×
هذا الكتيب يبين تعريف الوصية، والأدلة الشرعية عليها، وأنواعها، والفرق بينها وبين الهبة، وأسباب نزول آية الفرائض، وبعض أحكامها ومبطلاتها، ونموذج لها.

 الوصية

ميادة بنت كامل آل ماضي

بسم الله الرحمن الرحيم

الوصية

إهداء إلى أخواتي في الله.

وإلى من تخاف من ربِّ العالمين.

إلى من توقن أنها ستلقى بالموت خالقها.

إلى من تحرص على التزود من دنياها لأخراها بطاعة مولاها.

إلى من تعلم أنها فقيرة إلى الله مهما ارتفعت مناصبهم وتؤمن أن الله هو الغني الحميد.

إلى من لم تنشغل بدنياها ولم تهمل آخرتها.

إلى من تتذكر الموت في كل وقت وحين.

إلى من تسأل الرحمة والمغفرة لمن سبقوها من المؤمنين.

إلى من يحببن لقاء رب العالمين.

إلى من تتزود بالصالحات لهذا اللقاء.

أهديكن هذه الوصية الشرعية المستقاة من منهل خير البرية عليه الصلاة والسلام، لكي تكون دائمًا بين أيديكنَّ للتذكير، والخوف من الله الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل، وحتى لا تغرنَّكم الحياة الدنيا بزينتها وشهواتها وملهياتها فتبعدكُنَّ عن الصراط المستقيم، وحتى يجعلنا الله وإياكُنَّ من المتقين ونفوز بالفوز العظيم وندخل جنات النعيم. آمين..

يا خادم الجسم كم تشقى لخدمته

أتطلب الربح مما فيه خسران

أقبل على الروح واستكمل فضائلها

فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

يا نائمَ الليل مسرورًا بأوله

إن الحوادث قد يأتينَ أسحارا


 المقدمة

الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ وأشهد أن لا إله إلا الله القائل مبصرِّا ومذكرًا ومنذرًا للخلق أجمعين بقوله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المرسلين وخاتم النبيين وصفوته من خلقه أجمعين وصلى الله عليه وعلى آله الأكرمين وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجه واقتدى بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فلا بد لكل البشر، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، عزيزهم وذليلهم، أن يوقنوا بأن الموت لابد وأن يطرق عليهم أبوابهم، إن عاجلاً أو آجلاً، بإنذار أو بدونِ سابق إنذار، حتى ولو شغلتهم دنياهم وأنستهم هذا المصير الذي يجب أن لا يتغافل عنه الجميع.

وحيث أننا مرتحلون عن هذه الدنيا – ولا شك في هذا - فكان لزامًا على كل عاقل فيها يقظ يخاف الله ويرجو رحمته أن يتحرى الصواب في أمور دينه ودنياه حتى يفوز بالنعيم في أخراه.

لذلك – أحبتي في الله – وددت أن أترك لكنَّ هذه الوصية الشرعية، هذه السنة المندثرة، والتي تقص علينا في صفحات مبسطة ما يجب على كل مسلم أن يعمله من أجل هذا المصير.. ألا وهو كتابة الوصية الشرعية؛ بما لنا وما علينا من أموال وعقود وعهود ووعود، مع توقيع الشهود، وأن نمتثل وننصاع لهذا الأمر ونحيي سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.

فيا سبحان الله..

عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح!

عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك!

عجبت لمن أيقن بالحساب ثم هو لا يعمل!

عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب!

عجبت لمن رأى الدنيا وتقبلها بأهلها ثم اطمأن إليها! فاعلموا علم اليقين أن الله تعالى يقول: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾.

 الترغيب في الوصية:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: «أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان كذا».

 تعريف الوصية:

معناها: العهد، أو التصرف في التركة مضافًا إلى ما بعد الموت.

وهي أن يعهد الإنسان وصية لشخص في تصريف شيء من ماله، أو النظر على أولاده الصغار، أو يعهد لشخص في أي شيء من الأعمال التي يملكها.

الوصيِّة لغة:

الأمر يقال: آصيته. إذا وصلته، قال تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ﴾، وقال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾. وفي حديث خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فأوصي بتقوى الله».

وسميت «وصية» لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته.

واصطلاحًا:

العهد، أو التمليك مضافًا إلى ما بعد الموت بطريق التبرع سواء كان ذلك في الأعيان أو في المنافع.

