×
كتاب نافع يحتوي على تعريف موجز بالإسلام يُبيِّن أهم أصوله وتعاليمه ومحاسنه مستمدة من مصادره الأصلية، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية. والرسالة مُوجَّهة لجميع المُكلَّفين من المسلمين وغير المسلمين بلغاتهم في كل زمان ومكان باختلاف الظروف والأحوال. والرسالة تم مراجعتها من قبل مجموعة من العلماء والدعاة، وستتم - إن شاء الله - ترجمتها ونشرها بجميع لغات العالم، وإتاحتها وتسهيل تداولها بجميع الصيغ والوسائل الممكنة، وسيكون بإذن الله الأصل العربي للرسالة وترجماتها تحت التطوير المستمر.

الإسلام

نبذة موجزة عن الإسلام

كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية

(نسخة مشتملة على الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية)

1- الإسلام هو رسالة الله إلى الناس جميعاً فهو الرسالة الإلهية الخالدة خاتمة الرسالات الربان

الإسلام هو رسالة الله إلى الناس جميعًا قال تعالى: ﴿وَمَا أَرسَلنَٰكَ إِلَّا كَافَّة لِّلنَّاسِ بَشِيرا وَنَذِيرا وَلَٰكِنَّ أَكثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعلَمُونَ﴾ [سبأ:28]. وقال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف:158]. وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء:170].

الإسلام هو الرسالة الإلهية الخالدة وهو خاتمة الرسالات الربانية قال الله تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب:40].

2- والإسلام ليس ديناً خاصاً بجنس أو قوم بل هو دين الله للناس كلهم:

والإسلام ليس دينًا خاصًا بجنس أو قوم بل هو دين الله للناس كلهم وأول أمر في القرآن العظيم هو قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:21]. وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء:1]. وعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قال الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات:13]» رواه الترمذي (3270). ولا تجد في أوامر القرآن العظيم أو أوامر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- تشريعاً يخص قوماً أو طائفة مراعاة لعرقهم أو قوميتهم أو جنسهم.

3- الإسلام هو الرسالة الإلهية التي جاءت مكملة لرسالات الأنبياء والمرسلين السابقين عليهم الصلاة والسلام إلى أممهم.

الإسلام هو الرسالة الإلهية التي جاءت مكملة لرسالات الأنبياء والمرسلين السابقين عليهم الصلاة والسلام إلى أممهم قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء:163]. وهذا الدين الذي أوحاه الله إلى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الدين الذي شرعه اللهُ للأنبياء السابقين وأوصاهم به قال الله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ [الشورى:13]. وهذا الذي أوحاه الله إلى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- هو تصديق لما سبقه من الكتب الإلهية كالتوراة والإنجيل قبل تحريفهما قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [فاطر:31].

4- الأنبياء -عليهم السلام- دينهم واحد وشرائعهم مختلفة:

دين الأنبياء -عليهم السلام- واحد لكن شرائعهم مختلفة قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [المائدة:48]. وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ» رواه البخاري (3443).

5- الإسلام يدعو -كما دعا كلُ الأنبياء: نوح وإبراهيم وموسى وسليمان وداود وعيسى -عليهم السلام- إلى الإيمان بأن الرب هو الله الخالق الرازق المحيي المميت مالك الملك وهو الذي يدبر الأمر وهو الرؤوف الرحيم.

الإسلام يدعو -كما دعا كلُ الأنبياء: نوح وإبراهيم وموسى وسليمان وداود وعيسى عليهم السلام- إلى الإيمان بأن الرَّب هو الله الخالق الرازق المحيي المميت مالك الملك وهو الذي يدبر الأمر وهو الرؤوف الرحيم قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر:3]. وقال الله تعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس:31]. وقال الله تعالى: ﴿أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [النمل:64].

وكل الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- بُعثوا بالدعوة إلى عبادة الله وحده قال الله تعالى: ﴿وَلَقَد بَعَثنَا فِي كُلِّ أُمَّة رَّسُولًا أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجتَنِبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ فَمِنهُم مَّن هَدَى ٱللَّهُ وَمِنهُم مَّن حَقَّت عَلَيهِ ٱلضَّلَٰلَةُ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرضِ فَٱنظُرُواْ كَيفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلمُكَذِّبِينَ﴾ [النحل:36]. وقال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25]. فأخبر الله عن نوح -عليه السلام- أنه قال: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف:59]. وقال الخليل إبراهيم -عليه السلام- كما أخبر الله عنه أنه قال: ﴿وَإِبرَٰهِيمَ إِذ قَالَ لِقَومِهِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ ذَٰلِكُم خَير لَّكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ﴾ [العنكبوت:16]. وقال صالح -عليه السلام- -كما أخبر الله عنه-: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأعراف:73]. وقال شعيب -عليه السلام- -كما أخبر الله عنه-: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف:85].

وأول ما كلَّم اللهُ موسى -عليه السلام- قال له سبحانه: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)[طه:13-14]. وقال الله مخبراً عن موسى -عليه السلام- أنه استعاذ بالله فقال: ﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [غافر:27]. وقال الله مخبراً عن المسيح -عليه السلام- أنه قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ [آل عمران:51]. وقال الله عَزَّ وجَلَّ مخبراً عن المسيح -عليه السلام- -أيضاً- أنه قال: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة:72].

بل حتى التوراة والإنجيل جاء فيهما التوكيد على عبادة الله وحده فقد وورد في سفر التثنية قول موسى -عليه السلام-: (اسمع يا إسرائيل الرَّب إلهنا رب واحد) وجاء التوكيد على التوحيد في إنجيل مرقص حيث قال المسيح -عليه السلام-: (إن أول الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل الرَّب إلهنا رب واحد) .

وبين الله عَزَّ وجَلَّ أنَّ كل الأنبياء بُعثوا بهذه المهمة العظيمة وهي الدعوة إلى التوحيد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ [النحل:36]. وقال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأحقاف:4] قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: (فعلم أنَّ جدال المشركين في شركهم غير مستندين فيه على برهان ولا دليل، وإنما اعتمدوا على ظنون كاذبة، وآراء كاسدة؛ وعقول فاسدة يدلك على فسادها استقراء أحوالهم وتتبع علومهم وأعمالهم والنظر في حال من أفنوا أعمارهم بعبادته هل أفادهم (أي هذه المعبودات من دون الله) شيئاً في الدنيا أو في الآخرة؟) تيسير الكريم المنان: 779.

6- الله -سبحانه وتعالى- هو الخالق وهو المستحق للعبادة وحده وألا يُعبد معه أحد غيره.

الله هو الذي يستحق أن يُعبد وحده وألا يُعبد معه أحد غيره قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (22)[البقرة:21-22]. فالذي خلقنا وخلق الأجيال التي قبلنا وجعل الأرض فراشاً لنا وأنزل علينا من السماء ماءً فأخرج لنا به من الثمرات رزقاً لنا؛ هو المستحق للعبادة وحده وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر:3].

فالذي يخلق ويرزق هو المستحق للعبادة وحده وقال الله تعالى: ﴿ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الأنعام:102].

وكل ما عُبد من دون الله فلا يستحق العبادة، لأنه لا يملك مثقال ذرَّة في السموات ولا في الأرض وليس شريكاً لله في شيء ولا معيناً ولا ظهيراً لله فكيف يُدعى مع الله أو يجعل شريكاً له، قال الله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ﴾ [سبأ:22].

والله -سبحانه وتعالى- هو الذي خلق هذه المخلوقات وأوجدها من عدم ووجودها دال على وجوده وربوبيته وألوهيته قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم:20 - 27].

وأنكر النمرود وجود ربه فقال له إبراهيم -عليه السلام- كما أخبر الله عنه: ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة:258]. وكذلك استدل إبراهيم -عليه السلام- على قومه بأن الله هو الذي هداه وأطعمه وسقاه وإذا مَرِض شفاه وهو الذي يميته ويحييه فقال كما أخبر الله عنه: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)[الشعراء:78 -81] وقال الله مخبراً عن موسى -عليه السلام- أنه حاج فرعون قائلاً له: إن ربه هو: ﴿الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ﴾ [طه:50 ].

وسخَّر الله جميع ما في السموات والأرض للإنسان وأحاطه بالنعم؛ ليعبد الله ولا يكفره قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾ [لقمان:20]. وكما سخَّر الله للإنسان كل ما في السموات والأرض فقد خلقه وأعدّه بكل ما يحتاج إليه من سَمْعٍ وبصرٍ وفؤادٍ ليتعلم العلم الذي ينفعه ويدله على مولاه وخالقه قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:78].

فالله -سبحانه وتعالى- قد خلق جميع هذه العوالم وخلق الإنسان وأعده بكل ما يحتاج إليه من أعضاء وقوى ثم أمدّه بكل ما يعينه على القيام بعبادة الله وعمارة الأرض ثم سخَّر له كل ما في السموات والأرض .

واحتجَّ الله بخلقه لهذه المخلوقات العظيمة على ربوبيته المستلزمة لألوهيته فقال -سبحانه وتعالى-: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس:31]. وقال الحق سبحانه: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأحقاف:4]. وقال الله تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ. هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [لقمان:10 11]. وقال الحق سبحانه: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)[الطور:35 37 ].

قال الشيخ السعدي: (وهذا استدلال عليهم بأمر لا يمكنهم فيه إلا التسليم للحق أو الخروج عن موجب العقل والدين) تفسير ابن سعدي: 816.

7- الله هو الخالق لكل ما في الكون مما نراه ومما لا نراه وكل ما سواه مخلوق من مخلوقاته وخَلَقَ الله السماوات والأرض في ستة أيام.

الله سبحانه هو الخالق لكل ما في الكون مما نراه ومما لا نراه وكل ما سواه مخلوق من مخلوقاته قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرعد:16]. وقال الله تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:8].

وخَلَقَ الله السموات والأرض في ستة أيام قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد:4]. وقال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ﴾ [ق:38].

8- والله -سبحانه وتعالى- ليس له شريك في ملكه أو خلقه أو تدبيره أو عبادته.

والله -سبحانه وتعالى- هو مالك الملك لا شريك له في خلقه أو ملكه أو تدبيره قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأحقاف:4]. قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: (أي: ﴿قُلْ﴾ لهؤلاء الذين أشركوا بالله أوثاناً وأنداداً لا تملك نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً قل لهم -مبيناً عجز أوثانهم وأنها لا تستحق شيئاً من العبادة: ﴿أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ هل خَلَقوا من أجرام السماوات والأرض شيئا؟ هل خَلَقوا جبالاً؟ هل أجروا أنهاراً؟ هل نشروا حيواناً؟ هل أنبتوا أشجاراً؟ هل كان منهم معاونة على خلق شيء من ذلك؟ لا شيء من ذلك بإقرارهم على أنفسهم فضلاً عن غيرهم فهذا دليل عقلي قاطع على أن كل من سوى الله فعبادته باطلة.

