×
همسة في أذن شاب: في هذا الكتاب تطرق الكاتب إلى كل ما يدور في ذهن الشباب من تساؤلات ومشكلات فكرية; وقدم لهم النصائح المفيدة التي توقد في قلوبهم الخوف من مقام الله; ومحاربة النفس عن الهوى.

 همسة في أذُنِ شَابٍ

إعداد

الأستاذ : حسان شمسي باشا

بسْـــمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

 مقــَدّمة

لا تكاد تمضي فترة قصيرة حتى يختفي ذلك الطفل الهادئ المستكين، المطيع لآبائه وأساتذته.. ليأخذ مكانه الشاب الطويل القامة، المتوقد الذكاء، والملتهب العاطفة، الثائر على كل سلطة كان يخضع لها من قبل حتى سلطة الوالدين والمدرسة.

ثم تتحرك الغريزة الجنسية لتبسط سلطانها على كثير من أفكاره وعواطفه، كما تتحرَّك عنده (غريزة التدين) - كما يقول علماء النفس-، والتي تظهر في زمن البلوغ، وتحدث أكثر ما تحدث بين العاشرة والخامسة والعشرين من عمر الإنسان.

يقول عالم النفس (ستاربك):

(( إذا لم يحدث التحوّل الديني قبل العشرين فقلَّما يحدث بعد ذلك )).

وأما (ستانلي هول) فيدرس أكثر من أربعة آلاف حالة، ويقرر أن التحول الديني حدث أكثر ما حدث في سن السادسة عشرة.

فهذه إذن هي المرحلة الحرجة في سن الشباب، وهي المرحلة التي يستيقظ فيها الشعور الديني الحي.

ولكن الأمر لا ينتهي هنا، فالشباب معرَّض في هذه المرحلة أيضاً إلى (الشكّ الديني). ويُعدُّ الشك الديني في مرحلة الشباب من المعالم العامة المميزة لتلك الحقبة...

ماذا يفعل الشاب الذي انصرف عنه المسؤولون بحكم صلة الدم، وصلة التربية، وصلة الروح؟.

إذا انصرف عنه الآباء والأمهات، مكتفين بتزويده بالإيواء المادي من سَكَنٍ وطعتم وملبس...

وإذا انصرف عنه المربّون مكتفين بتزويده بالعلوم والفنون في كتب ومحاضرات...

وإذا انصرف عنه رجال الدين مكتفين بإلقاء الخطب والمواعظ لمن يحضرون إليهم مرة كل أسبوع...

ماذا يفعل هؤلاء الشباب وقد وجدوا أمامهم سبلاً من المغريات والملهيات فيما يشاهَد في التلفاز والإنترنت، والسينما والمسارح، وما يقرأ في الصحف والمجلات؟!.

أليست النتيجة الطبيعية أنه يلتمس أيسر السبل للاستجابة لهذا الذي يطارده في كلّ مكان؟!.

وأسوأ من هذا وأدعى إلى انغماس الشباب في هذه الملهيات والمغريات؛ أنه يجد أولئك الذين تخلَّوا عن قيادته وريادته، وقد سبقوه إلى هذه الملهيات فاتخذوها دستوراً لحياتهم!.

فالشباب كالمسافر إلى أرض جديدة فيها كثير من المسالك الملتوية والمنعطفات، ولا بد لمثل هذا المسافر من خط سير أو خريطة، أو دليل يهديه السبيل.

وأنجح وسيلة لتزويد الشباب بهذا الدليل أو الخريطة هي تكوين الشخصية السوية التي تستطيع أن تقيم على نفسها رقابة داخلية لأعمالها وتصرفاتها، وذلك من خلال بناء قاعدة إيمانية راسخة ترتكز على أسس سليمة .. ومناقشة موضوعية هادئة.

فسلامة الشباب الإسلامي في العهد الأول للإسلام كان مردّها لنشأته في بيئة صالحة بين أبوين مسلمين عاملين، هما قدوته ومَثَله الأعلى، في إيمان واطمئنان؛ لأن الإيمان هو أقوى الضمانات لسلامة السلوك البشري.

فالإيمان مشتق من الأمن والأمان، لأنه يملأ القلب طمأنينة، ويبعث في النفس الثقة، ويحيط المؤمن بسياج منيع يَحُولُ بينه وبين الشك المؤرق، الشك الذي يدل اشتقاق لفظه على معناه من الوخرز والإيلام والتردد في الرأي، ويحول دون وقوع الشاب في براثن المعاصي والآثام.

والقرآن الكريم يقدّم لنا في عديد من آياته صوراً رائعة للمؤمن، ولمن لا إيمان له ولا عقيدة عنده.

ويضرب الله لذلك مثلاً بقوله:

]أَوَ مَن كَانَ مَيْتاَ فَأَحْيَيْنَاه وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِى بِهِ فيِ النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فيِ الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا[ ([1]).

وقوله تعالى: ]وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فيِ مَكَانٍ سَحِيقٍ[ ([2])..

وهذا ما يؤكد ضرورة تثبيت (العقيدة) الإيمانية في صدر الشباب ليعرف طريقه ويضبط سلوكه.

وفي مقدمة أسباب هذا الشك ما يعمله عدد من المربين الدينيين، حينما يقدِّمون (الدين) لتلاميذهم في عهد الطفولة، فيصورونه تصويراً ساذجاً لا يستطيع أن يجاري مراحل النمو العقلي التالية.

وهناك جماعات أو طوائف تمارس تضليل الشباب، ولا تكتفي بأقل من هدم الدين هدفاً لهم.

وثمة فريق آخر يهتم بنوع آخر من الأغلال، وهو الفريق الذي يريد أن يثبت في نفوس الشباب والناس عامةً عادة عدم الاكتراث بالدين، والسير في الحياة طبقاً لما تمليه الأهواء وتدفع إليه الشهوات.

والشباب هم عماد الحاضر وأمل المستقبل.

تذكر يا أخي – كما يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله -: (( أنَّ دعاة الشر لا يتعبون ولا يبذلون جهداً، ولكن التعب وبذل الجهد على دعاة الخير!!.

فداعي الشر عنده كلّ ما تميل إليه النفس من العورات المكشوفة، والهوى المحرِّم. أما داعي الخير فما عنده إلا المنع!!.

ترى البنت المكشوفة فتميل إلى اجتلاء محاسنها، فيقول لك: غضّ بصرك عنها، ولا تنظر إليها..

ويجد التاجر الربح  السهل من الربا، يناله بلا كدٍّ ولا تعب، فيقول له: دعه وانصرف عنه، ولا تمد يدك إليه..

ويبصر الموظف رفيقه يأخذ من الرشوة في دقيقة واحدة ما يعادل مرتبه عن ستة أشهر، فيقول له: لا تأخذها، ولا تستمتع بها.

يقول لهم داعي الخير: اتركوا هذه اللذات الحاضرة المؤكّدة لتنالوا اللذات الآتية المغيّبة.

إنَّ من عجائب حكمة الله أن جعل مع الفضيلة ثوابها: الصحة والنشاط، وجعل مع الرذيلة عقابها: الانحطاط والمرض. 

ولربَّ رجل ما جاوز الثلاثين يبدو مما جار على نفسه من الرذيلة والموبقات كابن ستين، وابن ستين يبدو من العفاف كشاب في الثلاثين)).

·                   إذا أذنبت فتب إلى الله، وكلَّما عدتَ إلى ذلك الذنب جدّد التوبة بشروطها، ولا تستهن بها وقم إلى الصلاة، وتذكَّر حديث رسول الله ﷺ‬:

(( ما من مسلم يذنب ذنباً، ثم يتوضأ فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله تعالى لذلك الذنب؛ إلا غفر له )) ([3]).

·                   عد إلى ربك يا أخي، رب العصاة، لا رب التائبين فقط، ولا تيئس؛ فحتى لو أتيت الله تعالى بملء الأرض خطايا لا تشرك به شيئاً؛ لأتاك بملء الأرض مغفرة، فاستعن بالله، والجأ إليه، ليساعدك على تبيان الحق، ويرزقك اتّباعه.

·                   تذكَّر أنك مهما بعدت عن الدين فليس لك في النهاية إلا الله..

انظر إلى المستشفيات كم فيها من شباب يتألم .. فلا تغتر بصحتك!.

وانظر إلى القبور كم فيها من صفوة الشباب ممن مات في حوادث السيارات، أو من داهمته المنية وهو غير مستعدٍّ لذلك اللقاء!!.

·                   لا تتصوَّر أنك إذا كنت تعبد الله، فلا بد أن تنجح في الامتحان بدون عمل ولا مذاكرة!.

ولا بدَّ أن تتقاضى مرتباً عالياً ورزقاً وفيراً وأنت جالس في بيتك!!.

وأن تُرزَقَ بِمتَع الحياة وأنت لا تكدّ ولا تعمل!!.

ألست تعبدُ اللهَ وحقٌ على الله تعالى أن يعطيك؟!.

إن كنت تظن هذا فأنت واهمٌ .. أو أنك فهمتَ خطأً أن هذه هي النتيجة الحتمية للطاعة!!.

تذكر قول رسول الله ﷺ‬:

(( إنَّ اللهَ يعطي الدنيا لمن يحبّ ولمن لا يحب، ولا يعطي الدِّينَ إلا لمن أحب )) ([4]).

·                   لا تَطنَّنَّ يا أخي أنَّ التقدم العلمي بدون إيمان ينفع، ولا تطنّن أنَّ المالَ من دون ورع ينفع.. بل هو وبال على صاحبه.. فكم من شباب شغلتْهم الدنيا عن الآخرة.. وكم من أناس شَغَلَهم الدينار عن المصحف..

·                   إياك أن ترى لنفسك ميزة على الآخرين بتقواك أو عبادتك، فإنَّ أكثر الناس خشية لله لسي من يزدري العصاة ويحتقر المذنبين، بل هو من يُشفق على الخاطئين ويرشدهم إلى طريق الهداية والتوحيد. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:     (( بحسب امرئ من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم )) ([5]).

·                   حذار أن تغترَّ بأعمالك الصالحة.. واحذر من المنّ على الله بما تُقدِّم من خير؛ فإنَّ ذلك ما حقٌ لأعمالك..

·                   أحسِنْ معاملة الآخرين؛ فالناس لا تنسى إساءة المسيء ولو غفرها الله لك، وقابل إساءتهم بإحسان. وخصّ أهلك بخير ما عندك؛ فالرسول

عليه الصلاة والسلام يقول: (( خيرُكم خيرُكم لأهله )) ([6]).

·                   انزع سهم النظرة العابثة من قلبك إذا انغرس فيه، فالرسول ﷺ‬ يقول:

(( النظرة سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس، مَن تركها مخافتي أبدلْتُه إيماناً يجد حلاوته في قلبه )) ([7]).

·                   حذار من المجلة الفاتنة، والصور الهابطة، ومناظر الفيديو كليب الساقطة.. والأغاني الماجنة.. يقول أحد المنصِّرين: ((كأسٌ وغانيةٌ يفعلان بالأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع.. فأغرِقوها في حب المادة والشهوات)).

·                   لا تضيِّع وقتك فيما لا فائدة منه، وليتذكرمن يضيِّع وقته في جلسات (البلوت) و(الكونكان) والأفلام والأغاني والجلسات الطويلة على الإنترنت في الدردشة العابثة (chat) أنها ستكون حسرةً على صاحبها.

والرسول ﷺ‬ يقول: (( ما قعد قومٌ مقعداً لم يذكروا فيه الله عزَّ وجلّ، ويصلُّوا على النبي ﷺ‬، إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة )) ([8]).

·                   إذا كنت شاباً تبحث عن عروس المستقبل؛ فتذكَّر حديث رسول الله ﷺ‬:

(( من تزوَّج امرأة لعزّها لم يزده الله إلا ذلاً..

ومَن تزوّجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة..

ومَن تزوّج من امرأة لم يرد بها إلا أن يغضَّ بصره، ويحصِّن فرجه، أو يصل رحمه، بارك

الله له فيها وبارك لها فيه )) ([9]).

·                   حذار أن يضحك عليك الشيطان ويحوّل عملك إلى رياء وسمعة، لأن ذلك يجعل عملك للدنيا.

ألم تعلم أنَّ رجلاً قد تصدَّق ودخل النار؟! ورجلاً جاهد فقُتل.. ودخل النار؟!.

الأول: تصدَّق ليُقال: إنه قد تصدَّق، وقد قيل!!.

والثاني: جاهد ليُقال: إنه شجاع، وقد قيل!!.

·                   لا تعبث بحرمات الآخرين ولا بأوقاتهم.. فبعض الشباب يعبث بأرقام الهاتف أو الجوَّال، يقتل وقته الضائع في العبث بأعراض الناس، بل ربما يتلذذ بسماع شتائم الآخرين تنهال عليه من الطرف الثاني من الهاتف.

·                   ومن الشباب من يقضي وقته في العبث بالسيارات، في التحفيط والمراوغات.. يظنّ أنه ينال إعجاب المُعْجَبين أو تصفيق المشاهدين!!.

والله ما هذه برجولة الشباب، ولا بعمل من يخاف ربه!!.

·                   لا تقضِ الساعات الطوال على الإنترنت في الدردشة غير المفيدة (chat) أو في الألعاب الإلكترونية.

حاول أن تستفيد من الإنترنت في الحصول على معلومة جيدة، أو فكرة سديدة، أو عبرة مفيدة، تنصح أخاً أو توصي زميلاً، تقرأ بحثاً أو تضيف شيئاً، تطوّر برنامجاً أو تثري علماً؛ فإن كنت كذلك فأنت ممن يستحق من الله جزاءً وخيراً كثيراً بإذن الله.

·                   صاحبِ الأخيارَ .. وابتعد عن مجالس الأشرار .. ولا تنسَ مصاحبة أصحاب رسول الله ﷺ‬ في قلبك .. لتكون مع محمد عليه الصلاة والسلام في حياتك وآخرتك.

احذر – أخي الشاب – من الإفراط والتفريط .. فأحب الأعمال إلى الله تعالى ما كانت موافقةً لشرعه .. وأحبُّ الأعمال إليه تعالى أدْوَمُها وإن قلّ.

·                   لا تنسَ أمك .. هل قبَّلتَ يدها اليوم؟ هل أسندتَ رأسك على صدرها؟ هل أسمعْتَها كلمة حب وحنان؟!.

جرّب هذا .. وتذوَّق طعم السعادة التي تملأ قلبك.

جرّب هذا .. وتذوق حلاوة رضا الله .. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (( رضا الله تبارك وتعالى في رضا الوالدين )) ([10]).

·                   عندما يلتزم بعض الشباب بالإسلام، فأوَّل ما يفعل هو تنفير والدته ووالده من نفسه، فيجعلهم يقولون: (( لقد كان يوماً منحوساً يوم تديَّن هذا الولد)) .. فإن كان الأمر كذلك فإن الخلل فيك ... والتقصير من عندك.. لأن الله تعالى يقول:

]وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفاً[ ([11]).

·                   عليك أن تثبت للجميع أنَّ استقامتك على شرع الله تعالى أَضْفَتْ عليك هدوءاً وسكينةً .. وبهاءً ووقاراً .. فإن كنت معتاداً على النفور وعدم الطاعة .. فأنت الآن شخص مختلف تماماً .. أصبحت مطيعاً هادئاً .. إذا نادى والدك .. فأنت أول من يستجيب .. وإذا طلبتْ والدتك طلباً فأنت أول من يلبّي .. وإن انتابت الأسرة مشكلة فأنت أول من يقف معها ..

أنت بهذا تدعوهم عملياً إلى حلاوة الإيمان .. وتعصم نفسك من النار .. يقول الله تعالى:

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[ ([12]).

·                   من كان في أسرتك مناقضاً لك فعامِلْهُ بالحسنى .. لا تخاصمْه ولا ترفع صوتك عليه .. ادعه إلى سبيل الله تعالى بالحكمة واللين، والموعظة الحسنة من غير شجار ولا خِصام..