مثال: كأن يوصي الإنسان إلى شخص بتزويج بناته أو تغسيله أو تفريق ثلث أو ربع ماله، أو يوصي شخصًا ليحجَّ عنه إن لم يحج الفريضة، وتطلق على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات.

وهناك نوع آخر: (كالوصية في الخلافة) كأن يعهد لمن يصلح لها من بعده بتوليها، كما أوصى أبو بكر الصديق بالخلافة لعمر رضي الله عنهما.

 الأدلة الشرعية على الوصية:

* الكتاب والسنة:

أما الكتاب قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾.

وهذا أول الإسلام ثم نسخت بآية المواريث في النساء وبقيت الآية محكمة فيما عدا الوارثين.

وفي السنة: عن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب وهو يقول: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث».

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين – وفي رواية لمسلم: ثلاث ليال – وله شيء يريد أن يوصي فيه، إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه». (رواه البخاري ومسلم). قال ابن عمر رضي الله عنهما: (ما مرَّت عليَّ ليلة منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك إلا وعندي وصيتي).

وكذلك حديث سعيد بن أبي وقاص حين مرض وأراد أن يوصي فأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يوصي بالثلث ثم قال له: «والثلث كثير».

 الفرق بين الوصيَّة والهبة:

التمليك المستفاد يثبت في الحال، والهبة لا تكون إلا بعد الموت، والوصية تكون بالعين وبالديْن وبالمنفعة، والهبة لا تكون إلا بالعين.

 أسباب نزول آية الفرائض:

عن جابر - رضي الله عنه - جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قُتل أبوهما في يوم أحد شهيدًا، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً، ولا ينكحان إلا ولهما مال، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يقضي الله في ذلك» فنزلت آية الميراث، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما فقال: «أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك».

كذلك كان أهل الجاهلية؛ كانوا يجعلون جميع المواريث للذكور دون الإناث فأمر الله تعالى بقوله: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ ويأمركم بالعدل فيهم وبالتسوية بينهم في الميراث.

 أنواع الوصية:

واجبة – محرمة – مكروهة – جائزة.

 الوصية الواجبة:

(1) يجب أن يوصي الإنسان بما عليه من الحقوق (دَيْن)؛ لئلا يجحدها الورثة؛ لا سيما إذا لم يكن فيه بيِّنة؛ لأنه إذا لم يوصِ به، فإن الورثة قد ينكرونه، والورثة لا يُلزمون أن يصدقوا كل من جاء من الناس، وقال: إن على ميِّتكم كذا، وكذا لا يلزمهم أن يصدقوا؛ فإذا لم يوصِ الميِّت بذلك ربما يكون ضائعًا، وروح المؤمن معلقة بدَيْنِه.

(2) يجب أن يوصي لأقاربه غير الوارثين بما تيسر لقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ فمن كان عنده مال كثير يجب عليه أن يوصي بما تيسر لأقاربه غير الوارثين، أما الوارث فلا يجوز أن يوصي له لأن حقه من الإرث.

(3) يجب أن يوصي الشخص إذا كان له مال عند أحد أو وديعة حتى لا يحرم الورثة من حقهم.

(4) يجب أن يوصي من يعلم أن لدى أهله أو مجتمعه منكرات وبدع جنائز أو قبور- أن ينهى عن ذلك ويبرأ منه.

 الوصية المحرَّمة:

(1) فتحرم الوصية إذا أوصى لأحد من الورثة؛ كأن يوصي لولده الكبير بشيء من دون باقي الورثة أو للزوجة.

(2) وتحرم الوصية ما يفعله بعض الناس إذا كان له أولاد عدة وزوج أحدهم أوصى للصغار بمثل المثال الذي زوَّج به الكبير؛ فإن هذا حرام لأن التزويج دفعًا لحاجة كالأكل والشرب؛ فمن احتاج إليه من الأولاد وعند أبيهم قدرة وجب عليه أن يزوَّجه، ومن لم يحتج إليه فإنه لا يحل له أن يعطيه شيئًا مثل ما أعطى أخاه الذي احتاج للزواج. ولو قدر أن أحدًا أوصى بمثل هذا جاهلاً فإنه يرجع الأمر إلى الورثة بعد موته؛ إن شاؤوا نفذوا الوصية وإن شاؤوا ردوها.

