رسالة رمضان
ترجمات المادة
التصنيفات
الوصف المفصل
- رسالة
رمضان
- # المقدمـة #
- # فضائل شهر رمضان #
- # فضل الصيـام #
- # بم يتم التقرب إلى الله؟ #
- # خصائص شهر رمضان المبارك ومزاياه #
- # أحكام الصيام #
- # قيام رمضان #
- # تلاوة القرآن في رمضان وغيره #
- # الصدقة في رمضان #
- # تفسير آيات الصيام #
- # ما يستفاد من آيات الصيام #
- # فوائد الصيام #
- # الصوم مع ترك الصلاة #
- # الصوم الكامل #
- # المقصود من الصيام #
- # الصوم المشروع #
- # أسباب المغفرة في رمضان #
- # من آداب الصيام #
- # ما جاء في العشر الأواخر من رمضان #
- # العمرة في رمضان #
- # ليلة القدر #
- # التوبة والاستغفار #
- # شروط التوبة #
- # وداع رمضان #
- # ملاحظات #
- # فتاوى #
- # أدعية جامعة نافعة لا يستغنى عنها #
- # زكاة الفطر #
- # العيد #
- # فضل صيام ستة أيام من شوال #
- # الخاتمة #
رسالة رمضان
فضائل – خصائص – أحكام – فوائد
آداب – فتاوى - توجيهَات
تأليف الفقير إلى الله تعالى
عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
# المقدمـة #
الحمد لله الذى فضل شهر رمضان على سائر الشهور واختصه من بينهن لإنزال القرآن وفريضة الصيام وجعله أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام ومكفرًا للذنوب والآثام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام القدوس السلام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صلى وصام الذي أرسله الله رحمة للعالمين وقدوة للسالكين وحجة على الخلائق أجمعين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه رسالة مختصرة جامعة فيما يهم المسلم في شهر رمضان من صيام وقيام وقراءة قرآن وصدقة وغير ذلك مما ستراه موضحًا فيها إن شاء الله تعالى. جعلناها متوسطة بين الطويل الممل والقصير المخل وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسول ﷺ وكلام العلماء المحققين وأسندنا كل قول إلى قائله بذكر الجزء ورقم الصفحة التي أخذ منها قيامًا بواجب الأمانة العلمية وليرجع إليها من شاء وذكرنا أرقام الآيات القرآنية من سورها في المصحف الشريف وأسندنا الأحاديث النبوية إلى مخرجيها وذكرنا المراجع والفهرس في آخر الرسالة ونسال الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم وأن ينفع بها من كتبها أو قرأها أو سمعها وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
# فضائل شهر رمضان #
1 - عن أبي هريرة t قال: كان رسول الله ﷺ يبشر أصحابه يقول: «قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم» رواه أحمد والنسائي.
2 - وعن عبادة بن الصامت مرفوعًا: «أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرًا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله» رواه الطبراني ورواته ثقات.
3 - وعن أبي هريرة t عن رسول الله ﷺ قال:
«أعطيت أمتي في شهر رمضان خمس خصال لم تعطها أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتسغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل كل يوم جنته ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد فيه مردة الجن فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة» قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر قال: «لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله» رواه أحمد.
4 - وعن سلمان الفارسي t قال: خطبنا رسول الله ﷺ فى آخر يوم من شعبان فقال: «يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعًا من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه الرزق، من فطر فيه صائمًا كان مغفرة الذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء». قالوا يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم قال رسول الله ﷺ: «يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائمًا على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء ومن سقى صائمًا سقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة. وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتسغفرونه، وأما اللتان لا غناء بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار» رواه ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما.
(انظر هذه الأحاديث في كتاب الترغيب والترهيب للمنذري جـ 2 ص 13 – 18).
®®®®
# فضل الصيـام #
في الصحيحين عن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: (إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) للصائم فرحتان: «فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».
# بم يتم التقرب إلى الله؟ #
واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ولهذا قال ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري.
وسر هذا: أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات. فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله بترك المباحات كان مثل من يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل.
وإن نوى بأكله وشربه تقوية بدنه على القيام والصيام كان مثابًا على ذلك، كما أنه إذا نوى بنومه في الليل والنهار التقوي على العمل كان نومه عبادة، وفي حديث مرفوع: «نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح وعمله مضاعف ودعاؤه مستجاب وذنبه مغفور»([1]) فالصائم في ليله ونهاره في عبادة ويستجاب دعاؤه في صيامه وعند فطره فهو في نهاره صائم صابر وفي ليله طاعم شاكر.
شروط الثواب على الصيام:
ومن شرط ذلك أن يكون فطره على حلال فإن كان فطره على حرام كان ممن صام على ما أحلَّ الله وأفطر على ما حرم الله ولم يستجب له دعاء.
الصائم المجاهد:
واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان:
1 - جهاد لنفسه بالنهار على الصيام.
2 - وجهاد بالليل على القيام.
فمن جمع بين هذين الجهادين ووفى بعقوقها وصبر عليهما وفّي أجره بغير حساب([2]).
# خصائص شهر رمضان المبارك ومزاياه #
1- صوم رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه. قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [سورة البقرة آية: 183] وقالت النبي ﷺ: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام» متفق عليه.
وفي الحديث: «من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر وإن صامه» رواه الترمذي وغيره. والصيام من أعظم وسائل التقوى ومن أعظم الأسباب لتكفير السيئات ومضاعفة الحسنات ورفع الدرجات، وقد اختصه الله لنفسه من بين سائر الأعمال، فقال فيما رواه عنه نبيه ﷺ: «الصوم لي وأن أجزي به. للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» متفق عليه.
وقال ﷺ: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه. فلا بد لحصول المغفرة بصيام رمضان من هذين الشرطين وهما:
(أ) الإيمان الصادق بهذه الفريضة.
(ب) واحتساب الأجر عليها عند الله تعالى.
2 - وفي رمضان أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
3 - وفي رمضان تسن صلاة التراويح وهي قيام رمضان اقتداء بالنبي ﷺ وأصحابه وخلفائه الراشدين. قال ﷺ: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
4 – وفي رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر وهي ليلة تفتح فيها أبواب السماء ويستجاب فيها الدعاء ويقدر فيها ما يكون في السنة من أقدار. قال ﷺ: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه. وهي في العشر الأواخر منه، وترجى في ليالي الوتر آكد من غيرها فينبغي للمسلم الراجي رحمة ربه الخائف من عذابه أن ينتهز الفرصة في تلك الليالي فيجتهد في كل ليلة من ليالي العشر بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار والتوبة النصوح لعل الله أن يتقبل منه ويغفر له ويرحمه ويستجيب دعاه.
5 - وفي رمضان كانت غزوة بدر الكبرى التي فرق الله في صبيحتها بين الحق والباطل فانتصر فيها الإسلام وأهله وانهزم الشرك وأهله.
6 - وفي رمضان كان فتح مكة ونصر الله رسوله حيث دخل الناس في دين الله أفواجًا وقضى رسول الله ﷺ على الشرك والوثنية الكائنة فى مكة فأصبحت دار إسلام.
7 - وفي رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتغل فيه الشياطين.
وكم في رمضان من البركات والخيرات فيجب أن نغتنم هذه الفرصة لنتوب إلى الله توبة نصوحًا ونعمل صالحًا عسى أن نكون من المقبولين الفائزين.
ويلاحظ أن بعض الناس هداهم الله قد يصوم ولا يصلي أو يصلي في رمضان فقط، فمثل هذا لا يفيده صوم ولا حج ولا صدقة لأن الصلاة عمود الإسلام الذي يقوم عليه، وقال ﷺ: «أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك رمضان فخرج ولم يغفر له فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين» رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه([3]).
فينبغي أن تستغل أوقات رمضان بالأعمال الصالحة من صلاة وصدقة وقراءة قرآن وذكر لله ودعاء واستغفار فهو مزرعة للعباد لتطهير قلوبهم من الفساد.
كما يجب حفظ الجوارح عن الآثام من الكلام المحرم والنظر المحرم والسماع المحرم والأكل والشراب المحرم ليزكو الصوم ويقبل ويستحق الصائم المغفرة والعتق من النار.
وفي فضل رمضان قال رسول الله ﷺ: «وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وأوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار» رواه ابن خزيمة في صحيحه.
وقال عليه الصلاة والسلام: «رأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشًا فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه» رواه الحكيم الترمذي والديلمي والطبراني في الكبير.
وقال ﷺ: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» رواه مسلم. فهذه الفروض تكفر الصغائر بشرط اجتناب الكبائر، والكبائر جمع كبيرة وهي ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام والمعاملة بالربا وأخذ الرشوة وشهادة الزور والحكم بغير ما أنزل الله.
وفي الترمذي عنه ﷺ أنه قال: «أفضل الصدقة: صدقة في رمضان» ولو لم يكن فيه من الفضائل إلا أنه كان وقتًا لفريضة من فرائض الإسلام وظرفًا لنزول القرآن وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر لكفى وبالله التوفيق([4]).
# أحكام الصيام #
· الصيام:
هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس قال تعالى: }وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ{. [سورة البقرة آية: 187]
متى يجب صوم رمضان وبم يثبت؟
يجب صيام رمضان برؤية هلاله أو بإكمال شعبان ثلاثين يومًا ويصام برؤية عدل ولا يقبل في بقية الشهور إلا عدلان.
على من يجب صوم رمضان؟
صوم رمضان واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم.
شروط وجوبه:
شرط وجوب صوم رمضان أربعة وهي: الإسلام والعقل والبلوغ والقدرة.
متى يؤمر به الصبي؟
قال العلماء: ويؤمر به الصبي إذا أطاقه ليعتاده كالصلاة يؤمر بها لسبع سنين ويضرب عليها لعشر ليتمرن عليها ويعتادها.
شروط صحة الصيام: ستة:
1- الإسلام: فلا يصح من الكافر حتى يسلم.
2- والعقل: فلا يصح من المجنون حتى يعقل.
3- والتمييز: فلا يصح من الصغير حتى يميز.
4- وانقطاع دم الحيض: فلا يصح من الحائض حتى ينقطع دمها.
5- وانقطاع دم النفاس: فلا يصح من النفساء حتى تطهر.
6- والنية من الليل لكل يوم في الصوم الواجب. لقوله ﷺ: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له» رواه الخمسة والحديث دليل على أنه لا يصح الصيام إلا بتبييت النية بأن ينوي الصيام في أي جزء من الليل.
سنن الصوم: وسنن الصوم ستة:
1- تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل ما لم يخش طلوع الفجر.
2- وتعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس.
3- والزيادة في أعمال الخير وفي مقدمة ذلك المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة وأداء زكاة الأموال إلى مستحقيها ثم بالإكثار من نوافل الصلاة والصدقة وتلاوة القرآن وغير ذلك من فضائل الأعمال.
4- وأن يقول إذا شتم: إني صائم فلا يسب من سبه ولا يشتم من شتمه ولا يسيء إلى من أساء إليه بل يقابل ذلك بالإحسان ليفوز بالأجر ويسلم من الإثم.
5- وأن يدعو عند فطره بما أحب ومن ذلك أن يقول: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم.
6 - وأن يفطر على رطب فإن عدمه فعلى تمر فإن عدمه فعلى ماء([5]).
أحكام المفطرين في رمضان:
يباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام من الناس:
1 - المريض: الذي يتضرر به والمسافر الذي له القصر فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء وإن صاما أجزأهما. قال تعالى: }فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{. [سورة البقرة من آية: 184] أي إذا أفطر المريض والمسافر قضى بعد رمضان بعدة ما أفطر من أيام أخر.
2 - الحائض والنفساء: تفطران وتقضيان وإن صامتا لم يجزئهما. قالت عائشة رضي الله عنها: (كان يصيبنا ذلك – تعني الحيض – فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) متفق عليه.
3 - الحامل والمرضع: إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينًا وإن صامتا أجزأهما، وإن خافتا على نفسيهما أفطرتا وقضتا فقط قاله ابن عباس فيما رواه أبو داود([6]).
4 - العاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى شفاؤه فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا قاله ابن عباس فيما رواه البخاري([7]) ومقدار الإطعام مد من بر أو نصف صاع من غيره([8]).
