عطر المجالس: دروس قصيرة فيما لا ينبغي للمسلم جهله
ترجمات المادة
التصنيفات
الوصف المفصل
- مقدِّمةٌ
- مدخلٌ
- الإيمانُ باللهِ تعالَى
- أعظَمُ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به
- الشِّركُ الأصغَرُ
- الإيمانُ بالملائكةِ
- الإيمانُ بالكتُبِ
- الإيمانُ بالرُّسلِ
- الإيمانُ باليومِ الآخِرِ
- علاماتُ الساعةِ (1)
- علاماتُ الساعةِ (2)
- الإيمانُ بالقَدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ
- ثَمَراتُ الإيمانِ بالقَدَرِ
- الشهادَتانِ - شهادةُ: أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ
- الشهادَتانِ - شَهادةُ: أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ ﷺ
- البِدعةُ فِي الدِّينِ
- الصَّلاةُ
- الطَّهارةُ
- صِفةُ الوُضوءِ
- أخْطاءٌ فِي الوُضُوءِ
- المسحُ علَى الخُفَّينِ والجَوْرَبَينِ ونَحوِهِما
- نواقِضُ الوُضوءِ
- موجِباتُ الغُسلِ
- صفةُ الغُسلِ منَ الجَنابةِ
- التَّيَمُّمُ
- طَهارةُ المرأةِ
- شُروطُ الصَّلاةِ (1)
- شُروطُ الصلاةِ (2)
- أرْكانُ الصلاةِ
- حُكمُ مَن ترَكَ أو نَسيَ رُكنًا من أرْكانِ الصلاةِ
- واجباتُ الصلاةِ
- آدابُ المَشيِ إلى الصلاةِ
- صفةُ الصلاةِ
- من أخْطاءِ المُصلِّينَ (1)
- من أخْطاءِ المُصلِّينَ (2)
- من أخْطاءِ المُصلِّينَ (3)
- من أخْطاءِ المُصلِّينَ (4)
- من أخْطاءِ المُصلِّينَ (5)
- أحْكامُ سُجودِ السهوِ (1)
- أحْكامُ سجودِ السهوِ (2)
- أحْكامُ سجودِ السهوِ (3)
- أحْكامُ صَلاةِ أهْلِ الأعْذارِ
- يومُ الجمُعةِ أحْكامٌ وآدابٌ
- أحْكامُ صلاةِ العيدَينِ
- أحْكامُ الجنائزِ (1)
- أحْكامُ الجنائزِ (2)
- أحْكامُ الجَنائزِ (3)
- أحْكامُ الزكاةِ (1)
- أحْكامُ الزكاةِ (2)
- أحْكامُ الصيامِ (1)
- أحْكامُ الصيامِ (2)
- أحْكامُ زكاةِ الفِطرِ
- أحْكامُ الحجِّ
- النصيحةُ
- الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ
- الأخْلاقُ فِي الإسْلامِ (1)
- الأخْلاقُ فِي الإسْلامِ (2)
- الأخْلاقُ فِي الإسْلامِ (3)
- من أحْكامِ المُعاملاتِ الماليَّةِ
- من أحْكامِ طَعامِ المُسلِمِ
- آدابُ الطعامِ
- أحْكامُ لِباسِ المُسلِمِ والمُسلِمةِ (1)
- أحْكامُ لباسِ المُسلِمِ والمُسلِمةِ (2)
- أمَّا بعدُ..
- المَراجِعُ
- الفهرسُ
عطرُ المجالسِ
دروسٌ قصيرةٌ
فيمَا لا يَنبَغي للمُسلمِ جهلُه
جمعُ وإعدادُ
تركي بن إبراهيم الخنيزان
مقدِّمةٌ
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والصلاةُ والسلامُ علَى النبيِّ الأمينِ محمدٍ وآلِهِ وصَحبِهِ أجمعينَ.. أمَّا بعدُ:
يقولُ اللهُ تبارَكَ وتعالَى: )قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ[ [الزمر: 9]، ويقولُ النبيُّ ﷺ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» [متفق عليه]، قالَ أهلُ العلمِ: مفهومُ الحديثِ: مَنْ لمْ يُرِدِ اللهُ به خيرًا لمْ يُفقّهْهُ فِي الدِّينِ.
والعلمُ الشرعيُّ منْ حيثُ وجوبُ تعلُّمِهِ ينقَسِمُ إلى قِسمَينِ:
القسمُ الأولُ: مَا يجِبُ علَى كلِّ مُسلمٍ تعلُّمُه، وهو مَا يُصَحِّحُ به المرءُ عقيدتَه وعبادتَه والمعاملاتِ الَّتي يُقدِمُ عليها؛ لقولِ النبيِّ ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» [متفق عليه]، أيْ: مَن عبَدَ اللهَ بعبادةٍ ليسَتْ علَى وَفقِ مَا شرَعَ اللهُ تعالَى ورسولُهُ ﷺ؛ فعمَلُه مَردودٌ عليهِ غيرُ مَقبولٍ عندَ اللهِ تعالَى.
القسمُ الثانِي: مَا زادَ عنِ العلمِ الواجبِ، وهوَ فرضُ كِفايةٍ، إذَا قامَ بتعلُّمِهِ مَنْ يَكفِي منَ الأُمَّةِ سقَطَ الإثمُ عنِ الباقينَ.
وقدِ اجتهدْتُ فِي هذَا الكتابِ فِي جمعِ مَا لا ينبَغِي لعمومِ المُسلمينَ جهلُه فِي العقيدةِ والأحكامِ والأخلاقِ والمعاملاتِ([1])، وحرَصْتُ أنْ يكونَ بأسلوبٍ سهلٍ، ولغةٍ ميسَّرةٍ؛ ليفهَمَهُ عمومُ الناسِ، ثمَّ قمْتُ بتَقسيمِه علَى لقاءاتٍ ومجالسَ قصيرةٍ يسهُلُ تعلُّمُها وتعليمُها.
والمرجوُّ أنْ يكونَ هذَا الكتابُ مُفيدًا لفئاتٍ منَ المسلمينَ:
فالأُسرةُ المُسلمةُ يُمكنُها أنْ تجعَلَ لهَا لقاءً دَوْريًّا يُقرأُ فيهِ هذَا الكتابُ وغيرُهُ منَ الكتبِ المُفيدةِ.
وإمامُ المسجِدِ يُمكنُه أنْ يُلقيَهُ علَى جماعةِ مَسجدِهِ بعدَ الصلواتِ.
والداعيةُ إلَى اللهِ يُمكِنُهُ أنْ يجعَلَهُ فِي كلماتٍ ودروسٍ يُذكِّرُ بها ويُرشِدُ.
والمعلِّمُ فِي مدرستِهِ يَنتَقي منهُ مَا يُناسِبُ طلَّابَهُ؛ ليُفقِّهَهمْ فِي أمرِ دِينِهمْ.
والقنواتُ الفضائيَّةُ والإذاعاتُ الصوتيَّةُ يُمكنُهم تحويلُ مادَّتِهِ لحَلَقاتٍ مَرئيَّةٍ ومَسموعةٍ.
والفردُ مسلمًا كانَ أو مسلمةً يُمكنُه الاستفادةُ منهُ بالقراءةِ الفرديَّةِ، أو بالتشارُكِ معَ أقاربِهِ وزملائِهِ.
وغيرُ ذلكَ من أوجُهِ الاستفادةِ منْ هذَا الكتابِ الَّذي أرْجُو منَ اللهِ أنْ يكونَ مبارَكًا علَى قارئِهِ، وسامعِهِ، وكاتبِهِ.
وقدْ جمعْتُ مادةَ هذَا الكتابِ منْ كتبِ أهلِ العلمِ والفضلِ، ومنْ فَتاوَى كبارِ العلماءِ([2])، وأعدْتُ صياغتَهَا وترتيبَهَا، وهو جُهدٌ بشَريٌّ يَعْتريهِ النقصُ والخطأُ، ويفتقِرُ إلى تسديدِ اللهِ أولًا، ثمَّ تَسديدِ مَن يطَّلِعُ عليهِ.
كما أحمدُ اللهَ تعالى أنْ يسَّرَ تَرجَمةَ الكِتابِ لعِدَّةِ لُغاتٍ، وهي -حتى تاريخ هذه الطبعة- (الإنجليزية، الفرنسية، الأسبانية، الأوردية، الإندونيسية، البنغالية، البرتغالية) وهي منشورةٌ في موقع (دار الإسلام islamhouse.com )([3]).
أسألُ اللهَ أنْ يجعَلَ هذا العملَ خالِصًا لوجهِهِ مُتقبَّلًا نافعًا، وأنْ يغفِرَ مَا فيهِ منْ خطأٍ أو نقصٍ، كمَا أسألُهُ سبحانَهُ أنْ يَجزيَ كلَّ مَن أعانَنِي علَى هذَا العملِ وسدَّدَنِي خيرًا، واللهُ أعلَمُ.
مدخلٌ
سنتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدروسِ القادمةِ عن سلسلةٍ منَ المواضيعِ الَّتي تَهُمُّ كلَّ مسلمٍ، فِي إيمانِه وعباداتِه ومعاملاتِه، نسألُ اللهَ تعالَى أنْ ينفَعَنا بها.
ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن أمرٍ جعلَهُ اللهُ شرطًا لقَبولِ العملِ ودخولِ الجنَّةِ، ألَا وهو الإيمانُ، كمَا قالَ تعالَى: }وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا{ [الإسراء: 19].
والإيمانُ هوَ: قولٌ باللسانِ، واعتقادٌ بالقلبِ، وعملٌ بالجوارحِ (وهيَ الأعضاءُ)، والإيمانُ يَزيدُ بالطاعةِ ويَنقُصُ بالمَعصيةِ([4])، نسألُ اللهَ العظيمَ أنْ يَزيدَنا إيمانًا، وأنْ يُجدِّدَه فِي قلوبِنا.
وقدْ بيَّنَ النبيُّ ﷺ أركانَ الإيمانِ فِي حديثِ جِبريلَ u، حيثُ قالَ: أخبِرْني عنِ الإيمانِ، قالَ ﷺ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» [رواه مسلم].
وإذا تبيَّنَ هذَا، فإليكَ بعضًا من ثمَراتِ الإيمانِ وآثارِه الطيِّبةِ، الَّتي بقَدْرِ كمالِ إيمانِكَ يكونُ تَحقُّقُها فيكَ:
- فمنها: الحياةُ الطيبةُ فِي الدَّارَيْنِ، قالَ عزَّ وجلَّ: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [النحل: 97].
- ومنها: الأمنُ والهدايةُ، يقولُ اللهُ تعالَى: }الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ{ [الأنعام: 82].
- ومنها: تثبيتُ القلبِ، قالَ تعالَى: }يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ{ [إبراهيم: 27].
- ومنها: استغفارُ الملائكةِ للمؤمنِ، قالَ تعالَى: }الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا{ [غافر: 7].
- ومنها: عدمُ تسلُّطِ الشياطينِ علَى المؤمنِ، قالَ اللهُ تعالَى: }إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{ [النحل: 99].
- ومنها: دفاعُ اللهِ عنِ المؤمنينَ، قالَ تعالَى: }إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا{ [الحج: 38].
نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ -بمَشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ عنِ الرُّكنِ الأوَّلِ منْ أركانِ الإيمانِ، وهو الإيمانُ باللهِ تعالَى.
الإيمانُ باللهِ تعالَى
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الرُّكنِ الأوَّلِ منْ أركانِ الإيمانِ، ألَا وهو: الإيمانُ باللهِ تعالَى، ويتضمَّنُ أربعةَ أمورٍ:
1- الإيمانُ بوُجودِ اللهِ تعالَى، وقد دلَّ علَى وُجُودِه سبحانَه العقلُ والفِطرةُ، فَضلًا عنِ الأدلةِ الشرعيَّةِ الكثيرةِ، فكلُّ مخلوقٍ قد فُطِرَ علَى الإيمانِ بخالقِه منْ غيرِ سَبْقِ تفكيرٍ أو تعليمٍ، كمَا قالَ النبيُّ ﷺ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» [متفق عليه]، وأمَّا دَلالةُ العقلِ علَى وُجودِ اللهِ تعالَى، ففِي قولِه تعالَى: }أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ{ [الطور: 35] يَعْني: أنَّ هذه المخلوقاتِ لمْ تُخلَقْ صُدفةً من غيرِ خالقٍ، كمَا أنَّها لمْ تَخلُقْ نفْسَها، فلمْ يَبقَ إلَّا أنَّها خُلِقَتْ بتقديرِ العزيزِ العليمِ سبحانَه، الَّذي خلَقَ فسوَّى، والَّذي قدَّرَ فهَدَى.
2- ويتضمَّنُ الإيمانُ باللهِ: الإيمانَ برُبوبيَّتِهِ تعالَى، أيْ: أنْ نؤمِنَ أنَّ اللهَ ﷻ وَحدَه الربُّ الخالقُ لكلِّ شيءٍ، المالكُ لكلِّ شيءٍ، المُدبِّرُ لجميعِ الأمورِ؛ كالرزقِ، والإحْياءِ، والإماتةِ، وإنزالِ المطَرِ وغيرِ ذلكَ، يقولُ اللهُ سبحانَه: }أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ [الأعراف: 54].
3- كمَا يتضمَّنُ الإيمانُ باللهِ: الإيمانَ بأُلوهيَّتِهِ سبحانَه: وذلكَ بأنْ نُفرِدَ اللهَ تعالَى بالعبادةِ، فلا نَصرِفَ شيئًا منَ العبادةِ لغيرِ اللهِ I، ونتبرَّأَ من كلِّ مَا يُعبَدُ من دونِهِ ﷻ، وهذَا هوَ مُقْتَضى شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ.
والعبادةُ الَّتي يجِبُ ألَّا تُصرَفَ إلَّا للهِ وَحدَهُ تشمَلُ: كلَّ مَا يُحبُّهُ اللهُ ويَرْضاهُ منَ الأقوالِ والأفعالِ الظاهرةِ والباطنةِ، فتشمَلُ: الصلاةَ، والدُّعاءَ، والذبحَ، والنَّذرَ، والاستعانةَ، والاستعاذةَ([5])، والخوفَ، والرجاءَ([6])، وغيرَها.
- وتوحيدُ الأُلوهيَّةِ ويُسمَّى كذلكَ توحيدَ العبادةِ، هوَ الأصلُ فِي جميعِ الرسالاتِ السماويَّةِ، قالَ تعالَى: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ{ [النحل: 36].
4- وممَّا يتضمَّنُه الإيمانُ باللهِ: الإيمانُ بأسمائِه الحُسْنى وصفاتِه العُلْيَا، وذلكَ بأنْ نؤمِنَ بمَا أثبَتَه اللهُ ﷻ لنفْسِه، ومَا أثبَتَه له نبيُّه ﷺ منَ الأسْماءِ والصفاتِ علَى الوجهِ اللائقِ بهِ ﷻ، من غيرِ تَحريفٍ، ولا تَعطيلٍ، ولا تَكييفٍ، ولا تَمثيلٍ([7])، قالَ تعالَى: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ [الشورى: 11] فنَفَى التمثيلَ والتكييفَ بقولِه: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ{، ونَفَى التحريفَ والتعطيلَ بقولِه: }وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{.
نسألُ اللهَ تعالى أنْ يَملأَ قلوبَنَا إيماناً ويَقيناً، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ -بمَشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ عن أعظَمِ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به، وهو الشِّركُ.
أعظَمُ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن أعظَمِ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ تعالَى به، وهو مُنافٍ للإيمانِ باللهِ وتَوْحيدِهِ، ألَا وهو الشِّركُ باللهِ تعالَى، كمَا قالَ تعالَى: }إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{ [لقمان:13]، وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ t قالَ: سألتُ النبيَّ ﷺ: أيُّ الذنبِ أعظَمُ عندَ اللهِ؟ قال: «أَنْ تَجْعَلَ لِلهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» [متفق عليه]، والنِدُّ: يَعني الشَّريكَ.
والشِّركُ نَوعانِ: شِركٌ أكبَرُ، وشِركٌ أصغَرُ:
- فالشِّركُ الأكبَرُ: هوَ أعظَمُ الذُّنوبِ، ولا يَغفِرُه اللهُ إلَّا لمَن تابَ، وهو مُحبِطٌ لجميعِ الأعْمالِ، ومَن ماتَ عليه؛ فهو خالدٌ مُخلّدٌ فِي النارِ والعياذُ باللهِ، قالَ تعالَى: }إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا{ [النساء: 48]، وقالَ تعالَى: }وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ{ [الزمر: 65-66].
وحقيقةُ الشركِ الأكبَرِ: أنْ يجعَلَ الإنْسانُ للهِ شَريكًا أو مَثيلًا فِي رُبوبيَّتِه، أو أُلوهيَّتِه، أو أسْمائِه وصفاتِه.
- والشِّركُ تارةً يكونُ ظاهرًا: كمَن يَعبُدُ الأوثانَ، ويَدْعو أهلَ القبورِ والأصنامِ، ويَستَغيثُ بالأمواتِ والغائبينَ، أو يذبَحُ، أو يُصلِّي، أو يسجُدُ لغيرِ اللهِ تعالى.
- وتارةً يكونُ الشِّركُ خَفِيًّا: كشِركِ المُتوكِّلينَ علَى غيرِ اللهِ منَ الآلهةِ المُختلِفةِ، أو كشِركِ وكُفرِ المُنافِقينَ، أو مَن يعتقِدُ أنَّ هناك مَن يخلُقُ ويرزُقُ ويعلَمُ الغَيبَ معَ اللهِ تعالَى، أو يعتقِدُ جوازَ صَرفِ العبادةِ لغيرِ اللهِ، أو يعتقِدُ أنَّ هناك مَن يُطاعُ طاعةً مُطلقةً معَ اللهِ، أو أنْ يُحبَّ مخلوقًا محبَّةَ تألُّهٍ كمَا يُحبُّ اللهَ ﷻ.
قالَ تعالَى: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{ [الأنعام: 162-163].
وقالَ تعالَى: }وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ{ [المؤمنون: 117].
وَقانَا اللهُ منَ الشركِ ظَاهِرِهِ وخَفِيِّهِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، وفِي الدرسِ القادِمِ نُكمِلُ الحديثَ -بمَشيئةِ اللهِ- عنِ النوعِ الثاني، وهو الشركُ الأصغَرُ.
الشِّركُ الأصغَرُ
نواصِلُ حديثَنا عن أنْواعِ الشِّركِ، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن النوعِ الثاني من أنواعِ الشركِ، ألَا وهو: الشِّركُ الأصغَرُ:
- والمُرادُ بالشِّركِ الأصغَرِ: كُلُّ مَا جاءَ فِي الكتابِ أو السُّنَّةِ تَسميتُه شِركًا، ودَلَّت النُّصوصُ الشرعيَّةُ الأخرى على أنهُ لا يُخرِجُ صَاحِبَهُ مِنَ الإسلامِ.
- وممَّا يدخُلُ فِي الشِّركِ الأصغَرِ، مَا يَلي:
1. الرِّياءُ، قالَ ﷺ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ» قالُوا: ومَا الشِّركُ الأصغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ لَهُمْ يَوْمَ يُجَازِي الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمُ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُم تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً» [رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني]. والرِّياءُ: هوَ تَحسينُ العبادةِ فِي الظَّاهِرِ أو إظْهارُها أوِ الإخْبارُ عنها؛ بقَصدِ رُؤيةِ النَّاسِ وكسبِ الثّناءِ منهُم.
2. الاعتِقادُ فِي شيءٍ أنَّه سببٌ لجَلبِ النَّفعِ، أو دفعِ الضُّرِّ، ولمْ يجعَلْه اللهُ سببًا لذلكَ. قالَ ﷺ: «إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ» [رواه أبو داود، وصححه الألباني]، والمقصودُ بالرُّقَى الَّتي فِي الحديثِ: الرُّقى الَّتي لا يُفهَمُ مَعْناهَا، أوِ الرُّقى المُشتمِلةُ علَى الشِّركِ باللهِ. والتمائمُ: هيَ كلُّ مَا يُعلَّقُ علَى الإنسانِ، أوِ الحيوانِ، أوِ الممتلَكاتِ لدفعِ العينِ وغيرِها([8])، والمرادُ بالتِّوَلةِ: نوعٌ منَ السِّحرِ يَزعُمونَ أنَّه يُحبِّبُ الزوجةَ إلى زَوجِها، والزوجَ إلى زوجتِهِ.
3. الشِّركُ فِي الألفاظِ: كالحَلِفِ بغيرِ اللهِ، وقَولِ القائلِ: مَا شاءَ اللهُ وشئْتَ، ولولا اللهُ وفلانٌ، ونحوِهِما، قالَ ﷺ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ؛ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» [رواه الترمذي، وصححه الألباني]. وقالَ ﷺ: «لا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ شَاءَ فُلانٌ» [رواه أبو داود، والنسائي، وصححه الألباني].
رزقَنَا اللهُ الإخْلاصَ، وحُسنَ العمَلِ، وعافانَا منَ الرِّياءِ قليلِهِ وكثيرِهِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، وفِي الدرسِ القادِمِ نتحدَّثُ -بمَشيئةِ اللهِ تعالَى- عنِ الرُّكنِ الثانِي من أركانِ الإيمانِ، وهو الإيمانُ بالملائكةِ.
الإيمانُ بالملائكةِ
نستَكمِلُ حديثَنَا عن أرْكانِ الإيمانِ، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الرُّكنِ الثانِي وهو الإيمانُ بالملائكةِ: وذلكَ بأنْ نؤمِنَ بوجودِهم، وأنَّهم عِبادٌ مُكرَمونَ، خلَقَهمُ اللهُ من نورٍ، واستعمَلَهم فِي طاعتِهِ، لا يَعْصونَ اللهَ مَا أمَرَهم ويَفعلونَ مَا يُؤمَرونَ. يقولُ اللهُ تعالَى: }آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ{ [البقرة: 285].
- والملائكةُ عبادٌ طائعونَ للهِ تعالَى، قالَ اللهُ ﷻ فيهم: }لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ{ [الأنبياء: 27]، وقالَ ﷻ: }لَّا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{ [التحريم: 6].
- وممَّا ورَدَ فِي صفاتِهمُ الخَلْقيَّةِ، قولُه تعالَى: }الْحَمْدُ لِلهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{ [فاطر: 1]، وقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ» [رواه مسلم]، وقالَ ﷺ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ» [رواه أبو داود].
- وقدْ ورَدَ منْ أسمائِهم وأعْمالِهم مَا يَلي: جِبريلُ u: وهو الأمينُ علَى الوَحيِ قالَ تعالَى: }نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ{ [الشعراء: 193-194]، وميكائيلُ u: المُوَكَّلُ بالقَطْرِ وإنْزالِ الأمطارِ، وإسْرافيلُ u: المُوَكَّلُ بالنَّفخِ فِي الصُّورِ، ومَلَكُ الموتِ u: المُوَكَّلُ بقَبضِ الأرْواحِ، ومنَ الملائكةِ: الحَفَظةُ والكِرامُ الكاتِبونَ، وخَزَنةُ الجنَّةِ، وخَزَنةُ النارِ، وغيرُهم ممَّن لا يَعلَمُهم إلَّا اللهُ تعالَى.
- والإيمانُ بالملائكةِ يَقتَضي مَحبَّتَهم ومودَّتَهم، يقولُ اللهُ تعالَى: }مَن كَانَ عَدُوًّا للهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ{ [البقرة: 98].
- وعلَى المسلِمِ أنْ يجتنِبَ مَا يُسيءُ إليهم ويؤْذِيهم، ومن ذلكَ مَا جاءَ عنِ النبيِّ ﷺ أنَّه قالَ: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ، وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» [رواه مسلم]، وكذلكَ قولُه ﷺ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» [رواه مسلم].
جعلَنَا اللهُ ممَّن يؤمِنُ بالملائكةِ، ويُحبُّهم، ويجتنِبُ مَا يؤْذِيهم، نَكتفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ تعالَى- عنِ الرُّكنِ الثالثِ منْ أركانِ الإيمانِ، وهو الإيمانُ بالكُتُبِ.
الإيمانُ بالكتُبِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الرُّكنِ الثالثِ من أركانِ الإيمانِ، وهو:
الإيمانُ بالكتبِ: وذلكَ بأنْ نؤمِنَ بجميعِ مَا أنزَلَ اللهُ علَى رُسلِه من كتبٍ، حُجَّةً علَى العالَمينَ، وهِدايةً للمُهتَدينَ.
- ونُؤمنَ -علَى التخصيصِ- بمَا سمَّاه اللهُ لنا منها: كالتوراةِ الَّتي أنزلَها اللهُ علَى موسى u، والإنجيلِ الَّذي أنزلَه اللهُ علَى عيسَى u، والزَّبورِ الَّذي أنزَلَه اللهُ علَى داودَ u، والقرآنِ الَّذي أنزَلَه اللهُ علَى خاتَمِ النبيِّينَ محمَّدٍ ﷺ. يقولُ اللهُ ﷻ: }قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَبِّهِم{ [البقرة: 136].
- والقرآنُ خاتَمُ الكتبِ السماويَّةِ، وهو ناسخٌ لمَا سبقَه منَ الكتبِ المُنزَّلةِ؛ قالَ اللهُ ﷻ: }وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ{ [المائدة: 48] فقولُه: (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) يَقتَضي أنَّ القرآنَ الكريمَ حاكمٌ علَى جميعِ الكتبِ السابِقةِ، وأنَّ السُّلطةَ له؛ فهو ناسخٌ لجميعِ مَا سبقَه منَ الكتبِ.
- ويجِبُ علَى المسلِمِ تعظيمُ كتابِ اللهِ والنُّصحُ له؛ بتحليلِ حلالِه وتحريمِ حرامِه، والاعتبارِ بقَصَصِهِ وأمثالِه، والعملِ بمُقْتَضاهُ، وتلاوتِه حقَّ تلاوتِه، والدفاعِ عنه.
رزَقَنا اللهُ فَهمَ كتابِه والعملَ بمُقْتضاهُ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن الرُّكنِ الرابعِ من أركانِ الإيمانِ، وهو الإيمانُ بالرُّسُلِ.
الإيمانُ بالرُّسلِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الرُّكنِ الرابِعِ من أرْكانِ الإيمانِ، وهو:
الإيمانُ بالرُّسلِ: وذلكَ بأنْ نؤمِنَ بأنَّ اللهَ تعالَى بعَثَ فِي كلِّ أمَّةٍ رسولًا منهم، يَدْعوهم إلى عبادةِ اللهِ وَحدَه لا شَريكَ له، واجتنابِ عبادةِ الطاغوتِ، وأنَّ الرُّسلَ كلَّهم أَتْقياءُ أُمَناءُ، هُداةٌ مُهْتَدونَ، وأنَّهم بَلّغوا جميعَ مَا أَرسَلَهمُ اللهُ به، فلمْ يَكتُموا، ولم يُغيِّروا، ولمْ يَزيدوا فيه من عندِ أنفُسِهم حرفًا، ولمْ يَنقُصوه، قالَ تعالَى: }رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا{ [النساء: 165]، وقالَ تعالَى: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ{ [النحل: 36].
- ونؤمِنَ -علَى التخصيص- بمَن سمَّى اللهُ منهم، كمحمَّدٍ، وإبْراهيمَ، وموسَى، وعيسَى، ونوحٍ، وغيرِهم منَ الرُّسلِ الكِرامِ عليهمُ الصلاةُ والسلامُ.