ثم ذكر انتفاء الدليل النقلي فقال: ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا﴾ الكتاب يدعو إلى الشرك ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ﴾ موروث عن الرسل يأمر بذلك. من المعلوم أنهم عاجزون أن يأتوا عن أحد من الرسل بدليل يدل على ذلك بل نجزم ونتيقن أن جميع الرسل دعوا إلى توحيد ربهم ونهوا عن الشرك به وهي أعظم ما يؤثر عنهم من العلم) تفسير ابن سعدي: 779.

والله -سبحانه وتعالى- هو مالك الملك ليس له شريك في ملكه قال الله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران:26]. وقال الله تعالى مبيناً أن الملك التام له يوم القيامة: ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر:16].

والله -سبحانه وتعالى- ليس له شريك في ملكه أو خلقه أو تدبيره أو عبادته قال الله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء:111]. وقال الله تعالى: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان:2]. فهو المالك وما سواه مملوك له سبحانه وهو الخالق وما سواه مخلوق له وهو الذي يدبر الأمر ومن كان هذا شأنه فتجب عبادته وعبادة غيره نقص في العقل وشرك مُفسد للدنيا والآخرة قال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة:135]. وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء:125]. وبيَّن الحق سبحانه أن من اتبع غير ملة إبراهيم الخليل -عليه السلام- فقد سفه نفسه قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [البقرة:130].

9- والله سبحانه لم يلد ولم يولد وليس له كفواً ولا مثيلاً.

والله سبحانه لم يلد ولم يولد وليس له كفواً ولا مثيلاً قال الحق -سبحانه وتعالى-: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)[الإخلاص:1-4]. وقال الله تعالى: ﴿رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم:65]. وقال الحق جل شأنه: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11].

10- والله -سبحانه وتعالى- لا يحل في شيء ولا يتجسد في شيء من خلقه:

والله -سبحانه وتعالى- لا يحل في شيء ولا يتجسد في شيء من خلقه ولا يتحد مع شيء؛ ذلك لأن الله هو الخالق وما سواه مخلوق وهو الباقي وما سواه مآله إلى الفناء وكل شيء فهو ملكه وهو مالكه فلا يحل الله في شيء من خلقه ولا يحل شيء من خلقه في ذاته سبحانه والله -سبحانه وتعالى- أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء قال الله تعالى منكراً على من زعم أن الله قد حَلَّ في المسيح: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة:17]. وقال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (117)[البقرة:115-117]. وقال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا (93) لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)[مريم:88-95]. وقال تعالى: ﴿ٱللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلحَيُّ ٱلقَيُّومُ لَا تَأخُذُهُۥ سِنَة وَلَا نَوم لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشفَعُ عِندَهُۥ إِلَّا بِإِذنِهِۦ يَعلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِم وَمَا خَلفَهُم وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيء مِّن عِلمِهِۦ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضَ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفظُهُمَا وَهُوَ ٱلعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ﴾ [البقرة:255]. فمن هذا شأنه وهذا شأن خلقه فكيف يُحلّ في أحد منهم؟ أو يتخذه له ولداً؟ أو يجعله معه إلهاً؟

11- الله -سبحانه وتعالى- رؤوف رحيم بعباده لذا أرسل الرسل وأنزل الكتب.

والله -سبحانه وتعالى- هو الرؤوف الرحيم بعباده فمن رحمته بعباده أن أرسل إليهم الرسل وأنزل إليهم الكتب؛ ليخرجهم من ظلمات الكفر والشرك إلى نور التوحيد والهدى قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحديد:9].

وقال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرسَلنَٰكَ إِلَّا رَحمَة لِّلعَٰلَمِينَ﴾ [الأنبياء:107]. وأمر الله نبيَّه بأن يخبر العباد بأنه هو الغفور الرحيم فقال الله تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الحجر:49]. ومن رأفته ورحمته فهو يكشف الضُّرَ ويُنزل الخير على عباده قال الله تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس:107].

12- الله هو الرب الرحيم هو وحده الذي سيحاسب الخلائق يوم القيامة حينما يبعثهم جميعاً من قبورهم فيجزي كل شخص بما عمل من خير أو شر فمن عمل الصالحات وهو مؤمن فله النعيم المقيم ومن كفر وعمل السيئات فله العذاب العظيم في الآخرة.

الله هو الرَّب الرحيم هو وحده الذي سيحاسب الخلائق يوم القيامة حينما يبعثهم جميعاً من قبورهم فيجزي كل شخص بما عمل من خير أو شر فمن عمل الصالحات وهو مؤمن فله النعيم المقيم ومن كفر وعمل السيئات فله العذاب العظيم يوم القيامة فمن تمام عَدْل الله -سبحانه وتعالى- وحكمته ورحمته بخلقه أن جعل هذه الدنيا دار العمل وجعل داراً ثانية يكون بها الجزاء والحساب والثواب؛ حتى ينال المحسن ثواب إحسانه وينال المسيء والظالم والباغي عقوبة بغيه وظلمه؛ ولأن هذا الأمر قد تستبعده بعض النفوس فقد نَصَب الله الأدلة الكثيرة الدالة على أن البعث حق لا مرية فيه قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت:39]. وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج:5]. فذكر الحق في هذه الآية ثلاثة أدلة عقلية دالة على البعث وهي:

1- أن الإنسان خَلقه الله أول مرة مِنْ تراب ومَنْ خلقه من تراب فهو قادر على أن يعيده إلى الحياة حينما يكون تراباً.

2- أن من خَلق من النطفة بشراً قادر على أن يعيد الإنسان إلى الحياة بعد موته.

3- أن من أحيا الأرض بالمطر بعد موتها قادر على إحياء الناس بعد موتهم وفي هذه الآية دليل عظيم على إعجاز القرآن فكيف جمعت هذه الآية –وهي ليست طويلة- ثلاثة براهين عقلية باهرة على مسألة عظيمة.

وقال الله تعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء:104]. وقال الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس:78]. وقال الله تعالى: ﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32)[النازعات:27-32]. فبيَّن الحق أن خَلْق الإنسان ليس بأشد من خَلْق السماء والأرض وما فيهما فالقادر على خَلْق السموات والأرض ليس بعاجز عن أن يعيد الإنسان مرة ثانية.

13- الله -سبحانه وتعالى- خلق آدم من تراب وجعل ذريته تتكاثر من بعده فالناس كلهم في أصلهم سواسية ولا فضل لجنس على جنس ولا لقوم على قوم إلا بالتقوى.

الله -سبحانه وتعالى- خَلَق آدم من تراب وجعل ذريته تتكاثر من بعده فالناس كلهم في أصلهم سواسية ولا فضل لجنس على جنس ولا لقوم على قوم إلا بالتقوى قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات:13] وقال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [فاطر:11]. وقال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [غافر:67]. وقال الله تعالى مبيناً أنه خَلَق المسيح بالأمر الكوني كما خَلَق آدم من تراب بالأمر الكوني قال الله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [آل عمران:59]. وسبق أن ذكرت في الفقرة رقم (2) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أن الناس سواسية ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.

14- وكل مولود يولد على الفطرة.

وكل مولود يولد على الفطرة قال الله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم:30]. والحنيفية هي ملة إبراهيم الخليل -عليه السلام- قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل:123]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَالَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم:30] صحيح البخاري 4775، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا » رواه مسلم 2865.

15- وليس أحد من البشر يولد مخطئاً أو وارثاً لخطيئة غيره.

ليس أحد من البشر يولد مخطئاً أو وارثاً لخطيئة غيره وأخبرنا الله تعالى أن آدم -عليه السلام- لما خالف الأمر الإلهي وأكل هو وزوجه حواء من الشجرة أنه ندم وتاب وسأل الله المغفرة فألهمه الله أن يقول كلمات طيبات فقالها فتاب الله عليهما قال الله تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)[البقرة:35-38]. وحيث تاب الله على آدم -عليه السلام- فلم يعد حاملاً للخطيئة ومن ثم فإن ذريته لا ترث خطيئة قد زالت بالتوبة والأصل أن المرء لا يحمل وزْر غيره قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [الأنعام:164].

وقال الله تعالى: ﴿مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء:15]. وقال الله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [فاطر:18].

16- والغاية من خلق الناس هي: عبادة الله وحده:

والغاية من خلق الناس هي: عبادة الله وحده قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56].

17- الإسلام كَرَّم الإنسان –رجالاً ونساءً- وكفل له كامل حقوقه وجعله مسؤولاً عن سائر اختياراته وأعماله وتصرفاته ويحمّله مسؤولية أي عمل يضر بنفسه أو يضر بالآخرين.

الإسلام كرَّم الإنسان –رجالاً ونساءً- فالله تعالى خلق الإنسان ليكون خليفة في الأرض قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة:30].

وهذا التكريم شامل لكل بني آدم قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء:70]. وقال الله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين:4].

ونهى اللهُ الإنسانَ أن يجعل من نفسه تابعاً ذليلاً لمعبود أو متبوع أو مطاع من دون الله قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ. إِذ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلعَذَابَ وَتَقَطَّعَت بِهِمُ ٱلأَسبَابُ﴾ [البقرة:165 - 166]. وقال الله تعالى مبيناً حال الأتباع والمتبوعين بالباطل يوم القيامة: ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)[سبأ:32-33].

ومن تمام عَدْل الله -سبحانه وتعالى- يوم القيامة أن يُحمّل الدعاةَ والأئمةَ المضلين أوزارَهم وأوزارَ الذين يضلونهم بغير علم قال الله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل:25].

وكفل الإسلامُ للإنسان كاملَ حقوقه في الدينا والآخرة وأعظم الحقوق التي كفلها الإسلام وبيَّنها للناس: حق الله على الناس وحق الناس على الله فعَنْ مُعَاذٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ ثَلاَثًا: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ» قُلْتُ: لاَ قَالَ: «حَقُّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» ثُمَّ سَارَ سَاعَةً فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ: أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ » صحيح البخاري(6840).

وكفل الإسلامُ للإنسان دينَه الحق وذريَّته وماله وعِرْضه قال -صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» صحيح البخاري . (6501)وقد أعلن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا الميثاق العظيم في حجة الوداع التي حضرها أكثر من مائة ألف من الصحابة وكرر هذا المعنى وأكد عليه في يوم النحر في حجة الوداع.

والإسلامُ جعل الإنسانَ مسؤولاً عن سائر اختياراته وأعماله وتصرفاته قال الله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء:13]. أي ما عمل من خير أوشر يجعله الله ملازماً له لا يتعداه إلى غيره فلا يحاسب بعمل غيره ولا يحاسب غيره بعمله وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق:6]. وقال تعالى: ﴿مَّن عَمِلَ صَٰلِحا فَلِنَفسِهِۦ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰم لِّلعَبِيدِ﴾ [فصلت:46]

والإسلامُ يحمّل الإنسانَ مسؤولية أي عمل يضر بنفسه أو يضر بالآخرين قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء:111]. وقال الله تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة:32]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» صحيح مسلم (5150).

