أفضل أيام الدنيا: عشر ذي الحجة، وما يشرع فيها من الأعمال الصالحة
التصنيفات
الوصف المفصل
أفضل أيام الدنيا: عشر ذي الحجة، وما يشرع فيها من الأعمال الصالحة
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا عند اللَّه ﷻ، وقد شرع اللَّه فيها أعمالاً عظيمة، ترفع بها منازل العبد عند اللَّه تبارك وتعالى، وبيان ذلك على النحو الآتي:
أولاً: أفضل أيام الدنيا عشر ذي الحجة: لحديث جابر t ، أن رسول اللَّه ﷺ قال: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر» – يعني عشر ذي الحجة – قيل: ولا مثلهنَّ في سبيل اللَّه؟ قال: «ولا مثلهن في سبيل اللَّه إلا رجلٌ عَفَّر وجهه في التراب»، وذكر عرفة، فقال: «يوم مباهاةٍ ينزل اللَّه تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، فيقول: «عبادي شُعثاً غُبراً ضاحين [بارزين للشمس] جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، ويستعيذون من عذابي، ولم يروا يوماً أكثر عتيقاً وعتيقة من النار» هذا لفظ البزار، ولفظ أبي يعلى: «ما من أيام أفضل عند اللَّه من عشر ذي الحجة» فقال رجل يا رسول اللَّه! هي أفضل أم عدتهنّ جهاداً في سبيل اللَّه؟ فقال: «هي أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل اللَّه إلا عفيراً يعفِّر وجهه في التراب، [مَرَّغَهُ فيه، أو دسَّهُ وضَرَبَ به الأرضَ] وما من يوم أفضل عند اللَّه من يوم عرفة، ينزل اللَّه إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا عبادي شعثاً غبراً ضاحين، جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، لم يروا رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم أر يوماً أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة» [البزار، برقم 1128، وابن حبان، برقم 3842، وغيرهما، وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/32].
ثانياً: عشر ذي الحجة: هي الأيام التي أقسم اللَّه تعالى بها في كتابه بقوله: ] وَالْفَجْر* وَلَيَالٍ عَشْر[ [الفجر:1- 2]، وهي عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وابن كثير، وابن القيم، وغير واحد من السلف والخلف.
ثالثاً: وهي الأيام التي يكون العمل فيها أفضل من الجهاد في سبيل اللَّه تعالى؛ لحديث ابن عباس ب، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللَّه من هذه الأيام العشر»، قالوا: يا رسول اللَّه! ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه ﷺ: «ولا الجهاد في سبيل اللَّه، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» [البخاري، برقم 969، والترمذي، برقم 757 واللفظ له].
رابعاً: وهي أيام عظيمة عند اللَّه، والأعمال فيها أحب إليه فيهن؛ لحديث عبداللَّه بن عمر ب عن النبي ﷺ قال: «ما من أيام أعظم عند اللَّه ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن: من التهليل، والتكبير، والتحميد». [أحمد، برقم 5446، 6154، وصححه أحمد شاكر، 7/44].
خامساً: وهي أيامٌ أفضل من أيام عشر رمضان الأخيرة؛ فإن الإمام ابن القيم : قال في [زاد المعاد، 1/57]: «...ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان؛ وبهذا يزول الاشتباه، ويدلُّ عليه أن ليالي العشر من رمضان إنما فُضِّلت باعتبار ليلة القدر، وهي من الليالي، وعشر ذي الحجة فُضِّل باعتبار أيامه؛ إذ فيه: يوم النحر، ويوم عرفة، ويوم التروية».
سادساً: هي الأيام التي فيهن يومان هما أفضل أيام العام: يوم النحر، ويوم عرفة؛ لحديث عبد اللَّه بن قُرْطٍ الثمالي t عن النبي ﷺ قال: «إن أعظم الأيام عند اللَّه تعالى: يوم النحر، ثم يوم القرِّ» [أبو داود، برقم 1765، وأحمد، 4/350، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/494].
