آداب التثاؤب والعطاس
ترجمات المادة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- آداب
التثاؤب والعطاس
- المؤمن «يكره التثاؤب»
- «ما يفعله المتثائب»
- «ما يحذر منه المتثائب»
- «لا يشرع التعوذ عند التثاؤب»
- «الأنبياء لا يتثاءبون»
- «المؤمن يحب العطاس»
- «غض الصوت به»
- «تغطية الفم والوجه عند العطاس»
- «عدم لوي العنق عند العطاس»
- «رفع الصوت بالحمد حتى ولو في الصلاة المكتوبة»
- «تشميت ([34]) العاطس المسلم»
- «تشميت الكافر»
- «من فوائد التشميت»
- «بما يرد العاطس على من شمته»
- «من لا يستحق التشميت»
آداب التثاؤب والعطاس
إسماعيل بن مرشود الرميح
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فالإِسلام رسم للمسلم طريقًا يسير عليه في جميع شئون الحياة، عظيمها وصغيرها، جليلها ودقيقها؛ المسلم إلى كل خلق حسن، ونهاه عن كل خلق ذميم.
ومن ذلك: أرشد العاطس والمتثائب إلى آداب يفعلها مصلحة له ولغيره، وحذره مما فيه مضرة عليه أو على غيره.
وقد جمعت هذه الآداب؛ لجهل كثير من المسلمين بأكثرها فكم مرة سمع إذا عطس الرجل وحمد الله وقيل له: يرحمك الله لم يعلم ما يقول فيرد بقوله: شكرًا! بل البعض يجهل ما يقول عند العطاس، وكيف يشمت العاطس. وأما التثاؤب فقلَّ من الناس من يكون فيه على نهج النبي - صلى الله عليه وسلم - فكم من متثائب بقي فمه مفتوحًا بل البعض يخرج صوتًا مع تثاؤبه، وفي هذا تفويت الأجر العظيم من الله تعالى على المسلم؛ لترك سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
هذا.. والله أسأل أن يجعل عملي خالصًا لوجهه تعالى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
المؤمن «يكره التثاؤب»
قال الشافعي رحمه الله تعالى:
لو كان حبك صادقًا لأطعته | ||||
إن المحب لمن يحب مطيع([1]) | ||||
بل إن المحب يفعل ما يحب حبيبه ويكره ما يكره.
والله جل وعلا يكره التثاؤب، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليرده ما استطاع؛ فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان»([2]).
إذًا فالمؤمن يكره التثاؤب لأن الله يكرهه قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾([3]).
ومما يدعو إلى كراهية التثاؤب أيضًا، أنه من الشيطان، والشيطان لا يأتي منه إلا ما هو قبيح ومكروه.
ثم إن التثاؤب يكون ناشئًا عن كثرة الأكل والتخليط فيه، فيستدعي الكسل في العبادة.
والتثاؤب مكروه دائمًا، ولكن كراهيته في الصلاة أشد، لأن للشيطان غرضًا قويًا في التشويش على المصلي في صلاته ([4]) قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «التثاؤب في الصلاة من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع»([5]).
* * *
«ما يفعله المتثائب»
إذا أراد الإنسان أن يتثاءب، فعليه أن يكظم ما استطاع، بأن يمسك على فمه، فيبقيه مغلقًا بحيث لا ينفتح؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع»([6]) فإن لم يستطع إبقاء فمه مغلقًا، فليضع يده على فيه فيغطي فمه بيده.
فعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل»(6). والأفضل أن تكون اليد اليسرى؛ لأنه في أمر مستقذر ([7]).
«ما يحذر منه المتثائب»
المتثائب إذا لم يفعل ما سنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - له فإنه يقع في أمور قبيحة وسيئة منها:
حرمانه من الحسنات التي لا توجد إلا بفعل تلك السنة.
وتكون صورة المتثائب مشوهة. بانفتاح فمه، وعدم إغلاقه، ولا ستره بيده.
بل ربما انحل رباط العصب فسقط الفك أو ضعف.
ثم إنه سبب لإفراح الشيطان وضحكه منه، ودخوله في فم المتثائب فيبلغ الشيطان مراده من المتثائب من طاعته، وعصيانه لربه سبحانه ([8]).
