره بما قد حدث وما قد يحدث فيعتقد أن ذلك من الكاهن علم بالغيب وما علم أنه استخدام للجن الذين لا يخدمون إلا على حساب عقيدة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره. * * *

 س46/ ما الآثار المترتبة على الكهانة؟

الجواب: الآثار المترتبة من الكهانة: 1 - فقد الإيمان أو ضعفه. 2 - الكفر بما أنزل على محمد، - صلى الله عليه وسلم -. 3 - عدم الثواب على الأعمال الصالحة عقوبة على ما ارتكبه من معاصي. 4 - حدوث التشكيك بين صفوف المسلمين والأسر ومن ثم ينتج التفرق والتباغض.

(1/46)


5 - بذل الأموال في غير محلها لتحريم صرفها في الكهانة وأمثالها، ومعلوم أنهم لا يتكهنون إلا بمال. 6 - من آثارها تعلق قلوب العامة بالطرق الممنوعة شرعاً وترك الأسباب المباحة شرعاً كما المشاهد من حب العامة للكهان والدجالين وترك الأسباب الناتجة عن خبرة أو دراسة كعلوم الطب. 7 - التفريق بين الزوجين بحيث يستخدم الكاهن بإخباره عما حصل من زوجته إن صدقاً وإن كذباً فينتج عن ذلك فراقها وتشتيت شمل الأسرة. 8 - من آثار التكهن والكهانة الاضطراب النفسي والقلق والضجر لأن مريدها لا يصل إلى نهاية وليس لها غاية، فما طاب منها تبعه، وما فيها من الخبث والأضرار يربو على ما استطابه. 9 - الوقوع في الشرك كأن يصف له الكاهن علاجاً شركياً كسفك دم في ساعة محددة وفي مكان معين ووصف للذبيحة، ومعلوم أن الذبح لغير الله شرك. * * *

 س47/ ما الفرق بين الكاهن والعراف؟

الجواب: الفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن هو من

(1/47)


يدعي علم الغيب، والعراف هو من يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك، وقيل لا فرق بينهما. * * *

 س48/ ما التنجيم وما حكم تعلمه؟

الجواب: التنجيم هو: تعلم النجوم ومنازلها وحركاتها ومدى الاستفادة منها، أما حكم تعلمها فبحسب المعلوم منها ومقاصد المتعلم: أ- فإن قصد من تعلم النجوم معرفة دلالتها على الجهات وعلى القبلة فهذا جائز وهو ما يسمى بعلم التسيير قال ـ تعالى ـ: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} وهذا النوع ميسر لكل أحد لربط حاجات الناس به في أسفارهم جواً وبراً وبحراً وتتعلق به معرفة أوقات العبادات كأوقات الصلوات وتجزئة الليل ومعرفة الأوقات التي يناسب فيها الغرس وبذر الحبوب بإذن الله، وما وجد من الآلات التي هدى الله الخلق إليها مما تدل على الأوقات فإنها برمجت على علم التسيير في حركة منازل الكواكب والنجوم. ب- وإن كان قصد متعلم النجوم ربط تأثير النجوم بالحوادث الأرضية معتقداً أنها فاعلة مختارة فهذا كفر، لاعتقاده أن النجوم

(1/48)


مدبرة مع الله ـ تعالى عن ذلك علواً كبيراً ـ، وإن ربط الحوادث الأرضية بسير الكواكب كاجتماعها وافتراقها معتقداً أنها مؤثرة بإذن الله فهذا حرام لكونه وسيلة إلى الشرك، قال قتادة ـ رحمه الله ـ: "خلق الله هذه النجوم لثلاث زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يُهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به". قال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال ـ سبحانه ـ: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} وفي الحديث الوعيد الشديد على من تعلم علم النجوم المحرم «ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر» فدل الحديث على تحريم تعلم السحر والتصديق به ومنه الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية وادعاء تأثيرها لما فيه من ادعاء علم الغيب والشعوذة وهذا نوع من السحر، وقال الإمام الخطابي ـ رحمه الله ـ: علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي ستقع في مستقبل الزمان كأوقات هبوب الرياح ومجيء الأمطار وتغير الأسعار وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك بمعرفتها بمسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها يدعون أن لها تأثيراً في

(1/49)


السفليات وهذا منهم تحكم على الغيب وتعاط لعلم قد استأثر الله بعلمه فلا يعلم الغيب سواه. قرة عيون الموحدين ص184. * * *