- ومَن كذَّبَ برسالةِ واحدٍ منهم؛ فقدْ كفَرَ بالجميعِ، ولذَا قالَ اللهُ تعالَى: }كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ{ [الشعراء: 105] وقالَ: }كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ{ [الشعراء: 123]، ومعلومٌ أنَّ كلَّ أمَّةٍ كذَّبَتْ برسولِها، إلَّا أنَّ التكذيبَ برَسولٍ واحدٍ هوَ تكذيبٌ بجميعِ الرُّسلِ باعْتبارِ وَحْدةِ الدِّينِ ووَحْدةِ المُرسِلِ ﷻ.
- وقد ختَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ الرُّسلَ بنبيِّنا محمَّدٍ ﷺ، كمَا قالَ تعالَى: }مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ{ [الأحزاب: 40]، وجعَلَ اللهُ دينَه ناسخًا لمَا قبلَه منَ الأديانِ، قالَ تعالَى: }وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [آل عمران: 85]، وقالَ ﷺ «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» [رواه مسلم].
فَمَن زعَمَ بأنَّ اللهَ يقبَلُ دينًا غيرَ شريعةِ محمَّدٍ ﷺ بعدَ مَبعَثِه، فهو كافرٌ؛ لتَكذيبِه للقرآنِ والسُّنةِ وإجْماعِ عُلماءِ المسلمينَ.
- والإيمانُ بالرُّسُلِ يَقتضي محبَّتَهُم ومُوالاتِهِم والدِّفَاعَ عنهُم، ومِمَّا يُعَزِّزُ ذلِكَ: قراءَةُ قَصَصِهِم في القرآنِ والسنَّةِ والاعتِبارُ بِها، قال الله تعالى: }وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ{ [هود: 120]، وقال سبحانه: }أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ{ [الأنعام: 90].
نسألُ اللهَ تعالَى أنْ يجعَلَنا ممَّن آمَنَ بالرُّسلِ، واقْتَفى أثرَهم، واقْتَدى بهم، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عنِ الرُّكنِ الخامِسِ من أرْكانِ الإيمانِ، وهو الإيمانُ باليومِ الآخِرِ.
الإيمانُ باليومِ الآخِرِ
نستكملُ حديثَنَا عن أركانِ الإيمانِ، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الركنِ الخامِسِ وهو:
الإيمانُ باليومِ الآخِرِ: وهو يومُ القيامةِ، وذلكَ بأنْ نُصدِّقَ تصديقًا جازمًا بأنَّ اللهَ ﷻ يَبعَثُ الناسَ منَ القبورِ، ثمَّ يُحاسِبُهم ويُجازِيهم علَى أعمالِهم، حتَّى يَستقِرَّ أهلُ الجنَّةِ فِي منازِلِهم، وأهلُ النارِ فِي منازِلِهم.
قالَ تعالَى: }وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ{ [البقرة: 177]، وقالَ ﷻ: }وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ{ [الأنبياء: 47].
- والإيمانُ باليومِ الآخِرِ يتضمَّنُ: الإيمانَ بمَا يكونُ فِي القبرِ من سؤالٍ، ونعيمٍ، وعذابٍ، والإيمانَ ببعثِ الناسِ من قُبورِهم، وحشرِهم فِي المحشَرِ، وحسابِهم وجزائِهم علَى أعمالِهم، والإيمانَ بالميزانِ والصراطِ، والكُتبِ الَّتي تُعْطى باليَمينِ، أو من وَراءِ الظُّهورِ بالشِّمالِ.
- وفِي يومِ القيامةِ أهوالٌ عِظامٌ، قالَ اللهُ تعالَى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ{ [الحج: 1-2]، وقالَ ﷺ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
- ومَن آمَنَ باليومِ الآخِرِ: زادَتْ رغبتُه فِي فِعلِ الطاعاتِ، وخافَ من فِعلِ المعاصِي والمُنكَراتِ، وتسلَّى بذلكَ مَنِ ابْتلاهمُ اللهُ بضيقِ العيشِ، أو وقوعِ الظُّلمِ عليهم بأنَّ لهم يومًا يَستردُّونَ فيه مظالِمَهم، وإذا دخَلَ المؤمنونَ الجنَّةَ نَسُوا متاعبَهم وآلامَهم، كمَا أنَّ أهلَ النارِ إذا دخَلوهَا -والعياذُ باللهِ- نَسُوا جميعَ المَلذَّاتِ الَّتي مرَّتْ بهم.
جعَلَنَا اللهُ ممَّنْ يأْتِي آمِنًا يومَ القيامةِ، وحشَرَنَا فِي زُمرةِ نبيِّنَا محمَّدٍ ﷺ. نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ تعالَى- فِي الدرسِ القادِمِ عن علاماتِ الساعةِ.
علاماتُ الساعةِ (1)
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن عَلاماتِ الساعة، وهي: العَلاماتُ الَّتي تَسبِقُ وُقوعَ يومِ القيامةِ، وتدُلُّ علَى قُربِ حُصولِه.
- واصطُلِحَ علَى تَقْسيمِها إلى: صُغرى وكُبرى: فالصُّغْرى -فِي الغالِبِ- تَسبِقُ يومَ القيامةِ بمدَّةٍ طويلةٍ، ومنها مَا وقَعَ وانْقَضى -وقد يتكرَّرُ وقوعُه- ومنها مَا ظهَرَ ولا يَزالُ يظهَرُ ويتتابَعُ، ومنها مَا لم يقَعْ حتَّى الآنَ، وحتمًا سيقَعُ كمَا أخبَرَ الصادِقُ المَصدوقُ ﷺ.
- وعلاماتُ الساعةِ الصُّغرى كثيرةٌ، منها: قبضُ العلمِ، وانتشارُ الفِتَنِ، وشُيوعُ الفواحِشِ، وكثرةُ القتلِ والزلازلِ، وتقارُبُ الزمانِ([9])، وادِّعاءُ النبوَّةِ من قِبَلِ دجَّالينَ كُثُرٍ، وتطاوُلُ الحُفاةِ العُراةِ العالةِ [أيِ: الفُقراءِ] رُعاةِ الشاةِ فِي البُنيانِ، وتَداعي الأمَمِ علَى المُسلمينَ، ثمَّ انتصارُ المُسلمينَ علَى اليهودِ فِي النهايةِ فِي مواجَهةٍ يتكلَّمُ فيها الحَجرُ والشجَرُ، ويدُلَّانِ فيها المُسلمينَ علَى مكانِ اخْتباءِ اليهودِ.. وغيرُها منَ العلاماتِ. كمَا قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ([10])، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ، وَيَكْثُرَ الزِّنَا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ([11])» [متفق عليه].
نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونُكمِلُ الحديثَ -بمَشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ عن علاماتِ الساعةِ الكُبرى.
علاماتُ الساعةِ (2)
نستكمِلُ حديثَنَا عن علاماتِ الساعةِ، وحديثُنا في هذا الدرسِ عن علاماتِ السَّاعةِ الكُبرى: وهيَ أمورٌ عظيمةٌ يدُلُّ ظهورُها علَى قُربِ القيامةِ، وبقاءِ زمنٍ قصيرٍ لوُقوعِ ذلكَ اليومِ العظيمِ.
- عن حُذَيْفةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ t قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ: مَا تَذَاكَرُونَ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﷺ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ»[رواه مسلم].
- ومِمَّا يَجِبُ على المسلِمِ عِندَ انتِشارِ الفِتَنِ: الإكثارُ مِنَ العِبادَةِ وسؤالُ اللهَ الثَّباتَ على دِينِهِ، واجتنابُ الفِتَنٍ والبُعدُ عنها، كما يجبُ عليهِ الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عنِ المنكرِ ونُصحُ النَّاسِ حَسْبَ طاقَتِهِ ووُسْعِهِ. قال ﷺ: «الْعِبادَةُ في الهَرْجِ([12]) كَهِجْرَةٍ إلَيَّ» [رواه مسلم]، وكان من أكثر دعائه: «يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قَلبي على دينِكَ» [رواه الترمذي وصححه الألباني]، ، وقال ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» [رواه مسلم].
نسألُ اللهَ أن يُلهمَنَا رُشدَنَا، وأنْ يَقيَنَا شرَّ الفتنِ مَا ظهَرَ منها ومَا بطَنَ، نَكتفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ تعالَى- فِي الدرسِ القادِمِ عنِ الركنِ السادِسِ والأخيرِ من أركانِ الإيمانِ، وهو الإيمانُ بالقَدَرِ خيرِه وشرِّه.
الإيمانُ بالقَدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الرُّكنِ السادِسِ من أركانِ الإيمانِ، ألَا وهو:
الإيمانُ بالقَدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ: وذلكَ بأنْ نؤمِنَ بأنَّ كلَّ خيرٍ وشرٍّ أنَّه بقَضاءِ اللهِ وقدَرِهِ، وأنَّ اللهَ تعالَى عَلِمَ مَا يكونُ قبلَ أنْ يكونَ، وكتَبَ ذلكَ عندَه فِي اللَّوحِ المحفوظِ، وأنَّه لا يكونُ شيءٌ إلَّا بمشيئةِ اللهِ، وأنَّ اللهَ خالقُ كلِّ شيءٍ، وفعَّالٌ لمَا يُريدُ ﷻ.
- قالَ اللهُ تعالَى مُخْبرًا عن عِلمِه السابِقِ لكلِّ شيءٍ وكتابتِه له: }أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ{ [الحج: 70]، وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كَتَبَ اللـهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» [رواه مسلم]، وقالَ تعالَى مُبيّنًا مَشيئتَهُ النافذةَ فِي كلِّ شيءٍ: }وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ [التكوير: 29]، وقالَ سبحانَه مُوضِّحًا أنَّه خلَقَ الكائناتِ وأعمالَهم: }وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ{ [الصافات: 96].
- ومن لوازِمِ صحَّةِ الإيمانِ بالقَدَرِ أنْ نؤمِنَ:
• أنَّ للعبدِ مَشيئةً واختيارًا بها تتحقَّقُ أفعالُه كمَا قالَ تعالَى: }لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ{ [التكوير: 28]، وقالَ سبحانَه: }لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا{ [البقرة: 286].
• وأنَّ مشيئةَ العبدِ وقُدرتَه غيرُ خارجةٍ عن قُدرةِ اللهِ ومَشيئتِه؛ فهو الَّذي مَنَحَ العبدَ ذلكَ، وجعَلَه قادرًا علَى الاختيارِ كمَا قالَ تعالَى: }وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ [التكوير: 29].
• ونؤمِنُ بأنَّ القَدَرَ سرُّ اللهِ فِي خَلقِه، فمَا بَيَّنَه لنا عَلِمْنَاهُ وآمنَّا به، ومَا غابَ عنَّا سَلَّمْنا به وآمنَّا، وألَّا نُنازِعَ اللهَ فِي أفعالِه وأحكامِه بعقولِنا القاصرةِ، وأفهامِنا الضعيفةِ؛ بل نؤمنُ بعدلِ اللهِ التامِّ وحِكمتِه البالغةِ، وأنَّه تعالَى لا يُسألُ عمَّا يفعَلُ.
نسألُ اللهَ الكريمَ أنْ يُقدِّرَ لنا الخيرَ، ويُهيئَ لنا أسبابَه، ويرزُقَنا الرِّضا به والطمأنينةَ له، نَكتَفِي بهذَا القَدْرِ، وفِي الدرسِ القادِمِ نتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ تعالَى- عن ثمَراتِ الإيمانِ بالقَدَرِ خيرِه وشرِّه.
ثَمَراتُ الإيمانِ بالقَدَرِ
تحدَّثْنا فِي الدرسِ الماضِي عنِ الإيمانِ بالقَدَرِ، وأنَّه يتضمَّنُ: الإيمانَ بعِلمِ اللهِ السابِقِ لكلِّ شيءٍ، وأنَّه سبحانَه كتَبَ ذلكَ فِي اللَّوحِ المحفوظِ، وأنَّه لا يقَعُ شيءٌ إلَّا بمَشيئتِه سبحانَه، وأنَّه خالقُ كلِّ شيءٍ.
ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن ثَمَراتِ الإيمانِ بالقَدَرِ، ومنها:
- أنَّه من أكبَرِ الحوافِزِ للعمَلِ والنشاطِ والسعيِ بمَا يُرضِي اللهَ فِي هذه الحياةِ، فالمؤمنُ مأمورٌ بالأخْذِ بالأسبابِ معَ التوكُّلِ علَى اللهِ تعالَى، والإيمانِ بأنَّ الأسبابَ لا تُعْطي النتائجَ إلَّا بإذنِ اللهِ؛ لأنَّ اللهَ هوَ الَّذي خلَقَ الأسبابَ، وهو الَّذي خلَقَ النتائجَ. قالَ النبيُّ ﷺ: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» [رواه مسلم] وقالَ ﷺ «اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» [رواه البخاري].
- ومن ثَمَراتِ الإيمانِ بالقَدَرِ: أنْ يَشكُرَ المؤمنُ إذا أنعَمَ اللهُ عليه، ولا يَبْطَرَ ويتكبَّرَ، ويَصبِرَ إذا ابْتَلاهُ اللهُ ببعضِ مصائبِ الدُّنْيا، ولا يَجزَعَ ويتضجَّرَ، كمَا قالَ اللهُ تعالَى: }مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (22) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{ [الحديد: 22-23].
- ومن ثَمَراتِ الإيمانِ بالقَدَرِ: أنَّه يَقْضي علَى رَذيلةِ الحسَدِ، فالمؤمنُ لا يَحسُدُ الناسَ علَى مَا آتاهمُ اللهُ من فَضلِه؛ لأنَّ اللهَ هوَ الَّذي رزَقَهم وقدَّرَ لهم ذلكَ، والحاسدُ حينَ يحسُدُ غيرَه؛ فإنَّه بفعلِهِ هذَا إنمَا يعترِضُ علَى قدَرِ اللهِ وقِسمتِه.
- ومن تلك الثمَراتِ: أنَّ الإيمانَ بالقدَرِ يَبعَثُ فِي القلوبِ الشجاعةَ علَى مواجَهةِ الشدائدِ، ويُقوِّي فيها العزائمَ؛ لأنَّها توقِنُ أنَّ الآجالَ والأرزاقَ مُقدَّرةٌ؛ وأنَّه لن يُصيبَ الإنسانَ إلَّا مَا كُتِبَ له، كمَا قالَ اللهُ تعالَى: }قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{ [التوبة: 51].
نسألُ اللهَ أنْ يَزيدَنا إيمانًا ويَقينًا، ويُثبِّتَنَا علَى دينِه، ويُحسِنَ لنا الختامَ. ونتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدروسِ القادِمةِ عن أركانِ الإسلامِ.
الشهادَتانِ - شهادةُ: أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن أرْكانِ الإسْلامِ، وهيَ الأركانُ الخمسةُ الَّتي يقومُ عليها دينُ الإسْلامِ، قالَ رسولُ ﷺ: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» [متفق عليه].
فالرُّكنُ الأولُ هوَ الشَّهادَتانِ: شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ.
وهاتانِ الشهادتانِ مِفتاحُ الإسْلامِ، ولا يُمكنُ الدخولُ إلى الإسْلامِ إلَّا بهما، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إلَّا بحَقِّ الإسْلَامِ، وحِسَابُهُمْ علَى اللَّهِ» [رواه البخاري].
وقالَ ﷺ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» [رواه أبو داود].
- ومَعنى «لا إلهَ إلَّا اللهُ»: أنْ يعترفَ الإنسانُ بلسانِه، ويعتقِدَ بقلبِه بأنَّه: لا معبودَ بحقٍّ إلَّا اللهُ ﷻ، أمَّا المعبوداتُ سِواه فإنَّها باطلةٌ، وعُبِدتْ بالباطلِ.
فـ «لا إلهَ إلَّا اللهُ» تَعني نَفيَ الأُلوهيَّةِ الحقَّةِ عمَّا سِوى اللهِ، وإثباتَها للهِ وَحدَه. قالَ اللهُ تعالَى: }فمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقىَ{ [البقرة: 256]، والطَّاغوتُ: هو الشيطانُ، وكلُّ ما عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ تعالى.
والغايةُ العُظمى من إرْسالِ الرُّسلِ هيَ تَوحيدُ اللهِ تعالَى، وإفْرادُه بالعبادةِ، قالَ تعالَى: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ{ [النحل: 36].
جعَلَنا اللهُ من عبادِهِ المُوحِّدينَ المُخلِصينَ المُتَّبِعينَ لهَديِ نبيِّه الكريمِ ﷺ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونُكمِلُ -بمَشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ الحديثَ عن مَعنى شَهادةِ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ ﷺ.
الشهادَتانِ - شَهادةُ: أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ ﷺ
نستكمِلُ حديثَنَا عنِ الرُّكنِ الأولِ من أركانِ الإسْلامِ، وقد توقَّفْنا عندَ: شَهادةِ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ ﷺ.
- ومَعْناهَا: الإقرارُ بأنَّ محمَّدًا ﷺ عبدٌ للهِ تعالَى، وأنَّ اللهَ أرسلَه لتبليغِ دينِه وهدايةِ الخَلقِ كافَّةً كمَا قالَ تعالَى: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا{ [سبأ: 28]، وقالَ تعالَى: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ{ [الأنبياء: 107].
- ويَقتَضي ذلكَ: تصديقَه ﷺ بمَا أخبَرَ، وطاعتَه فيمَا أمَرَ، واجتنابَ مَا نَهى عنه، وألَّا يُعبَدَ اللهُ إلَّا بمَا شرَعَ، قالَ تعالَى: }وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ{ [الزمر]، وقالَ ﷻ: }وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ{ [النجم: 3-4]، وقالَ تعالَى: }وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله{ [النساء: 64]، وقالَ عزَّ وجلَّ: }فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ [النساء: 65].
- ولا تَصِحُّ الشهادتانِ بمُجَرَّدِ الاعتقادِ القَلبِي، بلْ يُشترَطُ لمَن أرادَ الدخولَ فِي الإسْلامِ التلفُّظُ بهما، والعملُ بمُقْتَضاهما.
نسألُ اللهَ أنْ يجعَلَنا من أتْباعِ النبيِّ ﷺ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ عن ذنبٍ يفعَلُه بعضُ المُسلمينَ، ويَحسَبونَ أنَّهم يُحسِنونَ صُنعًا.
البِدعةُ فِي الدِّينِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن ذنبٍ يفعَلُه بعضُ المُسلمينَ، ويَحسَبونَ أنَّهم يُحسِنونَ صُنعًا، ألَا وهو: الابتِداعُ فِي الدِّينِ.
والبِدعةُ فِي الدِّينِ: هيَ التعبُّدُ للهِ تعالَى بمَا ليسَ له أصلٌ فِي الشريعةِ، أو التعبُّدُ للهِ تعالَى بمَا لم يكُنْ عليه النبيُّ ﷺ ولا خلفاؤُه الراشدونَ y.
وقد أخبَرَ اللهُ تعالَى أنَّ الدِّينَ قدِ اكتمَلَ، فقالَ سبحانَه: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا{ [المائدة:3]، وقالَ نبيُّنا ﷺ مُحذِّرًا أُمَّتَهُ مِنَ البِدَعِ والإحْداثِ فِي الدِّينِ: «مَن أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هذَا مَا ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ» [متفق عليه]، ومَعنى «فهو ردٌّ»: أيْ مَردودٌ غيرُ مقبولٍ، وقالَ ﷺ: «أُوصيكُم بتَقْوى اللهِ والسمعِ والطاعةِ وإنْ عبدًا حَبشيًّا؛ فإنَّه مَن يَعِشْ منكم بَعْدي فسَيَرى اخْتِلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ المهدِيِّينَ الراشِدِينَ تمسَّكُوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذِ، وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأمورِ؛ فإنَّ كلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
والبِدَعُ أنواعٌ، فمنها بِدَعٌ اعتِقاديَّةٌ: كإنْكارِ أسماءِ اللهِ تعالَى وصفاتِه، أو اعتقادِ عِصمةِ أحدٍ منَ البشَرِ غيرِ الأنبياءِ والرُّسُلِ عليهمُ السلامُ، أوِ اعتقادِ النفعِ والضُّرِ والبَركةِ فِي شيءٍ منَ الأشياءِ لم يجعَلْه اللهُ كذلكَ، وغيرِ ذلكَ من الاعتقاداتِ الَّتي ليس لها أصلٌ فِي الشرعِ.
ومن أنْواعِ البِدَعِ: البِدَعُ العمليَّةُ وهيَ أنْواعٌ، منها:
1. إحْداثُ عبادةٍ ليس لها أصلٌ فِي الشرعِ، كأنْ يُحدِثَ صلاةً غيرَ مشروعةٍ، أو صيامًا غيرَ مشروعٍ، أو أعْيادًا غيرَ مشروعةٍ، كعيدِ مَولِدِ النبيِّ ﷺ، وغيرِه منَ الأعْيادِ المُحدَثةِ.
2. الزيادةُ علَى العبادةِ المشروعةِ، كمَا لو زادَ ركعةً خامسةً فِي صلاةِ الظهرِ مُتعمِّدًا مُعتقِدًا مشروعيةَ ذلكَ.
3. تأديةُ عبادةٍ مشروعةٍ علَى صفةٍ غيرِ مشروعةٍ، كالذِّكرِ الجماعيِّ (بصوتٍ واحدٍ)([13])، وغَسلِ الرِّجْلينِ قبلَ اليَدينِ فِي الوضوءِ مُعتقِدًا مشروعيةَ ذلكَ.
4. تخصيصُ وقتٍ للعبادةِ المشروعةِ لم يُخصِّصْهُ الشرعُ، كتخصيصِ يومِ النصفِ من شَعبانَ وليلتِه بصيامٍ وقيامٍ، فأصلُ الصيامِ والقيامِ مشروعٌ، ولكنَّ تخصيصَهُ بوقتٍ منَ الأوْقاتِ يَحْتاجُ إلى دليلٍ.
ومن أسْبابِ ظُهورِ البِدَعِ: الجهلُ بأحْكامِ الدِّينِ، واتِّباعُ الهَوَى، والتَّعصُّبُ لآراءِ الأشْخاصِ وتَقديمُها علَى الكتابِ والسُّنَّةِ، والتَّشبُّهُ بالكُفَّارِ، والاعتمادُ علَى الأحاديثِ الضعيفةِ والمكذوبةِ علَى النبيِّ ﷺ، ومِن أعظَمِ أسْبابِ البِدعِ: الغُلُوُّ (وهوَ: مُجاوَزَةُ الحدِّ بأنْ يُزادَ في حَمدِ الشَّيءِ أو ذَمِّهِ على ما يَستحِقُّ ونحو ذلك، وقيلَ هُوَ: تَعَدِّي ما أَمَرَ اللهُ بهِ في الاعتقادِ أو القَوْلِ أو الفِعلِ).
نسألُ اللهَ أنْ يجعَلَنا ممَّن يتّبعُ سُنّةَ النبيِّ ﷺ، وأنْ يُجنِّبَنا البِدعَ والمُحدَثاتِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادمِ -بمشيئةِ اللهِ- عنِ الركنِ الثاني من أركانِ الإسْلامِ وعمودِ الإسْلامِ وهو الصلاةُ.
الصَّلاةُ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الرُّكنِ الثانِي من أرْكانِ الإسْلامِ، ألَا وهو الصلاةُ:
- والصلاةُ هيَ الفارقةُ بينَ المسلِمِ والكافِرِ كمَا قالَ ﷺ: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ» [رواه مسلم]، وهيَ عمودُ الإسْلامِ كمَا قالَ ﷺ: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ» [رواه الترمذي]، وهيَ أولُ مَا يُحاسَبُ عنه العبدُ، فإنْ صلَحَتْ؛ صلَحَ سائرُ عملِهِ، وإنْ فسَدَتْ؛ فسَدَ سائرُ عملِهِ، قالَ ﷺ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ؛ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ؛ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ» [رواه أبو داود والترمذي والنسائي].
- وهيَ قُرَّةُ عينِ النبيِّ ﷺ من هذه الدُّنْيا، فقد قالَ ﷺ «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ» [رواه النسائي]. [قُرةُ العينِ: مَا تَقَرُّ به العينُ ويَستَريحُ به القلبُ].
- والصلاةُ صِلةٌ بينَ العبدِ وبينَ ربِّ العالَمينَ، وهيَ تَنْهى عنِ الفحشاءِ والمُنكَرِ؛ لمَن أقامَها بإخْلاصٍ وأدَّاها بخُشوعٍ، قالَ اللهُ ﷻ: }إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ{ [العنكبوت: 45].
- والصلاةُ لا تصِحُّ إلَّا بإقامَتِها علَى وَفقِ هَديِ رسولِ اللهِ ﷺ، كمَا قالَ ﷺ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» [متفق عليه]، فعلَى المسلمِ أنْ يحرِصَ علَى تعلُّمِ أحكامِ صلاتِه وكيفيَّتِها كمَا وردَتْ عنِ النبيِّ ﷺ ليُتِمَّها علَى أكمَلِ وجهٍ، فيَنالَ بذلكَ الأجرَ العظيمَ.
نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونستكمِلُ الحديثَ -بمشيئةِ اللهِ تعالَى- عن أحْكامِ الصلاةِ فِي الدروسِ القادِمةِ.
الطَّهارةُ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن شَرطٍ من شُروطِ صحَّةِ الصلاةِ، ألَا وهو الطَّهارةُ:
ومَعْنى الطَّهارةِ فِي اللُّغةِ: النظافةُ منَ الأوْساخِ، وفِي الشرعِ: ارْتِفاعُ الحَدَثِ وزَوالُ النَّجاسةِ.
- وبذلكَ تنقسِمُ الطهارةُ إلى قِسمَينِ:
القسمُ الأولُ: الطهارةُ منَ الحَدَثِ: ومنه الحدَثُ الأكبرُ، ويكون رَفعُهُ بالغُسلِ، ومنه الحدَثُ الأصغَرُ، ويكونُ رَفعُهُ بالوُضوءِ، وتكونُ الطهارةُ بالماءِ، أو بالتيمُّمِ عندَ تعذُّرِ الماءِ أو عدمِ القُدرةِ علَى استِخدامِهِ.
القسمُ الثاني: الطهارةُ منَ النجاسةِ: وذلكَ بإزالةِ النجاسةِ عنِ البدَنِ واللِّباسِ والأرْضِ الَّتي يُصَلِّي عليها، ولا يَضُرُّ بقاءُ اللونِ والرائحةِ حالَ العجزِ عن إزالتِهِما، إذا زالَتْ عينُ النجاسةِ.
- ومنَ النجاساتِ الَّتي يجِبُ إزالتُها عنِ البدَنِ والملابِسِ والمكانِ: بَولُ الآدَميِّ وعَذِرَتُه، والدَّمُ([14]) (ويُعْفى عنِ اليَسيرِ منه)، وبَولُ ورَوْثُ الحيوانِ المُحرَّمِ أكلُهُ نَجِسٌ (أمَّا الحيوانُ المُباحُ أكلُهُ فبَولُهُ ورَوْثُهُ طاهِرانِ)، ومنَ النجاساتِ: المَيْتةُ([15])، والخِنزيرُ، والكلبُ([16])، والمَذْيُ، والوَدْيُ([17]). ويُعْفى عن يَسيرِ النجاسةِ الَّتي يشُقُّ التحرُّزُ منهَا.
- وإذا أرادَ المسلمُ إزالةَ الخارِجِ منَ السبيلَينِ من بَولٍ أو غائطٍ؛ فإنَّه يَستَنْجي بالماءِ، أو يَستَجمِرُ بالحجارةِ أوِ المناديلِ ونَحوِهِما([18]).
