×
هذا الكتيب يتضمن الجواب على بعض الأسئلة، وفتاوى المشايخ في مسألة الحجاب واللباس والزينة بالأدلة من الكتاب و السنة، وقد بيَّن العلماءُ أن المرأةَ المسلمةَ عليها أن تحجب نفسها وتستر ما يجب ستره عمن ليسوا بمحارمها، وتحفظ نفسها من الفتن، وتجتنب كل وسيلة تقع بها في الفتنة.

 الحجاب فضيلة وعفاف

 مقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فإليك أختي المسلمة مختصرًا جامعًا عن الحجاب، ودلالة القرآن و السنة على وجوبه، وفيه بحمد الله بيان شاف لكلِّ راغبة في العودة إلى الله واللحاق بركب العفاف والفضيلة .. }وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا{.

وفقك الله لكلِّ خير، وحماك من كل مكروه.

القسم العلمي بدار ابن خزيمة

 الحجاب ضرورة شرعية واقعية

إن المتأمِّل في أحوال الغرب وما وصلت إليه نساؤه من الانحلال والانحدار والتفسُّخ والدون ليُدرك بتأمُّله عظمة الإسلام وسموَّ تشريعه وأحكامه التي تحفظ الإنسان من الضياع والهلاك: تحفظ ماله وعقله ونفسه ونسله.

وفي شأن المرأة جاء الإسلام بتشريعات ربانية سامية عالجت كل شؤونها وهمومها وأحوالها في سائر مناحي الحياة، فهي معنية بالإسلام كلِّه بكلِّ أحكامه، وتشاطر فيها الرجل، كما أنها متفرِّدة بأحكام خاصة تتماشى مع طبيعتها وأنوثتها وتكوينها المتفرِّد.

وما "الحجاب" إلاَّ مفردة واحدة من مفردات القاموس التشريعي للمرأة في الإسلام، وتشريعه لم يكن مسألة عارضة عينية ولا سنة عابرة منتهية، بل أنزله الله سبحانه من فوق سبع سموات ليحفظ به المرأة والرجل من عوارض الفتن ومهالك الأمراض.

ومهما يكن ما قيل عن الحجاب، ومهما يكن ما يقال عن الحجاب، ومهما يكن أيضًا ما سيقال عن الحجاب؛ فهو الآن، وبعد أن انهدم سقف التبرُّج على أهله وانكشف غطاؤه وتبيَّن خطره وداؤه؛ أصبحت العودة إلى الحجاب ضرورة واقعية تنادي بها الضمائر الحية والعقول السليمة، بغضِّ النظر عن إيمانها بالإسلام أو عدمه .. لقد فضحت أرقام الاغتصاب المهولة المذهلة وأرقام الإجهاض المخيفة القاتلة وأرقام أبناء بلا آباء المؤلمة المحزنة، فضحت كلَّ الدعاوى الاندفاعية التقليدية بالتشنيع على الحجاب وهمزة ولمزه والاستخفاف برمزه.

لقد علم الجميع وتقاربت رؤى الجميع في كلِّ مكان من هذا الكوكب على أنَّ التبرُّج هو الوحش الضاري الذي يعبث بشهوات النفوس، ويقتل فيها كلَّ عِرقٍ نابضٍ بالفضيلة، وهذا الوحش لا تتناهى شراهته بل تزيد ليس له مبدأ يقوم عليه أو حدٌّ يقف عليه، ولا وصف ولا دين ولا وطن، وإنما هو وليد الشهوة، وليس للشهوة رادع، ولذلك احتارت الشعوب التي ذاقت مرارة غطرسه في إيقافه.

وها هي تتكبد على استحياء صولاته وجولاته أمراضًا ليس لها دواء، وأدواء ليس لها شفاء، وتشتتًا في الأسر، وشذوذًا في العلاقات والسلوك، وتهاويًا لبنية المجتمع ينذر بنذير شؤم في الأيام المقبلة.

وصدق الله جلَّ وعلا إذ يقول: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{.

والإسلام حينما شرع الله فيه الحجاب، وأوجبه على نساء المؤمنين، فإنه قصد بذلك حماية المجتمع كلِّه صغيره وكبيره ذَكره وأُنثاه، من مخاطر الفتن ومهالك الأمراض، ولئن كان الواقع اليوم شاهدًا على أنَّ التبرُّج السافر هو أعظم عوامل الأمراض الاجتماعية فإنَّ الإسلام قد بيَّن ذلك وأوضحه في عبارات وجيزة قيمة.

فقال ﷺ‬: «ما تركت بعدي فتنةً أضرَّ على الرَّجال من النساء»([1]).