ومن كان من أسرتك فخوراً بك .. يتمنى أن يحذوَ حذوك، فإن كان أكبر منك فأطعْ أوامره ما دامت في طاعة الله تعالى .. وأظهرْ له الاحترام والتقدير .. وإن كان أصغرَ منك .. فعليك أن ترعاه برعايتك.

إذا فعلت ذلك .. فأنت تسير في النهج الذي خطَّه لنا رسول الله ﷺ‬ .. عندما نزل عليه الوحي، توجَّه إلى السيدة خديجة شاكياً لها حالَه .. فواسته وآمنتْ به .. ثم دعا بعد ذلك ابنَ عمِّه علي بن أبي طالب، الذي كان يعيش معه في بيت واحد .. فوسَّع الدائرة أكثر فأكثر...

·                   إذا كانت لك أخوات بنات .. فأنت المرشد والموجّه لهنّ .. عاملهنّ بالحسنى .. وأحسِنْ إليهن في كلّ شيء .. فإن كنَّ غيرَ ملتزمات بالإسلام .. دعوتهن بالرفق واللين إلى الصلاة والحجاب؛ فإن نجحتَ مع إحداهنّ، تكونُ قد أصلحتَ أسرة كاملة .. فهذه الأخت إنما هي أمّ المستقبل .. ومربية الأجيال..

·                   وقد تجد بعض الشباب ممن لديه القليل من العلم الشرعي، يُمسكُ خَتْمَ التكفير في يده .. ومفتاحَ الجنة في يده الأخرى .. يجري بين الناس يدعوهم إلى الدين على غير هدى ولا بصيرة، ولا تقدير للظروف والأحوال، فإن لم يستجيبوا له أخرَجَهم من الدين، وحكم عليهم بالكفر!! ثم يلوِّحُ بمفتاح الجنة مقسماً بالله جهد أيمانه أنهم لن يدخلوها أبداً، ثم يتركهم ويذهب إلى غيرهم، حتى ترى الناس، وقد لطَّخَ وجوهَهم بخاتم التكفير، ثم ينام ويستريح، وقد ظنَّ أنه أدى دوره تجاه ربّه ودينه، أو يهجرهم تاركاً ديارهم، إلى ما لا تُحمَد عقباه!!.

·                   وبعض الشباب يقرأ حديثاً واحداً، أو تفسير آية واحدة .. يفهمها في جوٍّ بعيدٍ عن فقهها، ثم يُسارع إلى تبليغ فهمه الخاطئ لكل إنسان يراه، فيقابَل بعدم الرضا من المتدينين .. فيزداد تمسكاً بفهمه وتشبّثاً بموقفه، وتبدأ الفرقة والشطط بين الشباب المسلم!!.

·                   حذار أن يتغلغل حب الدنيا في قلبك .. فتتحول النيات من عمل لرفعةِ الإسلام، إلى طلب جاه أو منصب أو مال .. فالمطلوب من المسلم أن تكون الدنيا في يده وليست في قلبه..

·                   من أكبر الأخطاء أن يفهم البعض حقيقة الزهد في الدنيا على أنه الفقر والحرمان وترك الطيبات! فحقيقة الزهد في الدنيا هو تجريد القلوب عن حبها .. ويقينه أنَّ الدنيا دار عبور لا دار قرار .. فالمسكنة التي يحبها الله تعالى من عبده – كما يقول ابن القيم – ليست مسكنة فقر المال .. بل مسكنة القلب .. وهي انكساره وذله، وخشوعه وتواضعه لله تعالى ..

وهذه المسكنة لا تتنافى مع الغنى .. ولا يشترَط لها الفقر.

·                   بعض الشباب المسلم يظن أن التدين معناه البعد عن الدنيا واعتزالها .. فترى أحدهم قد أهمل نفسه ومنظره وهيئته أمام الناس .. مما جعل البعض يخاف من التديّن .. فالمسلم ينبغي أن يكون شامةً بين الناس، قدوةً للآخرين .. فملْبسُهُ نظيف، ورائحته طيبة، ووجهه دائماً مستبشر بالخير.

فمن للدنيا يعمرها ويستفيد منها؟! إننا بحاجة إلى أن يكون أحدنا مبدعاً، كلٌّ في مجال تخصصه .. فإذا كنتَ طالباً، فنحن بحاجة إلى المسلم المتفوّق .. وإن كنتَ طبيباً، فنحن بحاجة إلى الطبيب الحاذق المسلم .. ونحتاج كذلك إلى المعلِّم المسلم، والتاجر الصدوق المسلم .. والمحاسب المسلم .. والمهندس المسلم..

إننا بحاجة إلى تغيير شامل في كل نواحي الحياة .. نحن بحاجة إلى غسيل القلوب، التي علا عليها الران والصدأ .. فالقلوب تصدأ كما يصدأ الحديد .. نحتاج إلى قلب يخاف مقام ربه .. وينهى النفس عن الهوى .. فتكون جنة الرحمن هي المأوى...

*  *  *

صحيح أن هناك عدداً من الكتب التي تبحث في قضايا الشباب إلا أن الكتب التي تخاطب الشباب مباشرة لا شك قليلة.

زرتُ مرة مكتبة علوان الشهيرة في مدينة حمص، فوجدت الشباب يسألون عن كتب تجيب عما يخطر ببالهم من تساؤلات ومشكلات فكرية تؤرق العديد منهم.

سألني الأخ بسام نجل المربِّي المرحوم أحمد علوان – والذي كان له فضل كبير على غالبية مثقفي مدينة حمص على مدى نصف قرن – سألني: لِمَ لا تكتب كتاباً على غرار كتابيك (أسعد نفسك وأسعد الآخرين) و(كيف تربي أبناءك في هذا الزمان) تخاطب فيه الشباب؟..

فكان هذا الكتاب الذي أودعتُه عصارة فكري، وخلاصة حبي .. سطّرتُه بكل نبضة من نبضات قلبي .. وبمنتهى الإخلاص والمحبة .. عساه أن يكون نبراساً يضيء الدرب للشباب إلى طريق الهداية والفلاح.

لا تنكر عليَّ كثرة نُصحي لك، فقد نصح الله تعالى ونبيه المصطفى ﷺ‬ المؤمنين فيما فيه خيرهم وصلاحهم. وما أردتُ من نصحي لك إلا الخيرَ كل الخير .. وأنت حرٌّ في قبول نصيحتي أو رفضها، ولكن تذكر أنك إن عملتَ بما نصح الله تعالى ورسوله الكريم ﷺ‬ سعدتَ في الدنيا والآخرة، وإن أنت أعرضتَ عنها كانت لك الشقاوة في الدارين.

اللهمَّ إني أسألك أن تجعل في هذا الكتاب النفع والخير لقارئه وكاتبه وناشره، أن تجعله ذخراً لي في ميزان عملي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

اللهمَّ إني أسألك رحمةً من عندك .. تهدي بها قلبي .. وتلمُّ بها شعثي .. وتبيّض بها وجهي .. وتزكّي بها عملي .. وتلهمني بها رشدي .. وتعصمني بها من كلّ سوء.

حمص    14 جمادى الآخرة 1426 هـ

          الموافق 20 تموز (يوليو) 2005م

 الفصل الأول:  مواقف خالدة للشباب

في تاريخ البشرية مواقف شبابية خالدة, تركت بصماتها على وجه التاريخ:

 أولاً : ابنَي آدم:

تذكر قصة ابني آدم, حيث كان طرفاها من الشباب, بل ربما كان أول شابَّين عرفتهما البشرية على وجه الأرض, حيث اختار أحدهما (هابيل) موقف اليقين و الرضا و الخير والفضيلة، واختار الآخر (قابيل) موقف الطمع والجشع, والحقد والفساد.

فماذا قال الله تعالى عن هابيل حين ردَّ على تهديد أخيه له بالقتل؟

قال:

]إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ^ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ[ ([13]).

 ثانياً : اركب معنا:

وبالمقابل .. تذكر قصة ذلك الشاب الرافض للنصيحة الأبوية الخالصة, رغم استغاثة أبيه له باللحاق بالركب المؤمن مع الناجين في السفينة! إنه ابن سيدنا نوح عليه السلام, الذي فضَّل أن يكون في زمرة الكافرين الهالكين : ]وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ^ قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ[ ([14]).

 ثالثاً : افعل ما تؤمر:

وهذه صورة الشاب البار المؤمن المجسَّدة في شخص سيدنا إسماعيل ابن سيدنا إبراهيم عليهما السلام, ويجتاز أقسى امتحان قد يتعرض له البشر, بالإذعان لتنفيذ رؤية أبيه بالذبح طاعةً لأبيه, وامتثالاً لأمر ربه: ]قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ[ ([15]).

 رابعاً : الشاب القوي العفيف:

 ومن الصور المؤثرة صورة ذلك الشاب القوي - موسى عليه السلام - كيف تصرف مع النساء العفيفات:

]وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ^ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ[ ([16]).

رأى موسى عليه السلام فتاتين ترعيان الغنم .. وقد وقفتا عند أغنامهما من بعيد تُبعدان الغنم عن الماء .. والرجال يتزاحمون بأغنامهم عليه، تبتعدان عن الماء لا تدخلان وسط الرجال, فسقى لهما الغنم, وجلس في الظل يدعو الله أن يرزقه و ينجِّيه...

فهذا موسى الذي كان طريداً ملاحَقاً, لا مأوى له ولا زوجة ولا عمل, لم يغازل الفتاتين .. ولم تحثه نفسه باستغلال هذا الموقف؛ بل قام بسقاية الغنم عفيفاً مخلصاً .. فأكرمه الله بزوجة هي ابنة نبي .. وعملاً يعمله .. ويجد - فوق هذا وذاك - السكن والعون عند شعيب عليه السلام,كل ذلك من خلال موقف واحد!!.

 خامساً : شباب من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم:

لا تحسبن أنَّ الرفاهية تصلِح الأمة, فقد فتح الشباب من صحابة محمد ﷺ‬ ثلثي المسكون من الكرة الأرضية, ولا يملك أحدهم إلا ثوباً واحداً, وما في جعبتهم سوى بضع تمرات.

دخل الصحابةُ إيوانَ كسرى, والواحد منهم لم يشبع من خبز الشعير!!..

و تولّى أحد ملوك الأندلس بجيش عرمرم طوَّق به الأندلس, فلما مات تولَّى ابنه من بعده .. وكان هذا الابن مترفاً إلى حد السرف؛ يقول: كان في بيتي اثنتان و سبعون جارية و أربع نساء .. ويستمع للغناء صباح مساء..

فلما اجتاح ملكُ الفرنجة الأندلسَ .. قُيِّد هذا الملك الشاب في السجن .. أتت أمه تزوره فبكى عند باب السجن, فقالت: ابكِ مثل النساء مُلْكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال!!.

ويأتي جعفر الطيار من الحبشة بعد هجرة سبع سنوات, فيصل إلى المدينة؛ فهل يجازيه رسول الله ﷺ‬ على هجرته في الله بجائزة مالية؟ أم يعطيه منصباً؟.

لا والله .. بل أرسله مجاهداً في سبيل الله في غزوة مؤتة .. فقُطعت يده اليمنى .. فأخذ الراية باليسرى .. فقطعت اليسرى .. فضمَّ الرايةَ إلى صدره .. فكسرت الرماح في صدره, فاستشهد([17]).

فقال النبي ﷺ‬ بعد لحظات من استشهاده:

(( والذي نفسي بيده,لقد رأيت جعفر بن أبي طالب يطير في الجنة بجناحين أبدلهما الله مكان يديه )) ([18]).

 سادساً : التنافس على الجهاد:

كان صغار شباب الصحابة يتبارون أمام رسول الله حتى يسمح لهم بالقتال في المعارك, وكان يجيز مَنْ بلغ منهم (15) عاماً فأكثر.

ويولّي رسول الله ﷺ‬ أسامة بن زيد قيادة جيش كبار الصحابة, وأسامة لم يبلغ يومئذٍ سبعة عشرة عاماً, حتى تكلّم أناسٌ في إمارته فتحدَّث المصطفى ﷺ‬, وأخبرهم أنه خليق بالإمارة كما كان أبوه خليقاً بها.

ومحمد بن القاسم يفتح السند, ويجابه صناديد الهند, وهو لا يزال في شرخ الشباب, وميعة الصبا, ولم يكن قد تجاوز آنذاك الثامنة عشرة من عمره.

واشترك شباب الصحابة في معارك الفتوح كلها, وكان عبد الله بن عمر, والحسن والحسين سبطا النبي ﷺ‬ وقرَّتا عينه في مقدمة الصفوف التي فتحت أذربيجان وكرجستان التي تقع في الاتحاد السوفييتي (سابقاً) (جمهورية أذربيجان, وجمهورية جورجيا والداغستان).

وكان ضمن هؤلاء الشباب: عبد الله بن العباس, وقُثم بن العباس رضي الله عنهم أجمعين.

وولَّى عثمان رضي الله عنه عبدَ الله بن عامر بن كُرَيز - وهو لم يبلغ الخمسة والعشرين - البصرةَ, فقام وغزا كل الأراضي التي انتقضت, ابتداءً من حدود العراق حتى شمال أفغانستان, ووسَّع الرقعة حتى وصل إلى حدود التركستان الشرقية المعروفة اليوم بسينكانغ والتي تحتلها الصين..

ويوجد في تلك المنطقة قبور (1500) من الصحابة استشهدوا هناك في أيام عثمان رضي الله عنه.

ويا له من شاب فتح تلك الفتوحات الرائعة, وهو لم يبلغ بعدُ الخامسةَ والعشرين!!..

وفي معركة بدر يوم الفرقان, وأولى معارك الإسلام, وقف شابان صغيران من الأوس (الأنصار), وهما: معاذ ومعوَّذ ابنا عفراء, يسألان أحد المهاجرين من الصحابة (وهو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه): دلَّنا يا عمّ على أبي جهل! .. فلما دلَّهم عليه لم يصلا إليه إلا وقد ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح ضربة لم تجهز عليه, فهجما عليه فأثبتاه وبه رَمَق .. وكرَّ عكرمةً بن أبي جهل فقتل معوَّذاً, فكان أحد شهداء بدر الأربعة عشر, الذين سقطوا في المعركة يومئذٍ.

وسمع الشابًّ حنظلة - وهو في ليلة زفافه - نداء الجهاد, فخرج مسرعاً ملبياً نداء الجنة, فقاتل حنظلة حتى نال الشهادة .. وإذا النبي ﷺ‬ يرى الملائكة تغسِّل حنظلة, فيُخبرُ أصحابه قائلاً:

(( إنَّ صاحبكم (حنظلة) لتغسّلُه الملائكة, فاسألوا أهله: ما شأنه؟ )).

فسألوا زوجته العروس فقالت: خرج مسرعاً حين سمع النداء بالجهاد وهو جُنُب.

فقال الرسول ﷺ‬ : (( لذلك غسَّلتهُ الملائكة )) ([19]) !!.

والغريب حقاً أن الشاب المؤمن حنظلة كان ابن الرجل الفاسق أبي عامر الراهب الذي بنى مسجد ضرار، وآذى النبي ﷺ‬ وصحبه، وقد بلغ حدّ تضحيته أنه أراد قتل أبيه لولا أن نهاه النبي ﷺ‬ عن ذلك.

كذلك فعل عبد الله بن عبد الله بن أبيّ ابن سلول حين عرض على النبي ﷺ‬ أن يقتل أباه عبد الله بن أبي رأس النفاق.

وكلاهما كان رغم ذلك بارّاً بأبيه، ولكن حرصهما على الإسلام والإيمان دفعهما لذلك، خوفاً أن يأمر رسول الله ﷺ‬ بقتل الأبوين المنافقين، فتستعر في نفس أحدهما الغَيْرَة العربية القبلية، فيقتل بذلك مؤمناً .. فيدخل النار .. ولكن المصطفى ﷺ‬ أمرهما ببرّ والديهما.

وفي يوم أُحُد .. يتقدم الأطفال دون الخامسة عشرة يريدون أن يشتركوا في الجهاد، ومنهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وأبو سعيد الخدري، ورافع بن خديج، وسمرة بن جندب .. ويردُّهم رسول الله ﷺ‬ جميعاً ما عدا رافع بن خديج لمهارته في الرماية منذ نعومة أظفاره.