حكم الجماع في نهار رمضان:
الجماع في نهار رمضان محرم وعلى من جامع القضاء والكفارة المغلظة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا، فإن لم يجد سقطت عنه }لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها{. [سورة البقرة من آية: 286]([9]).
مفسدات الصوم:
1 - الأكل والشرب عمدًا فإن كان ناسيًا لم يفسد صومه.
2 - والجماع في الفرج.
3 - وإيصال الأغذية إلى الجوف ومن ذلك الإبر المغذية وحقن الدم في الصائم.
4 - وإنزال المني في اليقظة باستمناء أو مباشرة أو تقبيل ونحو ذلك باختياره. وأما الإنزال بالاحتلام فلا يفطر لأنه بغير اختيار الصائم.
5 - وخروج دم الحيض والنفاس: فمتى رأت المرأة الحيض أو النفاس فسد صومها سواء في أول النهار أو في آخره قبل غروب الشمس.
6 - والتقيؤ عمدًا: وهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم لقول النبي ﷺ: «من ذرعه -غلبه- القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فعليه القضاء» رواه الخمسة إلا النسائي فإن خرج من غير قصد لم يفطر.
7 - والردة عن الإسلام: أعاذنا الله منها وهي تحبط جميع الأعمال قال تعالى: }ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون{. [سورة الأنعام آية: 88].
ولا يفسد صوم من فعل شيئًا من جميع المفطرات جاهلاً أو ناسيًا أو مكرهًا ولا إن دخل الغبار حلقه أو الذباب أو الماء بغير قصد. وإذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين اغتسلت وصلت وصامت.
من واجبات الصائم:
ويجب على الصائم وغيره: اجتناب الكذب والغيبة (وهي ذكرك أخاك بما يكره)، والنميمة (وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد بينهم)، واللعن (وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله)، والسب والشتم، وأن يحفظ سمعه وبصره ولسانه وبطنه عن الكلام المحرم والنظر المحرم والسماع المحرم والأكل والشرب المحرم.
الصوم المستحب:
يستحب صيام ستة أيام من شوال، وثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل صيام أيام الليالي البيض 0 وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر) ويوم الاثنين والخميس. وتسع ذي الحجة وآكدها التاسع وهو يوم عرفة ويوم عاشوراء العاشر من شهر محرم ويضاف إليه يوم قبله أو يوم بعده اقتداء بالنبي ﷺ وصحابته الكرام ومخالفة لليهود.
توجيهات:
أيها المسلم: انتهز فرصة حياتك وصحتك وشبابك واغتنمها بالأعمال الصالحة قبل أن ينزل بك الموت وتب إلى الله تعالى توبة صادقة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والمحرمات، وحافظ على فرائض الله تعالى وأوامره وابتعد عن محرماته ونواهيه في رمضان وغيره واحذر أن تؤخر التوبة فتموت عاصيًا قبل أن تتوب فإنك لا تدري أتدرك شهر رمضان القادم أم لا.
واجتهد في أمر أهلك وأولادك ومن تحت يدك بطاعة الله تعالى ونهيهم عن معاصيه وكن قدوة حسنة لهم في جميع المجالات فإنك راع عليهم ومسؤول عنهم أمام الله تعالى واخل بيتك من جميع المنكرات الصادة عن ذكر الله وعن الصلاة.
واشغل نفسك وأسرتك في ما ينفعك وينفعهم وحذرهم مما يضرهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# قيام رمضان #
عن أبي هريرة t عن رسول الله ﷺ قال: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
وعن عبد الرحمٰن بن عوف t أن رسول الله ﷺ ذكر شهر رمضان فقال: «إن رمضان شهر فرض الله صيامه وإني سننت للمسلمين قيامه فمن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه» أخرجه النسائي وقال: الصواب عن أبي هريرة.
فقيام رمضان سنة مؤكدة سنها رسول الله ﷺ وحث عليها ورغب فيها وعمل بها خلفاؤه الراشدون وسائر الصحابة والتابعون لهم بإحسان فينبغي للمسلم أن يحافظ على صلاة التراويح في رمضان وعلى صلاة القيام في العشر الأواخر منه طلبًا لليلة القدر. وقيام الليل مشروع في جميع ليالي السنة وفضله عظيم وثوابه جسيم قال الله تعالى: }تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون{([10]) وهذا مدح وثناء للقائمين لصلاة التهجد في الليل. ومدح قومًا آخرين فقال: }كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون{ [سورة الذاريات آية: 17 – 18] وقال تعالى: }والذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا{ [سورة الفرقان آية: 64] وروى الترمذي عن عبد الله بن سلام أن النبي ﷺ قال: «يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام».
وللترمذي عن بلال مرفوعًا: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وإن قيام الليل مقربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطردة للداء عن الجسد».
وفي حديث الكفارات والدرجات قال: «ومن الدرجات: إطعام الطعام، وطيب الكلام، وأن تقوم بالليل والناس نيام» صححه البخاري والترمذي([11]) وقال النبي ﷺ: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» رواه مسلم.
ومن صلاة الليل: الوتر وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة فيوتر بركعة مفردة لقول النبي ﷺ: «من أحب أن يوتر بواحدة فليفعل» رواه أبو داود والنسائي.
أو يوتر بثلاث لقول النبي ﷺ: «من أحب أن يوتر بثلاث فليفعل» رواه أبو داود والنسائي. فإن أحب سردها بسلام واحد وإن أحب صلى ركعتين وسلم ثم صلى الثالثة.
وله أن يوتر بخمس فيسردها جميعًا لا يجلس ولا يسلم إلا في آخرهن لقول النبي ﷺ: «من أحب أن يوتر بخمس فليفعل» رواه أبو داود والنسائي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي ﷺ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن) متفق عليه.
وله أن يوتر بسبع فيسردها كالخمس لقول أم سلمة رضي الله عنها: (كان النبي ﷺ يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة.
وله أن يوتر بتسع أو بإحدى عشرة أو بثلاث عشرة ركعة والأفضل أن يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة.
وصلاة الليل في رمضان لها فضيلة ومزية على غيرها.
وقيام رمضان شامل للصلاة في أول الليل وفي آخره، فالتراويح من قيام رمضان فينبغي الحرص عليها والاعتناء بها واحتساب الأجر والثواب من الله عليها. وما هي إلا ليالٍ معدودة ينتهزها المؤمن العاقل قبل فواتها.
ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينال ثوابها وأجرها ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله لقول النبي ﷺ: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» الحديث رواه اهل السنن بسند صحيح([12]).
والتراويح سنة وفعلها جماعة أفضل وفعل الصحابة لها مشهور وتلقته الأمة عنهم خلفًا بعد سلف وليس لها حد معين فله أن يصلي عشرين ركعة أو ستًا وثلاثين ركعة أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة وكل حسن فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره والمطلوب في الصلاة الخشوع والطمأنينة وحضور القلب وترتيل القراءة وذلك لا يحصل مع السرعة والعجلة ولعل الاقتصار على إحدى عشرة ركعة يكون أولى([13]).
®®®®
# تلاوة القرآن في رمضان وغيره #
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وبعد:
فإنه يتأكد على المسلم الراجي رحمة ربه الخائف من عذابه أن يكثر من تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره تقربًا إلى الله تعالى وطلبًا لمرضاته وتعرضًا لفضله وثوابه فإن القرآن الكريم خير كتاب أنزل على أشرف رسول إلى خير أمة أخرجت للناس بأفضل الشرائع وأسمحها وأسماها وأكملها.
أنزل القرآن لكي يقرأه المسلم ويتدبره ويتفكر في معانيه وأوامره ونواهيه ثم يعمل به فيكون حجة له عند ربه وشفيعًا له يوم القيامة.
وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة بقوله تعالى: }فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى{ [سورة طه آية: 123]. وليحذر المسلم من الإعراض عن تلاوة كتاب الله وتدبره والعمل بما فيه وقد توعد الله المعرضين عنه بقوله: }من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرًا{ [سورة طه آية: 100] وبقوله تعالى: }ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى{ [سورة طه آية: 124].
من فضائل القرآن:
1 - قال الله تعالى: }ونَزَّلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين{ [سورة النحل آية: 89].
2 - وقال تعالى: }قد جاءكم من الله نورٌ وكتاب مبين يهدي به الله من اتَّبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات غلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم{ [سورة المائدة آية: 15 – 16].
3 – وقال تعالى: }يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدىورحمة للمؤمنين{ [سورة يونس آية: 57].
4 - وقال رسول الله ﷺ: «اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» رواه مسلم عن أبي أمامة.
5 - وعن النواس بن سمعان t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما» رواه مسلم.
6 - وعن عثمان بن عفان t قال: قال رسول الله ﷺ: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري.
7 - وعن ابن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
8 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
9 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران» متفق عليه.
والمراد بالسفرة: الرسل من الملائكة، والبررة: المطيعون لله تعالى، ويتعتع له أجران، أجر القراءة وأجر المشقة.
10 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار. ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار» متفق عليه.
والآناء: الساعات. والمراد بالحسد هنا: الغبطة وهي تمني مثل ما للغير([14]).
فاحرص أيها المسلم وفقك الله لما يرضيه على تعلم القرآن وتلاوته بنية خالصة لله تعالى، واحرص على تعلم معانيه والعمل به لتنال ما وعد الله به أهل القرآن من الفضل العظيم والثواب الجسيم والدرجات العلا والنعيم المقيم فقد كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا تعلموا عشر آيات من كتاب الله تعالى لم يتجاوزوهن حتى يتعلموا معانيهن والعمل بهن.
ثم اعلم أيها المسلم أن تلاوة القرآن التي ينتفع بها صاحبها هي التلاوة المصحوبة بالتدبر والتفهم لمعانيه وأوامره ونواهيه بحيث إذا مر القاريء بآية يأمره الله فيها بأمر ائتمر به وامتثله، وإذا مر بآية ينهاه الله فيها عن شيء انتهى عنه وتركه، وإذا مر بآية رحمة سأل الله ورجا رحمته، وإذا مر بآية عذاب استعاذ بالله وخاف من عقابه، فهذا الذي يتدبر القرآن ويعمل به ويكن حجة له، أما الذي لا يعمل به فإنه لا ينتفع به ويكون حجة عليه قال الله تعالى: }كتاب أنزلناه إليك مبارك ليَدَّبروا آياته وليتذكر أولو الألباب{ [سورة ص آية: 29].
وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى: }شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن{ [سورة البقرة من آية: 185]، وتقدم في الحديث الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ كان يلتقي هو وجبريل في رمضان في كل ليلة فيدارسه القرآن.
فدل على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له منه. وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان.
وفي فضل الاجتماع في المساجد لمدارسة القرآن قال رسول الله ﷺ: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» رواه مسلم.
ومدارسة القرآن لها طريقتان:
الأولى: أن تقرأ ما قرأه صاحبك.
والثانية: أن تقرأ ما بعده. والأولى أولى..
وفي حديث ابن عباس المتقدم: أن المدارسة بين النبي ﷺ وبين جبريل كانت ليلاً فدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: }إن ناشئة الليل هي أشد وطئًا وأقوم قيلاً{ [سورة المزمِّل آية: 6].
ويستحب قراءة القرآن على أكمل الأحوال متطهرًا مستقبل القبلة متحريًا بها أفضل الأوقات كاليل وبعد المغرب وبعد الفجر، وتجوز القراءة قائمًا وقاعدًا ومضطجًا وماشيًا وراكبًا لقوله تعالى: }الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم{ [سورة آل عمران من آية: 191] والقرآن أعظم الذكر.
مقدار القراءة المستحبة:
يستحب ختم القرآن في كل أسبوع يقرأ في كل يوم سبعًا من القرآن في المصحف فإن النظر فيه عبادة وفيما دون الأسبوع أحيانًا في الأوقات الفاضلة والأمكنة الفاضلة كرمضان والحرمين الشريفين وعشر ذي الحجة اغتنامًا للزمان والمكان، وإن قرأ القرآن في كل ثلاثة أيام فحسن لقول النبي ﷺ لعبد الله بن عمر: «اقرأه في كل ثلاث»([15]) ويكره تأخير ختم القرآن عن أربعين يومًا إن خاف نسيانه. قال الإمام أحمد: ما أشد ما جاء في من حفظه ثم نسيه.