وقال ﷺ‬: «إنَّ الدنيا حُلوةٌ خضرة، وإنَّ الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإنَّ أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»([2]) .

وقال الله تعالى: }وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا{.


 من الأدلَّة القرآنية على الحجاب

أخي المسلم:

 إنَّ مسألة وجوب الحجاب على المرأة المسلمة تكاد تكون من المسائل المعلومة من الدِّين بالضرورة إن لم تكن كذلك جزمًا فالإجماع منعقدٌ على وجوب الحجاب في حقِّ المرأة، وقد حكاه غير واحد من العلماء منهم الحافظ ابن عبد البر، والإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم.

ولئن وُجد من يشكُّ في فرضية الحجاب فإنما سبب ذلك هو رقة الدين والجهل بأحكامه، فأمَّا رقَّة الدين فتولد في النفوس عدم توقير أوامر الله وتعظيمها، وأمَّا الجهل بأحكام الدين فيدعو الجاهل إلى القول في دين الله بغير علم، وقد قال تعالى في ذمِّ هؤلاء وأولئك: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ{..

وكما قال سبحانه: }وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ{.

وإليك أخية بعض النصوص القرآنية التي هي نص في وجوب الحجاب مما لا يقبل الشك قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{.

ومعلومٌ في لغة العرب أنَّ الجلباب هو الثياب الساترة لجميع البدن ومعلوم أيضًا أنَّ هذه الآية هي خطاب عام يشمل أمهات المؤمنين وسائر المؤمنات من بعدهنَّ.

ومعلوم أيضًا أنَّ الأمر في هذه الآية للوجوب، وهو الذي قامت عليه السُنة العملية، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «رحم الله تعالى نساء الأنصار، لما نزلت }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ...{ الآية شققن مروطهن، فاعتجرن بها، فصلين خلف رسول الله أنما على رؤوسهن الغربان»([3]) .

ومعلوم أيضًا أن لا أحد من العلماء المعتبرين قال بنسخ هذه الآية، وإنما كلُّهم متفقون على مرِّ التاريخ على أنها آيةٌ دالةٌ على وجوب الحجاب إلى يوم القيامة.

وقال تعالى أيضًا: }وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{.

فهذه الآية اشتملت على دلالات مهمة وهي:

1- تحريم إبداء الزينة أمام الرجال الأجانب إلا ما ظهر منها أي: ظاهر الحجاب الذي لا يمكن إخفاؤه.

2- وجوب لبس الخمار الذي هو الثوب الساتر للوجه كما يفسره أهل اللغة.

3- تحريم الضرب بالرِّجْل.

4- وجوب غض البصر.

ومن تتبَّع أقوال المفسِّرين لهذه الآية والتي قبلها، وآيات الحجاب الأخرى في القرآن وجد اتفاقهم جميعًا على مرِّ العصور على أن تلك الآيات كلها دالة بمنطوقها ومفهومها على وجوب الحجاب في حق المرأة المسلمة، ولم يقل أحد من الأئمة الأربعة، ولا علماء الإسلام قديمًا وحديثًا بغير هذا الفهم، والحمد لله رب العالمين.

فكيف يلتفت إلى قول من يقول بعدم وجوب الحجاب، واجتهاده يضاد النص ويناقصُ ما أجمع عليه أهل العلم والشريعة.

من الأدلة النبوية للحجاب

والسنة أيضًا طافحة بالأحاديث الدالة على وجوب الحجاب، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ‬ قال: لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين([4]) .

قال أبو بكر بن العربي رحمه الله: قوله ﷺ‬ في حديث ابن عمر : لا تنتقب المرأة وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئًا منن خمارها على وجهها غير لاصق به، وتُعرض عن الرجال، ويعرضون عنها.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما نزلت }وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ{ شققن مروطهن فاختمرن بها»([5]) .

قال العلامة محمد الأمين الشنقطيي رحمه الله: «وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى }وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ{ يقتضي ستر وجوههن وأنهن شققن إزرهن فاختمرن: أي سترن وجوههن بها امتثالا لأمر الله في قوله تعالى: }وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ{ المقتضي ستر وجوههن، وبهذا يتحقق للمنصف أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم ثابت في السنة الصحيحة المفسرة لكتاب الله تعالى، وقد أثنت عائشة رضي الله عنها على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر الله في كتابه، ومعلوم أنهن ما فهمن ستر الوجوه من قوله: }وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ{ إلا من النبي ﷺ‬ لأنه موجود وهن يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن والله جل وعلا يقول: }وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ{ فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن»([6]) .