ويحنق آنذاك سَمُرَةُ بنُ جندب: كيف يأذن رسول الله ﷺ‬ لرافع بن خديج ويتركه هو، وهو يصرع رافعاً حين يتباريان؟! وبلغَ الأمرُ إلى النبي ﷺ‬، فأمر رافعاً وسَمُرة أن يصطرعا أمامه، فتصارعا وكانت الغلبة لسمرة، فأجاز حينذاك سمرة!!.

وانطلق الشابُّ الصغير الذي لم يبلغ الخامسة عشرة فرحاً سعيداً مزهواً، لأن النبي ﷺ‬ سمح له بالقتال، وسعدت بذلك الخبر أُمُّه سعادةً عظمى، فها هو ابنها قد أصبح يُعدُّ في الرجال .. ويدخل المعركة مع الصناديد والأبطال ([20]).

 سابعاً : من مواقف الثبات:

تذكر مواقف العزيمة والثبات عند شباب دخل الإيمان في قلوبهم، فلم يأبهوا على أي جنب ماتوا في سبيل الله .. فهذا عبد الله بن حذافة السهمي .. دخل على ملك الروم .. فرأى أجسام المؤمنين وهي تغلي في القدور!!.

فقال الملك: تَعُودُ عن دينك، ولك نصف مُلكي؟!

قال: والذي لا إلـٰه إلا هو .. لو أعطيتني ملكك.. وملك آبائك وأجدادك على أن أعود طرفة عين ما فعلتُ!.

وها هو حبيب بن زيد يأتي إلى مسيلمة الكذاب .. فيطلب منه مسيلمة أن يعود عن دينه، فيأبى .. فيقطع منه قطعة من لحمه .. وتقع على الأرض فيأبى .. فيقطع قطعة ثانية فيأبى، وثالثة حتى يقطع جسمه كله ..!!.

وكلنا يذكر خبيب بن عدي وهو يُرفع على المشتقة، ويقول له أبو سفيان: أتريد يا حبيب أن محمداً مكانك؟

قال: والذي نفسي بيده ما أريد أني في أهلي وفي مالي وأن محمداً يصاب بشوكة من الشوك. ويقف يردد ذلك البيت الشهير:

ولستُ أبالـي حين أُقتَلُ مُسلماً                                 على أيِّ جنبٍ كانَ في اللهِ مصرعي

وذلك في ذات الإلـٰهِ وإن يشأ                                   يُبـارك علـى أشـلاءِ شلْوٍ مُمَزَّعِ

 الفصل الثاني: عبث الشباب

 أولاً : عبث على الهاتف الجوال:

من الشباب من يعيش حياته يعبث بوقته، أو بأوقات الآخرين .. يوقظهم من نومهم .. أو يُدبّ الرعبَ في قلوبهم .. أو يتلاعب بأفئدتهم وأعراضهم!!

فمنهم من يقضي وقته ممسكاً بجهاز الهاتف أو بالجوال (الخليوي) يتصل بلا هدف .. لا غاية له إلا اللهو واللعب وإضاعة الوقت .. أو تصيّد البنات!!..

وبعض الشباب يجد متعة في الاتصال العشوائي بالهاتف .. فيخرج له على الخط رجل أو امرأة .. ربما يتحدّث إلى أحدهم .. أو يكتفي بإزعاجهم!!..

قد يغازل فتاة أو يتحرّش بامرأة آمنة مطمئنة في بيتها، وهو يظنّ أنّه يتسلّى مع الآخرين!.

يقتل وقته الضائع في العبث بأعراض الناس .. وربما يتلذّذ أكثر فأكثر بسماع شتائم الآخرين تنهال عليه في كل مكالمة!!..

أسألكم بربكم: أهكذا يكون الشباب؟!.

أهكذا تُقضى الأوقات؟!..

ألمثل هذه خُلقتم يا شباب الأمة؟!.

 ثانياً : شباب..وسيارات:

ومن الشباب من يتلفَّت عند إشارة المرور الحمراء يُمنة ويُسرة .. ثم يطلق لسيارته العنان .. وهو يهز رأسه فرحاً بهذا الانتصار .. وتَجاوزِ الإشارة الحمراء، وكأنه دخل القدس بطلاً محرِّراً!!.

تذكَّر أن من يتجاوز الإشارة الحمراء يُستحقر فعله .. تلاحقه الأعين باشمئزاز .. بل ربما يدعو عليه البعض بأن يصيبه المكروه!!.

ومن الشباب من يقضي وقته في العبث بالسيارات .. في (التحفيط) والمراوغات بسرعة جنونية على الطرقات .. ينتقل كالبرق من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، أو يسابق صديقه في الشوارع داخل المدينة! ويحسب أن بذلك ينال إعجاب المعجبين .. وتصفيق المشاهدين .. لا والله .. ليست هذه برجولة الشباب، ولا بعمل المطيعين لربهم .. أليست نهاية الكثير من هؤلاء المشافي أو القبور؟!.. ألا ينتهي الكثير منهم بالشلل أو السبات أو الكسور؟!.

أيحب أحدكم أن يقضي السنوات الطوال في المشافي والمصحات؟!.. أم يحرم والديه من فلذة كبدهما ومهجة القلب والفؤاد؟!.

ومن الشباب من يتلفَّت عند إشارة المرور إلى من حوله من السيارات .. يتفقّد مَن بداخلها .. وينظر إلى من فيها من النساء!!.

ومن الشباب من تمرُّ أمامه امرأة مسلمة لم يظهر منها شيء .. ولكنه يتبعها بنظراته .. ويحملق بخطواتها وحركاتها حتى تختفي من أمامه!!.

يقول الحسن رضي الله عنه:

((ما ضربتُ ببصري . . ولا نطقتُ بلساني . . ولا بطشتُ بيدي . . ولا نهضتُ على قدمي . . حتى أنظر أعلى طاعة أم على معصية ؟! فإن كانت طاعةً تقدَّمت . . وإن كانت معصيةً تأخرت ! !)).

مرَّ أحد السلف بشباب يلعبون . . فإذا به يرى شاباً ينظر إليهم ويبكي بكاءً شديداً.. فظنَّ ذلك الرجل أنّ هذا الشاب يريد ألعاباً كألعابهم .. فقال له: أتريد أن أشتري لك كالذي عندهم ؟ فقال هذا الشاب : ما لهذا أبكي .. إنما أبكي أن هؤلاء يفعلون غير ما خُلقوا له !! .. أولم يسمعوا قول الله تعالى موبخاً أهل النار:

]أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ[ ([21]).

 ثالثاً : الشباب والإنترنت:

ومن الشباب من يقضي الساعات الطوال على الإنترنت فيما يسمونه الدردشة (chat)، يتحدث إلى هذا أو إلى تلك!! يعبث بأفئدة البنات .. يخدع هذه .. ويِعدُ أخرى بوعود معسولة .. أو يقضي الوقت في كلام فارغ لمجرّد الكلام .. وإضاعة الوقت!.

اسأل نفسك يا أخي وأنت جالس أمام الحاسوب على الإنترنت: هل تحصل منه على معلومة مفيدة .. أو فكرة سديدة.. أو تطوّر برنامجاً، أو تثري بحثاً .. أو تستخلص عبرة .. أو تنصح أخاً .. أو توصي زميلاً بالخير والطاعة والإيمان؟.

إن كنت كذلك فأنت حقيقة ممن يستحق من الله الثناء والجزاء، وتكون ممن أحسنوا استخدام هذا لجهاز .. وأنت إن شاء الله تعالى على طريق الفلاح.

ومن الشباب من يتفنن بالتجسس على الآخرين .. على مكالماتهم بالهاتف، أو على أجهزة الكمبيوتر يتسلل إليها، ويجعل من ذلك هدفاً له في إثبات مقدرته على الوصول إلى تلك الأسرار أو الأشياء الشخصية .. ينتهك الحرمات وهو يحسب أنه من المحسنين صنعاً، ويؤذي الآخرين وهو يظن أنه يفعل المعجزات، ويحقق الغايات والطموحات!!.

 رابعاً : الشباب والألعاب الإلكترونية:

ومن الشباب من يغرق بالألعاب الإلكترونية .. يقضي فيها ليله ونهاره، يصبح الصباح، وتشرق الشمس وهو أمام تلك الشاشة الصغيرة .. في ألعاب سباق للسيارات، أو مصارعة للمصارعين .. أو التفنن بقتل الأبرياء، أو دهس المشاة، أو تدمير المنشآت. .. أو ما هنالك من ألعاب تنمي مشاعر الغضب والعدوانية .. أو أحاسيس التلذذ بتعذيب الآخرين .. أو تدمير بيوتهم!!.

ثم إذا أصبح الصباح وجد نفسه مرهقاً يحتاج إلى الراحة، فيخلد إلى النوم حتى آخر النهار .. وللألعاب عودة في المساء .. وهكذا يقضي الليالي والأيام!!...

 خامساً : مواقع الإباحة والفجور:

ومن الشباب من يتصيَّد مواقع الإباحة والفجور، من صور فاضحة ومشاهد عارية، أو أفعال شائنة يندى لها الجبين.. فيوقظ غرائزه، ويشعل نار شهوته، فلا يجد أمامه إلا طريق الزنى والفجور .. أو ممارسة العادة السرية، أو الشذوذ الجنسي!!.

فحذار يا بنيَّ أن تسلك الطريق.. فالله تعالى يقول:

]وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىۖ إِنَّهُو كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً[ ([22]).

أليست النظرة إلى تلك المواقع مدعاة إلى الدخول في تلك الطرقات، أو الهبوط إلى هاوية المهلكات؟! فلا حياة كريمة لمثل هؤلاء الشباب .. ولا طموح ولا نجاح .. ولا مستقبلاً يبنيه .. ولا فلاح. ينحدر ذلك الشاب من هاوية إلى هاوية.. ومن مستنقع إلى آخر .. لعلَّه في النهاية يسمع صوت الهدى واليقين .. يدعوه بإخلاص: أن أخرج نفسك من ذلك المستنقع الوخيم .. تطهَّر من تلك الآثام واخرج إلى ربّ رحيم. .. تب إلى الله فالله أشدُّ فرحاً بتربتك.. ينتظر منك أن تقول: ((تبتُ إليك يا رب)) .. ((اغفر لي يا الله)) .. ((ارحمني وتب عليَّ فإني بك عائذ ومستجير. .. لا تطرحني في النار .. لا تعاملني بما أسرفت .. اغفر لي خطاياي فأنت أرحم الراحمين))...

 سادساً : الشباب في مقاهي الإنترنت:

مع الانتشار المريع للإنترنت ظهر ما يسمى (مقاهي الإنترنت) التي استمالت إليها طائفة كبيرة من الناس غالبيتهم العظمى من الشباب الذين انجذبوا إلى تلك الأماكن .. وراحوا يقضون فيها الساعات الطوال!! يجد فيها الشباب تسلية جديدة مختلفة عن المقاهي العادية.

ومقاهي الإنترنت بحد ذاتها ليست ظاهرة سيئة لو استغلَّت الاستغلال الأمثل، لكن الخطير في الأمر أن تصبح أوكاراً للاستخدام السيِّئ من قبل بعض الزبائن .. وذلك من خلال الدردشة .. والنفاذ إلى المواقع الجنسية بعيداً عن الرقابة الأسرية.

وقد دلَّت الإحصائيات – كما يذكر الأستاذ يسري شاهين – أنَّ معظم رواد هذه المقاهي هم من الشباب؛ ففي إحصائية وزَّعتها مجلة خليجية على عدد من مقاهي الإنترنت؛ تبيَّن أن (80%) منهم تقل أعمارهم عن سن الثلاثين.. في حين ذكرت إحصائية أخرى أن (90%) من رواد مقاهي الإنترنت هم في سن خطرة وحرجة جداً.

ولا بدَّ من بحث هذه الظاهرة بحثاً جدياً؛ لأن معظم من يرتاد هذه المقاهي كما ذكرنا يستخدمها للدردشة فقط .. أو للاطلاع على المواقع الجنسية .. مما يجعل من هذه الظاهرة أمراً خطيراً على مستقبل الشباب الذين يرتادون تلك المقاهي.

ففي دراسة حديثة نشرتها إحدى المجلات السعودية عن نوعية المواقع التي يدخلها الشباب في مقاهي الإنترنت، كانت النتيجة أن (60%) منهم يقضون أوقاتهم في مواقع الدردشة.. و(20%) من المستخدمين للمواقع الثقافية .. و(12%) للمواقع الطبية والحاسوبية والتجارية .. و(8%) للمواقع السياسية.

وقد أجمع أصحاب تلك المقاهي أن أكثر ما يبحث عنه الشباب هو الدردشة (تشات) والجنس!!.

 سابعاً : لماذا انتشرت مقاهي الإنترنت؟:

من أهم أسباب اندفاع الشباب نحو تلك المقاهي الفراغ الطويل في يوم الشباب، والفرار من الأعمال الجادة .. خصوصاً مع ارتفاع معدل البطالة في كثير من دولنا العربية.

وهناك أسباب أخرى؛ منها:

1-             عدم إمكانية شراء جهاز الحاسوب (الكمبيوتر) لغلائه بالنسبة لبعض الشباب.

2-             صعوبة الوصول إلى الشبكة العنكبوتية (النت) عند البعض.

3-             البحث عن الخصوصية والهروب من مراقبة الأبوين، وخاصة إذا كانت البيوت محافظة، والشباب أو الفتيات يبحثون عن الدردشة أو المواقع الإباحية .. وهي نسبة كبيرة من الشباب للأسف الشديد. والعجيب أن أصحاب تلك المقاهي يهيئون الأجواء الشاعرية والأضواء الخافتة للشباب .. وتجهيز المكان بحيث لا يطّلع أحد على الجالس ولا يدري أحد ماذا يفعل!.

4-             قد يتوفر هناك فني يقوم بكسر برامج حجب المواقع الممنوعة.

5-             يفرُّ كثير من الشباب إلى تلك المقاهي حتى لا تنكشف أفعالهم المخزية، وبظهر هذا جلياً مع البنات ذوات العلاقات أو الباحثات عن مواقع الجنس.

6-             إهمال الآباء .. وضعف مراقبة الأسر لأبنائها.

فاحذر يا أخي الشاب من الوقوع في براثن مقاهي الإباحية.. حذار أن يجرّك أصحابك إلى الانغماس في تلك الأنواع من الدردشة أو فتح المواقع الإباحية .. فإنها ستقودك إلى  الهاوية.

حذار من تضييع الساعات في غير منفعة، وحذار من أن تغرق في أوحال الدعارة والفساد، أو في مستنقع التجسس على الأسرار الشخصية .. أو تتسبب في انهيار حياتك الزوجية.

والخلاصة: فالإنترنت ومقاهي الإنترنت مثلُها مثل الأدوات الإعلامية الأخرى سلاح ذو حدَّين.. فيمكن أن يكون مفيداً إذا عرفنا كيف نستغلّه أحسن استغلال؛ كما في إرسال رسائل البريد الإلكتروني السريعة والاطلاع على البحوث العلمية الحديثة وغيرها. وهو في الوقت نفسه أداة

لتخريب النفوس والأرواح عن طريق المواقع التافهة التي لا تجدي فتيلاً ([23]).

 الفصل الثالث:لا تقتل وقتك

أليس عجيباً أن تسمع من زملائك أنهم يريدون قتل الوقت بلعب الورق .. أو قتل الوقت بالدردشة (chatting) على الإنترنت .. أو قتل الوقت بالكلام في أعراض الناس ونحو ذلك؟!.

هل الوقت عدوٌّ يُقَاتَل؟!.. وهل النجاح في الحياة يكون بأن نقتل الوقت في أي شيء تافه؟!..

أليس من الأجدر أن نصادق الوقت بدلَ أن نقاتله؟!.

أليس من الغباء أن نعادي أحق شيء بصداقتنا؟!.

 أولاً : نعمة لا تضيِّعْها:

 فوقت الفراغ نعمة عظيمة تستحق التقدير والاستثمار .. فهو فرصة لتجديد النشاط .. وترويح النفس .. وشحذ الهمم..