(3) وتحرم الوصية إذا كانت زائدة على الثلث؛ فمن وصَّى بأكثر من ثلث ماله لغير وارث وقع في حرام، وإن أجاز الورثة تنفيذ الوصية نُفِذت وإن شاؤوا ردوها.

(4) وتحرم الوصيِّة إذا قُصِد منها المضارَّة؛ لقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ﴾؛ ومعناه غير مدخل الضرر على الورثة.

 الوصية المباحة:

(1) يباح للإنسان أن يوصي بشيء من ماله لا يتجاوز الثلث؛ لأن تجاوز الثلث ممنوع، وما دون الثلث مباح لغير الورثة.

(2) ويستحب إذا كان له مال كثير أن يوصِي بشيء من ماله لنفسه؛ ليجري ثوابه له بعد موته؛ لحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به». وهنا لابُدَّ من وقْفة؛ إذ الوصية المستحبة أو المباحة تكون أفضل إذا كانت دون الثلث؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما أن الناس غضوا من الثلث على الربع؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لسعد بن أبي وقاص «الثلث والثلث كثير».

قول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: (أرضى بما رضي الله لنفسه) فأوصى بخمس ماله. وهذا أحسن ما يكون، وقد شاع عند الناس الثلث دائمًا، وهذا هو الحد الأعلى الذي حده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما دونه أفضل فالربع أو الخمس أفضل.

وإذا أوصى بكل المال أو زاد على الثلث ولم يكن هناك وارث تجوز الوصية وتنفذ؛ لأن المنع كان من أجل الورثة وبانتفاء العِلَّة انتفى المنع.

 الوصية المكروهة:

(1) إذا كان الورثة محتاجين فترك الوصيِّة أولى لأنهم أحق من غيرهم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس». فإن كان الورثة وسطًا، أو أقرب إلى الفقر، فالأولى عدم الوصيِّة؛ وبهذا تكره هنا الوصيِّة.

(2) تكره الوصيِّة لأهل الفسق متى عُلم أو غلب على ظن الموصِي أن الموصَى له سيستعين بها على الفسق والفجور، فإذا علم الوصيِّ أو غلب على ظنِّه أن الموصى له سيستعينُ بها على الطاعة نُدبت له الوصيِّة.

 أحكام الوصية:

(1) تتأكد المبادرة في الوصيِّة: إذا كان المسلم في حالة خاصة كاستقبال سفر، واشتداد مرض وركوب بحر ومثله الجو، والمراكب الخطيرة، ودخول المعركة. ولا تؤخر إلى حضور أمارات الموت.

(2) يشترط في الموصي: أن يكون: عاقلاً – مميزًا – مالكًا لما يوصِي فيه.

(3) يجب على الإنسان أن يوصي بوفاء ما عليه من حقوق: سواء كانت تلك الحقوق للعباد، كالديون التي ليس عليها إثبات ولا يعلمها إلى هو، وكذلك ما عنده من الودائع والأمانات، أو كانت لله؛ ككفارات أو حج فرض، أو زكاة لم يخرجها.

(4) تحرم الوصيِّة: إذا كان فيها إضرار بالورثة، وقد ورد في حديث موقوف وفي رفعه نظر أن الإضرار في الوصيِّة من الكبائر، وكذلك يحذر الموصي من وصيِّة الجنَف، وكذلك بأن يوصي للوارث أو يكذب في وصيِّتِهِ من أجل أن يحرم ورثته.

روى الإمام أحمد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير فيدخل الجنة».

وروى أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار».

(5) الوصية من العقود الجائزة التي يصح فيها للموصي أن يغيرها أو يرجع عما شاء منها، أو يرجع عما أوصى به، والرجوع يكون صراحة بالقول؛ كأن يقول: رجعت في وصيتي، أو أبطلتها، أو غيرتها، أو رددتها، أو فسختها، أو نسختها، أو قال: هو لورثتي؛ فهو رجوع عن الوصية.

(6) لا تنفذ الوصية إلا بعد سداد الدين فإن الدين يستغرق الوصية.

(7) يحرم تغيير الوصية ما كانت على الوجهة الشرعية لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

(8) ينبغي لكاتب الوصيِّة أو الشهود عليها: أن يحسنوا في أدائهم وكتابتهم لها حتى يكون الكلام فيها مفهومًا صريحًا كي لا تحدث الوصيِّة بعد ذلك أمرًا عكسيًا من شقاق ونزاع.