ويحرم على المحدث حدثًا أصغر أو أكبر مس المصحف لقول الله تعالى: }لا يمسه إلا المطهرون{ وقوله ﷺ: «لا يمس القرآن إلا طاهر» رواه مالك في الموطأ والدارقطني.
ويحرم على الجنب قراءة القرآن حتى يغتسل لحديث: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن» رواه أبو داود.
القرآن الكريم كلية الشريعة:
قال الشاطبي في الموافقات: (قد تقرر أن الكتاب العزيز كلية الشريعة وعمدة الملة وينبوع الحكمة وآية الرسالة ونور الأبصار والبصائر وأنه لا طريق إلى الله سواه ولا نجاة بغيره ولا تمسك بشيء يخالفه، وإذا كان كذلك لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها واللحاق بأهلها أن يتخذه سميره وأنيسه وأن يجعله جليسه على مر الأيام والليالي نظرًا وعملاً فيوشك أن يفوز بالبغية وأن يظفر بالطلبة وأن يجد نفسه من السابقين وفي الرعيل الأول فإن كان قادرًا على ذلك ولا يقدر عليه إلا من زاول ما يعينه على ذلك من السنة المبينة للكتاب وإلا فكلام الأئمة السابقين والسلف المتقدمين آخذ بيده في هذا المقصد الشريف)([16]).
حكم التطريب بقراءة القرآن:
إن شغل القاريء والمستمع باله بالتطريب وهو الترجيع والتمديد ونحو ذلك مما هو مفض إلى تغيير كلام الله الذي أمرنا بتدبره حائل للقلوب عن مراد الرب من كتابه قاطع لها عن فهم كلامه فينزه كلام الرب عن ذلك، وكره الإمام أحمد التلحين بالقراءة الذي يشبه الغناء وقال: هي بدعة.
وقال ابن كثير رحمه الله في فضائل القرآن: والغرض المطلوب شرعًا: إنما هو تحسين الصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك بأدائه هذا المسلك([17]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الألحان التي كره العلماء قراءة القرآن بها هي التي تقتضي قصر الحرف الممدود ومد المقصور وتحريك الساكن وتسكين المتحرك يفعلون ذلك لموافقة نغمات الأغاني المطربة فإن حصل مع ذلك تغيير نظم القرآن وجعل الحركات حروفًا فهو حرام([18]).
®®®®
# الصدقة في رمضان #
في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي ﷺ أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن وكان جبريل يلقاه كل ليلة من شهر رمضان فيدارسه القرآن فكان رسول الله ﷺ حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) ورواه أحمد وزاد (ولا يسأل شيئًا إلا أعطاه) وللبيهقي عن عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله ﷺ إذا دخل رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل).
الجود هو سعة العطاء وكثرته والله تعالى يوصف بالجود، فروى الترمذي عن سعد بن أبي وقاص t عن النبي ﷺ: «إن الله جواد يحب الجود، كريم يحب الكرم» فالله سبحانه أجود الأجودين وجوده يتضاعف في أوقات خاصة كشهر رمضان وكان رسول الله ﷺ أجود الناس على الإطلاق كما أنه أفضلهم وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة وكان جوده ﷺ يتضاعف في رمضان على غيره من الشهور كما أن جود ربه يتضاعف فيه أيضًا.
وفي تضاعف جوده ﷺ في رمضان بخصوصه فوائد كثيرة:
1 - منها شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه وفي الترمذي عن أنس مرفوعًا: «أفضل الصدقة: صدقة رمضان».
2 - ومنها إعانة الصائمين والذاكرين على طاعتهم فيستوجب المعين لهم مثل أجورهم كما أن من جهز غازيًا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا. وفي حديث زيد بن خالد عن النبي ﷺ قال: «من فطر صائمًا فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء» رواه أحمد والترمذي.
3 - ومنها أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار لا سيما في ليلة القدر والله تعالى يرحم من عباده الرحماء فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل والجزاء من جنس العمل.
4 - أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما في حديث علي t عن النبي ﷺ قال: «إن في الجنة غرفًا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها» قالوا لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام» رواه أحمد وابن حبان والبيهقي.
وهذه الخصال كلها تكون في رمضان فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث، والصلاة والصيام والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل.
5 - أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها خصوصًا إن ضم إلى ذلك قيام الليل فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «الصيام جُنَّة أحدكم من النار كجُنته من القتال»([19]) ولأحمد أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا: «الصوم جنة وحصن حصين من النار» وفي حديث معاذ t عن النبي ﷺ أنه قال: «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفيء الماء النار وقيام الرجل في جوف الليل» يعني أنه يطفيء الخطيئة أيضًا.
6 - أن الصيام لا بد أن يقع فيه خلل ونقص وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفيظ مما ينبغي أن يتحفظ منه، وعامة صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي فالصدقة تجبر ما كان فيه من النقص والخلل ولهذا وجب في آخر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث.
7 - أن الصائم يدع طعامه وشرابه فإذا أعان الصائمين على التقوي على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوته لله وآثر بها وواسى منها. ولهذا يشرع له تفطير الصوام معه إذا أفطر لأن الطعام يكون محبوبًا له حينئذٍ فيواسي منه حتى يكون ممن أطعم الطعام على حبه، فيكون في ذلك شاكرًا لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له. ورده له بعد منعه إياه فإن هذه النعمة إنما يعرف قدرها عند المنع منها([20]).
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# تفسير آيات الصيام #
قال الله تعالى: }يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الَّذين من قبلكم لعلكم تتقون * أيامًا معدودات فمن كان منكم مريضًا أو على سفرِ فعدة من أيامٍ اخر وعلى الَّذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرًا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون{ [سورة البقرة آية: 183 – 184].
يقول الله تعالى مخاطبًا المؤمنين من هذه الأمة وآمرًا لهم بالصيام وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل، لما فيه من زكاة النفوس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة، وذكر أنه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على من كان قبلهم فلهم فيهم أسوة وليجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك([21]).
وقد علل فرضيته ببيان فائدته الكبرى وحكمته العليا وهي أن يعد الصائم نفسه لتقوى الله بترك الشهوات المباحة امتثالاً لأمره تعالى واحتسابًا للأجر عنده، ليكون المؤمن من المتقين لله الممتثلين لأوامره المجتنبين لنواهيه ومحارمه([22]).
ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام أخبر أنها أيام معدودات أي قليلة سهلة ومن سهولتها أنها في شهر معين يشترك فيه جميع المسلمين، ثم سهل تسهيلاً آخر فقال: }فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر{ وذلك للمشقة غالبًا رخص الله لهما في الفطر، ولما كان لابد من تحصيل العبد لمصلحة الصيام أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض وانقضى السفر وحصلت الراحة([23]).
وقوله تعالى: }فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر{ أي المريض والمسافر لا يصومان في حال المرض والسفر لما في ذلك من المشقة عليهما بل يفطران ويقضيان بعدة ذلك من أيام أخر.
وأما الصحيح المقيم الذي يطيق الصيام فقد كان مخيرًا بين الصيام وبين الإطعام إن شاء صام وإن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينًا فإن أطعم أكثر من مسكين عن كل يوم فهو خير له وإن صام فهو أفضل من الإطعام قاله ابن مسعود وابن عباس ولهذا قال تعالى: }وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون{([24])
وقوله تعالى: }شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون{ [سورة البقرة آية: 185].
يخبر الله تعالى أن هذا الشهر الذي فرض عليهم صيامه هو شهر رمضان ابتداء نزول القرآن الكتاب العظيم الذي أكرم الله به الأمة المحمدية فجعله دستورًا لهم ونظامًا يتمسكون به في حياتهم، فيه النور والهدى والضياء وهو سبيل السعادة لمن أراد أن يسلك طريقها، وفيه الفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال والحلال والحرام.
وقد أكد البارئ صيام هذا الشهر لأنه شهر تنزل فيه الرحمة الإلاهية على العباد وأنه تعالى لا يريد بعباده إلا اليسر والسهولة ولذلك فقد أباح للمريض والمسافر الإفطار في أيام رمضان([25])، وأمرهم بالقضاء ليكملوا عدة شهرهم، كما أمر بذكره وتكبيره عند انقضاء عبادته عند تمام شهر رمضان ولهذا قال تعالى: }يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون{ أي إذا قمتم بما أمركم الله به من طاعته بأداء فرائضه وترك محارمه وحفظ حدوده فعليكم أن تكونوا من الشاكرين لله بذلك([26]).
ثم قال تعالى: }وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون{ [سورة البقرة آية: 186].
سبب النزول: روي أن أعرابيًّا قال يا رسول الله: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فسكت النبي ﷺ فأنزل الله هذه الآية([27]).
التفسير: يبين تعالى أنه قريب يجيب دعوة الداعين ويقضي حوائج السائلين وليس بينه وبين أحد من العباد حجاب فعليهم أن يتوجهوا إليه وحده بالدعاء والتضرع حنفاء مخلصين له الدين([28]).
وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر.
فضل الدعاء والحث عليه:
قد وردت نصوص كثيرة في الحث على الدعاء وفضله والترغيب فيه نذكر منها ما يلى:
1 - قال الله تعالى: }وقال ربكم ادعوني أستجب لكم{ [سورة غافر آية: 60] فقد أمر الله تعالى بالدعاء وتكفل بالإجابة.
2 - وقال تعالى: }ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين{ [سورة الأعراف آية: 55]
والمعنى: ادعوا الله تذللاً وسرًا بخشوع وخضوع }إنه لا يحب المعتدين{ أي لا يحب المعتدين في الدعاء وغيره. أي المتجاوزين للحد في كل الأمور، ومن الاعتداء في الدعاء كون العبد يسأل الله مسائل لا تصح له أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء فقال رسول الله ﷺ: «أيها الناس: أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إن الذي تدعون سميع قريب» الحديث.
3 - وقال تعالى: }أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء{ [سورة النمل آية: 62] أي: هل يجيب المضطر الذي أقلقته الكروب وتعسر عليه المطلوب واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده، ومن يكشف السوء -أي البلاء- والشر والنقمة إلا الله وحده.
4 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال «الدعاء هو العبادة» رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
5 – وعن عبادة بن الصامت t أن رسول الله ﷺ قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم». فقال رجل من القوم: إذًا نكثر، قال: «الله أكثر» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح([29]).
ثم قال تعالى: }* أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلهُمْ يَتَّقُونَ{ [سورة البقرة آية: 187]
سبب النزول: روى البخاري عن البراء بن عازب أنه قال: كان أصحاب محمد ﷺ إذا كان الرجل صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا وكان يعمل بالنخيل في النهار فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها أعندك طعام؟ قالت له: ولكن أنطلق فأطلب لك فكان يومه يعمل فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت خيبت لك فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي ﷺ فنزلت هذه الآية }أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ{ ففرحوا بها فرحًا شديدًا فنزلت: }وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ{([30]).
التفسير: يقول تعالى ميسرًا على عباده ومبيحًا لهم التمتع بالنساء في ليالي رمضان كما أباح لهم الطعام والشراب: }أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ{ الآية. والرفث: الجماع ودواعيه وقد كان ذلك من قبل محرمًا عليهم ولكنه تعالى أباح لهم الطعام والشراب والشهوة الجنسية من الاستمتاع بالنساء ليظهر فضله عليهم ورحمته بهم، وقد شبه المرأة باللباس الذي يستر البدن فهي ستر للرجل وسكن له وهو ستر لها قال ابن عباس معناه: «هن سكن لكن وأنتم سكن لهن» وأباح معاشرتهن إلى طلوع الفجر ثم استثنى من عموم إباحة المباشرة مباشرتهن وقت الاعتكاف لأنه وقت تبتل وانقطاع للعبادة ثم ختم تعالى هذه الآيات الكريمة بالتحذير من مخالفة أوامره وارتكاب المحرمات والمعاصي التي هي حدود له وقد بينها لعباده حتى يجتنبوها ويلتزموا بالتمسك بشريعة الله ليكونوا من المتقين([31]).
®®®®
# ما يستفاد من آيات الصيام #
1- وجوب صيام شهر رمضان على الأمة الإسلامية.