وقد حذَّرنا رسولنا الأعظم ﷺ‬ من هدر وقت الفراغ وعدم تقدير نعمته تعالى فقال:

(( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ))([24]).

أي: الصحة والفراغ من أعظم النعم التي يكثر هدرها وإضاعتها بأبخس الأثمان.

كان الحسن البصري رحمه الله يقول في اغتنام هذه النعمة العظيمة:

((ما من يوم ينشقّ فجرُه إلا نادى منادٍ من قِبَلِ الحق:

يا بن آدم .. أنا خَلْقٌ جديد .. وعلى عملك شهيد..

فتزوَّد مني بعملٍ صالح .. فإني لا أعود إلى يوم القيامة))

فهل نحن ممن يتزوَّد بالعمل الصالح كل يوم؟.

 ثانياً : لهو..ورقص..وغناء:

بعض الشباب يقضي جُلَّ وقته في المقاهي، وأماكن اللهو و اللغو، وفي الجلسات مع الشلة والأصحاب، لا يفطنون إلى ذكر الله مرة واحدة .. بل كلام فاحش، وهتك للأعراض .. وغيبة أو نميمة.

يحفظون الأغاني الماجنة .. ويشاهدون - سراً أو علناً - الأفلامَ الهابطة .. وبعضهم يسرف في إطالة شعره .. و يتبع (نجوم الفن) في قصَّة شعره أو تسريحته .. يعشق الممثل الفلاني .. أو المغنية الفلانية .. بل يعلّق صورها على جدران غرفته .. والبعض يضع سلسلة في رقبته .. أو مطاطاً في معصمه .. أو زينة على صدره ([25]).

فهل يرضى هؤلاء عن هذه الحياة التي يحيونها؟! أيرضى ذلك لابنه؟ أيرضى أن يلاقي الله بمثل هذه الصورة .. أو على تلك الحال؟.. ألا يعلم أنَّ مَلَكَ الموت لا يفرِّق بين شيخ وشاب .. ولاغني ولا فقير .. ولا مريض ولا صحيح؟!.

كم نسمع عن حوادث السيارات التي تحصد أرواح شباب خرجوا وهم يغنّون ويرقصون .. بطونهم مليئة بنعم الله .. وجيوبهم ملأى بالأموال .. عادوا إلى بيوتهم جثثاً في توابيت!.. ما أوتي أحدهم لحظة ليتوب .. أو يرجع إلى الله .. قال تعالى: ]ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ[ ([26]).

خرجوا بالسيارات الفارهة .. وبالعطور الجميلة .. والأزياء العابثة .. وعادوا إلى حفرة صغيرة .. وهالوا عليهم بالتراب!..

انظر إلى تلك الآيات القرآنية التي تصوّر حال هؤلاء..

بقول الله تعالى: ]وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَـٰؤُاْ لَقَد تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [([27]).

 ثالثاً : أوقات عليها حسرات:

تذكَّر يا أخي أن تلك الجلسات التي ضاعت بين (البلوت) و(الكونكان) والغيبة وهتك الأعراض، أو مشاهدة الأفلام .. ستكون حسرة على صاحبها، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول :

 (( ما اجتمعَ قومٌ فتفرَّقوا عن غير ذكر الله إلّا كأنما تفرَّقوا عن جيفة حمار، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة )) ([28]).

فاذكر الله من حين لآخر .. ولا تغفل عن ذكر الله؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( مَثَلُ الذي يذكر ربّه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت )) ([29]).

ومن الشباب من أصبح ديدنه متابعة أخبار الرياضة .. فيموت من أجل نادٍ أو يقاتل من أجل آخر .. حتى تصبح الرياضة همّه الأول والأخير في الحياة. وهناك الهوس التشجيعي حتى يكون ديدنه ليل نهار .. يشجع ويدافع عن ناديه فرداً فرداً .. ويشيع انتصارات ذلك النادي .. وكأنه أعاد لنا القدس والأندلس المفقود!!.

لا تضيع وقتك، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك...

وقال تعالى: ]وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا[([30]).

فالليل والنهار كنزٌ لمن أراد أن يستغله في طاعة، أو فكر، أو علم نافع!.

ورحم الله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال:

((إني لأرى الرجل ليس في مهنة من الدنيا .. ولا عمل للآخرة، فيسقط من عيني)).

 رابعاً : عمرك الحقيقي:

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

((ما ندمت على شيء كندمي على يومٍ غربت شمسه:

نَقَصَ فيه أجلي..

ولم يزِدْ فيه عملي...)).

 ورحم الله شاعراً ما زلتُ أتمثَّل شعره منذ أن كنتُ في الثانية عشرة من عمري. يقول الشاعر:

إذا مرَّ بي يومٌ ولم أقتبس هدىً                                    أو أستفد علماً فما ذاك من عمري

فعمرك الحقيقي لا يقاس بالسنوات التي قضيتها منذ الولادة، وإنما يُقاس بقدر ما قدَّمت لنفسك وللإسلام من عظائم الأعمال الصالحات.

فحدِّد لنفسك هدفاً غالياً تعيش من أجله .. وتسعى جاهداً لتحقيقه .. وأخلص النية لله تعالى ترَ ثمرة عملك.

يقول المصطفى ﷺ‬: (( إن تصدق الله يصدقك... )) ([31]).

 خامساً : لا تهمِّش نفسك:

لا تهمِّش نفسك ولا تجعلها خارج خريطة الحياة. ولا تقولنَّ لنفسك يوماً: هناك من يعمل للأمة .. وهناك من يقول ..وهناك من يبني .. أما أنا فلست منهم ولا أقدر على شيء!.

لا يا أخي .. احذف كلمة (لا أستطيع) من قاموسك؛ فأنت قادر بإذن الله على العطاء في الحياة .. قادر على أن تطوّر نفسك .. وقادر على أن تكون مثالاً يُحتذى .. وكثير من الشباب من قال مِثلَ ما قلتَ .. ثم ما لبث أن أصبح شامةً بين الناس.. ينظر إليه الناس بثقة وإعجاب.

إذا كنت تشعر بأنك غير قادر على تطوير نفسك فهناك كُتبٌ تعلمك ذلك .. وهناك معاهد متخصّصة في التنمية البشرية.

 سادساً : إياك والتسويف:

إياك والتسويف .. ولا نؤجل عمل اليوم إلى الغد ..

وإذا عزمت على عمل الخير فبادره .. ولا تقل: الأيام طويلة .. وسوف أفعل كذا وكذا .. سوف أحفظ .. سوف أقرأ .. سوف أستمع إلى الأشرطة المفيدة وهكذا...

فالوقت يمرّ مرَّ السحاب، وخاصة في هذا الزمن الذي أخبر عنه النبي ﷺ‬ فقال:

(( لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان ..

فتكون السنة كالشهر..

والشهر كالجمعة ..

وتكون الجمعة كاليوم ..

ويكون اليوم كالساعة ..

وتكون الساعة كالضرمة بالنار )) ([32]).

وقد توعَّد الله سبحانه وتعالى أولئك الذي ألهاهم الأمل فقال:

]ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ ٱلْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ[ ([33]).

يقول الإمام القرطبي في تفسيره: ((وطول الأمل داء عضال ومرض مزمن، ومتى تمكَّن من القلب فسد مزاجه، واشتدَّ علاجه، ولم يفارقه داء ولا نجح فيه دواء ..)).

وحقيقة الأمل: الحرص على الدنيا والانكباب عليها والحب لها، والإعراض عن الآخرة .. ولذا قال رسول الله ﷺ‬:

(( صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل )) ([34]).

 سابعاً : صور من استغلال الوقت:

يروي لنا التاريخ قصصاً عجيبة ومؤثّرة .. كيف كان الصحابة والتابعون وعلماء هذه الأمة يعرفون قيمة الوقت.

-                   فهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يصلي بالقرآن كله في ركعة الوتر..

-                   وهذا الإمام الشافعي رحمه الله كان يقرأ القرآن في شهر رمضان ستين مرة؛ مرة بالليل، ومرة بالنهار..

-                   وهذا ابن عقيل الحنبلي رحمه الله يقول: ((إني لا يحلُّ لي أن أضيع ساعةً من عمري، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في الثمانين أشد مما كنتُ أجده وأنا ابن عشرين سنة. وأنا أقصِّر بغاية جهدي أوقات أَكلي، حتى أختار سفَّ الكعك، وتحسِّيه بالماء على أكل الخبز، بسبب ما بينهما من تفاوت المضغ، توفيراً للوقت فأستغلّه في المطالعة أو في الكتابة)).

هذا الإمام صنَّف ربما أكبر كتاب في العالم – ويبلغ ثمانمئة مجلد – ويقول عنه الإمام الذهبي: ((لم يصنَّف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب)).

هذا الإمام يفضِّل سفَّ الكعك وشرب الماء على أكل الخبز كي يوفر الوقت الذي يأخذه مضغ الخبز!!.

فكيف بنا ونحن نضيّع الساعات كل يوم في مشاهدة التلفاز أو الإنترنت وغير ذلك؟!.

وها هو ابن جرير الطبري صاحب التفسير الشهير، يروي عنه المؤرّخون أنه مكث أربعين عاماً يكتب في كل يوم أربعين ورقة.

حتى إن تلاميذه أحصوا أيام حياته منذ بلغ الحلم إلى أن توفي وهو ابن ست وثمانين سنة، ثم قسَّموا عليها أوراق مصنّفاته، فصار منها على كل يوم أربع عشرة ورقة. أي يكتب (14) ورقة في كل يوم بلا انقطاع!.

وهذا ابن النفيس كان إذا أراد التصنيف تُوضَعُ له الأقلام مبريةً، ويدير وجهه إلى الحائط، ويأخذ التصنيف إملاءً من خاطره، ويكتب مثل السيل إذا انحدر، فإذا كان القلم قد حفي (لم يعد يكتب)

رمى به وتناول غيره، لئلا يضيع عليه الزمان في بري القلم ([35]).

 ثامناً : استثمر وقتك:

استثمر وقتك في مساعدة من يحتاج المساعدة من أهلك وإخوانك في زيارة مريض .. أو قضاء حاجة لأخ مسلم .. أو مساعدة ضيف أو متضرر .. أو تفريج كرب أو تقديم عون .. فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( من كان في حاجة أخيه .. كان الله في حاجته...

ومن فرَّج عن مسلمٍ كربة .. فرَّج الله عنه بها كربةً من كرب يوم القيامة...

ومن ستر مسلماً .. ستره الله يوم القيامة )) ([36]).

ويقول عليه الصلاة والسلام أيضاً:

(( من عاد مريضاً .. أو زار أخاً له في الله .. نادى منادٍ أن طبتَ وطاب ممشاك .. وتبوأتَ من الجنة منزلاً )) ([37]).

اجعل لنفسك وقتاً تقرأ فيه القرآن كل يوم ولو جزءاً واحداً من القرآن؛ فقراءته لا تأخذ منك أكثر من (20 – 30) دقيقة. ومن منا لا يملك نصف ساعة من يومه؟.

هل تريد أن تكون كالبيت الخرب إن لم يكن عندك شيء من القرآن؟. فالرسول عليه الصلاة والسالم يقول:

(( إنَّ الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب )) ([38]).

أم تريد أن تكون من حملة القرآن في ظل عرش الرحمن؟.

يقول عليه الصلاة والسلام:

(( أدِّبوا أولادكم على ثلاث خصال:

حُبِّ نبيكم .. وحُبَّ أهل بيته .. وقراءة القرآن.

فإنَّ حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظلّ إلا ظلّه مع أنبياء الله وأصفيائه )) ([39]).

ألا تريد أن تكون ممن يأخذ بوالديه إلى الجنّة؟.

 تاسعاً : كيف تستثمر الدقيقة من عمرك؟:

تذكرَّ أن كثيراً من مشاريع الخير لا تكلف شيئاً، ويمكن أن تقوم بها وأنت ماشٍ على قدميك أو راكباً أو واقفاً أو جالساً...

ففي دقيقة واحدة تستطيع أن تقرأ سورة الإخلاص ]قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ..[ خمس عشرة مرة. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن )) ([40]).

وفي دقيقة واحدة يمكنك أن تقرأ فاتحة القرآن والسبع المثاني – وما أدراك ما السبع المثاني – خمس مرات. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول لابن المعلى:

(( لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن )).

ثم قال:

(( ]ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ . . . [ هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته )) ([41]).

وفي دقيقة واحدة تستطيع أن تقول:

((سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) (خمسين مرة). والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم )) ([42]).

وفي دقيقة واحدة تستطيع أن تقول:

((سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزِنةَ عرشه، ومداد كلماته)) عشر مرات.

وفي دقيقة واحدة تستطيع أن تصلّي فيها على النبي ﷺ‬ عشرين مرة فيصلي عليك مقابلها (200) مرة !!.

وفي دقيقة واحدة تستطيع أن تستغفر الله تعالى أكثر من سبعين مرة.

والاستغفار سبب للمغفرة ودخول الجنة، ودفع البلايا، وتيسير الأمور والإمداد بالمال والبنين.

وفي دقيقة واحدة تستطيع أن تقول:

((لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) عشرين مرة. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( من قال: لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ عشر مرات، كان كمن أعتق أربع أَنْفس من وَلَد إسماعيل )) ([43]).

وفي دقيقة واحدة تستطيع أن تقول:

((لا حول ولا قوة إلا بالله)) أكثر من أربعين مرة. فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ‬:

(( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ ))

فقلت: بلى يا رسول الله.

قال: (( لا حول ولا قوة إلا بالله )) ([44]).

وفي دقيقة واحدة تستطيع أن تقول:

((سبحان الله وبحمده)) مئة مرة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مئة مرة حطّت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر )) ([45]).

وأخيراً .. في دقيقة واحدة تستطيع أن تنهى عن منكر بالحكمة والموعظة الحسنة، أو تأمر بمعروف .. أو تقدم نصيحة لأخ .. أو تواسي مهموماً .. أو ترفع الأذى عن الطريق .. وفي ذلك كله حسنات، وأي حسنات...

في دقيقة واحدة يمكنك أن تنال رضا ربك .. فيمحو ذنبك ويجعلها لك ذخراً يوم القيامة.

يقول ابن الجوزي في درره التي ينصح بها ولده – والمسماة بـ(لفتة الكبد في نصيحة الولد):

((اعلم يا بني أنَّ الأيامَ تُبسط ساعات..

والساعاتُ تُبسط أنفاساً..

وكلُّ نَقَس خزانة..

فاحذر أن يذهب نَفَسٌ بغير شيء، فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم..

وانظر كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب..

فلا تُودعها إلا إلى أشرف ما يمكن..

ولا تُهمل نفسك..

وعوِّدها أشرف ما يكون من العمل وأحسنه..

وابعث إلى صندوق القبر ما يسرُّكَ يوم الوصول إليه)).

 الفصل الرابع: همسة في الإجازة

لا شكَّ أن الهدف من الإجازة هو الاستراحة من عناء العمل الجسمي والفكر، والتوجّه نحو أنشطة ممتعة للنفس .. منشّطة للجسم .. منمّية للفكر.

فلا تقضِ هذا الوقت الثمين في ألعاب ضارة .. أو ملهيات تثير الانفعال النفسي أو الانهيار العصبي، وتوقع العداوة والبغضاء بين الأصدقاء، كاللعب بالنرد، وتناول المخدّرات، وشرب الخمور والمفتّرات .. وكشف العورات .. واقتراف المنكرات ([46]) ..

لا تضيع وقتك سدى .. ولا تقترف المحرَّمات .. حتى لا تندم يوم القيامة على ما فرَّطت في جنب الله..

حذارِ أن تكون مع الذين أخبر عنهم الله سبحانه وتعالى بقوله:

]أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَـٰحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ ^ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ ^ أَوْ تَقُول حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ[ ([47]).

 أولاً : اختر صاحب السفر:

إذا عزمتَ على القيام برحلة أو زيارة أو جولة فاخترْ لنفسك الصاحبَ الصادق .. والصديقَ المستقيم .. وإياك أن تصاحب من يقودك إلى معصية الله .. أو يشجعك عليها..