(9) تثبت الوصيِّة: إذا وجدت بخط الموصي الثابت ببيِّنة، أو إقرار الورثة أو ثبتت الوصيِّة البينة.

(10) يستحب الإشهاد على الوصيِّة: سواء كتبها بنفسه أو أملاها على كاتب غيره.

 مبطلات الوصية:

تبطل الوصية في الحالات التالية:

(1) إذا رجع الموصي بوصيته قبل الموت بطلت الوصيِّة لقول عمر - رضي الله عنه -: يغير الرجل ما شاء في وصيته.

(2) إذا هلك عين الموصى به أو تلف تبطل الوصية.

(3) بموت الموصى له قبل موت الموصي تبطل الوصية؛ لأن الميت لا يعتبر له قبول ولا ملك.

(4) برد الموصى له للوصية: بعد موت الموصي وتذهب للورثة.

(5) إذا قيد الموصي الوصيَّة بحالة معينة: فزالت تلك الحالة قبل موته؛ كأن يقول: إن متُّ في مرضي هذا أو في هذا الشهر أو في هذه السنة. ولم يمت، أو زالت الحالة المقيدة، فإن الوصيِّة تبطل؛ لأنه لم يحصل سبب لزومها- وهو الموت- في تلك الحالة المقيدة.

(6) وبقتل الموصَى له الموصي.

(7) إذا كان الموصَى به محرمًا: كأن يوصي ببناء دار لهو، فلا تصح وكذلك محلات السينما والفيديو؛ كذلك لا تصح لكنيسة أو بيعة أو أن يوصي بشراء محرمات كلحم خنزير وغيره.

 مسائل متفرقة:

س1: إذا مات ميت وعليه حجُّ فريضة أو دين أو زكاة ولم يوص الميت بشيء فهل تنفذ الوصيِّة؟

ج1: يُبدأ بإخراج الواجب من تركة الميت أولاً، أوصى بها الميت أو لم يوصِ.

س2: هل ينظر للموصى له بكونه وارثًا أو غير وارث حالة وقت وفاة الموصي، أم حالة وقت كتابة الوصيِّة؟

ج2: ينظر للموصى له بكونه وارثًا أو غير وارث حالة وقت وفاة الموصي، لا حالة وقت كتابة الوصية.

مثال: لو أوصى لغير وارث فصار عند الموت وارثًا لم تصح الوصيِّة؛ كأن يوصي لابن ابنه وله ولد فمات ولد الموصي بعد موته، لم تنفذ الوصية لكون ابن الابن وارثًا.

والعكس كأن يوصي لابنه ولا ولد له ثم يولد للموصي قبل موته، فتنفذ الوصيِّة في هذه الحالة لكون ابن الابن صار عند الموت غير وارث.

 مسألة (1) من يتولى تصريف التركة؟

يتولى إخراج الواجبات، إما وصي المتوفى أو وارثه، فإن لم يكن فالحاكم، وما بقي من التركة بعد هذه الواجبات يبدأ بالوصيِّة إن كان قد أوصى، ثم يوزع الباقي من التركة على الورثة حسب قسمة الله عليهم.

 مسألة (2) تعيين الوصي أو الوكيل على الوصية:

يستحب أن يعين الموصي شخصًا يتولى جمع تركته، وإخراج الواجب عليه، وتنفيذ وصاياه وأن يتولى شؤون أولاده الصغار، سواء كان من أقاربه أو من غيرهم، وإن مات ولم يعين وصيًا تولى ذلك من شاء من الورثة، فإن تعذر لعدم أهليتهم أو تشاجروا أو لم يكن وارثًا، تولى ذلك الحاكم، وللأب أن يوصي من يشاء على تزويج بناته ويقدم على سائر الأقارب.

 مسألة (3) صفة الوكيل أو الوصي:

وصفة من تستند إليه الوصيِّة أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلاً، عدلاً رشيدًا، سواء كان من أولاد الموصي، أو من أقاربه، أو بعيدًا عنه، وإن كان الموصَى له عاجزًا أو امرأة ضمَّ إليه من يعينه على التصرف.

 مسألة (4) تَصَرُّف الوصي في غير ما وُصي به إليه:

إذا أُوصى الوصي بشيءٍ لم يَصِرْ في غيره؛ لأنه استفاد التصرف بالإذن، فكان مقصورًا على ما أذن فيه كالوكيل.

