مسائل يكثر السؤال عنها في الحج
ترجمات المادة
التصنيفات
- فقه >> العبادات >> الحج والعمرة فضائل وأحكام >> صفة الحج
الوصف المفصل
- مسائل
يكثر السؤال عنها في الحج
- ثـمـان
وصايا
- الوصية الأولى : إخلاص العبادة لله تعالى .
- الوصية الثانية : معرفة صفة الحج .
- الوصية الثالثة : التأسي بالنبي ﷺ في أداء الماسك .
- الوصية الرابعة : تعظيم شعائر الله تعالى .
- الوصية الخامسة : في الحج المبرور .
- الوصية السادسة : في الاستفادة من الوقت .
- الوصية السابعة : في التوبة النصوح وقضاء الدين .
- الوصية الثامنة : آداب عامة .
- مسائل يحتاج إليها الحاج والمعتمر
- ثـمـان
وصايا
- ينبغي للمستطيع من الأباء والأولياء العمل على حج من تحت ولايتهم من الأبناء والبنات ، لعموم قوله ﷺ : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) أخرجه البخاري (7138) ومسلم (1829) .
مسائل يكثر السؤال عنها في الحج
تأليف : عبد الله بن صالح الفوزان
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين ..
أما بعد :
ففي موسم الحج من كل عام تكثر أسئلة الناس عن أحكام الحج ومناسكه ، سواء كان ذلك قبل الحج أو في أيامه ، وقد تبين لي من خلال ذلك أن هناك مسائل يتكرر السؤال عنها ، ومثلها في أحكام العمرة ، مما يدل على شدة الحاجة إليها ، وكان يتردد في ذهني بين حين وآخر أن أجمع شيئاً من هذه المسائل وأبين أحكامها ، وشجعني على ذلك بعض الأخوة – أثابهم الله – فعزمت – متوكلاً على الله تعالى – وجمعت هذه المسائل بعد حج عام ( 1422هـ ) وأضفت إليها ما رأيت – حسب اجتهادي – أن الحاجة داعية إلى ذكره ، كل ذلك بعبارة واضحة ، مقرونة بالدليل معتمداً على أظهر الأقوال فيما فيه خلاف .
وهذه المسائل قابلة للإضافة والزيادة ، وقد تختلف وجهات النظر فيما يوصف باحتياج الناس إليه ، وأنا لا أدعي استيفاء كل ما يحتاجه الناسك ، ولكن هذا ما تيسر الآن .
ومناسك الحج كغيرها من أحكام الشريعة مبنية على التيسير والتسهيل ، بل ذلك صفة واضحة فيها ، ولكن ليس معنى ذلك أن يتساهل المسلم في أداء المناسك مما قد يصل إلى حد الإخلال بها أو بشيء منها ، مما يجعل بعض الناس يلجأ إلى من يفتيه فيما فعل .
ثـمـان وصايا
قبل أن أبدأ بالمسائل الفقهية أحببت أن أقدم هذه الوصايا لعل الله تعالى أن ينفع بها :
الوصية الأولى : إخلاص العبادة لله تعالى .
إخلاص العبادة لله تعالى وحده شرط لقبولها ، وذلك بأن تكون أعمال العبد كلها لله تعالى من صلاة ودعاء وطواف وسعي وغير ذلك من أقواله وأفعاله ونفقاته ، بعيداً عن الرياء والسمعة ، لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم ، كما قال تعالى : ] فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [ [الكهف/110] ، وقال تعالى : ]وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين [ [البينة/5] ، وإذا نوى العبد التقرب إلى الله تعالى في جميع أحواله صار ذلك سبباً في زيادة حسناته وتكفير سيئاته ، كما دلت السنة على ذلك.
الوصية الثانية : معرفة صفة الحج .
يجب على من عزم على الحج أن يعرف أحكامه وصفة أدائه ، فيعرف صفة الإحرام ، وكيفية الطواف ، وصفة السعي ، وهكذا بقية المناسك ، لأن شرط قبول العمل : أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى – كما تقدم – وموافقاً لما شرعه في كتابه أو على لسان نبيه ﷺ ، فمعرفة أحكام الحج لمن أراد الحج من الأهمية بمكان ؛ ليعبد المؤمن ربه على بصيرة ، ويحقق متابعة النبي ﷺ ، وقد قال النبي ﷺ : ( لتأخذوا مناسككم ) أخرجه مسلم (1297) .
ووسيلة ذلك أن يسأل أهل العلم عن كيفية أداء المناسك ، أو يقرأ في كتب المناسك – إن كان ممن يقرأ ويفهم – أو يصحب رفقة فيهم طالب علم يستفيد منه .
ومن الناس من يقع في الخطأ في أداء الشعيرة العظيمة ، كصفة الإحرام أو صفة الطواف أو السعي أو غيرهما لأسباب :
1- الجهل وعدم تعلم أحكام المناسك .
2- عدم سؤال أهل العلم الموثوق بعلمهم وورعهم .
3- سؤال من ليس من أهل العلم .
4- تقليد الناس بعضهم بعضاً .
والواجب على المسلم أن يحرص على ما يبرئ ذمته من تبعة واجبات الدين ، وأن يتعلم كيف يعبد ربه ، وكيف يعامل عباده ؟ فإن هذا العلم فرض عين على كل مسلم ومسلمة ، ليعبد الله تعالى على علم وبصيرة .
الوصية الثالثة : التأسي بالنبي ﷺ في أداء الماسك .
على المسلم أن يتأسى بالنبي ﷺ في أداء المناسك ، ويفعل كما كان يفعل صلوات الله وسلامه عليه ، لأنه قال : ( لتأخذوا مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذا ) رواه مسلم ، وعند النسائي (5/270) بلفظ : ( يا أيها الناس خذوا مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا ) .
ويحذر من البدع التي ألصقها بعض الناس بالمناسك مما ليس له أصل في دين الله تعالى .
الوصية الرابعة : تعظيم شعائر الله تعالى .
يتأكد في حق الحاج أن يعظم شعائر الله تعالى ، ويستشعر فضل المشاعر وقيمتها ، فيؤدي مناسكه على صفة التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لله رب العالمين ، وعلامة ذلك أن يؤدي شعائر الحج بسكينة ووقار ، ويتأنى في أفعاله وأقواله ، ويحذر من العجلة التي عليها كثير من الناس في هذا الزمان ، ويُعَوِّد نفسه على الصبر في طاعة الله تعالى ، فإن هذا أقرب إلى القبول وأعظم للأجر .
الوصية الخامسة : في الحج المبرور .
ورد عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) أخرجه البخاري (1683) ومسلم (1349) .
والحج المبرور ما أجتمع فيه أربعة أوصاف :
الأول : أن تكون النفقة من مال حلال ، قال النبي ﷺ : ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً … ) أخرجه مسلم (1015) .
الثاني : البعد عن المعاصي والآثام ، والبدع والمخالفات ، لأن ذلك إذا كان يؤثر على أيِّ عمل صالح ؛ وقد يكون سبباً في عدم قبوله ففي الحج أولى .
الثالث : أن يجتهد في المحافظة على واجبات الحج وسننه ، ويتأسى بالنبي ﷺ في ذلك ، وأن يعظم شعائر الله تعالى – كما تقدم – .
الرابع : حسن الخلق ، ولين الجانب ، والتواضع في مركبه ومنزله وتعامله مع الآخرين وجميع أحواله ، كما كان عليه النبي ﷺ في حجته .
وما أحسن ما قاله ابن عبد البر : كما في « التمهيد » (22/39) : ( وأما الحج المبرور فقيل : هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة ، ولا رفث ولا فسوق ، ويكون بمالٍ حلال ... ) .
الوصية السادسة : في الاستفادة من الوقت .
على المسلم أن يستفيد من أوقاته ويستغرقها في طاعة الله تعالى من صلاة وتلاوة قرآن وذكر ، وقراءة في الكتب النافعة ، ومدارسة للعلم ، وهذا يتم باختيار الرفقة الصالحة ، فإن الحاج ما خرج من بلده وترك أهله إلا لطلب الأجر والثواب ، وهو يرجو أن يعود وقد غفر الله له ذنبه ، فعليه أن يغتنم الأوقات الفاضلة في الأماكن المقدسة ، وعليه أن يحذر من إضاعة الوقت فيما لا نفع فيه ، وعليه أن يجتنب المعاصي والآثام طوال دهره ، وفي المواضع الفاضلة والأزمنة الشريفة تكون التبعة أعظم ، وقد يؤثر ذلك على الطاعة وينقص ثوابها.
الوصية السابعة : في التوبة النصوح وقضاء الدين .
يتكرر في كلام أهل العلم – رحمهم الله – وصية من أراد الحج بالتوبة من جميع المعاصي ، والخروج من مظالم العباد ، وقضاء ما أمكنه من الديون ، وذلك لأنه لا يدري ما يعرض له في سفره .