والرسول عليه الصلاة والسلام يضرب لنا مثلاً في الصحبة الطيبة .. والصحبة الخبيثة، فيقول:

(( إنما مَثَلُ الجليس الصالح، وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير..

فحامل المسك: إما أن يحذيك (أي: يعطيك)، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبةً...

ونافخ الكير: إما أن يحرق ثوبك .. وإما أن تجد منه ريحاً خبيثةً )) ([48]).

 ثانياًَ : كيف تقضي وقت فراغك؟:

اسأل الله تعالى أن يجعل المسجد مهوى فؤادك .. وقرَّةَ عينك، وأن تكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه:

(( وشاب نشأ في طاعة الله .. ورجلٌ قلبه معلَّقٌ في المسجد، إذا خرج منه حتى يعود   إليه )) ([49]).

حاول أن تستفيد من وقت إجازتك في حفظ شيء من كتاب الله تعالى .. ومطالعة الكتب الإسلامية، وحضور مجالس القرآن والعلم..

واسأل الله تعالى أن يجعلك ممن نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة. قال عليه الصلاة والسلام:

(( ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرَهمُ الله فيمن عنده )) ([50]).

أليس جميلاً أن يذكرك الله تعالى فيمن عنده .. وأن تحفّك الملائكة رضاءً لك؟!..

كان الشباب من السلف الصالح يتسابقون في تلاوة القرآن وحفظه؛ فقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – عن نفسه:

جمعتُ القرآن فقرأته كلَّه في ليلة..

فقال لي رسول الله ﷺ‬:

(( إنني أخشى أن يطول عليك الزمان .. وأن تملَّ؛ فاقرأه في شهر )).

فقلتُ: دعني أستمتع من قوتي وشبابي.

قال: (( فاقرأه في عشر )) (أي في عشرة أيام).

فقلتُ: دعني أستمتع من قوتي وشبابي.

قال: (( فاقرأه في سبع ))

فقلتُ: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، فأبى ([51]).

انظروا إلى هذا الشاب الذي يلحُّ على رسول الله ﷺ‬ بأن يستمتع بقوته وشبابه! ولكن بماذا؟..

هل بارتياد الشواطئ والسباحة المختلطة مع الفتيان والفتيات؟.

أم بالتفحيط في الشوارع المزدحمة بالسيارات؟.

أم بمعاكسة البنات أمام المدارس في الطرقات؟.

أم باللعب بالورق والبلوت وغيرها في الأمسيات والسهرات؟.

أم بالجلوس أمام التلفاز ومتابعة الأفلام والمسلسلات؟.

لا .. وألف لا .. إنه يريد أن يقرأ القرآن كلَّه بأقل من سبع ليالٍ! فهل يأذن له الرسول عليه الصلاة والسلام؟.

لا .. لأنه يريد له الاعتدال حتى في العبادة .. كي لا يملّ فينقطعَ عن قراءة القرآن!!. كان الإمام الشافعي يقسم الليل ثلاثة أجزاء: ثلثاً للعلم، وثلثاً للعبادة .. وثلثاً للنوم .. وكان يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في الصلاة.

 الفصل الخامس: فتِّش عن صديق

 أولاً : اختر صديقك:

فتّش عن الصديق المخلص الوفي، وإن نَدَر. فتّش عمن يصادقك ويعرفُك لله .. لطيبة قلبك .. وصدق ممشاك .. لحبك للخير وكراهيتك للشر والأشرار .. لشجاعتك في الحق .. ومروءتك وصونك لأعراض الناس.

فتّش عن صديق يحبك في الله أولاً .. ولهذه الصفات التي تتحلّى بها، ويريد أن يعمل بمثلها .. صديقٍ يصدُقُك القولَ والعمل .. في المواعيد والأمانات، وفي الاجتماع على طاعة الله. يقول عليه الصلاة والسلام:

(( الرجل على دين خليله .. فلينظر أحدكم من يخالل )) ([52]).

ويقول الشاعر:

عن المرءِ لا تسَلْ وسَلْ عن قرينه                               فكلُّ قرينٍ بالمقارَن يقتدي

فتّش عن صديق إذا حدَّثتْك نفسكَ بمعصية أرشدكَ إلى تركها .. وألقى بنفسه ليحميك من الوقوع فيها.

فتّش عن صديق .. يدلُّك على طرق الخير .. ويحذِّرك من طرق الشر..

فتّش عن صديق .. تطمئنُّ إلى رأيه .. وترتاح إلى حكمته .. يصونك من الوقوع في المعاصي والزلاّت .. ويقيك من الزلل في مصارع السوء..

فتّش عن صديق إن أنتَ بعُدتَ عن طريق الحق .. وجَّهك إلى الطريق المستقيم .. وإن أنت تعرَّضت إلى مشكلة .. جلس معك يبحث عن حلٍّ لها .. وإن أنت أُصبتَ بالإحباط .. شجَّعك ونفَّس عنك .. وإن أنت سخطت وشكوتَ .. ذكَّرك بنعم الله عليك.

يقول الإمام علي رضي الله عنه: ((صديقك مَن صَدَقَك لا مَن صدَّقك)).

تذكَّر قول الله تعالى:

]وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَـٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً ^ يَـٰوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً ^ لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِلْإِنسَـٰنِ خَذُولاً[ ([53]).

وأخيراً تذكَّر قول الله تعالى:

]ٱلْأَخِلَّآءُ يَوْمَئِذٍم بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌ إِلَّا ٱلْمُتَّقِينَ[ ([54]).

ورحم الله تعالى أبا العتاهية حين قال:

وكلُّ صديقٍ ليس في الله ودُّه                                              فإنّـي به في ودِّه غيرُ واثقِ

 ثانياً : أصدقاء قادوا غيرهم للمهلكة:

أعرِفُ شاباً ورث عن أبيه ثروة كبيرة .. ولكنه تعرّف على شلة قادتْه أولاً لتصيُّد البنات والعبث بأعراضهن .. وهناك أخذ يستمرئ شرب المسكرات .. فغاص في المعاصي والمنكرات .. ومن ثم رقع في عادة لعب القمار .. وما زال به القمار حتى خسر كل أمواله .. وفقد جميع ثروته.

كان يستجدي أخته فلا تعطيه .. ويستجدي أقرباءه بعد أن هجره أصحابه، وانفضَّت عنه شلّته التي كانت تؤويه عندما كان غنياً ميسور الحال ... وما زال يتردَّى من حال إلى حال حتى وصل به المآل إلى أن مات بتشمّع الكبد الذي سبَّبه شربُ الخمور!!...

وأعرف طبيباً ماهراً في صنعته .. جرَّه أصدقاؤه إلى شرب المسكرات، وأصبح لا همَّ له سوى احتساء كؤوس الخمر في سهرات مخملية عابثة حتى الصباح .. ضجَّت منه زوجته، فطلبت منه الطلاق فطلَّقها وسعدتْ، وندم هو على ما فعل ولكن هيهات! فقد ضيَّع كلَّ شيء، ضيَّع زوجه وأمواله .. وضيَّع صحته ووظيفته .. وانتهى الأمر به إلى أن مات بسرطان الكبد بعد أن تلف الكبد من شرب المسكرات...

وهذا أستاذٌ كبير في كلية الطب يتقاضى مرتّباً عالياً، ويحصل على أمثاله من عيادته الخاصة .. ولكنه كان مسرفاً في بيته .. يقيم كل أسبوع حفلات استقبال وحفلات رقص وغناء .. ويستدين كل شهر ما يحتاج إليه بيته من خبز ولحم وغير ذلك. فإذا جاء أول الشهر اصطف الدائنون أمام بيته حتى يوزع عليهم معظم مرتبه، ولا يبقى منه إلا ما يكفي ثلاثة أيام، ثم يمدُّ يده إلى زملائه فيقترض منهم بقية الشهر.

حذار أن تكون مثل هؤلاء، فما أجمل حياة من استقام على درب الله!.

وهذا شابٌّ تورَّط في صحبة أصدقاء سوء .. فما زالوا به حتى علَّموه حياة (الكيوف) فأخذ مأخذهم وسار على منوالهم .. ترك دروسه ورسب في الامتحان .. تعوَّد على السهر معهم كل ليلة حتى الفجر .. فلما أدرك أبوه ما وقع به ابنه نصحه بكلّ الوسائل فلم يُجْدِ معه النصح .. ولم تفد فيه الموعظة .. هدَّده وتوعَّده فما غيَّر ذلك من سلوكه..

وأخيراً اهتدى إلى أصدقاء خيِّرين، وطَّدوا علاقتهم بذلك الشاب .. واستطاعوا بعد مدة أن ينشلوه من مستنقع الآثام الذي وقع فيه .. فأرشدوه إلى طريق الخير حتى استقامت أموره .. وعاد إلى ما كان عليه بل أحسن مما كان عليه ([55])!!.

ورحم الله الشعر الذي قال:

مَنْ لمْ تكنْ في الله خُلَّتُهُ                                          فخليلُـه منـهُ عَلى خَطَـرِ

 ثالثاً : شلة الأصدقاء:

وكثيراً ما نسمع من الشباب أو الفتيات كلمة (الشلَّة)، وهي كلمة أخذناها للأسف من الغرب وتعني: المجموعة (group). وكثيراً ما تطلق في الغرب على بعض مجموعات المراهقين، وخصوصاً الهيبيز الذين يعيشون من دون هدف، ولا يريدون الخضوع لقانون.

وللأسف فإننا أخذنا هذه الكلمة معنىً ومبنىً، وأصبح بعض الشباب يعيش من دون هدف .. أو أنه لا يريد أن يُخضع أهواءَه وتصرّفاته لأحكام الشرع. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) ([56]).

يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

أخلاّء الرجـالِ هُمُ كثيـرٌ                                          ولكنْ في البلاءِ هُمُ قليــل

فلا تغرركَ خُلَّـةُ مَنْ تؤاخي                                                فما لك عند نائبةٍ خليــلُ

وكلُّ أخٍ يقـولُ أنا وفـيٌّ                                          ولكنْ ليسَ يفعلُ ما يقـولُ

سوى خلٍّ له حَسَبٌ و دِينٌ                                              فذاكَ لما يقولُ هُوَ الفَعُـولُ

 رابعاً : لا تكثر من الأصدقاء:

لا تكثر من الأصدقاء, فكثرة الأصدقاء والخلطاء مضيعة للوقت, وحملٌ لأعباء من يكسل عن حملها.

يقول ابن القيم رحمه الله في كلام دقيق للغاية:

((فأما ما تؤثِّره كثرة الخُلطة (أي الصحبة):

فامتلاء القلب من دخان أنفاس ابنِ أدم.

حتى يسود و يوجب له تشتتاً وتفرّقاً..

وهمّاً وغمّاً وضعفاً..

وحملاً لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء..

وإضاعة مصالحه والاشتغال عنها بهم وبأمورهم..

وتقسم فكره في أودية مطالبهم و إراداتهم..

فماذا بقي منه لله وللدار الآخرة؟.

وهل كان على ( أبي طالب ) - عند الوفاة - أضرّ من قرناء السوء؟!.

لم يزالوا به حتى حالوا بينه و بين كلمة واحدة تجلب له سعادة الأبد)) ([57]).

ويقصد بذلك حين منعوه من أن ينطق بشهادة : أن لا إلـٰه إلا الله و أن  محمداً رسول الله.

وهذا كلام دقيق للغاية؛ فجلوس عدد كبير من الشلة والأصدقاء في غرفة واحدة يزيد من كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغرفة. والمعروف أن ارتفاع نسبة هذا الغاز في الدم بشدة يؤدي إلى الخمول واختلال الذهن.

هذا إذا كانوا من غير المدخنين , فكيف إذا كانوا من المدخنين؟!.

 الفصل السادس: همسة في الحب

 أولاً : الإسلام والحب:

 لا ينكر الإسلام الحب؛ لأن الرغبة في أن نكون محبين ومحبوبين دافع فطري متأصل في الإنسان.

ولكن ينبغي أن يعرف المراهقون أيضاً أن مشاعر الحب شيء, وتعريض الإنسان نفسه لهذه المشاعر شيء آخر.

فالأول: انفعال بشري لا اختيار فيه.

والثاني: فعل اختياري يتحمَّل صاحبه نتائج عمله.

والإسلام لا يحرّم الحب لأنه من عمل القلب. والرسول ﷺ‬ يقول:

(( إنَّ الله تجاوز لأمتي عما حدَّثت به أنفسها ما لم يتكلَّموا أو يعملوا به )) ([58]).

ولكنه يحرِّم الانحرافات التي يقود إليها هذا الحب؛ فيحرِّم تكرار النظرة إلى المرأة, والانفراد بها .. ويحرّم على الشاب الأجنبي عنها مراسلتها وبثها عشقه وغرامه .. أو الاتصال بها بالهاتف والجوَّال أو بأية وسيلة أخرى.

ولا يحرِّم الإسلام التعبير عن الحب في إطار من العفة والالتزام بالآداب الشرعية, ككتابة نثرية أو قصيدة شعرية يصف فيها المحبُّ لواعج قلبه ويبثُّ أحاسيسه، دون وصف لمفاتن الجسد أو تخيُّل لما هو أبعد .. ودون ذكر لاسم معين.

 ثانياً : الحب ابتلاء:

والحب ابتلاء من الله للمؤمن, هل يصبر عليه؟ أم يجرُّه للباطل؟!.

والحب يُبنى مع الزمن درجة درجة, يبدأ بالتعارف, ثم بالاهتمام, ثم بالتقارب, ثم بالتفاهم, ثم بالتعاطف, ثم بالانبهار حتى يصل إلى الميل، فالهوى..

والحب عمل القلب .. والقلب له منافذ .. والبصر أول هذه المنافذ.

يقول الشاعر:

فكلُّ الحوادث مبداها من النظر                                    وأعظم النار من مستصغر الشرر

وقد يفتن البعض بالسمع قبل النظر، كما قال بشار بن برد:

يا قومُ أُذْني لبعض الحيِّ عاشقةٌ                                  والأذن تعشقُ قبل العين أحيانا

وعندما سأل أحدُ الصحابة رسولَ الله ﷺ‬: يا رسول الله في حجري يتيمة, وقد خطبها رجل موسر ورجل معدم, ونحن نحب الموسر, وهي تحب المعدم.

فقال النبي ﷺ‬: (( لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح )) ([59]).

ولم يقل إنَّ الحبَّ عيب أو حرام, ولم يأمر بنهر تلك الفتاة أو تأديبها.

ولكن الحبَّ في هذه الأيام بالنسبة للشاب أو الفتاة لا يتعدى- في أكثر الأحيان - الحبَّ الجنسي الذي يراه على شاشات الفضائيات الهابطة, فلا تكتمل قصة الحب المعروضة على الشاشة إلا بعد أن تخرج الممثلة مع الممثل وترجع حبلى منه .. أو تنتهي العلاقة بالهروب من العائلة, أو بالانحراف إلى طريق الرذيلة أو ما سواه!!.

 ثالثاً : داء الشباب:

يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله:

((يا بنيّ, هوِّن  عليك, فليس الذي تشكو منه دائك وحدك , ولكنه (داء الشباب), ولئن أرَّقك هذا الذي تجد وأنت في هذا السن (سن المراهقة), فلطالما أرَّقَ كثيرين غيرك, صغاراً وكباراً, ولطالما صرف عن درسه التلميذ, وعن عمله العامل, وعن تجارته التاجر.

إنه ما أشرف على مثل سنِّك أحد إلا توقَّد في نفسه شيء كان خامداً, فأحسَّ حرَّه في  أعصابه, وتبدلت في عينه الدنيا غير الدنيا, فلم يعد يرى المرأة على حقيقتها إنساناً من لحم ودم, له ما للإنسان من المزايا, وفيه ما فيه من العيوب, ولكن أملاً فيه تجتمع الآمالُ كلها, ويلبسها من خيال غريزته ثوباً يُخفي عيوبها ويستر نقائصها, ويبرزها تمثالاً للخير المحض والجمال الكامل. ويعمل منها ما يعمل الوثني من الحجر: ينحته بيده صنماً, ثم يعبده بطوعه ربّاً .