مثال: لو وصاه الوصي بتصريف ثلث المال فلا يكون وصيًا في تزويج بناته، وإن أوصاه على رعاية القصَّار من أولاده وحِفْظ أموالهم، فلا يكون وصيًّا في غير ذلك.

 مسألة (5): الوصية بمعين:

وإن أوصى بمعين ثبت الموصى به عند الموت إذا كان بقدر الثلث فأقل، وإن زاد المعين ثلث المال فلا يثبت للموصى له إلا قدر الثلث.

 مسألة (6) تعدد الأوصياء:

وللوصي أن يعين أكثر من وصي، بأن يجعل لكل واحد التصرف في شيء معين مثل أن يوصي شخصًا بثلث ماله، وآخر بتزويج بناته، وآخر بقضاء ديونه.

وجعل الوصيِّة لواحد أفضل إن أمكن ذلك؛ حسمًا للنزاع، وتلافيًا لاختلاف الأنظار والوجهات.

 مسألة (7) وصية الكافر للمسلم:

تصح وصيِّة الكافر للمسلم إذا لم تكن وصيته بحرام، كالوصيِّة بالخمر أو الخنزير ونحوها، ولا تصح وصيِّة المسلم للكافر لأنها من باب الولاية ولا ولاية للكافر على المسلم قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾.

معلومية الوصية: لا تصح الوصيِّة إلا في تصرف معلوم، ليعلم الموصى إليه ما وصي به إليه؛ كالنظر في أمر غير الرشيد، ورد الودائع واستردادها؛ لأن الوصي يتصرف بالإذن فلم يجز إلا في معلوم بملكه الوصي كالوكالة.

 مسألة (8) انتفاع الوصي بالوصية:

للوصي في تصريف الوصيِّة حالات:

(1) التعيين: فيعين الموصي الوجوه التي تصرف فيها الوصيِّة، فحينئذٍ يلزم الوصي بتنفيذ ذلك ويحرم عليه تغيير شيء، ما دامت في أوجه شرعية.

(2) الإطلاق: فيطلق الموصي في وصيته، فلا يعين لها شخصًا ولا وجهاً، كأن يقول للوصي: ضع وصيتي حيث شئت، وفي هذه الحالة لا يجوز أن يصرف منها شيئًا على نفسه لأنه تمليك لنفسه، فامتنع للتهمة القوية، وأما صرفها على أقاربه الفقراء فيجوز ذلك إن شاء الله تعالى؛ لشمول اللفظ لهم، ولأنه أحد أوجه البر ولا أثر للتهمة في صرفها على الولد والوالد إذا ظهر فقرهم واحتياجهم، وإن أبعدها عنهم فحسن حمايةً لعرضه، وخروجًا من خلاف العلماء في ذلك.

 مسألة (9) التصرف في تركة من لا وصي له ولا وارث ولا حاكم:

أسباب الموت وانقضاء الآجال خفيةٌ عن الإنسان؛ فلا يدري متى يموت ولا بأي أرض يموت، ولذا قد تفاجئه المنية المحتومة عليه قبل تمكنه من الوصية، أو لا وصي عنده، أو لم يقبل الوصي ولا حاكم، أو مات...... فحينئذ يتولى تركته من اطلع عليه من المسلمين ويفعل الأصلح تجهيزه فيما تبقى منها من بيع وغيره؛ كحفظها وحملها للورثة؛ لأن ذلك موضع ضرورة لحفظ مال المسلم عليه؛ إذ في تركه إتلاف له؛ قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، وذلك من التعاون مع الميت والورثة.

 ما يحث عليه عند الوصيِّة:

(1) الوصية للمحتاجين من الأقارب وغيرهم من اليتامى والأرامل.

(2) الوصيِّة بتعمير المساجد أو بناء المدارس لتحفيظ القرآن.

(3) الوصيِّة بطباعة الكتب العلمية الموثوق بها.

(4) الوصيِّة بمساعدة طلاب العلم الصالحين والمجاهدين في سبيل الله.

(5) الوصيِّة بصدقة جارية أو علم ينتفع به.

(6) الوصيِّة بتعليم المحتاجين أو بناء مستشفى.

(7) الوصيِّة بالحجِّ أو العمرة عن الموصى.