أختي المسلمة: فهذا هو كتابُ الله وسنةُ نبيه ﷺ‬ قد دلت فيهما النصوص الصريحة الواضحة على وجوب الحجاب وفرضه، وها هم علماء الإسلام وورثة الأنبياء وحملة الوحي ينقلون لك الفهم السليم لتلك النصوص، فماذا عساك تفعلين ومن عساك تتبعين.

إن مسألة الحجاب هي مسألة شرعية مرد الحكم فيها إلى الشرع وأهله وإنما أهله هم علماء الملة وأوعية الدين، الذين درسوه وفقهوه ورضيت بهم الأمة نَقلة للفتوى، وفهمة للمقاصد والأحكام.

ولا يجوز لك – أختي المسلمة أن تنظري إلى مسألة الحجاب على أنها مسألة ثانوية، أو فكرية ثقافية، أو اجتهادية، أو أمرٌ من أمور الدنيا التي لا جناح عليك في إعمالها أو إهمالها.

كما لا يجوز لك رد الحكم فيها إلى للمفكرين والمثقفين الذين قصرت أفهامهم عن فقه الشريعة، وشردت بهم أقلام الحداثة في متاهات الدعوات المضلة إلى السفور كما تشرد البعير الهائمة.

زعم السفور والاختلاط وسيلة

للمجد قوم في المجانة أغرقوا

كذبوا متى كان التعرض للخنا

شيئًا تعز به الشعوب وتسبق

أختي المسلمة: فهذه قواعد الدين متينة واضحة، تضيء لك المحجة، وتدلك على الحق بالحجة، وتقطع على الباطل صولته، فاحذري من بنيات الطريق..

يا من هديت إلى الإسلام راضية

وما ارتضيت سوى منهاج خير نبي

إن الحجاب الذي نبغيه مكرمة

لكل حواء ما عابت ولم تعب

صوني حياءك صوني العرض لا تهني

وصابري واصبري لله واحتسبي

«فيجب على كل مؤمن ومؤمنة بهذا الدين، الحذر الشديد من دعوات أعدائه من داخل الصف أو خارجه، الرامية إلى التغريب، وأخراج نساء المؤمنين من حجابهن تاج العفة والحصانة إلى السفور والتكشف والحسور ورميهن في أحضان الرجال الأجانب عنهن، وأن لا يغتروا ببعض الأقاويل الشاذة التي تخترق النصوص ، وتهدم الأصول، وتنابذ المقاصد الشرعية، من طلب العفة والحصانة وحفظهما»([7]) .

شروط الحجاب

أختي المسلمة: إن الحجاب عبادة عملية أمر الله بها نساء المؤمنين صيانة لهن من الفتنة والأذى، وحتى لا يفتتن بهن الرجال، وما دام الحجاب عبادة مشروعة فهي كغيرها من العبادات لا تقبل إلا بشرطين اثنين:

الأول: هو الإخلاص لله جل وعلا، لقوله ﷺ‬: «إنما الأعمال بالنيات».

الثاني: هو الاتباع لسنة النبي ﷺ‬ والتأسي به لقوله ﷺ‬ : «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»([8]) .

والله جل وعلا كما تعبد المرأة المسلمة بلباس معين في الصلاة والحج، فقد تعبدها وبين لها لباسها أمام أقربائها، وأمام الأجانب عنها، وهي في كل حال تلتزم فيه بما أمره الله وبينها، إنها تعبد الله كما أمر وتلبي أمره، وحجاب المرأة المسلمة ليس أمراً خفيًا عاماً أو غامضًا بل هو أمر من الله لنساء المؤمنين واضحة معالمة بينةٌ حدوده، معلومةٌ أوصافه ونعوته.

ولقد تتبع العلماء نصوص الحجاب من الكتاب والسنة وحصروا من خلالها شروطه اللازمة وهي كالآتي:

1- أن يكون الحجاب ساترًا لجميع بدن المرأة بما في ذلك وجهها وكفيها، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، كما سيأتي في فصل أدلة تغطية الوجه.

2- أن لا يكون الحجاب في نفسه زينة: لأن الغاية من الحجاب هو تحصيل الستر والعفاف، فإذا كان الحجاب زينة في نفسه، فقد تعطلت بذل الغاية منه، ولذلك قال الله تعالى: }وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا{.

3- أن يكون الحجاب واسعًا غير ضيق: لأن اللباس الضيق يناقض الستر المقصود من الحجاب، فعن أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله ﷺ‬ قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي فقال لي رسول الله ﷺ‬ : ما لك لم تلبس القبطية؟ قلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي فقال لي رسول الله ﷺ‬: «مرها فلتجعل تحتها غلالة، إني أخاف أن تصف حجم عظامها» والقبطية المذكورة في الحديث هي ثياب رقيقة بيضاء كأنها منسوبة إلى أقباط مصر.