18- الإسلام جعل الرجل والمرأة سواء من حيث العمل والمسؤولية والجزاء والثواب.

الإسلامُ جعل الرجالَ والنساء سواء من حيث العمل والمسؤولية والجزاء والثواب قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء:124]. وقال الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97]. وقال الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [غافر:40]. وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:35].

19- كَرَّم الإسلام المرأة واعتبر النساء شقائق الرجال وألزم الرجل بالنفقة إذا كان قادراً فتجب نفقة البنت على أبيها والأم على ولدها إذا كان بالغاً قادراً والزوجة على زوجها.

واعتبر الإسلامُ النساءَ شقائق الرجال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن النساء شقائق الرجال» رواه الترمذي 113.

ومن تكريم الإسلام للمرأة أن وأوجب الإسلامُ نفقةَ الأم على ولدها إذا كان قادراً قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» رواه الإمام أحمد وسيأتي بيان مكانة الوالدين بإذن الله في الفقرة رقم (29).

ومن تكريم الإسلامُ للمرأةِ أن ألزم الزوج بالنفقة على زوجته إذا كان قادراً قال الله تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق:7]. وسَأَلَ النبيَ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ: مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ قَالَ: «تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ» رواه الإمام أحمد، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مبيناً بعض حقوق النساء على الأزواج: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» صحيح مسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» رواه الإمام أحمد وقال الخطابي: (قوله: "من يقوت" يريد من يلزمه قوته والمعنى كأنه قال للمتصدق: لا تتصدق بما لا فضل فيه عن قوت أهلك تطلب به الأجر؛ فينقلب ذلك إثماً إذا أنت ضيعتهم).

ومن تكريم الإسلامُ للمرأةِ أن أوجب نفقة البنت على أبيها قال الله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة:233]. فبيَّن الله أن على الأب الذي يولد له ولد إطعام ولده وكسوته بالمعروف وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [الطلاق:6]. فأوجب الله أُجرة رضاع الولد على الأب؛ فدلَّ على أن نفقة الولد على الوالد والولد يشمل الذكر والأنثى وفي الحديث التالي دلالة على وجوب نفقة الزوجة وأولادها على الأب فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ هِنْدًا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ قَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رواه البخاري وبيَّن النبي الكريم فضْل النفقة على البنات والأخوات فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ حَتَّى يَبِنَّ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ. وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى» السلسلة الصحيحة 296.

20- والموت ليس هو الفناء الأبدي بل هو الانتقال من دار العمل إلى دار الجزاء والموت يتناول الجسد والروح وموت الروح مفارقتها للبدن ثم تعود إليه بعد البعث يوم القيامة ولا تنتقل الروح بعد الموت إلى جسد آخر ولا تستنسخ في جسد آخر.

الموتُ ليس هو الفناء الأبدي قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة:11]. والموت يتناول الجسد والروح وموت الروح مفارقتها للبدن ثم تعود إليه بعد البعث يوم القيامة قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الزمر:42]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» رواه مسلم 920 ، وبعد الموت ينتقل الإنسان من دار العمل إلى دار الجزاء قال الله تعالى: ﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [يونس:4].

ولا تنتقل الروح بعد الموت إلى جسد آخر ولا تستنسخ فدعوى الاستنساخ لا يدل عليها العقل ولا الحس ولا يوجد أي نقل يشهد لهذه العقيدة عن الأنبياء عليهم السلام.

21- الإسلام يدعو إلى الإيمان بأصول الإيمان الكبرى وهي الإيمان بالله وملائكته والإيمان بالكتب الإلهية كالتوراة والإنجيل والزبور -قبل تحريفها- والقرآن والإيمان بِجميع الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- وأن يؤمن بخاتمهم وهو محمد رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين والإيمان باليوم الآخر ونعلم أن الحياة الدنيا لو كانت هي النهاية؛ لكانت الحياة والوجود عبثاً خالصاً والإيمان بالقضاء والقدر.

الإسلام يدعو إلى الإيمان بأصول الإيمان الكبرى التي دعا إليها جميعُ الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- وهي:

الأول: الإيمان بالله رباً وخالقاً ورازقاً ومدبراً لهذا الكون وأنه هو وحده المستحق للعبادة وأن عبادة كل ما سواه فهي باطلة وكل معبود غيره فهو باطل فلا تليق العبادة إلا له ولا تصح العبادة إلا له. وقد سبق بيان أدلة هذه المسألة الفقرة رقم (8).

وذكر الله -سبحانه وتعالى- هذه الأصول الكبرى في آيات كثيرة متفرقة في القرآن العظيم منها قوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة:285]. وقال الله تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة:177]. ودعا الله تعالى إلى الإيمان بهذه الأصول وبيَّن أن من يكفر بها فقد ضل ضلالاً بعيداً قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء:136]. وفي الحديث عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» صحيح مسلم 8. ففي هذا الحديث جاء جبريل -عليه السلام- إلى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وسأله عن مراتب الدين وهي: الإسلام والإيمان والإحسان فأجابه الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم أخبر الرسولُ محمد -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه -رضي الله عنهم- أن هذا جبريل -عليه السلام- أتاهم يعلمهم دينهم. فهذا هو الإسلام رسالة إلهية نقلها جبريل -عليه السلام- وبلَّغها للناس الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وحفظها أصحابه -رضي الله عنهم- وبلَّغوها للناس من بعده.

الثاني: الإيمان بالملائكة وهم عالم غيبي خلقهم الله وجعلهم على هيئة معينة وكلفهم بأعمال عظيمة ومن أجلّ أعمالهم إبلاغ الرسالات الإلهية للرسل والأنبياء -عليهم السلام- وأَجَلُّ الملائكة جبريل -عليه السلام- ومما يدل على نزول جبريل -عليه السلام- بالوحي إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام قوله تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل:2]. وقال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)[الشعراء:192-196].

الثالث: الإيمان بالكتب الإلهية كالتوراة والإنجيل والزبور -قبل تحريفها- والقرآن قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء:136]. وقال الله تعالى: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (4)[آل عمران:3-4]. وقال الله تعالى: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلمُؤمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَد مِّن رُّسُلِهِۦ وَقَالُواْ سَمِعنَا وَأَطَعنَا غُفرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيكَ ٱلمَصِيرُ﴾ [البقرة:285]. وقال تعالى: ﴿قُل ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَينَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبرَٰهِيمَ وَإِسمَٰعِيلَ وَإِسحَٰقَ وَيَعقُوبَ وَٱلأَسبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِم لَا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَد مِّنهُم وَنَحنُ لَهُۥ مُسلِمُونَﱞ﴾ [آل عمران:84]

الرابع: الإيمان بِجميع الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- فيجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- والاعتقاد بأنهم كلهم رسل من عند الله يُبلِّغون أممهم رسالات الله ودينه وشرعه قال الله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة:136]. وقال الله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة:285]. وقال الله تعالى: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:84].

وأن يؤمن بخاتمهم وهو محمد رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام قال تعالى: ﴿إِذ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّـينَ لَمَا ءَاتَيتُكُم مِّن كِتَٰب وَحِكمَة ثُمَّ جَاءَكُم رَسُول مُّصَدِّق لِّمَا مَعَكُم لَتُؤمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥ قَالَ ءَأَقرَرتُم وَأَخَذتُم عَلَىٰ ذَٰلِكُم إِصرِي قَالُواْ أَقرَرنَا قَالَ فَٱشهَدُواْ وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ﴾ [آل عمران:81]

فالإسلام يوجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين عموماً ويوجب الإيمان بخاتمهم وهو الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [المائدة:68]. وقال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:64].

ومن كفر بنبي واحد فقد كفر بجميع الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام- ولذا قال الله مخبراً عن حكمه على قوم نوح -عليه السلام-: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء:105]. ومعلوم أن نوحاً -عليه السلام- لم يسبقه رسول ومع ذلك فلمَّا كذَّبه قومه كان هذا التكذيب منهم له تكذيباً لجميع الأنبياء والمرسلين؛ لأن دعوتهم واحدة وغايتهم واحدة.

الخامس: الإيمان باليوم الآخر وهو يوم القيامة وفي آخر هذه الحياة الدنيا يأمر الله الملَك إسرافيل -عليه السلام- فينفخ نفخة الصعق فيصعق ويموت كل من شاء الله قال الله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر:68]. وإذا هلك كل من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله فإن الله يطوي السموات والأرض كما في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء:104]. وقال الله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ -سبحانه وتعالى-ٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر:67]. وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَطْوِي اللهُ -عز وجل- السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ. ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟» رواه مسلم.

ثم يأمر الله الملك فينفخ فيه مرة أخرى فإذا هم قيام ينظرون قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر:68]. فإذا بعث الله الخلق حشرهم للحساب قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ [ق:44]. وقال الله تعالى: ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر:16]. وفي هذا اليوم يحاسب الله الناس كلهم ويقتص لكل مظلوم من ظالمه ويجازى كل إنسان بما عمل قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [غافر:17]. وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء:40]. وقال الله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)[الزلزلة:7 - 8]. وقال الله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء:47].

وبعد البعث والحساب يكون الجزاء فمن عمل خيراً فله النعيم الدائم الذي لا يزول ومن عمل شراً وكفراً فله العذاب قال الله تعالى: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (57)[الحج:56-57]. ونعلم أن الحياة الدنيا لو كانت هي النهاية؛ لكانت الحياة والوجود عبثاً خالصاً قال الله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون:115].

السادس: الإيمان بالقضاء والقدر وهو أنه يجب الإيمان بأن الله قد عَلِم كل ما كان وما يكون وما سيكون في هذا الكون وأن الله قد كتب كل ذلك قبل خلق السموات والأرض قال الله تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [الأنعام:59]. وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق:12]. وأنه لا يقع في هذا الكون من أمْر إلا وقد أراده الله وشاءه وخَلَقه ويسَّر أسبابه قال الله تعالى: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان:2]. وله في ذلك الحكمة البالغة التي لا يحيط بها الناس قال الله تعالى: ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ [القمر:5]. وقال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الروم:27].

ووصف الله تعالى نفسه بالحكمة وسمَّى نفسه بالحكيم قال الله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:18]. وقال الله تعالى مخبراً عن عيسى -عليه السلام- أنه يخاطب الله يوم القيامة قائلاً: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة:118]. وقال الله تعالى لموسى -عليه السلام- لما ناداه وهو بجانب الطور: ﴿يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النمل:9].

ووصف القرآن العظيم بالحكمة فقال الله تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود:1]. وقال الله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا﴾ [الإسراء:39].