 س49/ ما حكم الطواف بالقبور وما الفرق بينه وبين الطواف بالكعبة؟

الجواب: لا يجوز الطواف بالقبور ويعتبر شركاً لأن الطواف عبادة، والطواف بالقبور يعتبر تعظيماً وعبادة لصاحب القبر وأيضاً الطواف صلاة والصلاة عند القبور ممنوعة ففي الحديث الشريف: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وفي حديث جندب عند مسلم: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» وعند أحمد عن ابن مسعود مرفوعاً «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد». الطواف بالكعبة عبادة لله لا يجوز صرفها لغير الله ولا إحداثها عند غير الكعبة قال ـ تعالى ـ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وفي الحديث: «الطواف بالبيت صلاة» وشرع الله حج هذا البيت

(1/50)


والطواف به ولو كان الطواف جائزاً عند غير الكعبة لما أذن الله للناس بالحج إليه، فجعل الله الطواف بهذا البيت توحيداً ونفياً للشرك عن الله قال ـ تعالى ـ: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}. * * *

 س50/ ما حكم دعاء الأولياء؟

الجواب: حكم دعاء الأولياء والصالحين لنفع أو دفع ضر شرك أكبر وهذا ما أنكره القرآن على الذين يعبدون الصالحين بقوله ـ سبحانه ـ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} وقال ـ تعالى ـ: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} وقال ـ تعالى ـ: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وقال ـ تعالى ـ: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ

(1/51)


وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وكذلك لا يجوز التبرك بقبورهم قال الله ـ تعالى ـ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} فهذا تقريع وتوبيخ للذين يتبركون باللات والعزى رجاء أن ينفعوهم أو يدفعوا عنهم ضراً لأنهم لا يعتقدون أنهم يخلقون أو يرزقون بل يرجون بركتها. * * *

 س51/ ما حكم تشييد القبور وزخرفتها وما آثار ذلك؟

الجواب: حكم تشييد القبور وزخرفتها: لا يجوز تشييدها ولا زخرفتها لأن هذا من باب الغلو المؤدي إلى اعتقاد تعظيمها والاعتقاد بها وفي الحديث نهى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، أن تجصص القبور وأن يجلس عليها أو يبنى عليها فقد تضمن الحديث النهي عن الغلو بها وعن إهانتها وعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أنها ذكرت لرسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال، - صلى الله عليه وسلم -: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله» وعن علي ـ - رضي الله عنه - ـ قال لأبي الهياج الأسدي: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله؟ - صلى الله

(1/52)


عليه وسلم -، أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته". فدلت النصوص هذه على منع البناء على القبور كما دل الحديث الآخر على منع إنارتها قال، - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» ومن الزخرفة الممنوعة الكتابة عليها وكذا من تعظيمها الممنوع شرعاً وضع أكاليل الزهور عليها أو تقديم شيء لها من الأموال أو سفك الدماء عندها كل ذلك وأشباهه من الغلو في القبور الممنوع شرعاً المؤدي إلى الشرك. * * *

 س52/ ما المقصود بالغلو؟ ومن هم أهل الكتاب؟

الجواب: المقصود بالغلو: تجاوز الحد وإعطاء الشيء أكثر من حقه أو الزيادة في ذمه، وحكمه لا يجوز وقد يصل إلى حد الشرك وإلى حد البدعة وإلى حد الكفر قال الله ـ تعالى ـ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} وقال ـ تعالى ـ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا

(1/53)


عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} وأهل الكتاب المراد بهم اليهود والنصارى فاليهود غلوا وزادوا في ذم عيسى حتى وصل بهم الأمر أن جعلوه ولد بغي، والنصارى غلوا فيه مدحاً فأوصلوه إلى منزلة الألوهية وجعلوه معبوداً لهم هو وأمه وجعلوا الله ثالث ثلاثة تعالى الله وتقدس عما يقول الظالمون علواً كبيراً. قال ـ تعالى ـ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} وقد أدى الغلو في الصالحين ومجاوزة الحد بهم درجتهم إلى أن عبدوا من دون الله وصار ذلك سبباً لهلاك العابدين والغالين، والغلو سبب أول شرك حصل في بني آدم كما حصل من قوم نوح فهم أول من أحدث الشرك ونوح عليه السلام أول رسول أرسل بالدعوة إلى توحيد الله والإنذار والتحذير عن الشرك. قال ـ تعالى ـ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} فاستمر قومه في كفرهم وعنادهم وتمسكهم بعباداتهم الشركية وتواصوا فيما بينهم بالبقاء على معبوداتهم {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}. قال ابن عباس: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلك

(1/54)


أولئك أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم فعبدت" فمن فهم ما حصل في قوم نوح فهم غربة الإسلام؛ لأن دعوة محمد، - صلى الله عليه وسلم - هي دعوة نوح وما حصل في أمة محمد عليه السلام من الغلو في الصالحين الذي حملهم على التعلق بهم هو الذي حصل من قوم نوح وعرفنا أن الغلو سبب الهلاك وأن أول شرك حدث بشبهة الصالحين وتبين لنا أن الغلو في الصالحين هو أول أمر غير به دين الأنبياء ومما دلت عليه النصوص سرعة انفتاح القلوب للبدع مع أن الشرائع والفطر تردها وأن سبب قبول البدع مزج الحق بالباطل فأولاً محبة الصالحين والثاني فعل أناس من أهل العلم شيئاً أرادوا به خيراً فظن من بعدهم أنهم أرادوا به غيره، وفي قصة قوم نوح دلالة واضحة على أن جبلة الآدمي في كون الحق ينقص في قلبه والباطل يزيد ودلت على أن البدعة سبب الكفر وفي قصة قوم نوح تنبيه للمسلم وتحذير من الشيطان حيث إنه يعرف ما تؤول إليه البدعة ولو حسن قصد فاعل البدعة. * * *

(1/55)


 س53/ ما حكم تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام؟

الجواب: تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام يختلف باختلاف نوعية التعظيم فتعظيمه الحقيقي قبول سنته ومتابعته والأخذ بأوامره واجتناب نواهيه وتصديق أخباره وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. قال ـ تعالى ـ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وقال ـ تعالى ـ: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وأما تعظيمه بالغلو فيه وإعطائه حقاً من حقوق الله فهذا لا يجوز، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم» وقال: «إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» فرسول الله عبد لا يعبد ورسول لا يكذب بل يطاع ويتبع، ومن الغلو فيه صرف شيء من العبادة له كدعائه والاستغاثة به واللجوء إليه في كشف الشدائد وطلب الحوائج منه، ومن الغلو فيه المبالغة في مديحه شعراً ونثراً المتضمن ما يغضبه لأنه قال عليه الصلاة والسلام: «إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو». * * *

(1/56)


 س54/ ما حكم دعاء الرسول، - صلى الله عليه وسلم - عند قبره؟

الجواب: دعاء الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، من دون الله شرك بالله سواء عند قبره أو بعيداً عنه لأن الدعاء عبادة خاصة لله قال ـ تعالى ـ ناهياً نبيه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ} وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله» ومن أراد شفاعة الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، فيعمل بسنته ويسأل الله أن يشفعه فيه يوم القيامة فهذا شأن المحب للرسول، - صلى الله عليه وسلم -، قال ـ تعالى ـ: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ}. * * *

 س55/ ما حكم الدعاء عند قبر النبي، - صلى الله عليه وسلم -؟

الجواب: وحكم الدعاء عند قبر النبي، - صلى الله عليه وسلم -، مستقبلاً القبر لا يجوز سواء كان قبر النبي، - صلى الله عليه وسلم -، أم غيره، فالله ـ تعالى ـ لم يجعل قبلة غير الكعبة فهي قبلة المسلمين أحياء وأمواتاً واستقبال القبور لا يشرع إلا عند السلام على من فيها وأما إذا أراد المسلم أن يدعو لنفسه أو لغيره من المسلمين فليستقبل القبلة فهذا المستحب وإن أراد الصلاة وجب استقبال القبلة، فالمقصود أن استقبال القبر عند

(1/57)


الدعاء لا يجوز لأنه وسيلة إلى تعلق القلوب بالأموات وصرف ما كان لله لغير الله والمسلم يحتاط لدينه وعقيدته فلا يشابه القبوريين والمتعلقين بغير الله. * * * س56/ عرف السحر لغة واصطلاحاً وما حكمه مع الدليل؟ الجواب: السحر لغة: ما خفي ولطف سببه، واصطلاحاً: السحر عزائم ورقى منه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه، وحكم من تعلمه وفعله حرام ومؤد إلى الكفر لقوله ـ تعالى ـ: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} وقول النبي، - صلى الله عليه وسلم -: «اجتنبوا السبع الموبقات» وذكر منها "السحر". * * *