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان»([9]) وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان يدخل».
وإذا أخرج المتثائب صوتًا مع تثاؤبه، فهو مع كونه خلقًا ذميمًا فإنه يفرح الشيطان ويضحك منه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليرده ما استطاع فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان»([10]).
* * *
«لا يشرع التعوذ عند التثاؤب»
كثير من الناس عند التثاؤب يستعيذون بالله من الشيطان ظنًا منهم بأنه مستحب.
وهذا ظن خاطئ لا دليل عليه، ولو كان مشروعًا لكثر النقل فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن صحابته بل إنه لم يرد فيه ولا حديث ضعيف.
ومعلوم أن العمل إذا لم يكن عليه دليل، فهو بدعة، والبدعة مردودة على صاحبها، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»([11]).
* * *
«الأنبياء لا يتثاءبون»
قال الحافظ بن حجر في فتح الباري: ومن الخصائص النبوية ما أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في التاريخ من مرسل ([12]) يزيد بن الأصم قال: «ما تثاءب النبي - صلى الله عليه وسلم - قط» وأخرج الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال: «ما تثاءب نبي قط» ومسلمة أدرك بعض الصحابة وهو صدوق ويؤيد ذلك ما ثبت: أن التثاؤب من الشيطان ([13]).
«المؤمن يحب العطاس»
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يحب العطاس»([14]) وقال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾([15]) فالمؤمن يحب الله، وإذا أحب الله أحب ما يحب الله تعالى والله جل وعلا يحب العطاس([16]). فالمؤمن إذًا يحب العطاس.
ثم إن العطاس يحب؛ لأنه يكون من خفة البدن وانفتاح المسام وعدم الغاية في الشبع، فالعطاس يستدعي النشاط في العبادة ([17]).
«غض الصوت به»
ينبغي للعاطس أن يخفض صوته بالعطاس، ولا يرفعه ([18]) فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو بثوبه وغض بها صوته»([19]).
ولأن العاطس لا يؤمن عليه إذا تعاظم رفع الصوت أن يضر ذلك به في رأسه ومجاري نفسه ([20]).
* * *
«تغطية الفم والوجه عند العطاس»
ينبغي للعاطس أن يغطي فمه ووجهه بيده أو بثوبه، أو بأي شيء آخر عند العطاس، كيلا ينتشر ما يقذف من رطوبة على ثيابه أو جليسه؛ إذ لا يملك عند العطاس نفسه، فلا يأمن ما يخرج منه([21])؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو بثوبه وغض بها صوته»([22]).
* * *
«عدم لوي العنق عند العطاس»
على العاطس أن يحترز من لوي عنقه عند العطاس يمينًا ولا شمالاً، لئلا يتضرر بذلك فلو لوي عنقه صيانة لجليسه، لم يأمن من الالتواء وقد جرى ذلك لبعضهم، عطس فرد وجهه يمينًا يحترس من جليسه فبقي رأسه كذلك أبدًا معوجًا ([23]).
«رفع الصوت بالحمد حتى ولو في الصلاة المكتوبة»
اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس، أن يحمد الله تعالى عقب عطسه ([24])، ولا يشرع من الحاضرين المبادرة بالحمد عند سماع العطاس من أحد والأحاديث الواردة في هذا ضعيفة ولا تصح([25]).
فالمرء إذا عطس ينبغي له أن يحمد الله، ويرفع صوته بالحمد، سواء كان في صلاة أو خارجها، وقد ورد في السنة أنواع للحمد، ينبغي للعاطس أن يأتي بهذا مرة وهذا مرة ليكون متبعًا سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ومن تلك الأنواع:
أن يقول العاطس: الحمد لله.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته»([26]).
أو يقول العاطس: الحمد لله رب العالمين.
فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين ويقال له: يرحمك الله وليقل يغفر الله لكم»([27]).
ولا أصل لما اعتاده كثير من الناس من استكمال قراءة الفاتحة بعد قوله: الحمد لله رب العالمين.
وكذا العدول من الحمد إلى أشهد أن لا إله إلا الله أو تقديمها على الحمد، بل هو بدعة ومحرم ([28]).
ولا يشرع قول: الحمد لله ككرمه، والحمد لله كعز جلاله، والحديث الوارد فيه ضعيف ([29]).