- ولا يَلزَمُهُ الاستنجاءُ كلَّما أرادَ الوُضوءَ، بل يَستَنْجي بغَسلِ فَرجِهِ إذا خرَجَ منه البَولُ ونحوُه، وغَسلِ دُبُرِه إذا خرَجَ منهُ الغائطُ، أمَّا الريحُ فلا يُستَنْجَى منهُ.
طَهَّرَ اللهُ قلوبَنا وأبدانَنا منَ الأدْرانِ الحسيَّةِ والمعنويَّةِ. نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ عنِ الطهارةِ منَ الحدَثِ الأصغَرِ.
صِفةُ الوُضوءِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الطَّهارةِ منَ الحدَثِ الأصغَرِ، وتكونُ بالوُضوءِ:
قال ﷺ: « لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَن أحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ» [رواه البخاري].
- ويُشتَرَطُ أنْ يكونَ الوُضوءُ بماءٍ طاهرٍ، فإنْ تغيَّرَ لونُه، أو طعمُه، أو رائحتُه بنَجاسةٍ، فلا يصِحُّ ولا يُجْزئُ الوُضوءُ والاغتِسالُ به.
- ويُشتَرَطُ للوُضوءِ: إزالةُ مَا يَمنَعُ وُصولَ الماءِ إلى أعْضاءِ الوُضوءِ مُباشَرةً، من طينٍ، أو عَجينٍ، أو شَمعٍ، أو أصْباغٍ سَميكةٍ، أو طِلاءِ الأظافِرِ كالَّذي تضَعُه النساءُ، أو غيرِ ذلكَ.
- وفِي الصحيحَينِ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وصفةُ الوُضوءِ الموافِقِ لهَديِ النبيِّ ﷺ:
- أنْ يَنويَ الوُضوءَ، بقَلبِه، ولا يُشرَعُ التلفُّظُ بالنيَّةِ.
- ثمَّ يقولَ: «بسمِ اللهِ»، ثم يَغسِلَ كفّيْه ثلاثًا.
- ثم يَتمضمَضَ ويَستنشِقَ ثلاثًا، بثلاثِ غَرَفاتٍ، ثم يَغسِلَ وجهَه ثلاثًا، وحدُّ الوجهِ عَرضًا: منَ الأُذنِ إلى الأُذنِ، وطولًا: من مُنحَنَى الجَبهةِ إلى أسفَلِ اللِّحيةِ. فإنْ كانت لحيتُه خَفيفةً يُرى من ورائِها لونُ البَشَرةِ وجَبَ غَسلُ ظاهِرِها وباطِنِها، وإنْ كانت كثيفةً تُغطِّي البَشَرةَ، فيَكْفِي غَسلُ ظاهرِها ويُستحَبُّ تَخليلُها.
- ثم يَغسِلَ يدَيْه ثلاثًا من أطْرافِ الأصابِعِ إلى المِرفَقَينِ (والمِرفَقُ داخلٌ ضمنَ الغَسْلِ)، يَبدأُ بيدِه اليُمْنى ثم اليُسْرى.
- ثم يَمسَحَ رأسَه وأُذنَيْه بماءٍ جديدٍ، وصِفَتُه: أن يمُرَّ بيَدَيْه من مُقدِّمةِ رأسِه إلى قَفاه، ثم يرُدَّهمَا إلى الموضِعِ الَّذي بدأَ منه؛ أي: يمُرَّ بهمَا مِن قَفاه إلى مقدِّمةِ رأسِه([19])، ثم يُدخِلَ أُصبُعَيْه السبَّابتَينِ فِي أُذُنَيْه، ويَمسَحَ ظاهِرَ أُذُنَيْه بإبْهامَيْه مرةً واحدةً.
- ثم يَغسِلَ رِجْلَيْه معَ الكَعبَينِ ثلاثًا، يَبدأُ باليُمْنى ثم اليُسْرى، والكَعْبانِ: العَظْمانِ البارِزانِ عندَ مَفصِلِ الساقِ والقَدمِ.
- ومن فُروضِ الوُضوءِ: الترتيبُ بينَ أعْضاءِ الوُضوءِ، وألَّا يَفصِلَ بينَ العُضوِ والَّذي يَليه بفاصلٍ طويلٍ.
- ويُسَنُّ أنْ يقولَ بعدَ الوُضوءِ: «أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُه» [رواه مسلم].
اللهُمَّ اجْعَلْنا منَ التوَّابينَ، واجعَلْنا منَ المُتطهِّرينَ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ -بمَشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ عن أخْطاءٍ يقَعُ فيها بعضُ الناسِ فِي وُضوئِهم.
أخْطاءٌ فِي الوُضُوءِ
تحدَّثْنا فِي الدرسِ الماضِي عنِ الوُضوءِ وصفتِهِ، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن أخْطاءٍ يقَعُ فيها بعضُ الناسِ عندَ وُضوئِهم، فمنهَا:
- تَركُ المَضمَضةِ والاستِنْشاقِ، قالَ عُلماءُ اللجنةِ الدائمةِ للإفْتاءِ: (ثبتَتِ المَضمَضةُ والاستِنْشاقُ فِي الوُضُوءِ من فِعْلِ النبيِّ ﷺ وقولِه، وهمَا داخِلانِ فِي غَسْلِ الوجهِ، فلا يَصِحُّ وُضُوءُ مَن تركَهمَا، أو ترَكَ واحدًا منهمَا)([20]).
- ومن تلكَ الأخْطاءِ: عدمُ غَسْلِ الكَفَّينِ معَ اليدَينِ، والاكتفاءُ بغَسلِهمَا أولَ الوضوءِ، والصوابُ أنْ يَغسِلَ الكفَّينِ معَ اليدَينِ حتَّى لو غَسَلَهمَا فِي أولِ الوضوءِ، فَغَسلُهمَا أولَ الوضوءِ مُستحَبٌّ، وغَسلُهمَا معَ اليدَينِ واجبٌ.
- ومنَ الأخْطاءِ فِي الوضوءِ: تَركُ أوِ التساهُلُ فِي غَسلِ المِرفَقَينِ أوِ الكَعبينِ أوِ العَقِبَينِ، وقد جاءَ الوَعيدُ فِي ذلكَ كمَا ورَدَ فِي الحديثِ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» [رواه مسلم] والعَقِبُ: هوَ مؤخَّرُ القَدَمِ.
ورَأى النبيُّ ﷺ رجُلًا تَرَكَ مَوضِعَ ظُفرٍ علَى قَدَمِه لم يُصِبهُ ماءُ الوُضوءِ، فقالَ له: «ارْجِعْ، فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ» [رواه مسلم]، وفِي حديثٍ: «أنَّ النبيَّ ﷺ رَأى رجُلًا يُصلّي، وفِي ظَهْرِ قَدَمَهِ لُمعَةٌ قدْرَ الدِّرهَمِ لم يُصِبْها الماءُ، فأمَرَهُ النبيُّ ﷺ أنْ يُعِيدَ الوضوءَ والصلاةَ» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
- ومنَ الأخْطاءِ فِي الوضوءِ: الزيادةُ فِي غَسلِ أعْضاءِ الوُضوءِ أو بعضِها أكثَرَ من ثلاثِ مرَّاتٍ، وهذَا مخالِفٌ للسُّنةِ.
- ومنَ الأخْطاءِ الشائعةِ: الإسْرافُ فِي استِخْدامِ الماءِ، واللهُ تعالَى يقولُ: }وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{ [الأعراف: 31].
وفَّقَنَا اللهُ لاتِّباع هَديِ نبِيِّهِ ﷺ، واقْتِفاءِ أثَرِهِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمَشيئةِ اللهِ- عن أحْكامِ المَسحِ علَى الخُفَّينِ.
المسحُ علَى الخُفَّينِ والجَوْرَبَينِ ونَحوِهِما
نواصِلُ مَا ابتَدَأْناهُ فِي الحديثِ عن أحْكامِ الطَّهارةِ، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ: المسحِ علَى الخُفَّينِ والجَوْربَينِ ونحوِهما([21]).
وهو رُخصةٌ منَ اللهِ تعالَى لعبادِهِ، وهو من مَظاهِرِ التيسيرِ فِي هذه الشريعةِ السَّمْحةِ.
- ويُشترَطُ لجوازِ المسحِ علَى الخُفَّينِ أربعةُ شُروطٍ:
الشرط الأول: أنْ يكونَ الخُفُّ طاهرًا، فلا يَصحُّ المسحُ علَى الخُفِّ النجِسِ.
الشرط الثاني: أنْ يَلبسَهمَا علَى طهارةٍ.
الشرط الثالث: أنْ يكونَ المسحُ فِي الحدَثِ الأصغَرِ، أمَّا إذا كان الحدَثُ أكبَرَ؛ فيجِبُ أنْ يَخلَعَهمَا ويغتسِلَ.
الشرط الرابع: أنْ يكونَ المَسحُ فِي المدَّةِ المُحدَّدةِ شَرعًا، وهي: يومٌ وليلةٌ للمُقيمِ (أي: 24 ساعةً)، وثلاثةُ أيامٍ بلياليهِنَّ للمسافِرِ (أي: 72 ساعةً)، ويبدأُ حسابُ مُدَّةِ المسحِ: من أولِ مَسحٍ بعدَ انتِقاضِ الطهارةِ.
- وصِفةُ المسحِ علَى الخُفَّينِ:
أنْ يمسحَ أعْلى الخُفِّ، بأنْ يضَعَ أصابعَ يدَيْه مَبلولَتَينِ علَى أصابعِ رجْلَيهِ، ثم يُمرِّرَها إلى مُبتَدأِ ساقِهِ.
ولا يُكرِّرَ المسحَ، ولا يمسحَ أسفلَ القَدَمِ؛ لقولِ عليِّ بنِ أبي طالبٍt : «لو كانَ الدِّينُ بالرَّأيِ لَكانَ أسفَلُ الخفِّ أَوْلَى بالمسحِ مِن أعلاهُ، وقد رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يمسَحُ على ظَاهِرِ خُفَّيهِ» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
نسألُ اللهَ الفقهَ فِي الدينِ، واتِّباعَ سُنةِ سيدِ المُرسَلينَ ﷺ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن نواقِضِ الوُضوءِ.
نواقِضُ الوُضوءِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن نواقِضِ الوُضوءِ التي إذا طرَأَت على الإنسانِ أفسَدَتْ وُضوءَهُ، وهي كالتالي:
أولاً: الخارجُ منَ السبيلَينِ: (وهمَا مَخرَجَا البَولِ والغائطِ)، فكلُّها تَنقُضُ الوُضوءَ.
ثانياً: زَوالُ العقلِ أو تَغْطيتُه بالجُنونِ، أوِ الإغْماءِ، أوِ السُّكْرِ([22])، أوِ النوْمِ؛ لأنَّ ذلكَ مَظِنَّةُ خروجِ الحَدَثِ، أمَّا النومُ القليلُ غيرُ المُستغرِقِ فلا ينقُضُ الوُضوءَ [وهو الَّذي يَشعُرُ فيه الإنْسانُ بالحَدَثِ لو أحدَثَ، كخُروجِ الريحِ].
ثالثاً: أكلُ لحمِ الإبِلِ؛ لحديثِ جابرِ بنِ سَمُرةَ: أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: «أتَوَضَّأُ مِن لُحُومِ الإبِلِ؟ قالَ: نَعَمْ» [رواه مسلم].
واختلَفَ أهلُ العلمِ في: مسِّ الفَرْجِ مُباشرةً بلا حائلٍ([23])، والأحْوطُ الوُضوءُ منه.
- ويحرُمُ علَى مَنِ انتقَضَ وُضوؤُه: أنْ يُصلِّيَ، أو يَمسَّ المصحفَ إلَّا بعدَ أنْ يتوضَّأَ.
- ومَن توضَّأَ، ثمَّ شكَّ، هل أحدَثَ أمْ لا؟ فإنَّه لا يلزَمُه الوضوءُ؛ لأنَّ اليقينَ (وهو الوُضوءُ) لا يَزولُ بالشكِّ.
- وكذلكَ مَن أحدثَ، ثمَّ شكَّ، هل توضَّأَ أو لا؟ فإنَّه يلزَمُه الوضوءُ؛ لأنَّ اليَقينَ (وهو الحدَثُ) لا يَزولُ بالشكِّ.
- وأمَّا مَن صَلَّى على غيرِ طهارةٍ ناسيًا؛ فَصلاتُهُ باطِلةٌ، ويجبُ عليه إعادتُها بعدَ أنْ يتوضَّأ.
وفَّقَنا اللهُ للعلمِ النافِعِ والعمَلِ الصالِحِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمَشيئةِ اللهِ- عن موجِباتِ الغُسلِ.
موجِباتُ الغُسلِ
تحدَّثْنا فيمَا سبَقَ عن أحْكامِ الطهارةِ منَ الحدَثِ الأصغَرِ، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن:
- موجِباتِ الغُسلِ، وهي كالتالي:
أولاً: خروجُ المَنيِّ بِشَهْوةٍ فِي اليَقَظةِ، وكذلكَ إذا احتَلَمَ النَّائمُ فأَنزَلَ المنيَّ.
ثانياً: إيلاجُ الذَّكَرِ فِي الفَرْجِ، ولو لمْ يحصُلْ معهُ إنْزالٌ للمنيِّ؛ لمَا ورَدَ عنِ النبيِّ ﷺ أنَّه قال: «إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ؛ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» [رواه مسلم]. والمقصودُ بقولِه: «مسَّ الخِتانُ الختانَ»: إِيلاجُ رأسِ الذَّكَرِ في الفَرْجِ.
فلو جَامَعَ الرَّجلُ زوجَتَهُ؛ فيجبُ على كلٍّ منهما الاغتسالُ، حتى ولو لم يُنزِل المنيّ.
ثالثاً: انقطاعُ دمِ الحيْضِ أوِ النِّفَاسِ -بالنِّسبةِ للمرأة-.
- ومَن عليه حدثٌ أكبرُ: فإنَّهُ يَمتنِعُ ممَّا يُمنَعُ منه المُحدِثُ حدَثًا أصغَرَ (الصلاةِ، مسِّ المصحَفِ)، ويَزيدُ عليه: أنَّه لا يحِلُّ له قراءةُ القرآنِ -إلَّا الحائضَ والنُّفَساءَ فيجوزُ لهمَا قراءةُ القرآنِ من دونِ مسِّ المصحفِ-، ولا يجوزُ للمُحدِثِ حدثًا أكبَرَ أنْ يجلِسَ فِي المسجدِ([24]).
كمَا أنَّه لا يحِلُّ وَطءُ الحائضِ والنُّفَساءِ، ولا طلاقُها، ويحرُمُ عليهمَا الصومُ والصلاةُ، وعليهمَا قضاءُ الصومِ ولا تَقْضيانِ الصلاةَ.
نسألُ اللهَ تعالى أن يرزُقَنا العِلمَ النَّافِعَ والعَمَلَ الصالِحَ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن صفةِ الغُسلِ الصحيحةِ.
صفةُ الغُسلِ منَ الجَنابةِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن صفةِ الغُسلِ منَ الجَنابةِ كمَا وردَتْ عنِ النبيِّ ﷺ، وهيَ كالتالِي:
1. يَنْوي الغُسلَ بقَلبِهِ.
2. ثمَّ يُسمِّي، ويَغسِلُ يدَيْهِ ثلاثًا، ثم يَغسِلُ فَرْجَه.
3. ثمَّ يتوضَّأُ وُضوءًا كاملًا.
4. ثمَّ يَحْثو الماءَ علَى رأسِهِ ثلاثًا، يُروِّي مَنابتَ شَعرِهِ([25]).
5. ثمَّ يُفيضُ الماءَ علَى جسدِهِ علَى شقِّه الأيمَنِ، ثمَّ الأيسَرِ، ويُعمِّمُ جسدَهُ بالماءِ، ويُروِّي منابتَ الشَّعرِ فِي جسدِهِ، ويُستحَبُّ إمرارُ يدِهِ علَى جسدِهِ؛ ليتيقَّنَ وُصولَ الماءِ إلى جميعِ البَدَنِ.
وهذه هيَ صفةُ الغُسلِ الكامِلِ الواردةُ عنِ النبيِّ ﷺ، كمَا فِي الصحيحَينِ عن عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها قالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الماءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، وَقَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، نَغْرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا».
- أمَّا صفةُ الغُسلِ المُجزئِ فتكونُ بأمرَينِ:
1- أنْ ينويَ الغُسلَ بقَلبِهِ.
2- ثمَّ يُعمِّمُ جميعَ البدنِ بالماءِ معَ المَضمَضةِ والاستِنْشاقِ، ويُروِّي منابتَ الشَّعرِ فِي جسدِهِ.
- ومَن اغتَسَلَ عَن حَدَثٍ أكبرَ -كالجَنابةِ والحَيضِ-؛ فإنهُ يُجزِئُه عَن الوُضوءِ([26]).
نسألُ اللهَ تعالى أنْ يجعلَنا مِن التَّوّابينَ ومِنَ المُتطهِّرينَ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ عن أحْكامِ التيمُّمِ.
التَّيَمُّمُ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ التيَمُّمِ: وهو رُخصةٌ منَ اللهِ تعالَى لعبادِهِ، وهو من مظاهِرِ التيسيرِ فِي هذه الشريعةِ السَّمْحةِ.
والتيَمُّمُ: بَدَلُ طهارةِ الماءِ (الوُضوءِ والغُسلِ)، وذلكَ حينمَا يكونُ الماءُ مَعْدومًا([27])، أو فِي حُكمِ المَعدومِ؛ كمَن لا يستطيعُ استخدامَه لمرضٍ، أو كانَ قليلًا يحتاجُه لشُربِه، أو خافَ باستخدامِه وُقوعَ الضرَرِ؛ كمَا لو كانَ الماءُ باردًا، ولوِ استخدمَه لأضَرَّ بصِحَّتِه، ولا يوجَدُ لدَيْه مَا يُسخِّنُه به.
- ويجوزُ التيمُّمُ بكلِّ مَا صعِدَ علَى وجهِ الأرضِ من أجزائِها، من تُرابٍ، وطينٍ، وحجَرٍ، ورملٍ، وفَخَّارٍ؛ لقولِه تعالَى: }فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا{ [النساء: 43]، والصعيدُ: كلُّ مَا صعِدَ علَى وجهِ الأرضِ. والطيِّبُ: الطاهرُ، ويُمكِنُ للمسلِمِ أنْ يجعَلَ فِي الإناءِ تُرابًا، أو رَملًا ويتيمَّمُ منه.
- وصِفةُ التيَمُّمِ:
أنْ يقولَ: بسمِ اللهِ، ناويًا التيمُّمَ، ثمَّ يضرِبَ بكفَّيْهِ وَجهَ الأرضِ ضَربةً واحدةً، ثمَّ يَمسحَ وجهَهُ بكفَّيْه، ثمَّ يَمسحُ كفَّيْه، ثمَّ يقولَ بعدَ التيمُّمِ مَا يُقالُ بعدَ الوُضوءِ منَ الأذْكارِ.
• وتجِبُ الموالاةُ فِي التيَمُّمِ بألَّا يمرَّ بينَ مسحِ الوجْهِ ومسحِ الكفَّينِ وقتٌ طويلٌ.
- ومن أحْكامِ التيمُّمِ:
• أنَّه يَبطُلُ بمَا تَبطُلُ به طهارةُ الماءِ، وهيَ نواقضُ الوضوءِ وموجِباتُ الغُسلِ.
• كمَا أنَّ المُتيمِّمَ للجَنابةِ أو للحَدَثِ، يعودُ جُنُبًا، أو مُحدِثًا إذا زالَ العُذرُ الَّذي من أجْلِه أُبيحَ له التيمُّمُ، وليس عليه إعادةُ مَا صلَّى.
• ومَن وجَدَ ماءً يكفِي لبعضِ أعضائِه، تطهَّرَ به، ثمَّ تيمَّمَ عنِ الباقِي.
نفَعَنا اللهُ بمَا سمِعْنا، وألهَمَنا رُشدَنَا، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ عن أحْكامٍ تتعلَّقُ بالدماءِ الطبيعيَّةِ الَّتي تَعرِضُ للمرأةِ.
طَهارةُ المرأةِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن أحْكامِ تخُصُّ طهارةَ المرأةِ([28])، وقبلَ الشُّروعِ فِي ذلكَ نُذكِّرُ: بأنَّه يجِبُ علَى المرأةِ المُسلمةِ أنْ تتعلَّمَ الأحْكامَ الَّتي تخُصُّها، وعلينا جميعًا أنْ نُعْنى بتعليمِ أهلِنا وأقارِبِنا وتَوجيهِهِم لمَا ينفَعُهم من أمرِ دينِهِم ودُنْياهُم، فِي عقيدتِهِم وطَهارتِهِم وصلاتِهِم وأخلاقِهِم وغيرِ ذلكَ.
ومِنَ الأحْكامِ الَّتي تخُصُّ المرأةَ: أحكامُ الحَيْضِ والنِّفَاسِ:
- فالحَيضُ: دمُ طبيعةٍ وَجِبِلَّةٍ، يخرُجُ من رحِمِ المرأةِ البالِغةِ فِي أوْقاتٍ معلومةٍ.
- ولا حدَّ لبَدءِ خُروجِ دمِ الحَيضِ ولا لنهايتِهِ، ولا حدَّ لأقلِّ مُدَّتِه، ولا لأكثَرِها، بل متى وُجِدَ بصفاتِهِ المعلومةِ فهو حَيضٌ([29]).
- أمَّا النِّفاسُ: فهو دمٌ يخرُجُ منَ المَرأةِ عندَ الوِلادةِ، أو قبلَها بيومَينِ أو ثلاثةٍ معَ الطَّلْقِ، ولا حدَّ لأقلِّ النِّفاسِ، وأكثَرُه أربعونَ يومًا.
- والحائضُ والنُّفَساءُ: يَحرُمُ عليهمَا الصلاةُ والصومُ، ويجِبُ عليهمَا قضاءُ الصومِ دونَ الصلاةِ، ويحرُمُ وَطؤُهُمَا وطلاقُهُما، كمَا يَحرُمُ عليهمَا الجلوسُ فِي المسجِدِ، ويحرُمُ عليهمَا مَا يحرُمُ علَى المُحدِثِ حدَثًا أصغَرَ. ويَلزَمُهمَا الغُسلُ إذا طَهُرَتَا.
• وإذا حاضَتِ المرأةُ أو نَفِسَتْ فِي وقتِ الصَّلاةِ قبلَ أنْ تُصلِّيَ؛ فإنَّه لا يجِبُ عليها قضاؤُها، إلَّا إذا أخَّرَتْها حتَّى ضاقَ الوقتُ عن فِعلِها، فعليها القضاءُ.
• وإذا طهُرَتِ الحائِضُ أوِ النُّفَساءُ قبلَ خُروجِ وَقتِ صلاةٍ؛ وجبَ عليها تأديةُ تلكَ الصلاةِ والصلاةِ التي قبلَها إذا كانت تُجمع مَعَها.
فَلَوْ طَهُرَت وقتَ العَصرِ؛ وَجَبَ عليها أنْ تُصَلّيَ الظُّهرَ والعصرَ، ولوْ طَهُرَت وقتَ العِشَاءِ؛ وَجَبَ عليها أنْ تُصَلّيَ المغرِبَ والعِشَاءِ. أمَّا لو طَهُرَت وقتَ الفَجرِ أو الظُّهرِ أو المغربِ؛ فإنَّها لا تُصَلِّي إلا صَلاةً واحِدةً، وهيَ الصلاةُ التي طَهُرَتْ في وقتِهَا.
- وممَّا يَعرِضُ لبعضِ النساءِ خروجُ دمِ الاستِحاضَةِ: وهو دمٌ يخرُجُ من أدْنى الرَّحِمِ فِي غيرِ أوقاتِهِ المُعتادةِ([30]).
- وأحْكامُ الاستحاضةِ كأحْكامِ الطُّهرِ، إلَّا أنَّه يجِبُ عليهَا:
1. أنْ تتوضَّأَ لكلِّ صلاةٍ لقولِ النبيِّ ﷺ: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلِّي» [رواه البخاري] أيْ: لا تتوضَّأُ للصلاةِ المؤقَّتةِ إلَّا بعدَ دخولِ وقتِها([31])، أمَّا الصلاةُ غيرُ المؤقَّتةِ فتتوضَّأُ لها عندَ إرادةِ فِعلِهَا.
2. وإذا أرادَتِ الوُضوءَ تَغسِلُ أثَرَ الدَّمِ، وتَعصِبُ علَى فَرْجِها خِرقَةً علَى قُطنٍ ليَستمسِكَ الدمُ، ويُغْني عن ذلكَ مَا يُسمَّى بـ (الفُوَطِ الصِّحِّيَّةِ) الَّتي تَستخدِمُهَا النساءُ فِي هذَا الزمنِ.
رزَقَنا اللهُ الطَّهارةَ فِي المَظهَرِ والجَوهَرِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن شروطِ الصلاةِ.
شُروطُ الصَّلاةِ (1)
حديثُنا فيمَا سيَأْتِي عن أحْكامِ الصلاةِ، فللصلاةِ شُروطٌ يجِبُ توفُّرُها قبلَ وأثناءَ الصلاةِ، ولها أرْكانٌ يجِبُ الإتيانُ بها، وتبطُلُ الصلاةُ إذا لم يأْتِ بها، ولها واجباتٌ يجِبُ القيامُ بها.
- فمِن شُروطِ صِحَّةِ الصلاةِ: الإسْلامُ، والعقلُ، والتمييزُ، فلا تصِحُّ الصلاةُ من كافرٍ، ولا مِمَّن لا عقلَ معَه، أو مَن غَطَّى عقلَه بمُسكرٍ وغيرِه، ولا مِمَّن هوَ دونَ سنِّ التمييزِ وهو سنُّ السابعةِ.
- ومن شُروطِها: دخولُ الوقتِ؛ لقولِ اللهِ تعالَى: }إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا{ [النساء: 103].
- وأوْقاتُ الصلواتِ كالتَّالِي:
وقتُ الظُّهرِ: يَبدأُ بزَوالِ الشمسِ، أيْ: مَيلِها جِهةَ المَغرِبِ بعدَ توسُّطِها فِي السماءِ([32])، وينتَهِي وقتُ الظُّهرِ إذا صارَ ظلُّ الشيءِ مثلَ طولِهِ (غيرَ الظلِّ الَّذي يكونُ عندَ الزَّوالِ([33])).
ووقتُ العَصرِ: يَبدأُ من نهايةِ وقتِ الظُّهرِ، إلى اصْفِرارِ الشمسِ، ويمتَدُّ وقتُ الضَّرورةِ إلى غروبِ الشمسِ([34]).
ووقتُ المغرِبِ: يَبدأُ بغروبِ الشمسِ، أيْ: بغروبِ قُرصِها جميعِه، ويمتَدُّ إلى مَغيبِ الشفَقِ الأحمَرِ.
ووقتُ العِشاءِ: يَبدأُ بانْتِهاءِ وَقتِ المَغرِبِ (غيابِ الشفَقِ الأحمَرِ)، إلى مُنتَصَفِ الليلِ، ووقتُ الضَّرورةِ إلى طُلوعِ الفَجرِ.
ووقتُ الفجرِ: يَبدأُ من طُلوعِ الفَجرِ الثانِي، ويَنتَهِي بطُلوعِ الشمسِ. والفَجرُ الثانِي (ويُسمَّى الفَجرَ الصادِقَ): هوَ البَياضُ المُعترِضُ فِي الأُفُقِ من جِهةِ المَشرِقِ، ويمتَدُّ منَ الشَّمالِ إلى الجَنوبِ([35]).