وهذا أمر ليس له اعتبار عند كثير من الناس ، فترى الواحد منهم يذهب إلى الحج ويرجع وهو متلبس بذنوبه ، متدنس بخطاياه ، وقد يستمر في ارتكاب ذلك حتى في الأزمنة الفاضلة ، والأماكن المقدسة ، لا يحدث نفسه بتوبة ، ولا يجري على باله إقلاع وندم ، وهذا أمر ينبغي التفطن له، وعليك يا أخي أن تتأمل قوله تعالى :] فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ [ [البقرة/197] .
إن التوبة في الأزمنة الفاضلة لها شأن عظيم ، لأن الغالب إقبال النفوس على الطاعات ورغبتها في الخير ، فيحصل الاعتراف بالذنب والندم على ما مضى ، وإلا فالتوبة واجبة على الفور في جميع الأزمان ؛ لأن الإنسان لا يدري في أيِّ لحظة يموت ، ولا سيما من يتعرض للأسفار والأخطار ، ولأن السيئات تجر أخواتها ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في مجموع الفتاوى (34/180) أن المعاصي في الأيام المفضلة والأماكن المفضلة تُغلَّظ ، وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان .
أما بالنسبة للدَّين فكلام أهل العلم على أنه ما نع من الاستطاعة المشروطة في وجوب الحج ، سواء كان الدين لله تعالى كالنذور والكفارات ، أو لآدمي كقرض وأجرة وثمن مبيع ونحو ذلك ، فإن كان عند المدين مال يكفي للحج وقضاء الدين فلا بأس أن يحج ، لكن عليه أن يبادر بقضاء دينه إن كان حالاً مسارعة لإبراء ذمته ، لأنه لا يدري ما يعرض له ، فإن كان مؤجلاً أبقى من ماله ما يكفيه لقضاء دينه ، وأوصى بذلك ، ومثل ذلك من كان بينه وبين الناس معاملات له حقوق وعليه حقوق ، فهذا له أن يحج ، لكن عليه أن يبين ماله وما عليه .
أما إذا كان المال قليلاً لا يكفي لحجه ولقضاء دينه ، فقضاء الدين مقدم ، فيكون غير مستطيع ، فلا يدخل في عموم قوله تعالى : ] وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [ [آل عمران/97] ، ولا يكفي في ذلك استئذان صاحب الدين ، لأن المقصود براءة الذمة ، لا استئذان صاحب الحق ، فإنه لو أذن لم تبرأ ذمته بهذا الإذن ما لم يبرئه منه .
الوصية الثامنة : آداب عامة .
للحج آداب عامة تتعلق بالإنسان مع نفسه وآداب تتعلق بالإنسان مع غيره ، ومن أهمها ما يلي :
1- التأدب بآداب السفر من الدعاء عند الركوب وعند توديع الأهل والأصدقاء ، وعند النزول ، والتكبير إذا علا مرتفعاً ، والتسبيح إذا هبط وادياً ، وعدم النزول في الطريق أو قرب الطريق ، والرفق بسيارته ، وتفقد أجزائها لتظل صالحة لركوبه وبلاغ غايته .
2- الصبر وتوطين النفس على تحمل المشقة ، فلا يتأفف من طول طريق أو حرٍّ أو زحام أو قلة طعام أو نحو ذلك ، فإن الحج فيه مشقة ، وفيه تعب ، وإن كانت الطرق ممهدة ، ووسائل النقل ميسرة .
3- عليك أيها الأخ الكريم أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتعلم الجاهل ، وترشد الضال ، وأن تحرص على فعل المعروف وإسداء النفع للآخرين ما استطعت إلى ذلك سبيلاً .
4- أن تطيع الأمير ولا تنفرد عن رفقتك برأي تصرُّ على تنفيذه ، وأن تكون محباً لخدمة رفقتك حريصاً على راحتهم .
5- احفظ لسانك من القيل والقال ، ومن اللغو والكلام الباطل ، وتجنب الإفراط في المزح ، فأوقاتك شريفة ، وساعاتك غالية ، فلا ترخصها بمثل ذلك .
مسائل يحتاج إليها الحاج والمعتمر
حج الزوجة والأولاد :
ينبغي للمستطيع من الأباء والأولياء العمل على حج من تحت ولايتهم من الأبناء والبنات ، لعموم قوله ﷺ : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) أخرجه البخاري (7138) ومسلم (1829) .
ويتأكد ذلك في حق البنت قبل زواجها ، لأن حجها قبل أن تتزوج سهل وميسور ، بخلاف ما إذا تزوجت فقد يعتريها الحمل والإرضاع والتربية ، فحجها قبل زواجها في غاية المناسبة .
وليس للزوج أن يمنع زوجته من حجة الإسلام لأنها واجبة بأصل الشرع ، وينبغي للزوج إن كان قادراً أن يبادر بحج زوجته ، ولا سيما من كان حديث عهد بزواج ، فيسهل مهمتها إما بسفره معها ، أو بالإذن لأحد اخونها أو غيرهم من محارمها بالحج بها ، وعليه أن يخلفها في حفظ الأولاد ، والعناية بالمنزل ، فهو بذلك مأجور .
الاستنابة في الحج:
تجوز الاستنابة في أداء فريضة الحج في حق المستطيع بماله العاجز ببدنه ، بحيث لا يقوى على السير إلى مكة لضعفه ، أو مرضه الذي لا يرجى برؤه ، أو كبر سنه ، وكذا لو قدر على السير ولكن بمشقة شديدة .
وكذا الميت يجب الحج عنه من تركته ، أوصى أو لم يوصِ ، إذا تمكن من الحج في حياته ولم يحج ، لأن هذا دَيْنُ لله تعالى، ودَيْنُ الله أحق أن يقضى ، كما ثبت في السنة .
أما من مات قبل استطاعة الحج ، لعدم تحقق شروطه ، فهذا لا إثم عليه ، ولا دَيْنَ لله تعالى عليه .
وهذا في حج الفريضة ، وأما الاستنابة في حج التطوع ، فمن أهل العلم من منع ذلك ، لأن الحج عبادة ، والأصل فيها التوقيف ، ولم يرد في الشرع ما يدل على جواز الاستنابة في التطوع ، ومنهم من أجاز ذلك قياساً على الفريضة .
وشرط النائب عن غيره أن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام . ولا يلزم أن يكون حَجُّ النائب من بلد من أنابه ، بل لو أناب من يحج عنه من أهل مكة جاز , وتحج المرأة عن الرجل ، والرجل عن المرأة .
ولا ينبغي أن يكون قصد النائب كسب المال ، فإن الارتزاق بأعمال البر ليس من شأن الصالحين ، بل ينبغي أن يكون قصده الإحسان إلى أخيه بإبراء ذمته ، مع قصد رؤية المشاعر والتعبد فيها ، فهذا محسن ، والله تعالى يحب المحسنين .
وما يعطاه من المال فهو له ، فينفق منه ما يليق به في أكله وشربه ومركبه ، فإن بقي منه شيء أخذه ، وعليه عمل الناس اليوم ، وللفقهاء تفاصيل لا حاجة إلى ذكرها .
وصفة النسك أن ينوي بقلبه الإحرام عن فلان – وهو من أنابه – ثم يقول : لبيك عمرة عن فلان ، أو لبيك حجاً وعمرة – حسب النسك الذي طُلب منه – فإن نسي اسم من قَصَدَ الحج له لم يضرَّه ، وتكفي النية .
ويجب على النائب أن يتقي الله ، ويحرص على تكميل النسك ، ولا يتساهل في شيء منه ، لأنه مؤتمن على ذلك.
ثياب الإحرام :
الإحرام هو نية الدخول في النسك ، وليس هو لبس ثياب الإحرام ، لأن لبسها تهيؤٌ للإحرام الذي لا ينعقد إلا بالنية .
ويستحب إحرام الرجل في إزار ورداء أبيضين نظيفين ، تأسياً بالنبي ﷺ ، ولأمره بذلك ، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، عند أحمد (8/500) وغيره ، بإسناد صحيح .
والإزار : ما يستر أسفل البدن ، ويُشدُّ على الحَقْوَيْنِ (1) ، والرداء : ما يستر أعلى البدن ويوضع على المنكبين .
وأما ما ظهر في الأسواق أخيراً من الإزار المخيط فالذي يظهر أنه لا ينبغي استعماله ، لأنه لما خيط خرج عن كونه إزاراً ، لأمرين :
الأول : من جهة اللغة ، فقد ذكر في ( تاج العروس ) (3/11) أن الإزار غير مخيط ، ويؤيد ذلك قول الشاعر :
النازلين بكل معتركٍ | والطيبين معاقد الأُزُرِ |
فالإزار يعقد على الحقوين ولا يخاط .
الثاني : حديث جابر t أن النبي ﷺ قال له : ( إن كان الثوب واسعاً فخالف بين طرفيه ، وإن كان ضيقاً فاتزر به ) متفق عليه .