ويوم القرِّ هو حادي عشر ذي الحجة؛ لأن الناس يقرُّون فيه بمنى؛ لأنهم قد فرغوا في الغالب: من طواف الإفاضة، والنحر، واستراحوا وقرُّوا.
وأما يوم عرفة؛ فلحديث عائشة ل قالت: إن رسول اللَّه ﷺ قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق اللَّه فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟» [مسلم، برقم 1348].
وقال النبيّ ﷺ: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة...» [الترمذي، برقم 3585، ومالك في الموطأ، برقم 215، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/184]، وقال ﷺ: «صيام يوم عرفة أحتسب على اللَّه أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده...». [مسلم، برقم 1162].
وهذا لغير الحاجّ، أما الحاجّ فالسُّنة في حقّه الإفطار ليتقوَّى على الدعاء والذكر اقتداء برسول اللَّه ﷺ؛ فإنه كان مفطراً يوم عرفة. وأما قول النبي ﷺ في يوم الجمعة: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة...» [مسلم، برقم 854]، فقال الإمام ابن القيم : في [زاد المعاد، 1/60]: «والصواب أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر، وليلة الجمعة...» أي: ليلة القدر أفضل ليالي السنة، وليلة الجمعة أفضل ليالي الأسبوع، وصوَّب ابن القيم : أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر؛ لأن الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شيء يقاومه، قال اللَّه تعالى: ] وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحـَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الـْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ[ [التوبة، الآية: 3].
وثبت في الصحيحين: أن أبا بكر وعلياً أذَّنا بذلك يوم النحر، لا يوم عرفة، فعن أبي هريرة t قال: «بعثني أبو بكرٍ في تلك الحَجَّة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان... ثم أردف رسول اللَّه ﷺ علياً، فأمره أن يؤذن بـ«براءة»، قال أبو هريرة: فأذن معنا علي في أهل منىً يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» [البخاري، برقم 369، ورقم 1622، ومسلم، برقم 1347]، وثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «يوم الحج الأكبر يوم النحر» [أبو داود، برقم 945، وصحح إسناده ابن القيم في زاد المعاد، 1/55، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 6/ 192].
قال ابن القيم : في [زاد المعاد، 1/55]: «ويوم عرفة: مقدمة ليوم النحر بين يديه؛ فإن فيه يكون الوقوف، والتضرُّع، والتوبة، والابتهال، والاستقالة، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة؛ ولهذا سُمِّي طوافه طواف الزيارة؛ لأنهم قد طُهِّروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أَذِنَ لهم ربهم يوم النحر في زيارته، والدخول عليه إلى بيته».
سابعاً: فضائل الأعمال في عشر ذي الحجة أنواع:
النوع الأول: أداء الحج والعمرة في هذه الأيام من أفضل الأعمال؛ لقول النبي ﷺ: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». وفي لفظ مسلم: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، ولفظ مسلم يشمل الحج والعمرة ولله الحمد. وقال عليه الصلاة والسلام: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» [البخاري، برقم 1723، ومسلم، برقم 3357]، والمبرور هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولم يخالطه إثم، ولم يعقبه معصية، وهو المقبول، ومن علامات القبول أن يرجع العبد خيراً مما كان، ولا يعاود المعاصي.
النوع الثاني: صيام الأيام التسعة، أو ما تيسر منها؛ لقول النبي ﷺ: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى اللَّه من هذه الأيام العشر» والصيام من أعظم الأعمال الصالحة، وقد حث النبي ﷺ عليه، ورغَّب فيه، ومن ذلك قوله ﷺ: «ما من عبدٍ يصومُ يوماً في سبيل اللَّه إلا باعَدَ اللَّه بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً» [البخاري، برقم 2840، ومسلم، برقم 1153]، وروى النسائي مرفوعاً عن بعض أزواج النبي ﷺ أن رسول اللَّه ﷺ: «كان يصوم تسعاً من ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر: أوَّل اثنين من كل شهر، وخميسين » [النسائي، برقم 2372، ورقم 2417، قال الشيخ العلامة ابن باز :: «ظاهر هذا الإسناد أنه لا بأس به»، وصححه الألباني في صحيح النسائي، برقم 2371، ورواه أبو داود، برقم 2437، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 2437]، وصوم يوم عرفة لغير الحاج «يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده» [مسلم، برقم ( 1162)].
