فضل الإسلام
ترجمات المادة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- فضل الإسلام
- الإمام محمد بن عبد الوهاب
- باب وجوب الإسلام
- باب تفسير الإسلام
- باب قول الله تعالى " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه "
- باب وجوب الاستغناء بمتابعته ﷺ عن كل ما سواه
- باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام
- باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه
- باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر
- باب قول الله تعالى " يا أهل الكتب لم تحاجون في إبراهيم "
- باب قول الله تعالى " فأقم وجهك للدين حنيفا "
- باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء
- باب التحذير من البدع
فضل الإسلام
الإمام محمد بن عبد الوهاب
باب وجوب الإسلام
... وقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ([1]) (آل عمران:85) وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ([2]) (الأنعام: 153)
قال مجاهد: السبل: البدع والشبهات.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ﷺ قال: { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } ([3]) ، وفي لفظ: { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } ([4]).
وللبخاري عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ { كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى - قيل: ومن أبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى } ([5]).
وفي الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: { أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ مسلم بغير حق ليهريق دمه } ([6]) (رواه البخاري)، ويندرج فيها كل جاهلية مطلقة أو مقيدة، أي في شخص دون شخص، كتابية، أو وثنية، أو غيرهما من كل مخالف لما جاء به المرسلون.
وفي الصحيح عن حذيفة t قال: يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا فقد ضللتم ضلالا بعيدا.
وعن محمد بن وضح: كان يدخل المسجد فيقف على الحلق فيقول تذكرة وقال: أنبأنا ابن عيينة، عن مجالد عن الشعبي، عن مسروق، قال عبد الله- يعني ابن مسعود - ليس عام إلا والذي بعده أشر منه، لا أقول عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، لكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الإسلام وينثلم.
باب تفسير الإسلام
وقول الله تعالى: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾ ([7]) (آل عمران: 20) الآية.
وفي الصحيح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: { الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا } ([8]).
وفيه عن أبي هريرة t مرفوعا: { المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده } ([9]).
وعن بهز بن حكيـم عن أبيه عن جده، أنه سـأل رسـول الله ﷺ فقال: { أن تسلم قلبك لله، وأن تولي وجهك إلى الله، وأن تصلي الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة } ([10]) رواه أحمد.
وعن أبي قلابة عن عمرو بن عبسة عن رجل من أهل الشام عن أبيه { أنه سأل رسول الله ﷺ ما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله ويسلم المسلمون من لسانك ويدك، قال: أي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت } ([11]).
باب قول الله تعالى " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه "
وعن أبي هريرة t قال: قال: رسول الله ﷺ { تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الصيام فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال على ذلك فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب إنك السلام وأنا الإسلام فيقول: إنك على خير، بك اليوم آخذ وبك أعطي قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ([12]) } (آل عمران:85) رواه أحمد.
وفي الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ﷺ قال: { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } ([13]) (رواه أحمد).
باب وجوب الاستغناء بمتابعته ﷺ عن كل ما سواه
وقول الله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ ([14]) (النحل: 89)
روى النسائي وغيره عن النبي ﷺ أنه رأى في يد عمر بن الخطاب t ورقة من التوراة فقال: { لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي } ([15]) فقال عمر: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا.
باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام
وقوله تعالى: ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ ([16]) (الحج: 78).
عن الحارث الأشعري t عن رسول الله ﷺ قال: { آمركم بخمس، الله أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام قال: وإن صلى وصام فادعوا الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله } ([17]) رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح.
وفي الصحيح: { من فارق الجماعة شبرا فميتته جاهلية } ([18]) وفيه: { أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم } قال أبو العباس: كل ما يخرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد، أو جنس أو مذهب أو طريقة، فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري قال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار! قال ﷺ { أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ } وغضب لذلك غضبا شديدا. انتهى كلامه.
باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه
وقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ ([19]) (البقرة:208) وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ ([20]) (النساء 60) الآية. وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ ([21]) (آل عمران: 106). قال ابن عباس t تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدع والاختلاف.
عن عبد الله بن عمر t قال: قال رسول الله ﷺ : { ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمة علانية كان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين ملة } ([22]) وتمام الحديث قوله: { وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا ملة واحدة - قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي } ([23]) يا لها موعظة وافقت من القلوب حياة، رواه الترمذي ورواه أيضا من حديث معاوية عند أحمد وأبي داود وفيه: (إنه سيخرج من أمتي قوم تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله) وتقدم قوله: (ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية).
باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر
لقوله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ ([24]) (النساء:48) وقوله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ ([25]) (النحل: 25).
وفي الصحيح أنه ﷺ قال في الخوارج: { أينما لقيتموهم فاقتلوهم } ([26]).
وفيه أنه نهى عن قتل أمراء الجور ما صلوا.
عن جرير عن عبد الله أن رجلا تصدق بصدقة ثم تتابع الناس فقال رسول الله ﷺ : { من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء } ([27]) رواه مسلم.
وله من حديث أبي هريرة ولفظة: { من دعا إلى هدى - ثم قال - من دعا إلى ضلالة } ([28]).
باب ما جاء أن الله احتجر التوبة على صاحب البدعة
هذا مروي من حديث أنس من مراسيل الحسن.
وذكر ابن وضاح عن أيوب قال: كان عندنا رجل يرى رأيا فتركه فأتيت محمد بن سيرين فقلت: أشعرت أن فلانا ترك رأيه؟ قال: انظر إلى ماذا؟ إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله: { يمرقون من الإسلام؟ ثم لا يعودون إليه } ([29])، وسئل أحمد بن حنبل عن معنى ذلك فقال: لا يوفق للتوبة.
باب قول الله تعالى " يا أهل الكتب لم تحاجون في إبراهيم "
قول الله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ ([30]) (آل عمران: 65) إلى قوله: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ([31]) (آل عمران: 67) وقوله: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ([32]) (البقرة:130)، وفيه حديث الخوارج وتقدم وفيه أنه ﷺ قال: { آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما أوليائي المتقون } ([33])، وفيه أيضا عن أنس أن رسول الله ﷺ ذكر له أن بعض الصحابة قال: أما أنا فلا آكل اللحم، وقال آخر: أما أنا فأقوم ولا أنام وقال آخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر فقال ﷺ { لكنني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني } ([34])، فتأمل إذا كان بعض الصحابة أراد التبتل للعبادة قيل فيه هذا الكلام الغليظ وسمي فعله رغوبا عن السنة فما ظنك بغير هذا من البدع وما ظنك بغير الصحابة؟
باب قول الله تعالى " فأقم وجهك للدين حنيفا "
قول الله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ([35]) (الروم: 30)
وقوله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ([36]) (البقرة: 132) وقوله: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ([37]) (النحل:123)
وعن ابن مسعود t أن رسول الله ﷺ قال: { إن لكل نبي ولاة من النبيين وأنا وليي منهم أبي إبراهيم وخليل ربي } ([38]) ثم قرأ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ([39]) (آل عمران:68) رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ : { إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم } ([40]).
ولهما عن ابن مسعود قال: أن رسول الله ﷺ قال: { أنا فرطكم على الحوض وليرفعن إلي رجال من أمتي حتى إذا أهويت لأناولهم احجبوا دوني فأقول: أي رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك } ([41]).
ولهما عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: { وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني هم الذين لم يأتوا بعد، قالوا: فكيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك؟ قال: أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى قال: فإنهم يأتون غر محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال يوم القيامة عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقا سحقا } ([42]).
وللبخاري: { بينما أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ثم إذا زمرة - فذكر مثله - قال: فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم } ([43]).
ولهما مـن حديث ابن عباس -رضـي الله عنهما-: { فأقول كما قال العبد الصالح: ﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (المائدة 117)
ولهما عنه مرفوعا: { ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها } ([44]) ثم قرأ أبو هريرة: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ([45]) (الروم: 30) متفق عليه.
وعن حذيفة t قال: { كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير وأنا أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. فقلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم فتنة عمياء ودعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا قال: قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا - قلت: يا رسول الله ما تأمرني إن أدركت ذلك قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: وإن لم يكن جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك } ([46]) أخرجاه وزاد مسلم: { ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال معه نهر ونار فمن وقع في ناره وجب أجره قلت ثم ماذا؟ قال: هي قيام الساعة } ([47]) قال أبو العالية: تعلموا الإسلام فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام، ولا تتحركوا عن الصراط يمينا ولا شمالا، وعليكم بسنة نبيكم وإياكم وهذه الأهواء. انتهى.