إنَّ الصنم للوثني ربٌّ من حجر, والمرأة للعاشق وثنٌ من خيال!.    

كل هذا طبيعي معقول , ولكن الذي لا يكون أبداً طبيعياً ولا معقولاً, أن يحسَّ الفتى بهذا كله في سن خمس عشرة, أو ست عشرة سنة, ثم يضطره أسلوب التعليم إلى البقاء في المدرسة والجامعة .. فماذا يصنع في هذه السنوات, وهي أشد سنيِّ العمر اضطرام شهوة, واضطراب جسد, وهياجاً وغلياناً؟.

أما سنّة الله وطبيعة النفس فتقول له: تزوَّج.

وأما أوضاع المجتمع, وأساليب التعليم فتقول له: اختر إحدى ثلاثٍ كلُّها شر, ولكن إياك أن تفكّر في الرابعة التي هي وحدها الخير, وهي الزواج.

إما أن تنطوي على نفسك, على أوهام غريزتك وأحلام شهوتك, تدأب على التفكير فيها, وتغذيها بالروايات الداعرة, والأفلام الفاجرة, والصور العاهرة, حتى تملأ وحدها نفسك, تستأثر بسمعك وبصرك, فلا ترى حيثما نظرتَ إلا صُور الغيد الفواتن, تراهن في كتاب الجغرافيا إن فتحته, وفي طلعة البدر إن لمحته, وفي أحلام اليقظة, وفي رؤى المنام ... ثم لا ينتهي بك الحال إلا إلى الهوس أو الجنون أو انهيار الأعصاب.

وإما أن تعمد إلى ما يسمونه اليوم العادة السرية (الاستمناء), وقد تكلَّم في حكمه الفقهاء, وهو - كما يقول فضيلة الشيخ الطنطاوي - وإن كان أقل الثلاثة شراً, وأخفها ضرراً , ولكنه إن تجاوز حده وكثر استعماله ركًّب النفس بالهم, والجسم بالسقم, وجعل صاحبه الشاب كهلاً محطَّماً, كئيباً مستوحشاً, يفرُّ من الناس, ويجبن عن لقائهم, ويخاف الحياة, ويهرب من تبعاتها, وهذا حُكْمٌ على المرء بالموت وهو في رباط الحياة.

وإما أن تَغرِفَ من حماة اللذة المحرمة, وتسلك سبل الضلال, وتؤمَّ بيوت الفحش, وتبذل صحتك وشبابك ومستقبلك ودينك في لذة عارضة, ومتعة عابرة, فإذا أنت قد خسرت الشهادة التي تسعى إليها, والوظيفة التي تحرص عليها, والعلم الذي أمَّلتَ فيه, ولم يبقَ لك من قوتك وشبابك ما تضرب به في لجَّةِ العمل الحر.

ولا تحسب بعدُ أنك تشبع, كلا, إنك كلما واصلتَ واحدة زادك الوصال نَهَماً, كشارب الماء المالح, لا يزداد شرباً إلا ازداد عطشاً, ولو أنك عرفت آلافاَ منهن ثم رأيت أخرى متمنعة عليك, مُعرِضة عنك, لرغبتَ فيها وحدها, وأحسست من الألم لفقدها مثل الذي يحسه من لم يعرف امرأة قط.

وهبْكَ وجدت منهن كل ما طلبت, ووسِعَكَ السلطان والمال, فهل يسَعُكَ الجسد؟ وهل تقوى الصحة على حمل مطالب الشهوة؟.

فكم من رجال كانوا أعاجيب في القوة, وكانوا أبطالاً في رفع الأثقال والرمي والسَّبق, وما هي إلا أن استجابوا إلى شهواتهم, وانقادوا إلى غرائزهم, حتى أمسَوا حطاماً...

إن من عجائب حكمة الله أنه جعل مع الفضيلة ثوابها: الصحة والنشاط. وجعل مع الرذيلة عقابها: الانحطاط والمرض. ولربَّ رجل ما جاوز الثلاثين يبدو مما جار على نفسه كابن ستين, وابن ستين يبدو من العفاف كشاب في الثلاثين.

وحقاً صدق من قال: ((من حفظ شبابه, حُفظ له شيخوخته)). 

 رابعاً : دعاة الشر:

والبلاء كله من هذه المغريات، من دعاة الشر ورُسُلِ إبليس، الذين يزينون للمرأة التكشف والتبرج والاختلاط باسم المدنية والتقدمية والنهضة النسائية.

والذين دأبوا على نشر صور العاريات في مجلاتهم من الممثلات والمطربات في أفلامهم ومسلسلاتهم، ونساء السواحل بحجة الاصطياف، وعملوا على ذلك سنين طوال، صابرين محتسبين لوجه إبليس، ولولاهم ولولا مجلاتهم ورواياتهم وأفلامهم ومسلسلاتهم في الفضائيات، لما رأينا من بنات المسلمين من يكشفن عن عوراتهن في الشوارع وعلى شواطئ البحار.

وهذه المغريات كلها لا تعمل عملها، ما لم يوجد رفيق السوء الذي يدلك على طريق الفاحشة، ويوصلك إلى بابها)) ([60]).

 خامساً : لا تقتلوا العاطفة بل هذِّبوها:

ويتحدَّث الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله عن الحب والعواطف، فيقول:

((أنا لا أقول اقتلوا العاطفة، لأنّ في موتها موتنا، ولكن أقول:

إنَّ العاطفة تضيق حتى لا تشمل إلا شخصاً واحداً..

وتنحطُّ حتى تنزل من قلب هذا الشخص إلى ما تحت القلب .. إلى ما تحت السرَّة!.

وتسمو حتى تحيط بالمثل الإنسانية العالية..

وتعمُّ حتى تشمل الأمة كلها، بل الإنسانية جمعاء.

فاسموا بعواطفكم عن مواطن شهوتكم، واخرجوا بها من ذواتكم، وقِفُوها على أمتكم وبلادكم.

أحِبُّوا، فإنَّ الذي لا يحب لا يكون إنساناً، واذكروا واحلموا وتأمّلوا، ولكن افهموا الحبّ بمعناه الواسع الذي يشمل كل ما هو حق وخير وجميل .. لا بالمعنى الضيق العقيم، الذي لا يتجاوز حدود جسم امرأة.

1- أحِبّوا ولكن ابقوا مسلمين:

إنَّ للمسلم قلباً، قال الله عزَّ وجلّ:

]إنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرىٰ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ ألْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهيدٌ[ ([61]).

ولكن المسلمين يغضّون عيونهم وقلوبهم وفروجهم:

]إِلّا على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنّهُمْ غَيْرُ مَلومِينَ ^ فَمَنِ اِبْتَغَى وَراءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ[ ([62]).

2- أحِبُّوا، ولكن ابقوا رجالاً:

إنَّ الرجل إذا أحبَّ لم يبكِ ويتذلل ويأرق الليل، ولم يلقِ شفتيه على قدمي المرأة، كما كان يفعل (لامارتين).

3- أحِبُّوا، ولكن ابقوا أفراداً من هذه المجموعة البشرية التي هي الأمة:

لا يقطعكم الحب منها، ويُعدْكم إلى الحياة الفردية الوحشية، فتنكروا كل شيء، وتنسوا الدنيا، وتتجاهلوا الحياة إلا إذا أشرقت عليها نظرة المرأة، وأضاءت في أرجائها كلمة منها.

ولا تقيموا الدنيا وتقعدوها، وتغرقوا الأرض بالدموع لأن الحبيبة المحترمة لم تمنح قُبلة وعدت بها، ولم تصِلْ وقد لوَّحت بالوصل، تنظمون الأشعار في هذه الكارثة، وتبكون وتستبكون، ثم تنامون آمنين مطمئنين، والنار من حولكم تأكل البلاد والعباد.

ما له؟.. ماذا أصابه؟.. إن حبيبته لم تعطه خدَّها ليقبّله!

4- إنَّ العاطفة إذا بلغت هذا المبلغ كانت جريمة:

أما الحب العذري الأفلاطوني العفيف، فليس إلا إحدى الأكاذيب الجميلة التي لا يصدق بها عاقل.

من أجل ذلك يشك العقلاء في عفاف المرأة المحبوبة، وينظر المسلمون إلى الحب - إلا لمن تحلّ له- نظرة الريبة والشك.

فالحب المعروف اليوم، مما يأباه الإسلام ويتنافى مع المثل الأعلى للشباب المسلم. ولكن ماذا يصنع الشباب؟

الجواب: يتزوجون!.

نعم، يتزوجون!.

إن حياة العزب حياة خطرة على نفسه وعلى المجتمع.

إنه صندوق (ديناميت) يوشك أن ينفجر في كل لحظة فيدمِّر سعادة أسرة من الأسر، وينقض دعامة من دعائم الوطن.

إن حياة العزب حياة فارغة من كل شيء لأنها فارغة من الزوجة ولو امتلأت بكثير من النساء (غير الزوجات).

إن أفكار العزب، مهما اختلفت مناحيها وتعدَّدت، متوجهة إلى وجهة واحدة تسعى إليها بشدة وعنف كما تسعى السيول من كل جهة إلى مقر الوادي، إنه لا يجتمع عَزِبَان - غير ملتزمين - إلا نظما مؤامرة على الأخلاق والعفاف)) ([63])

 سادسا ً: هذا هو الداء، فما هو الدواء؟:

الدواء أن نعود إلى سنّة الله، وطبائع الأشياء التي طبعها عليها. إنَّ الله ما حرًّم شيئاً إلا أحلَّ شيئاً مكانه، حرَّم المراباة وأحلَّ التجارة، وحرَّم الزنى وأحلَّ الزواج، فالدواء هو الزواج.

الزواج وحده طريق الإصلاح، فإذا لم يتيسر لك الزواج، ولم ترد الفاحشة، فليس لك إلا التسامي، أترى إبريق الشاي الذي يغلي على النار، إنك إن سددته فأحكمت سدَّه، أوقدتَ عليه، فجَّره البخار المحبوس، وإن خرقْتَه سال ماؤه فاحترق الإبريق، وإن وصلتَ به ذراعاً كبيراً كذراع القاطرة، أدار لك المصنع وسيَّر القطار، وعمل الأعاجيب..

فالأولى: حال من يحبس نفسه عن شهوته، يفكر فيها ويعكف عليها..

والثانية: حال من يتبع سبل الضلال، ويؤمَّ مواطن اللذة المحرَّمة..

والثالثة: حالة المتسامي، فالتسامي أن تنفس عن نفسك بجهد روحي أو عقلي أو قلبي أو جسدي يستنفذ هذه المقدرة المدَّخرة، ويخرج هذه الطاقة المحبوسة، بالالتجاء إلى الله، والاستغراق في العبادة أو بالانقطاع إلى العمل والانغماس في البحث، أو بالجهد الجسدي والعناية بالتربية البدنية ([64]).

وهذا موقف لشاب من الشباب .. وقد ذكر خبره ابن الجوزي .. كان شاباً فقيراً يعمل بائعاً متجوّلاً .. كان يصنع المراوح ويتكسب من وراء ذلك..

مرَّ يوماً من الأيام بطريق .. فأطلت امرأة من بابها فأعجبها .. فتحت له الباب وأشارت له .. وقالت له: ادخل واعرضها علي..

دخل هذا الشاب وأخرج المراوح التي معه من كيسه وبدأ يعرضها..

فأغلقت الباب، وقالت: أنا لا أريد المراوح .. وإنما أريدك أنت..

فقال: أعوذ بالله، ماذا تريدين؟

فدعته إلى فعل الفاحشة بها..

فقال لها: يا امرأة، حرام عليك، والنبي ﷺ‬ حذَّر من الزنى..

فقالت: لا والله إما أن تفعل وإما أن أصرخ، فإذا أقبل الناس قلت: هذا الشاب اقتحم عليَّ داري وأراد فعل الفاحشة..

فقال لها: اتقي الله..

فقالت: إما أن تفعل وإما أن أفعل كذا وكذا..

فلما رأى الأمر كذلك قال لها: حسناً، ولكني أريد الخلاء..

قالت له: حسن، فهذا الخلاء..

فأقبل على الخلاء ودخله.. وكان الناس في السابق يجعلون المرحاض صندوقاً يقضي الإنسان حاجته فيه، ثم بعد ذلك يحمله الخادم ويغسله في خارج المنزل، ثم يضعه في الخلاء مرة أخرى .. أقبل هذا الشاب .. ودلك الغائط وجعله على يديه وبعض ملابسه .. ثم خرج إليها..

فلما رأته صاحت وقالت: أعوذ بالله، ما هذا القبح أمجنون أنت؟

فأخرجتْه من منزلها .. وخرج الشابُّ فرِحاً أنْ عَصمَهُ اللهُ جلَّ في علاه عن هذه الفاحشة .. بدأ يمشي والصبيان يروْن شكلَه ويقولون: مجنون مجنون .. وهو لا يلتفت إليهم ما دام أنه قد أطاع الله تعالى .. ثم مضى إلى بيته .. خلع ملابسه واغتسل .. ثم لبس ملابس أخرى..

ثم لم يزل الناس يشمون منه رائحة المسك والطيب إلى أن مات .. من غير أن يضع طيباً .. كرامةً من الله عزَّ وجلّ .. لمَّا عصم هذا الشاب نفسه بهذه الطريقة .. لأنه صرف بصره عن الحرام ولم يقع فيه.

وهذا ما يذكّرنا بقصة يوسف عليه السلام .. لما دعته تلك المرأة .. تزيَّنت وتجمَّلت .. وقالت له: هيت لك، تهيأتُ لك ما تهيأت لغيرك..

فقال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي..

يوسف عليه السلام أيها الإخوة كان شاباً عزباً جميلاً عبداً مملوكاً وهو خادم عند المرأة، وهو غريب في هذه البلدة ولا يخشى الفضيحة .. والمرأة هي التي تدعوه إلى نفسها .. امرأة جميلة .. سيدته وقد تجمَّلتْ وتعطَّرت، وقد أقبلتْ إلى ثيابها فجمّلتْها .. ثم أغلقت الأبواب وقالت: هيتَ لك .. من الذي يستطيع أن يعصم نفسه عن الفاحشة في هذا الموقف إلا من أجلَّه الله ورفعه..

فالتفت عليه السلام يمنةً ويسرةً حتى أبصر الباب .. وكانت قد أغلقتْه .. وبدأ يعالج الباب .. وامرأة العزيز من ورائه تشدّه حتى مزَّقت قميصَه من دُبر .. فإذا بسيدها عند الباب .. سيدها ينظر إليها وهي تقبل إلى يوسف..

تورطت امرأة العزيز وأرادت أن تجعل المشكلة منه وليس منها .. فصاحت وقالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يُسجن أو عذاب أليم .. ثم خافت أن السجن يُبعدُه عنها .. وهي قد عشقتْه عشقاً..

يوسف عليه السلام رجلٌ قوي ما سكتْ .. تكلَّم وقال: هي راودتني عن نفسي..

فبدا العزيز متحيّراً .. عندها شهد شاهدٌ من أهلها، وذكر هذه القاعدة: إن كان قميصه قُدَّ من قُبُلٍ فصدقتْ وهو من الكاذبين .. وإن كان قميصه قُدَّ من دُبُرٍ فكذبت وهو من الصادقين..

أقبلوا ينظرون، فإذا يوسف قد قُدَّ قميصه من دُبُر .. فقال العزيز:

]إٍنَّهُ مٍن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنََّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ[([65])..

وانظر إلى هذا السيد .. ما عنده شيء من الغيرة التي عند الرجال .. كان عليه على الأقل أن يطلّقها ويتخلص من المرأة الفاجرة .. لكن بلغت اللامبالاة وعدم الغيرة عنده أن تكلم بكلمة واحدة فقط، قال:

]يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ۚ [ ([66]).

ثم التفت إليها وقال: ]وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِۖ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ[..

وانتهى الموضوع .. لا تأديب ولا تفريق بينهما .. كلمتان .. ثم ذهب..