النوع الثالث: التوبة والإقلاع عن جميع المعاصي؛ لأن التوبة من أعظم الأعمال الصالحة.
النوع الرابع: إذا دخل عشر ذي الحجة أمسك من أراد أن يضحي عن شعره، وبشرته؛ لحديث أم سلمة ل عن النبي ﷺ أنه قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحّي فليمسك عن شعره وأظفاره». وفي لفظ: «... فلا يأخذنّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحّي» [مسلم، برقم 1977].
النوع الخامس: كثرة الأعمال الصالحة، من نوافل العبادات: كالصلاة والصدقة، والقراءة للقرآن الكريم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الجيران، وصلة الأرحام، وغير ذلك من الأعمال الصالحة.
النوع السادس: الحرص على أداء صلاة العيد لغير الحاجّ، والتبكير إليها، واستماع الخطبة؛ فإنها من أعظم شعائر الإسلام؛ ولعظم شأنها أُمِرَ بها النساء حتى الأبكار، فعن أمِّ عطية ل قالت: «كُنَّا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيّض فيكنّ خلف الناس، فيكبِّرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، ويرجون بركة ذلك اليوم وطهرته»، وفي لفظ: «وأمر الحيّض أن يعتزلن مصلّى المسلمين» [البخاري، برقم 971، 980، ومسلم، برقم 890].
النوع السابع: تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى اللَّه ولده بذبح عظيم: ]وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم [ [الصافات: 107]. وقد ثبت أن النبي ﷺ «ضحّى بكبشين أملحين، أقرنين، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر ووضع رجله على صفاحهما» [البخاري، برقم 5553، ومسلم، برقم 1966]، وقد قال اللَّه تعالى: ]فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر [ [الكوثر: 2].
النوع الثامن: نحر الهدايا يوم النحر وأيام التشريق، وهي واجبة على المتمتع والقارن.
النوع التاسع: التكبير، والتهليل، والذكر في هذه الأيام العشر وأيام التشريق. والتكبير قسمان على النحو الآتي:
القسم الأول: التكبير المطلق، وهو الذي لا يتقيد بأدبار الصلوات، بل يشرع في كل وقت: وهو في عيد الفطر، وعيد الأضحى، والذي ينبغي معرفته عن التكبير المطلق في العيدين: وقته، وصفته، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: وقت التكبير المطلق في عيد الفطر ،وعيد الأضحى على النحو الآتي:
1 - يبتدئ التكبير المطلق في عيد الفطر من غروب الشمس آخر يوم من رمضان: إما بإكمال ثلاثين يوماً، وإما برؤية هلال شوال، فإذا غربت شمس آخر يوم من رمضان شُرِعَ التكبير المطلق، لقول اللَّه تعالى: ]وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[ [البقرة: 185]، ويستمرّ في التكبير من غروب الشمس إلى أن يفرغ الإمام من الخطبة، فقد جاء عن النبي ﷺ أنه كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي صلاته، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير، [ابن أبي شيبة، برقم 5621، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 170].
2 - يبتدئ التكبير المطلق في عيد الأضحى من أول عشر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق: في جميع الأوقات، في الليل، والنهار، والطريق، والأسواق، والمساجد، والمنازل، وفي كل موضع يجوز فيه ذكر اللَّه تعالى؛ لقول اللَّه تعالى: ] لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ[ [الحج: 28]، وقول اللَّه ﷻ:]وَاذْكُرُواْ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ [، [البقرة: 203]، قال ابن عباس ب: ] وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ [ : أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق» [البخاري، برقم 969 بصيغة الجزم، وصححه النووي والبيهقي في شرح المذهب،8/382].