تأمل كلام أبي العالية هذا ما أجله، وأعرف زمانه الذي يحذر فيه من الأهواء التي من اتبعها فقد رغب عن الإسلام، وتفسير الإسلام بالسنة، وخوفه على أعلام التابعين وعلمائهم من الخروج عن السنة والكتاب، يتبين لك معنى قوله تعالى: { øÎ) tA$s% ¼ã&s! ÿ¼çm/u öNÎ=óﷺ& ( } ([48]) (البقرة: 131) وقوله: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ([49]) (البقرة: 132) وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ([50]) (البقرة: 130) وأشباه هذه الأصول الكبار التي هي أصل الأصول والناس عنها في غفلة، وبمعرفته تبين معنى الأحاديث في هذا الباب وأمثالها، وأما الإنسان الذي يقرأها وأشباهها وهو مطمئن أنها لا تناله ويظنها في قوم كانوا أمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
وعن ابن مسعود t قال: { خط لنا رسول الله ﷺ خطا ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه وقرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ([51]) } (الأنعام: 153) رواه أحمد والنسائي.
باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء
وقول الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ ([52]) (هود: الآية 116)، وعن أبي هريرة مرفوعا: { بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء } ([53]) رواه مسلم ورواه أحمد من حديث ابن مسعود فيه: { من الغرباء؟ قال: النزاع من القبائل والذين يصلحون إذا فسد الناس } ([54]).
وللترمذي من حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده: { فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي } ([55]).
وعن أبي أمية قال: سألت أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ([56]) (المائدة: 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، { سألت رسول الله ﷺ فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحا مطاعا وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أياما الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم قلنا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم } ([57]) رواه أبو داود والترمذي.
وروى ابن وضاح معناه من حديث ابن عمر ولفظه: { إن من بعدكم أياما للصابر فيها المتمسك بدينه مثل ما أنتم عليه اليوم، له أجر خمسين منكم } ([58]) ثم قال: أنبأنا محمد بن سعيد، أنبأنا أسد، قال سفيان بن عيينة: عن البصري، عن سعيد أخي الحين يرفعه قال: { إنكم اليوم على بينة من ربكم، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتجاهدون في سبيل الله، ولم يظهر فيكم السكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب العيش، وستحولون عن ذلك، فالمتمسك يومئذ بالكتاب والسنة له أجر خمسين، قيل: منهم؟ قال: بل منكم } وله بإسناد عن المعافري قال: قال رسول الله ﷺ : { طوبى للغرباء، الذين يتمسكون بالكتاب حين يترك، ويعملون بالسنة حين تطفأ } ([59]).
باب التحذير من البدع
عن العرباض بن سارية قال: { وعظنا رسول الله ﷺ موعظة بليغة، قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: أوصيكم بتقوى الله ﷻ والسمع والطاعة، وإن أمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عيها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة } ([60]) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن حذيفة قال: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد فلا تعبدوها فإن الأول لم يدع للآخر مقالا، فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم، رواه أبو داود وقال الدارمي: أخبرنا الحكم بن المبارك، أنبأنا عمرو بن يحيى، قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج أبو عبد الرحمن؟ قلنا: لا، فجلس معنا، فلما خرج قال: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن غشت فستراه قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، فيقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا، أنتظر أمرك قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟ ثم مضى حتى أتى حلقة، فقال: ما هذا؟ قالوا له: حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويْحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم رسول الله ﷺ متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير قال: وكم من مريد للخير لم يصبه، إن رسول الله ﷺ حدثنا أن قوما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله لعل أكثرهم إلا منكم فقال: عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج.
([1]) سورة آل عمران آية: 85.
([2]) سورة الأنعام آية: 153.
([3]) البخاري الصلح (2550) ، مسلم الأقضية (1718) ، أبو داود السنة (4606) ، ابن ماجه المقدمة (14) ، أحمد (6/256).
([4]) البخاري الصلح (2550) ، مسلم الأقضية (1718) ، أبو داود السنة (4606) ، ابن ماجه المقدمة (14) ، أحمد (6/256).
([5]) البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (6851) ، مسلم الإمارة (1835) ، أحمد (2/361).
([6]) البخاري الديات (6488).
([7]) سورة آل عمران آية: 20.
([8]) مسلم الإيمان (8) ، الترمذي الإيمان (2610) ، النسائي الإيمان وشرائعه (4990) ، أبو داود السنة (4695) ، ابن ماجه المقدمة (63) ، أحمد (1/52).
([9]) الترمذي الإيمان (2627) ، النسائي الإيمان وشرائعه (4995) ، أحمد (2/379).