2- وجوب تقوى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
3- إباحة الفطر في رمضان للمريض والمسافر.
4- وجوب القضاء عليهما بعدة ما أفطرا من أيام أخر.
5- في قوله تعالى: }فعدة من أيام أخر{ دليل على أن من أفطر رمضان لعذر يقضي عدد أيام رمضان كاملاً كان أو ناقصًا، وعلى أنه يجوز أن يقضي أيامًا قصيرة باردة عن أيام طويلة حارة وبالعكس.
6- أنه لا يجب التتابع في قضاء رمضان لأنه قال: }فعدة من أيام أخر{ ولم يشترط التتابع أي سواء كانت متتابعة أو متفرقة وفي ذلك تيسير على الناس.
7- أن من لا يطيق الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فعليه فدية إطعام مسكين لكل يوم.
8- في قوله تعالى: }وأن تصوموا خيرًا لكم{ أن الصوم لمن أبيح له الفطر أفضل ما لم يشق عليه.
9- من فضائل رمضان تخصيصه بإنزال القرآن فيه لهداية العباد وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
10- أن المشقة تجلب التيسير ولذا أباح الله الفطر للمريض والمسافر.
11- يسر الإسلام وسماحته حيث إنه لم يكلف أحدًا ما لا يطيق.
12- مشروعية التكبير ليلة عيد الفطر: }ولتكبروا الله على ما هداكم{ وأن وقته من إكمال العدة وهو غروب شمس آخر من رمضان.
13- وجوب الشكر لله على نعمه بالتوفيق للصيام والقيام وتلاوة القرآن الكريم وذلك بطاعته وترك معصيته.
14- الحث على الدعاء لأن الله أمر به وتكفل بالاجابة.
15- قرب الله من داعيه بالإجابة ومن عابديه بالإثابة.
16- وجوب الاستجابة لله بالإيمان به والانقياد لطاعته وإن ذلك شرط في إجابة الدعاء.
17- إباحة الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر، وتحريمها نهارًا.
18- أن وقت الصيام من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
19- مشروعية الاعتكاف في المساجد وهو: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى والتفرغ فيه لعبادته، وأنه لا يصح إلا بمسجد تقام فيه الصلوات الخمس.
20- تحريم مباشرة النساء على المعتكف وأن الجماع من مفسدات الاعتكاف.
21- وجوب التقيد بأوامر الله ونواهيه وامتثالها }تلك حدود الله فلا تقربوها{.
22- الحكمة من هذا البيان وهو حصول التقوى بعد معرفة ما يتقى.
23- أن من أكل شاكًا في طلوع الفجر صح صومه لأن الأصل بقاء الليل.
24- استحباب السحور وأنه يستحب تأخيره.
25- أنه يجوز تأخير الغسل للجنب إلى طلوع الفجر.
26- الصوم مدرسة روحية لتهذيب النفس وتعويدها على الصبر([32]).
®®®®
# فوائد الصيام #
للصيام فوائد روحية واجتماعية وصحية وهي:
1 - من الفوائد الروحية للصوم: أنه يعود على الصبر ويقوي الإرادة ويعلم ضبط النفس ويساعد عليه، ويوجد في النفس ملكة التقوى التي هي الحكمة البارزة من الصوم ويربيها، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{. [سورة البقرة آية: 183]
· ملاحظة هامة:
وبهذه المناسبة نُذَكِّر إخواننا المسلمين (المدخنين) أنهم بواسطة الصيام يستطيعون ترك التدخين حيث إنهم يؤمنون بمضرته على النفس والبدن والدين والمجتمع لأنه من الخبائث المحرمة بنص القرآن الكريم ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه وأن لا يصوموا عن الحلال ثم يفطروا على الحرام نسأل الله لنا ولهم العافية.
2 - ومن الفوائد الاجتماعية للصوم أنه يعوِّد الأمة النظام والاتحاد وحب العدل والمساواة، ويكوِّن في المؤمنين عاطفة الرحمة وخلق الإحسان، كما يصون المجتمع من الشرور والمفاسد.
3 - ومن الفوائد الصحية للصيام: أنه يطهر الأمعاء ويصلح المعدة وينظف البدن من الفضلات والرواسب ويخفف من وطأة السمن وثقل البطن بالشحم. وفي الحديث عنه ﷺ: «صوموا تصحوا» رواه ابن السني وأبو نعيم وحسنه السيوطي([33]). (قال المنذري رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات)([34]).
4 - ومن فوائد الصوم كسر النفس فإن الشبع والري ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والبطر والغفلة.
5 - ومنها: تخلي القلب للفكر والذكر فإن تناول هذه الشبهوات قد يقسي القلب ويعميه ويحول بين القلب والذكر والفكر ويستدعي الغفلة، وخلو البطن من الطعام والشراب ينور القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته ويخليه للذكر والفكر.
6 - أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره له على ما منعه كثيرًا من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقة له بذلك يتذكر به من منع من ذلك على الإطلاق فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغناء، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته.
7 - ومنها أن الصيام يُضَيِّق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فتسكن بالصيام وساوس الشيطان. وتنكسر قوة الشهوة والغضب ولهذا جعل النبي ﷺ الصوم وجاء لقطعه شهوة النكاح فأمر من لا يستطيع الزواج بالصوم([35]) في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم.
®®®®
# الصوم مع ترك الصلاة #
من صام وترك الصلاة فقد ترك الركن الأهم من أركان الإسلام بعد التوحيد ولا يفيده صومه شيئًا ما دام تاركًا للصلاة لأن الصلاة عماد الدين الذي يقوم عليه وتارك كالصلاة محكوم بكفره والكافر لا يقبل منه عمل قال عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» رواه أحمد وأهل السنن من حديث بريدة t.
وعن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: «بين الرجل والكفر ترك الصلاة» رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
وقال تعالى في حق الكفار: }وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا{ [سورة الفرقان آية: 23] يعني الأعمال التي عملوها لغير وجه الله تعالى أبطلنا ثوابها وجعلناها كالهباء المنثور وهو الغبار الذي يرى في شعاع الشمس.
وكذلك التخلف عن الصلاة مع الجماعة وتأخيرها عن وقتها معصية ورد فيها الوعيد الشديد. قال تعالى: }فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ{ [سورة الماعون آية: 4 – 5] أي غافلون عنها حتى يخرج وقتها، والنبي ﷺ لم يعذر الأعمى الذي ليس له قائد يقوده إلى المسجد أن يصلي في بيته فكيف بمن يكون صحيح البصر سليمًا لا عذر له؟.
والصوم مع ترك الصلاة أو التخلف عن جماعتها دليل بَيِّن على أنه لم يصم امتثالاً لأمر ربه وإلا لما ترك الواجب الأول والواجبات وحدة متماسكة لا تتجزأ يشد بعضها بعضًا.
®®®®
# فوائـــد #
1 - يجب على المسلم أن يصوم إيمانًا واحتسابًا بلا رياء ولا سمعة ولا تقليدًا للناس أو متابعة لأهله أو أهل بلده بل الواجب عليه أن يكون الحامل له على الصوم هو إيمانه بأن الله قد فرض عليه ذلك واحتسابه الأجر عند ربه في ذلك. وهكذا قيام رمضان يجب أن يفعله المسلم إيمانًا واحتسابًا لا لسبب آخر ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
2 - قد يعرض للصائم جراح أو رعاف أو قيء أو ذهاب الماء أو البنزين إلى حلقه بغير اختياره فكل هذه الأمور لا تفسد الصوم، لكن من تعمد القيء فسد صومه لقوله ﷺ: «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمدًا فعليه القضاء» رواه الخمسة إلا النسائي.
3 - يجوز للصائم أن ينوي الصيام وهو جنب ثم يغتسل بعد طلوع الفجر وكذلك المرأة الحائض أو النفساء إذا طهرت قبل الفجر فإنه يلزمها الصوم ولا مانع من تأخيرها الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس بل يجب عليها أن تغتسل وتصلي الفجر قبل طلوع الشمس لأن وقت الفجر ينتهي بطلوع الشمس.
وهكذا الجنب ليس له تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس بل يجب عليه أن يغتسل ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك صلاة الفجر مع الجماعة.
4 - من الأمور التي لا تفسد الصوم تحليل الدم وضرب الإبر التي لا يقصد بها التغذية لكن تأخير ذلك إلى الليل أولى وأحوط إذا تيسر ذلك لقول النبي ﷺ: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» رواه النسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وقوله عليه الصلاة والسلام؛ «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» متفق عليه، أما الإبر المغذية فلا يجوز ضربها لأنها في معنى الأكل والشرب([36]).
5 - يجوز للصائم أن يتسوك في أول النهار وآخره وهو سنة في حقه كالمفطرين.
®®®®
# الصوم الكامل #
أخي المسلم: من أجل أن يكون صيامك كاملاً محققًا للغرض منه ينبغي لك أن تتبع الخطوات الآتية:
1 - أن تستعين بالسحور لقول رسول الله ﷺ: «تسحروا فإن في السحور بركة» رواه البخاري ومسلم. ولقوله: «استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبقيلوله النهار على قيام الليل» رواه ابن خزيمة في صحيحه.
وكلما تأخر السحور كان أفضل حتى لا تتعرض لشدة الجوع والعطش على أن تأخذ الحيطة وتمتنع من الطعام والشراب قبل الفجر بدقائق حتى لا تقع في الشك.
2 - أن تُعَجِّل الفطر بعد التحقق من غروب الشمس لقول الرسول ﷺ: «لايزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور» رواه البخاري ومسلم والترمذي.
3 - أن تغتسل من الحدث الأكبر قبل الفجر لتؤدي العبادة على طهارة.
4 - أن تنتهز وجود رمضان فتشغله بخير ما نزل فيه وهو قراءة القرآن الكريم فإن جبريل كان يلقى النبي ﷺ في كل ليلة فيدارسه القرآن (رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس)، ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة.
5 - أن تصون لسانك عن الكذب والغيبة والنميمة والمشاتمة وقول الزور لقول الرسول ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري.
6 - أن لا يخرجك الصيام عن حدك فتغضب وتثور لأتفه الأسباب بحجة أنك صائم فإنه ينبغي أن يكون الصيام سببًا في سكينة نفسك لا في ثورتها، وإذا ابتليت بجاهل أو شاتم فلا تقابله بمثل فعله بل عليك أن تعظه وأن تدفعه بالتي هي أحسن لقول الرسول ﷺ: «الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث([37]) ولا يصخب فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم» رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن، يقول ذلك حجزًا لنفسه عن مسايرة شاتمه وتذكيرًا له كذلك بما ينبغي له من الكف عن الشتم والسب.
7 - أن تخرج من صيامك بتقوى الله تعالى ومراقبته وشكره والاستقامة على دينه.
8 - وأن ترافقك هذه النتيجة الطيبة طول عامك فأول ثمرة من ثمرات الصيام التقوى لقول الله تعالى: }لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [سورة البقرة آية: 183]
9 – أن تصون نفسك عن الشهوات حتى ولو كانت حلالاً وذلك ليتحقق مقصود الصوم وتنكسر النفس عن الهوى. قال جابر بن عبد الله: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء).
10 - أن يكون طعامك من حلال وإذا كنت تتورع من الحرام في غير رمضان ففي رمضان أولى ولا معنى لأن تصوم عن الحلال وتفطر على الحرام.
11 - أن تكثر من الصدقة والإحسان وأن تكون أجود بالخير وأبر بالأهل منك في غير رمضان فقد كان رسول الله ﷺ أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان.
12 - أن تسم الله تعالى عند فطرك وتدعوه وتقول: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت. اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم»([38]).
®®®®
# المقصود من الصيام #
المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها، ويُذَكِّرُها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فهو ترك المحبوبات لمحبة الله تعالى، وهو سر بين العبد وربه لأن العباد قد يطلعون على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك ذلك لأجل معبوده فأمر لا يطلع عليه بشر وذلك حقيقة الصوم.
هدي النبي ﷺ في الصيام:
وكان هديه فيه أكمل هدي، وأعظمه تحصيلاً للمقصود، وأسهله على النفوس. وكان من هديه ﷺ في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادة، وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان، وكان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف. وكان يخصه من العبادات بما لا يخص غيره.