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس ب قال: «الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة، والمعدودات أيام التشريق» [فتح الباري،2/458، وعزاه إلى ابن مردويه، وصحح إسناده]؛ولحديث عبد اللَّه بن عمر ب عن النبي ﷺ قال: «ما من أيام أعظم عند اللَّه ولا أحب إليه من العمل فيهن، من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن: من التهليل، والتكبير، والتحميد» [أخرجه أحمد، برقم 5446، ورقم 6154، وصححه أحمد شاكر في شرحه للمسند، 7/224]؛ ولحديث ابن عباس ب، قال: قال رسول اللَّه ﷺ:«ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللَّه من هذه الأيام العشر» فقالوا: يا رسول اللَّه، ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه ﷺ: «ولا الجهاد في سبيل اللَّه إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء». [البخاري، برقم 969، واللفظ للترمذي، برقم 757].
وقال الإمام البخاري :: «وكان ابن عمر، وأبو هريرة ب يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، ويكبر محمد بن علي خلف النافلة» [البخاري، برقم 969 معلقاً. وقال الحافظ في الفتح، 2/458 في أثر محمد بن علي: ((وقد وصله الدارقطني»].
وقال الإمام البخاري :: «وكان عمر t يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتجّ منى تكبيراً.
وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فُسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعاً.
وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكنَّ النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد» [البخاري، قبل الحديث رقم 970].
وعن أم عطية ل قالت: كنا نؤمر أن نَخرج يوم العيد حتى نُخرج البكر من خدرها، حتى نُخرج الحيّض، فيكنّ خلف الناس فيُكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته» [البخاري، برقم 971]؛ ولحديث نبيشة الهذلي قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «أيام التشريق أيام أكل وشرب [وذكر لله]». [مسلم، برقم 1141] .
قال شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز :: «أما التكبير في الأضحى فمشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة» [مجموع فتاوى ابن باز، 13/18].
ثانياً: صفة التكبير جاء في آثارٍ عن أصحاب النبي ﷺ على أنواع على النحو الآتي:
النوع الأول: كان عبد اللَّه بن مسعود t يقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ولله الحمد» [ابن أبي شيبة، 2/168، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل، 3/125]، قال الإمام ابن قدامة : [المغني، 3/290]: «وهذا قول: عمر، وعلي، وابن مسعود، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وابن المبارك إلا أنه زاد: على ما هدانا، لقوله: ]وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ[» [المغني لابن قدامة، 3/290].
النوع الثاني: وكان ابن عباس ب يقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ولله الحمد، اللَّه أكبر وأجل، اللَّه أكبر على ما هدانا» [البيهقي في السنن الكبرى،3/315، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 3/125].
النوع الثالث: وكان سلمان t يقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً». [ذكره ابن حجر في فتح الباري،2/462] فقال: ((وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه: ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان، قال: كبروا اللَّه: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً))، [وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 3/316]، ولكنه بلفظ: ((كبروا: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً)).
النوع الرابع: وكان عبد اللَّه بن مسعود t يقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر ولله الحمد». [ابن أبي شيبة، 2/165].
قال الإمام الصنعاني : [سبل السلام، 3/247]: «وفي الشرح صفات كثيرة عن عدة من الأئمة وهو يدل على التوسعة في الأمر؛ وإطلاق الآية يقتضي ذلك» واللَّه ﷻ أعلم.