فلما رأت المرأة أن لا عقوبة عند زوجها .. ومَنْ أمِنَ العقوبةَ أساءَ الأدب .. بدأت النساء في المدينة يتكلَّمن عنها .. امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه .. هذه الطبقة لا تستغرب أن يكون لامرأة العزيز عشيقاً .. لكن الذي استغربوه أن عشيق المرأة هو فتاها..

فلما رأت امرأة العزيز ذلك، كان لها تصرف آخر .. لما رأت ذلك أقامت مأدبة ثم دعت هؤلاء النساء جميعاً وأعدَّت لهن متَّكأً .. وأرادت أن تُبَرهِنَ أنها لا تُلام في محبة هذا الغلام .. ثم جعلتْ عليها طاولة الفاكهة والشراب .. ثم أعطت كل واحدة منهن سكيناً .. وقالت ليوسف: مُرْ أمامهن .. ]وَءَاتَتْ كلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ [([67])..

لما أخذن ما أردن تقطيعه، ومرَّ يوسف من أمامهن .. قطَّعن أيديهن .. ما انتبهن إلى شيء لما رأوا جمال يوسف .. كأن عقلهنَّ قد غاب.. ]وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا  مَلَكٌ كَرِيمٌ[!

خرج يوسف ..وقالت: ]فَذَالِكُنَّ  الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْْسِهِ فَاْسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءاَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ اْلصَّاغِرِينَ[ ([68]).

فقال يوسف - الذي تعشقه نساء غير عاديات - : ]رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ ِإِلَىَّ ِمِمَّا يَدْعُونَِني إِلَيْهِ[ .. والله أعلم أن السجن خير له من الفاحشة.. ]وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الجَاهِلِينَ[([69]).. كل امرأة تراوده، هذه ترسل له هدية، وهذه ترسل له أخرى. كل واحدة منهم تحاول أن تراوده من جهة.. وهو يستعصم..

ولقد أراد الله تعالى أن يرفع درجته بالبلاء .. فدخل يوسف السجن..

إن يوسف عليه السلام كان عنده شهوة, ويستطيع أن يقع في الفاحشة .. رجل شاب عنده غريزة وشهوة .. ولكن منعه قوله تعالى:

]إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيْمٍ[

فهذه رسالة من يوسف عليه السلام إلى الشباب .. الذين آتاهم الله تعالى من الحُسن والبهاء في أجسامهم .. ثم تجد الواحد منهم قد لبس أحسن اللباس .. ليطوف في الأسواق, أو يذهب إلى الكلية, أو إلى المستشفيات أو إلى أماكن اللهو والملاهي .. ثم يجول حتى تتعلَّق به النساء .. مع أن ربي جلَّ في علاه قادر على أن يسلب منه ذلك في لمح بصر .. لو شاء الله تعالى لأصاب هذا الشاب بشلل في وجهه .. لو شاء الله تعالى لجعله محروقاً في جسده .. ولا يستطيع أن يمشي إلا وعليه غطاء..

إنَّ الله سبحانه وتعالى يُنعم على العبد .. ولكنه إذا رأى العبد يستعمل هذه النعم في المعصية خشي على العبد أن تؤخذ منه هذه النعم .. فالله الله في غض البصر..

كن ممن قال فيهم رسول الله ﷺ‬:

(( ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال, فقال: إني أخاف الله )) ([70]).

إن رنَّ هاتفك الجوال .. وإذا بامرأة تغازلك .. فلا تلتفت إليها .. وإن مشيت أخي الشاب في السوق, وآتاك الله تعالى ما آتاك من حُسن وبهاء .. فانتبه من أن تلتفت إلى امرأة هنا وهناك..

وأنتِ كذلك أيتها الأخت الكريمة فإنَّ لله جلَّ في علاه كراماً كاتبين, يعلمون ما يفعل الناس

ويتأملون ويحسبون ذلك كله عندهم...([71]).

 سابعاً : كيف تتجنب الزنى؟:

• غض بصرك عما حرَّم الله؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( العين تزني, والقلب يزني؛ فزنى العين: النظر, وزنى القلب التمني, والفرج يصدِّق ما هنالك أو ما يكذبه )) ([72]).

• لا تخلونَّ بامرأة قط, وتجنَّب الجلسات المختلطة بين الجنسين, قال عليه الصلاة والسلام:

(( لا يخلُونَّ رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محرم )) ([73]).

• إذا كنت متزوجاً, ففرِّغ شهوتك في الحلال كما يرشدنا إليه الحبيب المصطفى ﷺ‬:

(( إذا أحدكم أعجبته المرأة, فوقعت في قلبه, فليعمد إلى امرأته, فليواقعها, فإن ذلك يردُّ ما في نفسه )) ([74]).

• لماذا لا تجرِّب دواء الاستعفاف الذي ذكره الله تعالى في قرآنه:

]وَلْيَسْتَعْفِفِِِِ الَّذِينَ  لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ[ ([75]).

• لماذا لا تجرب صيام الاستعفاف الذي ذكرهُ النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يجد الزواج؟ فقال:

(( من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغضَّ للبصر, وأحصن للفرج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم, فإنه له وجاء )) ([76]).

ماذا لا تقطع على الشيطان مسالكه الثلاثة؟:

النظر: بأن تشغله بمطالعتك وعملك .

والشبع: بأن تصوم قدر المستطاع.

والفكر: بأن تجعل شعارك ]أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللهَ يَرَى [([77]).

• لماذا لا تفكر في ذلك اليوم الذي تجلس فيه بين أولادك وبناتك, تجلس بينهم وأنت تقول بفخر: ((إنَّ أباكم يا أولادي كان رجلاً, لم تستطع شهوة أن تحنيه)).

 ثامناً : ليس الحل بالاختلاط:

• أما ما يقوله المغفَّلون أو المفسدون, من أن دواء هذا الفساد الاجتماعي هو تعويد الجنسين على الاختلاط؛ حيث تنكسر بالاعتياد حدة الشهوة، وفتح (المحلات العمومية) حتى يُقضى بها على البغاء السري, فكلام فارغ, وقد جرَّبت الاختلاط أمم الكفر فما زادها إلا شهوة وفساداً, أليست بلادهم أكثر البلاد انتحاراً, وانهيار أعصاب, واستهلاكا للمخدرات والمهدئات, وكل ما يعين على الهرب من معركة الحياة.

 تاسعاً : المسرف في الشهوات لا يشبع:

• وأود أن أقول لك:

إن الذي يغرق في شهواته يظن في بادئ الأمر أنه يستمتع بلذائذ أكثر من غيره, ولكن الشهوة, في الحقيقة, لا تشبع أبداً بزيادة الانكباب عليها, ولكنها تزداد اشتعالاً وسعاراً, وما كان يُشبِعُها بالأمس لا يشبعها اليوم, حتى لتصير الشغل الشاغل لصاحبها، فلا يستطيع التخلص من ضغطها عليه، فضلاً عن المستوى الذي يهبط إليه .. فيصير همه كله أن يستجيب لصياح تلك الشهوات.

ويحضرني هنا قول أحد السكّيرين إذ يقول:

((إنني حين أشرب الكأس الأولى أصبح شخصاً جديداً يحتاج إلى الكأس الثانية, فأتناولها فإذا بي أصبح شخصاً جديداً يحتاج إلى الثالثة، حتى أصل إلى الثمالة)).

والحقيقة أن هذه القول ينطبق على الشهوات جميعاً!!.      

• تذكر أن الذي يسرف في الطعام لا يشبع كما يبدو لأول وهلة, بل يصيبه النهم..

والذي يسرف في إمتاع الجسم بالراحة يصيبه الكسل والترهل...

والذي يسرف في الجنس يصيبه النهم الجنسي, فلا يكتفي ولا يشبع..

والذي يسرف في المُلك يصيبه الجشع فلا يشبع مهما امتلك.

وكل لذائذ الحس مباحة, ما دامت في الدائرة المأمونة النظيفة التي جعلها الله للناس, فلا تضر بالفرد ولا بالمجتمع.

 عاشراً : دقَّة بدقَّة, ولو زدت لزاد السقّا:

هكذا قال التاجر لابنه عندما عاد الابن من السفر. والقصة هي: أنَّ رجلاً تاجراً أرسل ابنه للتجارة في بلد آخر, وذات يوم - وابنه في السفر - نظر من شرفة المنزل إلى باب بيته, فوجد السقّا الذي يجلب الماء يقبّل ابنته (أي ابنة التاجر).

فسكت الأب حتى عاد الولد من السفر .. فسأله الأب: ماذا فعلت في تجارتك؟.

فقال الولد: بعتُ واشتريتُ وفعلتُ وفعلت..

فقال الأب: ليس عن هذا أسألك, هل فعلتَ شيئاً آخر؟

فأنكر الولد بداية الأمر, فلما ألحَّ عليه الأب, قال الولد: لم أفعل شيئاَّ يا والدي سوى أنني قبَّلت امرأة أعجبتني في السوق!.

فعندها قال الأب: ((دقَّة بدقة ولو زدتَ لزادا السقّا)). أي لو أنّك قبَّلت المرأة أكثر من قبلة لزاد السقّا في تقبيله لبنت التاجر!!.

والإمام الشافعي رحمه الله يقول:

عِفُّوا تَعِفُّ نساؤُكم في المحرَمِ                                     وتجنَّبوا مـا لا يليـقُ بمسلـمِ

إنَّ الزنى دَيْنٌ فإن أقرضْتَـهُ                              كان الوفا من أهلِ بيتكَ فاعلَمِ

 وأخيراً أتوجّه إليك بهذه الأسئلة:

- هل تقف بين يدي الله, تؤدي صلواتك الخمس وأنت تقيم علاقة حب بينك وبين فتاة؟.

- هل تفتح كتاب الله تتلوه, وأنت مقيم على تلك العلاقة؟.

- هل تصوم رمضان, وتقوم لياليه, وأنت مصر على هذه العلاقة؟.

تذكر يا أخي قول الله تعالى:

]وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِيْ فَإِنَّ لَهُ مَعِيْشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى ^ قَالَ رَبِّ لِمَ  حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ^ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسَى [([78]).

 الفصل السابع: أحسن اختيار زوجك

إذا كنت قد وصلت إلى مرحلة اختيار رفيقة العمر ودرب الحياة .. وكنت مهيّأً للخطوبة والزواج .. فلا تتسرَّع في خطواتك..

فكّر أولاً بحكمة ورويّة .. حكِّم عقلك قبل قلبك .. ودماغك قبل عيونك ومشاعرك .. وتفكيرك الهادئ المتزن قبل عواطفك المشتعلة، وأنين فؤادك الولهان!!..

فكِّر وقارن .. بين جمال الروح والنفس .. وبين المظهر والمخبر..

بين سمو الخلق والدين .. وبين الأناقة والجمال!!.

 أولاً : اختر الزوجة الصالحة:

فكم سارع كثير من الشباب في اقتناء عروسه بمجرد سحره بجمالها, ثم قاسى الويلات من بعد ذلك, من كثرة الهموم والمشكلات. ولهذا أكَّد رسول الله ﷺ‬ على أن تكون الزوجة صاحبة دين, فالمرأة البعيدة عن تعاليم دينها, يمكن أن تقع في حبائل الشيطان بأيسر الأسباب, بل إن الخطر يزداد إذا كان مع هذا البعد جمال, ومع هذا الجمال مال!!.

 ثانياً : صفات ذات الدين:

والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( تنكح المرأة لأربعٍ: لمالِها, ولحسبِها, ولجَمَالِها, ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك )) ([79]).

ويقول عليه الصلاة والسلام:

(( من تزوج امرأة لعزّها لم يزده الله إلا ذلّاً..

ومن تزوّجها لحسبها لم يزده إلا دناءة..

ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغضَّ بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه؛ بارك الله له فيها، وبارك لها فيه )) ([80]).

وينصح رسول الإنسانية الشبابَ في اختيار الزوجة الصالحة فيقول:

(( لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن..

ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهنّ..

ولكن تزوجوهنَّ على الدين.. )) ([81]).

تزوج المرأة ذات الخصال الحميدة .. والنفس الطيبة..

تسير معك في حياتك خطوة خطوة..

تدعوك إلى الخير وترشدك إلى سبيله...

تصبر معك وتتحمل أشواك الحياة..

وتقف إلى جانبك في المصائب والنوائب..

إن سَمِعَتِ المؤذَّن..ذكَّرتكّ بألا تفوتك تكبيرةُ الإحرام..

وتنصحك بعدم السهر لتستيقظ لصلاة الفجر..

تحثّك على مصاحبة الأخيار.. وعلى قراءة القرآن والكتب النافعة..

تتحين الفرصة لتسمع منك شريطاً لأحد العلماء في السيارة أو البيت..

تسألك من حين لآخر:كم سورة من كتاب الله حفظت؟.

إنها التي قال عنها رسول الله ﷺ‬:

(( فاظفر بذات الدين تربت يداك )) ([82]).

يقول سفيان بن عيينة:

((من طلب العز في المرأة .. ابتُلي بالذل..

ومن طلب فيها المال .. ابتلي بالفقر..

ومن طلب الدين .. جمع الله له العز والمال مع الدين)).

وتسألني عن صفات ذات الدين من النساء؟.

أجيبك بما قاله صفوة البشر عليه الصلاة والسلام:

(( ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟

المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرَّته..

وإذا غاب عنها حفظته..

وإذا أمرها أطاعته... ))([83]).

وفي حديث آخر يقول رسول الله ﷺ‬:

(( ما استفاد المؤمن من شيء بعد تقوى الله عزَّ وجل خيراً له من زوجة صالحة:

إن أمها أطاعته..

وإن نظر إليها سرَّته..

وإن أقسم أبرَّتْه..

وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله )) ([84]).

 ثالثاً : بناء الزواج على الحب:

إنَّ بناء الزواج على الحب وحده لا يرضاه الإسلام؛ لأنه لا يرضاه العقل.

فما هي الطريقة المثلى؟

الطريقة المثلى هي طريقة الإسلام: إنَّ الإسلام منح الخاطب- بعد أن يتم الرضا عنه، ويرجح جانب قبوله صهراً- أن يرى وجه المرأة وكفّيها، أن يجلس معها (بحضور وليِّها) هذه هي سنّة الدين ، ولكن الآباء جاهلون، يأبون أن يرى الخاطب الصالح وجه الفتاة، ثم يُخرجونها إلى الأسواق متبرجة متهتكة، يرى أكثر من وجهها وكفيها الفاسقُ الخبيث وكل من كان في الطريق!!.

تزوج ثم أحب زوجتك، وأوْلِها قلبك، وامنحها عاطفتك.

 رابعاً : الحب قبل الزواج:

سئل الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى:

((هل الحب قبل الزواج حرام؟)).

فقال: ((المطلوب من المسلم أن يغضّ بصره، فإذا مشى في الطريق فله نظرة الأولى، أو اللمحة الأولى، فإن أطالها فهي الثانية، وهي عليه.فلولا أنَّ رجلاً وقع نظره عَرَضاً على فتاة ولم يعتمد النظر إليها، فتعلَّق بها، وأحس أنه أحبها، فليس هذا مما يُؤاخذ به الإنسان؛ لذلك قال النبي ﷺ‬:

(( يا علي! لا تتبع النظرة النظرة، فإنَّ لك الأولى و ليست لك الآخرة ))([85]).

فالحب من النظرة الأولى أمرٌ قليل الوقوع، ولو افترضنا وقوعه فإنَّ المُحبَّ لو اقتصر على شعور بالقلب ولم يقل أو يعمل شيئاً فإنّ الله لا يؤاخذه، أما إذا سعى إلى الاتصال بالفتاة، سواء بالهاتف أو الجوال أو بالرسائل، أو بإشارة من الشباك، أو بأي نوعٍ من الأنواع، فضلاً عن الاجتماع بها، فإن هذا لا يجوز وهو مما يؤاخذ عليه الله.

ولينظر الشباب إلى أهل الفتاة وحالهم: أهم مناسبون أم غير مناسبين، ثم إلى الفتاة: دينها وخُلقها وسنّها ومجمل حالها وصفاتها، أمناسبة له أم غير مناسبة، لأنّ بناء الزواج على الحب وحده خطأ كبير، فالحب لا يصلح بمفرده أساساً للزواج، ولا تلبث فورته أن تذهب بعد الزواج، كما تذهب فورة الماء في إبريق انطفأت تحته النار.