4- أن يكون الحجاب صفيقا لا يشف: فثياب المرأة إذا لم يكن صفيقًا فإنه يجسد جسمها ومواضع الفتنة فيها، وقد ورد الوعيد الشديد في النساء الكاسيات العاريات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ‬: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا»([9]) .

قال ابن عبد البر رحمه الله: أراد ﷺ‬ النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة ([10]) .

5- أن لا يكون الحجاب مبخرًا ولا مطيبًا: لقوله ﷺ‬: «أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية»([11]) .

6- أن لا يشبه الحجاب لباس الرجال: لقوله ص: «ليس منا من تشبّه بالرجال من النساء، ولا من تشبّه بالنساء من الرجال»([12]) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ‬: «لعن رسول الله ﷺ‬ الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل»([13]).

7- أن لا يشبه الحجاب لباس الكافرات: لما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله ﷺ‬ علىَّ ثوبين معصفرين فقال: «إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها»([14]) .

8- أن لا يكون الحجاب لباس شهرة سواء في لونه أو شكله أو نوعه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ‬: «من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارًا»([15]) .

فهذه هي شروط الحجاب الشرعي كما دلت عليها نصوص الكتاب والسنة، وأعملتها في واقعها أمهات المؤمنين والصالحات من بعدهن. ويجب على كل أخت مؤمنة بالله، أن تعمل تلك الشروط في حجابها، فإنما الحجاب قائم بوصفه، ووصفه قائم بشرطه فمن فرط في الشرط لم تقم في الحجاب صفة الستر والعفة المقصودة منه.

ليس في الحجاب جديد

أختي المسلمة: إن الحجاب الذي فرضه الله عليك ليس مجرد لباس يباح استبداله وتجديده بغير ما تقيد بالشروط المذكورة آنفاً، إنه أمر إليه يقوم على أوصاف بينة ونعوت معينة كلها تدور مع تلك الشروط لتحقق الستر والعفاف ولتحفظ المرأة المسلمة من الفتن.

إن الله جل وعلا حينما شرع الحجاب إنما شرعه تزكية للنفوس، وحفظًا للمرأة المسلمة من الأذى، وحتى لا تتمادى الشهوات بالمسلمين في ظلمات الغي والهوى، قال تعالى: }ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ{ وقال سبحانه: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ { وقال سبحانه: }وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا{.

فالحجاب مشروع بشروطه، ما بقيت الغريزة في النفوس، تلك الغريزة الفطرية التي تثيرها فتنة النساء، كما قال رسول الله ﷺ‬ «ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء»([16]) .

وما دام ليس في الغريزة جديد، فليس في الحجاب جديد! هذا مع أن حكم الله جل وعلا وشرعه لا يقبل التبديل والتغيير لمجرد هوى متبع، ومن هذا فإن على كل أخت مؤمنة ألا تنخدع بكل لباس لا تنتظم فيه شروط الحجاب مهما قيل عنه أنه حجاب فمعلوم أن ما أصبح يعرف بتطورات الموضة والأزياء قد تسللت نيرانها إلى العباءات والخُمُر وأدخلت عليها من التزاويق والتغييرات ما يخالف شروط العباءة الشرعية فهذه ضيقة الحزام، والأخرى مشبكة الأكمام، وثالثة مفتوحة من الأمام، ورابعة قصيرة لا تستر الأقدام، وكلها تخالف بتلك الأوصاف وغيرها شروط الحجاب وأوصافه الشرعية.

وهذه الحجب الدخيلة الجديدة هي من اتباع خطوات الشيطان، ومن التقليد الأعمى للكفار، فإن لم تظهر صورة ناصعة اليوم، فإن تلك الخطوات تعد بوادر في اتجاه ظهورها كما أخبر رسول الله ﷺ‬ عن ذلك فقال: «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال فمن ([17]) .

وفيه تعبير غاية في الدلالة على خطورة متابعة الكفار في خطاهم.

التبرج الجديد: إن التبرج الجديد هو الذي اصطلحوا على تسميته بالحجاب العصري، وهو وإن كان مخلا في الجملة بشروط الحجاب الشرعي إلا أ نه لا يصل إلى درجة العري الفاضح، لكنه في النهاية يسمى تبرجًا وهو تعبير عن مرحلة انتقال لما هو شر منه، فأعداء الحجاب جعلوه حلاً وسطًا تساير به المرأة المسلمة تطورات الموضة والزينة، وفي الوقت نفسه تكون بعيدة عن التبرج الصريح، وما هو في الحقيقة إلا استدراج ماكر بيّته دهاقنة دور الأزياء والموضة، وأباطرة الدعوة إلى السفور والانحلال للقضاء على الحجاب الشرعي والنيل من بنات الإسلام وجواهر المجتمع ليسهل عليهم النيل من المسلمين جميعًا كما جرت بذلك العادة في كثير من دول المسلمين.