القسم الثاني: التكبير المقيَّد: وهو الذي يُقيَّد بأدبار الصلوات في عيد الأضحى خاصة، ووقته، وصفته على النحو الآتي:
أولاً: يبتدئ التكبير المقيَّد من عقب صلاة الفجر يوم عرفة، وينتهي بعد صلاة العصر في اليوم الثالث من أيام التشريق؛ لما ورد عن علي بن أبي طالب الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين y: «أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، ويكبر بعد العصر» [ابن أبي شيبة،2/165، والحاكم وصححه،299، والبيهقي،3/314،وصححه النووي في المجموع 5/35، وصححه الألباني عن علي في إرواء الغليل،3/125]؛ ولما ورد عن عمر الخليفة الراشد t: «أنه كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق» [ابن أبي شيبة، 2/166، والبيهقي في السنن الكبرى، 3/314، وصححه الحاكم، 1/299، والنووي في المجموع، 3/35، والألباني في إرواء الغليل، 3/125]؛ ولما ورد عن ابن عباس ب «أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب» [ابن أبي شيبة، 2/167، والبيهقي، 3/314، والحاكم وصححه، 1/299، وصححه النووي في المجموع، 3/35، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل، 3/125]، ولما ورد عن ابن مسعود t أنه كان:«يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق» [الحاكم وصححه،1/299-300، واللفظ له، وصححه النووي في المجموع،5/35، وابن أبي شيبة، 2/166 ] بلفظ: «... إلى صلاة العصر من يوم النحر» ، وفي الباب آثار كثيرة عن بعض أصحاب النبي ﷺ، واللَّه أعلم([1]). قال الحاكم ::«فأما من فِعْلِ عمر ،وعلي، وعبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن مسعود، فصحَّ عنهم التكبير، من غداة عرفة، إلى آخر أيام التشريق» [مستدرك الحاكم، 1/299]، وقال الحافظ ابن حجر : في [فتح الباري، 2/462]: «وأصح ما ورد فيه عن الصحابة: قول علي، وابن مسعود، إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى. أخرجه ابن المنذر وغيره، واللَّه أعلم».وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : في [مجموع الفتاوى، 24/220]: «أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة. ويشرع لكل أحد أن يكبر عند الخروج إلى العيد وهذا باتفاق الأئمة الأربعة».
وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز :، في [مجموع الفتاوى، 13/18-19]: «وروي عن النبي ﷺ وعن جماعة من الصحابة y: التكبير في أدبار الصلوات الخمس من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهذا في حق غير الحاج، أما الحاج فيشتغل في حال إحرامه بالتلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، وبعد ذلك يشتغل بالتكبير عند أول حصاة من الجمرة المذكورة، وإن كبر مع التلبية فلا بأس، لقول أنس t: «كان يُلبِّي الملبي فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه» [البخاري، برقم 970]، ولكن الأفضل في حق المحرم هو التلبية وفي حق الحلال هو التكبير في الأيام المذكورة، وبهذا تعلم أن التكبير المطلق والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام، وهي: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة، وأما اليوم الثامن وما قبله إلى أول الشهر فالتكبير فيه مطلق لا مقيد، لما تقدم من الآية والآثار».
وقال الإمام ابن قدامة : في [المغني، 3/289]: «وأما المحرمون فإنهم يكبرون من صلاة الظهر يوم النحر... لأنهم كانوا مشغولين قبل ذلك بالتلبية وغيرهم يبتدئ من يوم عرفة لعدم المانع».
ثانياً: صفة التكبير المقيّد: هو مثل التكبير المطلق: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر اللَّه أكبر ولله الحمد»([2])،وهو قول الخليفتين الراشدين: عمر بن الخطاب، وعلي، وقول ابن مسعود y، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق رحمهم اللَّه تعالى([3]).
واللَّه أسأل أن يوفّق جميع المسلمين للعمل بهذه الأعمال الصالحة العظيمة في هذه الأيام المباركة التي هي أعظم أيام الدنيا.
وصلى اللَّه وسلم، وبارك على عبده، ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه؛ نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر في يوم الخميس 29/ 11/ 1437هـ.
([1]) قال الإمام النووي :: « وقول إنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الراجح عند جماعة من أصحابنا وعليه العمل في الأمصار». شرح النووي على صحيح مسلم، 6/430.
([2]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وصفة التكبير المنقول عن أكثر الصحابة: قد روي مرفوعاً إلى النبي ﷺ: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ولله الحمد» وإن قال اللَّه أكبر ثلاثاً جاز، ومن الفقهاء من يكبر ثلاثاً فقط، ومنهم من يكبر ثلاثاً ويقول: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»، مجموع فتاوى ابن تيمية، 24/220 .
([3]) انظر: المغني لابن قدامة،3/290،والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 5/380، وتقدمت أقوال الأئمة في أنواع التكبير في التكبير المطلق.