وكان يعجل الفطر ويحث عليه، ويتسحر ويحث عليه ويؤخره ويُرَغِّب في تأخيره وكان يحض على الفطر على التمر فإن لم يجده فعلى الماء.
ونهى الصائم عن الرفث والسباب، وأمره أن يقول لمن سابه «إني صائم» وسافر في رمضان فصام وأفطر وخير أصحابه بين الفطر والصيام في السفر. وكان يدركه الفجر وهو جنب من أهله فيغتسل بعد طلوع الفجر ويصوم.
وكان من هديه ﷺ إسقاط القضاء عمن أكل أو شرب ناسيًا وأن الله هو الذي أطعمه وسقاه.
وصح عنه ﷺ أنه يستاك وهو صائم، وذكر أحمد عنه أنه كان يصب على رأسه الماء وهو صائم، وكان يستنشق ويتمضمض وهو صائم،ومنع الصائم من المبالغة في الاستنشاق([39]).
®®®®
# الصوم المشروع #
الصوم المشروع: هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الطعام والشراب فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتُصَيِّره بمنزلة من لم يصم.
فالصائم حقيقة: هو الذي صامت جوارحه عن الآثام ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور وبطنه عن الطعام والشراب وفرجه عن الرفث فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه فيخرج كلامه نافعًا صالحًا وكذلك أعماله فهي بمنزلة رائحة المسك التي يشمها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم وفي الحديث الذي رواه أحمد: «وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب ففي الحديث الصحيح: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه أحمد وغيره. وفي الحديث: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش» رواه أحمد وهو حديث صحيح([40]).
®®®®
# أسباب المغفرة في رمضان #
شهر رمضان تكثر فيه أسباب المغفرة والغفران فمن أسباب المغفرة فيه:
1 - صيامه: قال ﷺ: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
2 - وقيامه بصلاة التراويح والتهجد قال ﷺ: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
3 - وقيام ليلة القدر وهي في العشر الأواخر من رمضان وهي الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن وفيها يفرق كل أمر حكيم. قال ﷺ: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
4 - وتفطير الصوام قال ﷺ: «ومن فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار» رواه ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما.
5 - والتخفيف عن المملوك والخدم قال ﷺ في حديث سلمان المتقدم: «ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار».
6 - وذكر الله تعالى وفي حديث مرفوع: «ذاكر الله في رمضان مغفور له وسائل الله فيه لا يخيب» رواه الطراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان.
7 - والاستغفار: طلب المغفرة والدعاء في حال الصيام وعند الفطر وعند السحور ودعاء الصائم مستجاب في صيامه وعند فطره، وقد أمر الله بالدعاء وتكفل بالإجابة قال تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [سورة غافر من آية: 60] وفي الحديث: «ثلاثة لا ترد دعوتهم» وذكر منهم «الصائم حتى يفطر» رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة. وفي الحديث: «إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد» رواه ابن ماجة.
فينبغي للمسلم أن يكثر من الذكر والدعاء والاستغفار في جميع الأوقات وخصوصًا في رمضان في حال الصيام وعند الإفطار وعند السحور وقت النزول الإلهي آخر الليل قال ﷺ: «ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» رواه مسلم.
8 - ومن أسباب المغفرة: استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا كما في حديث أبي هريرة المتقدم رواه أحمد.
لما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته فيه المغفرة محرومًا غاية الحرمان، متى يغفر لمن لم يغفر له في هذا الشهر؟ متى يقبل من رد في ليلة القدر؟ متى يصلح من لا يصلح في رمضان؟.
كان المسلمون يقولون عند حضور شهر رمضان (اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والقوة والنشاط وأعذنا فيه من الفتن) كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، كان من دعائهم (الله سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلاً)([41]).
# من آداب الصيام #
اعلموا رحمكم الله أنه لا يتم الصوم إلا باستكمال ستة أمور:
الأول: غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم أو يكره.
الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والغيبة والنميمة والكذب.
الثالث: كف السمع عن الإصغاء إلى كل محرم أو مكروه.
الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام.
الخامس: ألاّ يستكثر من الطعام.
السادس: أن يكون قلبه بعد الافطار بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أيقبل صيامه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين. وليكن ذلك في آخر كل عبادة([42]).
اللهم اجعلنا وجميع المسلمين ممن صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب تبارك وتعالى. يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# ما جاء في العشر الأواخر من رمضان #
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم: (أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر) وفي رواية لمسلم عنها قالت: (كان رسول الله ﷺ يجتهد في العشر الأواخر ما لايجتهد في غيره). كان النبي ﷺ يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهر:
1 - فمنها إحياء الليل: فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله، ويحتمل أن يراد بإحياء الليل إحياء غالبه، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما علمته ﷺ قام ليلة حتى الصباح).
ويروى من حديث أبي جعفر محمد بن علي مرفوعًا: «من أدرك رمضان صحيحًا مسلمًا فصام نهاره وصلى وردًا من ليله وغض بصره وحفظ فرجه ولسانه ويده وحافظ على صلاته في الجماعة وبَكَّر إلى جمعه فقد صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب تبارك وتعالى» قال أبو جعفر: جائزة لا تشبه جوائز الأمراء. رواه ابن أبي الدنيا.
2 - ومنها أنه ﷺ (كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيرها). وفي حديث أبي ذر t أنه ﷺ (قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة)، وهذا يدل على أنه يتأكد إيقاظهم في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر. وروى الطبراني عن علي t أنه ﷺ (كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة) وصح أنه ﷺ كان يطرق فاطمة وعليًا ليلاً فيقول: «ألا تقومان فتصليان». وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر.
وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة ونضح الماء فى وجهه. وفي الموطأ أن عمر t كان يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: الصلاة. الصلاة ويتلو هذه الآية}وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا{ [سورة طه آية: 132].
3 - ومنها أن النبي ﷺ: (كان يشد المئزر) والمراد به اعتزاله النساء. وورد أنه لم يأو إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان وفي حديث أنس: (وطوى فراشه واعتزل النساء).
وقد كان ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان والمعتكف ممنوع من قربان النساء بالنص والإجماع. وفسر شد المئزر بالتشمير في العبادة.
4- ومنها تأخيره الفطور إلى السحور روي عن عائشة وأنس أنه ﷺ كان في ليالي العشر يجعل عشاءه سحورًا، وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد مرفوعًا قال: «لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله. قال: «إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني» وهذا إشارة إلى ما كان الله يفتح عليه في صيامه وخلوته بربه لمناجاته وذكره من مواد أنسه ونفحات قدسه فكان يرد بذلك على قلبه من المعارف الإلهية والمنح الربانية ما يغذيه ويغنيه عن الطعام والشراب.
5 - ومنها الاغتسال بين العشائين، روى ابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله إذا كان في رمضان نام وقام فإذا دخل العشر شد المئزر واجتنب النساء واغتسل بين العشائين يعنى المغرب والعشاء.
قال ابن جرير كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدرة.
فيستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتطيب والتزين بالغسل والطيب واللباس الحسن كما شرع ذلك في الجمع والأعياد. ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزيين الباطن بالإنابة والتوبة وتطهيره من أدناس الذنوب فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغنى شيئًا.
والله سبحانه لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم فمن وقف بين يديه فليزين ظاهره باللباس وباطنه بلباس التقوى قال تعالى: }يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ{ [سورة الأعراف آية: 26].
6 - ومنها الاعتكاف: ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله) وإنما كان ﷺ يعتكف في هذه العشر التي تطلب فيها ليلة القدر قطعًا لأشغاله وتفريغًا لباله وتخليًا لمناجاة ربه وذكره ودعائه.
ومعنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق. فالخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الاعتكاف في المساجد خصوصًا في شهر رمضان وخصوصًا في العشر الأواخر منه كما كان النبي ﷺ يفعله، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره ودعائه وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه وعكف بقلبه على ربه وما يقربه منه فما بقي له هم سوى الله تعالى وما يرضيه عنه وبالله التوفيق([43]).
®®®®
# العمرة في رمضان #
للعمرة في رمضان ثواب عظيم يساوي ثواب حجة. روى البخاري في صحيحه أن رسول الله ﷺ قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة – أو قال – حجة معي».
ولكن يجب أن يُعلم أن العمرة في رمضان وإن كان لها مثل ثواب الحجة إلا أنها لا تسقط فريضة الحج عمن عليه هذه الفريضة.
وكذلك الصلاة تضاعف في مسجدي مكة والمدينة كما ثبت في الصحيح: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» وفي رواية: «فإنه أفضل» رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
®®®®
# ليلة القدر #
قال الله تعالى: }إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{.
يخبر الله سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن في ليلة القدر وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل: }إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ{ [سورة الدخان آية: 3] وهي من شهر رمضان كما قال تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ{. قال ابن عباس: (أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله ﷺ).
وسميت ليلة القدر بهذا الاسم لعظم قدرها وفضلها عند الله تعالى ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الآجال والأرزاق وغير ذلك كما قال تعالى: }فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{. [سورة الدخان آية: 4].
ثم قال معظمًا لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها: }وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{([44]) وبين مقدار فضلها بقوله: }لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ{ أي العبادة فيها وإحياؤها بالطاعة والصلاة والقراءة والذكر والدعاء عبادة ألف شهر ليس في شهر منها ليلة القدر وألف شهر ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر.
ثم أخبر عن زيادة فضلها وكثرة بركتها أن الملائكة يكثر تنزلهم فيها وينزل معهم جبريل ينزلون بكل أمر من الخير والشر قضاه الله وقدره ونزولهم بأمر الله سبحانه. ثم زاد في فضلها فقال: }سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{ أي إنها سلام وخير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر وأن الملائكة تسلم فيها على المؤمنين في الأرض والروح: جبريل عليه السلام. صح عن رسول الله ﷺ أنه قال في فضل قيامها: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه. وقال في وقتها: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» أي في الليالي الفردية وهي ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين.
وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار والتوبة إلى الله تعالى. وعن عائشة t قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها. قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
· ما يستفاد من السورة:
1 - فضل القرآن الكريم وعلو قدره وأنه أنزل ليلة القدر.
2 - فضل ليلة القدر وعظمها وأنها تعدل ألف شهر خالية منها.
3 - الحث على اغتنام مواسم الخير كهذه الليلة الشريفة بالأعمال الصالحة.
إذا علمت أيها المسلم فضائل هذه الليلة العظيمة وعلمت أنها محصورة فى العشر الأواخر من رمضان فعليك بالجد والاجتهاد في كل ليلة منها بالصلاة والذكر والدعاء والتوبة والاستغفار لعلك أن توافقها فتسعد سعادة لا تشقى بعدها أبدًا وعليك أن تدعو فيها بالأدعية الجامعة لخير الدنيا والآخرة ومنها:
1 - «اللهم أصلح لي دينى الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي من كل شر. اللهم اعتق رقبتي من النار وأوسع لي من الرزق الحلال واصرف عني فسقة الجن والإنس يا حي يا قيوم».
2 - «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
3 - «اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار» يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
4 - «اللهم إني أسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه وظاهره وباطنه وأوله وآخره وعلانيته وسره، اللهم ارحم في الدنيا غربتي وارحم في القبر وحشتي، وارحم في الآخرة وقوفي بين يديك» يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
5 - «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى».
6 - «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».
7 - «اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله... لا إله إلا أنت».
8 - «اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة».
9 - «ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام».
صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# التوبة والاستغفار #
قال الله تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [سورة الزمر آية: 53]. وقال تعالى: }وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا{ [سورة النساء آية: 110]
وقال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{ [سورة الشورى آية: 25].
وقال تعالى: }وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ{ [سورة الأعراف آية: 153].
وقال تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [سورة النور آية: 31].
وقال تعالى: }أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [سورة المائدة آية: 74]
وقال تعالى: }أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{ [سورة التوبة آية: 104]
وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ{ [سورة التحريم آية: 8].
وقال تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{ [سورة طه آية: 82].
وقال تعالى: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{ [سورة آل عمران آية: 136]. وقوله }ذْكُرُوا اللهَ{ أي ذكروا عظمته وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه فطلبوا منه المغفرة وعلموا أنه لا يغفر الذنوب إلا الله }وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا{ من المعاصي أي لم يقيموا على فعلها وهم يعلمون بتحريمها عليهم ومغفرة الله لمن تاب منها وفي الحديث: «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة» رواه أبو يعلى الموصلي وأبو داود والترمذي والبزار في مسنده وحسنه ابن كثير في تفسيره جزء 1 ص 408.