22- والأنبياء معصومون -عليهم السلام- فيما يبلغونه عن الله ومعصومون من كل ما يخالف العقل أو يرفضه الخُلق السليم والأنبياء هم المكلفون بتبليغ أوامر الله لعباده والأنبياء ليس لهم شيء من خصائص الربوبية أو الألوهية؛ بل هم بشر كسائر البشر يوحي الله تعالى إليهم برسالاته.

والأنبياء معصومون -عليهم السلام- فيما يبلغونه عن الله؛ لأن الله يصطفي خيار خَلْقه ليبلغوا رسالاته قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج:75]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱصطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحا وَءَالَ إِبرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمرَٰنَ عَلَى ٱلعَٰلَمِينَ﴾ [آل عمران:33]. وقال تعالى: ﴿قَالَ يَٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصطَفَيتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي وَبِكَلَٰمِي فَخُذ مَا ءَاتَيتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ﴾ [الأعراف:144]. والرسل عليهم الصلاة والسلام يعلمون أن ما يتنزل عليهم هو الوحي الإلهي ويشاهدون الملائكة تتنزل بالوحي قال الله تعالى: ﴿عالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)[الجن:26-28]. وأمرهم الله بتبليغ رسالاته قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة:67]. وقال تعالى: ﴿رُّسُلا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُ بَعدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيما﴾ [النساء:165].

والرسلُ عليهم الصلاة والسلام يخشون الله أشد الخشية ويخافونه فلا يزيدون في رسالاته ولا ينقصون منها قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)[الحاقة:44-47]. قال ابن كثير رحمة الله: (يقول تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا﴾ أي: محمد -صلى الله عليه وسلم- لو كان كما يزعمون مفتريا علينا فزاد في الرسالة أو نقص منها أو قال شيئاً من عنده فنسبه إلينا-وليس كذلك- لعاجلناه بالعقوبة ولهذا قال: ﴿لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ قيل: معناه لانتقمنا منه باليمين؛ لأنها أشد في البطش وقيل: لأخذنا منه بيمينه . وقال تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبنَ مَريَمَ ءَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَينِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلتُهُۥ فَقَد عَلِمتَهُۥ تَعلَمُ مَا فِي نَفسِي وَلَا أَعلَمُ مَا فِي نَفسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلغُيُوبِ . مَا قُلتُ لَهُم إِلَّا مَا أَمَرتَنِي بِهِۦ أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيدا مَّا دُمتُ فِيهِم فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيء شَهِيدٌ﴾ [المائدة:116-117].

ومن فضل الله على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام أن الله يثبتهم في تبليغهم لرسالاته قال الله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود 54-56]. وقال الله تعالى: ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)[الإسراء:73-75]. وهذه الآيات والتي قبلها شاهدة ودليل على أن القرآن تنزيل رب العالمين؛ لأنه لو كان من عند الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- لما ضَمَّنه مثل هذا الكلام الموجه إليه.

واللهُ -سبحانه وتعالى- يعصم رُسُلَه من الناس قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة:67]. وقال الله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ﴾ [يونس:71]. وقال الله تعالى مخبراً عن قول موسى -عليه السلام-: ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفرُطَ عَلَينَا أَو أَن يَطغَىٰ - قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسمَعُ وَأَرَىٰ﴾ [طه:45-46]. فبيَّن الله تعالى أنه حافظ رُسُله -عليهم السلام- من أعدائهم فلا يصلون إليهم بسوء وأخبر الحق -سبحانه وتعالى- أنه يحفظ وحيه فلا يُزاد فيه ولا يُنْقَص منه قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9].

والأنبياءُ -عليهم السلام- معصومون من كل ما يخالف العقل أو الُخلُق؛ قال تعالى مزكياً نبيه محمداً ': ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:4]. وقال عنه أيضاً: ﴿وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجنُون﴾ [التكوير:22]؛ وذلك حتى يقوموا بأداء الرسالة خير قيام والأنبياء -عليهم السلام- هم المكلفون بتبليغ أوامر الله لعباده ليس لهم شيء من خصائص الربوبية أو الألوهية بل هم بشر كسائر البشر يوحي الله إليهم برسالاته قال الله تعالى: ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [إبراهيم:11]. وقال الله تعالى آمراً رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لقومه: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:110].

23- والإسلام يدعو إلى عبادة الله وحده بأصول العبادات الكبرى وهي: الصلاة التي هي قيام وركوع وسجود وذِكْر لله وثناء عليه ودعاء، يُصلِّيها المرء كل يوم خمس مرات، وتزول فيها الفوارق فالغني والفقير والرئيس والمرؤوس في صف واحد في الصلاة، والزكاة وهي مقدار يسير من المال -وفق الشروط والمقادير التي قدرها الله- واجبة في مال الأغنياء تصرف للفقراء وغيرهم، مرة واحدة في العام، والصيام وهو: الإمساك عن المفطرات في نهار شهر رمضان، يُرَبِّي في النفس الإرادة والصبر، والحج وهو: قَصْدُ بيت الله في مكة المكرمة مرة في العمر على القادر المستطيع، وفي هذا الحج يتساوى الجميع في التوجه للخالق سبحانه، وتزول فيه الفروق والانتماءات.

الإسلام يدعو إلى عبادة الله بالعبادات الكبرى وبغيرها من العبادات وهذه العبادات العظيمة قد أوجبها الله على كل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأعظم العبادات هي:

أولًا: الصلاة فرضها الله على المسلمين كما فرضها على سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وأمر الله نبيه الخليل إبراهيم -عليه السلام- أن يطهر بيته للطائفين والمصلين الراكعين الساجدين قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة:125]. وأوجبها الله على موسى في أول نداء لموسى -عليه السلام- قال الله تعالى: ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)[طه:12-14]. وأخبر المسيح عيسى -عليه السلام- أن الله أمره بالصلاة والزكاة فقال كما أخبر الله تعالى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم:31]. والصلاة في الإسلام قيام وركوع وسجود وذكر لله وثناء عليه ودعاء يصليها المرء كل يوم خمس مرات قال الله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة:238]. وقال الله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء:78]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وجَلَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» صحيح مسلم.

ثانيًا: الزكاة فرضها الله على المسلمين كما فرضها الله على الأنبياء والمرسلين السابقين عليهم الصلاة والسلام وهي مقدار يسير من المال -وفق الشروط والمقادير التي قدرها الله- واجبة في مال الأغنياء تُعْطَى للفقراء وغيرهم مرة واحدة في العام قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة:103]. ولما أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذاً -رضي الله عنه- إلى اليمن قال له: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَادْعُهُمِ الَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ -عز وجل- افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ -عز وجل- افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ -عز وجل- حِجَابٌ» (رواه البخاري برقم 1496، ومسلم برقم 19)..

ثالثًا: الصيام فرضه الله تعالى على المسلمين كما فرضه الله تعالى على الأنبياء والمرسلين السابقين عليهم الصلاة والسلام قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183]. وهو: الإمساك عن المفطرات في نهار شهر رمضان والصيام يرَّبي في النفس الإرادة والصبر قال -صلى الله عليه وسلم-: «يَقُولُ اللَّهُ -عز وجل-: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ» صحيح البخاري 7492.

رابعًا: الحج فرضه الله على المسلمين كما فرضه الله على الأنبياء والمرسلين السابقين عليهم الصلاة والسلام وأمر الله نبيه إبراهيم الخليل -عليه السلام- أن ينادي بالحج قال الله تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج:27]. وأمره الله أن يُطَهِّر البيت العتيق للحجاج فقال الله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [الحج:26].

والحج هو: قَصْدُ بيت الله في مكة المكرمة لأعمال معلومة مرة في العمر على القادر المستطيع قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران:97]. وفي الحج يجتمع الحجاج المسلمون في مكان واحد مخلصين العبادة للخالق سبحانه وجميع الحجاج يؤدون مناسك الحج بطريقة متماثلة تزول فيها فوارق البيئة والثقافة والمستوى المعيشي.

24- ومن أعظم ما يميز العبادات في الإسلام أن كيفياتها ومواقيتها وشروطها شرعها الله -سبحانه وتعالى- وبلَّغَها رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولم يتدخل بها البشر زيادة ولا نقصاً إلى اليوم وكل هذه العبادات الكبرى دعا إليها جميع الأنبياء -عليهم السلام-.

ومن أعظم ما يميز العبادات في الإسلام أن كيفياتها ومواقيتها وشروطها شرعها الله -سبحانه وتعالى- وبَلَّغَها رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولم يتدخل بها البشر زيادة ولا نقصاً إلى اليوم قال تعالى: ﴿ٱليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسلَٰمَ دِينا﴾ [المائدة:3]. وقال الله تعالى: ﴿فَٱستَمسِك بِٱلَّذِي أُوحِيَ إِلَيكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰط مُّستَقِيم﴾ [الزخرف:43]. وقال الله تعالى عن الصلاة: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [النساء:103]. وقال تعالى عن مصارف الزكاة: ﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلفُقَرَاءِ وَٱلمَسَٰكِينِ وَٱلعَٰمِلِينَ عَلَيهَا وَٱلمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَة مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم﴾ [التوبة:60]. وقال تعالى في الصيام: ﴿شَهرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِي أُنزِلَ فِيهِ ٱلقُرءَانُ هُدى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰت مِّنَ ٱلهُدَىٰ وَٱلفُرقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهرَ فَليَصُمهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَو عَلَىٰ سَفَر فَعِدَّة مِّن أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱليُسرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلعُسرَ وَلِتُكمِلُواْ ٱلعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ﴾ [البقرة:185]. وقال تعالى عن الحج: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُر مَّعلُومَٰت فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلحَجِّ وَمَا تَفعَلُواْ مِن خَير يَعلَمهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰ وَٱتَّقُونِ يَـٰأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ﴾ [البقرة:197]. وكل هذه العبادات العظيمة دعا إليها جميع الأنبياء -عليهم السلام-.

25- رسول الإسلام هو محمد بن عبد الله من ذرية إسماعيل بن إبراهيم -عليهم السلام- وُلِد في مكة عام 571م وبُعِث بها وهاجر إلى المدينة ولم يشارك قومه في أمور الوثنية لكنه كان يشترك معهم في الأعمال الجليلة وكان على خُلُق عظيم قبل بعثته وكان قومه يسمونه الأمين وبعثه الله لما بلغ أربعين سنة وأيده الله بالآيات (المعجزات) العظيمة وأعظمها القرآن الكريم وهو أعظم آيات الأنبياء وهو الآية الباقية من آيات الأنبياء إلى اليوم، ولما أكمل الله له الدين وبلغه الرسول -صلى الله عليه وسلم- غاية البلاغ توفي وعمره ثلاث وستون سنة ودفن بالمدينة النبوية -صلى الله عليه وسلم-، والرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين بعثه الله بالهدى ودين الحق ليُخرج الناس من ظلمات الوثنية والكفر والجهل إلى نور التوحيد والإيمان وشهد الله له بأنه بعثه داعيًا إليه بإذنه.