أو يقول العاطس: الحمد لله على كل حال.
فعن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال وليقل له من عنده: يرحمك الله، ويرد عليهم يهديكم الله ويصلح بالكم»([30]).
أو يقول العاطس: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه مباركًا عليه، كما يحب ربنا ويرضى فعن رفاعة بن رافع قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعطس رفاعة.
لم يقل قِتيبة: فقلت: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف فقال: «من المتكلم» فقال الرجل: أنا يا رسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول»([31]).
وليحترز العاطس من أن يأتي بذكر غير ما ورد؛ فإن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -. فعن مجاهد قال: «عطس ابن لعبد الله بن عمر إما أبو بكر وإما عمر فقال: آب فقال ابن عمر: ما آب؟ إن آب اسم شيطان من الشياطين جعلها بين العطسة والحمد»([32]). وعن سالم بن عبيد أنه كان مع القوم في سفر فعطس رجل من القوم فقال: السلام عليكم فقال: عليك وعلى أمك فكأن الرجل وجد في نفسه فقال: أما إني لم أقل إلا ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عطس رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليك وعلى أمك إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين وليقل له من يرد عليه: يرحمك الله وليقل: يغفر الله لنا ولكم»([33]).
«تشميت ([34]) العاطس المسلم»
يجب على من سمع العاطس يحمد الله أن يشمته، فيقول له: يرحمك الله ([35]). وإن لم يسمعه يحمد الله، فلا يشمته ولا يذكره الحمد.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته»([36]) وعن أنس - رضي الله عنه - قال: عطس رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست فلم تشمتني، فقال: «هذا حمد الله تعالى وإنك لم تحمد الله تعالى»([37]).
وليس للصغير تشميت يخصه بل هو مثل الكبير؛ فلا يقال له: أصلحك الذي أعطسك أو عشت، ولو كان مشروعًا لثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن صحابته - رضي الله عنهم -.
* * *
«تشميت الكافر»
إذا عطس الكافر فحمد الله تعالى، فإنه يقال له: يهديكم الله ويصلح بالكم؛ فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: «كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجون أن يقول لهم يرحمكم الله فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم»([38]) ولا يجوز أن يدعى لهم بالرحمة قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾([39]).
* * *
«من فوائد التشميت»
للتشميت فوائد كثيرة عظيمة القدر منها:
تحصيل المودة والتأليف بين المسلمين وتأديب العاطس بكسر النفس عن الكبر، والحمل على التواضع، لما في ذكر الرحمة من الإشعار بالذنب الذي لا يعرى عنه أكثر المكلفين ([40]).
* * *
«طرفة»
كان أبو داود صاحب السنن في سفينة فسمع عاطسًا على الشط حمد، فاكترى قاربًا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمته ثم رجع، فسئل عن ذلك فقال: «لعله يكون مستجاب الدعوة فلما رقدوا سمعوا قائلاً يقول يا أهل السفينة إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم»([41]).
* * *
«بما يرد العاطس على من شمته»
إذا عطس المرء فحمد الله وشمته الحاضرون عنده، فينبغي له أن يرد عليهم بأحد الأدعية الآتية والسنة أن يأتي بهذا تارة وهذا تارة.
فينبغي أن يقول لمن شمته يهديكم الله ويصلح بالكم.
فعن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال وليقل له من عنده: يرحمك الله ويرد عليهم: يهديكم الله ويصلح بالكم».
أو يقول لهم: «يغفر الله لنا ولكم»([42]).
فعن سالم بن عبيد أنه كان مع القوم في سفر فعطس رجل من القوم فقال: السلام عليكم فقال: عليك وعلى أمك فكأن الرجل وجد في نفسه فقال أما إني لم أقل إلا ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عطس رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليك وعلى أمك، إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين وليقل له من يرد عليه: يرحمك الله وليقل: يغفر الله لنا ولكم»([43]).
أو يقول لهم: يغفر الله لكم.
فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين ويقال له: يرحمك الله وليقل: يغفر الله لكم»([44]).
أو يقول لهم: يرحمنا الله وإياكم ويغفر الله لنا ولكم.