وقال رسول الله ﷺ:
1 - «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة» رواه مسلم، هذا وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكنه ﷺ كان عبدًا شكورًا ومعلمًا حكيمًا ورءوفًا رحيمًا عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
2 - وعن أبي موسى عن النبي ﷺ قال: «إن الله يبسط يده باليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه مسلم.
3 - وقال عليه الصلاة والسلام: «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه» رواه مسلم، فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة، وكذلك لا تنفع التوبة إذا نزل بالإنسان الموت قال تعالى: }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ{ [سورة النساء من آية: 18].
4 - وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» رواه الترمذي وحسنه. والغرغرة: بلوغ الروح الحلقوم وهو من الأوقات التي لا تقبل فيها التوبة.
فيجب على المسلم أن يتوب إلى الله تعالى من جميع الذنوب والسيئات في جميع الأوقات قبل أن يفجأه الموت فيفوت الأوان ويندم ويتحسر على تفريطه، وليس أحد يموت إلا ندم إن كان محسنًا ندم أن لا يكون ازداد إحسانًا وإن كان مسيئًا ندم أن لا يكون تاب واستغفر وأناب.
5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب» رواه أبو داود.
سئل الإمام الأوزاعي كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله أستغفر الله ومعناها أطلب المغفرة من الله.
6 - وعن أنس t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «قال الله تعالى: يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة» رواه الترمذي وحسنه.
عنان السماء: قيل: هو السحاب وقيل: هو ما عن لك منها أي ظهر.
وقراب الأرض: ملؤها أو ما يقارب ملأها، وفي الحديث ثلاثة أسباب للمغفرة أحدها: الدعاء مع الرجاء، الثاني: الاستغفار وهو طلب المغفرة من الله. الثالث: تحقيق التوحيد وتخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، والحديث من الدلائل على سعة رحمة الله ومغفرته وجوده وإحسانه وكرمه.
®®®®
# شروط التوبة #
التوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يقلع عن المعصية ويتركها.
والثاني: أن يندم ويتأسف على فعلها.
والثالث: أن يعزم أن لا يعود إلى مثلها أبدًا.
فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة:
هذه الثلاثة وأن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه وإن كان حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه وإن كان غيبة استحله منها ويجب أن يتوب إلى الله تعالى من جميع الذنوب فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقي عليه الباقي وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة وتقدمت الأدلة على ذلك([45]). فقد دعانا ربنا إلى التوبة والاستغفار ووعدنا أن يغفر لنا ويتوب علينا ويرحمنا إذا تبنا إليه واستغفرنا وهو لا يخلف الميعاد.
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# وداع رمضان #
تقدم ما ثبت في الصحيحين([46]) عن النبي ﷺ أنه قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه – ولأحمد: «وما تأخر» وإسناده حسن – ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» وزاد النسائي: «غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».
ولابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد مرفوعًا: «من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه كفر ما قبله».
والتفكير مشروط بالتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه من ترك الواجبات وفعل المحرمات والجمهور على أن ذلك إنما يكفر الصغائر لما روى مسلم في صحيحه أن النبي ﷺ قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر» وفي معناه قولان:
أحدهما: أن التكفير مشروط باجتناب الكبائر.
الثاني: أن المراد أن هذه الفرائض تكفر الصغائر خاصة، والجمهور على أن الكبائر لا بد لها من توبة نصوح.
وحديث أبي هريرة المتقدم يدل على أن هذه الأسباب الثلاثة: صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر كل واحد منها مكفر لما سلف من الذنوب بشرط اجتناب الكبائر بدليل الحديث المتقدم.
والكبائر جمع كبيرة: وهي ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة كالزنا والسرقة وشرب الخمر والمعاملة بالربا وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام وأكل أموال اليتامى ظلمًا.
وقد ضمن الله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر والمحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات لقوله تعالى: }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا{ [سورة النساء آية: 31] فقد تكفل الله تعالى بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة.
فالصيام وسائر الأعمال من وفاها فهو من خيار عباد الله الموفين ومن طفف فيها فويل للمطففين إذا كان الويل لمن طفف مكيال الدنيا فكيف حال من طفف مكيال الدين.
وكان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثم بعد ذلك يهتمون بقبوله ويخافون من رده وهؤلاء هم الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة.
كانوا يهتمون بقبول العمل أشد اهتمامًا منهم بالعمل لأن الله يقول: }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{ [سورة المائدة من آية: 27].
كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
لما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته فيه المغفرة محرومًا غاية الحرمان قال عليه الصلاة والسلام: «أتاني جبريل فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين» الحديث رواه ابن حبان.
واعلم أيها المسلم أن صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر والصدقة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار في هذا الشهر توجب المغفرة إذا لم يمنع من ذلك مانع مع ترك واجب أو فعل محرم، فإذا أتى المسلم بالأسباب وانتفت الموانع فليثق بالمغفرة قال تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{ [سورة طه آية: 82] أي استمر على هذه الأسباب للمغفرة حتى يموت وهي الإيمان الصادق والعمل الصالح – الخالص لله الموافق للسنة والاستمرار على ذلك حتى الموت. كما قال تعالى: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{ [سورة الحجر آية: 99] فلم يجعل الله لعمل المؤمن أجلاً دون الموت.
ولما كانت المغفرة والعتق من النار كل منهما مرتب على صيام رمضان وقيامه أمر الله سبحانه عند إكمال العدة بتكبيره وشكره فقال: }وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{ [سورة البقرة آية: 185]. فشكر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام والقيام وشكر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام والقيام وإعانتهم عليه ومغفرته لهم وعتقهم من النار أن يذكروه ويشكروه ويتقوه حق تقاته.
فيا أيها العاصي وكلنا كذلك لا تقنط من رحمة الله لسوء أفعالك فكم في هذه الأيام من معتق من النار من أمثالك فأحسن الظن بمولاك وتب إليه فإنه لا يهلك على الله إلا هالك. قال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [سورة الزمر آية: 53] والمغفرة المذكورة في هذه الآية للتائبين. وينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها فتختم به الصلاة والحج وقيام الليل وتختم به المجالس فإن كانت ذكرًا كان كالطابع عليها وإن كانت لغوًا كان كفارة لها([47]).
· تنبيه:
يلاحظ أن بعض الناس إذا جاء رمضان تابوا وصلوا وصاموا فإذا انقضى عادوا إلى ترك الصلاة وفعل المعاصي فهؤلاء بئس القوم لأنهم لا يعرفون الله إلا في رمضان ألم يعلمواأن رب الشهور واحد وأن المعاصي حرام في كل وقت وأن الله مطلع عليهم في كل زمان ومكان فليتوبوا إلى الله تعالى توبة نصوحًا بترك المعاصي والندم على ما كان منها والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل حتى تقبل توبتهم وتغفر ذنوبهم وتمحى سيئاتهم }وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [سورة النور من آية: 31]}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ{ [سورة التحريم من آية: 8].
فمن استغفر بلسانه، وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد الشهر ويعود فصومه عليه مردود وباب القبول في وجهه مسدود.
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب التواب الرحيم. اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# ملاحظات #
1 - يلاحظ أن كثيرًا من الناس في رمضان يستعدون له بالتفنن بأنواع المأكولات والمشروبات وهي وإن كانت مباحة إلا أنه لا ينبغي الإفراط في ذلك والإسراف فيه بل الواجب الاقتصاد في المأكل والمشرب وغير ذلك من متع الحياة، قال تعالى: }وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{ [سورة الأعراف آية: 31] وهذه الآية من أصول الطب قال بعض السلف: إن الله جمع الطب كله في نصف آية ثم قرأ هذه الآية([48]). فأمر بالأكل والشرب اللذين بهما قوام البدن ثم نهى عن الإسراف في ذلك الذي فيه مضرة للبدن.
وقال عليه الصلاة والسلام: «كل واشرب والبس وتصدق في غير إسراف ولا مخيلة» أخرجه أبو داود وأحمد وعلقه البخاري.
وقال ﷺ: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه. بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه». رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها([49]). وعن مالك بن دينار قال: لا ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همه وأن تكون شهوته هي الغالبة. وقال سفيان الثوري: إن أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلل من الأكل، وعن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشهوات التي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى» رواه الإمام أحمد.
وأقل ما يترتب على الإسراف في المأكل والمشرب كثرة النوم والكسل عن صلاة التراويح وتلاوة القرآن في الليل والنهار، فمن أكل كثيرًا شرب كثيرًا فنام كثيرًا فخسر كثيرًا، وضياع أوقات رمضان الشريفة الفاضلة النفيسة التي لا تعوض ولا يعادلها شيء والأوقات كلها محدودة والأنفاس معدودة، وأنت مسؤول عن أوقاتك ومحاسب عليها ومجزي على ما عملت فيها فلا تضيعها بغير عمل ولا تفرط بساعات عمرك الذاهب بغير عوض وخصوصًا في هذا الشهر الكريم والموسم العظيم.
2 - يلاحظ أن كثيرًا من الناس في رمضان يقضون النهار في النوم حتى لا يحسوا بالصيام، حتى إن بعضهم ينام عن صلاة الفريضة مع الجماعة هداهم الله، ويقضون الليل في القيل والقال واللهو واللعب والغفلة، وهذا فيه خطر عظيم وخسارة جسيمة عليهم فإن شهر رمضان موسم عبادة من صلاة وصوم وقراءة قرآن وذكر لله ودعاء واستغفار وهو أيام معدودة تنقضي بسرعة شاهدة للطائعين بطاعتهم وشاهدة على العاصين بمعاصيهم وينبغي للمسلم أن يحفظ أوقاته فيما ينفعه وألاَّ يكثر الأكل بالليل والنوم بالنهار وألا يضيع وقتًا من أوقاته بغير عمل صالح يعمله أو قربة يتقرب بها إلى ربه. وعن الحسن البصري t قال: (إن الله جعل شهر رمضان وقتًا للمسابقة إلى الخيرات والمنافسة بالأعمال الصالحات فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا) وفي المسند عن عقبة بن عامر t عن النبي ﷺ قال: «ليس من عمل يوم إلا ويختم عليه» فالأيام والليالي خزائن للناس ممتلئة بما خزنوه فيها من خير أو شر وفي يوم القيامة تفتح هذه الخزائن لأهلها فالمتقون يجدون في خزائنهم العز والكرامة، والمذنبون المفرطون في أوقاتهم يجدون في خزائنهم الحسرة والندامة.
3 - يلاحظ أن بعض الناس يسهرون في رمضان غالبًا فيما لا تحمد عقباه من القيل والقال واللهو اللعب والتجول في الشوارع ثم يتسحرون بعد نصف الليل وينامون عن أداء صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة وفي ذلك عدة محذورات:
(أ) السهر فيما لا يجدي وقد كان النبي ﷺ يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها إلا في خير، وفي الحديث الذي رواه أحمد عن ابن مسعود: (لاسمر إلا لمصل أو مسافر) ورمز السيوطي لحسنه.
(ب) وضياع أوقاتهم الثمينة في رمضان سدى بدون أن يستفيدوا منها شيئًا وسوف يتحسر الإنسان على كل وقت يمر به لا يذكر الله فيه.
(ج) وتقديم السحور قبل وقته المشروع آخر الليل قبيل الفجر.
(د) والمصيبة العظمى النوم عن أداء صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة التي تعدل قيام الليل أو نصفه كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عثمان t أن رسول الله ﷺ قال: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله».
وبذلك يتصفون بصفات المنافقين الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ويتكاسلون عنها ويحرمون أنفسهم الفضل العظيم والثواب الجسيم قال تعالى: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى{ [سورة النساء آية: 142]، وأخبر النبي ﷺ أن أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبوا رواه البخاري ومسلم.
فينبغي للمسلم وخصوصًا في رمضان أن ينام مبكرًا بعد صلاة التراويح ويستيقظ مبكرًا آخر الليل فيصلي ما كتب له ثم يشتغل بالذكر والدعاء والاستغفار والتوبة قبل السحور وبعده حتى يصلي الفجر إلا إذا كان يقضي ليله بقراءة القرآن ومدارسته كفعل النبي ﷺ مع جبريل عليه السلام فهو أفضل.