فبين له ﷺ كيفية لباس الصلاة ، وهو أنه إن كان الثوب واسعاً ستر به جميع البدن ، وإن كان ضيقاً اكتفى بستر أسفل البدن ، ومعلوم أنه لو كان مخيطاً لما أمكن فيه ذلك ، فدل على أن الإزار اسم لما يستر أسفل البدن وليس مخيطاً .
ما يجتنبه المحرم من اللباس:
عن ابن عمر ب أن رسول الله ﷺ سئل : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال: « لا تلبسوا القُمُص ، ولا العمائم ، ولا السراويلات ، ولا البرانس ، ولا الخفاف ، إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسَّه الزعفران ولا الورس » أخرجه البخاري (1542) ومسلم ( 1177) واللفظ له .
هذا الحديث من جوامع الكلم ، فإنه ﷺ سُئل عما يلبس المحرم . فأجاب بما لا يلبس ، لبيان أن كل ما عدا هذه المذكورات وما يشابهها فإنه يلبسه المحرم ، وقد ذكر فيه ستة أنواع :
1 – القُمُص : وهو جمع قميص ، وهو الثوب ذو الأكمام ، ويلحق به ما يشبهه مثل : الكوت ، والقباء ، والفنيلة .
2 – العمائم : وهي جمع عمامة ، وهي ما يلف على الرأس ، ويقاس عليها الطاقية وما في معناها .
3 – السراويلات : وهي جمع سراويل ، وه المئزر ذو الأكمام ، ويقاس عليه التبان ، وهو سروال قصير ، ويجوز لبس السراويل لعدم الإزار ، كما ثبت في حديث ابن عباس ب .
4 – البرانس : وهي جمع برنس ، وهو الثوب الشامل للبدن والرأس ، ويلحق به العباءة .
5 – الخفاف : وهي جمع خف ، وهو ما يلبس على القدم ساتراً لها من جلد . ويجوز لبسه لعادم النعلين ، ولا يلزم قطعهما أسفل الكعبين ، لأن الأمر بذلك منسوخ . وهذه الأنواع الخمسة خاصة بالذكور .
6 – الثياب المطيبة بزعفران ، أو ورس « وهو نبت طيب الرائحة ، لونه أحمر » ، ويقاس عليهما بقية أنواع الطيب ، وهذا محرم على الذكور والإناث .
وضابط ما تقدم أن كل ما خيط على قدر البدن أو على جزء منه ، أو عضو من أعضائه فالمحرم ممنوع منه .
وقد اشتهر في كتب المناسك لفظ « المخيط » وهذا لم يرد في السنة ، وإنما جرى على لسان بعض التابعين([1]) حتى كثر استعماله في كتب الفقه ، فطن كثير من الناس أن المقصود به كل ما فيه خيط ، فطنوا أنه لا يجوز لبس الرداء الموصَّل لقصره ، أو لضيقه ، أو ما خيط لشقٍّ فيه ، وكذا الأحذية والأحزمة التي فيها خيوط ، وهذا غير صحيح ، بل المراد به ما تقدم ، وليس المراد ما فيه خيط ، ولو اقتصر الفقهاء على ما ورد في السنة ، وأُلحق به ما أشبهه لكان أوضح ، وأبعد عن الإيهام .
ما تجتنبه المرأة من اللباس :
وأما المرأة فتحرم بما شاءت من الثياب ، من غير تقيد بلون معين ، بشرط ألا تكون ملابس زينة تلفت النظر ، أو فيها تشبه كالثوب الأبيض ، وتمنع من شيئين :
الأول : النقاب ، وهو ما يُنقب فيه للعينين ، فلا يجوز لها لبسه .
الثاني : القفاز ، وهو غلاف ذو أصابع تُدخل فيه الكف ، وهو المعروف بشراب اليدين ، لقوله ﷺ : ( ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ) أخرجه البخاري (1542) ومسلم (1177) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وهذا لفظ البخاري (1838) .
أما ما تفعله بعض النساء من لبس النقاب وفوقه الحجاب ، لقصد رؤية الطريق فالظاهر – والله أعلم – أن عموم النهي عن النقاب يشمله ، لتحقق لبسه ، فإن قيل : ألا يجوز للحاجة ، ولكونه غير ظاهر ؟ فالجواب : أن ما فُعل من محظورات الإحرام للحاجة ففيه الفدية ، وكونه غير ظاهر قد لا يؤثر في الحكم ، لما تقدم .
ويجوز لكل من الرجل والمرأة تبديل ثياب الإحرام وغسلها بعد الإحرام ، وأما ظن بعض النساء أن المحرمة تبقى على ثياب إحرامها ، وليس لها تبديلها أو غسلها ، فكل ذلك لا أصل له ، والله أعلم .
الأنساك الثلاثة:
نقل ابن قدامة : في « المغني » (5/82) إجماع أهل العلم على جواز الإحرام بأيّ الأنساك الثلاثة شاء، وإنما الخلاف في الأفضل .
وأفضل الأنساك في حق من لم يسق الهدي هو التمتع – وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ، ثم يَحِلُّ منها، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن - .
وأما من ساق الهدي فالأفضل في حقه القِران – وهو أن يحرم بالعمرة والحج معاً من الميقات - ، وهو نسك النبي ﷺ ، لأنه ﷺ أمر أصحابه بالتمتع ، وقال : « لولا أن معي الهدي لأحللت » وفي لفظ : « ولولا هديي لحللت كما تَحِلُّون » أخرجه البخاري (1651-7367) ومسلم (1216) فإن أحرم بالقِران وليس معه هدي جاز ، لكن عليه هدي على أحد القولين لأهل العلم ، قياساً على المتمتع ، لأنه في معناه .
ولا فرق في حكم التمتع والقِران بين أهل مكة وغيرهم من أهل الآفاق ، إلا أن أهل مكة لا هدي عليهم ، لكونهم حاضري المسجد الحرام ، على أحد الأقوال ، وهو أن الإشارة في قوله تعالى {ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، أما من أحرم بالحج وحده – وهو المفرد – وكذا القارن الذي لم يسُق الهدي ، فإنه يستحب في حقه أن يفسخه إلى عمرة ، كما هو مذهب الإمام أحمد : ، وذهب جماعة من أهل العلم إلى وجوب الفسخ ، لأن النبي ﷺ أمر أصحابه بذلك .
فإن ضاق الوقت كمن أحرم صبح يوم عرفة فهذا يُحتمل أن يقال : بإمكان تمتعه ، ويحتمل أن يقال : بأن يحرم مفرداً أو قارناً ، وهذا هو الأظهر ، لأن صورة التمتع غير ظاهرة في حقه ، لقوله تعالى : فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وعلى هذا فيبقى على نسكه ، ولا يشرع له الفسخ ، لضيق الوقت ، ولأن الإفراد أحد الأنساك الثلاثة ، ولا سيما في حق من يفرد للعمرة سفراً مستقلاً ، والله تعالى أعلم .
والمتمتعة التي أحرمت بالعمرة إذا حاضت قبل الطواف و خافت فوات الحج بأن لم تطهر حتى يوم عرفة فإنها تحرم بالحج وتصير قارنة ، وهكذا لو خشي غيرها فوات الحج أحرم وصار قارناً ، لفعل عائشة ل .
صلاة الإحرام :
يرى أكثر أهل العلم استحباب ركعتين قبل الإحرام ، تأسياً بالنبي ﷺ ، فإنه أحرم في حجة الوداع بعد فريضة ، والذي يظهر – والله أعلم – أنه إن وافق الإحرام وقت فريضة فأحرم بعدها فحسن ، وكذا لو أحرم بعد صلاة تطوع اعتادها كركعتي الضحى ، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه ، فيحرم بدون صلاة ؛ لأنه لم يرد عن النبي ﷺ في ذلك شيء ، لكن من أحرم من ذي الحليفة سُنَّ له أن يصلي ركعتين ؛ لحديث عمر t قال : سمعت رسول الله ﷺ بوادي العقيق ، يقول : ( أتاني الليلة آتٍ من ربي ، فقال : صلِّ في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرةٌ في حجة ) أخرجه البخاري (1534) .
وظاهر هذا أن هذه الصلاة خاصة بهذا المكان ، لبركته ، لا لخصوص الإحرام ، فإنه يحتمل أن المراد صلاة الفريضة لا صلاة ركعتي الإحرام ، ويحتمل أن المراد الصلاة لأجل الإحرام ، لكن لا يثبت هذا الحكم في المواقيت الأخرى ، والله أعلم .
استعمال الصابون للمحرم:
يجوز للمحرم أن يستعمل الصابون لإزالة الوسخ أو الدسم ونحو ذلك ، لأنه لا يسمى طيباً ، ولا يُعَدُّ مستعمله متطيباً ، وكذا يجوز له أن يستعمل في غسل رأسه المستحضرات الحديثة ، وقد أجاز الفقهاء شمَّ ما نبت بنفسه مما له رائحة طيبة ، كالشيح والخزامى ونحوهما مما لا يُتخذ طيباً ، أو ما ينبته الآدمي كالريحان الفارسي – وهو الحَبَقُ – ومثله النعناع .