فعن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما - «أنه كان إذا عطس فقيل له: يرحمك الله قال: يرحمنا الله وإياكم ويغفر الله لنا ولكم»([45]).
أو يقول لهم: عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله.
فعن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس – رضي الله عنهما - «إذا شمت يقول: عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله»([46]).
أو يقول لهم: يرحمنا الله وإياكم.
فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: «يقول يرحمنا الله وإياكم»([47]).
* * *
«من لا يستحق التشميت»
يجب تشميت كل عاطس حمد الله تعالى إلا ستة فلا يشمتون وهم:
أ- من عطس ولم يحمد الله تعالى، فإنه لا يشمت ولا يذكر الحمد كما سبق.
ب- إذا زاد العطاس عن ثلاث فلا يشمت لأنه مزكوم.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه وإن زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا تشمت بعد ثلاث مرات»([48]) وعن سلمة بن الأكوع أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعطس رجل عنده فقال له: «يرحمك» الله ثم عطس أخرى فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الرجل مزكوم»([49]) وهناك من العلماء رحمهم الله – تعالى – من قال بجواز التشميت بعد الثلاث ولا دليل معهم يعتمد عليه وحديث «يشمت العاطس ثلاثًا فإن زاد فإن شئت فشمته وإن شئت فكف» فهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ([50]).
كما إنه لا يدعى لمن زاد عطاسه عن ثلاث، ولا يقال له: شفاك الله وعافاك. ولو كان مشروعًا لفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ج- من يكره التشميت إذا خيف منه ضرر إذا شمت، قال تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾([51]).
وإن لم يخف منه ضرر فإنه يشمت امتثالاً للأمر ومناقضة للمتكبر في مراده وكسرًا لسورته في ذلك، ولأن لفظ التشميت دعاء بالرحمة فهو يناسب المسلم كائنًا من كان([52]).
د- الكافر لا يشمت كما يشمت المسلم؛ فلا يقال له يرحمك الله. وإنما يقال له: يهديكم الله ويصلح الكم كما سبق.
هـ- إذا عطس والإِمام يخطب فإنه يحمد الله إلا أنه لا يشمت؛ لأن الإِنصات للخطبة واجب؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإِمام يخطب فقد لغوت»([53]) إلا أن يقف الخطيب قليلاً ليشمت فلا يمتنع تشميته.
وكذلك إذا عطس في الصلاة سواء كانت فرضًا أو تطوعًا فإنه لا يشمت؛ فعن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتوتني لكن سكت فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه؛ فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»([54]) أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
و- من عطس وهو في حالة يمتنع عليه فيها ذكر الله كما إذا كان على الخلاء فلو خالف فحمد الله في تلك الحالة فلا يستحق التشميت؛ لأن الذكر منهي عنه في الخلاء([55]).
والحمد لله على التمام وصلى الله على نبينا محمد.
([1]) انظر ديوان الشافعي ص58.
([2]) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأدب باب ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب 7/124-125.
([3]) سورة البقرة آية (165).
([4]) انظر فتح الباري 10/622، 627.
([5]) أخرجه الترمذي في سننه أبواب الصلاة باب ما جاء في كراهية التثاؤب في الصلاة 2/164-165 ومعه شرح ابن العربي.
والحديث قال الترمذي حسن صحيح، السنن 2/165 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/116-117 رقم (304).
([6]) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الزهد باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب 8/225-226.
([7]) انظر فضل الله الصمد شرح الأدب المفرد 2/376.
([8]) انظر شرح ابن العربي على سنن الترمذي 10/198.
([9]) سبق تخريجه.
([10]) روي حديث في شدة التثاؤب «التثاؤب الشديد والعطسة الشديدة من الشيطان» وهو حديث ضعيف ضعفه الألباني في ضعيف الجامع ص369 رقم (2505) وكذا ضعفه محقق عمل اليوم والليلة لابن السني ص97 رقم (264).
ولكن يكفي عنه قوله ﷺ «فليكظم ما استطاع».
([11]) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور 5/132.
([12]) والمرسل من أنواع الحديث الضعيف فتنبه.
([13]) انظر فتح الباري 10/628. وقال فضل الله الجيلاني ذكر ابن عابدين أن التدبير المجرب لدفعه أن يذكر أن نبيًا لم يتثاءب قط. انظر فضل الله الصمد شرح الأدب المفرد 2/394.