إن ثمة توجيهًا خفيًا يستهدف وضع المرأة المسلمة في ظروف مقصودة تسلبها الثقة بنفسها ومقوماتها ولا جرم أن الهدف من وراء ذلك خطير رهيب، إنه تحطيم السدود الروحية التي حفظت لهذه الأمة حتى الآن مشاعر العزة والحرية الدافعة إلى الجهاد والبذل في سبيل الله، ثم اجتثاث الجذور التي تربطنا في أعماق التاريخ برسالة المجد الإلهي التي جعلت أمتنا خير أمة أخرجت للناس.

فلباس المرأة المسلمة لا يكون حجابًا في ذاته إذا فقد شرطًا فأكثر من الشروط المتفق عليها، فكل لباس تلبسه المرأة في غير أهلها وكان كاشفًا لعورتها فهو تبرج أيا كان شكله.

وكذلك إذا كان زينة في نفسه أو شفافًا مظهرًا لما يجب ستره من العورة، أو ضيقًا أو معطرًا أو يشبه لباس الرجال أو يثير الناس لشهوه أو يشبه لباس الكافرات، فهو بواحد من هذه الأوصاف أو أكثر ليس من الحجاب المأمور به شرعًا بل هو تبرج وسفور.

ومن هنا كان وصف التبرج متعلقًا بالإخلال بشروط الحجاب وليس بوصف معين ترتديه المرأة المتبرجة فصاحبة السروال الضيق والعري الصارخ تستوي هي وصاحبة العباءة الفاضحة الضيقة في استحقاق وصف التبرج لاشتراكهما في مطلق الإخلال بشروط الحجاب الشرعي، وإن كانتا تفترقان من حيث الوصف في درجة العري والتبرج.

من أدلة تغطية الوجه:

لقد دل الكتاب والسنة والقياس والعقل السليم على وجوب تغطية وجه المرأة عند احتجابها عن الرجال الأجانب عنها، وإليك أختي المسلمة ملخصًا لتلك الأدلة:

من القرآن: قال الله جل وعلا: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{.

قال القرطبي رحمه الله: لما كانت عادة العربيات التبذل وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكر فيهن، أمر الله رسوله ﷺ‬ أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن، إذ أردن الخروج إلى حوائجهن ([18]) .

وقال رحمه الله: «والصحيح في تفسير قوله تعالى }جَلَابِيبِهِنَّ{ والصحيح أنه الثواب الذي يستر جميع البدن»([19]) .

وقال سبحانه }وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ{ والخمار في لغة العرب هو الحجاب الذي يستر الوجه.

وهذا الدليل من القرآن قد أيدته السنة بما لا يدع مجالا للشك وهو الآتي.

2- من السنة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «يرحم الله نساء المهاجرين الأول، لما أنزل الله }وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ{ شققن مروطهن فاختمرن بها»([20]) .

قال ابن حجر: فاختمرن: أي غطين وجوههن.

3- من القياس: فإن مما لا يختلف عليه اثنان أن وجه المرأة هو موطن جمالها وفيه تتلخص كل مظاهر الفتنة، وهو أفتن للناظر من شعرها أو عنقها، أو صوت خلخالها أو أقدامها، وهذه كلها ورد النص والإجماع في تغطيتها درءًا للفتنة وقطعًا لدابر الشر، ومن هذا يتبين أن الأولى درء فتنة الوجه، باحتجابه وتغطيته، لا سيما وقد دلت النصوص على ذلك. من الكتاب والسنة.

وورود الخلاف في مسألة من المسائل الشرعية لا يسوغ الأخذ بقول هذا أو ذاك دون النظر في الأدلة لمن له أهلية النظر.

هذا مع أنه لم يقل أحد في الإسلام بجواز كشف الوجه واليدين عند وجود الفتنة ورقة الدين، وفساد الزمان، بل هم مجمعون على سترهما كما نقله غير واحد من العلماء. وهذه الظواهر الإفسادية قائمة في زماننا فهي موجبة لسترهما لو لم يكن أدلة أخرى.

وإن من خيانة النقل نسبة هذا القول إلى قائل به مطلقًا غير مقيد لتقوية الدعوة إلى سفور النساء عن وجوههن في هذا العصر، مع ما هو مشاهد من رقة الدين والفساد الذي غشي بلاد المسلمين.