وقد جاءَتْ أوْقاتُ الصلَواتِ مُفصَّلةً فِي حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو t أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ، مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ، مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ» [رواه مسلم].
- ويُستحَبُّ تقديمُ الصلاةِ أوَّلَ وقتِها إلَّا العِشاءَ فيُستحَبُّ تأخيرُها إذا لم يشُقَّ ذلكَ علَى الناسِ، والظُّهرُ يُستحَبُّ تأخيرُها فِي شدَّةِ الحَرِّ حتَّى يخفَّ الحَرُّ.
- ومَن فاتَتْه الصلاةُ؛ وجَبَ قضاؤُها فَورًا مُرتَّبةً، فإنْ نَسيَ الترتيبَ، أو جهِلَ وجوبَ الترتيبِ؛ فلا شيءَ عليه، أو خافَ خروجَ وَقتِ الصلاةِ الحاضِرةِ؛ سقَطَ الترتيبُ بينَها وبينَ الفائتةِ.
جعَلَنَا اللهُ وذُريَّاتِنَا من مُقيمِي الصلاةِ فِي أوْقاتِها علَى أكمَلِ وجهٍ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونُكمِلُ الحديثَ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن بقيَّةِ شُروطِ الصلاةِ.
شُروطُ الصلاةِ (2)
تحدَّثْنَا فِي الدرسِ الماضِي عن شُروطِ الصلاةِ، وذكَرْنَا منها: الإسْلامَ والعقلَ والتمييزَ ودخولَ الوقتِ، ومن شُروطِ صحَّةِ الصلاةِ:
- سَترُ العَوْرةِ: بملابسَ لا تصِفُ البَشَرةَ (وعَوْرةُ الرجُلِ: ما بينَ السُّرَّةِ والرُّكبةِ، وأمَّا المَرأةُ: فجميعُ بَدَنِها عَوْرةٌ فِي الصلاةِ إلَّا وَجهَهَا وكفَّيْهَا، أمَّا إنْ كانَتْ عندَ رجالٍ غيرِ محارِمِهَا فتَستُرُ كلَّ جسدِهَا).
وممَّا يحسُنُ التنبيهُ إليه: أنَّ بعضَ الناسِ يَلبَسُ ثيابًا أو سَراويلَ قَصيرةً تكشِفُ جُزءًا من فَخِذِه أو أسفَلِ ظَهرِه ممَّا هوَ داخلٌ ضمنَ عَوْرتِه؛ فهذَا لا تصِحُّ صلاتُه.
وكذلكَ مَن يَلبَسُ ثيابًا تَشُفُّ مَا خلفَهَا، فتَرَى لونَ بشَرَتِه من خَلفِ مَلابِسِه؛ فهذَا لا تصحُّ صلاتُه.
- ومن شُروطِ الصلاةِ: الطهارةُ منَ الحدَثَينِ الأصغَرِ والأكبَرِ، وسبَقَ الحديثُ عنها بالتفْصيلِ.
- ومن شُروطِها: إزالةُ النجاسةِ: عن بدَنِهِ، ولِباسِهِ، والمكانِ الَّذي يُصلِّي عليهِ.
ومَن رَأَى عليه نجاسةً بعدَ الصلاةِ لا يَدْرِي متى حدثَتْ، أو كانَ ناسيًا لهَا؛ فصلاتُهُ صحيحةٌ. وإنْ عَلِمَ بها أثناءَ الصلاةِ وأمْكَنَه إزالتُهَا دونَ أنْ تنكشِفَ عَوْرتُهُ؛ فيُزيلُهَا ويُكمِلُ صلاتَهَ.
- ومن شُروطِ الصلاةِ: استِقْبالُ القِبلةِ([36])، والكَعبةُ هيَ قِبْلةُ المُسلِمينَ.
- ومن شُروطِهَا: النيَّةُ: ومَحَلُّها القلبُ، ولا يُشرَعُ التلفُّظُ بها.
• ولا تصِحُّ الصلاةُ فِي المَقبَرةِ -إلَّا الصلاةَ علَى الميِّتِ- كمَا لا تصِحُّ الصلاةُ فِي أعْطانِ الإبِلِ([37]).
اللهُمَّ اجعَلْنَا ممَّن أقامَ الصلاةَ حقَّ إقامتِهَا علَى الوجهِ الَّذي يُرضيكَ عنَّا، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن أرْكانِ الصلاةِ.
أرْكانُ الصلاةِ
تحدَّثْنَا فيمَا سبَقَ عن شُروطِ الصلاةِ، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن أرْكانِ الصلاةِ:
- وأرْكانُ الصلاةِ لا تسقُطُ عَمدًا ولا سَهوًا، وهي كالتالي:
الركنُ الأولُ: القيامُ معَ القُدرةِ: لقولِهِ ﷺ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» [رواه البخاري]. وهذَا فِي صلاةِ الفريضةِ، أمَّا النافلةُ فيَجوزُ أنْ يُصلِّيَهَا قاعدًا من غيرِ عُذرٍ، وله نصفُ الأجْرِ، لِمَا جاءَ فِي الحديثِ: «وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ» [رواه البخاري].
الركنُ الثاني: تَكبيرةُ الإحْرامِ: فِي أولِ الصلاةِ، لقولِهِ ﷺ: «ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ» [رواه البخاري].
الركنُ الثالثُ: قراءةُ الفاتحةِ فِي كلِّ ركعةٍ: لقولِهِ ﷺ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» [متفق عليه]، وتسقُطُ الفاتحةُ عمَّن أدرَكَ الإمامَ وهو راكعٌ، أو قبلَ الرُّكوعِ ولم يتمكَّنْ من قراءَتِها.
الركنُ الرابعُ: الركوعُ.
الركنُ الخامسُ: الرفعُ منَ الركوعِ.
الركنُ السادسُ: الاعتدالُ قائمًا، كحالِهِ قبلَ الركوعِ.
الركنُ السابعُ: السجودُ علَى الأعْضاءِ السبعةِ، وهي: الجَبهةُ والأنفُ، واليَدانِ، والرُّكبَتانِ، وأطْرافُ القَدَمَينِ.
الركنُ الثامنُ: الرفعُ منَ السجودِ.
الركنُ التاسعُ: الجلوسُ بينَ السجدَتَينِ.
الركنُ العاشرُ والحاديَ عشَرَ: التشهُّدُ الأخيرُ، وجِلستُهُ: وهو قولُ الدُّعاءِ الواردِ: «التَّحيَّاتُ للهِ والصلواتُ والطيِّباتُ...».
الركنُ الثانيَ عشَرَ: التسليمُ.
الركنُ الثالثَ عشَرَ: الطُّمأنينةُ، وهيَ السُّكونُ فِي كلِّ ركنٍ فِعليٍّ وإنْ قلَّ.
الركنُ الرابعَ عشَرَ: الترتيبُ بينَ الأرْكانِ.
اللهُمَّ فقِّهْنَا فِي الدِّينِ، وعلِّمْنا مَا ينفَعُنا فِي الدُّنْيا والآخِرةِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن حُكمِ مَن ترَكَ أو نَسيَ شيئًا من هذه الأركانِ.
حُكمُ مَن ترَكَ أو نَسيَ رُكنًا من أرْكانِ الصلاةِ
تحدَّثْنَا فِي الدرسِ الماضِي عن أرْكانِ الصلاةِ الأربعةَ عشَرَ، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن حُكمِ مَن ترَكَ أو نَسِيَ شيئًا منها:
- فإنْ ترَكَ أو نَسيَ تَكبيرةَ الإحْرامِ؛ لم تَنعقِدْ صلاتُه، أي: لم يدخُلْ فِي الصلاةِ.
- وإنْ كانَ غيرُها: فإنْ تركَهُ عَمدًا؛ بطَلَتْ صلاتُه، وإنْ تركَه سهوًا، ففيه تَفصيلٌ:
أ- إنْ ذكَرَه قبلَ الوصولِ إلى مَوضِعِه منَ الركعةِ التاليةِ، عادَ فأتَى به، وأكمَلَ صلاتَه، وسجَدَ للسهوِ.
مثالُه: لو نَسيَ الركوعَ، ثمَّ تذكَّرَه فِي السجودِ من نفْسِ الركعةِ أو فِي قراءةِ الركعةِ التاليةِ؛ فيترُكُ السجودَ أوِ القراءةَ، ويركَعُ، ثم يُكمِلُ صلاتَه، ويسجُدُ للسهوِ.
ب- وإنْ ذكَرَه بعدَ الوصولِ إلى مَوضِعِه منَ الركعةِ التاليةِ؛ أَلْغَى الركعةَ الناقصةَ، وجعَلَ هذه محلَّهَا، وأتمَّ صلاتَه، وسجَدَ للسهوِ.
مثالُهُ: لو نَسيَ الركوعَ منَ الأُولَى، ثمَّ تذكَّرَه عندَ ركوعِ الثانيةِ؛ فتُلغَى الركعةُ الأُولى، وتكونُ الثانيةُ هيَ الأُولى بالنسبةِ له، ويُكمِلُ صلاتَه ويسجُدُ للسهوِ.
ج- وإنْ لم يذكُرِ الركنَ إلَّا بعدَ السلامِ: فإنْ كانَ المتروكُ منَ الركعةِ الأخيرةِ؛ أتَى به وبمَا بعدَه، ثمَّ يسجُدُ للسهوِ. وإنْ كانَ المتروكُ من ركعةٍ قبلَهَا؛ أتَى بركعةٍ كاملةٍ، ثمَّ يسجُدُ للسهوِ. مَا لمْ يمُرَّ وقتٌ طويلٌ بينَ سلامِه وتذكُّرِه، فإنْ مضَى وقتٌ طويلٌ، أوِ انتقَضَ وضوؤُه؛ فإنَّه يُعيدُ صلاتَه.
جعَلَنا اللهُ ممَّن أتمَّ صلاتَه وأدَّاها علَى أكمَلِ وجهٍ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن واجِباتِ الصلاةِ.
واجباتُ الصلاةِ
تحدَّثْنا فِي الدرسِ الماضِي عنْ أركانِ الصلاةِ والأحْكامِ المُتعلِّقةِ بها، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن واجِباتِ الصلاةِ، وهي:
1. جميعُ التكبيراتِ، عَدا تَكبيرةِ الإحْرامِ.
2. قولُ: «سمِعَ اللهُ لمَن حمِدَه» للإمْامِ والمُنفرِدِ، أمَّا المأمومُ فلا يقولُها.
3. قولُ: «ربَّنَا ولكَ الحَمدُ» للإمامِ والمُنفرِدِ والمأمومِ.
4. قولُ: «سبحانَ ربِّيَ العظيمِ» فِي الركوعِ، ويُستحَبُّ أنْ يُكرِّرَها ثلاثًا أو أكثَرَ.
5. قولُ: «سبحانَ ربيَّ الأعْلَى» فِي السجودِ، ويُستحَبُّ أنْ يُكرِّرَها ثلاثًا أو أكثَرَ.
6. التشهُّدُ الأولُ، وهو أنْ يقولَ: «التَّحِيَّاتُ لِلهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» [متفق عليه].
7. الجلوسُ للتشهُّدِ الأوَّلِ.
- ومَن ترَكَ واجبًا من هذه الواجِباتِ عَمدًا؛ بطَلَتْ صلاتُه.
- ومَن تركَه سهوًا أو جهلًا؛ فيَجبُرُه بسجودِ السهوِ.
نسألُ اللهَ تعالَى أنْ يَرزُقَنا العِلمَ النافعَ والعملَ الصالِحَ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن آدابِ المَشيِ إلى الصلاةِ.
آدابُ المَشيِ إلى الصلاةِ
تحدَّثْنَا فيمَا سبَقَ عن شروطِ الصلاةِ وأرْكانِهَا وواجِباتِهَا، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن آدابِ المَشيِ إلى الصلاةِ:
- فيجِبُ علَى الرجُلِ المُسلِمِ أداءُ الصلاةِ فِي جماعةٍ؛ لقولِه تعالَى: }وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ{ [البقرة: 43]، ولمَا رَواهُ مُسلمٌ فِي صحيحِه أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ».
- ويُستحَبُّ أنْ يأتيَ إلى الصلاةِ مُتوضِّئًا وعليه السَّكِينةُ والوَقَارُ، لقولِ النبيِّ ﷺ: «إذا أُقيمَتِ الصَّلاةُ فلا تأْتوهَا وأنتُمْ تَسعَوْنَ، ولكنِ ائْتُوهَا وأنتُمْ تَمشُونَ وعليكمُ السَّكينةُ، فمَا أدْرَكتُم فصلُّوا، ومَا فاتَكُم فأتِمُّوا» [متفق عليه].
- وإذا أرادَ أنْ يدخُلَ المسجِدَ قدَّمَ رجْلَه اليُمْنَى، وقالَ: «اللَّهُمَّ افتَحْ لي أبوابَ رَحْمَتِكَ» [رواه مسلم].
- وإذا أرادَ الخروجَ منَ المسجِدِ: قدَّمَ رِجْلَه اليُسْرى، وقالَ: « اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ» [رواه مسلم].
- ويُستحَبُّ التبكيرُ إلى الصلاةِ، والحرصُ علَى إدْراكِ تَكبيرةِ الإحْرامِ، والصفِّ الأولِ، والقُربُ منَ الإمامِ، وتَسويةُ الصُّفوفِ، وسدُّ الفُرَجِ.
- ويُستحَبُّ لمَن دخَلَ المسجِدَ ألّا يجلِسَ حتَّى يُصلّيَ ركعتَيْ تحيةِ المسجِدِ؛ لقولِهِ ﷺ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» [متفق عليه].
نسألُ اللهَ تعالى أن يجعلنا مِـمَّن عُلِّقَتْ قُلوبُهم بالمساجدِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن صفةِ الصلاةِ الصحيحةِ كمَا وردَتْ فِي السُّنةِ.
صفةُ الصلاةِ
يقولُ النبيُّ ﷺ: «صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» [رواه البخاري]، وحديثُنا فِي هذَا الدرسِ عن: صفةِ الصلاةِ كمَا وَرَدَتْ فِي السُّنةِ، وهي كالتالِي:
- يقومُ المُصلِّي مُستقبِلًا القِبلةَ، قائلًا: «اللهُ أكبَرُ»، رافعًا يدَيْه حَذْوَ مَنكِبَيْهِ أو إلى أُذُنَيْه، وينظُرُ إلى موضِعِ سُجودِه.
- ثمَّ يضَعُ يدَه اليُمْنَى علَى اليُسْرَى ويضعُهمَا علَى صَدرِه، أو فوقَ السُّرَّةِ تحتَ الصدرِ، أو تحتَ السُّرَّةِ. وفِي صفةِ الوَضعِ:
1. إمَّا أنْ يضَعَ كفَّه اليُمْنَى علَى ظَهرِ كفِّه اليُسْرَى والرُّسغِ والسَّاعِدِ [والرُّسغُ: هوَ المَفصِلُ الَّذي بينَ الكفِّ والساعِدِ].
2. أو يضَعَ يدَه اليُمْنَى علَى ذِراعِه اليُسْرَى.
- ثمَّ يقولُ دعاءَ الاستِفْتاحِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ» أو غيرَه ممَّا ورَدَ. ثمَّ يقولُ: أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيمِ، بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، ثمَّ يقرأُ سورةَ الفاتحةِ، وفِي آخِرِها يقولُ «آمينَ» جَهرًا فِي الجَهريَّةِ، وسرًّا فِي السرِّيَّةِ.
- ثمَّ يقرأُ بعدَ الفاتحةِ فِي الركعتَينِ الأُولَيَيْنِ مَا تيسَّرَ له منَ القرآنِ.
- ثمَّ يُكبِّرُ للركوعِ، رافعًا يدَيْه حَذْوَ مَنكِبَيْه، أو إلى أُذُنَيْه، ويضَعُ يدَيْه علَى رُكبتَيْه مُفرِّقًا أصابِعَه، ويجعَلُ رأسَه مُوازيًا لظَهرِه، ويمُدُّ ظَهرَه ويَجعَلُه مُستقيمًا، ويطمَئِنُّ فِي ركوعِه، ويقولُ: «سبحانَ ربِّيَ العظيمِ» ثلاثًا أو أكثَرَ.
- ثمَّ يرفَعُ رأسَه قائلًا: «سمِعَ اللهُ لمَن حمِدَه» رافعًا يدَيْه، وقولُ: «سمِعَ اللهُ لمَن حمِدَه» لمَن كانَ إمامًا أو مُنفرِدًا، أمَّا المأمومُ فلا.
- فإذا اعتدَلَ قائمًا قالَ: «ربَّنا ولكَ الحمدُ»، أو «ربَّنا لكَ الحمدُ»، أو «اللهُمَّ ربَّنا ولكَ الحمدُ»، أو «اللهُمَّ ربَّنا لكَ الحمدُ»، وإنْ زادَ ممَّا ورَدَ منَ الأذْكارِ فحسَنٌ.
- ثمَّ يُكبِّرُ، ويخِرُّ ساجدًا، ولا يرفَعُ يدَيْه، فيسجُدُ علَى أعْضائِه السبعةِ [الجبهةِ والأنفِ، واليدَينِ، والرُّكبتَينِ، وأطْرافِ القدَمَينِ]، ويَستقبِلُ بأصابعِ يدَيْه ورِجْلَيْه القِبلةَ، ويضَعُ يدَيْه حَذْوَ مَنكِبَيْه، أو حَذْوَ أُذُنَيْه، ويُمكِّنُ جبهتَه وأنفَه منَ الأرضِ، ويرفَعُ ذراعَيْه عنِ الأرضِ، ويُفرِّجُ بينَ فخِذَيْه، ويرفَعُ بطنَه عنهما. يفعَلُ ذلكَ قَدرَ استطاعتِه، وبِمَا لا يكونُ معَه أذيَّةٌ لمَن بجانِبِه، ويقولُ فِي سجودِه: «سبحانَ ربِّيَ الأعْلى» ثلاثًا أو أكثَرَ، ويُكثِرُ منَ الدعاءِ؛ لقولِهِ ﷺ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» [رواه مسلم].
- ثمَّ يرفَعُ مُكبِّرًا، ويجلِسُ مفترِشًا، وذلكَ: بأنْ يفرِشَ رجْلَه اليُسْرى، ويجلِسَ عليها، وينصِبَ اليُمْنى([38]). ويضَعُ يدَهُ اليُمْنى علَى الفخِذِ اليُمْنى، ويدَه اليُسْرى علَى الفخِذِ اليُسْرى عندَ الرُّكْبةِ، أو علَى الرُّكْبةِ. ويطمئنُّ فِي جُلوسِه، ويقولُ: «ربِّ اغفِرْ لي» ثلاثًا أو أكثَرَ.
- ثمَّ يُكبِّرُ ويسجُدُ، ويفعَلُ فِي الثانيةِ كمَا فعَلَ فِي السجدةِ الأُولى.
- ثمَّ يرفَعُ رأسَه مكبِّرًا، وينهَضُ قائمًا للركعةِ الثانيةِ، ويفعَلُ فِي الركعةِ الثانيةِ كمَا فعَلَ فِي الركعةِ الأُولى.
- ثمَّ يجلِسُ للتشهُّدِ الأوَّلِ فِي الصلاةِ الثُّلاثيَّةِ والرُّباعيَّةِ، مُفترِشًا كمَا يجلِسُ بينَ السجدَتَينِ، ويضَعُ يدَيْه علَى فَخِذَيْه، ويُحلّقُ إبْهامَ يدِهِ اليُمْنى معَ الوُسْطى، ويَقبِضُ الخِنصِرَ والبِنصِرَ، ويُشيرُ بالسبَّابةِ، أو يَقبِضُ أصابِعَه كلَّها ويُشيرُ بالسبَّابةِ، وينظُرُ إليها، ويقولُ: «التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» [متفق عليه].
- ثمَّ ينهَضُ مكبِّرًا للثالثةِ، رافعًا يدَيْه، فيُصلِّي الثالثةَ والرابعةَ، ويقرأُ بالفاتحةِ.
- ثمَّ يجلِسُ للتشهُّدِ الأخيرِ، مُتوَرِّكًا، وصفتُه: أنْ يَفرِشَ رِجلَه اليُسْرى ويُخرِجَها عن يَمينِه، ويَنصِبَ قدمَه اليُمْنى، ويجلِسَ علَى مَقعَدَتِه([39]). ثم يتشهَّدُ التشهُّدَ الأخيرَ: وهو التشهُّدُ الأولُ، ويَزيدُ عليه: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». [رواه البخاري]. ويَستعيذُ باللهِ من أربعٍ، فيقولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ». [رواه مسلم]، ويَدْعو بمَا شاءَ.
- ثم يُسلِّمُ عن يمينِه وشِمالِه قائلًا: «السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ.. السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ».
- فإذا سلَّمَ، قالَ: «أستغفِرُ اللهَ» ثلاثًا، ويقولُ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ»، ثمَّ يذكُرُ اللهَ بمَا ورَدَ من أذْكارِ ما بعدَ الصلواتِ.
نَكتَفِي بهذَا القَدرِ.. ونتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ عنْ أخْطاءٍ فِي الصلاةِ يقَعُ فيها بعضُ الناسِ.
من أخْطاءِ المُصلِّينَ (1)
تحدَّثْنَا فِي الدرسِ الماضِي عن صفةِ الصلاةِ، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرس عن أخْطاءٍ يقَعُ فيها بعضُ المُصلِّينَ؛ فنَذكُرُها علَى سبيلِ الإيجازِ والاختِصارِ؛ لنتجنَّبَها، ونُنبِّهَ غيرَنا، فمن تلك الأخْطاءِ:
- الجَهرُ بالنيَّةِ عندَ ابتِداءِ الصلاةِ، وهو بِدعةٌ، لم يَفعَلْه رَسولُ اللهِ ﷺ، ولا أصحابُه، والنيَّةُ مكانُها القلبُ ولا يُشرَعُ التلفُّظُ بها.
- ومنَ الأخْطاءِ: أنَّ بعضَ الناسِ إذا دخَلَ المسجِدَ والإمامُ راكعٌ، كبَّرَ تكبيرةَ الإحْرامِ وهو مُنْحَنٍ للركوعِ، وهذَا مُبطِلٌ للصلاةِ؛ لأنَّ تَكبيرةَ الإحْرامِ يجِبُ أنْ يأْتيَ بها قائمًا، ثم يكبِّرَ للركوعِ ويركَعَ. ولوِ استعجَلَ فترَكَ تكبيرةَ الركوعِ واكْتَفَى بتكبيرةِ الإحْرامِ وهو قائمٌ؛ أجْزَأتْه صلاتُه.
- ومنَ الأخْطاءِ: الإسْراعُ عندَ سماعِ الإقامةِ، أو خَشيةَ فواتِ الركعةِ، وقد قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» [رواه البخاري]، فالسُّنَّةُ أنْ يَمشيَ متأنِّيًا كَمَشيِه المُعتادِ.
- ومنَ الأخْطاءِ: عدمُ تَسويةِ الصفوفِ، وقد قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ» [رواه البخاري ومسلم]، والمُعتَبَرُ فِي تَسويةِ الصفِّ: مُحاذاةُ المناكِبِ (وهيَ الأكتُفُ) فِي أعْلَى البَدَنِ، والأكعُبُ فِي أسفَلِ البَدَنِ، (والكعبُ هوَ المَفصِلُ الَّذي يربِطُ الساقَ بالقدَمِ).
- ومنَ الأخْطاءِ: إتْيانُ المسجِدِ بعدَ أكْلِ الثُّومِ أوِ البصلِ؛ لقولِه ﷺ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» [متفق عليه] ويُلْحَقُ به مَا له رائحةٌ كريهةٌ تؤْذِي المُصلِّينَ كالدُّخانِ، فهو مُنكَرٌ فِي ذاتِهِ، وأَذيَّةُ المُصلِّينَ برائحتِهِ مُنكَرٌ آخَرُ.
- ومنَ الأخْطاءِ: تَشبيكُ الأصابِعِ فِي الصلاةِ أو عندَ الخروجِ إلى المسجِدِ، وهو مَكروهٌ؛ لقولِ النبيِّ ﷺ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَلا يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ فِي صَلاةٍ» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
حَمَانَا اللهُ منَ الخطأِ والزَّلَلِ، وعَفَا عن تَقصيرِنَا، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونُكمِلُ الحديثَ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ.
من أخْطاءِ المُصلِّينَ (2)
نواصِلُ حديثَنَا الَّذي بدَأْنَاه فِي الدرسِ الماضِي، عن أخْطاءِ بعضِ المُصلِّينَ:
- فمن تلك الأخْطاءِ: تَركُ التزيُّنِ للصلاةِ، فبعضُ الناسِ يَحضُرونَ إلى الصلاةِ -وخاصَّةً صلاةَ الفَجرِ- بملابسِ النومِ أو بملابسَ رديئةٍ لا يَلبَسونَها فِي مكانِ عملِهم أو مُناسباتِهم، وقد قالَ اللهُ ﷻ: }يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ{ [الأعراف: 31].
- ومنَ الأخْطاءِ: الاستِنادُ إلى جِدارٍ أو عمودٍ أثناءَ القيامِ فِي صلاةِ الفريضة، من غيرِ عُذرٍ، وهذَا مُبطِلٌ للصلاةِ، وذلكَ لأنَّ القيامَ معَ القُدرةِ رُكنٌ من أرْكانِ الصلاةِ.
- ومنَ الأخْطاءِ: رَفعُ البصرِ إلى السماءِ أثْناءَ الصلاةِ، وقد نَهَى النبيُّ ﷺ عن ذلكَ؛ فعن أنسٍ t: قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ -فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ-: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» [رواه البخاري].
- ومنَ الأخْطاءِ: قولُ بعضِ المأْمومينَ عندَ قراءةِ الإمامِ: }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ استعَنَّا باللهِ، وهذَا مخالفٌ للسُّنَّةِ وعدَّهُ الإمامُ النوويُّ -رحمَهُ اللهُ- منَ البِدَعِ.
- ومنَ الأخْطاءِ: رفعُ المأمومِ صوتَه بالقرآنِ والأذْكارِ فِي صلاةِ الفريضةِ، فيُشوِّشُ علَى مَن بجانِبِه منَ المُصلِّينَ، وقد قالَ النبيُّ ﷺ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاةِ، فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ فَلا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ فتُؤْذوا المؤمِنينَ» [صححه الألباني].
- ومنَ الأخْطاءِ: عدمُ تأمينِ بعضِ المأْمومينَ معَ الإمامِ، وقد قالَ النبيُّ ﷺ: «إذا أمَّنَ الإمامُ فأمِّنوا؛ فإنَّه مَن وافقَ تأمينُه تأمينَ الملائكةِ، غُفِرَ له مَا تقدَّمَ من ذنبِه». وقالَ ابنُ شهابٍ: وكان الرسولُ ﷺ يقولُ: «آمينَ» [رواه البخاري].
رزَقَنَا اللهُ الفقهَ فِي الدِّينِ، واتِّباعَ سُنَّةِ سيدِ المُرسَلينَ ﷺ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونُكمِلُ الحديثَ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ.
من أخْطاءِ المُصلِّينَ (3)
نَستكمِلُ حديثَنَا عن أخْطاءِ بعضِ المُصلِّينَ:
- فمن تلك الأخْطاءِ: انتِظارُ المَسبوقِ للإمامِ إنْ كان ساجدًا أو جالسًا حتَّى يقومَ، والمشروعُ الدخولُ معَه فِي أيِّ رُكنٍ؛ لعمومِ قولِ النبيِّ ﷺ: «فَمَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» [رواه البخاري].