 س57/ هل السحر حقيقة أو خيال؟

الجواب: والسحر منه ما هو حقيقة يؤثر في البدن والقلب فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه ولو لم يكن حقيقة لما حكم بكفر صاحبه ولما نفى عنه النصيب في الآخرة ولما أمر بالاستعاذة منه ومنه ما هو خيال وهو ما يعمل أمام العيون بحيث يتخيل

(1/58)


الشيء حقيقة وهو ليس كذلك من غير أن يتأثر بدنه ويزول هذا التخيل بزوال ما خيل به وهذا ضرب من الشعوذة وحكمه حرام لما يشتمل عليه من التضليل والحيل والخدع فلربما يؤخذ ما بيد المخيل له ويسرق ماله ويأخذ عوضاً غير حقيقة بسبب التخييل عليه، ولربما رأى بسبب التخييل ما يجزم بحقيقته من منظر قتل أو دخول نار أو شق بطن والأمر ليس كذلك وهو لون من الخداع الذي ينشأ بواسطة معالجة أو بقوة تحيل أو بحذق ومنه سمي القمار قماراً لاشتماله على شيء من هذه المعاني، والمقصود أن ما كان من السحر خيالاً أو شعوذة فإن حكمه حرام ولا يصل إلى حد الكفر بهذا الشكل. * * *

 س58/ هل سحر النبي، - صلى الله عليه وسلم -، حقيقة ومن سحره؟

الجواب: نعم، وقد سحر النبي، - صلى الله عليه وسلم -، حقيقة سحره لبيد بن الأعصم اليهودي فجعل له العقد في جف طلع نخل ووضعه في بئر فأرسل الله ملكين يرقيان النبي، - صلى الله عليه وسلم -، ويخبرانه بمن سحره كما أخبراه بموضع السحر وأمراه بالتعوذ بالله ونزل في ذلك سورتان قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فانحلت تلك العقد وبرئ عليه الصلاة

(1/59)


والسلام كأنما نشط من عقال، فشرعت الاستعاذة بهاتين السورتين والرقية بهما لأمة محمد، - صلى الله عليه وسلم -. * * *

 س59/ هل يتنافى كون النبي سحر مع مقام النبوة؟

الجواب: كونه - صلى الله عليه وسلم - سحر لا ينافي مقام النبوة وذلك أن السحر لم يؤثر في عقلية الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، وإنما تأثر بدنه لأن الله تكفل بحفظ الوحي: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وتأثر بدنه دليل قوي على بشرية النبي، - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يصاب ببعض الأمراض والأعراض التي يصاب بها البشر ودليل على إكرام الله له حيث شفاه الله ودله على السحر الذي حصل له وسبب لمشروعية التعوذات والرقى وأن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، يلجأ إلى الله لكشف ضره كما يلجأ الآخرون من الناس ودليل على وقوع ما أذن الله به كوناً وقدراً وأنه شرع ما يرفعه قال ـ تعالى ـ: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} فلم يستثن نبياً ولا غيره، كما سم عليه الصلاة والسلام وكسرت رباعيته وجرح وشج ومرض فهو - صلى الله عليه وسلم -، بشر يعتريه ما يعتري البشر. * * *

(1/60)


 س60/ ما حكم التداوي من السحر؟

الجواب: حكم التداوي عند السحرة من السحر فهذا لا يجوز لما يشتمل عليه من وجود الاعتقاد في السحر وطرقه وإذا اعتقد حصل المحظور من فساد العقيدة والإيمان ولهذا شرع الله التعوذ به لحل السحر وغيره وجاء في الحديث أن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، سئل عن النشرة فقال: «هي من عمل الشيطان» والنشرة هي حل السحر عن المسحور وهي نوعان: نوع يكون حل السحر بسحر مثله فكل من الساحر والمسحور يتقرب إلى الشيطان بما يحب فيبطل تأثير السحر عن المسحور فهذا لا يجوز. والنوع الثاني: أن يكون حل السحر بالرقى والتعوذات والأدعية الشرعية والأدوية المباحة فهذا جائز. ومن التعوذات الشرعية قراءة (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس). وقال بعض أهل العلم يدق ورق من السدر فيخلط بالماء فيقرأ فيه آية الكرسي والقواقل وآيات من الأعراف وهي {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} وآية يونس: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ

(1/61)


سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} وآية طه وهي قوله ـ تعالى ـ: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} ثم يحسو منه ثلاث حسوات ثم يغتسل به .. فهذا نافع بإذن الله لمن أصيب بحبس عن أهله بسبب السحر. * * *

 س61/ ما المقصود بالطيرة وما حكمها مع الدليل؟

الجواب: المقصود بالطيرة: أصله التشاؤم بالطيور وهو اعتقاد النفع أو دفع الضر إذا لاقته على هيئة من الهيئات، فإذا جعلته عن يمينها اعتقدوا فيها نفعاً وتسمى السوانح وإذا جعلته عن يسارها اعتقدوا ضرها وتسمى البوارح وإذا جاءته من أمامه سموها النواطح وإذا جاءته من خلفه سموها القاعدة والقعيد وهذا الاعتماد باطل لا أصل له في الشرع وهكذا إذا سمعوا أصواتها تشاءموا بها فقالوا خير خير كما قيل ذلك عند ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فزجر القائل بقوله: لا خير ولا شر وأي شيء عند هذا الطير، فتوسع في التشاؤم إلى أن جعلوه في كل شيء سواء في الطيور وغيرها من الأشخاص والأزمنة، والتطير موجود من وقت فرعون واستمر في الناس فكل من ضعف إيمانه

(1/62)


غلبت عليه التشاؤمات الفرعونية والجاهلية وأبطل الله هذا الاعتقاد وهذا التشاؤم وأوجب تعلق قلوب المؤمنين بالله وثقتها به وأن سائر المخلوقات ليس عندها نفع ولا ضر قال ـ تعالى ـ في إبطال تشاؤم فرعون وقومه: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} فإذا أصيبوا بشر نسبوه لموسى وقومه تطيراً منهم وتشاؤماً فأخبرهم الله أن موسى لم يأت إلا بالخير والخير يأتي بالخير، وأخبرهم أن ما أصابهم بشؤم معاصيهم ومخالفتهم لموسى وأن ذلك بقضاء الله وقدره فقال ـ تعالى ـ: {أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} فما أصابهم إلا ما قدر عليهم المربوط بأفعالهم السيئة فهم سبب ذلك ولكنهم جهلوا هذا المعنى فلم يعترفوا بتقصيرهم وخطئهم وجعلوا سبب ذلك ما أتى به موسى فلهذا قال الله ـ تعالى ـ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وقال ـ تعالى ـ: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} فقوله معكم أي أنتم سببه وقوله في سورة الأعراف:

(1/63)


{أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي أن ما أصابهم بقضاء الله وقدره بسبب معاصيهم فلو تركوا معصية الرسول لما أصابهم ما كرهوا وبهذا يتضح معنى الآيتين العظيمتين ويبطل تشاؤمهم وتطيرهم، وقد تضافرت الأدلة على إبطال التطير ففي الحديث الشريف: «لا عدوى ولا طيرة» فالحديث ينفي اعتقاد تأثير التشاؤم بنفسه كما هو معتقد الجاهلية وقال عليه الصلاة والسلام: «الطيرة شرك الطيرة شرك» وذلك أنهم يعلقون النفع والضر بغير الله ثم جاء الضابط الصريح للطيرة المنهى عنها بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك» فإذا وقع في نفس الإنسان شيء بسبب مرئي أو مسموع اعتقد فيه وتشاءم فرده عن حاجته أو حمله على المضي فيها والشرع لم يجعله سبباً لذلك فهذه الطيرة الممنوعة وهذه هي الطيرة الشركية شرك أصغر فإن اعتقد أن ما تطير به يجلب النفع بنفسه أو يدفع الضرر بنفسه فهذا شرك أكبر. والخلاصة أن ما جعله الإنسان سبباً ولم يجعله الله سبباً فهو شرك أصغر وإن اعتقد النفع أو الضر به فهو شرك أكبر، ولقد بين النبي، - صلى الله عليه وسلم -، العلاج لمن رأى أو سمع شيئاً يكرهه فإنه يدفعه بقوله: «اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا

(1/64)


يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك» وإذا وقع شيء من التطير في نفس المسلم فليرفعه بقوله: «اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك». * * *