فالخلاف الحاصل في مسألة تغطية الوجه لا يرد في حالة الضعف والانحلال الأخلاقي بل قول من قال بجواز الشكف مقيد بسلامة المجتمع من الفتن، وهو ما لم يتحقق اليوم بعد.

يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين: إن الإنسان العاقل البصير يرى أنه لو فرض أن كشف الوجه من الأمور الجائزة لكان الواجب من حيث النظر في وقتنا هذا أن يستر؛ لأنه لا أحد من أهل العلم يقول بوجوب كشف الوجه , غاية ما هناك أن العلماء اختلفوا في وجوب ستره، أو عدم وجوب ستره، وحينئذ فيكون كشفه على أعلى تقدير من المباح، والمباح إذا خيفت من الفتنة والمفسدة فإنه يجب منعه للقواعد الشرعية التي دل عليها الكتاب والسنة، وهي سد الذرائع ووسائل الشر، وهذه المحاولات التي يحاول بعض الناس ا ليوم اتباع ما ذكره بعض العلماء من جواز كشف الوجه يحصل بها فتح الباب لدعاة السفور والاختلاط ويدل لذلك أنهم يلحون في هذه المسألة مع أن هناك ما هو أهم منها في دين الله وأنفع منها لعباد الله لا تجدهم يتكلمون فيها أبدًا مع ضرورة الكلام فيها ثم إننا نقول انظروا إلى حال النساء في البلاد التي كانوا يتبعون فيها هذا القول الذي هو من مواضع الاجتهاد هل اقتصر النساء فيها على ما أباحه لهم العلماء من كشف الوجه فقط، أو أن النساء كشفن الوجه والرقبة والذراع والعضد والساق، وخرجن هاتكات لستر الله عز وجل، والإنسان العاقل البصير، يجب عليه أن يقيس الأمور بآثارها ومقتضياتها ويحكم عليها من هذه الناحية، والشرع ولله الحمد واسع، فيه قواعد عامة تضبط الشر وتردعه وتمنعه.

أختي المسلمة: فهذه هي بعض أدلة تغطية الوجه وهي تتلخص في الآتي:

1- دلالة القرآن على ذلك دلالة صريحة تفهمها العرب من لغتها.

2- دلالة السنة العملية كما في حديث عائشة السابق الذي يمثل الجانب العملي لأمهات المؤمنين لآية الخمار.

3- دلالة قياس الأولى، إذ لو كان التسليم بأن تغطية الأقدام واجبة في الحجاب فمن باب أولى تغطية الوجه الذي هو موطن الفتنة بإجماع العقول السليمة ومعلوم أنه لم يرد وصف الجمال عند شعراء العرب إلا ويذكر فيه الوجه الذي تبدي سماته معالم الجمال.


الحجاب بالبيوت

القرار في البيوت:

قال تعالى: }وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ{ قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: هذا أمر من الله سبحانه – لأمهات المؤمنين , ونساء المؤمنين تبع لهن في هذا التشريع، بلزوم البيوت والسكون والاطمئنان والقرار فيها؛ لأنه مقر وظيفتها الحياتية، والانكفاف عن الخروج إلا لضرورة أو حاجة.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ‬: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها»([21]) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «لأن المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجل؛ ولهذا خصت بالاحتجاب وترك إبداء الزينة، وترك التبرج، فيجب في حقها الاستتار باللباس والبيوت ما لا يجب في حق الرجل، لأن ظهورها للرجال سبب الفتنة، والرجال قوامون عليهن »([22]) .

وقال رحمه الله أيضًا: وكما يتناول غض البصر عن عورة الغير وما أشبهها من النظر إلى المحرمات، فإنه يتناول الغض عن بيوت الناس، فبيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه، وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الاستئذان، وذلك لأن البيوت سترة كالثياب على البدن، كما جمع بين اللباسين في قوله تعالى: }وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ{ [النحل: 81] فكل منها وقاية من الأذى الذي يكون سمومًا مؤذيًا كالحر والشمس والبرد، وما يكون من بني آدم من النظر بالعين وإليه وغير ذلك([23]) .

ويقول أيضًا رحمه الله: «الأصل لزوم النساء البيوت لقوله تعالى: }وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ{ فهو عزيمة شرعية في حقهن وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلا لضرورة أو حاجة».

ولهذا جاء بعدها }وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى{.

أي: لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات كعادة أهل الجاهلية.

والأمر بالقرار في البيوت حجاب لهن بالجدر والخدور عن البروز أمام الأجانب، وعن الاختلاط، فإذا برزن أمام الأجانب، وجب عليهن الحجاب باشتمال اللباس الساتر لجميع البدن والزينة المكتسبة.