([14]) سبق تخريجه.
([15]) سورة البقرة آية (165).
([16]) روي حديث في أن العطاس في الصلاة من الشيطان وهو «العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة والحيض والقيء والرعاف من الشيطان» وهو حديث ضعيف ضعف سنده الحافظ ابن حجر في فتح الباري 10/208 وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ص563 رقم (3865).
([17]) انظر فتح الباري 10/622.
([18]) وسبق أن حديث «العطسة الشديدة من الشيطان» ضعيف ويغني عنه حديث أبو هريرة t الآتي.
([19]) أخرجه أحمد في المسند 2/439 وأبو داود في سننه كتاب الأدب باب في العطاس 4/307 رقم (5029) والترمذي في سننه أبواب الأدب باب ما جاء في خفض الصوت وتخمير الوجه عند العطاس 10/205 والبغوي في شرح السنة كتاب الاستئذان باب ترك تشميت من لم يحمد الله عز وجل 12/314 رقم (3346) والحاكم في المستدرك كتاب الأدب 4/264 والحديث قال عنه الترمذي حسن صحيح وسكت عنه أبو داود وصحح إسناده الحاكم ووافقه الذهبي وقال الألباني: حسن صحيح انظر صحيح سنن الترمذي 2/355 رقم (2205).
([20]) انظر شرح ابن العربي على سنن الترمذي 10/205.
([21]) انظر شرح ابن العربي على سنن الترمذي 10/206.
([22]) سبق تخريجه.
([23]) انظر شرح ابن العربي على سنن الترمذي 10/206 وانظر فتح الباري 10/618.
([24]) انظر الأذكار للنووي ص427.
([25]) انظر الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني 222-224. وانظر كشف الخفا للعجلوني 2/252 رقم (5496).
([26]) سبق تخريجه.
([27]) أخرجه البخاري في الأدب المفرد باب كيف يبدأ العاطس إذا شمت وهو موقوف عنده على ابن مسعود t 2/389 رقم (394) والنسائي في عمل اليوم والليلة فيما يقول العاطس إذا شمت ص240 رقم (224) وابن السني في عمل اليوم والليلة باب كيف يرد على من شمته ص95 رقم (259) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع 1/179 رقم (686) وكذا صححه محقق عمل اليوم والليلة لابن السني أبو محمد السلفي ص95 رقم (260).
([28]) انظر فتح الباري 10/616.
([29]) ضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح 10/616 وضعفه أبو محمد السلفي محقق عمل اليوم والليلة لابن السني ص95 رقم (260).
([30]) أخرجه أحمد في المسند 1/120، 122 والدارمي في سننه عن أبي أيوب t كتاب الاستئذان باب إذا عطس الرجل ما يقول 2/283، والترمذي في سننه أبواب الأدب باب كيف تشمت العاطس 10/200-201 والحاكم في المستدرك كتاب الأدب 4/66.
والحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/354 رقم (2202) وحسنه البنا في شرحه على مسند أحمد 17/321.
([31]) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء 1/205 رقم (773) والترمذي في سننه أبواب الصلاة باب ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة 2/193 – 194 والبيهقي في سننه كتاب الصلاة باب القول عند رفع الرأس من الركوع وإذا استوى قائمًا 2/95 وذكر أن الصلاة هي المغرب. والحاكم في المستدرك كتاب معرفة الصحابة 3/232. وقال الحافظ في الفتح: وأخرجه الطبراني وبين أن الصلاة المذكورة المغرب وسنده لا بأس به، 10/616. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/147 رقم (700).
([32]) أخرجه البخاري في كتاب الأدب المفرد باب لا يقل آب 2/390 وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري 10/616.
([33]) أخرجه أبو داود في سنه كتاب الأدب باب ما جاء في تشميت العاطس 4/307 رقم (5037) والنسائي في عمل اليوم والليلة ما يقول العاطس إذا شمت ص241 رقم (225) والترمذي – في سننه أبواب الأدب باب ما جاء كيف تشمت العاطس 10/199-200 والحاكم في المستدرك كتاب الأدب 4/267.
