×
للصلاة في الإسلام شأنًا عظيمًا، وقدرًا كبيرًا، وأهميةً بالغةً، ومكانةً ساميةً، فهي من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، وكما لا يتصور قيام جسد بلا رأس، فكذلك لا يتصور قيام إسلام بغير صلاة،وهذه المقالة تبين فضائل الصلاة وبعض ثمراتها، ومراتب الناس في الصلاة، وبعض النصائح التي تُساعد على حفظ الصلاة وأدائها على الوجه المشروع.


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم وبارك على سيد الأوَّلين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛

    إن للصلاة في الإسلام شأنًا عظيمًا، وقدرًا كبيرًا، وأهميةً بالغةً، ومكانةً ساميةً، فهي من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، وكما لا يتصور قيام جسد بلا رأس، فكذلك لا يتصور قيام إسلام بغير صلاة.

    الصلاة فضائل وثمرات

    1- الصلاة فرضها الله عزَّ وجلَّ على نبيه ﷺ‬ وهو في السماء ليلة المعراج، أمَّا سائر العبادات فقد نزل الأمر بها ورسول الله ﷺ‬ في الأرض، مما يدُلُّ على أهميتها وحرمتها وشرفها.

    2- والصلاة هي الركن الوحيد الذي يتكرر كل يوم خمس مرات، ولا يسقط بحال من الأحوال، إلا على الحائض والنفساء.

    3- والصلاة أفضل الأعمال، وأحسن الأفعال، وأقرب الطاعات من ذي الجلال: قال ﷺ‬: «أفضل الأعمال الصلاة على وقتها» [متفق عليه].

    * وقال: «استقيموا ولن تُحْصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يُحافظ على الوضوء إلا مُؤمن» [رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني].

    4- الصلاة عماد الدين، وأسُّ اليقين، وقرة عيون المُوحدين: قال ﷺ‬: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله» [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].

    5- والصلاة دليل الإسلام، وعلامة الإيمان، وعصمة دم الإنسان، قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: 11].

    6- والصلاة: براءة من النفاق، وعنوان للصدق والوفاق: قال ﷺ‬: «من صلى لله أربعين يومًا في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق» [رواه أحمد وصححه الألباني].

    7- والصلاة خير موضوع، وأربح مشروع، وأجلب الطاعات للخشوع والخضوع. قال ﷺ‬: «الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر» [رواه أحمد وحسنه الألباني].

    8- والصلاة أمرٌ من الكريم الرحمن، ووصية النبي العدنان، وشعار أهل الإسلام والإيمان، قال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238].

    * وقال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14].

    9- والصلاة رافعة الدرجات، ومذهبة السيئات، ومُكَفِّرة الذنوب والخطيئات. قال ﷺ‬: «أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات. هل يبقى من درنه شيء» قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا» [متفق عليه].

    * وقال ﷺ‬: «ما من امرئ مُسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيُحسن وضوءها، وخشوعها، وركوعها، إلا كانت كفَّارة لما قبلها من الذنوب ما لم تُؤتَ كبيرة، وذلك الدهر كله» [رواه مسلم].

    10- والصلاة أمان من النار، ووقاية من الأخطار، ونجاة من الجبار، وفوز بالجنة مع الأبرار. قال ﷺ‬: «لن يلج النار أحد صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» يعني الفجر والعصر [رواه مسلم].

    * وقال ﷺ‬: «من صلَّى الصبح فهو في ذمة الله، فانظر يا ابن آدم، لا يطلبنَّك الله من ذمته بشيء» [رواه مسلم].

    11- والصلاة عنوان النصر والفلاح، ودليل القبول والنجاح، وأول ما يُحاسب عليه العبد من أعمال المساء والصباح. قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1 – 2]. ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: 9 – 11].

    * وقال ﷺ‬: «إنما ينصر الله هذه الأُمَّة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم» [رواه النسائي وصححه الألباني].

    * وقال ﷺ‬: «صلاة في إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين» [أخرجه أبو داود وحسنه الألباني].

    * وقال ﷺ‬: «أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله» [أخرجه الطبراني والضياء وصححه الألباني].

    12- والصلاة زاد الطريق، وراحة الروح، وسكينة الجوارح، ونور القلوب، وزكاة الأنفس، وسلامة الصدور، وبرهان النجاة.

    * قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: 29].

    * وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ [الحجر: 97].

    * وقال ﷺ‬: «يا بلال! أقم الصلاة، أرحنا بها» [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني].

    وقال ﷺ‬: «الصلاة نور» [رواه مسلم].

    * وقال: «من حافظ على الصلاة كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ علي الصلاة لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبِّي بن خلف» [رواه أحمد بإسناد جيد كما قال المُنذري].

    13- والصلاة إغاظة للشيطان، وأسف لأهل الكفر والطغيان، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: 91].

    * وقال ﷺ‬: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلي! أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيت فلي النار» [رواه مسلم].

    * وقال ﷺ‬: «ما حسدَتْكم اليهود على شيء ما حسدَتْكم على السلام والتأمين» [أخرجه أحمد وصححه الألباني].

    14- والصلاةُ اعترافٌ بالجميل، وثناءٌ على الجليل، وكنزٌ من التسبيح والتحميد والتهليل، قال المُغيرة بن شعبة رضي الله عنه: قام النبي ﷺ‬ حتى تورَّمت قدماه. فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا» [متفق عليه].

    * وقال ﷺ‬: «يصبح على كلِّ سُلامى من أحدكم صدقة، فكلُّ تسبيحة صدقة، وكلُّ تحميدة صدقة، وكلُّ تهليلة صدقة، وكلُّ تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» [رواه مسلم].

    15- والصلاة نجاة من الشهوات، ومنهاة عن الفواحش والمُنكرات، ومطرة للأدواء والكُرُبات. قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45].

    * وقال ﷺ‬: «عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للدَّاء عن الجسد» [أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني].

    يا تارك الصلاة!

    * يا تارك الصلاة! ماذا بقي لك من الإسلام وقد ترتكت الصلاة؟ ألا تعلم أن الصلاة هي عمود الإسلام وفسطاط الإيمان؟

    * يا تارك الصلاة! كلُّ الكائنات تسجد لربِّها إلا أنت!! قال تعالى: ﴿أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾ [الحج: 18].

    وإذا لم تُصلِّ فأنت من هؤلاء الذين حقَّ عليهم العذاب!

    * يا تارك الصلاة! ألا تعلم أن ترك الصلاة كفر وشرك؟ قال ﷺ‬: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» [رواه مسلم]. وقال ﷺ‬: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة: فمن تركها فقد كفر» [أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني].

    * يا تارك الصلاة! ألا تعلم أن ترك الصلاة والتهاون بها نفاق؟ قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 142]. وقال ﷺ‬: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا» [متفق عليه].

    أرأيت يا تارك الصلاة! المنافقون كانوا يُصلُّون، ولكنهم كانوا يُصلُّون رياء، وأنت لا تصلي أبدًا!!

    * يا تارك الصلاة! ألا تعلم أن ترك الصلاة غفلة وقسوة للقلب. قال ﷺ‬: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين» [رواه مسلم].

    * يا تارك الصلاة! ألا تعلم أن ترك الصلاة حبوط للأعمال؟ قال ﷺ‬ «من ترك صلاة العصر حبط عمله» [رواه البخاري].

    * يا تارك الصلاة! ألا تعلم أن ترك الصلاة يُؤدي إلى العذاب في النار مع الكفار والفجار؟ قال تعالى حاكيًا عن أهل النار وقد سألهم أهل الجنة: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ [المدثر: 42، 42] وقال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59].

    * يا تارك الصلاة! ألا تعلم أن ترك الصلاة من أكبر المصائب التي حلَّت بك؟ قال ﷺ‬: «الذي تفوته صلاة العصر، فكأنما وتر أهله وماله» [رواه البخاري] ومعنى: وتر أهله وماله: أي فقد سلب. فكيف بترك الصلوات كلها؟

    * يا تارك الصلاة! ألا تعلم أن ترك الصلاة قلق واضطراب وضيق في الصدور وضنك في العيش؟ قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: 124 – 126].

    فوا أسفاه وواحسرتاه عليك يا تارك الصلاة! كيف ينقضي الزمان وينفد العمر، وقلبك محجوب عن ربِّك؟ كيف تخرج من الدنيا ولم تذق أطيب ما فيها؟ وإن أطيب ما في الدنيا هو عبادة الله عزّ وجلَّ وذكره وشكره والصلاة له.