ومن نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضاف إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن وإنما حصلت هذه الإضافة والله أعلم مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به لا إضافة تمليك.

قال الله تعالى: }وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ{ وقال سبحانه }وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ{ وقال عز شأنه }لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ{([24]) .

أختي المسلمة: إن الحجاب بملازمة البيوت وعدم مبارحتها إلا للضرورة، عبادة نفيسة، ولباس من التقوى عزيز لا تستطيع ارتداءه إلا النفوس التي تعمق الإيمان في جوانحها مراد الله سبحانه من فرض الحجاب، وأدركت أن أول بوادر الفتنة وأصل شرارتها: الخروج لغير حاجة ولو بالحجاب المعتبر شرعًا!

فالمرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان، وجعلها حبلاً من حباله، وسهمًا من سهامه، ينال به ممن في قلبه مرض! هذا وإن تكن ملتزمة بالحجاب! فكيف إذا كانت مخلة بشروطه.

فجدير بنسائنا أن يلزمن بيوتهن كما قال تعالى: }وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ{ وأن لا يخرجن إلى الأسواق وسيجدن ذلك ثقيلاً عليهن في أول الأمر لكنهن سيألفن ذلك ويخف عليهن في النهاية فيصرن ذوات الخدور وربات الحياء وزينة البيوت، وعلى أولياء الأمور من الرجال أن يتفطنوا لذلك، وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم من رعاية وأمانة حتى يصلح الله لهم الأمور ويمنعهم من الفتنة قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{ ([25]) .

وقال ابن الجوزي رحمه الله: «وينبغي للمرأة أن تحذر من الخروج ما أمكنها وإن سلمت من الفتنة في نفسها لم يسلم الناس منها، فإذا اضطرت إلى الخروج خرجت بإذن زوجها في هيئة رثة، وجعلت طريقها في المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق واحترزت من سماع صوتها ومشت في جانب الطريق لا وسطه»([26]) .

ثم إن بيت الأخت المسلمة هو أنسب مكان لأداء وظيفتها في الحياة.

إنها الأم التي تتحمل مسؤولية تربية الأبناء والزوجة التي تتحمل رعاية الزوج والبيت، فإذا كانت كثيرة الخروج فكيف لها أن تؤدي وظيفتها الحياتية.


 فتاوى مهمة عن الحجاب

شروط لبس النقاب

سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان:

ما حكم الشرع في نظركم في النقاب، فأنا امرأة ملتزمة بالشرع ومحافظة على صلواتي وواجباتي الزوجية إلا أنني عند خروجي من المنزل أخرج عيني فقط من الشيلة للنظر منهما مع أن باقي جسمي مغطى ومنه الوجه ببشت أسود فضفاض وألبس قفازين لليدين، ولسبب في ذلك أنني أعاني من ضعف في البصر؟

فأجاب فضيله: لا بأس بستر الوجه بالنقاب أو البرقع الذي فيه فتحتان للعينين فقط! لأن هذا كان معروفًا على عهد النبي ﷺ‬ ومن أجل الحاجة فإذا كان لا يبدو إلا العينان فلا بأس بذلك خصوصاً إذا كان من عادة المرأة لبسه في مجتمعها ([27]) .

صفة البرقع الذي يستر الوجه:

سئل سماحة الشيخ عبد الله بن حميد: كثير من النساء تستخدم البرقع ولا تتغطى عند كثير من الرجال بل يقولون إن البرقع قد يكفي عن الغطوة، وقد يكون بعض الرجال أقارب لنا، أفيدونا عن الطريقة الصحيحة أثابكم الله ورعاكم؟

فأجاب: البرقع إذا كان يغطي الوجه كله وما بقي إلا العينان لا بأس، أما إذا كان لا يغطي الوجه كله، بل الفم والبقية مكشوف فهذا لا يجوز وخاصة بمحضر الرجال الأجانب لأن الرجال الأجانب لا يجوز لهم أن ينظروا إلى وجه المرأة الأجنبية عنهم، وهي لا يجوز لها أن تكشف عندهم بل عليها أن تستر وجهها لأن جمالها ومحاسنها في وجهها.

أما البرقع فإن كان يغطي الوجه كله فلا مانع وحينئذ يكفي وإذا كان لا يغطي إلا البعض فلا يكفي.

فلا بد من تغطية الوجه كله، إ نما تخرج العين من أجل أن تبصر طريقها كما قا له ابن مسعود، وعبيدة السلماني وغيرهما والله أعلم ([28]) .