رسول الإسلام هو محمد بن عبد الله من ذرية إسماعيل بن إبراهيم -عليه السلام- وُلِد في مكة عام 571م وبُعِث بها وهاجر إلى المدينة النبوية وكان قومه يسمونه الأمين ولم يشارك قومه في أمور الوثنية لكنه كان يشترك معهم في الأعمال الجليلة وكان على خُلُق عظيم قبل بعثته وصفه ربه بالخُلُق العظيم فقال الله تعالى عنه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:4]. وبعثه الله لما بلغ أربعين سنة وأيده الله بالآيات (المعجزات) العظيمة وأعظمها القرآن الكريم قال رسوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ» صحيح البخاري. والقرآن العظيم هو وحي الله إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال الله عنه: ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة:2]. وقال الله تعالى فيه: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:82]. وتحدَّى الله الجن والإنس على أن يأتوا بمثله قال الله تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء:88]. وتحداهم الله أن يأتوا بعشر سور من مثله قال الله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [هود:13]. بل تحداهم الله أن يأتوا بسورة واحدة من مثله قال الله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة:23].

والقرآن العظيم الآية الوحيدة الباقية من آيات الأنبياء إلى اليوم ولما أكمل الله للرسول -صلى الله عليه وسلم- الدينَ وبلَّغه غاية البلاغ تُوفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعمره ثلاث وستون سنة ودُفن بالمدينة النبوية -صلى الله عليه وسلم-.

والرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين قال الله تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب:40]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ» صحيح البخاري، وفي الإنجيل قال المسيح -عليه السلام- مبشراً بالرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-: (الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية أما قرأتم قط في الكتب: قال لهم يسوع من قِبَل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا). وفي سفر التوراة الموجودة اليوم ورد فيها قول الله لموسى -عليه السلام-: (أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به).

والرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بعثه الله بالهدى ودين الحق وشهد الله له بأنه على الحق وأنه بعثه داعيًا إليه بإذنه قال الله تعالى: ﴿لَّٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء:166]. وقال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح:28].

بعثه الله بالهدى ليخرج الناس من ظلمات الوثنية والكفر والجهل إلى نور التوحيد والإيمان قال الله تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة:16]. وقال الله تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [إبراهيم:1].

26- وشريعة الإسلام التي جاء بها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- هي خاتمة الرسالات الإلهية والشرائع الربانية وهي شريعة الكمال وفيها صلاح دين الناس ودنياهم وهي تحافظ بالدرجة الأولى على: أديان الناس ودمائهم وأموالهم وعقولهم وذرياتهم، وهي ناسخة لكل شريعة سابقة كما نسخت الشرائع السابقة بعضها بعضاً.

شريعة الإسلام التي جاء بها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- هي خاتمة الرسالات الإلهية والشرائع الربانية وأكمل الله بهذه الرسالة الدَّينَ وتمت النعمة على الناس ببعثة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة:3].

وشريعة الإسلام هي شريعة الكمال وفيها صلاح دين الناس ودنياهم؛ لأنها جمعت جميع ما في الشرائع السابقة وأكملتها وأتمتها قال الله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء:9]. ووضعت شريعة الإسلام عن الناس الآصار التي كانت في الأمم السابقة قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف:157].

وشريعة الإسلام ناسخة لكل شريعة سابقة قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [المائدة:48]. فالقرآن الكريم الذي تضَمَّن الشريعة جاء مُصدقاً لما سبقه من الكتب الإلهية وحاكماً عليها وناسخاً لها.

27- والله -سبحانه وتعالى- لا يقبل ديناً غير الإسلام الذي جاء به الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن يعتنق غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه.

لا يقبل الله -سبحانه وتعالى- بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- ديناً غير الإسلام الذي جاء به الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه. قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85]. وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران:19]. وهذا الإسلام هو ملة إبراهيم الخليل -عليه السلام- قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [البقرة:130]. وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء:125]. وأمر اللهُ الرسولَ محمداً -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام:161].

28- القرآن الكريم هو الكتاب الذي أوحاه الله إلى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو كلام رب العالمين تحدَّى الله الإنس والجن أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله ولا يزال التحدي قائماً إلى اليوم والقرآن الكريم يجيب على أسئلة مهمة كثيرة تحيِّر الملايين من الناس والقرآن العظيم محفوظ إلى اليوم باللغة العربية التي نزل بها لم ينقص منه حرف وهو مطبوع منشور وهو كتاب عظيم معجز جدير بالقراءة أو قراءة ترجمة معانيه كما أن سُنَّة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وتعاليمه وسيرته محفوظة ومنقولة وفق سلسلة من الرواة الموثوقين وهي مطبوعة باللغة العربية التي تحدث بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومترجمة إلى كثير من اللغات والقرآن الكريم وسُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هما المصدر الوحيد لأحكام الإسلام وتشريعاته فالإسلام لا يؤخذ من تصرفات الأفراد المنتسبين إليه؛ وإنما يؤخذ من الوحي الإلهي: القرآن العظيم والسنة النبوية.

القرآن الكريم هو الكتاب الذي أوحاه الله إلى الرسول العربي محمد -صلى الله عليه وسلم- باللغة العربية وهو كلام رب العالمين قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195)[الشعراء:192-195]. وقال الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل:6]. وهذا القرآن تنزيل من الله وتصديق لما سبقه من الكتب الإلهية قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس:37]. والقرآن العظيم يفْصِل في أكثر المسائل التي اختلف فيها اليهود والنصارى في دينهم قال الله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النمل:76]. والقرآن العظيم تضمن من الأدلة والبراهين ما تقوم به الحجة على الناس أجمعين في معرفة الحقائق المتعلقة بالله -سبحانه وتعالى- ودينه وجزائه قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [الزمر:27]. وقال تعالى: ﴿وَنَزَّلنَا عَلَيكَ ٱلكِتَٰبَ تِبيَٰنا لِّكُلِّ شَيء وَهُدى وَرَحمَة وَبُشرَىٰ لِلمُسلِمِينَ﴾ [النحل:89].

والقرآن الكريم يجيب على أسئلة مهمة كثيرة تحيِّر الملايين من الناس فالقرآن الكريم يبين كيف خلق الله السموات والأرض قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء:30]. وكيف خلق اللهُ الإنسان قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج:5]. وأين مصيره وما جزاء المحسن والمسيء بعد هذه الحياة وسبق ذكر الأدلة على هذه المسألة في الفقرة رقم (20) وهل هذا الوجود جاء مصادفة أم وُجِد لغاية شريفة؟ قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف:185]. وقال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون:115].

والقرآن العظيم محفوظ إلى اليوم باللغة التي نزل بها قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9]. لم ينقص منه حرف ومحال أن يقع فيه تناقض أو نقص أو تبديل قال الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:82]. وهو مطبوع منشور وهو كتاب عظيم معجز جدير بالقراءة أو الاستماع إليه أو قراءة ترجمة معانيه كما أن سُنَّة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وتعاليمه وسيرته محفوظة ومنقولة وفق سلسلة من الرواة الموثوقين وهي مطبوعة باللغة العربية التي تحدَّث بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومترجمة إلى كثير من اللغات والقرآن الكريم وسُنَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هما المصدر الوحيد لأحكام الإسلام وتشريعاته فالإسلام لا يؤخذ من تصرفات الأفراد المنتسبين إليه؛ وإنما يؤخذ من الوحي الإلهي المعصوم: القرآن العظيم والسنة النبوية قال تعالى في شأن القرآن: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكرِ لَمَّا جَاءَهُم وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيز لَّا يَأتِيهِ ٱلبَٰطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِن خَلفِهِۦ تَنزِيل مِّن حَكِيمٍ حَمِيد﴾ [فصلت:41 42]. وقال تعالى في شأن السنة النبوية وأنها وحي من الله: ﴿وَمَا ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُم عَنهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [الحشر:7].

29- والإسلام يأمر بالإحسان إلى الوالدين حتى ولو كانا غير مسلمين وبالوصية بالأولاد.

الإسلام يأمر بالإحسان إلى الوالدين قال الله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء:23]. وقال الله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان:14]. وقال الله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف:15]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ» (رواه البخاري برقم 5971، ومسلم برقم 2548).

وهذا الأمر بالوصية بالوالدين سواء كانا مسلمين أو غير مسلمين فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: (قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ ابْنِهَا فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ» صحيح البخاري، بل لو حاول الوالدان واجتهدا في أن يتحول الولد من الإسلام إلى الكفر فإن الإسلام يأمره -والحال هذه- أن لا يطيعهما ويظل مؤمناً بالله ويحسن إليهما ويصاحبهما بالمعروف قال الله تعالى: ﴿وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِۦ عِلم فَلَا تُطِعهُمَا وَصَاحِبهُمَا فِي ٱلدُّنيَا مَعرُوفا وَٱتَّبِع سَبِيلَ مَن أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرجِعُكُم فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ﴾ [لقمان:15].

والإسلام لا يمنع المسلم من الإحسان لقرابته المشركين أو غير قرابته إذا لم يكونوا محاربين له قال الله تعالى: ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة:8].

والإسلام يأمر بالوصية بالأولاد وأعظم ما يأمر به الإسلامُ الوالدَ أن يعلّم أولادَه حقوق ربهم عليهم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عمه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: «يَا غُلامُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟ فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: "احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ» رواه أحمد 4/287.

وأمر الله الوالدين أن يعلما أولادهما ما ينفعهما في أمور دينهما ودنياهما قال تعالى: ﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلَـٰئِكَةٌ غِلَاظ شِدَاد لَّا يَعصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ﴾ [سورة التحريم:6] وعن علي -رضي الله عنه- في قوله تعالى: ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ يقول: "أدبوهم علموهم" . وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الوالدَ أن يُعَلِّم ولده الصلاة؛ ليتربى عليها فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مُرُوا أولاكمِ بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنينَ» رواه أبو داود، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا والخادمُ راعٍ في مالِ سيِّدِه ومسؤولٌ عن رعيَّتِه وكلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّتِه» (رواه البخاري برقم 893، ومسلم برقم 1829).

وأمر الإسلام الوالدَ بالنفقة على أولاده وأهل بيته وسبق ذكر شيء من ذلك في الفقرة رقم (18) وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- فَضْل النفقة على الأولاد فقَالَ: «أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ: دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ». قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: " وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ يُعِفُّهُمْ أَوْ يَنْفَعُهُمُ اللهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمْ" صحيح مسلم 994.

30- الإسلام يأمر بالعدل في القول والعمل حتى مع الأعداء.

الله -سبحانه وتعالى- متصف بالعدْل والقِسْط في أفعاله وتدبيره بين عباده وهو على صراط مستقيم في ما أمر به ونهى عنه وفيما خلقه وقدره قال الله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:18]. والله يأمر بالعدل قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ [الأعراف:29]. وكل الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام جاءوا بالعدل قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد:25]. والميزان هو العدل في الأقوال والأفعال.