- ومنَ الأخْطاءِ الَّتي تُبطِلُ الصلاةَ: عدمُ السجودِ علَى الأعْضاءِ السبعةِ، وقد قالَ ﷺ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ- وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» [متفق عليه]، فبعضُهم إذا سجَدَ رفَعَ قدمَيْه قليلًا عنِ الأرضِ، أو وضَعَ إحْداهُمَا علَى الأُخْرى، وبعضُهم لا يُمكِّنُ أنفَه أو جبهتَهُ منَ الأرضِ، وهذَا مُبطِلٌ للصلاةِ.
- ومنَ الأخْطاءِ فِي السجودِ: أنْ يُلصِقَ ذِراعَيْه بالأرضِ، وقد نَهَى النبيُّ ﷺ عن ذلكَ، حيثُ قالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ» [متفق عليه]. والمقصودُ بالاعتدالِ: التوسُّطُ بينَ الانفِراشِ، وبينَ القبضِ والتقوُّسِ. كما يُسَنُّ التجافِي والتباعُدُ فِي السجودِ، وصفتُهُ: أنْ يرفَعَ مِرفَقيْه، ويُباعِدَ عضُدَيْه عن جنبَيْه، ويرفَعَ بَطنَه عن فَخِذَيْه، وفَخِذَيْه عن ساقَيْه، يفعَلُ ذلكَ قدرَ استطاعتِه، وبلا مبالغةٍ، وبمَا لا يكونُ معَه أذيَّةٌ لمَن بجانِبِه.
- ومنَ الأخْطاءِ: عدمُ مُتابَعةِ الإمامِ فِي أفعالِ الصلاةِ، كمَن يُسابِقُ الإمامَ، أو يوافِقُه، أو يتأخَّرُ عنه، وقد قالَ النبيُّ ﷺ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا» [متفق عليه]، وقالَ ﷺ: «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ اللهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» [ رواه البخاري].
جعَلَنَا اللهُ منَ السالِكينَ لدُروبِ العلمِ النافِعِ، المُستَضيئينَ بنورِهِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونُكمِلُ الحديثَ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ.
من أخْطاءِ المُصلِّينَ (4)
نُكمِلُ حديثَنَا عن أخْطاءِ بعضِ المُصلِّينَ؛ تَذْكيرًا لأنفُسِنا وتَنْبيهًا لغيرِنَا:
- فمنَ الأخْطاءِ المُبطِلةِ للصلاةِ: عدمُ تَحْقيقِ الطُّمأنينةِ فِي الصلاةِ، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ t أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ دخلَ المسجدَ، فدخلَ رجلٌ فصلَّى، فسلَّمَ علَى النبيِّ ﷺ فَرَدَّ، وقالَ: «ارجِعْ فَصَلِّ، فإنَّكَ لمْ تُصَلِّ» فرجَعَ يُصلِّي كمَا صلَّى، ثمَّ جاءَ، فسلَّمَ علَى النبيِّ ﷺ، فقالَ: «ارجِعْ فصَلِّ فإنَّكَ لم تُصَلِّ» حتَّى فعَلَ ذلكَ ثلاثَ مرَّاتٍ، فقالَ: والَّذي بعثَكَ بالحقِّ، مَا أُحسِنُ غيرَهُ، فعَلِّمْنِي؟ فقالَ: «إذا قمتَ إلى الصلاةِ فكَبِّرْ، ثمَّ اقرأْ مَا تيسَّرَ معَكَ منَ القرآنِ، ثمَّ ارْكَعْ حتَّى تطمئِنَّ راكعًا، ثمَّ ارفَعْ حتَّى تعتدِلَ قائمًا، ثمَّ اسجُدْ حتَّى تطمئِنَّ ساجدًا، ثمَّ ارفَعْ حتَّى تطمئِنَّ جالسًا، وافعلْ ذلكَ فِي صلاتِكَ كُلِّهَا» [رواه البخاري]، وتحصُلُ الطمأنينةُ باستقرارِ الأعْضاءِ وسُكونِها فِي كلِّ رُكنٍ فِعليٍّ كالركوعِ والسجودِ والقيامِ والجلوسِ.
- ومنَ الأخْطاءِ المُبطِلةِ للصلاةِ: عدمُ التلفُّظِ وتحريكِ اللسانِ بأذْكارِ الصلاةِ، فيقرأُ الفاتحةَ وغيرَهَا منَ الأذْكارِ كالتسبيحِ والتكبيرِ، يقرؤُهَا فِي قلبِهِ دونَ أنْ يتلفَّظَ بهَا بلسانِهِ، وهذَا خطأٌ مُبطِلٌ للصلاةِ، والواجِبُ أنْ يتلفَّظَ بذلكَ ويُحرِّكَ به لسانَهُ، وأمَّا مَن لا يُحرِّكُ لسانَه، فهذا تفكُّرٌ، وليستْ قراءةً.
- ومنَ الأخْطاءِ: رفعُ الرأسِ وخَفضُه بينَ التسليمَتَينِ، وهذَا لم يرِدْ فِي السُّنَّةِ، ولا عن أحدٍ من أهْلِ العلمِ.
- ومنَ الأخْطاءِ: المُداوَمةُ علَى مصافَحةِ المُصلِّي لمَن بجِوارِهِ بعدَ السلامِ منَ الصلاةِ مباشرةً، وقولُ: تقبَّلَ اللهُ، أو حَرمًا، وهذَا غيرُ مشروعٍ، وهو منَ المُحدَثاتِ.
- ومنَ الأخْطاءِ: أنْ يقومَ المَسبوقُ لقَضاءِ مَا فاتَه، قبلَ أنْ يُسلِّمَ الإمامُ التسليمةَ الثانيةَ.
- ومنَ الأخْطاءِ: إقامةُ جماعةٍ ثانيةٍ فِي المسجِدِ والإمامُ مَا زالَ فِي صلاتِهِ، وقدْ نَهَى أهلُ العلمِ عن ذلكَ لمَا فيه من تَفريقِ المُسلِمينَ، وتَشْويشِ بعضِهم علَى بعضٍ.
جعَلَنَا اللهُ ممَّن يستمِعُ القولَ فيتَّبِعُ أحسَنَه، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونُكمِلُ الحديثَ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ.
من أخْطاءِ المُصلِّينَ (5)
نواصِلُ حديثَنَا حولَ بعضِ أخْطاءِ المُصلِّينَ:
- فمن تلك الأخْطاءِ: الصلاةُ بملابسَ قصيرةٍ ينكشِفُ معَها جُزءٌ منَ العَوْرةِ كالفخِذِ أو أسفلِ الظَّهرِ، وهذَا مُبطِلٌ للصلاةِ. (وعَورةُ الرجُلِ ما بينَ السُّرةِ والرُّكبةِ، والمرأةُ جميعُ بدنِها عَورةٌ فِي الصلاةِ إلَّا وجهَهَا وكفَّيْهَا، أمَّا إنْ كانتْ عندَ رجالٍ غيرِ محارِمِها فتستُرُ كلَّ جسدِهَا).
- ومنَ الأخْطاءِ: تساهُلُ بعضِ المَرْضَى فِي أداءِ الصلاةِ حسَبَ الاستِطاعةِ، فالبعضُ يَستطيعُ أنْ يُصلِّيَ قائمًا، لكنَّه لا يَستطيعُ أنْ يُكمِلَ القيامَ إلى الرُّكوعِ، فعليه: أنْ يُصلِّيَ قائمًا بقَدرِ استطاعَتِه، فإذا تعِبَ يَجلِسُ، وهكذا الَّذي يَستطيعُ السجودَ ولا يَستطيعُ الركوعَ، فيجِبُ عليه أنْ يأتيَ بالسجودِ علَى الصفةِ المَشْروعةِ، وأمَّا الركوعُ فيركَعُ جالسًا، أو بقَدرِ استطاعَتِه؛ لقولِهِ ﷺ: «صَلِّ قائمًا، فإنْ لمْ تستَطِعْ فقاعدًا، فإنْ لمْ تستَطِعْ فعلَى جَنْبٍ» [رواه البخاري]. وقولِه ﷺ: «وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [متفق عليه].
- ومنَ الأخْطاءِ: عدمُ تقديمِ الأقرَأِ للقرآنِ للإمامةِ إذَا كانَ صغيرًا أو وضيعًا فِي تقديرِ الناسِ، وقد قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا»، وفِي روايةٍ: «فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا..» [رواه مسلم].
- ومنَ الأخْطاءِ: الخُروجُ منَ المسجِدِ بعدَ الأذانِ لغيرِ عُذرٍ؛ لمَا رَوَى مسلمٌ فِي صحيحِهِ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ t فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ t: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ». ويُستثْنَى من ذلكَ: مَن خرَجَ ليتوضَّأَ، أو خرَجَ بنيَّةِ العودةِ وفِي الوقتِ مُتّسعٌ، كمَا لو خرَجَ ليوقِظَ أهلَه، ثمَّ يعودَ، وكذلكَ مَن خرَجَ للصلاةِ فِي مسجدٍ آخَرَ إذا علِمَ أنَّه سيُدرِكُ الجماعةَ فيه.
زادَنَا اللهُ عِلمًا وفِقهًا فِي الدِّينِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ عن سجودِ السهوِ، وبعضِ المسائلِ المُتعلِّقةِ بالسهوِ فِي الصلاةِ.
أحْكامُ سُجودِ السهوِ (1)
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن سُجودِ السهوِ وبعضِ المسائلِ المُتعلِّقةِ بالسهوِ فِي الصلاةِ:
فسجـودُ السهـوِ: عبارةٌ عن سَجدتَينِ يَسجُدُهمَا المُصلِّي لجَبرِ الخَلَلِ الحاصِلِ فِي صلاتِه بسببِ السهوِ والنِّسيانِ، وأسبابُه ثلاثةٌ: الزيادةُ، أوِ النقصُ، أوِ الشكُّ فِي الصلاةِ.
فالسببُ الأولُ: الزيادةُ فِي الصلاةِ:
- فإذَا سَهَا المُصلِّي فِي صلاتِه، فزادَ قيامًا، أو رُكوعًا، أو نحوَهُمَا من أفْعالِ الصلاةِ سَهوًا ونِسْيانًا، ولم يذكُرِ الزيادةَ حتَّى فرَغَ منها؛ فليسَ عليه إلَّا سجودُ السهوِ.
مثالُ ذلكَ: شخصٌ صلَّى الظُّهرَ (مثلًا) خمسَ رَكَعاتٍ، ولم يذكُرِ الزيادةَ إلَّا وهو فِي التشهُّدِ الأخيرِ؛ فيُكمِلُ صلاتَه ويُسلِّمُ، ثمَّ يسجُدُ للسهوِ ثمَّ يُسلِّمُ، وإنْ سجَدَ قبلَ السلامِ فلا بأْسَ([40]).
- أمَّا إنْ ذكَرَ الزيادةَ فِي أثْنائِهَا وجَبَ عليه الرجوعُ عنها، وإكمالُ صلاتِه، وسجودُ السهوِ بعدَ السلامِ، وإنْ سجَدَ قبلَ السلامِ فلا بأْسَ.
دليلُ ذلكَ: حديثُ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ t، أنَّ النبيَّ ﷺ، صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قَالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ، وفِي روايةٍ: فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ. [متفق عليه].
نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ عنِ السبَبِ الثانِي من أسْبابِ سُجودِ السهوِ، وهو النَّقصُ في الصلاة.
أحْكامُ سجودِ السهوِ (2)
نواصِلُ مَا بدأْناهُ من حديثٍ حولَ أحْكامِ سجودِ السهوِ، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ السببِ الثاني من أسْبابِ سجودِ السهوِ، وهو: النقصُ فِي الصلاةِ. ويختلِفُ باختلافِ المَنقوصِ رُكنًا كانَ، أو واجبًا:
أولًا: إنْ كانَ المَنقوصُ رُكنًا (كالركوعِ، أوِ السجودِ، أوِ الفاتحةِ وغيرِها):
- فإنْ ذَكَرَه (أي: الركنَ) قبلَ الوُصولِ إلى مَوْضِعِهِ منَ الركعةِ التاليةِ؛ عادَ فأَتَى بهِ، وأكمَلَ صلاتَه، وسجَدَ للسهوِ.
مثالُه: لو نَسِيَ الركوعَ، ثمَّ تذكَّرَه فِي السجودِ من نفْسِ الركعةِ أو فِي قراءةِ الركعةِ التاليةِ؛ فيترُكُ السجودَ أوِ القراءةَ، ويركَعُ، ثمَّ يُكمِلُ صلاتَه، ويسجُدُ للسهوِ بعدَ السلامِ، وإنْ سجَدَه قبلَه فلا بأْسَ.
- وإنْ ذكَرَه (أي: الركنَ) بعدَ الوُصولِ إلى مَوضِعِه منَ الركعةِ التاليةِ؛ أَلْغَى الركعةَ الناقصةَ، وجعَلَ هذه مَحلَّهَا، وأتمَّ صلاتَه، وسجَدَ للسهوِ بعدَ السلامِ، وإنْ سجَدَه قبلَه، فلا بأْسَ.
مثالُه: لو نَسيَ الركوعَ منَ الأُولَى، ثمَّ تذكَّرَه عندَ ركوعِ الثانيةِ؛ فتُلْغَى الركعةُ الأُولَى، وتكونُ الثانيةُ هيَ الأُولَى بالنسبةِ له.
- وإنْ لمْ يذكُرِ الركنَ إلَّا بعدَ السلامِ: فإنْ كانَ المتروكُ منَ الركعةِ الأخيرةِ؛ أتَى به، وبمَا بعدَه، ثمَّ يسجُدُ للسهوِ. وإنْ كانَ المتروكُ منَ رَكعةٍ قبلَهَا؛ أتَى بركعةٍ كاملةٍ، ثمَّ يسجُدُ للسهوِ. مَا لمْ يمُرَّ وقتٌ طويلٌ بينَ سلامِه وتذكُّرِه، فإنْ مضَى وقتٌ طويلٌ، أوِ انتقَضَ وضوؤُه؛ فإنَّه يُعيدُ صلاتَه.
دليلُ ذلكَ: حديثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ «صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ، وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَصَدَقَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ» [رواه مسلم].
- وإنْ كانَ الركنُ الَّذي نَسِيَهُ تكبيرةَ الإحْرامِ؛ لم تَنعقِدْ صلاتُه، أي: لم يدخُلْ فِي الصلاةِ، وعليه إعادتُهَا.
ثانيًا: إنْ كانَ المَنقوصُ واجبًا (كتكبيراتِ الانتِقالِ، أوِ التشهُّدِ الأولِ، أو قولِ: سبحانَ ربِّيَ العظيمِ فِي الركوعِ.. وغيرِها):
- فإنْ ذكَرَه قبلَ أنْ يُفارِقَ محلَّه؛ وجبَ أنْ يأْتِيَ به، ولا شيءَ عليه، ولا يسجُدَ للسهوِ.
- وإنْ ذكَرَه بعدَ مُفارَقةِ محلِّه، وقبلَ أنْ يصِلَ للركنِ الَّذي يَليهِ؛ فإنَّه يرجِعُ ويأْتِي به، ويُكمِلُ صلاتَه. ثمَّ يسجُدُ بعدَ السلامِ، وإنْ سجَدَ قبلَه فلا بأْسَ.
- وإنْ ذكَرَه بعدَ وصولِه إلى الركنِ الَّذي يَليهِ؛ سقَطَ عنه، فلا يرجِعُ إليه، بل يُكمِلُ صلاتَه، ويسجُدُ للسهوِ قبلَ السلامِ.
دليلُ ذلكَ: مَا رَوَاه البُخاريُّ ومُسلمٌ عن عَبدِ اللهِ بْنِ بُحَيْنَةَ t: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ».
زادَنَا اللهُ علمًا وتَوْفيقًا، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عنِ السببِ الثالثِ من أسْبابِ سجودِ السهوِ، وهو الشكُّ.
أحْكامُ سجودِ السهوِ (3)
نُكمِلُ حديثَنَا عن أحْكامِ سجودِ السهوِ، ونَختِمُه فِي هذَا الدرسِ بالحديثِ عنِ السببِ الثالثِ من أسبابِ سُجودِ السهوِ، وهو: الشكُّ والتردُّدُ بينَ أمرَينِ.
- فإنْ غلَبَ علَى ظنِّه أحدُهما؛ عَمِلَ به، وسَجَدَ للسهوِ بعدَ السلامِ، وإنْ سجَدَ قبلَ السلامِ فلا بأْسَ.
لمَا رَوَاه عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ t عنِ النبيِّ ﷺ أنَّه قالَ: «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» [متفق عليه].
- وإنْ لمْ يترجَّحْ عندَه أحدُهما؛ فعليه أنْ يعمَلَ باليَقينِ وهوَ الأقلُّ، فيُتمَّ عليه صلاتَه، ويسجُدَ للسهوِ قبلَ السلامِ.
دليلُ ذلكَ: مَا رَوَاه أبو سعيدٍ الخُدْريُّ t، أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «إذا شَكَّ أحدُكُمْ فِي صلاتِهِ فلمْ يَدرِ كَمْ صلَّى؟ ثلاثًا أمْ أربعًا؟ فلْيطرَحِ الشَّكَّ، ولْيَبنِ علَى مَا استَيقنَ، ثمَّ يسجُدُ سجدتَينِ قبلَ أنْ يُسلِّمَ، فإنْ كانَ صلَّى خَمسًا، شفَعْنَ لَه صلاتَه، وإنْ كانَ صلَّى إتمامًا لأربعٍ، كانتَا تَرْغيمًا للشَّيطانِ» [صححه الألباني].
• والشكُّ فِي العباداتِ لا يُلتفَتُ إليهِ فِي الحالَينِ التالِيَينِ:
1- إذا كانَ بعدَ الفَراغِ منَ العبادةِ فلا يَلتفتُ إليه، إلَّا إذا تيقَّنَ الأمرَ؛ فيَعمَلُ بمُقْتَضَى يَقينِه.
2- إذا كثُرَ الشكُّ معَ الشخصِ بحيثُ لا يفعَلُ عبادةً إلَّا حصَلَ له فيها شكٌّ، فلا يَلتفِتُ إليه.
وفقَنَا اللهُ لرِضاهُ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن مسائلَ تتعلَّقُ بصلاةِ أهْلِ الأعْذارِ.
أحْكامُ صَلاةِ أهْلِ الأعْذارِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن مسائلَ تتعلَّقُ بصلاةِ أهْلِ الأعْذارِ، وهُمُ: (المريضُ، والمسافرُ، والخائفُ):
- فالمريضُ:
• إنْ كان يَلحَقُه ضررٌ أو مشقَّةٌ بأداءِ الصلاةِ جَماعةً فِي المسجِدِ، أو خافَ بشُهودِهَا حدوثَ المرضِ، أو زيادتَه، أو تأخُّرَ بُرْئِه، فيجوزُ له أنْ يُصلِّيَها فِي بيتِهِ.
• ويُصلِّي علَى قَدرِ استَطاعتِه؛ لقولِ اللهِ تعالَى: }فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ{ [التغابن:16]، ولحديثِ عِمرانَ بنِ حُصَينٍ t قالَ: كانتْ بي بَواسيرُ، فسأَلتُ النبيَّ ﷺ عنِ الصلاةِ، فقال: «صَلِّ قائمًا، فإنْ لمْ تستَطِعْ فقاعدًا، فإنْ لمْ تستَطِعْ فعلَى جَنبٍ» [رواه البخاري].
• وإنْ كانَ يَستطيعُ أنْ يُصلِّيَ قائمًا لكنَّه لا يَستطيعُ أنْ يُكمِلَ القيامَ إلى الركوعِ، فعليه: أنْ يُصلِّيَ قائمًا بقَدرِ استطاعتِهِ، فإذا تعِبَ جلَسَ. وهكذا الَّذي يستطيعُ السجودَ ولا يستطيعُ الركوعَ؛ فيجِبُ عليه أنْ يأْتيَ بالسجودِ علَى الصفةِ المشروعةِ، وأمَّا الركوعُ فيركَعُ جالسًا، أو بقَدرِ استطاعتِهِ؛ للحديثِ السابِقِ، ولقولِهِ ﷺ: «وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [متفق عليه].
• وإنْ شقَّ عليه أداءُ كلِّ صلاةٍ فِي وقتِها، جازَ له جمعُ الظُّهرِ معَ العَصرِ، وجَمعُ المَغرِبِ معَ العِشاءِ، فِي وقتِ إحْداهُما.
- وأمَّا المُسافِرُ([41]):
• فيَقصُرُ الصلَواتِ الرُّباعيَّةَ إلى رَكعتَينِ (الظُّهرَ، والعصرَ، والعِشاءَ)؛ لحديثِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها قالَتْ: «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» [متفق عليه].
• ويجوزُ للمسافِرِ الجمعُ (بينَ الظُّهرِ والعصرِ، وبينَ المَغرِبِ والعِشاءِ، فِي وقتِ إحْداهُما). فعن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ: لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَلَّا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ» [رواه مسلم]. أيْ: ألَّا يوقِعَ بها الحرَجَ والمَشقَّةَ.
- وأمَّا الخائفُ: كالمُجاهِدينَ فِي سبيلِ اللهِ إذا كانُوا فِي المعركةِ، ويَخافونَ مَيلَ الكفَّارِ عليهم:
• فيجوزُ لهم أنْ يُصلُّوا صلاةَ الخوفِ علَى أيِّ صفةٍ صلَّاهَا رسولُ اللهِ ﷺ، وإذا اشتَدَّ الخوفُ صلَّوْا رِجالًا ورُكْبانًا، أيْ: مُشاةً علَى أقدامِهم، أو راكِبينَ علَى دوابِّهم، إلى القِبلةِ أو إلى غيرِها، يومِئُونَ بالركوعِ والسجودِ؛ لقولِ اللهِ تعالَى: }فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا{ [البقرة: 239].
نسألُ اللهَ الفقهَ فِي الدِّينِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن أحْكامِ صلاةِ الجمُعةِ.
يومُ الجمُعةِ أحْكامٌ وآدابٌ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن أحْكامِ وآدابِ صلاةِ الجمُعة:
- فصَلاةُ الجمُعةِ من شعائرِ الإسلامِ العظيمةِ، قالَ اللهُ تعالَى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{ [الجمعة: 9]، وتوعَّدَ النبيُّ ﷺ مَن يتخلّفُ عنها بدونِ عُذرٍ شَرعيٍّ بالخَتمِ علَى قلبِه، فقالَ: «لَيَنتهِينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهمُ الجُمُعاتِ، أو لَيختمَنَّ اللهُ علَى قلوبِهم، ثمَّ لَيكونُنَّ مِنَ الغافلِينَ» [رواه مسلم]. ومَعنى وَدْعِهِمْ أَيْ: تَرْكِهِمْ.
- وهيَ واجبةٌ علَى الرِّجالِ، الأحْرارِ، المُكلَّفِينَ، المُقيمينَ، الَّذين لا عُذرَ لهم.
- ويُستحَبُّ لمَن أتَى الجمُعةَ أنْ: يَغتسلَ، ويَتطيَّبَ، ويلبَسَ أحسنَ ثيابِه، ويُبكِّرَ لها، وأنْ يُصلِّيَ ركعتَينِ إذا دخَلَ المسجِدَ، قالَ ﷺ: «لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى» [رواه البخاري].
- ويُستحَبُّ ليلةَ الجمُعةِ ويومَ الجمُعةِ الإكْثارُ منَ الصلاةِ علَى النبيِّ ﷺ؛ لقولِه ﷺ: «إنَّ مِن أفضَلِ أيَّامِكم يومَ الجُمُعةِ، فيه خلَقَ اللهُ آدَمَ، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفخةُ، وفيه الصَّعقةُ، فأكثِروا علَيَّ منَ الصَّلاةِ فيه؛ فإنَّ صلاتَكم مَعروضةٌ علَيَّ» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
- ويجِبُ علَى مَن حضَرَ الجمُعةَ الإنْصاتُ للخُطبةِ، وعدمُ الانشِغالِ عنها بأيِّ شيءٍ كالعَبَثِ بالسَّجادِ، أوِ الجوَّالِ، أو غيرِه؛ لقولِ النبيِّ ﷺ: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ؛ فَقَدْ لَغَوْتَ» [متفق عليه]، وقولِه ﷺ: «وَمَنْ مَسَّ الحَصَا فَقَدْ لَغَا» [رواه مسلم].
- وتُدرَكُ صلاةُ الجمُعةِ بإدْراكِ رَكعةٍ معَ الإمامِ، لقولِه ﷺ: «مَن أَدْرَكَ رَكعةً منَ الصَّلاةِ؛ فقدْ أدرَكَ الصَّلاةَ» [متفق عليه]، فمَن أدرَكَ الركوعَ معَ الإمامِ؛ فقدْ أدرَكَ الجمُعةَ، وإلَّا صلَّاها أربعَ رَكَعاتٍ بِنيَّةِ الظُّهرِ.
وفَّقَنَا اللهُ لاغتنامِ فَضائلِ يومِ الجمُعةِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ عن أحْكامِ صلاةِ العيدَينِ.
أحْكامُ صلاةِ العيدَينِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن مَسائلَ تتعلَّقُ بصلاةِ العيدَينِ:
- والأعيادُ من شعائرِ الدِّينِ الظاهِرةِ، ولمَّا قدِمَ النبيُّ ﷺ المَدينةَ، ووجَدَ الأنْصارَ يَلعَبونَ ويَفرَحونَ فِي يومَينِ منَ السَّنةِ، قال: «قدْ أبْدَلَكمُ اللهُ تعالَى بهمَا خيرًا منهما؛ يومَ الفِطرِ والأضْحى» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
- وسُمِّيَ العيدُ عيدًا؛ لأنَّه يعودُ ويَتكرَّرُ، ويُتفاءلُ بعودتِه، فهيَ أيامُ فَرحٍ وسُرورٍ، بغيرِ مَعْصيةٍ.
- وصلاةُ العيدِ رَكعَتانِ بلا أذانٍ ولا إقامةٍ، يجهَرُ الإمامُ فيهمَا بالقراءةِ، يُكبِّرُ فِي الأُولى قبلَ القراءةِ ستَّ تَكْبيراتٍ غيرَ تَكْبيرةِ الإحْرامِ، وفِي الثانيةِ خَمسَ تَكْبيراتٍ غيرَ تَكْبيرةِ القيامِ منَ السجودِ، يرفَعُ يدَيْه معَ كلِّ تَكْبيرةٍ. فإذا سلَّمَ قامَ فخطَبَ بالناسِ خُطبَتَينِ كخُطبَتَيِ الجمُعةِ.
- ويُستحَبُّ للمُسلِمِ أنْ يتنظَّفَ ويتطيَّبَ لها، ويَلبَسَ أحسنَ ثيابِه، ويذهَبَ من طَريقٍ ويَرجِعَ من آخَرَ.
- ويُستحَبُّ فِي عيدِ الفِطْرِ أنْ يأكُلَ تَمَراتٍ وِتْرًا قَبلَ الخُروجِ إلى صلاةِ العِيدِ. وأمَّا فِي عِيدِ الأضْحَى فالمُستحَبُّ ألَّا يأكُلَ إلَّا بعدَ صلاةِ العِيدِ من أُضْحيَّتِه.