وأما الزعفران فهو طيب ، لذا فالأحوط تركه في القهوة ما دام محرماً ، وقد ورد نهي المحرم عن الثوب الذي مسَّه زعفران . وله استعمال الهيل والقرنفل في القهوة ، لأنهما لا يدخلان في مسمى الطيب .
ويجوز للمحرم الادهان في بدنه بالزيت ونحوه من المستحضرات الحديثة ، وأما دهن رأسه ففيه خلاف مشهور ، وتركه أولى .
الاضطباع :
هو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن ، وطرفيه على عاتقه الأيسر ، وهذا من سنن طواف القدوم – وهو أول طواف يأتي به القادم إلى مكة – والاضطباع محله إذا أراد الطواف ، وليس كما يفعله كثير من المحرمين ، من الاضطباع منذ أن يحرم إلى أن يخلع ثياب الإحرام ، فهذا لا أصل له ، فينبغي التنبه له ، والتنبيه عليه ، قال ابن عابدين في « حاشيته » (2/512) : ( والمسنون الاضطباع قبيل الطواف إلى انتهائه لا غير ) .
اشتراط الطهارة للطواف :
ذهب الجمهور من أهل العلم إلى اشتراط الطهارة في الطواف لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي ﷺ قال : ( الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام ) أخرجه الترمذي (960) والدارمي (1/374) وابن خزيمة (4/222) والحاكم (1/409) (2/267) وهو حديث مختلف في رفعه ووقفه .
ولقول عائشة – رضي الله عنها – : ( إن أول شيء بدأ به النبي ﷺ حين قدم أنه توضأ ثم طاف ) أخرجه البخاري (1536) ومسلم (1235) ، وهذا وإن كان من قبيل الفعل إلا أنه قد يكون بياناً لقوله تعالى : ] وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [ [الحج/29] عند من يقول به ، ولم ينقل عن النبي ﷺ أنه أمر بالطهارة للطواف ، ولا نهى المحدث عن الطواف ، ولكنه طاف طاهراً ، ونهى الحائض عن الطواف ، ومَنْعُ الحائض لا يستلزم منع المحدث ، ولا ريب أن الطواف بطهارة أفضل وأحوط وأبرأ للذمة ، وفيه اتباع للنبي ﷺ ، وقد قال : ( لتأخذوا مناسككم ) ، لكن لو أحدث في أثناء الطواف ولا سيما في آخره وفي زحام شديد كأيام الحج فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ويبدأ طوافه فيه مشقة ، وما كان كذلك وليس فيه دليل بين فإلزام الناس به فيه نظر ، ومناسك الحج مبنية على التيسير ، والله أعلم .
إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف :
إذا أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة أثناء الطواف فإنه يصلي ثم يبدأ بعد الصلاة من موضعه الذي وقف فيه ، ويعتد ببعض الشوط الذي فعله قبل قطع الطواف ، ولا يلزمه أن يبدأ من الحجر الأسود ، وهذا هو الراجح من قولي أهل العلم ، لأنه قطع معفو عنه ، ولا دليل على بطلان أول هذا الشوط .
أما إذا أحدث في الطواف بريح أو غيره وأراد أن يذهب ويتطهر فإنه إذا رجع استأنف الطواف من أوله – على الراجح من قولي أهل العلم – قياساً على الصلاة ، والطواف من جنس الصلاة في الجملة ، كما أفتى بذلك الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – ( الفتاوى 17/216).
طواف الحامل والمحمول :
قد يطوف الإنسان ومعه آخر يحمله كطفل محرم – أيضاً – فيقع الطواف عن الحامل والمحمول ، ولا يلزم الحامل أن يطوف لنفسه طوافاً مستقلاً ، لأن كل واحد منهما طاف بنية صحيحة ، ويصدق عليه أنه طاف بالبيت ، والصبي إن كان مميزاً نوى الطواف ، وإن كان غير مميز نوى عنه وليه ، وهذا هو الراجح إن شاء الله تعالى ، ويؤيد ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة المرأة الخثعمية ، وفيه : ( فرفعت إليه امرأة صبياً ، فقالت : ألهذا حج ؟ قال : » نعم ، ولك أجر « ) أخرجه مسلم (1336) .
ووجه الدلالة : أن النبي ﷺ أخبر المرأة بصحة حج الصبي ، ولم يأمرها أن تطوف به طوفاً مستقلاً مع أن المقام مقام بيان وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، فلما لم يأمرها دل على جواز طوافها به محمولاً ، ويجزئ الطواف عنهما معاً .
وذهب بعض العلماء إلى أن الصبي إذا كان غير مميز فلا بد لوليه أن يطوف عن نفسه ثم يطوف بالصبي أو يسلمه إلى ثقة يطوف به ، لأن الصبي لم يحصل منه نية ولا عمل ، وإنما النية من حامله ، ولا يصح عمل واحد بنيتين لشخصين ، والسعي يأخذ حكم الطواف في هذا الحكم على هذا التفصيل .
وكذا لو دفع عربة يركبها الطفل أو الكبير أو المريض أجزأ ذلك عن الراكب ومن يدفع العربة ، والله أعلم .
تحية المسجد الحرام :
تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين كغيره من المساجد لعموم الأدلة ، وهذا في حق من دخله لانتظار الصلاة، أو انتظار رفقة ، ونحو ذلك .
أما من دخله لقصد الطواف ، سواء كان لحج أو عمرة أو كان تطوعاً ، فهذا يبدأ بالطواف ، وهو تحية المسجد في حقه ، وليس له أن يصلي ركعتين ثم يبدأ الطواف – كما يفعله بعض الناس – فإن هذا خلاف السنة، لأنه ﷺ لما دخل المسجد بدأ بالطواف ، كما في حديث جابر t وغيره ، ولأن المقصود افتتاح مكان العبادة بعبادة ، وعبادة الطواف تحصِّل هذا المقصود .
تقديم السعي على الطواف :
السنة تقديم الطواف على السعي ، سواء كان في حج أو عمرة تأسياً بالنبي ﷺ ، بل قال جمهور من أهل العلم : إنه لا يجوز تقديم السعي على الطواف ، فمن قدمه أعاد بعد الطواف .
وحجتهم في ذلك قوله ﷺ : ( لتأخذوا مناسككم ) وهذا هو الذي ينبغي للمسلم أن يأخذ به ، لكن لو سعى قبل أن يطوف جاهلاً أو ناسياً صح سعيه – إن شاء الله – ولا يلزمه إعادته بعد الطواف ، وقد قال بذلك بعض أهل العلم قديماً وحديثاً ، ولكن بعضهم قيد ذلك بالنسيان دون العمد ، وبعضهم أطلق فلم يقيد .
وقد ورد في ذلك حديث أسامة بن شريك t قال : خرجت مع النبي ﷺ حاجاً ، فكان الناس يأتونه ، فمن قال : يا رسول الله ! سعيت قبل أن أطوف أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً ، فكان يقول : ( لا حرج ، لا حرج ، إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم فذلك الذي حَرِجَ وهَلَكَ ) أخرجه أبو داود (2015) وإسناده صحيح ، كما قال الشيخان : الألباني وابن باز ، عليهما رحمة الله ، [ ومعنى ( اقترض ) أي : اقتطع ، والمراد : نال منه ] .
وهو عام في سعي العمرة وسعي الحج ، لكن طعن بعض الأئمة في لفظة ( سعيت قبل أن أطوف ) فقد قال الحافظ البيهقي في ( السنن الكبرى ) (5/146) : ( هذا اللفظ » سعيت قبل أن أطوف « غريب ، تفرد به جرير عن الشيباني ، فإن كان محفوظاً فكأنه سأله عن رجل سعى عقيب طواف القدوم قبل طواف الإفاضة ، فقال : » لا حرج « والله أعلم ) وتبعه على ذلك ابن القيم في ( زاد المعاد ) (2/259) فقال : ( قوله : » سعيت قبل أن أطوف « في هذا الحديث ليس بمحفوظ ، والمحفوظ: تقديم الرمي والنحر والحلق بعضها على بعض ) .
وعلى هذا فالأحوط ألا يقدِّم السعي ، ومن قدمه جاهلاً أو ناسياً ثم طاف بعده فلعله أن يجزئه ، وإن احتاط لنفسه وخرج من خلاف العلماء ، فسعى ثانية بعد طوافه فهو أكمل وأحسن ، لأن الحديث كما ترى فيه مقال ، والعلم عند الله تعالى .