والإسلام يأمر بالعدل في القول والعمل حتى مع الأعداء قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء:135]. وقال الله تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة:2]. وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ [المائدة:8]. فهل تجد في قوانين الأمم اليوم أو في أديان الناس مثل هذا الأمر بالشهادة بالحق وقول الصدق حتى ولو على النفس والوالدين والأقربين والأمر بالعدل مع العدو والصديق.

وأمر النبيُ -صلى الله عليه وسلم- بالعدل بين الأولاد فعَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟» قَالَ: لاَ قَالَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ» قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ) صحيح البخاري 2587.

ذلك أنه لا يقوم أَمْرُ الناس والدول إلا بالعدل ولا يأمن الناس على أديانهم ودمائهم وذرياتهم وأعراضهم وأموالهم وأوطانهم إلا بالعدل ولهذا نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ضيَّق كفارُ مكة على المسلمين في مكة أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يهاجروا إلى الحبشة؛ وعلَّل ذلك بأنه فيها ملكاً عادلاً لا يُظْلَم عنده أحد.

31- والإسلام يأمر بالإحسان إلى الخَلْق كافة ويدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.

الإسلام يأمر بالإحسان إلى الخَلْق كافة قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ﴾ [النحل:90]. وقال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران:134]. وقال الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-: « إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ » صحيح مسلم 1955.

والإسلام يدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال قال الله تعالى في صفة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في الكتب السابقة: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف:157]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» صحيح مسلم 2593 . وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ البَنَاتِ وَمَنَعَ وَهَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ المَالِ» صحيح البخاري 2408. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» صحيح مسلم 54.

32- والإسلام يأمر بالأخلاق المحمودة كالصدق وأداء الأمانة والعفاف والحياء والشجاعة والبذل والكرم وإعانة المحتاج وإغاثة الملهوف وإطعام الجائع وحسن الجوار وصلة الأرحام والرفق بالحيوان.

والإسلام يأمر بالأخلاق المحمودة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» صحيح الأدب المفرد 207، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ من أحبِّكم إليَّ ، وأقربِكم مني مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسِنُكم أخلاقًا ، وإنَّ أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني مجلسًا يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ ، والمُتشدِّقونَ ، والمُتفيهقونَ ، قالوا: قد علِمْنا الثرثارونَ و المتشدِّقونَ ، فما المتفيهقونَ ؟ قال: المُتكبِّرونَ» السلسة الصحيحة 791.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا» وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا» صحيح البخاري 3559، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على أن الإسلام يحث على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال على وجه العموم.

ومما يأمر به الإسلام: الصدق قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا» صحيح مسلم 2607.

ومما يأمر به الإسلام: أداء الأمانة قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾ [النساء:58].

ومما يأمر به الإسلام: العفاف قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة حق على الله عونهم: وذكر منهم: والناكح الذي يريد العفاف» سنن الترمذي 1655 . وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى» صحيح مسلم 2721.

ومما يأمر به الإسلام الحياء قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ» صحيح البخاري 6117، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ» أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 6/2619 .

ومما يأمر به الإسلام الشجاعة فعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ» صحيح البخاري 2820 . وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من الجبن فكان يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ» صحيح البخاري 6374.

ومما يأمر به الإسلام البَذْل والكرم قال الله تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:261]. وكان خُلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكرم فعن ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ -عليه السلام- يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- القُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ -عليه السلام- كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ» صحيح البخاري 1902.

ومما يأمر به الإسلام إعانة المحتاج وإغاثة الملهوف وإطعام الجائع وحسن الجوار وصِلَة الأرحام والرفق بالحيوان. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» صحيح البخاري 12. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» صحيح بن حبان 544. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ» صحيح البخاري 5353.

والإسلام يؤكد على حقوق الأرحام ويوجب صلة ذوي الرحم قال الله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾ [الأحزاب:6]. وحذر من قطيعة الرحم وقرنها بالإفساد في الأرض قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (23)[محمد:22-23]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ» صحيح مسلم 2556. والأرحام الذين تجب صلتهم: الوالدان والإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات.

والإسلام يؤكد حق الجار حتى لو كان كافراً قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء:36]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ) صحيح أبي داود 5152

33- الإسلام أحلّ الطيبات من المأكل والمشرب وأَمَرَ بطهارة القلب والبدن والمنزل ولذلك أحلَّ النكاح كما أمر بذلك الأنبياء -عليهم السلام- فهم يأمرون بكل طيب.

والإسلام أحل الطيبات من المأكل والمشرب قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلاَّ الطَّيِّبَ وإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ وَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طِيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون﴾ الآية قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَب يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!» صحيح مسلم 1015. وقال الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:32].

والإسلام أمر بطهارة القلب والبدن والمنزل ولذلك أحل النكاح كما أمر بذلك الأنبياء والمرسلون -عليهم السلام- فهم يأمرون بكل طيب وقال الله تعالى ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ [النحل:72]. وقال الله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)[المدثر:4 5]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» صحيح مسلم 91.

34- والإسلام حرَّم أصول المحرمات كالشرك بالله والكفر وعبادة الأصنام والقول على الله بلا علم وقَتْل الأولاد وقَتْل النفس المحترمة والإفساد في الأرض والسحر والفواحش الظاهرة والباطنة والزنا واللواط وحرَّم الربا وحرَّم أكل الميتة وما ذُبح للأصنام والأوثان وحرَّم لحم الخنزير وسائر النجاسات والخبائث وحرَّم أكل مال اليتيم والتطفيف بالكيل والوزن وحرَّم قطع الأرحام. والأنبياء -عليهم السلام- جميعهم متفقون على تحريم هذه المحرمات.

الإسلام حرَّم أصول المحرَّمات كالشرك بالله والكفر وعبادة الأصنام والقول على الله بلا علم وقَتْل الأولاد قال الله تعالى: ﴿قُل تَعَالَواْ أَتلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيكُم أَلَّا تُشرِكُواْ بِهِۦ شَيـٔا وَبِٱلوَٰلِدَينِ إِحسَٰنا وَلَا تَقتُلُواْ أَولَٰدَكُم مِّن إِملَٰق نَّحنُ نَرزُقُكُم وَإِيَّاهُم وَلَا تَقرَبُواْ ٱلفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقتُلُواْ ٱلنَّفسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلحَقِّ ذَٰلِكُم وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ - وَلَا تَقرَبُواْ مَالَ ٱليَتِيمِ إِلَّا بٱلَّتِي هِيَ أَحسَنُ حَتَّىٰ يَبلُغَ أَشُدَّهُۥ وَأَوفُواْ ٱلكَيلَ وَٱلمِيزَانَ بِٱلقِسطِ لَا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَا وَإِذَا قُلتُم فَٱعدِلُواْ وَلَو كَانَ ذَا قُربَىٰ وَبِعَهدِ ٱللَّهِ أَوفُواْ ذَٰلِكُم وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام:151-152]. وقال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:33].

وحرَّم الإسلام قَتْل النفس المحترمة قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقتُلُواْ ٱلنَّفسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظلُوما فَقَد جَعَلنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلطَٰنا فَلَا يُسرِف فِّي ٱلقَتلِ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورا﴾ [الإسراء:33]. وقال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان:68].

وحرَّم الإسلام الإفساد في الأرض قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف:56]. وقال الله تعالى مخبراً عن النبي شعيب -عليه السلام- أن قال لقومه: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف:85].

وحرَّم الإسلام السِحْر قال الحق -سبحانه وتعالى-: ﴿وَأَلقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلقَف مَا صَنَعُواْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيدُ سَٰحِر وَلَا يُفلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيثُ أَتَىٰ﴾ [طه:69]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ» صحيح البخاري 6857.

وحرَّم الإسلام الفواحش الظاهرة والباطنة والزنا واللواط وسبق في أول هذه الفقرة ذكر الآيات الدالة على ذلك وحرَّم الإسلام الربا قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)[البقرة:278 279]. ولم يتوعد اللهُ صاحب معصية بالحرب كما توعد صاحب الربا؛ لأن في الربا خراب الأديان والأوطان والأموال والأنفس.

وحرَّم الإسلام أكل الميتة وما ذُبِح للأصنام والأوثان وحرَّم لحم الخنزير قال الله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ﴾ [المائدة:3].

وحرَّم الإسلام شرب الخمر وسائر النجاسات والخبائث قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91)[المائدة:90-91]. وسبق في الفقرة رقم (31) ذِكْر إخبار الله تعالى أن من صفات الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التوراة أنه يحرِّم عليهم الخبائث قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف:157].

وحرَّم الإسلام أكل مال اليتيم قال الله تعالى: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ [النساء:2]. وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء:10].

وحرَّم الإسلام التطفيف بالكيل والوزن قال الله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4)[المطففين:1-4].

وحرَّم الإسلام قطع الأرحام وسبق في الفقرة رقم (31) ذكر الآيات والأحاديث الدالة على ذلك والأنبياء والمرسلون -عليهم السلام- جميعهم متفقون على تحريم هذه المحرمات.

35- الإسلام ينهى عن الأخلاق المذمومة كالكذب والغش والغدر والخيانة والخداع والحسد والمكر السيء والسرقة والبغي والظلم وينهى عن كل خُلُق خبيث.

الإسلام ينهى عن الأخلاق المذمومة عموماً قال تعالى: ﴿وَلَا تُصَعِّر خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمشِ فِي ٱلأَرضِ مَرَحًا إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُختَال فَخُور﴾ [لقمان:18]. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « إنَّ من أحبِّكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا وإنَّ أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقون قالوا يا رسولَ اللَّهِ قد علِمنا الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ فما المتفَيهِقونَ قالَ المتكبِّرونَ » السلسلة الصحيحة 791.

الإسلام ينهى عن الكذب قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهدِي مَن هُوَ مُسرِف كَذَّاب﴾ [غافر:28]. وقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا» صحيح مسلم 2607.

وقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» صحيح البخاري 6095.

الإسلام ينهى عن الغش وجاء في الحديث أن رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» صحيح مسلم 102.

الإسلام ينهى عن الغدر والخيانة والخداع قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال:27]. وقال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهدِ ٱللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ ٱلمِيثَٰقَ﴾ [الرعد:20]. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يقول لجيوشه إذا خرجوا: «اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» صحيح مسلم 1731. وقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» صحيح البخاري 34.

الإسلام ينهى عن الحسد قال الله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء:54]. وقال الله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة:109]. وقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ هِيَ الحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» سنن الترمذي 2510.