    * يا تارك الصلاة! أي شيء يعزُّ عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتُك؟ ألا تعلم أن من ضيَّع الصلاة كان لما سواها أضيع؟

    قال الحسن: يا ابن آدم! إذا هانت عليك صلاتك فما الذي يعزُّ عليك؟

    تُب -أيها الغافل- إلى ربِّك، قبل أن يأتيك الموت وأنت تارك للصلاة.

    وأنت أيها المُتهاون بالصلاة

    * ماذا بعد أن عرفت فضائل الصلاة العظيمة؟

    * وماذا بعد أن رأيت جوائز المُصلِّين العديدة؟

    * وماذا بعد أن عرفت عقوبات المضيِّعين الشديدة؟

    * هل ستستمر على تضييعك للصلاة وإهمالك لها؟

    * وهل ستصرُّ على النوم عنها وتأخيرها عن أوقاتها؟

    * يا أخي! أين الهمَّة العالية؟ أين العزيمة القوية؟، أين التشمير للجنة؟ أين المحافظة على الأوقات؟ أين التبكير إلى الجمع والجماعات؟

    مراتب الناس في الصلاة

    قال الإمام ابن القيِّم رحمه الله تعالى: «والناس في الصلاة مراتب خمسة:

    أحدها: مرتبة الظالم لنفسه المُفرط، وهو الذي انتقص من وضوئها، ومواقيتها، وحدودها، وأركانها.

    الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة، ووضوئها، لكنه قد ضيَّع مجاهدة نفسه في الوسوسة، فذهب مع الوساوس والأفكار.

    الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها، وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوه؛ لئلاَّ يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد.

    الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها؛ لئلاَّ يُضيِّع شيئًا منها، بل همُّه كلُّه مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها وإتمامها، قد استغرق قلبه شأن الصلاة وعبودية ربِّه تبارك وتعالى فيها.

    الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك -أي مثل الصنف الرابع- ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربِّه عزَّ وجلَّ، ناظرًا بقلبه إليه، مراقبًا له، ممتلئًا من محبته وعظمته، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلَّت تلك الوساوس والخطرات، وارتفعت حجبها بينه وبين ربِّه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربِّه عزَّ وجلَّ قرير العين به.

    فالقسم الأول: مُعاقب.

    والثاني: مُحاسَب.

    والثالث: مكفَّر عنه.

    والرابع: مثاب.

    والخامس: مقرَّب من ربُّه؛ لأن له نصيبًا ممن جُعلت قرَّة عينه في الصلاة، فمن قرَّت عينه بصلاته في الدنيا، قرَّت عينه بقربه من ربِّه عزَّ وجلَّ في الآخرة، وقرَّت عينه أيضًا به في الدنيا، ومن قرَّت عينه بالله قرَّت به كلُّ عين، ومن لم تقرّ عينه بالله تعالى تقطَّعت نفسه على الدنيا حسرات».

    أخي الحبيب! هذه مراتب الناس في الصلاة، ففي أي مرتبة أنت؟ حاسب نفسك، وزنها بميزان الصلاة، فإن ميزان الصلاة لا يخطئ!

    أخي! ما هذه الغفلة والبلى مصيرك؟ وكم هذا التواني؟ فلقد أودى تقصيرك. أما صاح بك في سلب نذيرك؟ أفلا تتأهب؟ لقد ساء تدبيرك.

    أخي! كم يدعوك المؤذن وأنت راقد؟ فإذا جئت إلى الصلاة فقلبٌ غافل وجسم شاهد! وتقول قد صليت!! أتُبهْرِجُ على النقاد؟

    تعظيم شأن الصلاة

    إن تعظيم الصلاة يكون بأمور:

    الأول: رعاية أوقاتها وحدودها.

    الثاني: التفتيش عن أركانها وواجباتها وكمالها.

    الثالث: المسارعة إليها عند وجوبها.

    الرابع: الحزن والكآبة والأسف عند فوات حقٍّ من حقوقها.

    * كمن يحزن على فوت الجماعة، ويعلم أنه لو تُقُبلت منه صلاته منفردًا، فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفًا.

    * وكذلك إذا فاته أول الوقت الذي هو رضوان الله تعالى، أو فاته الصف الأول، ولو يعلم العبد فضيلته لجالد عليه ولكانت قرعة.