([10]) النسائي الزكاة (2436) ، أحمد (5/3).
([11]) أحمد (4/114).
([12]) سورة آل عمران آية: 85.
([13]) البخاري الصلح (2550) ، مسلم الأقضية (1718) ، أبو داود السنة (4606) ، ابن ماجه المقدمة (14) ، أحمد (6/256).
([14]) سورة النحل آية: 89.
([15]) أحمد (3/387) ، الدارمي المقدمة (435).
([16]) سورة الحج آية: 78.
([17]) الترمذي الأمثال (2863) ، أحمد (4/130).
([18]) البخاري الفتن (6646) ، مسلم الإمارة (1849) ، أحمد (1/297) ، الدارمي السير (2519).
([19]) سورة البقرة آية: 208.
([20]) سورة النساء آية: 60.
([21]) سورة آل عمران آية: 106.
([22]) الترمذي الإيمان (2641).
([23]) الترمذي الإيمان (2641).
([24]) سورة النساء آية: 48.
([25]) سورة النحل آية: 25.
([26]) البخاري المناقب (3415) ، مسلم الزكاة (1066) ، النسائي تحريم الدم (4102) ، أبو داود السنة (4767) ، أحمد (1/131).
([27]) مسلم الزكاة (1017) ، الترمذي العلم (2675) ، النسائي الزكاة (2554) ، ابن ماجه المقدمة (203) ، أحمد (4/359) ، الدارمي المقدمة (514).
([28]) مسلم العلم (2674) ، الترمذي العلم (2674) ، أبو داود السنة (4609) ، أحمد (2/397) ، الدارمي المقدمة (513).
([29]) البخاري التوحيد (6995) ، مسلم الزكاة (1064) ، النسائي الزكاة (2578) ، أبو داود السنة (4764) ، أحمد (3/68).
([30]) سورة آل عمران آية: 65.
([31]) سورة آل عمران آية: 67.
([32]) سورة البقرة آية: 130.
([33]) البخاري الأدب (5644) ، مسلم الإيمان (215) ، أحمد (4/203).
([34]) البخاري النكاح (4776) ، مسلم النكاح (1401) ، النسائي النكاح (3217) ، أحمد (3/285).
([35]) سورة الروم آية: 30.
([36]) سورة البقرة آية: 132.
([37]) سورة النحل آية: 123.
([38]) الترمذي تفسير القرآن (2995) ، أحمد (1/430).
([39]) سورة آل عمران آية: 68.
([40]) مسلم البر والصلة والآداب (2564).
([41]) البخاري الفتن (6642) ، مسلم الفضائل (2297) ، ابن ماجه المناسك (3057) ، أحمد (5/393).
([42]) البخاري المساقاة (2238) ، مسلم الطهارة (249) ، النسائي الطهارة (150) ، أبو داود الجنائز (3237) ، ابن ماجه الزهد (4306) ، أحمد (2/300) ، مالك الطهارة (60).
([43]) البخاري الرقاق (6215).
([44]) البخاري الجنائز (1292) ، مسلم القدر (2658) ، الترمذي القدر (2138) ، أبو داود السنة (4714) ، أحمد (2/315) ، مالك الجنائز (569).
([45]) سورة الروم آية: 30.
([46]) البخاري المناقب (3411) ، مسلم الإمارة (1847) ، أبو داود الفتن والملاحم (4244) ، ابن ماجه الفتن (3979) ، أحمد (5/387).
([47]) البخاري المناقب (3411) ، مسلم الإمارة (1847) ، أبو داود الفتن والملاحم (4244) ، ابن ماجه الفتن (3979) ، أحمد (5/404).
([48]) سورة البقرة آية: 131.
([49]) سورة البقرة آية: 132.
([50]) سورة البقرة آية: 130.
([51]) سورة الأنعام آية: 153.
([52]) سورة هود آية: 116.
([53]) مسلم الإيمان (145) ، ابن ماجه الفتن (3986) ، أحمد (2/389).
([54]) أحمد (4/74).
([55]) الترمذي الإيمان (2630).
([56]) سورة المائدة آية: 105.
([57]) الترمذي تفسير القرآن (3058) ، ابن ماجه الفتن (4014).
([58]) الترمذي تفسير القرآن (3058) ، ابن ماجه الفتن (4014).
([59]) أحمد (2/222).
([60]) الترمذي العلم (2676) ، أبو داود السنة (4607) ، ابن ماجه المقدمة (44) ، أحمد (4/126) ، الدارمي المقدمة (95).