- ويُسَنُّ للنساءِ حُضورُ صَلاةِ العيدِ بلا زينةٍ ظاهرةٍ أو تَعطُّرٍ، فعن أمِّ عَطيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: «أَمَرَنَا -تَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ- أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ: الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ» [متفق عليه]. (والعَوَاتِقُ: الجَوَارِي اللَّاتي لمْ يبلُغْنَ، أو قَارَبْنَ البُلُوغَ).
- ويُستحَبُّ التكبيرُ من غروبِ شَمسِ لَيلةِ العيدِ إلى انتِهاءِ صَلاةِ العيدِ([42]).
- وممَّا يُشرَعُ فِي العيدِ: الفرحُ بإتْمامِ العبادةِ، وشُكرُ اللهِ تعالَى علَى هِدايتِه وتَوْفيقِه، ويُشرَعُ فيه إدخالُ السرورِ علَى قلوبِ الناسِ عُمومًا، وصِلةُ الأرْحامِ، والإحْسانُ إليهم.
- ويَحرُمُ صومُ يَومَيِ العِيدَينِ، كمَا أنَّ تَخصيصَ يومِ العيدِ لزِيارةِ المقابِرِ، بِدعةٌ مُحدَثةٌ.
جعَلَ اللهُ أعيادَنَا فَرحًا بأعْمالٍ قُبِلَتْ، وذُنوبٍ غُفِرَتْ، ودَرَجاتٍ رُفِعَتْ.
أحْكامُ الجنائزِ (1)
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن: مسائلِ وأحْكامِ الجنائزِ:
وقبلَ الحديثِ عن تَفاصيلِ مسائلِ هذَا الموضوعِ، علينا أنْ نستعِدَّ لهذَا اليومِ الَّذي يَنتَهي فيه أجَلُ الواحِدِ منَّا فِي هذه الدُّنْيا، وتقومُ فيه قيامتُه، وذلكَ بالمبادَرةِ بالتوْبةِ، ورَدِّ المَظالمِ إلى أهلِها، والإقْبالِ علَى الطاعاتِ، يقولُ اللهُ تعالَى: }فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا{ [الكهف:110]، فالعاقلُ الحَصيفُ هوَ مَن يتذكَّرُ دائمًا تلك اللحظةَ الَّتي ينقطِعُ فيها عنِ العمَلِ، ويَبدأُ بعدَها الحسابُ، واللهُ المُستعانُ.
- ومِنَ الأحكامِ التي يَذكُرها العلماءُ في هذا البابِ: أنَّهُ يَنبَغي لِـمَن زارَ مَريضًا أنْ يَدْعوَ له بالشفاءِ، ويبعَثَ فيه التفاؤلَ وإحْسانَ الظنِّ باللهِ؛ كمَا كان النبيُّ ﷺ يقولُ إذا زارَ مَريضًا: «لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ» [رواه البخاري].
- وإنْ بَدَتْ أماراتُ قُربِ أجَلِ المَريضِ، فيُستحَبُّ تَلْقينُه وحثُّهُ علَى قولِ كلمةِ التوحيدِ ومِفْتاحِ الجنَّةِ: (لا إلهَ إلَّا اللهُ)، بحِكمةٍ وأُسلوبٍ حسَنٍ، قالَ ﷺ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» [رواه مسلم]، وإن خُشيَ أنْ يضجَرَ فلا يُلقَّنُ صَراحةً، وإنَّمَا تُكرَّرُ عندَه الشَّهادةُ؛ فقدْ قالَ النبيُّ ﷺ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ مِنَ الدُّنْيَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» [رواه أبو داود وحسنه الألباني].
- وإذا ماتَ المُسلِمُ، استُحِبَّ: إغْماضُ عَينَيْه، والدُّعاءُ له بالرحمةِ والمَغْفرةِ، والإسْراعُ فِي تَجْهيزِه، وإعانةُ أهْلِه ومُساعَدَتُهم، قالَ ﷺ: «أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» [متفق عليه]. وقالَ النبيُّ ﷺ بعدَمَا استُشهِدَ جَعفرُ بنُ أبي طالبٍ t: «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» [رواه أبو داود وحسنه الألباني].
نسألُ اللهَ أنْ يثبِّتَنا علَى صِراطِه المُستَقيمِ وأنْ يُحسِنَ لنا الخِتامَ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن تَكْفينِ الميِّتِ، وغُسْلِه، والصلاةِ عليه.
أحْكامُ الجنائزِ (2)
تحدَّثْنا فِي الدرسِ السابِقِ عن بعضِ أحْكامِ الجنازةِ، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن: غُسْلِ الميِّتِ وتَكْفينِه والصلاةِ عليه:
- فبعدَ موتِ المُسلِمِ، يجِبُ أنْ يُغسَّلَ، فتُستَرَ عَوْرتُه، ثمَّ يَبدأَ المُغسِّلُ بإزالةِ الأذَى عنِ الميِّتِ، ثمَّ يوضِّئَه الوضوءَ الشرعيَّ، ثمَّ يُغسِّلَه بالماءِ والسِّدرِ ثلاثَ غَسَلاتٍ، ثمَّ يُفيضَ الماءَ علَى جسدِهِ ثلاثَ مرَّاتٍ منَ الأيمَنِ إلى الأيسَرِ، وإنِ احْتاجَ للزيادةِ فيَزيدُ وِترًا، ويجعَلُ فِي الغَسلةِ الأخيرة كافورًا، وهذه الصفةُ المُستحَبَّةُ، ويُجْزئُ منها: أنْ يُزيلَ عنه الأذَى ويُفيضَ الماءَ علَى جسدِهِ. والمرأةُ تُغَسِّلُها امرأةٌ مثلُها، أو زَوجُها.
- ويُكفَّنُ الرجُلُ فِي ثَلاثِ لَفائفَ بيضٍ، ويُجعَلُ الحَنوطُ -وهوَ نوعٌ منَ الطِّيبِ- علَى منافِذِ الميِّتِ ومواضِعِ سُجودِه وبينَ أكْفانِه، والمرأةُ تُكفَّنُ فِي إزارٍ ورداءٍ وخِمارٍ ولُفافَتَينِ، والواجبُ المُجْزئُ من ذلكَ: ثوبٌ يَستُرُ جميعَ بدَنِ الميِّتِ.
- ثمَّ تُقدَّمُ الجنازةُ ليُصلَّى عليها، فيقِفُ الإمامُ عندَ رأسِ الرجُلِ، ووسَطِ المرأةِ، فيُكبِّرُ أربعَ تَكْبيراتٍ: يقرأُ بعدَ التكْبيرةِ الأُولى سورةَ الفاتحةِ سِرًّا، ثمَّ يُكبِّرُ فيُصلِّي علَى النبيِّ ﷺ، ثمَّ يُكبِّرُ فيَدْعو للميِّتِ، ثمَّ يُكبِّرُ، ثمَّ يُسلِّمُ عن يَمينِه تَسليمةً واحدةً.
ومَن فاتَه جُزءٌ منَ الصلاةِ؛ قَضاها بعدَ سَلامِ الإمامِ، فإنْ خَشيَ أنْ تُرفَعَ الجنازةُ؛ تابَعَ التكْبيراتِ وسلَّمَ. ومن فاتَتْه الصلاةُ؛ فيُصلِّي عليها قبلَ دَفنِها، وتَجوزُ بعدَ دَفنِها.
- وفِي فَضلِ الصلاةِ علَى الجنازةِ: يقولُ رَسولُ اللهِ ﷺ: «مَن شَهِدَ الجَنازَةَ حتَّى يُصَلَّى عليها فَلَهُ قِيراطٌ، ومَن شَهِدَها حتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيراطانِ، قيلَ: ومَا القِيراطانِ؟ قالَ: مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ» [متفق عليه].
ويقولُ ﷺ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ» [رواه مسلم].
اللهُمَّ اجعَلْ خيرَ أعمالِنَا خَواتِمَهَا، وخيرَ أعْمارِنَا أواخِرَهَا، وخيرَ أيامِنَا يومَ نَلقاكَ وأنتَ راضٍ عنّا. نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن بعضِ الأخْطاءِ والمُنكَراتِ الَّتي تقَعُ من بعضِ الناسِ بعدَ موتِ المُسلِمِ.
أحْكامُ الجَنائزِ (3)
تحدَّثْنا فيمَا سبَقَ عن أحْكامِ الجنازةِ والصلاةِ عليها، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن بعضِ الأخْطاءِ والمُنكَراتِ الَّتي تقَعُ من بعضِ الناسِ بعدَ موتِ المُسلمِ:
- قالَ الشيخُ عبدُالعزيزِ بنُ بازٍ رحمَهُ اللهُ: الواجبُ علَى المسلِمينَ فِي هذه الأمورِ الصبرُ، والاحتسابُ، وعدمُ النِّياحةِ، وعدمُ شقِّ الثوبِ، ولطمِ الخدِّ، ونحوِ ذلكَ؛ لقولِ الرسولِ ﷺ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ»، ولقولِه ﷺ: فِي الحديثِ الصحيحِ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ، وَقَالَ: النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» [رواه مسلم]. والنِّياحةُ: هيَ رفعُ الصوتِ بالبُكاءِ علَى الميِّتِ، وعن أبي مُوسَى عبدِ اللَّهِ بنِ قَيسٍ t «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ بَرِئَ منَ الصَّالِقَةِ وَالحَالِقةِ وَالشَّاقَّةِ» والحَالِقةُ: هيَ الَّتي تحلِقُ شَعرَها عندَ المُصيبةِ أو تَنتِفُه، والشاقَّةُ: هيَ الَّتي تشُقُّ ثَوبَها عندَ المُصيبةِ، والصالِقةُ: هيَ الَّتي ترفَعُ صَوتَها عندَ المُصيبةِ. وكلُّ هذَا منَ الجزَعِ، فلا يجوزُ للمرأةِ ولا للرجُلِ فعلُ شيءٍ من ذلكَ([43]).
- ومنَ الأخْطاءِ الَّتي تقَعُ من بعضِ الناسِ: التأخُّرُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ عنِ الميِّتِ أو تَنفيذِ وصيَّتِه، وقد قالَ النبيُّ ﷺ: «نفْسُ المؤمِنِ مُعلَّقةٌ بدَيْنِه؛ حتَّى يُقْضَى عنه» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
- ومنَ البِدَعِ المُنكَرةِ الَّتي نَهَى عنها رَسولُ اللهِ ﷺ: اتِّخاذُ القُبورِ مَكانًا للصلاةِ فيها، أو بناءُ المساجِدِ عليها، أو دَفنُ الميِّتِ فِي المسجِدِ، قالَ ﷺ: «أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» [رواه مسلم].
- ورَوَى مسلمٌ فِي صحيحِه، عن جابرٍ t قالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ)، وزادَ التِّرمِذيُّ: (وأنْ يُكتَبَ عليه). والجِصُّ: هوَ الجِبسُ الَّذي يُبْنَى أو يُطْلَى به.
- ومن بِدَعِ القُبورِ: وَضعُ الزُّهورِ علَى القُبورِ.
اللهُمَّ اجعَلْنا منَ المُقتَدينَ برَسولِكَ ﷺ المُقتَفِينَ لأثَرِه المُتمسِّكينَ بسُنَّتِه، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عنِ الرُّكنِ الثالثِ من أرْكانِ الإسْلامِ، وهوَ الزكاةُ.
أحْكامُ الزكاةِ (1)
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الركنِ الثالثِ من أرْكانِ الإسْلامِ وهوَ الزكاةُ: وهي واجبٌ ماليٌّ افترَضَها اللهُ علَى المُسلِمِ الغَنيِّ، طُهْرةً لمالِهِ، ومواساةً لإخْوانِه الفُقراءِ والمَساكينِ وغَيرِهم من مُستَحِقِّي الزكاةِ.
قالَ اللهُ تعالَى: }وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ{ [البقرة: 43]، وقالَ سبحانَه: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا{ [التوبة: 103].
- وحدَّدَ اللهُ تعالَى المصارفَ الَّتي يجِبُ أنْ تُصرَفَ فيها الزكاةُ فِي قولِه تعالَى: }إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{[التوبة:60].
والفقيرُ: مَن لا يجِدُ شيئًا، أو يجِدُ أقلَّ من نِصفِ كِفايتِه، والمِسكينُ: هوَ الَّذي يجِدُ نصفَ الكفايةِ وزيادةً، ولكنْ أقلَّ منَ الكفايةِ.
والعاملونُ عليها: هم المُكلَّفونَ من وَليِّ الأمرِ بجَمعِ الزَّكاةِ وحِفظِها وتَوْزيعِها، ويُعطَوْنَ بقَدرِ عملِهم.
والمؤلَّفةُ قلوبُهم: مَن يُرْجَى إسْلامُهم، أو كفُّ شرِّهم منَ الكفَّارِ، أو مَن يُرْجَى تأليفُ قُلوبِهم وزيادةُ إيمانِهم ممَّن له شأنٌ منَ المُسلمينَ.
والرِّقابُ: أيْ: إعْتاقُ الرَّقيقِ، وفكُّ الأسْرَى منَ المُسلِمينَ.
والغارمُ: هو مَن عليه دَينٌ ويعجِزُ عن سَدادِه، أو كانَ دَينُه لإصْلاحِ ذاتِ البَينِ، وإنْ كان قادِرًا.
وفِي سبيلِ اللهِ: أي: المجاهِدونَ فِي سبيلِ اللهِ.
وابنُ السبيلِ: هوَ المسافرُ الَّذي انقطَعَ فِي سَفرِه، ويُعْطى مَا يَكْفيه لرُجوعِه لبَلدِه.
- ولا يجوزُ دفعُ الزكاةِ: للكافِرِ غيرِ المؤلَّفِ قلبُه، ولا لمَن تَلزَمُه نفقتُه كالزوجةِ والأصولِ (كالأبِ) والفروعِ (كالأولادِ)، ولا لبَنِي هاشمٍ، وهُم آلُ النبيِّ ﷺ.
ولا تجِبُ الزكاةُ إلَّا فيمَا بلَغَ النِّصابَ، ولا تجِبُ فيمَا يَملِكُه الإنْسانُ للانتفاعِ بذاتِه، كالمنزلِ الَّذي يَسكُنُه، أو السيارةِ، أوِ الملابِسِ، (واختلَفَ أهْلُ العِلمِ فِي وُجوبِ زَكاةِ الحُليِّ مِنَ الذَّهبِ والفِضَّةِ المُعَدِّ للاستِعمالِ المُباحِ، وجُمهُورُ أهلِ العلمِ على أنهُ لا زكاةَ فيهِ).
نسألُ اللهَ أنْ يجعَلَنَا ممَّن يؤْتونَ زكاةَ أمْوالِهم علَى الوجهِ الأكمَلِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ عنِ الأصْنافِ الَّتي تجِبُ فيها الزكاةُ.
أحْكامُ الزكاةِ (2)
تحدَّثْنا فِي الدرسِ السابِقِ عن مَصارِفِ الزكاةِ وبعضِ أحْكامِها، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الأصْنافِ الَّتي تجِبُ فيها الزكاةُ، وهي كالتالي:
الصِّنفُ الأولُ: الأثْمانُ، وهي: الذهبُ (ونِصابُه الَّذي تجِبُ معَه الزكاةُ 85غرامًا)، والفضةُ (ونصابُهَا 595 غرامًا)، والأوراقُ النقديَّةُ: «كالريالاتِ ونحوِها» (ونصابُهَا قيمةُ نِصابِ الذهبِ أوِ الفضَّةِ، أيُّهمَا أقلُّ)، فإذا بلغَ المالُ النصابَ، وحالَ عليه الحوْلُ (أيْ: مرَّ عامٌ كاملٌ وهوَ فِي مِلكِ المُسلِمِ) وجبَ إخْراجُ رُبعِ العُشرِ، وهوَ مَا يُعادلُ 2.5%.
ومنَ الطُّرقِ السهلةِ لحسابِ زَكاةِ مالِكَ: أنْ تَقسِمَ مجموعَ المالِ (على) 40، فيخرُجَ لكَ مِقْدارُ الزكاةِ الواجبُ إخْراجُه.
الصِّنفُ الثاني الَّذي تجِبُ فيه الزكاةُ: بَهيمةُ الأنْعامِ: وهي: (الإبلُ والغنمُ والبقرُ): ويُشترَطُ أنْ تكونَ سائمةً أكثَرَ العامِ: (وهي الَّتي تَرْعَى، ولا يَعلِفُهَا صاحِبُها) وأنْ تكونَ مُتَّخَذةً للدرِّ والنسلِ (وليسَ للعملِ كالحَرثِ واستخراجِ الماءِ)، ونصابُهَا: فِي الإبلِ (5)، وفِي البقرِ (30)، وفِي الغنمِ (40)، وتفصيلُ زكاةِ بهيمةِ الأنعامِ موضَّحٌ فِي الأحاديثِ الصِّحاحِ، ومَشروحٌ فِي كُتبِ الفِقهِ.
الصِّنفُ الثالثُ ممَّا تجِبُ فيه الزكاةُ: الخارجُ منَ الأرضِ منَ الزُّروعِ والثمارِ والحُبوبِ: ولا تجِبُ إلَّا فِي الثمارِ الَّتي تُكالُ (أيْ: بالصَّاعِ ونحوِه)، ويُمكِنُ ادِّخارُها وتَخزينُها، كالقمحِ والتمرِ والزَّبيبِ والذُّرةِ، أمَّا مَا لا يُمكِنُ ادِّخارُه كالبِطِّيخِ والرُّمَّانِ والمَوزِ وغيرِها؛ فلا زكاةَ فيها.
وبيَّنَ النبيُّ ﷺ نصابَ الخارِجِ منَ الأرضِ فِي قولِه: «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ» [متفق عليه]، والوَسْقُ: مِقياسُ كَيلٍ يُقاسُ بالحَجمِ لا الوَزنِ، ويُساوي ثلاثَ مئةِ صاعٍ، ووزنُه بالبُرِّ الجيِّدِ مَا يُقارِبُ 612 كيلوجرامًا.
وتجِبُ زكاةُ الخارجِ منَ الأرضِ: عندَ نُضجِ المَحصولِ الزراعيِّ، وذلكَ باشتدادِ الحَبِّ، وبُدوِّ صلاحِ الثَّمَرِ؛ لقولِه تعالَى: }وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ{ [الأنعام: 141].
ومِقْدارُ الزكاةِ: العُشرُ فيمَا سُقيَ بلا مَؤونةٍ (أيْ: بلا كُلْفةٍ، كمَا لو سُقيَ بماءِ المَطرِ والعُيونِ الجاريةِ)، ونصفُ العُشرِ فيمَا سُقيَ بمَؤونةٍ (أيْ: بكُلفةٍ، كمَا لو سُقيَ بالآلاتِ والمِضخَّاتِ ونَحوِها).
الصِّنفُ الرابعُ الَّذي تجِبُ فيه الزكاةُ: (عُروضُ التِّجارةِ): وهي كلُّ مَا أُعِدَّ للبيعِ والشراءِ لأجْلِ الرِّبحِ، وتُضَمُّ قيمتُهَا للنقدِ، ثمَّ يُزَكَّى منَ المجموعِ رُبعُ العُشرِ([44]).
نَكتَفِي بهذَا القَدرِ.. ونتحدَّثُ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ عنِ الركنِ الرابعِ من أرْكانِ الإسْلامِ، وهوَ الصِّيامُ.
أحْكامُ الصيامِ (1)
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن رابِعِ أرْكانِ الإسْلامِ، وهوَ صَومُ رَمضانَ:
- والصيامُ هوَ: التعبُّدُ للهِ تعالَى بالإمْساكِ عنِ الأكلِ والشُّربِ وسائرِ المُفطِراتِ، من طُلوعِ الفَجرِ (وهوَ وقتُ أذانِ الفجرِ) إلى غُروبِ الشمسِ (وهوَ وقتُ أذانِ المَغرِبِ). قالَ اللهُ تعالَى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [البقرة: 183].
- وفي فضلِ شهرِ رمضانَ يقولُ رسولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ» [متفق عليه].
- وقالَ ﷺ: «مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تقدَّمَ من ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ مَا تقدَّمَ من ذنبِهِ» [متفق عليه].
- وقالَ ﷺ فِي فضلِ الصومِ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قالَ اللهُ تعالَى: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» [رواه البخاري].
- ويجِبُ صيامُ رَمضانَ علَى المسلِمِ البالِغِ العاقِلِ المُستطيعِ، ومَن كان مريضًا يشُقُّ عليه الصومُ أو خافَ زيادةَ المَرَضِ بصيامِه، أو كانَ مسافرًا فيَجوزُ لهمَا الفِطرُ، ويَقْضيانِه إذا زالَ عُذرُهما. ومَن كان مرضُه مُزمِنًا لا يُرْجى شفاؤُه يُفطِرُ ويُطِعمُ عن كلِّ يومٍ مِسكينًا، وكذلكَ مَن لا يُطيقُ الصومَ لكِبَرِ سِنِّهِ([45]).
- ويَحرُمُ الصيامُ علَى الحائضِ والنُّفَساءِ، ويجِبُ عليهمَا قضاؤُه بعدَ طُهرِهما.
- ويُستحَبُّ للصائمِ: أنْ يتسحَّرَ ويؤخِّرَ السُّحورَ، كمَا يُستحَبُّ له تَعْجيلُ الفِطرِ، ويجِبُ عليه اجْتِنابُ المَعاصي القوليَّةِ والفِعليَّةِ باخْتِلافِها، وإنْ سابَّهُ أحدٌ أو قاتَلَه فلْيقُلْ: إنِّي صائمٌ.
اللهُمَّ بلِّغْنا شهرَ رَمضانَ، واجعَلْنا ممَّن يَصومُه ويقومُه إيمانًا واحتِسابًا، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونَتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن مُفطّراتِ الصومِ ومُبطِلاتِه.
أحْكامُ الصيامِ (2)
تحدَّثْنا فِي الدرسِ الماضي عن شهرِ رمضانَ وفَضلِه وبعضِ أحْكامِه، ونتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن مُفطِّراتِ الصَّومِ ومُبطِلاتِه، فمِنها:
أولا: الجِمَاعُ، والاستِمناءُ.
ثانيا: الأكلُ والشُّربُ عَمدًا، وكلُّ مَا كان بمَعْنَى الأكْلِ والشُّربِ كالإبَرِ المُغَذِّيةِ، وحُقَنِ الدمِ.
ثالثا: التقيُّؤُ عَمدًا.
رابعا: خروجُ دمِ الحَيضِ والنِّفاسِ منَ المَرأةِ.
واختلفَ أهلُ العلمِ في إخراجِ الدَّمِ بالحِجامةِ، والأحوطُ أن يَجتَنِبَها الصائمُ ويؤجِّلَها إلى الليلِ.
- ولا تُفسِدُ المُفطّراتُ السابقةُ الصومَ إلَّا بشُروطٍ ثلاثةٍ: أنْ يكونَ عالِمًا بالحُكمِ، ذاكِرًا، مُختارًا، (إلَّا الحَيضَ والنِّفاسَ؛ فيُفطِّرُ على كُلِّ حالٍ).
ومنَ الأُمورِ الَّتي يَكثُرُ السؤالُ عنها وليستْ منَ المُفطّراتِ، مَا يَلي:
- تحليلُ الدمِ، وخَلعُ الضِّرسِ، والإبَرُ غيرُ المُغذّيةِ، وبَخَّاخُ الرَّبوِ والأُكسجينِ، والتَّحامِيلُ (اللَّبُوسُ) فِي الدُّبُرِ([46])، وقَطْرةُ الأنفِ إذا لم تصِلْ للحَلقِ، وقَطْرةُ العينِ والأُذُنِ.
- والسِّواكُ، ومَعْجونُ الأسْنانِ (معَ التحَرُّزِ من بَلعِه)، والبُخورُ (ولا يَستَنشِقُه).
- والاحْتلامُ، والرُّعافُ، وبَلعُ النُّخامةِ.
- والاسْتِحاضةُ للنساءِ، والصُّفْرةُ والكُدْرةُ فِي غيرِ وقتِ العادةِ للنساءِ.
اللهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَزِدْنَا عِلْمًا، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن أحْكامِ زَكاةِ الفِطرِ.
أحْكامُ زكاةِ الفِطرِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن أحْكامِ زكاةِ الفِطرِ:
وزكاةُ الفطرِ طُهْرةٌ للصائمِ، وطُعْمةٌ للمَساكينِ، وشُكرٌ للهِ تعالَى علَى إتْمامِ شَهرِ الصيامِ.
- وتجِبُ علَى كلِّ مَن وجَدَ يومَ العيدِ وليلتَه صاعًا فاضلًا عن قوتِه ومَن يَعولُ وحوائجهمُ الأصليَّةَ، فعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهمَا قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ المسلِمِينَ» [متفق عليه].
- ومِقْدارُها: صاعٌ من غالبِ قوتِ البلدِ: (بُرٍّ، أو شَعيرٍ، أو تَمرٍ، أو زَبيبٍ، أو أَقِطٍ، أو أُرزٍ، أو ذُرةٍ، أو غيرِ ذلكَ)، والصاعُ: مِكْيالٌ يَقيسُ الحجمَ لا الوزنَ، فيختلِفُ باخْتِلافِ نوعِ الطعامِ المَكيلِ، وقدَّرتِ اللجنةُ الدائمةُ للإفْتاءِ وزنَ الصاعِ منَ الأرزِ بثلاثةِ كيلوجراماتٍ.
ولا يُجْزئُ إخْراجُ قيمةِ الطعامِ عندَ جمهورِ أهْلِ العلمِ([47]).
- ووقتُ إخْراجِ زكاةِ الفِطرِ: من غروبِ شمسِ ليلةِ العيدِ إلى دُخولِ الإمامِ لصلاةِ العيدِ، ويَجوزُ إخْراجُهَا قبلَ يومٍ أو يومَينِ (أي: بعدَ غُروبِ يومِ 28)، ومَن لمْ يُخرِجْها فِي وقتِها؛ وجَبَ عليه إخراجُها قضاءً، وإنْ كانَ التأخيرُ بلا عُذرٍ شَرعيٍّ فعليه إخْراجُها معَ التوبةِ والاستِغفارِ.
- والأصْلُ أنَّ زكاةَ الفِطرِ تُخرَجُ فِي البلدِ الَّذي يُقيمُ فيه المُزكِّي، إلَّا إنْ كانَ هناكَ حاجةٌ أو مَصلحةٌ شَرعِيةٌ لنَقلِهَا خارجَ بَلدِ إقامتِه، كَعَدمِ وُجودِ فُقراءَ فِي بلدِ إقامتِهِ، أو نَقَلَها لِـمَن هُم أشدُّ حاجةً، أو لأقاربِه الفقراءِ؛ فلا بأسَ بذلك.
اللهُمَّ اكْفِنِا بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عنِ الركنِ الخامسِ من أرْكانِ الإسْلامِ، وهوَ الحجّ.
أحْكامُ الحجِّ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الركنِ الخامِسِ من أرْكانِ الإسْلامِ، وهوَ الحجُّ:
- والحجُّ من أعظَمِ شعائرِ الإسْلامِ، وتجتمِعُ فيه أنواعُ العباداتِ البَدنيَّةِ والقَلبيَّةِ والماليَّةِ، وفيه منافعُ عظيمةٌ للعبادِ: منْ إعلانٍ لتَوحيدِ اللهِ تعالَى، والمَغفرةِ الَّتي تحصُلُ للحُجَّاجِ، والتآلُفِ والوَحْدةِ بينَ المُسلِمينَ، وغيرِ ذلكَ منَ الحِكَمِ والمنافِعِ.