وقد مدح الله المستغفرين بالأسحار وأثنى عليهم في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ قال تعالى في وصف المؤمنين: }كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{ [سورة الذاريات آية: 17 – 18]. وقال عليه الصلاة والسلام: «ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر» رواه مسلم. فينبغي للمسلم الراجي رحمة ربه الخائف من عذابه أن ينتهز هذه الفرصة فيدعو الله آخر الليل لنفسه ولوالديه وأولاده ولعامة المسلمين وولاة أمورهم خاصة وأن يستغفر الله ويتوب إليه في كل ليلة من ليالي رمضان بل وفي كل لحظة من لحظات عمره المحدود قبل هجوم الموت وانقطاع العمل ومفارقة الحياة وانقطاع اللذات ودوام الحسرات قال تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [سورة النور من آية: 31] اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# فتاوى #
من فتاوى النبي ﷺ في الصوم:
· سأله ﷺ رجل فقال: يا رسول الله: أكلت وشربت ناسيًا وأنا صائم فقال: «أطعمك الله وسقاك» ذكره أبو داود، وعند الدارقطني فيه بإسناد صحيح «أتم صومك فإن الله أطعمك وسقاك ولا قضاء عليك» وكان أول يوم من رمضان.
· وسئل ﷺ عن الخيط الأبيض والخيط الأسود فقال: «هو بياض النهار وسواد الليل» ذكره النسائي.
· وسأله ﷺ رجل فقال: تدركني الصلاة -أي: صلاة الفجر- وأنا جنب فأصوم فقال رسول الله ﷺ: «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم» فقال: لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي» ذكره مسلم.
· وسئل ﷺ عن الصوم في السفر فقال: «إن شئت صمت وإن شئت أفطرت» ذكره مسلم.
· وسأله ﷺ حمزة بن عمرو فقال: إني أجد فيَّ قوة على الصيام في السفر فهل عليَّ جناح فقال: «هي رخصة الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» ذكره مسلم.
· وسئل ﷺ عن تقطيع قضاء رمضان فقال: «ذلك إليك أرأيت لو كان على أحدكم دين قضى الدرهم والدرهمين ألم يكن ذلك قضاء؟ فالله أحق أن يعفو ويغفر» ذكره الدار قطني وإسناده حسن.
· وسألته ﷺ امرأة فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ فقال: «أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها؟» قالت نعم قال: «فصومي عن أمك» متفق عليه([50]).
من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:
· سئل رحمه الله عن المضمضة والاستنشاق والسواك وذوق الطعام والقيء وخروج الدم والادهان والاكتحال للصائم.
فأجاب: أما المضمضة والاستنشاق فمشروعان للصائم باتفاق العلماء وكان النبي ﷺ والصحابة يتمضمضون ويستنشقون مع الصوم ولكن قال للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة فنهاه عن المبالغة لا عن الاستنشاق.
وأما السواك: فجائز بلا نزاع لكن اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد ولم يقم على كراهيته دليل شرعي يصلح أن يخص عمومات نصوص السواك.
وذوق الطعام: يكره لغير حاجة لكن لا يفطره، وأما للحاجة فهو كالمضمضة.
وأما القيء فإذا استقاء أفطر وإن غلبه القيء لم يفطر.
والادهان لا يفطر بلا ريب.
وأما خروج الدم الذي لا يمكن الاحتراز منه كدم المستحاضة والجروح والذي يرعف ونحوه فلا يفطر، وخروج دم الحيض والنفاس يفطر باتفاق العلماء.
وأما الكحل الذي يصل إلى الدماغ فمذهب أحمد: أنه يفطر كالطيب. ومذهب مالك نحو ذلك. وأما أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله: فلا يريان الفطر بذلك([51]) والله أعلم.
وقال في الاختيارَات: ولا يفطر الصائم بالاكتحال والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة وهو قول بعض أهل العلم([52])، والله أعلم.
من فتاوى الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:
· سئل من مات قبل أن يصوم الواجب عليه ما حكمه؟
فأجاب: إذا مات قبل أن يصوم الواجب عليه كمن مات وعليه قضاء رمضان وقد عوفي ولم يصمه فإنه يجب أن يطعم عنه كل يوم مسكين بعدد ما عليه، وعند الشيخ تقي الدين (ابن تيمية) إن صيم عنه أيضًا أجزأ وهو قوي المأخذ.
الحال الثاني: أن يموت قبل أن يتمكن من أداء ما عليه مثل أن يمرض في رمضان ويموت في أثنائه وقد أفطر لذلك المرض أو يستمر به المرض حتى يموت ولو بعد مدة طويلة فهذا لا يكفر عنه لعدم تفريطه ولأنه لم يترك ذلك إلا لعذر([53]).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» متفق عليه. والحديث دليل على مشروعية صيام الحي عن الميت وأنه إذا مات وعليه صوم واجب أجزأ عنه صيام وليه.
قال النووي: اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان أو قضاء أو نذر أو غيره هل يقضى عنه؟
وللشافعي في المسألة قولان مشهوران أشهرهما لا يصام عنه ولا يصح عن ميت صوم أصلاً والثاني يستحب لوليه أن يصوم عنه ويبرأ به الميت ولا يحتاج إلى إطعام وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة. انتهى والله أعلم([54]).
من فتاوى أئمة الدعوة في نجد:
· سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد عن المميز متى يؤمر بالصيام؟
فأجاب: أما الصبي الذي لم يبلغ فهو إذا أطاق الصيام أمر به وأدب عليه (أي على تركه).
· سئل الشيخ حمد بن عتيق: عن المرأة إذا رأت الدم قبل غروب الشمس هل تعتد بصومها؟
فأجاب: صومها ذلك اليوم غير تام.
· سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد عمن أكل في رمضان؟
فأجاب: الذي يأكل في رمضان أو يشرب يؤدب.
· سئل الشيخ عبد الله أبا بطين عن وجود روائح الأشياء؟
فأجاب: روائح الأشياء إذا شمها الصائم فلا بأس بذلك إلا الدخان إذا شمه الصائم متعمدًا لشمه فإنه يفطر بقصد شم الدخان أي دخان كان وإن دخل في أنفه من غير قصد لشمه لم يفطر لمشقة التحرز منه([55]) والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# أدعية جامعة نافعة لا يستغنى عنها #
قال الله تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [سورة غافر آية: 60].
وقال ﷺ: «الدعاء هو العبادة» رواه أصحاب السنن الأربعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اجعلنا وجميع المسلمين ممن صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم يا دائم الخير والإحسان يا من كل يوم هو في شأن يا من لا تنفعه الطاعة ولا يضره العصيان اجعلنا فائزين منك بالمغفرة والرضوان حائزين لأسباب السلامة والفوز والعتق من النيران.
اللهم اجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الفضيل وخصنا فيه بالأجر الوافر والعطاء الجزيل.
اللهم اجعلنا ممن صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب تبارك وتعالى.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا مجيب دعوة المضطر إذا دعاك نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار.
اللهم إنا نسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه وظاهره وباطنه وأوله وآخره وعلانيته وسره يا مالك الملك يا قادرًا على كل شيء يا مجيب دعوة المضطر إذا دعاك.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد ﷺ وعبادك الصالحون، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد ﷺ وعبادك الصالحون.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ونسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار ونسألك بوجهك الجنة ونعوذ بوجهك من النار.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا.
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ومن درك الشقاء ومن سوء القضاء ومن شماتة الأعداء.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجمع سخطك.
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال.
اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كله لا إله إلا أنت.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعتق رقابنا من النار، وأوسع لنا من الرزق واصرف عنا فسقة الجن والإنس يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحم في الدنيا غربتنا وارحم في القبر وحشتنا وارحم في الآخرة وقوفنا بين يديك.
اللهم اجعل خير أعمالنا آخرها وخير أعمارنا خواتمها وخير أيامنا يوم لقائك.
اللهم آنس وحشتنا في القبور وآمن خوفنا يوم البعث والنشور ويسر لنا يا إلهنا الأمور يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين ووفقهم للعدل في رعايهم والرفق بهم والاعتناء بمصالحهم وحببهم إلى الرعية وحبب الرعية إليهم.
اللهم وفقهم لصراطك المستقيم والعمل بوظائف دينك القويم واجعلهم هداة مهتدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفقهم للعمل بكتابك وسنة نبيك والحكم بشريعتك وإقامة حدودك.
اللهم وفقهم لإزالة المنكرات وإظهار المحاسن وأنواع الخيرات.
اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له ناهين عن المنكر تاركين له.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، وأرخص أسعارهم وآمنهم في أوطانهم.
اللهم أصلح أحوال الشباب وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان واجعلهم من الراشدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور وبارك لهم في أسماعهم وأبصارهم وأزواجهم وذرياتهم ما أبقيتهم واجعلهم شاكرين لنعمك مثنين بها عليك قابليها وأتمها عليهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا مجيب دعوة المضطر إذا دعاك نسالك أن تعز الإسلام والمسلمين وأن تذل الشرك والمشركين وأن تدمر أعداء الدين وأن تجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم دمر اليهود والكفرة والمشركين والشيوعيين الذين يصدون عن سبيلك ويبدلون دينك ويعادون المؤمنين. اللهم شتت شملهم وفرق كلمتهم وأدر عليهم دائرة السوء.
اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لجميع موتى المؤمنين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك. اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وجازهم بالحسنات إحسانًا وبالسيئات عفوًا وغفرانًا.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غرامًا.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.
ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
ربنا تقبل من إنك أن السميع العليم.
آمين يا رب العالمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
· ملاحظات:
(أ) من أسباب إجابة الدعاء: أكل الحلال والإلحاح في الدعاء والإيقان بالإجابة وطاعة الله ورسوله بامتثال الأوامر واجتناب النواهي وافتتاح الدعاء بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وختمه بالصلاة على النبي ﷺ.
(ب) ومن موانع الإجابة: أكل الحرام وشربه ولبسه واستبطاء الإجابة وأن يدعو وقلبه غافل لاه أو أن يدعو بإثم أو قطيعة رحم أو أن يدعو وهو عاص لله ورسوله بترك الواجبات وفعل المحرمات.
(ج) ينبغي للمسلم أن يلازم هذا الدعاء دائمًا وخصوصًا في الزمان الفاضل والمكان الفاضل كرمضان في حال الصيام وعند الفطر وعند السحور وفي ليلة القدر وفي الحج وعشر ذي الحجة وفي الحرمين الشريفين وفي آخر الليل وبين الأذان والإقامة وفي يوم عرفة ويوم الجمعة وفي السجود ويكرر الدعاء ثلاث مرات.
وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
# زكاة الفطر #
قال الله تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{ [سورة الأعلى آية: 14 – 15]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه.
وتجب على كل مسلم عن نفسه وعن من تلزمه مؤونته صاعًا من غالب قوت البلد إذا كان فاضلاً عن قوت يومه وليلته وقوت عياله. والأفضل فيها الأنفع للفقراء.
ووقت إخراجها يوم العيد قبل الصلاة ويجوز قبله بيوم أو يومين ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد.
وعن ابن عباس قال: (فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة – أي صلاة العيد – فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود وابن ماجة.
ولا يجزئ إخراج القيمة لأنه خلاف السنة.
ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد، وأن يعطي الواحد ما يعطي الجماعة.
ولا يجوز أن تعطي إلا الفقير أو وكيله.
وتجب زكاة الفطر بغروب الشمس ليلة العيد فمن مات أو أعسر قبل الغروب فلا زكاة عليه، وبعده تستقر في ذمته.
· ومن الحكمة فيها:
1 - أنها زكاة للبدن حيث أبقاه الله تعالى عامًا من الأعوام وأنعم عليه بالبقاء.
2 - أن فيها مواساة للمسلمين أغنيائهم وفقرائهم ذلك اليوم فيتفرغ الجميع لعبادة الله تعالى والسرور بنعمه.
3 - ومن أعظم حكمها أنها من شكر نعم الله على الصائمين بالصيام([56]).
4 - ما تضمنه حديث ابن عباس المتقدم من أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين.