(8) الوصيِّة بحفر بئر للشرب.

(9) الوصيِّة بسداد الديون عن المدينين والمعسرين.

(10) الوصية بالمساهمة في إنشاء سكن للأيتام.


بسم الله الرحمن الرحيم

الوصية

أخي المسلم؛ يحث الإسلام على كتابة الوصية، وخاصة إذا كان لك أو عليك حقوق؛ فقد يعرض عليك الموت فجأة، فكن على حذر واستعداد بالعمل الصالح والتربية وكتابة الوصية؛ حتى لا تذهب حقوقك وحقوق غيرك.

* * * *


 نموذج الوصية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

فإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وأن الجنة حق، والنار حق وأن الله يبعث من في القبور، وأوصي من خلقي بتقوى الله بالسر والعلن والمحافظة على الصلوات بأوقاتها والحرص على الطاعات والحذر من المعاصي.

وأوصي بثلث مالي – أو أقل؛ لا يزيد عن الثلث – بأن يوقف على مشاريع الخير من عمارة المساجد وغيرها.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

هذا نموذج وصية مناسبة للحال، موافق للصواب.

قاله الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين؛ عضو هيئة الإفتاء. جزى الله خيرًا من أعان على نشرها.

* * * *


بسم الله الرحمن الرحيم

نموذج لمن وفقه الله للإسراع في إعداد وصيته قبل حلول أجله. وليس المقصود التقيد بهذا النموذج فقط؛ فكل ما وافق الكتاب والسنة فلا مانع من الوصية به.

أنا الموصي الموقع أدناه:

أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. أوصي من تركت من أهل ذريتي بتقوى الله وإصلاح ذات البين وطاعة رسول الله، وأوصيكم بمثل ما أوصى به إبراهيم u بنيه ويعقوب ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

(1) أوصيكم بتقوى الله والصبر عند مرضي وموتي وأن تقولوا خيرًا وتكثروا لي من الاستغفار والدعاء بالرحمة ودخول الجنة والنجاة من النار.

(2) أوصيكم إن حضرني وقرأتم هذه قبل صعود روحي إلى بارئها أن تدعوا ما تيسر من الصالحين لتلقيني الشهادة.

(3) أوصيكم بتغميض عيني وبتوجيهي إلى القبلة مضجعًا على شقي الأيمن ووجهي إلى القبلة.

(4) أوصيكم بالمساعدة في تجهيزي وإعلام ذوي القربى وأهل الصلاح بوفاتي ليشاركوا في غسلي والصلاة علي وتشييع جنازتي والتعجيل بدفني.

(5) أوصيكم أن يتم تغسيلي بمعرفة من هو أهل للثقة والأمانة والصلاح إن رأى خيرًا نشره وإن رأى شرًا ستره.. يبدأ بنية غسلي ثم يعصر بطني عصرًا دقيقًا لإخراج ما عسى أن يكون بها ويزيل ما على بدني من نجاسة؛ على أن يضع على يده حائلاً حين غسل عورتي فلا يمسها، ثم يوضئني وضوئي للصلاة، ثم يغسلني ثلاثًا بالماء والصابون – إن أمكن – مبتدئًا باليمين؛ فإن الزيادة على الثلاث لعدم الإنقاء غسلني خمسًا أو سبعًا، فإذا فرغ من غسلي جفف بدني بثوب نظيف ويضع علي شيئًا من الطيب.

(6) أوصيكم بتكفيني بكفن أبيض نظيف ساتر للبدن مكون من ثلاث لفائف وأن يجمر الكفن ويبخر ويطيب.

(7) أوصيكم أن صلوا على جنازتي عقب صلاة مكتوبة، واحرصوا على أن يصلي علي أكثر من ثلاثة صفوف.

(8) أوصيكم وأنتم في الجنازة أن لا يرفع الصوت بذكر ولا قراءة ولا تتبع جنازتي بمبخرة ولا بنساء ولا تتعمدوا تأخير دفني.

(9) إني برئت من كل أحد يأتي بفعل أو قول يخالف الكتاب والسنة ومن كل من يشق جيبًا أو يلطم خدًا.

(10) أوصيكم بتعميق قبري وأن تجعلوني فيه على جنبي الأيمن ووجهي تجاه القبلة، ويقول واضعي: بسم الله وعلى سنة رسول الله ويستحب كل من شهد الدفن أن يحثو حثوات بيديه على القبر من جهة رأسي.