 س62/ ما الفرق بينها وبين الفأل؟

الجواب: والفرق بين الطيرة والفأل أن الطيرة سوء ظن بالله وصرف شيء من حقوقه لغيره وتعلق القلوب بمخلوق لا ينفع ولا يضر وأما الفأل فهو حسن ظن بالله لا يرد عن الحوائج ولا يحمل على المضي فيها وحسن الظن بالله مطلوب وسوء الظن ممنوع وحسن الظن من خصال الإيمان والمؤمنين وسوء الظن من خصال النفاق والمنافقين قال تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} ومثال التفاؤل أن يبادره كلمة طيبة أو عمل طيب فيحسن الظن بربه ويسأله من فضله كأن يكون الشخص مريضاً فيسمع كلمة سليم أو عافية أو يباركه من اسمه راشد ونحو ذلك. ومن الأمثلة للتطير الممنوع والتشاؤم الممنوع أن يبادره ويواجهه مرأى أو مسمع يكرهه في بدء سفره أو في أول يومه

(1/65)


كحادث مروري أو رأى ذا عاهة كأعرج أو أعور أصابه القلق وامتنع عن المضي في أعماله فهذا والتشاؤم والتطير الممنوع فليتق الله المسلم وليأخذ بالأسباب المشروعة ولا يحدث أسباباً لم يشرعها الله على لسان نبيه ومن أمثلة التشاؤم الممنوع التشاؤم بالأزمان الامتناع عن السفر في شهر صفر والزواج في شهر شوال أو في يوم الأربعاء ففي الحديث الشريف: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» وفي رواية: «ولا نوء ولا غول» فالأعيان والأزمان خلق من خلق الله ليس بيديها نفع ولا ضر. "مسألة" وهناك مسألة قد تشكل على بعض الناس وهي قوله، - صلى الله عليه وسلم -: «إن كان الشؤم ففي ثلاث في الدابة والمرأة أو البقعة» فالشؤم في هذا الحديث ليس معناه جواز الاعتقاد في هذه الثلاث أنها تنفع أو تضر وإنما يراد به مفارقة هذه الأمور الثلاثة لأنها أعيان مخلوقة قد تكون مجبولة على شر فهو مقارن لها وصاحب لها فإذا رأى المسلم ذلك جاز له أن يفارقها تخلصاً من شرها المقارن لها فيبيع الدابة، ويفارق الزوجة ويبيع البقعة كما هو مشروع مفارقة أقران السوء مخافة العدوى قال ـ تعالى ـ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا

(1/66)


تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فكل عين ظهر شرها شرع لك مفارقتها وهذا من الأخذ بالأسباب لا من الشؤم الممنوع فتأمل يا أخي الفرق بين الشؤم الممنوع والأخذ بالأسباب المشروعة وفقني الله وإياك لكل خير. * * *

 س63/ ما هو التوسل وما حكمه؟

الجواب: التوسل هو العمل الذي يتقرب به فإن كان يتقرب به إلى الله فهذا ما نحن بصدده فنقول لا يتقرب إلى الله ولا يتوسل إليه إلا بما شرع ومما شرع التقرب به التوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا قال ـ تعالى ـ: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ومما يتوسل به إلى الله الأعمال الصالحة قال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} وقال ـ تعالى ـ عن أنبيائه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} ومعلوم أن وسيلة الأنبياء هي الأعمال الصالحة والقيام بما أمرهم الله به وهذا إنكار على من يدعوهم من دون الله يتوسل بهم إلى الله والمطلوب أن يجعل الوسيلة سنة الأنبياء والقيام بما أمروا به وترك ما نهوا عنه قال ـ تعالى ـ: {رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} وقال ـ تعالى ـ:

(1/67)


{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} ومن ذلك توسل أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بأن دعوا الله وتوسلوا إليه بأعمالهم الصالحة فأحدهم توسل ببره بوالديه والآخر توسل بتورعه عن أكل الحرام والآخر توسل بكفه عن الوقوع في الزنا وكل واحد يقول: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فتنفرج عنهم الصخرة شيئاً فشيئاً حتى تكاملوا فانكشفت عنهم الصخرة فخرجوا يمشون والحديث هذا نصه عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ قال سمعت رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقها فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى

(1/68)


برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي» وفي رواية: «كنت أحبها كِأشد ما يحب الرجال النساء فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها» وفي رواية: «فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله أد إلي أجري فقلت: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت لا استهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء

(1/69)


وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون» متفق عليه. والنوع الثالث من التوسل الجائز هو طلب الدعاء من الرجل الصالح الحي الذي على قيد الحياة أن يدعو الله فهذا لا بأس به كما طلب الأعرابي من الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، أن يدعو الله نزول المطر فاستجاب الله دعاء نبيه ثم أتاه في الجمعة الأخرى فطلب منه أن يدعو الله أن يمسك عنهم المطر فدعا الله، ومنه ما روي عن عمر أنه طلب من العباس أن يدعو الله بنزول المطر وما عداها فتوسل ممنوع. فتلخص من هذا أن التوسل المشروع ثلاثة أنواع: 1 - التوسل بأسماء الله وصفاته. 2 - التوسل بالأعمال الصالحة. 3 - التوسل بدعاء الحي الصالح. * * *

 س64/ ما هي الشفاعة وما أقسامها مع بيان الجائز منها وغير الجائز والأدلة؟

الجواب: الشفاعة لغة: مأخوذة من الشفع وهو ضم واحد لآخر وضم صوت لصوت هذا من حيث اللغة العربية والمراد بها

(1/70)


في القرآن الوسيلة التي يتحصل بها المقصود وهي ما تسمى بالواسطة والشفاعة التي جاءت في القرآن والسنة نوعان: شفاعة منفية وشفاعة مثبتة، والناس في الشفاعة قسمان قسم أثبتوها مطلقاً وجعلوا صفاتها في الآخرة كما كانت في الدنيا وهؤلاء هم المشركون والنصارى فكلما عن لهم أمر طلبوا ممن له مكانة أن يشفع لهم وقسم نفوها مطلقاً وهم اليهود فلم يجعلوا لها أي اعتبار وبعض المبتدعة في أمة محمد، - صلى الله عليه وسلم -، أثبتها مطلقاً كالمشركين والنصارى وهم الغلاة في الأنبياء والملائكة والصالحين فزعموا أن مجرد طلب الشفاعة منهم نافعة وبعض المبتدعة نفوها ولم يثبتوا منها إلا الشفاعة الكبرى لفصل القضاء، وأما أهل السنة والجماعة فقالوا: الشفاعة شفاعتان: شفاعة منفية عن الكفار والمشركين من أي نوع كان وهي التي في قوله ـ تعالى ـ: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} وقوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وقوله ـ سبحانه ـ: {لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ}، وشفاعة مثبتة بشرطين الشرط الأول إذن الله للشافع أن يشفع والشرط الثاني: رضا الله عن المشفوع له قال ـ تعالى ـ: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ

(1/71)


ارْتَضَى} وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وجمع الشرطان في قوله ـ تعالى ـ: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} ولما نفى الله الملكية عن غيره ونفي الشركة ونفى العوين نفى الانتفاع بالشفاعة إلا من بعد إذنه قال ـ تعالى ـ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}. قال بعض العلماء: إن هذه الآية تقطع عروق الشرك من القلوب حيث دحضت مزاعم من طلب الشفاعة بغير هذين الشرطين أو زعم نفي الشفاعة مطلقاً فثبت أن المستحق للشفاعة هو من مات على التوحيد كما سئل النبي، - صلى الله عليه وسلم -، من أحق الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال لا إله إلا الله خالصاً بها قلبه» والشفاعة المثبتة على أقسام الشفاعة العظمى وهي شفاعة النبي، - صلى الله عليه وسلم -، لفصل القضاء وهي لا يستطيع من يدعي الإسلام إنكارها وشفاعة النبي، - صلى الله عليه وسلم -، في استفتاح الجنة لدخول المؤمنين وشفاعته في رفع درجاتهم، وشفاعته في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب

(1/72)


وشفاعته في أهل الكبائر من أمته أن يخرجوا من النار وشفاعته في قوم استوجبوا النار أن لا يدخلوها وشفاعة الملائكة والأنبياء والصالحين والأفراط وفي الصحيح من حديث أبي سعيد ـ - رضي الله عنه - ـ مرفوعاً قال: «فيقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط». * * *

 س65/ ما عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم؟

الجواب: عقيدة أهل السنة في القرآن الكريم أنه كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وأنه يتلى بحرف وصوت وأنه كلام الله حقيقة حروف ومعاني. * * *