اللهم تقبل منا صلاتنا وزكاتنا وصيامنا وجميع أعمالنا إنك على كل شيء قدير.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
®®®®
# العيد #
العيد هو موسم الفرح والسرور وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته كما قال تعالى: }قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{ [سورة يونس آية: 58].
قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا لغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه والعاقل يفرح بمولاه.
لما قدم النبي ﷺ المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما فقال: «إن الله قد أبدلكم يومين خيرًا منهما يوم الفطر والأضحى» أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
والحديث دليل على أن إظهار السرور في العيدين مندوب وأن ذلك من الشريعة فيجوز التوسعة على العيال في الأعياد بما يحصل لهم من ترويح البدن وبسط النفس مما ليس بحظور ولا شاغل عن طاعة الله.
وأما ما يفعله كثير من الناس في الأعياد من التوسع في الملاهي والملاعب فلا يجوز لأن ذلك خلاف ما شرع لهم من إقامة ذكر الله فليست الأعياد للهو واللعب والإضاعة وإنما هي لإقامة ذكر الله والاجتهاد في الطاعة. فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو.
ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد: عيد يتكرر كل أسبوع وعيدان يأتيان في كل عام مرة من غير تكرار في السنة.
فأما العيد المتكرر فهو يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع وهو مترتب على إكمال الصلوات المكتوبات وهي أعظم أركان الإسلام ومبانيه بعد الشهادتين.
وأما العيدان اللذان لا يتكرران في كل عام وإنما يأتي كل واحد منهما في العام مرة واحدة فأحدهما. عيد الفطر من صوم رمضان وهو مترتب على إكمال صيام رمضان وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم استوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار فإن صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب وآخره عتق من النار يعتق فيه من النار من استحقها بذنوبه فشرع الله تعالى لهم عقب إكمالهم لصيامهم عيدًا يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له وشرع لهم في ذلك العيد الصلاة والصدقة وهو يوم الجوائز يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم ويرجعون من عيدهم بالمغفرة.
والعيد الثاني عيد النحر وهو أكبر العيدين وأفضلهما وهو مترتب على إكمال الحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام ومبانيه فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم.
فهذه أعياد المسلمين في الدنيا وكلها عند إكمال طاعة مولاهم الملك الوهاب وحيازتهم لما وعدهم من الأجر والثواب([57]).
هدي النبي ﷺ في العيد:
كان يلبس أجمل ثيابه ويأكل في عيد الفطر قبل خروجه تمرات ويأكلهن وترًا – ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا.
وأما في عيد الأضحى فلا يأكل حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.
وكان يؤخر صلاة عيد الفطر ليتسع الوقت قبلها لتوزيع الفطرة ويعجل صلاة عيد الأضحى ليتفرغ الناس بعدها لذبح الأضاحي. قال تعالى }فصل لربك وانحر{.
وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج لصلاة العيد حتى تطلع الشمس ويكبر من بيته إلى المصلى.
وكان النبي ﷺ يبدأ بالصلاة قبل الخطبة فيصلي ركعتين يكبر في الأولى سبعًا متوالية بتكبيرة الإحرام ويسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات ولكن ذكر عن ابن مسعود أنه قال: يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي ﷺ.
وكان ابن عمر يرفع يديه مع كل تكبيرة.
وكان ﷺ إذا أتم التكبير أخذ في القراءة فقرأ في الأولى الفاتحة ثم «ق» وفي الثانية «اقتربت» وربما قرأ فيها بـ «سبح» و«الغاشية».
فإذا فرغ من القراءة كبر وركع ثم يكبر في الثانية خمسًا متوالية ثم أخذ في القراءة فإذا انصرف قام مقابل الناس وهم جلوس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم وينهاهم.
وكان يخالف الطريق يوم العيد فيذهب من طريق ويرجع من آخر([58]).
وكان يغتسل للعيدين، وكان ﷺ يفتتح خطبه كلها بالحمد وقال «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» رواه أحمد وغيره.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي ﷺ صلى يوم العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
والحديث دليل على أن صلاة العيد ركعتين وفيه دليل على عدم مشروعية النافلة قبلها وبعدها في موضعها. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
# فضل صيام ستة أيام من شوال #
عن أبي أيوب t أن رسول الله ﷺ قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر» رواه مسلم. وروى أحمد والنسائي عن ثوبان مرفوعًا «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة». وعن أبي هريرة t مرفوعًا: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر» رواه البزار وغيره. وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».
وإنما كان صيام رمضان وإتباعه بست من شوال يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها وقد جاء ذلك مفسرًا في حديث ثوبان المتقدم.
وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة:
1 - منها أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله كما سبق.
2 - وأن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص فإن الفرائض تكمل أو تجبر بالنوافل يوم القيامة كما ورد ذلك عن النبي ﷺ من وجوه متعددة.
وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال.
3 - وأن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها. فمن عمل حسنة ثم أتبعها بعد بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.
4 - وأن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب كما سبق ذكره وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرًا لهذه النعمة فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب.
فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان وإعانته عليه ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكرًا عقب ذلك.
فأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده فهو من فعل من بدل نعمة الله كفرًا؛ فإن كان قد عزم في صيامه على معاودة المعاصي بعد انقضاء الصيام فصيامه عليه مردود وباب الرحمة في وجهه مسدود فهو كمن يبني ثم يهدم ويغزل ثم ينقض قال تعالى: }وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ{ [سورة النحل من آية: 92].
5- ومن فوائد صيام ستة أيام من شوال ان الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيًا، فالصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار وهو الذي يفر من القتال في سبيل الله ثم يعود إليه وذلك لأن كثيرًا من الناس يفرح بانقضاء شهر رمضان لاستثقال الصيام وملله وطوله عليه ومن كان كذلك فلا يكاد يعود إلى الصيام سريعًا فالعائد إلى الصيام بعد فطره يوم الفطر يدل على رغبته في الصيام وأنه لم يمله ولم يستثقله ولا تكَرَّه به، وقيل لبعض السلف: إن قومًا يتعبدون ويجتهدون في رمضان فإذا انسلخ تركوا الاجتهاد فقال: بئس القوم لا يعرفون الله حقًا إلا في شهر رمضان إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها.
وينبغي لمن كان عليه قضاء من شهر رمضان أن يبدأ بقضائه في شوال فإنه أسرع لبراءة ذمته ثم يصوم ستة أيام من شوال لأنه يصير قد صام رمضان وأتبعه بست من شوال.
وعمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله قال تعالى: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{ [سورة الحجر آية: 99] أي استمر على عبادة ربك حتى تموت([59]).
ونوافل الصلاة والصيام والصدقة التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان مشروعة طول السنة ومن فوائدها أنها تجبر ما نقص من الفرائض وتكون سببًا في محبة الله لعبده وإجابة دعائه وسببًا في تكفير السيئات ومضاعفة الحسنات ورفع الدرجات والله الموفق وصلى الله على نبينًا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# الخاتمة #
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والحمد لله الذي وفق الأمة الإسلامية لصيام رمضان وقيامه وتلاوة كتابه الكريم والحمد لله الذي وفقنا لإتمام هذه الرسالة فيما يحتاج إليه المسلم في هذا الشهر من ذكر فضائله وخصائصه وأحكام الصيام وفوائده المشجعة والمعينة للمسلم على القيام بما شرعه الله له من العبادات المتنوعة على وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ اللذين لن يضل من تمسك بهما ولن يشقى.
وقد فسرنا آيات الصيام وذكرنا ما يستفاد منها واخترنا بعض الفتاوى المهمة المتعلقة بالصيام كما ذكرنا هدي النبي ﷺ في الصيام والقيام وقراءة القرآن والصدقة ليقتدي به المسلمون ويتأسوا به عملاً بأمر الله لهم بذلك في قوله تعالى: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا{ [سورة الأحزاب آية: 21] فيفوزا بعظيم المثوبة والأجر المرتب على ذلك.
وأخيرًا ذكرنا ما يتعلق بالأعياد الإسلامية وحكمتها ومناسبتها وهدي النبي ﷺ فيها والحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه وصلوات الله وسلامه على أشرف خلقه نبينًا محمد وعلى آله وأصفيائه وخلفائه وأتباعه إلى يوم الدين.
([1]) رواه البيهقي عن عبد الله بن أبي أو فى ورمز السيوطي لضعفه.
([2]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 163 و165 و183.
([3]) انظر (النصائح الدينية) ص 37 – 39.
([4]) انظر كلمات مختارة ص 74 – 76.
([5]) انظر الروض المربع جزء 1 ص 124.
([6]) انظر الروض المربع جزء 1 ص 124.
([7]) انظر تفسير ابن كثير جزء 1 ص 215.
([8]) انظر عمدة الفقه لابن قدامة ص 28.
([9]) انظر مجالس شهر رمضان ص 102 – 108.
([10]) سورة السجدة آية (16).
([11]) انظر وظائف رمضان لابن قاسم ص 42 – 43 .
([12]) انظر مجالس شهر رمضان لابن عثيمين ص 26 – 30 .
([13]) انظر وظائف شهر رمضان لابن قاسم ص 36.
([14]) انظر رياض الصالحين ص 467 – 469.
([15]) انظر فضائل القرآن لابن كثير ص 169 – 172 وحاشية مقدمة التفسير لابن قاسم ص 107.
([16]) الموافقات للشاطبي جزء 3 ص 224.
([17]) انظر فضائل القرآن لابن كثير ص 125 – 126.
([18]) انظر حاشية مقدمة التفسير لابن قاسم ص 107.
([19]) رواه أحمد النسائي وابن ماجه عن عثمان بن أبي العاص ورواه ابن خزيمة في صحيحه.
([20]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 172 – 178 .
([21]) تفسير ابن كثير جزء 1 ص 313 .
([22]) تفسير آيات الأحكام للصابوني جزء 1 ص 192.
([23]) انظر تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن لابن سعدي ص 56 .
([24]) تفسير ابن كثير جزء 1 ص 214.
([25]) تفسير آيات الأحكام للصابوني جزء 1 ص 192.
([26]) تفسير ابن كثير جزء 1 ص 218.
([27]) المصدر السابق ص 219.
([28]) تفسير ابن كثير جزء 1 ص 218.
([29]) الصحيح المسند من أسباب النزول ص9.
([30]) الصحيح المسند من أسباب النزول ص9.
([31]) تفسير آيات الأحكام للصابوني جزء 1 ص 193.
([32]) انظر الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي ص 24 – 28، وتيسير اللطيف المنان لابن سعدي ص 56 – 58..
([33]) منهاج المسلم ص 303.
([34]) الترغيب والترهيب جزء 2 ص 206.
([35]) انظر الطائف المعارف لابن رجب ص 163.
([36]) انظر رسالة الصيام للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ص 21 – 22 .
([37]) الرفث: الفحش في القول، والصخب: شدة الصوت.
([38]) انظر ملحق مجلة الوعي الإسلامي لشهر رمضان عام 1390هـ ص 38 – 40.
([39]) انظر (زاد المعاج في هدي خير العباد) جزء 1 ص 320 – 338.
([40]) الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم ص 32 – 33.
([41]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 156 – 224.
([42]) انظر موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين ص 59 – 60.
([43]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 196 – 203.
([44]) انظر تفسير ابن كثير جزء 4 ص 429.
([45]) انظر رياض الصالحين ص 12 و772 – 775.
([46]) عن أبي هريرة.
([47]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 220 – 228.
([48]) انظر تفسير ابن كثير جزء 2 ص 210.
([49]) انظر المجموعة الجليلة ص 452.
([50]) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم جزء 4 ص 295 – 296،
([51]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام جزء 25 ص 266 – 267.
([52]) الاختيارات الفقهية ص 108.
([53]) الإرشاد إلى معرفة الأحكام ص 85 – 86.
([54]) المجموعة الجليلة ص 158.
([55]) الدور السنية في الأجوبة النجدية جزء 4 ص 366 و384.
([56]) انظر الإرشاد إلى معرفة الأحكام لابن سعدي ص 81، ومنهج السالكين له ص 37.
([57]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 285- 288.
([58]) انظر زاد المعاد في هدي خير العباد جزء 1 ص 250 – 254 لابن القيم رحمه الله تعالى.
([59]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 232 – 236.