مخالفات في لبس البرقع:

سئل فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين: ما موقف الشرع من البرقع الذي يلبسه كثير من النساء في بلادنا وبعضهن يظهرن وجناتهن وحواجبهن وتصبح المرأة فتنة بهذا اللباس أفيدونا جزاكم الله خيرًا؟

الجواب: لا شك أن النقاب الذي هو البرقع جائز إلا في الإحرام، ويشترط فيه أن يكون ضيق الفتحات لا يخرج من العين إلا قدر النظر، فإذا تجاوز ذلك صار لافتًا للأنظار فلا يجوز، ولا شك أن إبداء الوجنتين والحاجبين من العورة، فلا يجوز للمرأة لبسه بهذه الكيفية وعلى المرأة أن تغطي وجهها بخمار ساتر فوق النقاب إذا كان و اسع الفتحات ويكون الخمار على العين لا يمنع نظرها لكن يستر بشرة الوجه والله أعلم ([29]) .

شروط استعمال المرأة المسلمة للطيب:

سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هل يجوز للمرأة إذا أرادت أن تذهب إلى المدرسة أو المستشفى أو لزيارة الأقارب والجيران أن تتطيب وتخرج؟

فأجاب: يجوز لها الطيب إذا كان خروجها إلى مجمع نسائي ولا تمر في الطريق على الرجال، أما خروجها بالطيب إلى الأسواق التي فيها الرجال، فلا يجوز لقول النبي ﷺ‬ «أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهدن معنا العشاء» وأحاديث أخرى وردت في ذلك ولأن خروجها بالطيب في طريق الرجال ومجامع الرجال كالمساجد من أسباب الفتنة بها، كما يجب عليها التستر والحذر من التبرج لقوله جل وعلا }وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى{ ومن التبرج إظهار المفاتن والمحاسن كالوجه والرأس وغيرهما ([30]).

حكم لباس العباءة الضيقة ونحوها

سئل سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين انتشر بين نساء المسلمين ظاهرة خطيرة وهي لبس بعض النساء العباءة على الكتفين وتغطية الرأس بالطرح، والتي تكون زينة في نفسها وهذه العباءة تلتصق بالجسم وتصف الصدر وحجم العظام ويلبسن هذا اللباس موضة أو شهرة ما حكم هذا اللباس؟ وهل هو حجاب شرعي وهل ينطبق حديث النبي ﷺ‬ «صنفان من أهل النار لم أرهما» الحديث.

الجواب: لقد أمر الله نساء المؤمنين بالتستر والتحجب الكامل فقال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ{ ولا شك أن بروز رأسها ومنكبيها مما يلفت الأنظار ونحوها فإذا لبست العباءة على الكتفين كان ذلك تشبهًا بالرجال، وكان فيه إبراز رأسها كالصدر وعنقها وحجم المنكبين وبيان بعض تفاصيل الجسم كالصدر والظهر ونحوه، مما يكون سببًا للفتنة وامتداد الأعين ونحوها وقرب أهل الأذى منها ولو كانت عفيفة وعلى هذا فلا يجوز للمرأة لبس العباءة فوق المنكبين لما فيه من المحذور، ويخاف دخوله في الحديث المذكور: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسافة كذا وكذا» والله أعلم. ([31]) .



([1]) متفق عليه.

([2]) رواه مسلم.

([3]) رواه ابن مردويه.

([4]) رواه البخاري.

([5]) رواه البخاري.

([6]) أضواء البيان (6/594).

([7]) حراسة الفضيلة (81).

([8]) رواه مسلم.

([9]) رواه مسلم.

([10]) تنوير الحوالك للإمام السيوطي (3/103).

([11]) رواه الترمذي.

([12]) رواه أحمد.

([13]) رواه أبو داود.

([14]) رواه النسائي.

([15]) رواه أبو داود.

([16]) متفق عليه.

([17]) رواه البخاري.

([18]) الجامع لأحكام القرآن (14/243).

([19]) المرجع نفسه.

([20]) رواه البخاري.

([21]) رواه الترمذي وابن حابن.

([22]) الفتاوى (15/297).

([23]) حراسة الفضيلة.

([24]) حراسة الفضيلة (89).

([25]) توجيهات للمؤمنات لابن عثيمين (18).

([26]) أحكام النساء لابن الجوزي (104).

([27]) المنتفى من فتاوى الشيخ الفوزان (3/67).

([28]) فتاوى المرأة المسلمة (1/349).

([29]) النخبة من الفتاوى النسائي (23).

([30]) فتاوى المرأة المسلمة (1/471).

([31]) النخبة من الفتاوى النسائية (44).