 س66/ ما أبرز أحكام التلاوة؟

الجواب: أبرز أحكام التلاوة تقويم حروفه والتدبر في معانيه والتعبد بتلاوته وتلاوته حق التلاوة والعمل بمحكمه والإيمان بمتشابهه واستحباب تلاوته على طهارة واستقبال القبلة وصفاء الذهن حال التلاوة والابتعاد عن الأماكن القذرة حال التلاوة وترك التلاوة ممن عليه جنابة أو حيض أو نفاس والوقوف عند

(1/73)


رؤوس الآي والسجود عند قراءة سجدة وسؤال الله من فضله عند ذكر الوعد والاستعاذة به عند ذكر الوعيد. * * *

 س67/ ما حكم هجر القرآن الكريم؟

الجواب: المراد بهجر الشيء تركه والصدود عنه وهجر القرآن يشمل ترك تلاوته وترك العمل بأحكامه وترك الحكم به والتحاكم إليه وترك تقديره واحترامه وترك الاستشفاء به وعدم الانتفاع به، واللغو حالة سماعه، والإعراض عن استماعه وعدم محبته ووجود الحرج عند مخالفة المسلم شيئاً منه إما مخالفة في المعصية أو في البدعة ووجود الحرج عند سماع قوارعه وزواجره وعدم الميول في وعده وترغيبه ومن هجره كتابته على صفة تزيين الجدران وتزويق الحيطان به وجعله للمباهاة وتحسين مناظر المنازل والمجالس قال ـ تعالى ـ: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا} وقال ـ تعالى ـ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وقال ـ تعالى ـ: {المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} وقال ـ تعالى ـ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}. * * *

(1/74)


 س68/ هل يجوز التداوي بالقرآن الكريم؟

الجواب: والقرآن علاج لأمراض القلوب والأبدان بشرط صحة الإيمان والإخلاص والإقبال على الله حال الاستشفاء به قال ـ تعالى ـ: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} فالإيمان شرط للراقي والمرقي. قال ـ تعالى ـ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} ففيه اطمئنان القلوب وهو أكبر شفاء. قال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}. * * *

 س69/ هل التداوي بالقرآن الكريم من الطب الشعبي؟

الجواب: وليس التداوي بالقرآن من الطب الشعبي بل هو طب شرعي بنص القرآن والسنة لأن الطب الشعبي عبارة عما حصل بالتجربة وحسب الخبرة بل وفي الآونة الأخيرة ربما أطلقوا الطب الشعبي على الشعوذة وما كان محرماً والقرآن لا يصح أن يوصف بهذا الوصف لأنه كلام الله وأمر بالاستشفاء به واستشفى به رسوله، - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يوصف بهذا؟! * * *

(1/75)


 س70/ هل يجوز إهداء تلاوة القرآن إلى الميت؟

الجواب: قراءة القرآن أو شيء منه وإهداء ثوابه لحي أو ميت يصل إلى المهدى إليه عند كثير من العلماء وهو الراجح إن شاء الله كما يصل إليه ثواب الدعاء والصدقة والصوم والحج وسر ذلك أن الثواب ملك للعامل فإذا تبرع به وأهداه إلى أخيه المسلم أوصله الله إليه وأما إهداء ثواب القرآن أو بعضه لرسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فهذا لم يرد فيه شيء عنه عليه الصلاة والسلام ولا فعله الصحابة وكل فعل خير من المسلمين فلرسول الله مثل ثوابه أهداه العامل له أم لم يهده لقوله، - صلى الله عليه وسلم -: «من دل على هدى كان له مثل أجر من عمل به من غير أن ينقص من أجورهم شيء» وهذه الأمور يتحرى فيها الوارد، فلا ينبغي التساهل فيها. * * *

 س71/ ما حكم قراءة القرآن في المآتم والحفلات؟

الجواب: وأما قراءة القرآن في المآتم وإحياؤها فإنها لا تجوز لكون المآتم تجديداً للأحزان وإبقاء لذكر المصيبة ونعياً للميت وكل هذا منهي عنه، وقراءة القرآن لإحياء البدع لا تجوز ولربما ارتزق به القارئ فيجمع بين سوء النية وعدم موافقة العمل

(1/76)


للشرع ولو كان خيراً لسبقنا إليه صحابة رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، عند أفضل ميت وأفضل جنازة وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * *

(1/77)