الإسلام ينهى عن المكر السيء قال الله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأنعام:123]. وأخبر الله تعالى أن اليهود حاولوا قَتْل المسيح -عليه السلام- ومكروا لكن الله مكر بهم وبين اللهُ أن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)[آل عمران:52-55]. وأخبر الله تعالى أن قوم النبي صالح -عليه السلام- أرادوا قتله مكراً فمكروا مكراً فمكر الله بهم ودمرهم وقومهم أجمعين قال الله تعالى: ﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)[النمل:49-51].

الإسلام ينهى عن السرقة قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ» صحيح البخاري 6810.

الإسلام ينهى عن البغي قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90]. وقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ الله أوحى إليَّ أن تَواضَعُوا حتى لا يَبغِي أحدٌ على أحدٍ ولا يفخَرَ أحدٌ على أحدٍ» صحيح أبي داود 4895.

الإسلام ينهى عن الظلم قال تعالى: ﴿وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ﴾ [آل عمران:57]. وقال تعالى: ﴿إِنَّهُۥ لَا يُفلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ [الأنعام:21]. وقال تعالى: ﴿وَٱلظَّـٰلِمِينَ أَعَدَّ لَهُم عَذَابًا أَلِيمَا﴾ [الإنسان:31]. وقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ وَيَقُولُ الرَّبُّ -عز وجل-: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» أخرجه مسلم (2749) مختصراً باختلاف يسير، والترمذي (2526) باختلاف يسير، وأحمد (8043) واللفظ له. وحين أرسل الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- معاذاً إلى اليمن كان مما قال له: «وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» صحيح البخاري 1496. وقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا مَن ظَلم مُعاهِداً أو انتَقصَهُ أو كلَّفَهُ فوقَ طاقَتِه أو أخَذ منهُ شيئاً بِغيرِ طِيبِ نَفسِ فأنا حَجِيجُهُ يوم القيامةِ» سنن أبي داود 3052. فالإسلام كما رأيت ينهى عن كل خُلُق خبيث أو معاملة ظالمة أو جائرة.

36- الإسلام ينهى عن المعاملات المالية التي فيها رِبا أو ضرر أو غَرَر أو ظُلم أو غش أو تؤدي إلى النكبات والضرر العام بالمجتمعات والشعوب والأفراد.

الإسلام ينهى عن المعاملات المالية التي فيها ربا أو ضرر أو غرر أو ظلم أو غش أو تؤدي إلى النكبات والضرر العام بالمجتمعات والشعوب والأفراد. وسبق في أول هذه الفقرة ذكر الآيات والأحاديث التي تحرم الربا أو الظلم أو الغش أو الفساد في الأرض قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب:58]. وقال الله تعالى: ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [فصلت:46]. وجاء في السنة: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» سنن أبي داود، وقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيسْكُتْ. وفي روايةٍ: فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ. » صحيح مسلم 47، وقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» صحيح البخاري 3482، هذا فيمن آذى هرة فكيف بمن بلغ أذاه الناس فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكِ» أخرجه الترمذي (2032)، وابن حبان (5763) . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» صحيح البخاري 6018، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. قَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا فَيُقْعَدُ فَيَقُصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» أخرجه مسلم (2581)، والترمذي (2418)، وأحمد (8029) واللفظ له.

وقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كَانَ عَلَى الطَّرِيقِ غُصْنُ شَجَرَةٍ يُؤْذِي النَّاسَ فَأَمَاطَهَا رَجُلٌ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ» أخرجه البخاري (652) بمعناه، ومسلم (1914) بنحوه، وابن ماجه (3682)، وأحمد (10432) واللفظ لهما، فإماطة الأذى عن الطريق تُدْخل الجنة فما بالك الذي يؤذي الناس ويُفْسد عليهم حياتهم.

37- الإسلام جاء بحفظ العقل وتحريم كل ما يفسده كشرب الخمر ورفع شأنَ العقل وجعله مناطَ التكليف وحرره من أغلال الخرافة والوثنيات. وليس في الإسلام أسرار أو أحكام تخص طبقة دون أخرى وكل أحكامه وشرائعه موافقة للعقول الصحيحة وهي وفق مقتضى العدل والحكمة.

الإسلام جاء بحفظ العقل ورفع شأنه قال الله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء:36]. فواجب على الإنسان أن يحافظ على عقله ولذا حرَّم الإسلامُ الخمرَ والمخدرات -وذكرت تحريم الخمر في فقرة رقم (34) وكثير من آيات القرآن الكريم تختم بقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:242]. وقال الله تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام:32]. وقال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف:2]. وبيَّن الله تعالى أن الهدى والحكمة لا يستفيد منهما إلا أهل العقول وهم أولوا الألباب قال الله تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة:269].

ولهذا جعل الإسلامُ العقلَ مناط التكليف قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» أخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم قبل حديث (5269) بنحوه، وأخرجه موصولاً أبو داود (4402) واللفظ له، والترمذي (1423)، والنسائي في (السنن الكبرى) (7346)، وأحمد (956) باختلاف يسير، وابن ماجه (2042) مختصراً. وحرره من أغلال الخرافة والوثنيات قال الله تعالى مخبراً عن حال الأمم في تمسكها بخرافاتها وردها الحق الذي جاءها من عند الله: ﴿وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ [الزخرف:23]. وقال الله تعالى مخبراً عن إبراهيم الخليل -عليه السلام- أنه قال لقومه: ﴿مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)[الأنبياء:52 53]. فجاء الإسلامُ وأمر الناسَ بترك عبادة الأصنام والتخلي عن الخرافات الموروثة عن الآباء والأجداد واتباع طريق المرسلين عليهم الصلاة والسلام.

وليس في الإسلام أسرار أو أحكام تخص طبقة دون أخرى سُئل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهو ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزوج ابنته: أَخَصَّكُمْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ: «مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا قَالَ: فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا: لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ وَلَعَنَ اللهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَلَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا» صحيح مسلم 1978. وكل أحكام الإسلام وشرائعه موافقة للعقول الصحيحة وهي وفق مقتضى العدل والحكمة.

38- والديانات الباطلة إذا لم يستوعب أتباعُها ما فيها من التناقض والأمور التي ترفضها العقول أوهم رجالُ الدين الأتباعَ أن الدين فوق العقل وأن العقل لا مجال له في فهم الدين واستيعابه. بينما الإسلام اعتبر الدين نوراً يضيء للعقل طريقه؛ فأصحاب الديانات الباطلة يريدون من الإنسان أن يتخلى عن عقله ويتبعهم والإسلام يريد من الإنسان أن يوقظ عقله؛ ليعرف حقائق الأمور على ما هي عليه.

والديانات الباطلة إذا لم يستوعب أتباعها ما فيها من التناقض والأمور التي ترفضها العقول أوهم رجالُ الدين الأتباع أن الدين فوق العقل وأن العقل لا مجال له في فهم الدين واستيعابه. بينما الإسلام اعتبر الدين نوراً يضيء للعقل طريقه؛ فأصحاب الديانات الباطلة يريدون من الإنسان أن يتخلى عن عقله ويتبعهم والإسلام يريد من الإنسان أن يوقظ عقله؛ ليتدبر ويفكر وليعرف حقائق الأمور على ما هي عليه قال الله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى:52]. فالوحي الإلهي تضمن من البراهين والحجج ما يرشد العقول السليمة إلى الحقائق التي تتطلع إلى معرفتها والإيمان بها قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾ [النساء:174]. فالله -سبحانه وتعالى- يريد للإنسان أن يعيش في نور الهدى والعلم والحقيقة والشياطين والطواغيت يريدون للإنسان أن يبقى في ظلمات الكفر والجهل والضلالة قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ [البقرة:257].

39- الإسلام يعظّم العِلْم الصحيح ويحث على البحث العلمي المتجرد عن الهوى ويدعو إلى النظر والتفكر في أنفسنا وفي الكون من حولنا والنتائج العلمية الصحيحة للعلم لا تتعارض مع الإسلام.

الإسلام يعظِّم العِلْم الصحيح قال الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة:11]. وقرن الله شهادة العلماء بشهادته وشهادة ملائكته على أعظم مشهود قال الله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:18]. وهذا يبين مكانة أهل العلم في الإسلام وما أمر الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- بطلب الزيادة من شيء إلا من العلم قال الله تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه:114]. وقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» أخرجه أبو داود (3641)، والترمذي (2682)، وابن ماجه (223) واللفظ له، وأحمد (21715).

ويحث الإسلام على البحث العلمي المتجرد عن الهوى ويدعو إلى النظر والتفكر في أنفسنا وفي الكون من حولنا قال الله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت:53]. وقال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف:185]. وقال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [الروم:9].

والنتائج العلمية الصحيحة للعلم لا تتعارض مع الإسلام وسنذكر مثالاً واحداً ذكر القرآن تفاصيل دقيقة بشأنه قبل أكثر من ألف وأربع مائة سنة وعرفها العلم الحديث متأخراً؛ فجاءت نتائج العلم موافقة لما في القرآن العظيم وهو خَلْقُ الجنين في بطن أمه قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)[المؤمنون:12-14].

40- ولا يقبل الله العمل ولا يثيب عليه في الآخرة إلا ممن آمن بالله وأطاعه وصَدَّق رُسُله عليهم الصلاة والسلام ولا يقبل الله من العبادات إلا ما شرعه فكيف يكفر الإنسان بالله ويرجو أن يكافئه؟ ولا يقبل الله إيمان أحد من الناس إلا إذا آمن بالأنبياء -عليهم السلام- جميعاً وآمن برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

ولا يقبل الله تعالى العمل ولا يثيب عليه في الآخرة إلا ممن آمن بالله وأطاعه وصدَّق رُسُله عليهم الصلاة والسلام قال الله تعالى: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19)[الإسراء:18-19]. وقال الله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الأنبياء:94]. ولا يقبل الله تعالى من العبادات إلا ما شرعه قال الله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:110]. فبين أن العمل لا يكون صالحاً إلا إذا كان مما شرعه الله وكان صاحبه مخلصاً لله في عمله وهو مؤمن بالله مصدِّق بأنبيائه ورسله -عليهم السلام- أمَّا من كان عمله غير ذلك فقد قال الله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا﴾ [الفرقان:23]. وقال الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً (4)[الغاشية:2-4]. فهذه الوجوه خاشعة ناصبة من العمل ولكنها لما كانت تعمل بغير هدى من الله؛ جعل الله مآلها النار؛ لأنها لم تعمل بغير ما شرعه الله بل تعبدت بعبادات باطلة واتبعت رؤوس الضلالة الذين يبتدعون لهم الأديان الباطلة فالعمل الصالح المقبول عند الله هو الموافق لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- فكيف يكفر الإنسان بالله ويرجو أن يكافئه؟؟

ولا يقبل الله إيمان أحد من الناس إلا إذا آمن بالأنبياء -عليهم السلام- جميعاً وآمن برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- -سبق أن ذكرنا بعض الأدلة على ذلك في الفقرة رقم (20) وقال الله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة:285]. وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء:136]. وقال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران:81].