وجوب البقاء في عرفة حتى الغروب:
ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن الوقوف بعرفة إلى ما بعد غروب الشمس فيمن وقف نهاراً واجب من واجبات الحج ، فمن خرج قبل الغروب فقد ترك واجباً ، وصحَّ حجه ، والواجب هو الجمع بين النهار وجزء من الليل لما يلي :
1 – أن النبي ﷺ وقف كذلك ، وقال : « لتأخذوا مناسككم » ، وكونه ﷺ مكث بعرفة إلى ما بعد الغروب ثم دفع ، دليل على وجوب ذلك ، لأن الدفع نهاراً أسهل ، ولا سيما في ذلك الزمان ، حيث يمشي الناس على الإبل والأقدام ، ومع هذا لم يدفع إلا بعد الغروب .
2 – أن الرسول ﷺ دفع من عرفة قبل أن يصلي المغرب ، مع أن وقت المغرب قد دخل ، فلو كان الدفع قبل الغروب جائزاً لدفع وصلى المغرب في مزدلفة في أول وقتها ([2]) .
وقد ورد في حديث عروة بن المضرِّس أن النبي ﷺ قال : « من شهد صلاتنا هذه – يعني الفجر – ووقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمَّ حجه ، وقضى تفثه » أخرجه أبو داود (1950) والنسائي(5/263) والترمذي (891) وابن ماجه (3016) وأحمد (26/142) وقال الترمذي:( هذا حديث حسن صحيح ) وهذا يستدل به من يرى جواز الانصراف من عرفة قبل الغروب ، لأن قوله : « أو نهاراً » يفيد أن من وقف نهاراً ودفع قبل الغروب أنه تم حجه ، والتعبير بلفظ التمام ظاهر في جواز ذلك ، وأنه لا يُحتاج إلى جبره بالدم . وهذا استدلال واضح ، إلا أنه معارض بفعل النبي ﷺ وخلفائه من بعده ، فإنهم لم يدفعوا إلا بعد غروب الشمس ، فقُيِّد بذلك إطلاق الحديث .
الانصراف من مزدلفة بعد مغيب القمر :
دلت السنة الصحيحة على أن للضعفة من النساء والصبيان ومن كان برفقتهم أن ينصرفوا من مزدلفة إلى منى بعد مغيب القمر ، كما في حديث ابن عباس وابن عمر وحديث أسماء – رضي الله عنهم – ، وهي في الصحيحين ، وكذا غيرها من الأحاديث .
فإذا قدموا منى رموا جمرة العقبة ، ولهم أن يحلقوا ويطوفوا بالبيت .
وأما الأقوياء فليس لهم أن يرموا جمرة العقبة قبل طلوع الشمس ، لأن جميع الأحاديث الواردة في الترخيص في الرمي قبل طلوع الشمس كلها في الضعفة ، وليس شيء منها في الأقوياء الذكور .
لكن من كان تابعاً للضعفة فله حكمهم على ما يستفاد من ظواهر الأدلة ، وأما حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال لنا النبي ﷺ : ( لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ) أخرجه أحمد وأصحاب السنن ، ففي سنده ضعف ، وقد ضعفه الإمام البخاري – رحمه الله – في [التأريخ الصغير ص (135) ] وعلى فرض صحته – كما يرى الترمذي وابن حبان رحمهما الله – فهو محمول على الندب ، كما نبه على ذلك الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في (فتح الباري 3/529) والله أعلم .
وهذا التيسير المستفاد من الأدلة مناسب جداً لهذا الزمان ، فإن كون التابع يذهب بالضعفة كالنساء إلى جمرة العقبة ويرمين ، ثم هو لا يرمي ، ويذهب بهم إلى البيت للطواف فمتى يرمي ؟ ثم ما حاله مع الزحام في آخر الليل لترمي النساء ، ثم يرجع للزحام بعد طلوع الشمس ليرمي لنفسه ؟؟.
أعمال يوم النحر وترتيبها :
أعمال يوم النحر أربعة : رمي جمرة العقبة ، وذبح الهدي – إن كان عليه هدي وهو المتمتع والقارن – والحلق ، وطواف الإفاضة ، وبالرمي والحلق يحصل التحلل الأول – على الأظهر في هذه المسألة – وليس للهدي أثر في التحلل ، إلا أن الأفضل للقارن أن لا يتحلل حتى ينحر هديه تأسياً بالنبي ﷺ .
والأفضل أن يرتب الحاج هذه الأعمال ، كما فعل النبي ﷺ حيث رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف ، ولا يقدم بعضها على بعض إلا إن كان ناسياً أو جاهلاً – كما دلت السنة على ذلك وهو محل إجماع – ، أما العامد فهو موضع خلاف بين أهل العلم ، لذا فالأحوط للمكلف ألا يتعمد تقديم شيء على شيء متى كان قادراً على الترتيب بلا مشقة تلحقه ، بل يرتبها تأسياً بالنبي ﷺ وخروجاً من خلاف العلماء ، وإن كنت أميل إلى أن الحكم عام في الجاهل وغيره ، لكن من الناس من يخالف ترتيب النبي ﷺ لأقلِّ سبب أو بدون سبب ، وهذا لا ينبغي ، لأن الترتيب هو الأصل ، فإنه ﷺ فعل المناسك أمام الأمة ، وقال : ( لتأخذوا مناسككم ) .
مكان نحر الهدي :
ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن نحر الهدي لا بد أن يكون داخل الحرم في مكة أو منى أو مزدلفة ، سواء كان هدي تطوع أو هدي تمتع أو قران ، لقوله تعالى : ] ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [ [الحج/33] والمراد بذلك : الحرم كله ، كما ذكر المفسرون ، وقال ﷺ : ( نحرت هاهنا ومنى كلها منحر ) أخرجه مسلم من حديث جابر t (1218) (149) ، وعند أبي داود (1937) وابن ماجة (3048) وأحمد (22/381) بلفظ ( كل فجاج مكة طريق ومنحر ) وأخرجه البيهقي (5/239) عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : ( مناحر البدن بمكة ، ولكنها نزهت عن الدماء ، ومنى من مكة ) وإسناده صحيح ، وعلى هذا فلا ينحر هديه في عرفة أو غيرها من الحل ، لأنها خارج الحرم ، فلا يجزئ على المشهور عند أهل العلم ، وبعض الناس قد يغفل عن ذلك ، فينبغي التنبه له .
أما الهدي لفعل محظور – كحلق الرأس – فهذا يجوز أن يكون في محل فعل المحظور ويجوز أن يكون في الحرم ، لأن ما جاز في الحل جاز في الحرم إلا جزاء الصيد فلا بد أن يكون في الحرم ، لقوله تعالى : ] فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ [ [المائدة/95] .
وأما هدي الاحصار – وهو وجود مانع من الوصول إلى البيت – فإنه يذبحه في مكان الإحصار لقوله تعالى : ] فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ[ [البقرة/196] ، لكن لو أراد نقله إلى مساكين الحرم فلا بأس لما تقدم ، والله أعلم .
مكان تفريق لحم الهدي :
يفرق لحم الهدي داخل حدود الحرم ، ثم إن كان هدي تمتع أو قران أو تطوع فله أن يأكل منه ويهدي ويتصدق على مساكين الحرم ، لأنه ﷺ أكل من لحم الهدي ، كما في حديث جابر t عند مسلم ، ولأنه دم نسك فهو بمنزلة الأضاحي ، فإن أرسل منه إلى الفقراء في العالم الإسلامي فهذا عمل مشكور وجهد طيب .
وإن كان لترك واجب – على القول به – فإنه يتصدق بجميع لحمه على مساكين الحرم ، ولا يأكل منه شيئاً .
الحلق أو التقصير :
الحلق أو التقصير نسك في الحج والعمرة ، لأن النبي ﷺ دعا لمن فعل ذلك بالمغفرة بقوله : ( اللهم اغفر للمحلقين ، قالوا : يا رسول الله وللمقصرين ، قال : اللهم اغفر للمحلقين ، قالوا : يا رسول الله وللمقصرين ، قال : اللهم اغفر للمحلقين ، قالوا يا رسول الله وللمقصرين ، قال : وللمقصرين ) أخرجه البخاري (1728) ومسلم (1302) عن أبي هريرة t ، وفي حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – الدعاء بالرحمة ، أخرجه البخاري (1727) ومسلم (1301) .
والحلق : إزالة شعر الرأس كله بالموسى ونحوه ، والتقصير : قص أطراف شعر الرأس من جميع نواحيه بالمقص أو بالآلة المعروفة .
والحلق أفضل للقارن والمفرد والمعتمر عمرة مفردة ، ولا يستثنى إلا المتمتع الذي قدم مكة متأخراً بحيث لا ينبت شعره قبل الحج ، فهذا التقصير في حقه أفضل ، كما أمر النبي ﷺ بذلك أصحابه في حجة الوداع ، ليجمعوا بين التقصير في العمرة والحلق في الحج ، ولو حلقوه في العمرة حينئذٍ لم يبق في الرأس شعر يحلق في الحج ، وما عدا ذلك فالحلق أفضل لأن الله تعالى قدمه في قوله :] مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [ [الفتح/27] ، ولأنه فِعْلُ النبي ﷺ كما أخرجه مسلم (1304 – 1305) من حديث أنس – رضي الله عنهما – ، وما كان أقرب إلى موافقة فعله فهو أفضل ، ولأنه ﷺ كرر الدعاء للمحلقين بالمغفرة والرحمة ، ودعا للمقصرين مرة واحدة – كما تقدم – ، ولأنه أكمل في التعبد لله تعالى والتعظيم .