(11) أوصيكم بعدم تجصيص القبر ولا يحل لأحد الجلوس أو المشي عليه.

(12) أوصيكم بعدم البناء على قبري أو جعله مرتفعًا ولا يزوره رجال بصفة دورية ولا نساء على الإطلاق.

(13) أوصيكم بالإكثار من الاستغفار لي بعد الدفن.

(14) أوصيكم بعدم إقامة سرادق أو نحوه للعزاء ويكتفى بعد تشييع الجنازة بقبول العزاء دون مراسم أو طقوس، وإياكم وإقامة أي ذكرى دورية للوفاة.

(15) لا يجوز لقريبة أن تحد علي أكثر من ثلاثة أيام، وعلى زوجتي أن تحد علي أربعة أشهر وعشرة أيام، إلا إذا كانت حاملاً فعدتها تنتهي بوضع الحمل، ويجب ألا يتعدى الحداد ترك المرأة لكل ما تتزين به كالحلي والكحل والطيب والخضاب ولبس الحرير، وقيامها بخلاف ذلك يعتبر بدعة.

(16) أوصيكم بعدم صنع طعام لمن يحضر العزاء.

(17) أوصي ابني (أو غيره) بمتابعة المعاملات المالية التالية على إنهائها (ويذكر ما لم يتم إنجازه من مسائل ومعاملات يخشى أن يدركه الموت قبل أن ينهيها).

(18) أعلمكم بأني قد أوقفت العمارة العائدة لي والكائنة في: .... والتي أمتلكها بموجب الصك الشعري رقم: ....... وتاريخ: .... أوقفتها لصالح الفقراء والمحتاجين (وقفًا خيريًا).. أو يوقفها لمن شاء من ذريته (وقفًا أهليًا).

(19) أوصيكم قبل توزيع التركة أن تخصصوا منها مبلغ... يعطى صدقات للأربطة ومدارس تحفيظ القرآن أو لأحد الأشخاص (على ألا يتجاوز المبلغ الموصى به ثلث التركة). والأفضل أن تجعل وصيتك لأقربائكم الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء).

(20) أوصيكم بالمبادرة في قضاء ديني وهو على النحو التالي: مبلغ: ........ يدفع للسيد: ........ وعنوانه: ........ ويوجد (أو لا يوجد) بيني وبينه سند دين، ثم تسرد كافة دائنيك، وتحرص على إيضاح أسمائهم وعناوينهم الأساسية والبديلة.

(21) أوصيكم بالعمل على تحصيل هذه المبالغ: (تسرد كافة مدينيك وعناوينهم والمبالغ المطلوبة منهم (ما لم تعف عن بعضهم)، وتشير إلى وجود أو عدم وجود سندات المديونية.

(22) أوصي جميع أبنائي بالمحافظة على الصلاة والصيام والزكاة وألا يتخلفوا من بعدي وأوصيهم خيرًا في أخواتهم حتى بعد أن يتم زواجهن.. وأعلمكم وأشهد الله عز وجل بأني قد سامحت كل إنسان في أي حق لي عنده وأرجو أن يسامحني ويصفح عني كل من له حق عندي.. واستسمحوا لي على وجه الخصوص من (ويذكر اسم الشخص المقصود بذلك) وأخيرًا أوصي أهلي وأبنائي وبناتي بالصبر والرضاء بقضاء الله سبحانه وتعالى.

هذه وصيتي إليهم (فمن بدله بعدما سمعه فإنما أثمه على الذين يبدلونه أن الله سميع عليم).

حرر بمدينة: ............. بتاريخ: .............

في يوم: ................ بتاريخ: ................

تم إجراء التعديل التالي في الوصية أعلاه ثم يذكر ما قد أجريتَه من تعديلات على هذه الوصية قبل أن يدركك الموت؛ كقيامك بسداد أحد المدينين أو حصولك على مبلغ من أحد الدائنين ونحو ذلك.

أعد هذه الوصية الدكتور عمر الخولي وتم اعتمادها من قبل الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برقم 2112 وتاريخ 2/12/1407هـ. وأجيزت طباعتها من قبل وزارة الإعلام بخطابها رقم 1190/م/ج وتاريخ16/4/1408هـ.

ومن أعاد طباعتها أو أعان على ذلك فجزاه الله خيرًا.