والحديث سكت عنه أبو داود في سننه 4/307 وصحح سنده الألباني في المشكاة 3/1341.
تنبيه: أما لفظ يغفر الله لي ولكم فورد في حديث ضعيف رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة ص96 رقم (261).
([34]) التشميت والتسميت بمعنى واحد وهو أن العاطس ينحل كل عضو في رأسه وما يتصل به من عنق وكبد وعصب أو ينحل بعضه؛ فإذا قيل له يرحمك الله كان معناه آتاك الله رحمة يرجع بها بذلك إلى حالته قبل العطاس ويقيم كما كان من غير تغيير؛ فإن من رحمة الله ألا يغير ما به من نعمة. انظر شرح ابن العربي على سنن الترمذي 10/206-207.
([35]) وأما ما يقوله بعض المازحين عندما يعطس أحد عندهم أعطسك الذي إن شاء أحياك وإن شاء أفطسك ونحو ذلك فهذا محرم إن لم يكن كفرًا عياذًا بالله فهو من الاستهزاء بهذه الشعيرة التي سنها رسول الله ﷺ فيجب الحذر منها والإنكار على من يعملها.
([36]) سبق تخريجه. والحديث يدل على أن التشميت واجب على كل من سمع العاطس حمد الله تعالى وأما من قال بأنه فرض كفاية أو سنة فلا دليل معهم ويرد عليهم قوله ﷺ: «فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته».
([37]) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأدب باب لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله 7/125 ومسلم في صحيحه كتاب الزهد باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب 8/225.
([38]) أخرجه أحمد في المسند 4/400 والبخاري في الأدب المفرد باب إذا عطس اليهودي 2/392 رقم (940) وأبو داود في سننه كتاب الأدب باب كيف يشمت الذمي 4/308-309 رقم (5038) والنسائي في عمل اليوم والليلة فيما يقول لأهل الكتاب إذا تعاطسوا 243-244 رقم (232) والترمذي في سننه أبواب الأدب باب ما جاء كيفية تشميت العاطس 10/198-199 وابن السني في عمل اليوم والليلة باب كيف تشميت أهل الكتاب ص96 رقم (262) والحاكم في المستدرك كتاب الأدب 4/268.
والحديث سكت عنه أبو داود في سننه وقال الترمذي في سننه حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/354 رقم (2201) وحسنه أبو محمد السلفي محقق عمل اليوم والليلة لابن السني ص96 وحسنه أيضًا د. فاروق حمادة محقق عمل اليوم والليلة للنسائي ص244.
([39]) سورة التوبة آية (113).
([40]) انظر فتح الباري 10/618.
([41]) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري إسناده جيد وأخرجها ابن عبد البر 10/626.
([42]) سبق تخريجه.
([43]) سبق تخريجه.
([44]) سبق تخريجه.
([45]) أخرجه مالك في الموطأ كتاب الاستئذان باب التشميت في العطاس ص598 رقم (5). والأثر سكت عنه الحافظ في الفتح 10/624 وإسناده صحيح.
([46]) أخرجه البخاري في الأدب المفرد باب كيفية تشميت من سمع العطسة 2/386 رقم (929) وصحح إسناده الحافظ بن حجر في فتح الباري 10/624.
([47]) قال الحافظ بن حجر في الفتح أخرجه الطبري عن ابن مسعود وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر نحوه 10/624 وسكت عنه الحافظ بن حجر.
([48]) أخرجه أبو داود في سننه مختصرًا كتاب الأدب باب كم مرة يشمت العاطس 4/308 رقم (5035) وابن السني في عمل اليوم والليلة ص93 رقم (251) والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع 1/179 رقم (684).
([49]) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الزهد باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب 8/225.
([50]) وضعفه الترمذي في سننه 10/205 والنووي في الأذكار ص431 والألباني في ضعيف الجامع ص933 رقم (6429).
([51]) سورة النحل آية (106).
([52]) انظر فتح الباري 10/622.
([53]) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجمعة باب الإنصات يوم الجمعة والإِمام يخطب 1/224 ومسلم في صحيحه كتاب الجمعة باب الإنصات يوم الجمعة في الخطبة 3/4.
([54]) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الصلاة باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته 2/70-71.
([55]) انظر فتح الباري 10/619-622.