ويلاحظ على كثير من الناس – ولا سيما الشباب – أنهم لا يحلقون رؤسهم بل يكتفون بالتقصير ، ويظهر ذلك جلياً في العمرة – كما في الإجازة الصيفية أو في رمضان – وهذا فيه رغبة عن فعل الأفضل ، وضَنٌّ (1) بالشعر ، والنسك تكره الضِّنَّةُ فيه بالمال والنفس ، فكيف بالشعر ؟! .
مقدار التقصير :
وقع الخلاف بين أهل العلم في مقدار ما يُقَصَّرُ من شعر الرأس ، والقول الذي يظهر صوابه – والله أعلم – أنه لا بد من تقصير جميع شعر الرأس ، وذلك بأن يعم ظاهر الرأس ، وليس معناه أن يأخذ من كل شعرة بعينها ، ووجه ذلك أن الله تعالى قال : ] مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ [ [الفتح/27] والفعل المضاف إلى الرأس يشمل جميعه ، ومن قصر بعض رأسه لا يقال : إنه قصر رأسه ، وإنما قصر بعضه ، ولأن النبي ﷺ أمر أصحابه الذين ليس معهم هدي بالتقصير بعد فراغهم من الطواف والسعي ، والظاهر أنه تقصير لجميع الرأس ، لأن ظاهر اللفظ ينصرف إلى ذاك ، ولأن التقصير يقوم مقام الحلق ، والحلق لجميع الرأس فكذا التقصير ينبغي أن يكون لجميع الرأس .
وجوب الرمي بسبع حصيات :
جمهور العلماء على أن الرمي بسبع حصيات شرط من شروط صحة الرمي ، فإن نقص واحدة لم يصح الرمي ، وعليه الرجوع إلى إتمام ما نقص ، لأن النبي ﷺ رمى كل جمرة بسبع حصيات – كما نقل ذلك جابر وغيره من الصحابة – وقال : ( لتأخذوا مناسككم ) فيجب الاقتداء به ﷺ في ذلك ، ولا يعرف أنه أذن لأحد أن يرمي بأقل من سبع .
وأما ما أخرجه النسائي (5/275) وغيره ، عن مجاهد قال : قال سعد t : ( رجنا في الحجة مع النبي ﷺ وبعضنا يقول : رميت بسبع حصيات ، وبعضنا يقول : رميت بست ، فلم يَعِبْ بعضهم على بعض ) فهو أثر منقطع ، لأن مجاهداً لم يسمع من سعد بن أبي وقاص t ، كما قاله ابن القطان ، والطحاوي وغيرهما ، نقل ذلك في ( الجوهر النقي ) (5/149) وذكر أن الأخبار تظاهرت بوجوب السبع ، ولم يثبت أن الرسول ﷺ أقر الصحابة على ذلك ، ولا اجتهاد في موضع النص .
مكان أخذ حصى الجمار :
ليس لحصى الجمار مكان معين تُلقط منه ، بل تؤخذ من أيّ مكان من مزدلفة أو من منى أو من الطريق ، لأن النبي ﷺ لم يحدد لذلك مكاناً ، وعلى هذا فليس من السنة أن الحاج إذا وصل مزدلفة ليلاً أن يشتغل بلقط حصى جمرة العقبة أو جمار أيام التشريق ، كما يفعل بعض الحجاج .
وفي حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – ( وفي روايةٍ الفضلُ بن عباس ) قال : قال رسول الله ﷺ غداة العقبة وهو واقف على راحلته : ( هاتِ الْقُطْ لي … الحديث ) أخرجه أحمد (3/350) والنسائي (5/197) وابن ماجة (3029) وإسناده صحيح على شرط مسلم .
وليس في الحديث نص على المكان ، وإن كان ظاهره أنه لقطها له من مزدلفة ، لأن قوله ( غداة العقبة ) يدل على أنه أول النهار ، وقد كان ﷺ أول النهار في مزدلفة ، ولكنه ليس صريحاً في ذلك بل يحتمل أنه أخذها من منى عند الجمرة ، فإنه لم يحفظ عنه ﷺ أنه وقف بعد مسيره من مزدلفة إلى منى ، ولأن هذا هو وقت الحاجة إليه ، فلم يكن ليأمر بلقطها قبله لعدم الفائدة فيه ، وتَكَلُّفِ حمله ،وعلى فرض المعنى الأول ، فليس عاماً في جميع الجمار ، بل هو خاص بجمرة العقبة ، والمقصود أنه يلقط حصى الجمار من أيِّ مكان ، والله أعلم .
حكم الشك في عدد الحصى :
يجب الرمي بسبع حصيات لكل جمرة من الجمار الثلاث في أيام التشريق ، وعلى من نقص حصاةً أو اكثر أن يرجع ويتم ما نقص .
ومن سقط منه حصاة أو أكثر قبل الرمي فله أن يأخذ من الحصا الموجود عند الحوض ويرمي به ، ولو كان قد رُمي به ، وهذا هو الصحيح في هذه المسألة ، وقد نص الإمام الشافعي – رحمه الله – على جواز ذلك ، إذ لا دليل على المنع ، ولأنه حجر لم يتغير منه شيء ، ويمكن رميه مرة أخرى ، والمعنى الذي من أجله شرع الرمي موجود فيه ، مع ما في ذلك من التيسير على الناس ، فإن الإنسان قد يسقط منه حصاة وهو على الحوض ، فكونه يؤمر بأن يخرج ويأتي بها من بعيد ، ثم يدخل للرمي مرة أخرى – وقد يكون زحاماً – لا يخلو ذلك من مشقة .
ومن شك في عدد الحصا ، فقاعدة الفقهاء أنه لا يلتفت إلى الشك بعد الفراغ من العبادة ، ومع ذلك فالأحوط أن يزيل الشك باليقين إذا كان عند الجمرة ، فإن رجع إلى منزله لم يلتفت إلى ذلك ، والله أعلم .
التوكيل في رمي الجمار :
الأصل أن الحاج يرمي الجمار بنفسه ، سواء كان رجلاً أم امرأة ، ولا يوكل أحداً يرمي عنه ، سواء كان الحج فرضاً أم نفلاً ، لأن الرمي نسك من مناسك الحج وجزء من أجزائه فلا بد أن يفعله بنفسه ، لكن إن وجد عذر من مرض أو كبر أو صغر أو كانت امرأة معها أطفال وليس عندها من يحفظهم ، ونحو ذلك مما لا يستطيع الرمي بسببه ، جاز أن ينيب من يرمي عنه ، سواء لقط الموكِّل الحصا وسلمها للوكيل ، أو لقطها الوكيل بنفسه .
أما مع القدرة فلا ينبغي التساهل في هذا النسك ، لأنه عبادة والمطلوب من المكلف أن يباشرها بنفسه .
وصفة ذلك أن يرمي الوكيل عن نفسه أولاً ، ثم يرمي عن موكله بالنية في موقف واحد ، ولا يلزمه أن يرمي عن نفسه جميع الجمار ثم يرجع مرة أخرى للرمي عن موكله ، لعدم الدليل على ذلك ، ولأن ذلك فيه مشقة ، ولا سيما في هذا الزمان ، وقد يؤدي إلى تقليل التعاون ، فيحصل الامتناع عن الرمي عمن هو بحاجة إلى الاستنابة .
والأظهر – والله أعلم – أنه إذا زال عذر الموكِّل – كأن يبرأ من مرضه – وأيام الرمي باقٍ بعضها أنه يرمي جميع ما رُمي عنه ، لأن التوكيل إنما أبيح للضرورة ، فإذا زال العذر والوقت باقٍ فعليه أن يباشر العبادة بنفسه .
الرمي ليلاً :
رمى النبي ﷺ جمرة العقبة ضحى يوم النحر ، ورمى بعد ذلك في أيام التشريق بعد الزوال ، وقال : ( لتأخذوا مناسككم ) .
وقد اتفق العلماء على جواز الرمي إلى غروب الشمس من أيام التشريق ، وكذا يمتد رمي جمرة العقبة إلى غروب الشمس من يوم العيد على القول الراجح .
ووقع الخلاف في جواز الرمي ليلاً عن اليوم الذي غابت شمسه ، والراجح جوازه ، لأن النبي ﷺ حدد أول وقت الرمي بفعله ، ولم يحدد آخره ، وقد ورد عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي ﷺ رخَّص للرعاة أن يرموا بالليل ، أخرجه البزار (782 مختصر زوائده ) والبيهقي (5/151) ، وحسنه الحافظ في ( التلخيص 2/282 ) ، وله شاهد من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – ، أخرجه الطحاوي ( شرح معاني الآثار 2/221) والطبري ( تهذيب الآثار 1/222) .