    * وكذلك فوت الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها بين يدي الربِّ تبارك وتعالى، الذي هو روحها ولبُّها، فصلاة بلا خشوع ولا حضور كبدن ميت لا روح فيه، ولهذا لا يقبلها الله تعالى من العبد وإن أٍسقطت عنه الفرض في أحكام الدنيا، ولا يثيبه عليها، فإنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، كما قال النبي ﷺ‬: «إن العبد ليُصلِّي الصلاة وما كتب له إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها» [رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني].

    وقال ﷺ‬: «إذا قمت في صلاتك؛ فصلِّ صلاة مودِّع» [رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني].

    الصلاة المقبولة

    أخي الحبيب! وهذه بعض النصائح والوصايا التي تُساعد على حفظ الصلاة وأدائها على الوجه المشروع ممَّا يُؤدي إلى قبولها والاستفادة منها:

    1- أحسن وضوءك للصلاة: قال ﷺ‬: «ما من مسلم يتوضأ فيُحسن وضوءه، ثم يقوم فيُصلي ركعتين، يُقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة» [رواه مسلم].

    2- اخرج من بيتك إلى المسجد مُتوضِّئًا: فقد قال ﷺ‬: «من خرج من بيته مُتطهِّرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاجِّ المُحرم» [رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني].

    3- احرص على الصلاة في أول وقتها: فقد أخبر ﷺ‬ أن الصلاة على وقتها أفضل الأعمال [متفق عليه].

    4- احرص على صلاة الجماعة، فقد قال ﷺ‬: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» [متفق عليه].

    5- احرص علي تكبيرة الإحرام، فقد أخبر النبي ﷺ‬: «أن من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كُتب له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق» [رواه أحمد وصححه الألباني].

    6- احرص على الذهاب إلى المسجد ماشيًا: لقوله ﷺ‬: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].

    7- أحضر قلبك في الصلاة، قال ابن القيِّم: «وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة، واشتغاله فيها بربِّه عزَّ وجلَّ إذا قهر ووجد الشيطان فيه مقعدًا تمكن فيه، كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟».

    8- علِّق قلبك ببيوت الله، وأكثر الخُطى إلى المساجد، وانتظر الصلاة بعد الصلاة، فقد ذكر النبي ﷺ‬ من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: «ورجل قلبه معلق بالمساجد» [متفق عليه]. وقال ﷺ‬: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط» [رواه مسلم].

    9- تعلَّم أحكام الصلاة: وكيف كان هدي النبي ﷺ‬ في صلاته، واستعن على ذلك ببعض الكتب النافعة كزاد المعاد لابن القيِّم.

    10- احرص على السنن الرواتب، وعلى أدائها في البيت فقد قال ﷺ‬: «فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل المكتوبة على النافلة» [رواه الطبراني وحسنه الألباني].

    11- احذر من السهر الطويل الذي يُؤدِّي إلى تضييع الصلاة والنوم عنها.

    12- احذر من كثرة الطعام والشراب والنوم والضحك ومخالطة الأنام، فإنها تثقل عن الصلاة.

    13- استعن بمن يوقظك لصلاة الفجر عن طريق الهاتف أو جرس البيت، واضبط الساعة المُنبِّهة على موعد الصلاة.

    14- داوم على صلاة الفجر في مسجد واحد حتى إذا تغيَّبت سأل عنك أهلُ المسجد.

    15- تدبَّر في الآيات التي تقرؤها أو التي يتلوها الإمام، وسافر بقلبك في معانيها.

    16- طالع أخبار علوِّ همَّة السلف في محافظتهم على الصلاة، فإنها تدعوك إلى الاقتداء بهم.

    17- استحضر عظمة الله في قلبك قبل الدخول في الصلاة، قال ﷺ‬: «إن أحدكم إذا قام يُصلِّي، فإنما يُناجي ربَّه، فلينظر كيف يُناجيه» [رواه الحاكم وصححه الألباني].

    18- احرص على الأذكار المشروعة بعد أداء الصلاة، ولا تُبادر إلى الخروج من المسجد قبل الإتيان بها.

    جعلنا الله تعالى وإياكم من المحافظين على الصلاة الخاشعين فيها، المنتفعين بها.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.