41- إن هدف جميع الرسالات الإلهية هو: أن يتسامى الدين الحق بالإنسان فيكون عبداً خالصاً لله رب العالمين ويحرره من العبودية للإنسان أو للمادة أو للخرافة فالإسلام -كما ترى- لا يقدِّس الأشخاص ويرفعهم فوق منزلتهم ولا يجعلهم أرباباً وآلهة.

إنَّ هدف جميع الرسالات الإلهية هو: أن يتسامى الدينُ الحقُ بالإنسان فيكون عبداً خالصاً لله رب العالمين والإسلام يحرر الإنسان من العبودية للمادة أو للخرافة قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالقَطِيفَةِ وَالخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ» صحيح البخاري 6435. فالإنسان السوي لا يكون خاضعاً إلا لله فلا يستعبده المال أو الجاه أو المنصب أو القبيلة وفي هذه القصة ما يكشف للقارئ ما كان عليه الناس قبل الرسالة وكيف أصبحوا بعدها؟

لما هاجر المسلمون الأولون إلى الحبشة وسألهم ملك الحبشة أنداك –النجاشي- فقال لهم: «مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ؟ قَالَ له جعفر بن أبي طالب: أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِم وَالدِّمَاءِ وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ " قَالَ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلامِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فَعَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا...» أخرجه أحمد (1740) باختلاف يسير، وأبو نعيم في (حلية الأولياء) (1/115) مختصراً. فالإسلام كما ترى لا يقدِّس الأشخاص ويرفعهم فوق منزلتهم ولا يجعلهم أرباباً وآلهة. قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:64]. وقال الله تعالى: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:80]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» صحيح البخاري 3445.

42- شَرَع الله التوبة في الإسلام وهي: إنابة الإنسان إلى ربه وترك الذَّنْب والإسلام يهدم ما كان قبله من الذنوب والتوبة تَجُبُّ ما كان قبلها من الذنوب فلا حاجة للاعتراف أمام بشر بخطايا الإنسان.

شَرَع الله التوبة في الإسلام وهي: إنابة الإنسان إلى ربه وترْك الذنب قال الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور:31]. وقال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة:104]. وقال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى:25] وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ» صحيح مسلم 2744.

والإسلام يهدم ما كان قبله من الذنوب والتوبة تَجُبُّ ما كان قبلها من الذنوب قال الله تعالى: ﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال:38]. ودعا اللهُ النصارى للتوبة فقال جل شأنه: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة:74]. ورغّب الله جميعَ العصاة والمذنبين بالتوبة فقال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53]. ولما عزم عمرو بن العاص أن يسلم خشي ألا تُغْفَر ذنوبه التي عملها قبل الإسلام قال عمرو راوياً هذا الموقف: (لَمَّا أَلْقَى الله -عز وجل- فِي قَلْبِي الْإِسْلَامَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لِيُبَايِعَنِي فَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ فَقُلْتُ: لَا أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ) أخرجه مسلم (121) مطولاً بنحوه، وأحمد (17827) واللفظ له.

43- ففي الإسلام تكون العلاقة بين الإنسان وبين الله مباشرة فلا تحتاج إلى أحد ليكون واسطة بينك وبين الله فالإسلام يمنع أن نجعل البشر آلهة أو مشاركين لله في ربوبيته أو ألوهيته.

في الإسلام لا حاجة للاعتراف أمام بشر بخطايا الإنسان ففي الإسلام تكون العلاقة بين الإنسان وبين الله مباشرة فلا تحتاج إلى أحد ليكون واسطة بينك وبين الله فكما مضى في الفقرة رقم (36) أن الله تعالى دعا جميع الناس إلى التوبة والإنابة إليه فهو كذلك نهى الناس أن يتخذوا الأنبياء أو الملائكة وسائط بينه وبين عباده فقال الله تعالى: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:80]. فالإسلام -كما ترى- يمنع أن نجعل البشر آلهة أو مشاركين لله في ربوبيته أو ألوهيته وقال الله تعالى عن النصارى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة:31]. وأنكر الله على الكفار أنهم يتخذون الوسائط بينهم وبينه فقال الله تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر:3]. وبين اللهُ أن الوثنيين -أهل الجاهلية- كانوا يتخذون الوسائط بينهم وبين الله ويقولون: إنها تقربهم إلى الله.

وإذا نهى اللهُ الناسَ أن يتخذوا الأنبياءَ أو الملائكةَ وسائط بينه وبين عباده؛ فغيرهم من باب أولى كيف والأنبياء والمرسلون -عليهم السلام- يسارعون في التقرب إلى الله قال الله تعالى مخبراً عن حال الأنبياء والمرسلين -عليهم السلام-: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء:90]. وقال الله تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء:57]. أي إن الذين تدعونهم من دون الله -من الأنبياء والصالحين- هم يتقربون إلى الله ويرجون رحمته ويخافون عذابه؛ فكيف يُدْعون من دون الله.

44- في آخر هذه الرسالة نتذكر أن الناس على اختلاف أزمانهم وقومياتهم وبلدانهم بل المجتمع الإنسانيّ كله مختلفٌ في أفكاره ومقاصده متباينٌ في بيئاته وأعماله فهو في ضرورةٍ إلى هادٍ يوجّهه ونظامٍ يجمعه وحاكمٍ يحميه وكان الرّسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام- يتولّون ذلك بوحي من الله -سبحانه- يهدون النّاس إلى طريق الخير والرّشاد ويجمعونهم على شريعة الله ويحكمون بينهم بالحقّ فتستقيم أمورهم بحسب استجابتهم لهؤلاء الرّسل وقُرْب عصرهم من الرّسالات الإلهيّة وخَتَم الله الرسالات برسالة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وكتب لها البقاء وجعلها هدى للناس ورحمة ونوراً وإرشاداً إلى الطريق الموصل إليه سبحانه.

في آخر هذه الرسالة نتذكر أن الناس على اختلاف أزمانهم وقومياتهم وبلدانهم بل المجتمع الإنسانيّ كله مختلفٌ في أفكاره ومقاصده متباينٌ في بيئاته وأعماله فهو في ضرورةٍ إلى هادٍ يوجّهه ونظامٍ يجمعه وحاكمٍ يحميه وكان الرّسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام- يتولّون ذلك بوحي من الله -سبحانه- يهدون النّاس إلى طريق الخير والرّشاد ويجمعونهم على شريعة الله ويحكمون بينهم بالحقّ فتستقيم أمورهم بحسب استجابتهم لهؤلاء الرّسل وقُرْب عصرهم من الرّسالات الإلهيّة ولما كثر الضلال وعم الجهل وعُبدت الأوثان؛ بعث الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من ظلمات الكفر والجهل والوثنية إلى الإيمان والهدى.

45- لذا أدعوك أيها الإنسان أن تقوم لله قياماً صادقاً متجرداً من التقليد والعادة وتعلم أنك بعد موتك راجع إلى ربك وأن تنظر في نفسك وفي الآفاق من حولك فاسلم تسعد في دنياك وأخراك وإن أردت الدخول في الإسلام فما عليك إلا أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن تتبرأ من كل ما يعبد من دون الله ونؤمن أن الله يبعث مَنْ في القبور وأن الحساب والجزاء حق فإذا شهدت هذه الشهادة فقد أصبحت مسلماً فعليك بعد ذلك أن تعبد الله بما شرع من صلاة وزكاة وصيام وحج إن استطعت إليه سبيلا.

لذا أدعوك أيها الإنسان أن تقوم لله قياماً صادقاً متجرداً من التقليد والعادة كما دعاك الله تعالى في قوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [سبأ:46]. وتعلم أنك بعد موتك راجع إلى ربك قال الله تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (41) وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ (42)[النجم:39-42]. وأن تنظر في نفسك وفي الآفاق من حولك قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف:185].

فاسلم تسعد في دنياك وأخراك وإن أردت الدخول في الإسلام فما عليك إلا أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولما أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- معاذاً إلى اليمن داعياً إلى الإسلام قال له: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» [صحيح مسلم 19]. وأن تتبرأ من كل ما يُعْبَد من دون الله والبراءة من كل ما يُعْبَد من دون الله هي الحنيفية ملة إبراهيم -عليه السلام- قال الله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة:4]. وتؤمن أن الله يبعث من في القبور قال الله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ (7)[الحج:6-7]. وأن الحساب والجزاء حق قال الله تعالى: ﴿وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الجاثية:22].

فإذا شهدت هذه الشهادة فقد أصبحت مسلماً

فعليك بعد ذلك أن تعبد الله بما شرع من صلاة وزكاة وصيام وحج إن استطعت إليه سبيلا وغير ذلك.

كتبه الأستاذ الدكتور

محمد بن عبد الله السحيم

أستاذ العقيدة في قسم الدراسات الإسلامية (سابقا)

كلية التربية جامعة الملك سعود

الرياض المملكة العربية السعودية

نسخة بتاريخ 19-11-1441

* نرحب بمن يرغب المشاركة في ترجمة الرسالة إلى أي لغة من اللغات، وذلك وفق الضوابط التالية:

1. أن تكون الترجمة متقنة لغوياً وشرعياً ولكامل الرسالة دون نقص أو زيادة أو تغيير، مع التركيز على سلامة نقل المعنى الشرعي لكل عبارة أو مصطلح إلى اللغة الهدف بأعلى قدر ممكن من الوضوح، ودون تأثير لأي آراء أو اجتهادات أو اعتبارات أخرى.

2. أن تتم الترجمة من خلال فريق متمكن من الترجمة قادر على إخراج ترجمة سليمة شرعياً، ولغوياً متوافقة مع القواعد اللغوية للغة الهدف من مرجعياتها الرسمية.

3. أن تكون الترجمة مقسمة وفق تقسيم الفقرات في الرسالة بحيث تكون ترجمة كل فقرة مقابلة لأصلها العربي.

4. أن تكون الترجمة مجانية ومتاحة نصياً وليس عليها أي قيود تعيق نشرها وتعميم النفع بها وتطويرها.

ويمكن الحصول على آخر نسخة من الرسالة من خلال الرابط:

https://islamhouse.com/ar/books/2830071

ولغرض توحيد الجهود والتكامل أوصي الراغبين في الترجمة بالتنسيق مع الأخوة في مركز رواد الترجمة وموقع دار الإسلام (islamhouse.com) التابع لجمعية الدعوة وتوعية الجاليات بالربوة، والاستفادة من جهودهم في ترجمات معاني الآيات المنشورة على موسوعة القرآن الكريم quranenc.com، وفي ترجمات الأحاديث النبوية المنشورة في موسوعة الأحاديث النبوية (hadeethenc.com) وأوصي حال الوصول لترجمات أنسب للآيات والأحاديث التواصل معهم لاستبدالها.

وحال الرغبة في التنسيق مع الأخوة يمكن التواصل على البريد الإلكتروني:

[email protected]

أو من خلال قنوات التواصل المتاحة في الموقع والموسوعات.