وجاء في الموطأ (1/409) عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه ، أن ابنة أخٍ لصفية بنت أبي عبيد نُفِسَتْ بالمزدلفة ، فتخلفت هي وصفية حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر ، فأمرهما عبد الله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا ، ولم يَرَ عليهما شيئاً ، وإسناده صحيح .
وفي مصنف ابن أبي شيبة (4/30) عن عبد الرحمن بن سابط ، قال : كان أصحاب رسول الله ﷺ يقدمون حجاجاً فيدعون ظهرهم ، فيجيئون فيرمون بالليل ، وإسناده صحيح .
ولأن اليوم وقت للرمي ، والليل يتبعه في ذلك ، كليلة النحر تابعة ليوم عرفة في صحة الوقوف إلى طلوع الفجر .
فمن يشق عليه الرمي نهاراً كالمرأة ونِضْوِ الخلقة وكبيرِ السن فله أن يرمي ليلاً ، وكذا من يكون رميه ليلاً أيسر له وأكثر طمأنينة فإنه يرمي بالليل ، بل إنني أؤكد على من معه نساء ألا يرمي إلا ليلاً لا سيما في اليوم الحادي عشر ، لشدة الزحام ، أما اليوم الثاني عشر وهو يوم النفر الأول فالرمي قبيل الغروب ممكن بلا مشقة حتى للنساء ، ولا سيما من أراد أن يتعجل ليخرج من منى قبل غروب الشمس .
المبيت بمنى :
المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر – وكذا الثالث عشر لمن لم يتعجل – واجب من واجبات الحج ، لأن النبي ﷺ بات بها وقال:(لتأخذوا مناسككم ) ولأنه ﷺ رخص للسقاة والرعاة في ترك المبيت ، والتعبير بالرخصة يدل على وجوب المبيت لغير عذر .
ومن اجتهد ولم يجد مكاناً يليق بالمبيت سقط عنه ، وله أن يبيت خارجها ، ولا شيء عليه ، لعموم قوله تعالى : ] فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [[التغابن/16] وقوله تعالى : ] لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [ [البقرة/286] وقوله ﷺ : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) أخرجه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
وليس من ذلك المبيت في الشوارع أو على الأرصفة في طرق الناس والسيارات ، فإن في ذلك ضرراً عظيماً وخطراً جسيماً لا تأتي الشريعة بمثله ، ولا سيما في مناسك الحج القائمة على التيسير والتسهيل على المكلفين ، وأعظم من ذلك أن يبيت في الشوارع أو على الأرصفة ومعه نساء ، فهذا ومن قبله يسقط عنه المبيت ، لما في ذلك من الضرر ، فإن المرأة إن بقية جالسة فهذا فيه مشقة ، وإن اضطجعت فليس من الأدب أن تضطجع في طريق الناس ، وقد يظهر شيء من بدنها دون أن تشعر ، ومن يفعل ذلك فإنما يفعله بدافع الحرص على تأدية الواجب ، وهذا أمر مطلوب في المناسك ، لكن إذا وجد العذر سقط الواجب ، والله أعلم .
الرمي قبل الزوال :
لا يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق ، لأن النبي ﷺ رمى بعد الزوال ، وقال : ( لتأخذوا مناسككم ) فيكون الرمي داخلاً في هذا العموم .
وقد رمى النبي ﷺ يوم النحر ضحى ، ورمى في أيام التشريق بعد الزوال ، كما ذكر ذلك جابر t ، فدل على اختلاف الحكم ، ثم لو كان الرمي جائزاً قبل الزوال لفعله النبي ﷺ ، لما فيه من المبادرة بالعبادة في أول وقتها ، ولما فيه من التيسير على الناس ، وتطويل وقت الرمي .
وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( كنا نتحين ، فإذا زالت الشمس رمينا ) أخرجه البخاري (1746) .
وهذا قول الجمهور من أهل العلم ، وهو الراجح في هذه المسألة – إن شاء الله – فمن رمى قبل الزوال وجب عليه أن يعيد ، لأنه رمى قبل دخول وقت الرمي ، ولا فرق في ذلك بين اليوم الثاني عشر وهو يوم النفر الأول ، أو غيره من أيام التشريق ، وإن كان بعض العلماء أجاز الرمي قبل الزوال في يوم النفر الأول وهو اليوم الثاني عشر ، واستدل بالآية الكريمة : ] فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [ [البقرة/203] لكن ذلك معارض بفعل الرسول ﷺ – كما تقدم – .
ووقت الرمي فيه سعة – ولله الحمد – ولا موجب للرمي قبل الزوال إلا العجلة التي عليها غالب الناس في زماننا هذا ، والله المستعان .
من تعجل في اليوم الثاني عشر وأدركه الغروب :
من تعجل في الخروج من منى في يوم النفر الأول ، وهو اليوم الثاني عشر من أيام التشريق بأن حمل متاعه وركب سيارته قبل الغروب ثم حبسه المسير في سيارته ، لكثرة السيارات ، أو لعذر آخر فإنه يتعجل ويستمر في سيره ولا يلزمه المبيت بمنى تلك الليلة والرمي من الغد ، لأنه قد أخذ في التعجل وتهيأ له ثم حُبِسَ بغير اختياره ، وكذا لو خرج من منى قبل الغروب ثم عاد إليها بعده لحاجة نسيها أو نحو ذلك جاز له أن يستمر في طريقه ولا يلزمه المبيت ، لكن من أخَّر الرمي إلى ما بعد الغروب لزمه المبيت ، لأنه لا يصدق عليه أنه تعجل ، والله أعلم .
إجزاء طواف الإفاضة عن طواف الوداع :
إذا أخر طواف الإفاضة – وهو طواف الحج – فطافه عند خروجه من مكة أجزأ عن طواف الوداع ، لكن ينوي طواف الحج ، لأنه ركن ، وطواف الوداع واجب ، فيجزئ الأعلى عن الأدنى لا العكس ، وإنما أجزأ طواف الإفاضة عن الوداع ، لأن المأمور به أن يكون آخر عهده بالبيت ، وقد فعل ، وهما عبادتان من جنس واحد فأجزأت إحداهما عن الأخرى .
وهذا واضح بالنسبة للمفرد والقارن الذي سعى سعي الحج مع طواف القدوم ؛ إذ ليس عليه بعد ذلك إلا الطواف ، ويكون آخر عهده بالبيت .
أما المتمتع الذي أخرَّ طواف الإفاضة إلى وقت خروجه من مكة فإن عليه السعي بعده ، فلا يكون آخر عهده بالبيت ، فهل يحتاج إلى وداع بعده ؟
الأظهر – والله أعلم – أنه لا يحتاج إلى وداع بعد السعي ، لأن السعي تابع للطواف ، فلا يضر الفصل بين الطواف وبين الخروج بالسعي ، وقد بوب البخاري – رحمه الله – فقال (3/612) : ( باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع ؟ ) ثم أورد حديث عائشة – رضي الله عنها – ، وفيه : ( أخرج بأختك من الحرم فَلْتُهِلَّ بعمرة ثم افرُغا من طوافكما ) وظاهره أنها لم تؤمر بوداع ، قال ابن بطال – رحمه الله – في شرحه على البخاري (4/445) : ( لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف وخرج إلى بلده أنه يجزئه من طواف الوداع ، كما فعلت عائشة ) ونقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري ، وأقرَّه .
لكن يشكل على ذلك رواية أخرى للبخاري (1560) وفيها تقول عائشة – رضي الله عنها – بعد أن أمر الرسول ﷺ أخاها أن يخرج بها لأداء العمرة : ( فخرجنا حتى إذا فرغتُ ، وفرغتُ من الطواف ) فهذا ظاهره أن الفراغ لأول من العمرة ، والفراغ الثاني من طواف الوداع ، ولعل هذا هو الذي جعل البخاري ساق الترجمة بلفظ الاستفهام ، ولم يبتَّ في الحكم ، والله أعلم .
( من مسائل العمرة )
من سافر إلى جدة لحاجة وهو يريد العمرة :
من سافر إلى جدة لحاجة وهو يريد العمرة ، ففيه تفصيل ، فإن كان قصده السفر لأجل النسك وهو إرادة العمرة وحاجته تبع لذلك ، فإنه يجب عليه الإحرام إذا وصل الميقات أو حاذى أحد المواقيت – كذي الحليفة مثلاً – لقوله ﷺ في المواقيت : ( هن لهن ، ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة ) أخرجه البخاري (1524) ومسلم (1181) من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – ، وهذا يصدق عليه أنه أتى على ميقات وهو مريدٌ العمرة ، فيلزمه الإحرام .