- وفي فَضلِ الحجِّ يقولُ رسولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ حَجَّ لِلهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ([48]) رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» [متفق عليه] (أيْ: خاليًا منَ الذُّنوبِ كأنَّه وُلِدَ لِلتَّوِّ).
- ويجِبُ أداءُ الحجِّ مرَّةً واحدةً فِي العُمُرِ([49])، علَى المسلِمِ الحُرِّ البالِغِ العاقِلِ، المُستطيعِ([50]) بدنيًّا وماليًّا، قالَ اللهُ تعالَى: }وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ{ [آل عمران: 97].
- فمَن لا يجِدُ مالًا زائدًا عن حاجاتِه الأصليَّةِ ومَن يَعولُهم، فلا يجِبُ عليه الحجُّ، ولا يجِبُ عليه أنْ يَستَدينَ ليحُجَّ.
- ومَن كانَ يَستَطيعُ الحجَّ بمالِه دونَ بدَنِه، كالكَبيرِ فِي السنِّ، أوِ المَريضِ مَرضًا مُزمِنًا يَمنعُهُ مِنَ الحجِّ؛ فإنَّه يُنيبُ مَن يحُجُّ عنه، ويَتكفَّلُ هوَ بنَفَقاتِ الحجِّ.
- وللحجِّ شُروطٌ وأرْكانٌ وواجباتٌ ومَحْظوراتٌ، يُمكِنُ الرجوعُ إليها فِي كتُبِ الفِقهِ وفَتاوى أهْلِ العِلمِ.
- وتجِبُ العُمْرةُ فِي العُمرِ مرَّةً واحدةً كالحَجِّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللهِ (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ)» [رواه البخاري].
إلى هنا نكونُ قدِ انْتَهَيْنا -بفضلِ اللهِ تعالَى- منَ التعرُّفِ علَى أرْكانِ الإيمانِ وأرْكانِ الإسْلامِ، ونتحدَّثُ فِي الدروسِ القادِمةِ -بمشيئةِ اللهِ- عن مواضيعَ مُتفرِّقةٍ تهُمُّ المسلمَ، كالأخْلاقِ الإسْلاميةِ، والمُعاملاتِ الماليَّةِ، وأحْكامِ الطعامِ واللِّباسِ.
النصيحةُ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن حديثٍ نبويٍّ عظيمٍ، ذكَرَ بعضُ أهْلِ العلمِ أنَّ عليه مدارَ الإسْلامِ، وهوَ:
مَا رَواهُ أَبو رُقَيَّةَ تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ الدَّارِيُّ t أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ لِلهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». [رواه مسلم]، ومن فوائدِ الحديثِ:
- أنَّ الدينَ الإسْلاميَّ كلَّه قائمٌ علَى النصيحةِ وهي: الصدقُ والإخلاصُ وإرادةُ الخيرِ للمَنصوحِ. والنصيحةُ: كلمةٌ جامعةٌ لخَيرَيِ الدُّنْيا والآخِرةِ، وهي رسالةُ الأنْبياءِ عليهمُ السلامُ إلى أُمَمِهم، فمَا من نَبيٍّ إلَّا نصَحَ أمَّتَه.
- والنصيحةُ للهِ تبارَكَ وتعالَى: تكونُ بتَوْحيدِه ووصفِه بصفاتِ الكمالِ والجَلالِ، وتَنْزيهِه عمَّا يُضادُّها ويُخالِفُها، وتجنُّبِ مَعاصيهِ، والقيامِ بطاعاتِه ومَحابِّه، والحبِّ فيه، والبُغضِ فيه، وجهادِ مَن كفَرَ به تعالَى، والدعاءِ إلى ذلكَ والحثِّ عليه.
- والنصيحةُ لكتابِهِ: تكونُ بالإيمانِ به، وتَعْظيمِه وتَنْزيهِه، وتِلاوتِه حقَّ تلاوتِه، وتدَبُّرِ آياتِه، والعملِ بمُقْتَضاه، والدعوةِ إليه، والذَّبِّ والدِّفاعِ عنه.
- والنصيحةُ لرسولِه ﷺ: تكونُ بالإيمانِ به، وبمَا جاءَ به، وطاعتِه فِي أمْرِه واجْتِنابِ نَهيِه، وتَوْقيرِه وتَبْجيلِه، وإحْياءِ سنَّتِه، والتخلُّقِ بأخْلاقِه، ومحبَّةِ آلهِ وصَحابتِه، والدِّفاعِ والذَّبِّ عنه وعن سُنَّتِه وآلِه وصَحابتِه صلَّى اللهُ عليه وعلَى آلِه وصَحبِه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ.
- والنصيحةُ لأئمَّةِ المُسلِمينَ، أيْ: لخُلفائِهم وقادَتِهم: وذلكَ بمُعاونَتِهم علَى الحقِّ وطاعتِهم فيه، وتَذْكيرِهم ونُصحِهم برِفقٍ ولُطفٍ، والدعاءِ لهم، وعدمِ الخروجِ عليهم.
- والنصيحةُ لعامَّةِ المُسلمينَ: بأنْ يُحِبَّ لهم مَا يُحبُّ لنفْسِه، ويَكرَهَ لهم مَا يَكرَهُ لنفْسِه، وإرْشادِهم إلى مصالِحِهم الدينيَّةِ والدُّنْيويَّةِ، وسَترِ عَوْراتِهم، ونُصرتِهم علَى أعْدائِهم، والذَّبِّ عنهم، ومُجانَبةِ الغِشِّ والحسَدِ لهم.
نسألُ اللهَ أنْ يجعَلَنا ممَّن يستَمِعُ القولَ فيتَّبِعُ أحسَنَه، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عنِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ.
الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن شَعيرةٍ من أعظَمِ شعائرِ الإسْلامِ، وهي الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ:
والأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ من صِفاتِ المؤمِنينَ الظاهرةِ؛ كمَا قالَ اللهُ تعالَى: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ [التوبة: 71].
وإذا فَشَا الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ؛ تميَّزتِ السُّنَّةُ مِنَ البِدعةِ، وعُرِفَ الحلالُ منَ الحرامِ، وأَدرَكَ الناسُ الواجبَ والمَسْنونَ والمُباحَ والمَكْروهَ، ونَشَأتِ النَّاشئةُ علَى المعروفِ وأَحبَّتْهُ، وابتَعَدتْ عنِ المُنكَرِ وأَبغضَتْه.
والأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ أمانٌ للفردِ والمجتمَعِ من عذابِ اللهِ؛ كمَا قالَ اللهُ تعالَى: }وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ{ [هود: 117]، والمجتمَعُ الَّذي يظهَرُ فيه المُنكَرُ ولا يجِدُ مَن يُنكِرُه مُعرَّضٌ لعُقوبةٍ عامَّةٍ؛ ففِي الصَّحيحَينِ من حديثِ زَينبَ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: يا رَسولَ اللهِ، أنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ». وقالَ تعالَى: }فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ{ [الأعراف: 165].
وقدْ شاعَ عندَ بعضِ الناسِ أنَّ ذلكَ تَدخُّلًا فِي شؤونِ الغيرِ؛ وهذَا من قِلَّةِ الفَهمِ ونَقصِ الإيمانِ، فعن أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه قالَ: يا أيُّها الناسُ، إنَّكم تَقْرؤونَ هذه الآيةَ: }يَا أيُها الَّذِينَ آمنُوا عَلَيكُمْ أَنَفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذَا اهتَدَيتُم{ وإنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ» [رواه أبو داود وغيره].
وعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ([51])، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» [رواه مسلم].
نسألُ اللهَ أنْ يَجعَلَنا منَ الآمِرينَ بالمَعْروفِ النَّاهِينَ عنِ المُنكَرِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عنِ الأخْلاقِ فِي الإسْلامِ.
الأخْلاقُ فِي الإسْلامِ (1)
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الأخْلاقِ فِي الإسْلامِ:
وقدْ حثَّنَا رسولُ اللهِ ﷺ علَى التخلُّقِ بالأخْلاقِ الحَسَنةِ والآدابِ الحَميدةِ، فقالَ ﷺ: «إنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا»[رواه الترمذي وصححه الألباني].
ومنَ الأخْلاقِ الحَسَنةِ الَّتي دَعا إليها الإسْلامُ:
- بِرُّ الوالِدَينِ، والإحْسانُ إلى الزوجةِ والأوْلادِ بَنينَ وبناتٍ، وصِلةُ الرحِمِ والأقاربِ، كمَا قالَ اللهُ تعالَى: }وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا{ [الإسراء: 23]، وقالَ النبيُّ ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]. وقالَ ﷺ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»([52]) [متفق عليه].
- ومنَ الأخْلاقِ الَّتي حثَّ عليها الإسْلامُ: حُسنُ الحديثِ، والكلمةُ الطيِّبةُ، والصدقُ، والبَشاشةُ والابتسامةُ، والتواضعُ للمؤمنينَ، كمَا قالَ اللهُ تعالَى: }وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا{ [البقرة: 83]، وقالَ تعالَى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ{ [التوبة: 119]، وقالَ ﷺ: «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» [متفق عليه]، وقالَ ﷺ: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» [رواه الترمذي وصححه الألباني]، وقالَ ﷺ: «وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» [رواه مسلم].
- وقدْ جاءَ الأمرُ والحثُّ علَى حفظِ اللسانِ: قالَ تعالَى: }مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{ [ق: 18]، وقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» [متفق عليه]، وحفظُ اللسانِ يكونُ بعدمِ التلفُّظِ بالألفاظِ السيِّئةِ، واجتنابِ اللَّعنِ والشتائمِ، والحَذرِ منَ الغِيبةِ (وهي: ذِكْرُ المُسلمِ أخاهُ فِي غَيْبتِهِ بمَا يَكرَهُ)، قالَ تعالَى: }وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا{ [الحجرات:12]، وقالَ ﷺ: «ليسَ المؤمِنُ بالطَّعَانِ، ولَا اللَّعَانِ، ولَا الفَاحِشِ، ولَا البَذِيءِ» [رواه الترمذي وصححه الألباني]، وحذَّرَ ﷺ منَ الكِبْرِ فقال: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» [رواه مسلم].
اللهُمَّ اهْدِنَا لأحسَنِ الأخْلاقِ لا يَهْدي لأحْسَنِها إلَّا أنتَ، واصرِفْ عنَّا سيِّئَها لا يصرِفُ عنَّا سيِّئَها إلَّا أنتَ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونُكمِلُ الحديثَ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ.
الأخْلاقُ فِي الإسْلامِ (2)
تحدَّثْنا فِي الدرسِ السابِقِ عن شيءٍ منَ الأخْلاقِ الحَسَنةِ الَّتي حثَّ عليها الإسْلامُ، ونواصِلُ الحديثَ عنها:
- فمنَ الأخْلاقِ الَّتي حثَّ عليها الإسْلامُ: إكْرامُ ذي الشَّيْبةِ المُسلِمِ، وأهْلِ العلمِ وحَمَلةِ القُرآنِ، والسُّلطانِ العادِلِ، كمَا قالَ ﷺ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» [رواه أبو داود]، وحَثَّنا علَى تَوْقيرِ الكبيرِ، ورحمةِ الصغيرِ، كمَا قالَ ﷺ: «ليسَ منَّا مَن لَمْ يَرحَمْ صغيرَنا، ويَعرِفْ حَقَّ كَبيرِنَا» [رواه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه الألباني].
- وحثَّ الإسْلامُ علَى تَفْريجِ كُرُباتِ المُسلِمينَ والتيسيرِ عليهِمْ، والسَّترِ عليهِمْ، قالَ ﷺ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» [رواه مسلم].
- كمَا حثَّ الإسْلامُ علَى حُسنِ التعامُلِ معَ الخدَمِ وعدمِ تَكليفِهم فوقَ طاقتِهم، وإعْطائِهم حقَّهم فورَ اكتمالِ أعْمالِهم، كمَا قالَ ﷺ: «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ -أيْ: خدَمُكُم- جَعَلَهُمُ اللهُ تحْتَ أيْدِيكُمْ. فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يأكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ. ولا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ» [متفق عليه]، وقالَ ﷺ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ»([53]) [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
ويجمَعُ قاعدةَ الأخْلاقِ قولُه ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» [متفق عليه].
نسألُ اللهَ تعالى أن يرزُقَنا السداد في القولِ والعملِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونُكمِلُ الحديثَ -بمشيئةِ اللهِ- فِي الدرسِ القادِمِ.
الأخْلاقُ فِي الإسْلامِ (3)
تحدَّثْنا فِي الدرسِ السابِقِ عن شيءٍ منَ الأخْلاقِ الحَسَنةِ الَّتي حثَّ عليها الإسْلامُ، ونواصِلُ الحديثَ عنها:
- فمنَ الأخْلاقِ الَّتي حثَّ عليها الإسْلامُ: الإصْلاحُ بينَ الناسِ، كمَا قالَ تعالَى: }وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ{ [الأنفال: 1]، وحذَّرَ النبيُّ ﷺ منَ النَّميمةِ وهي: نَقلُ الكلامِ بينَ الناسِ للإفْسادِ بينَهم، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» [متفق عليه].
- ومنَ الأخْلاقِ الَّتي حثَّ عليها الإسْلامُ: الكرمُ والسخاءُ بالمالِ، والتوسُّطُ بينَ البُخلِ والتبْذيرِ، كمَا قالَ تعالَى: }وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا{ [الفرقان: 67].
- ومنَ الأخْلاقِ الَّتي حثَّ عليها الإسْلامُ مُراعاةُ حقِّ الأُخوَّةِ فِي الدِّينِ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «حَقُّ المسلِمِ عَلى المسلِمِ سِتٌّ. قِيلَ: مَا هُنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: إذا لقِيتَه فسلِّمْ عليه. وإذا دَعَاكَ فأَجِبْه. وإذَا استنصَحَكَ فانصَحْ لَه. وإذا عَطَسَ فَحمِدَ اللهَ فشَمِّتْهُ، وإذا مرِضَ فعُدْهُ. وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ» [رواه مسلم].
- كمَا حثَّ الإسْلامُ علَى إكْرامِ الجارِ والضيفِ: قالَ ﷺ: «مَن كانَ يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يؤذِ جارَه، ومَن كانَ يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فليُكرِمْ ضيفَه، ومَن كانَ يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيَقُلْ خيرًا أوْ ليَصمُتْ» [رواه مسلم].
نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن أحْكامِ المُعاملاتِ الماليَّةِ بينَ المُسلِمينَ.
من أحْكامِ المُعاملاتِ الماليَّةِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن بعضِ أحْكامِ المُعاملاتِ الماليَّةِ.
وقد أَمرَنَا اللهُ -عزَّ وجلَّ- بالسَّيرِ فِي الأرضِ وكَسبِ المالِ الحلالِ، قال تعالى: }هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ{ [الملك: 15].
والواجبُ علَى المُسلِمِ أنْ يَتفقَّهَ فِي المعاملاتِ الماليَّةِ التي يُباشِرُها؛ حتى لايقَعَ فِي بعضِ المعاملاتِ المُحرَّمةِ الَّتي نَهَى عنها الشارعُ الحكيمُ.
- والأصْلُ فِي المعاملاتِ الماليَّةِ الحِلُّ، إلَّا مَا دلَّ الدليلُ علَى تَحْريمِه.
- ومِنَ المُعاملاتِ الَّتي حرَّمَها الإسْلامُ: الرِّبَا، والمَيْسِرُ ومنه القِمَارُ، والغِشُّ، والغَرَرُ فِي البيعِ والشراءِ، وكلُّ مَا فيه ظُلمٌ وأكْلٌ لأموالِ الناسِ بالباطِلِ. قالَ اللهُ تعالَى: }يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{ [البقرة:278]، وقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا([54])، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المسْلِمَ، كُلُّ المسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» [رواه مسلم].
وعن أبي هُرَيرةَ t قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ([55])» [رواه مسلم].
- ومنَ الأخْلاقِ الَّتي يَنبَغي أنْ يتحَلَّى بها المسلمُ عُمومًا، وفِي تِجارتِه خُصوصًا: الصِّدقُ والنزاهةُ، قالَ ﷺ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» [رواه مسلم]، وقالَ ﷺ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» [متفق عليه].
اللهُمَّ إنَّا نَسألُكَ علمًا نافعًا، ورزقًا طيِّبًا، وعملًا صالحًا، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن أحْكامِ الأطْعمةِ فِي الإسْلامِ.
من أحْكامِ طَعامِ المُسلِمِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عنِ الأحْكامِ الَّتي تخُصُّ طعامَ المسلمِ: والأصْلُ فِي الأطْعمةِ الحِلُّ، إلَّا مَا دلَّ الدليلُ علَى تَحْريمِه.
- ومنَ الأطْعمةِ الَّتي حَرَّمَها الإسْلامُ: المَيْتةُ: وهيَ الحيوانُ الَّذي لم يُذكَّ ذكاةً شرعيَّةً، ويُستَثْنى من ذلكَ الأسماكُ وما لا يَعيشُ إلَّا فِي الماءِ، فلا يُشتَرَطُ لها التَّذْكيةُ، وكذلكَ الجَرادُ؛ لوُرودِ استِثنائِهمَا فِي السُّنَّةِ.
- ومنَ المُحَرَّماتِ: الخِنزيرُ، والدمُ المَسْفوحُ، وكلُّ مَا ذُبِحَ لغَيرِ اللهِ، كمَا يُذبَحُ للأصنامِ أو للأوْلياءِ أو للجنِّ تَعظيمَا لهم، أو خوفًا منهم. قالَ اللهُ تعالَى: }حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ{ [المائدة: 3].
- وممَّا يحرُمُ أكلُه: الحيواناتُ الَّتي لها أنْيابٌ تفتَرِسُ بها، كالأسَدِ والنَّمِرِ والذئبِ والكَلبِ والهِرِّ ونحوِها.
- وممَّا يحرُمُ أكلُه: الطيورُ الَّتي لها مخالبُ تَصيدُ بها، كالصَّقرِ والنَّسرِ والنَّوْرَسِ ونحوِها. فعنِ ابنِ عبَّاسٍ t قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ» [رواه مسلم].
- ومنَ المُحرَّماتِ منَ الأطْعمةِ: المُسْكِراتُ باخْتِلافِ أنْواعِها ومُسمَّياتِها، كالحَشيشةِ الَّتي تُسكِرُ، والخُمورِ (وإنْ سُمِّيَت بغيرِ اسمِها) والمُخدِّراتِ وغيرِها ممَّا يُسكِرُ ويُغطِّي العقلَ؛ لقولِ النبيِّ ﷺ: «مَا أَسْكَرَ كثيرُه؛ فقليلُه حَرامٌ» [رواه النسائي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني].
- ويَحرُمُ تناوُلُ الخَبائثِ وكلُّ مَا يضُرُّ الإنسانَ: منَ المأْكولاتِ والمَشْروباتِ والأدويةِ، كالدُّخَانِ والشِّيشةِ والقاتِ وغيرِها؛ لقولِ اللهِ تعالَى: }ولاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا{ [النساء: 29]، وقولِه سبحانَه: }وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ{ [الأعراف:157]، وقالَ النبيُّ ﷺ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
- وممَّا نصَّ الشرعُ علَى تَحْريمِه منَ الحيواناتِ: البَغلُ، والحمارُ الأهْليُّ: وهو الحمارُ الَّذي يُستخدَمُ للركوبِ وحَملِ الأغْراضِ عليه، فعن جابرٍ t قال: «ذَبَحْنَا يَوْمَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ، وَالْبِغَالَ، وَالْحَمِيرَ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَلَمْ يَنْهَنَا عَنِ الْخَيْلِ» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن آدابِ الطعامِ.
آدابُ الطعامِ
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن آدابِ الطعامِ، ومنها:
- التسميةُ قبلَ الأكْلِ، والأكْلُ باليَمينِ، والأكْلُ ممَّا يَلي الآكِلَ، فعن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ t قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا غُلَامُ: سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» [متفق عليه]، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ، فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ» [رواه الترمذي وصححه الألباني]، وقالَ ﷺ: «لا يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا» [رواه مسلم].
- ومنَ الآدابِ: عدمُ ذمِّ الطعامِ؛ لمَا رَوَاه أَبُو هُرَيْرَةَ t قَالَ: «مَا عَابَ النَّبِيُّ ﷺ طَعَامًا قَطُّ، إنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ» [متفق عليه]، قالَ الإمامُ النَّوَويُّ: (وَعَيْبُ الطَّعَامِ كَقَوْلِهِ: مَالِحٌ، قَلِيلُ الْمِلْحِ، حَامِضٌ، رَقيقٌ، غَلِيظٌ، غيرُ ناضِجٍ، ونحو ذلك).
- ومنَ الآدابِ: إماطةُ الأذَى عنِ اللُّقْمةِ الساقِطةِ، ثمَّ أكلُها، لمَا رَوَاه أَنَسُ بنُ مالكٍ t: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ» [رواه مسلم].
- ومن آدابِ الطعامِ: عدمُ الاتِّكاءِ أثْناءَ الأكْلِ، وذلكَ لِقَوْلِهِ ﷺ «لا آكُلُ وأنَا مُتَّكِئٌ» [رواه البخاري].
- ويُستحَبُّ أنْ يشرَبَ قاعدًا، وأنْ يجعَلَه علَى ثلاثِ دَفَعاتٍ: لمَا رَوَاهُ أنسٌ t، قالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ: إِنَّهُ أَرْوَى، وَأَبْرَأُ، وَأَمْرَأُ»([56]) [رواه مسلم]. ولا يتنفَّسُ داخلَ الإناءِ؛ لقولِه ﷺ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيُنَحِّ الْإِنَاءَ، ثُمَّ لِيَعُدْ إِنْ كَانَ يُرِيدُ» [رواه ابن ماجه].
- ونَهَى اللهُ تعالَى عنِ الإسْرافِ، فقالَ تعالَى: }وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{ [الأعراف: 31].
- ويُسَنُّ لمَن فَرَغَ من طعامِه أنْ يَدْعوَ بمَا ورَدَ من حَمدٍ للهِ وثَنَاءٍ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مُوَدَّعٍ([57]) وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا» [رواه البخاري].
نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونتحدَّثُ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ- عن أحْكامٍ تتعلَّقُ بلِباسِ المُسلِمِ والمُسلِمةِ.
أحْكامُ لِباسِ المُسلِمِ والمُسلِمةِ (1)
نتحدَّثُ فِي هذَا الدرسِ عن أحْكامِ لِباسِ المُسلِمِ والمُسلِمةِ:
- فمِن نِعَمِ اللهِ علينا: أنْ أنزَلَ علينا اللِّباسَ؛ نستُرُ به عَوْراتِنَا، ونَتزيَّنُ به، ونَتوَقَّى به الحرَّ والبردَ، كمَا قالَ تعالَى: }يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ{ [الأعراف: 26]، وقالَ سبحانَه: }وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ{ [النحل: 81] والسرابيلُ: الألْبِسةُ والثيابُ.
- والأصْلُ فِي لباسِ المُسلِمِ وزينتِه الإباحةُ، إلَّا مَا دلَّ الدليلُ علَى تَحْريمِهِ، ومن ضَوابِطِ اللِّباسِ:
• ألَّا يكونَ فيه تشبُّهٌ منَ الرجالِ بالنساءِ أوِ العكسُ، لمَا رَوَاه البُخاريُّ عنِ ابنِ عبَّاسٍ t قالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ».
• ومنَ الضوابِطِ: ألَّا يكونَ فيه تشبُّهٌ بأهْلِ الكُفرِ أوِ البِدَعِ أوِ الفُسَّاقِ؛ لقولِ النبيِّ ﷺ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
• ومنَ الضوابِطِ: ألَّا يكونَ لباسَ شُهرةٍ، وهو مَا تُنكِرُه عاداتُ المجتمَعِ وتقاليدُه، ومَا يُخالِفُ فِي هيئتِه أو لونِه مَا يَعرِفونَه ويَأْلَفونَه؛ لقولِ النبيِّ ﷺ: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي].
• ومنَ الضوابِطِ: ألَّا يكونَ اللِّباسُ مُحرَّمًا كلُبْسِ الحريرِ والذهَبِ للرِّجَالِ؛ لمَا رَوَاه عليُّ بنُ أبي طالبٍ t قالَ: إنَّ نبيَّ اللهِ ﷺ أخَذَ حَريرًا، فجعَلَه فِي يمينِه، وأخَذَ ذهَبًا فجعَلَه فِي شِمالِه، ثمَّ قال: «إنَّ هَذينِ حرامٌ علَى ذُكورِ أمَّتي» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
• ومنَ الضوابِطِ: أنْ يكونَ اللِّباسُ ساترًا للعَوْرةِ. وعَوْرةُ الرجُلِ: مَا بينَ السُّرَّةِ والرُّكبةِ. والمرأةُ جَميعُ بدنِهَا عَوْرةٌ عندَ الرِّجالِ الأجانِبِ، أمَّا بينَ النساءِ ومَحارِمِهَا فتَستُرُ بدَنَهَا إلَّا مَا ظهَرَ منهَا غالبًا كالوجهِ، والشَّعرِ، والرَّقَبةِ، والذِّراعَيْنِ، والقَدَمَينِ.
ويُشترَطُ فِي حِجابِ المَرأةِ: أنْ يَستُرَ جميعَ بدنِهَا، وألَّا يشِفَّ أو يصِفَ بدَنَها، وألَّا يكونَ ضيِّقًا يَصِفُ حجمَ أعْضائِها، وألَّا يكونَ زينةً فِي نفْسِهِ، وألَّا يكونَ مُعطَّرًا أو مُبخَّرًا.
اللهُمَّ ألْبِسْنا لباسَ التَّقْوى والعافيةِ، واستُرْنَا بسِتْرِكَ الجميلِ، نَكتَفِي بهذَا القَدرِ، ونُكمِلُ الحديثَ فِي الدرسِ القادِمِ -بمشيئةِ اللهِ-.
أحْكامُ لباسِ المُسلِمِ والمُسلِمةِ (2)
تحدَّثْنا فِي الدرسِ السابِقِ عن بعضِ أحْكامِ لباسِ المُسلِمِ والمُسلِمةِ، ونُكمِلُ مَا تَبقَّى منها:
- فيُستحَبُّ التجمُّلُ فِي اللِّباسِ فِي الحدودِ الشرعيَّةِ بلا إسْرافٍ ولا كِبْرٍ؛ لقولِ النبيِّ ﷺ: «إِنَّ اللهَ جَميلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» [رواه مسلم]، ويُستَثْنى من ذلكَ المرأةُ إذا كانتْ عندَ رجالٍ لَيْسوا من مَحارِمِها، فلا تُظهِرُ زينَتَهَا، بلْ تَستُرُ جميعَ جسدِهَا.
- ويُستحَبُّ التيامُنُ عندَ لُبسِ الثيابِ؛ لقولِ النبيِّ ﷺ: «إِذَا لَبِسْتُمْ وَإِذَا تَوَضَّأْتُمْ، فَابْدَءُوا بِأَيَامِنِكُمْ» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
- ويحرُمُ علَى الرَّجُلِ الإسْبالُ فِي جميعِ مَا يُلبَسُ، لقولِ النبيِّ ﷺ: «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ» [رواه البخاري].
- ويحرُمُ لُبْسُ الملابِسِ المُشتمِلةِ علَى آياتٍ منَ القرآنِ الكريمِ، أو فيها اسمُ اللهِ تعالَى؛ لأنَّ ذلكَ يؤدِّي إلى امْتِهانِهَا.
- ويحرُمُ لُبْسُ الملابِسِ الَّتي عليها صوَرُ ذواتِ الأرْواحِ، إلَّا مَا قُطِعَ منها رأسُ الصورةِ، لمَا رَوَاه أبو هُرَيرةَ t، قالَ: «اسْتَأْذَنَ جَبْرَائِيلُ u عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: اُدْخُلْ، فَقَالَ: كَيْفَ أَدْخُلُ، وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ؟ إمَّا أَنْ تَقْطَعَ رُؤُوسَهَا أَوْ يُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ([58])، فَإِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ» [أخرجه النسائي وصححه الألباني].
- ويحرُمُ لُبْسُ الملابسِ الَّتي عليها شِعاراتُ الكفَّارِ الدِّينيَّةُ، كالصليبِ ونَجمةِ اليهودِ ونحوِها، فَعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: (أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ) [رواه البخاري].
نسألُ اللهَ تعالى أن يجعَلَنا مِـمَّن اِمتَثَلَ الإسلامَ في ظاهِرِهِ وباطِنِه وسِرِّهِ وعَلانِيَتِهِ، وصلى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ أجمعين.
أمَّا بعدُ..
فالحمدُ للهِ الَّذي عَلَّمَنَا جُملةً منَ المسائِلِ والأحْكامِ الشرعيَّةِ فِي عقيدَتِنَا وعِبادتِنَا ومُعاملاتِنَا وأخْلاقِنَا.
وإنَّ منَ الواجِبِ علينا أنْ نَمتثِلَ هذَا العِلمَ فنعمَلَ به؛ ليكونَ مِنَ العِلمِ النافِعِ الَّذي نجِدُ أثرَه الطيِّبَ فِي الدُّنْيا والآخِرةِ؛ فإنَّ مَن لمْ يعمَلْ بالعلمِ كانَ حُجَّةً عليه -والعياذُ باللهِ-، وكانَ من دعاءِ النبيِّ ﷺ: « اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ»[رواه مسلم].
وقالَ أهلُ العلمِ فِي تفسيرِ قولِ اللهِ تعالَى: }اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ{ [سورة الفاتحة: 7]: المُنعَمُ عليهم: همُ الذينَ جَمَعُوا بينَ العِلمِ النافِعِ والعَمَلِ الصالِحِ، والمغضوبُ عليهم: همُ الذين أخَذوا العِلمَ وتَرَكوا العَمَلَ، والضالُّونَ: همُ الذينَ عَمِلُوا بلا عِلمٍ.
كمَا أنَّه يَنبَغي عليْنَا أنْ ننشُرَ هذَا العلمَ ونُبلِّغَهُ إلى غيرِنا؛ لقولِ النبيِّ ﷺ: «بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً» [رواه البخاري].
نسألُ اللهَ أنْ يجعَلَ هذَا العلمَ حُجَّةً لنا لا عليْنَا، وصلَّى اللهُ علَى نبيِّنَا محمَّدٍ وآلِه وصَحبِه أجْمَعينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ.
المَراجِعُ
- «رسالةُ ثلاثةِ الأُصولِ وأدلَّتها» للإمامِ محمَّدِ بنِ عبدِالوهابِ.
- «فَتاوَى ورسائلُ سماحةِ الشيخِ عبدِ العزيزِ بنِ بازٍ».
- «فَتاوَى ورسائلُ الشيخِ محمَّدِ بنِ عُثيمينٍ».
- كتابُ: «مُعجمُ التوحيدِ» للشيخِ إبراهيمَ أباحسين.
- كتابُ: «البِدعةُ تعريفُها وبيانُ أنْواعِها وأحْكامِها» للشيخِ صالحٍ الفوزانِ.
- كتابُ: «نورُ السنَّةِ وظُلماتُ البِدعةِ» للشيخِ سعيدِ بنِ عليِّ بنْ وَهفٍ القَحطانيِّ.
- كتابُ: «منهجُ السالِكينَ» للشيخِ عبدِالرحمنِ بنِ سِعديٍّ.
- كتابُ: «المُلخَّصُ الفِقهيُّ» للشيخِ صالحٍ الفَوزانِ.
- كتابُ: «مُلخَّصُ فِقهِ العباداتِ» القسمُ العلميُّ بمؤسَّسةِ الدُّرَرِ السَّنيَّةِ.
- كتابُ: «مختصَرُ مخالَفاتِ الطهارةِ والصلاةِ» للشيخِ: عبدِالعزيزِ السدحانِ، اختصارُ: عبدِاللهِ العجلانِ.
- كتابُ: «دليلُ المسلِمِ المُيسَّرُ» للشيخِ: فهد باهمام.
- كتابُ: «ما لا يسَعُ المسلمَ جهلُه» للشيخِ: عبدِاللهِ المُصلِحِ، والشيخِ: صلاحٍ الصاوي.
- كتابُ: «سبُلُ السلامِ» للشيخِ: عبدِاللهِ البَكريِّ.
- مواقعُ علَى الإنترنتِ: موقعُ اللجنةِ الدائمةِ للإفْتاءِ، موقعُ الشيخِ عبدِالعزيزِ بنِ بازٍ، شبكةُ الدُّرَرِ السَّنيَّةِ، موقعُ الإسْلامِ سؤالٌ وجوابٌ، شبكةُ الألوكةِ.
الفهرسُ
مقدِّمةٌ. 5
أركان الإيمان
مدخلٌ. 10
الإيمانُ باللهِ تعالَى.. 12
أعظَمُ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به. 15
الشِّركُ الأصغَرُ. 17
الإيمانُ بالملائكةِ. 19
الإيمانُ بالكتُبِ... 21
الإيمانُ بالرُّسلِ. 23
الإيمانُ باليومِ الآخِرِ. 25
علاماتُ الساعةِ (1) 27
علاماتُ الساعةِ (2) 29
الإيمانُ بالقَدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ. 31
ثَمَراتُ الإيمانِ بالقَدَرِ. 33
أركان الإسلام
الشهادَتانِ - شهادةُ: أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ... 36
الشهادَتانِ - شَهادةُ: أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ ﷺ.. 38
البِدعةُ فِي الدِّينِ. 40
الصَّلاةُ. 43
الطَّهارةُ. 45
صِفةُ الوُضوءِ. 48
أخْطاءٌ فِي الوُضُوءِ. 51
المسحُ علَى الخُفَّينِ والجَوْرَبَينِ ونَحوِهِما 53
نواقِضُ الوُضوءِ. 55
موجِباتُ الغُسلِ. 57
صفةُ الغُسلِ منَ الجَنابةِ. 59
التَّيَمُّمُ. 61
طَهارةُ المرأةِ. 63
شُروطُ الصَّلاةِ (1) 66
شُروطُ الصلاةِ (2) 69
أرْكانُ الصلاةِ. 71
حُكمُ مَن ترَكَ أو نَسيَ رُكنًا من أرْكانِ الصلاةِ. 73
واجباتُ الصلاةِ. 75
آدابُ المَشيِ إلى الصلاةِ. 77
صفةُ الصلاةِ. 79
من أخْطاءِ المُصلِّينَ (1) 83
من أخْطاءِ المُصلِّينَ (2) 85
من أخْطاءِ المُصلِّينَ (3) 87
من أخْطاءِ المُصلِّينَ (4) 89
من أخْطاءِ المُصلِّينَ (5) 91
أحْكامُ سُجودِ السهوِ (1) 93
أحْكامُ سجودِ السهوِ (2) 95
أحْكامُ سجودِ السهوِ (3) 98
أحْكامُ صَلاةِ أهْلِ الأعْذارِ. 100
يومُ الجمُعةِ أحْكامٌ وآدابٌ.. 103
أحْكامُ صلاةِ العيدَينِ. 105
أحْكامُ الجنائزِ (1) 107
أحْكامُ الجنائزِ (2) 109
أحْكامُ الجَنائزِ (3) 111
أحْكامُ الزكاةِ (1) 113
أحْكامُ الزكاةِ (2) 115
أحْكامُ الصيامِ (1) 117
أحْكامُ الصيامِ (2) 119
أحْكامُ زكاةِ الفِطرِ. 121
أحْكامُ الحجِّ.. 123
مواضيع تهم المسلم
النصيحةُ. 126
الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكَرِ. 128
الأخْلاقُ فِي الإسْلامِ (1) 130
الأخْلاقُ فِي الإسْلامِ (2) 132
الأخْلاقُ فِي الإسْلامِ (3) 134
من أحْكامِ المُعاملاتِ الماليَّةِ. 136
من أحْكامِ طَعامِ المُسلِمِ. 138
آدابُ الطعامِ. 140
أحْكامُ لِباسِ المُسلِمِ والمُسلِمةِ (1) 142
أحْكامُ لباسِ المُسلِمِ والمُسلِمةِ (2) 144
أمَّا بعدُ.. 146
المَراجِعُ. 147
الفهرسُ... 148
([1]) منَ الناسِ مَن يجِبُ عليه تعلُّمُ علومٍ وأحكامٍ معيَّنةٍ حسَبَ مَا يُمارِسُ في حياتِهِ، فالَّذي يتعامَلُ معَ الأسهُمِ والبورصةِ يجِبُ عليه تعلُّمُ الأحْكامِ التي تخُصُّها، والطبيبُ يجِبُ عليه تعلُّمُ الأحْكامِ التي تخُصُّ مهنةَ الطبِّ، وبالجملةِ: يجِبُ أنْ يتعلَّمَ المسلمُ الأحكامَ التي تخُصُّ مَا يُمارسُهُ في حياتِهِ حتَّى يعبُدَ اللهَ على بَصيرةٍ، ولا يقَعَ في محظورٍ بغيرِ علمٍ.
([2]) أشرتُ إلى المراجِعِ في آخِرِ الكتابِ.
([3]) رابط الكتاب: https://islamhouse.com/ar/books/2828129 .
([4]) فليسَ الإيمانُ قَولاً وعَمَلاً دونَ اعتقادِه، لأنَّ هذا إيمانُ المنافِقينَ، وليسَ مُجرَّدَ المعرفةِ بدونِ قَولٍ وعَمَلٍ لأنَّ هذا إيمانُ الكافرينَ الجاحِدينَ، وليسَ الإيمانُ اعتقاداً فقط أو قولاً واعتقاداً دونَ عَمَلٍ لأنَّ هذا إيمانُ المُرجِئَةِ. واللهُ تعالى سَمَّى الأعمالَ إيماناً؛ كما في قولِه تعالى: }وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ{ [البقرة: 143] أي: صلاتَكُم. وفي الحديث: «الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ» [رواه مسلم]. فشملَ عَمَلَ القَلبِ واللسَانِ والجَوارحِ.
([5]) وتجوزُ الاستِعانَةُ والاستِعاذَةُ والاستِغاثَةُ بِالحَيِّ الحاضِرِ فيما يَقدِرُ عليهِ، أمَّا إنْ كانَ مَيِّتاً أو غَائِباً لا يَعلَمُ بهِ أو كانَ في شيءٍ مِمَّا لا يَقدِرُ عليهِ إلَّا اللهُ تعالى؛ فهذا مُحرَّمٌ وشِركٌ باللهِ تعالى.
([6]) والرجاءُ الممنوعُ شرعاً هوَ: أنْ يَرجُوَ مِنْ مَخلوقٍ ما لا يَقدِرُ عليهِ؛ كأنْ يَرجُوَ مِنهُ أنْ يَرزُقَهُ الوَلَدَ أو أنْ يَشفِيَهُ ونَحو ذلك.
([7]) التحريفُ: صرفُ اللفظِ عنِ المَعنَى الَّذي يدُلُّ عليه بدونِ دليلٍ، والتعطيلُ: نفيُ صفاتِ اللهِ أو أسمائِهِ، والتكييفُ: اعتقادُ أنَّ صفاتِ اللهِ على كيفيَّةٍ مُعيَّنةٍ ممَّا تتخيَّلُهُ العقولُ، والتمثيلُ: اعتقادُ مماثلةِ أيِّ شيءٍ من صفاتِ اللهِ لصفاتِ المخلوقينَ.
([8]) وسُمِّيَتِ التَّميمةُ بذلك؛ لاعتقادِهمْ أنَّهُم يَتِمُّ أمرُهُم ويُحفَظونَ بها.
([9]) قيلَ: بِقِلَّةِ البَركَةِ فيهِ وسُرعَتِه وقِصَرِه في آخِرِ الزَّمانِ، وقيلَ: أنَّه مَعَ تَوفُّرِ وسَائِلِ النَّقلِ الحديثَةِ التي قَرَّبَتْ البَعِيدَ.
([10]) والمُراد بالعلمِ هنا: العلمُ الشرعي، وهو العلمُ بكتابِ الله تعالى وسُنَّةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم، ويكونُ رفعُ العلمِ بموتِ حَمَلَتِهِ، وهم العلماءُ بالشريعة، كما في الحديث: «إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا» [رواه البخاري].
([11]) القيِّمُ: القائِمُ على شُؤُونِهِنَّ. وقَدْ يَكونُ بِسَبَبِ الحُرُوبِ والقَتلِ، أو أنَّ النِّسَاءَ يَلِدْنَ الإِنَاثَ أَكْثَرَ مِنَ الذُّكورِ، أو بِسببِ الأوبِئَةِ أو غيرِ ذلك.
([12]) المرادُ بالهَرجِ هُنا: وقتُ الفِتَنِ واختِلاطِ الأُمورِ وتَخبُّطِ النَّاسِ في فَسادِ الدُّنيا وانهماكِهِم فيه.
([13]) يُستَثْنَى من ذلك مَا كانَ لأجْلِ التعليمِ، على أنْ يُقتصَرَ في ذلك على القدرِ اللازمِ للتعليمِ، ولا يُتَّخذَ بصورةٍ دائمةٍ.
([14]) والدمُ النجِسُ هوَ الدمُ المَسفوحُ: كالَّذي يخرُجُ منَ الذبيحةِ عندَ ذبحِها، أمَّا الدمُ الَّذي يَبْقى في الذبيحةِ بعدَ تَذْكيتِهَا، كالَّذي يكونُ في العروقِ، والقلبِ، والطِّحالِ، والكبِدِ، فهذا طاهرٌ.
([15]) المَيْتةُ: الحيوانُ الميِّتُ الَّذي لم يُذكَّ ذكاةً شرعيةً، ويُستَثْنَى منَ المَيْتةِ: السمكُ، وما لا يَعيشُ إلَّا في الماءِ، ومَيْتةُ الجرادِ، فهُمَا طاهرانِ مُباحَا الأكْلِ بدونِ ذَكاةٍ. كمَا يُستَثْنَى منَ المَيْتةِ النجِسةِ: مَيْتةُ مَا ليسَ له دمٌ سائلٌ كالنملِ والذُّبابِ والخُنفساءِ ونحوِها، فهي طاهرةٌ لكنْ لا يجوزُ أكلُهَا.
([16]) قالَ ﷺ: «طُهُورُ إناءِ أحَدِكُمْ إذا ولَغَ فيه الكَلْبُ، أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاهُنَّ بالتُّرابِ» [رواه مسلم]، قالَ النوويُّ: فإذا أصابَ بَولُه، أو رَوْثُه، أو دمُه، أو عِرقُه، أو شَعرُه، أو لُعابُه، أو عضوٌ منه شيئًا طاهرًا معَ رُطوبةِ أحدِهمَا وجَبَ غسلُه سَبعًا إحْداهُنَّ بالترابِ.
([17]) المَذْيُ: ماءٌ رقيقٌ لزِجٌ، يخرُجُ عندَ الشهوةِ، بلا قَذفٍ ولا تدفُّقٍ، ولا يَعقُبُه فتورٌ، والطهارةُ منه: بأنْ يَغِسلَ ذَكَرَه وأُنْثَيَيْه (خِصْيَتَيْه)، وأمَا الثوبُ فيَرُشُّ الماءَ على الموضِعِ الَّذي أصابَه. أمَّا الوَدْيُ: فهو ماءٌ أبيضُ، غليظٌ، يخرُجُ أحياناً بعدَ البولِ، والطهارةُ منه: كالطهارةِ منَ البولِ.
([18]) وفي الاستِجْمارِ بالأحْجارِ أو المناديلِ ونحوِهما: يجِبُ ألَّا يقِلَّ عن ثلاثِ مسَحاتٍ، معَ تحقُّقِ الإنْقاءِ، وألَّا يَستجمِرَ بِرَوْثٍ أو عَظْمٍ أو شيءٍ مُحتَرمٍ شرعاً كالأوراقِ التي فيها ذِكرُ الله تعالى أو الطَّعامِ ونحوِ ذلك.
([19]) ولا يجبُ مَسحُ مَا نزَلَ عنِ الرَّأسِ مِن الشَّعرِ.
(1( فَتاوى اللجنةِ الدائمةِ (4 /78).
([21]) الخُفُّ: هوَ مَا يَلبَسُه الإنسانُ في قدَمَيهِ، ويكونُ مصنوعًا من جِلدٍ، أمَّا الجَوربُ: فهو مَا يَلبَسُه الإنسانُ في قَدمَيْه منَ الصوفِ، أو القُطنِ، أو الكَتَّانِ، أو القُماشِ، أو نحوِ ذلك، وهو مَا يُعرَفُ (بالشُّرّابِ).
([22]) ومعلومٌ أنَّ شُربَ الخمرِ والمُسكِراتِ من كبائرِ الذنوبِ، قالَ اللهُ تعالَى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [النساء: 103].
([23]) مسُّ الذّكرِ، أو حلقةِ الدُّبُرِ، وكذلك المرأةُ إذا مسَّتْ فَرْجَها، وكذلك مسُّ فَرْجِ الغيرِ كبيرًا أو صغيرًا.
([24]) ويجوزُ للمُحدِثِ المرورُ في المسجِدِ؛ لقولِهِ تعالى: }يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا{ [النساء: 34]
([25]) ولا يجِبُ على المرأةِ نَقضُ ضفائرِها عندَ الغُسلِ.
([26]) أمَّا إنْ كانَ الغُسْلُ مُستَحبًّا كغُسلِ الجُمُعَةِ أو للإحرامِ، أو كانَ الاغتِسالُ لمُجرَّدِ التَّبرُّدِ أو التَّنظُّفِ وليسَ لِرَفعِ الحَدَثِ الأكبرِ؛ فإنَّهُ لا يَكفيهِ عنِ الوُضُوءِ.
([27]) ويجِبُ عليه أنْ يطلُبَ الماءَ، فيبحَثَ فيمَا قرُبَ منه، فإنْ لم يجِدْ أو تيقَّنَ عدمَ وجودِه فيَتيمَّمُ.
([28]) للاستزادةِ يمكِنُ الرجوعُ إلى (رسالةٌ في الدماءِ الطبيعيةِ للنساءِ) للشيخِ محمدِ بنِ عُثيمين رحمَهُ اللهُ.
([29]) صِفةُ دمِ الحَيضِ: ثَخينٌ ليسَ بالرَّقيقِ، مُنتِنٌ كريهُ الرَّائحةِ، غيرُ متجمِّدٍ.
([30]) صفةُ دمِ الاسْتِحاضةِ: رَقيقٌ وليسَ بثَخينٍ، غيرُ مُنتِنٍ، ويتجمَّدُ إذا ظهَرَ.
([31]) ويجوزُ للمُستَحاضةِ أنْ تجمَعَ بينَ الظُّهرِ والعَصرِ، وبينَ المَغرِبِ والعِشاءِ؛ إذا كان يشُقُّ عليها الوضوءُ لكلِّ صلاةٍ.
([32]) ويُعرَفُ ذلكَ بحُدوثِ الظلِّ فِي جانبِ المَشرِقِ بعدَ انعدامِه من جانبِ المغرِبِ.
([33]) ذلك أنَّ الشمسَ إذا طلَعَتْ ظهَرَ لكلِّ شاخصٍ ظلٌّ من جهةِ المغرِبِ، فكلمَا ارتفَعَتْ نقَصَ، فإذا وصلَتْ وسطَ السماءِ ـوهي حالةُ الاستِواءِـ كمَلَ نُقصانُه وبَقِيَتْ منه بقيَّةٌ -هي ظلُّ الزوالِ- وهي تختلِفُ بحسَبِ الأشهَرِ.
([34]) ولا يجوزُ تأخيرُ العصرِ إلى مَا بعدَ اصْفرارِ الشمسِ، إلَّا إذا اضطُرَّ لتأخيرِها، فلا حرَجَ عليه على أنْ يُصلِّيَها قبلَ غروبِ الشمسِ. وكذلك يُقالُ في صلاةِ العشاءِ، فلا يجوزُ تأخيرُها بعدَ مُنتصَفِ الليلِ إلَّا لضرورةٍ، على أنْ يُصلِّيَها قبلَ طلوعِ الفجرِ.
([35]) أمَّا الفجرُ الأولُ (الكاذبُ): فهو مُمتَدٌّ منَ المَشرِقِ إلى المغرِبِ، ويكونُ مدةً قصيرةً ثم يُظلِمُ، بخلافِ الفجرِ الثاني فيَزدادُ نورًا.
([36]) ويُستَثْنَى من ذلك: صلاةُ النافلةِ على الراحلةِ (كالسيارةِ أو الطائرةِ ونحوِهِما) في السَّفرِ، فيُصلِّي حيثُمَا توجَّهَتْ به راحِلتُه.
([37]) وهو المكانُ الَّذي تَبيتُ فيه الإبلُ وتأْوِي إليهِ، والمكانُ الَّذي تبرُكُ فيه عندَ صدورِها منَ الماءِ، أو انتظارِ الماءِ.
([38]) ووَرَدت صفةٌ أخرى للجلوس بينَ السجدتين وهي: أن يَنصِبَ قَدَمَيهِ، ويجلِسَ على عَقِبَيْه.
([39]) ووَردَت صفةٌ أخرى مثلها دونَ أن يَنصِبَ قدمَه اليُمنى، ووَردَت صفةٌ ثالثةٌ وهي: أن يفرِشَ اليُمنى، ويُدخِلَ اليُسْرى بينَ فَخِذِ وساقِ رِجْلِه اليُمْنى.
([40]) والأمرُ واسعٌ في موضِعِ سجودِ السهوِ، فيصِحُّ السجودُ قبلَ السلامِ أو بعدَه في كلِّ الحالاتِ التي تَستوجِبُ سجودَ السهوِ.
([41]) يُشترَطُ في قَصْرِ الصَّلاةِ في السَّفَرِ أنْ يكونَ قد فارَقَ بيوتَ بلدِه.
([42]) أمَّا في عيدِ الأضْحَى: فيستمرُّ التكبيرُ المُطلَقُ (في كلِّ وقتٍ) إلى غروبِ شمسِ آخِرِ أيامِ التشريقِ، وهو اليومُ الثالثَ عشَرَ، وأمَّا التكبيرُ المُقيَّدُ (بعدَ الصلواتِ الخَمسِ)؛ فإنَّه يَبدأُ من فَجرِ يومِ عَرفةَ إلى غروبِ شمسِ آخِرِ أيامِ التشريقِ.
([43]) مجموعُ الفَتاوَى (13/414) بعدَ مُراجَعةِ الأحاديثِ.
([44]) وهناك أنواعٌ أُخْرَى منَ الزكاةِ كالرِّكازِ (وهو المالُ المدفونُ في الجاهليَّةِ)، والمعادنِ، يُسألُ عنها أهلُ العلمِ.
([45]) ويُباحُ للحامِلِ والمُرضِعِ الفِطرُ في رَمَضانَ، إذا خافَتَا على نَفْسَيهِمَا، أو على وَلَدَيْهِمَا، وعليهمَا القضاءُ.
([46]) وكذلك التقطيرُ في فَرْجِ المرأةِ، والتَّحاميلُ المِهبليَّةُ، والغَسُولُ.
([47]) ولا بأسَ أن يقومَ بتَوكيلِ جِهةٍ خيريةٍ أو شَخصٍ مَوثوقٍ لإخراجِ زَكاتِه، بحيثُ يُعطيه قِيمتَها نقداً ولو في أوَّلِ رمضانَ، على أنْ يقومَ الوكيلُ بإخراجِها طَعامًا في وَقتِها الشَّرعيّ.
([48]) (فلَم يَرفُث) أي: لم يُجامِع، وقيل: الرَّفَثُ اسمٌ للفُحشِ مِن القولِ. (ولَم يَفسُقْ) أي: لَمْ يَأْتِ بِسَيِّئَةٍ وَلا مَعْصِيَةٍ.
([49]) الحجُّ واجبٌ على الفَوْرِ عندَ تحقُّقِ شُروطِه، ويأثمُ المرءُ بتأخيرِه بلا عُذرٍ شَرعيٍّ.
([50]) ويُشْتَرَطُ لوجوبِ أداءِ حجِّ الفريضَةِ للمرأةِ رُفْقَةُ المَحرَمِ، وألَّا تكونَ في عِدَّةِ الوَفاةِ.
([51]) والإنكارُ بالقلبِ يكونُ: ببُغضِ المُنكَرِ، ومُفارَقةِ المكانِ الَّذي فيه المنكَرُ إنِ استطاعَ.
([52]) مَعْنى الحديثِ: أنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى وعَدَ مَن يَصِلُ رحمَهُ أنْ يُثيبَه، وأنْ يَجزيَه بأنْ يُطيلَ في عُمرِهِ، وأنْ يوسِّعَ له في رِزقِه جَزاءً له على إحْسانِه.
([53]) قبلَ أنْ يجِفَّ عرقُهُ: كنايةٌ عن وجوبِ المبادرةِ عقبَ فراغِ العملِ إذا طلبَ -وإنْ لم يعرَقْ أو عرِقَ وجفَّ-، والمرادُ منه المبالغةُ في إسْراعِ الإعْطاءِ وتَركِ المُماطَلةِ والتأخيرِ.
([54]) النَّجْشُ: هوَ الزيادةُ في ثمنِ السلعةِ ممَّن لا يُريدُ شراءَهَا.
([55]) (بيعُ الحَصاةِ): أنْ يحذِفَ حصاةً على عدَّةِ أشياءَ فالَّذي تقَعُ عليه يكونُ هوَ المَبيعَ، (بيعُ الغَرَرِ): هوَ بيعٌ مجهولُ العاقبةِ، أو مَا خَفِيَت عليه عاقبتُهُ، مثلُ: بيعِ السمكِ في الماءِ الكثيرِ، والطيرِ في الهواءِ، وبيعِ مَا في داخِلِ صندوقٍ مُغلَقٍ لا يُدْرى مَا بداخِلِه، وبيعِ ثوبٍ من بينِ مجموعةِ ثيابٍ متنوِّعةٍ دونَ تَعْيينِه، وبيعِ الثمارِ قبلَ أنْ يَبدوَ صلاحُها.
([56]) أرْوَى: أكثرُ رِيًّا، وأبْرأُ: أبْرأُ منَ العطَشِ، أو أبْرأُ منَ المرضِ، وأمْرأُ: أجمَلُ انْسياغًا.
([57]) مَعنى (غيرَ مَكْفِيٍّ) أي: لا نَستطيعُ مكافأتَهُ على إنْعامِه، وقيلَ: لا يَكْفِي عبادَه الرزقَ غيرُه تعالَى، وقَوْلُه: (وَلا مُوَدَّعٍ) أَيْ: غَيْرَ مَتْرُوكٍ.
([58]) (فإمَّا أن تُقطَعَ رُؤوسُها) أي: تُمزَّقَ رُؤوسُ هذه الصُّوَرِ، حتَّى يتغيَّرَ شكلُها وهيئتُها، (أو تُجعَلَ بِساطًا يُوطَأُ) أي: تَجعَلُها مِثلَ الحصيرِ يُداسُ عليه، والمرادُ مِن ذلك: امتهانُها.