وإن كان قصده السفر لحاجته ، و النسك جاء تبعاً ، بمعنى أنه إن تيسر له وكان عنده متسع من الوقت أتى به ، فهذا لا يلزمه إحرام إذا مرَّ بالميقات ، بل له أن يتجاوزه بدون إحرام ، لأنه وقت مروره بالميقات غير مريدٍ الحجَّ ولا العمرةَ .
فإذا انتهت حاجته وهو في جدة وأراد العمرة أحرم منها ، ولا يلزمه أن يذهب إلى أحد المواقيت ، لأن جدة ميقات لأهلها ولمن وفد عليها غير مريد للحج والعمرة ، ثم أنشأ إرادة الحج أو العمرة منها ، أما القادمون إليها ممن أراد الحج أو العمرة فليست ميقاتاً لهم ، لأنها داخل المواقيت ، فمن أحرم منها فقد تجاوز الميقات ، والله أعلم .
من لبس ثيابه قبل الحلق في العمرة :
إذا طاف المحرم وسعى ثم لبس ثيابه ناسياً قبل أن يحلق أو يقصر فعليه أن يخلع ثيابه متى ذكر ويلبس ثياب الإحرام ، ثم يحلق رأسه أو يقصر ، ثم يعيد ثيابه ، سواء تذكر ذلك في مكة أو في غيرها ، لأن الحلق أو التقصير نسك لا بد أن يأتي به في حال الإحرام .
وإن حلق أو قصر وعليه ثيابه جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه ، وكذا لو فعل قبل الحلق شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً فلا شيء عليه ، لعموم قوله تعالى : ] رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا[ [البقرة/286] وقوله ﷺ : ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) أخرجه ابن ماجة (2045) والبيهقي (7/356) وغيرهما ، وهو مروي عن عدد من الصحابة – رضي الله عنهم – ، وله طرق ، وشواهد من القرآن تدل على صحته .
طواف الوداع للعمرة :
دلت السنة الصحيحة على أن طواف الوداع من مناسك الحج وشعائره ، لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما – ، قال : ( أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن الحائض ) أخرجه البخاري (1755) ومسلم (1328) (380) ، وعنه – أيضاً – t ، قال : كان الناس ينفرون في كل وجه ، فقال رسول الله ﷺ : ( لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ) أخرجه مسلم (1327) وفي لفظ : ( كان الناس ينفرون من منى إلى وجوههم ، فأمرهم رسول الله ﷺ أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، ورخص للحائض ) أخرجه الحاكم (1/476) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي .
فهذا الحديث بألفاظه نص صريح في أن طواف الوداع خاص بالحج من وجهين :
الأول : أن النبي ﷺ قال ذلك في حجة الوداع ، وخاطب به الحجاج ، ولم ينقل أنه قال ذلك في عمرة من عُمَرِهِ .
الثاني : أن الأوصاف المذكورة لا تنطبق إلا على الحج ، لأنه لولا الوداع لكان الناس ينفرون من منى بعد رمي الجمرات إلى حيث شاءوا ، فأمروا أن يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت .
وأما العمرة فليس لها وداع ، بل نقل ابن رشد في ( بداية المجتهد ) (2/266) الإجماع على أنه ليس على المعتمر إلا طواف القدوم ، أي : طواف العمرة ، وقد صرح جمهور الفقهاء بأن طواف الوداع لا يجب على غير الحاج ، وذلك أنه لم يثبت عن النبي ﷺ أنه أمر الأمة بطواف الوداع للعمرة ، ولأنه ﷺ قد اعتمر أربع عُمَرٍ ولم ينقل أنه طاف للوداع في واحدة منها ، ولا أمر أحداً من أصحابه بذلك ، ولو حصل لنقل إلينا كنقل سائر المناسك ومنها طوافه للوداع في الحج .
وقد اعتمر أصحابه ﷺ و التابعون لهم بإحسان ولم ينقل أنهم كانوا يطوفون للوداع ، ولا تكلموا بذلك ، والأصل براءة الذمة ، فلا يُنتقل عنها إلا بدليل صحيح سالم عن المعارض ، وعلى هذا فليس للعمرة وداع سواء خرج المعتمر بعد أداء المناسك ، أو أقام في مكة ثم خرج ، والله أعلم .
تكرار العمرة :
دلت الأحاديث الصحيحة على فضل العمرة ، واستحباب الإكثار منها ، ومن ذلك ما تقدم من حديث أبي هريرة t أن الرسول ﷺ قال : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) متفق عليه .
وعن ابن مسعود t أن رسول الله ﷺ قال : ( تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب ، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة ) أخرجه أحمد (1/387) والنسائي (5/115) والترمذي (810) وهو حديث حسن ، وصححه الترمذي ، وله شواهد .
لكن ينبغي أن يعلم أن تكرار العمرة الذي ثبت فيه الثواب هو ما كان من الميقات في سفرة مفردة ، كما قرر ذلك أهل العلم ، ومنهم العلامة ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد (2/94-175-176) .
وأما الإحرام بالعمرة ثم الإحرام بأخرى بعد فراغه من الأولى ، فهذا ليس من هدي سلف هذه الأمة ، وهم أدرى منا بمعاني نصوص الشرع ، والعمرة عبادة ، ولا بد من دليل يفيد استحباب ذلك ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في الفتاوى (26/145) : ( والإكثار من الطواف من الأعمال الصالحة ، فهو أفضل من أن يخرج الرجل من الحرم ويأتي بعمرة مكية ، فإن هذا لم يكن من أعمال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، ولا رغَّب فيه النبي ﷺ أمته ، بل كرهه السلف ) .
وقال – أيضاً – (26/249) : ( فأما كون الطواف بالبيت أفضل من العمرة لمن كان بمكة ، فهذا مما لا يستريب فيه من كان عالماً بسنة رسول الله ﷺ وسنة خلفائه وآثار الصحابة وسلف الأمة وأئمتها … ) .
وقال – أيضاً – (26/264) : ( وهذا الذي ذكرناه مما يدل على أن الطواف أفضل ، فهو يدل على أن الاعتمار من مكة وترك الطواف ليس بمستحب ، بل المستحب هو الطواف دون الاعتمار ، بل الاعتمار فيه حينئذٍ بدعة ، لم يفعله السلف ، ولم يؤمر بها في الكتاب والسنة ، ولا قام دليل شرعي على استحبابها ، وما كان كذلك فهو من البدع المكروهة باتفاق العلماء ) .
وعلى هذا فما يفعله كثير من الناس من الإكثار من العمرة في رمضان أو بعد الحج أو في أوقات أخرى ، حيث يخرجون إلى التنعيم أو غيره من جهات الحل ، وقد سبق أن أتى الواحد منهم بعمرة من الميقات الذي مرَّ به ، فهذا كله غير مشروع ، لعدم الدليل عليه – كما تقدم – بل الأدلة تدل على تركه ، فإن النبي ﷺ وأصحابه لم يفعلوا ذلك في حجة الوداع ولا غيرها ، إلا عائشة – رضي الله عنها – ، كما سيأتي ، مع ما في ذلك من إيجاد الزحام في المطاف لأناس يطوفون إتماماً لمناسك حجهم – كما في أيام الحج – أو يطوفون لنسك أحرموا به من الميقات – كما في رمضان أو غيره – أو يطوفون تطوعاً – وهم أفضل من هؤلاء كما تقدم – ، وأما كون عائشة – رضي الله عنها – اعتمرت بعد حجتها فهذا لا دليل فيه على تكرار العمرة أو الإتيان بها بعد الحج لمن اعتمر قبله ، وذلك لأمرين:
الأول : أن عمرة عائشة – رضي الله عنها – من التنعيم إما أن تكون قضاء لعمرتها المرفوضة عند من يقول بذلك ، وإما أن تكون زيادة محضة وتطيباً لقلبها عند من يقول : إنها كانت قارنة .
الثاني : أن النبي ﷺ انتظر عائشة في الأبطح ومعه أصحابه وتأخروا لأجلها ، فلو كانت العمرة مشروعة لذهبوا جميعاً ، حرصاً على الثواب ، واستفادة من الوقت ، لكن لم يحصل ذلك ، فينبغي للمسلم أن يتأسى بنبيه وقدوته محمد بن عبد الله ﷺ ، وأن يكثر من الطواف بالبيت والدعاء ، فهذا هو الأفضل ، والله أعلم .
(1) الحَقْوُ : موضع شد الإزار ، وهو الخاصرة .
([1]) ذكر ابن عثيمين : في « الشرح الممتع » (7/147) أنه يذكر أن أول من عبر بالمخيط إبراهيم النخعي ، وقد بحثت عن ذلك فلم أجده ، ووجدت في « المبسوط » للسرخسي (4/138) أن زُفر بن الهذيل عبر بذلك ، وهو من أصحاب أبي حنيفة ، مات سنة (158هـ ) .
([2]) انظر : الشرح الممتع (7/418) .
(1) الضن : بالضاد هو : البخل ، يقال : ضَنَّ بالشيء يَضَنُّ ، من باب ( تعب ) بخل .