فليتصور ذلك الشاب فورة الحب وقد ذوت، وناره وقد خبت،فإن وجد بعد ذلك أن توافقاً يبقى بينه وبين الفتاة، وأنها مناسبة له فليتزوجها إن استطاع، وإن وجدها غير مناسبة له فليحاول أن ينساها ويتزوج بسواها، فالنساء كثير.

والإسلام لا يحرِّم الحب، لأنه من عمل القلب، ولكنه يحرِّم تكرار النظرة إلى المرآة والانفراد بها ولو في زاوية الشارع، ويحرَّم على الشاب الأجنبي عنها مراسلتها وبثها عشقه وغرامه، أو الاتصال بها بالهاتف والجوال أو بأي وسيلة أخرى. ويعد ذلك فسقاً.

فإذا كان حبك شريفاً حقاً فخذ معك أباك واذهب إلى أبيها وقل له: ((جئتك خاطباً راغباً فزوجني ابنتك))، أو ابعث أمك تخطبها من أمها.

أما أن تتصل بها بحجة أنك تحبها، حتى إذا أوردتها المورد تركتها والحمل في بطنها والعار على كتفيها، وذهبتَ تفتش عن مغفلة أخرى لتغرر بها، فهذا ليس حباً، ولكنه إجرام جزاؤك عليه أن يقطع ظهرك بالسوط، وإن كنت متزوجاً فالجزاء الرجم)) ([86]).

 خامساً : الزواج من كتابية:

أباح الإسلام الزواج من الكتابية بنص القرآن:

]وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ[ ([87]).

وحرَّم الزواج من المشركة أو الكافرة أو الملحدة بقوله تعالى:

]وَلَا تَنكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَـٰتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ۚ [ ([88]).

ولكنَّ الأمَةَ المؤمنةَ خير من مشركة ولو أعجبتكم. قال تعالى:

]وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعَجَبَتْكُمْ ۗ [ ([89]).

وقد تكون تلك الفتاة قد دخلت الإسلام ومع ذلك عليك قبل أن تقدم على مثل ذلك الزواج أن تسأل نفسك:

-                   هل هذه الفتاة حقاً مسلمة أم كتابية؟.

-                   هل هي محصنة، طاهرة، نظيفة، يصلح فيها قول الله تعالى:

]قَـٰنِتَـٰتٌ حَـٰفِظَـٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ ۚ [ ([90]).

-                   هل هي تتبنَّى فكرك (كمسلم ملتزم) من التوجه إلى الله وطهارة القلب والنفس والفرج، ومن إيمانك بوجوب ستر المرأة؟.

-                   هل هي مستعدة للمحافظة على إحصانها وعفافها في سلوكها وملابسها وحياتها؟

-                   على ماذا ستنشئ أولادك؟ هل ستنشئهم على القرآن وسنة النبي ﷺ‬ أم ستنشئهم على الإنجيل أو غيره؟.

فكثير من المتزوجين بأوروبيات غير سعداء في حياتهم الزوجية، فقد رأوا زوجاتهم الأوروبيات ساخطات على ما رأينَ في مجتمعاتنا العربية من الفوضى والتخلّف. ورأى الرجل المتزوج بأجنبية نفسه مضطراً لأن يؤنسها بما يخالف شرع الله. فهي تريد الاختلاط أو السفور أو الحفلات، أو الموسيقى أو ما إلى ذلك.

فحذار أن تنخدع بما تفعله الفتاة الأجنبية من تصنّع وإظهار ودَّ متعمّد، أو إبداء تنازلات للعيش في حياة مختلفة عن بيئتها. فكم رأينا من شباب تزوجوا من أوربيات أو أمريكيات و اضطروا للعودة إلى أوروبة أو أمريكة لأن زوجاتهم لم يستطعن العيش في بلادنا، أو أنهن كرهن العودة أصلاً إلى البلاد الإسلامية، فحدث ما حدث من طلاق أو انفصال.. و غربة.. أو تشرد للأطفال بين أب قرّر العودة إلى بلده، وبين أمٍّ أصرَّت على البقاء هناكَ!!.

 سادساً : الإسراف في حفلات الزواج:

ما بال شاب يتزوج بفتاة، ويصرُّ أهلها على أن ينفق على حفل زفافه عشرات الآلاف من الريالات.. وهو مدين  لهذا وذاك.. أثاث شقته بالتقسيط.. و هو ما زال في مقتبل الحياة، فهل يعقل أن يستدين لينفق على أشياء لا تعود عليه بشيء من النفع؟ ويظل تحت أثقال الدين لسنوات و هو يبني عش الزوجية!.

فعندما تصرّ أسرة الفتاة على مثل هذا الإسراف في ليلة الزفاف من أجل المظاهر والتقاليد.. فأخبرهم بوضعك الحالي.. وحقيقة حالتك المادية.. لا تستدين لتقيم حفلة.. و لا تقترض الآلاف من الريالات لتنفقها في ليلة واحدة!!.

 الفصل الثامن: أسعد زوجك

السعادة الزوجية أشبه بقرص من العسل تبنيه نحلتان، وكلما زاد الجهد فيه زادت حلاوة الشهد فيه، وكثيرون يسألون:

كيف يصنعون السعادة في بيوتهم؟ ولماذا يفشلون في تحقيق هناءة الأسرة واستقرارها؟.

ولا شك أن مسؤولية السعادة تقع على الزوجين، فلا بد من وجود المحبة بين الزوجين.

وليس المقصود بالمحبة ذلك الشعور الأهوج الذي يلتهب فجأة وينطفئ فجأة، إنما هو ذلك التوافق الروحي والإحساس العاطفي النبيل بين الزوجين.

والبيت السعيد لا يقف على المحبة وحدها، بل لا بد أن تتبعها روح التسامح بين الزوجين، والتسامح لا يتأتى بغير تبادل حسن الظن والثقة بين الطرفين.

والتعاون عامل رئيسي في تهيئة البيت السعيد، وبغيره تضعف قيم المحبة و التسامح، والتعاون يكون أدبياً و مادياً .. ويتمثل الأول في حسن استعداد الزوجين لحل ما يعرض للأسرة من مشكلات، فمعظم الشقاق ينشأ عن عدم تقدير أحد الزوجين لمتاعب الآخر، أو عدم إنصاف حقوق شريكه.

ولا نستطيع أن نعدد العوامل الرئيسية في تهيئة البيت السعيد دون أن نذكر العفة بإجلال وخشوع، فإنها محور الحياة الكريمة، وأصل الخير في علاقات الإنسان.

وقد كتب أحد علماء الاجتماع يقول:

((لقد دلَّتني التجربة على أن أفضل شعار يمكن أن يتخذه الأزواج لتفادي الشقاق، هو أنه لا يوجد حريق يتعذّر إطفاؤه عند بدء اشتعاله بفنجان من ماء .. ذلك لأن الخلافات الزوجية التي تنتهي بالطلاق ترجع إلى أشياء تافهة تتطور تدريجياً حتى يتعذر إصلاحها)).

وتقع المسؤولية في خلق السعادة البيتية على الوالدين، فكثيراً ما يهدم البيت لسان لاذع، أو طبع حاد يسرع إلى الخصام، وكثير ما يهدم أركان السعادة البيتية حب التسلّط أو عدم الإخلاص من قبل أحد الوالدين، وأمور صغيرة في المبنى عظيمة في المعنى.

 أولاً : وهاك بعضاً من تلك الوصايا التي تسهم في إسعاد زوجك:

-                   إذا كنتَ أباً لا تدع زوجك و أبناءَك في نهاية الأسبوع من غير أب .. فمن الشباب من يخرج في عطلة نهاية الأسبوع مع شباب مثله، ويدع زوجه وأولاده وحدهم في البيت ينتظرون عودته بفارغ الصبر!.

-                   ومن الشباب من يكون ذا نفس خفيفة رشيقة مع أصدقائه و أصحابه .. ثم إذا أتى بيته كان فجّاً غليظاً.

فلا تكن صاحب وجهين: وجه سمح لطيف مع الأصحاب والأصدقاء .. ووجه عبوس مقطب مع الزوجة و الأبناء!.

فقد تجد مَنْ يمدحه الناس لرحابة صدره، وحسن أدبه، وبشاشة وجهه حينما يكون في مجتمع الرجال .. ثم إذا كان في منزله .. كشَّر عن أنيابه .. و انقلب إلى كتلة من الغضب و الحمق .. فيتحول ذلك اللطف إلى صراخ وأوامر .. وتلك البشاشة إلى عبوس وتقطيب!!.

لا يتحمل حديث زوجته..ولا يصبر على حركة ابنه..

إن أخطأتْ صرخ في وجهها .. وإن أصابتْ بحثَ عن لومٍ لها..!. و إن تحرَّك ابنه ضربه .. و إن قام طرده!!.

وأخيراً يفرح الجميع حين يغادر ذلك الأب منزله .. فيسوده الهدوء .. وتسكن النفوس .. وترتاح القلوب.

و من الشباب من يكون جواداً كريماً مع أصدقائه .. ثم إذا أتى بيته كان بخيلاً شحيحاً .. لا يأتي بأبسط الحاجات و ألزمها إلى بيته .. إنه بخلٌ و شح .. وعدم مبالاة مع أهله و أولاده..

أما صديقه و زميله فالكرم بلا حدود ([91]).

لم يحمل هدية إلى زوجته منذ سنوات .. بل حتى لم يعد يعرف التبسم و هو أغلى الهدايا إلى قلبها و أسعدها..

وكلما دخلت زوجته جَرَحَها بكلمة أو عاب فيها شيئاً، حتى طعامها لابدَّ أن يجد فيه علَّة أو نقصاً في مذاقه!!.

إذا أرادت زوجتك أن تدعو إلى الله .. فلا تصدّها .. ولا تضيِِّق عليها .. بل قف بجوارها .. و تنازل عن بعض حقوقك من أجل أن تنثر خيرها و عِلمها!.

احتسب الأجر عند الله في كل يوم .. فما ضرّك لو ضحَّيت بشيء من النقص في منزلك أو مأكلك في سبيل أن تعلِّم زوجُك الأخوات قرآناً, أو تعطيهم درساً في الدين و الأخلاق .. فتسهم في بناء أمهات صالحات..

-                   لا تُهِنْ زوجتك, فإنَّ أية إهانة توجهها إليها , تظلّ راسخة في قلبها و عقلها, وأخطر الإهانات التي لا تستطيع زوجتك أن تغفرها لك بقلبها, حتى ولو غفرتها لك بلسانها, هي أن تنفعل فتضربها, أو تشتمها، أو تلعن أباها أو أمها, أو تتهمها في عرضها.

-                   أحسنْ معاملتك لزوجتك تُحسنْ إليك, أشعرها أنك تفضّلها على نفسك, وأنك حريص على إسعادها, ومحافظ على صحتها, ومضحٍّ من أجلها, إن مرضتْ مثلاً, بما أنت عليه قادر.

-                   كن مستقيماً في حياتك, تكن هي كذلك, ففي الأثر:

(( عفّوا تعفّ نساؤكم )) ([92]).

وحذار من أن تمدّن عينيك إلى ما لا يحلّ لك, سواء كان ذلك في طريق أو أمام شاشة التلفاز, و ما أسوأ ما أتت به الفضائيات من مشاكل زوجية!.

-                   إياك إياك أن تثير غيرة زوجتك, بأن تذكِّرها من حين لآخر أنك مقدِم على الزواج من أخرى, أو تبدي إعجابك بإحدى النساء, فإنَّ ذلك يطعن في قلبها في الصميم, ويقلب مودتها إلى موج من القلق والشرك و الظنون. وكثيراً ما تتظاهر تلك المشاعر بأعراض جسدية مختلفة, من صداع إلى آلام هنا وهناك, فإذا بالزوج يأخذ زوجته من طبيب إلى طبيب!.                                                         

-                   اكتسب من صفات زوجتك الحميدة، فكم من الرجال ازداد التزاماً بدينه حين رأى تمسّك زوجته بقيمها الدينية والأخلاقية، وما يصدر عنها من تصرّفات سامية.

-                   الزم  الهدوء ولا تغضب؛ فالغضب أساس الشحناء، وإن أخطأتَ تجاه زوجتك فاعتذر إليها، ولا تنم ليلتك وأنت غاضبٌ منها وهي حزينة باكية.

تذكَّر أن ما غضبْتَ منه - في أكثر الأحوال-  أمر تافه لا يستحق  تعكير صفو حياتكما الزوجية، ولا يحتاج إلى كل ذلك الانفعال.

استعذ بالله من الشيطان الرجيم، وهدئ ثورتك، وتذكر أن ما بينك وبين زوجتك من روابط ومحبة أسمى بكثير من أن تدنّسه لحظة غضب عابرة، أو ثورة انفعال طارئة.

أثنِ على زوجتك عندما تقوم بعمل يستحق الثناء، فالرسول ﷺ‬: (( مَن لم يشكر الناس لم يشكر الله )) ([93]).

-                   أنصتْ إلى زوجتك باهتمام، فإنَّ ذلك يعمل على تخليصها مما ران عليها من هموم و مكبوتات، وتحاشى الإثارة و التكذيب، ولكن هناك من النساء من لا تستطيع التوقف عن الكلام، أو تصبُّ حديثها على ذم أهلك أو أقربائك، فعليك حينئذٍ أن تعامل الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة.

-                   حذار من العلاقات الاجتماعية غير المباحة، فكثير من خراب البيوت الزوجية منشؤه تلك العلاقات.

-                   وائم بين حبك لزوجك وحبك لوالديك وأهلك، فلا يطغى جانب على جانب، ولا يسيطر حب على حساب حب آخر. فأعطِ كلَّ ذي حق حقه بالحسنى، والقسطاس المستقيم. زر أهلها وحافظ على علاقة جيدة معهم.

-                   كن لزوجك كما تحب أن تكونَ هي لك في كل ميادين الحياة، فإنها تحبّ منك كما تحبّ منها. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((إني أحب أن أتزيَّن للمرأة كما أحب أن تتزيَّن لي)).

أعطها قسطاً وافراً وحظا ًيسيراً من الترفيه خارج المنزل،كلون من ألوان التغيير، وخاصة قبل أن يكون لها أطفال تشغل نفسها بهم.

-                   حاول أن تغض الطرف عن بعض نقائص زوجتك، وتذكَّر ما لها من محاسن و مكارم تغطي هذا النقص، لقوله ﷺ‬:

(( لا يفرك (أي: لا يبغض) مؤمنٌ مؤمنةً .. إن كرِهَ منها خُلُقا ًرضي منها آخر )) ([94]).

-                   استمع إلى نقد زوجتك بصدر رحب، فقد كان نساء النبي ﷺ‬ يراجعنه في الرأي، فلا يغضب منهن.

-                   أحسن إلى زوجتك وأولادك، فالرسول ﷺ‬ يقول:

 (( خيركم خيركم لأهله )) ([95]).

فإن أنت أحسنتَ إليهم أحسنوا إليك، وبدلوا حياتك التعيسة سعادة وهناء ([96])، لا تبخل على زوجك ونفسك وأولادك، وأنفق بالمعروف، فإنفاقك على أهلك صدقة. قال رسول الله ﷺ‬:

(( أفضل الدينار: دينار تنفقه على أهلك ... )) ([97]).

 الفصل التاسع:لماذا ينحرف الشباب؟

بعثت إلينا أمريكة وأوروبة  بملاهيها فاستهوت  شبابنا .. وقام الكثير من الفضائيات ببث البرامج الفارغة والمسلسلات التافهة .. و الأغاني الماجنة .. ففتنت الكثير من الشباب  والفتيات .. بل حتى عدداً كبيراً من الرجال والنساء!.

ووقر في نفوس الكثير من الشباب أن أمريكة و أوروبة أرقى منا مدنيةً وأعلى مقاماً وأعزّ جاهاً .. فقالوا: ما علينا إذا سرنا في لهوهم ونعمنا بملاهيهم ونعيمهم .. وفاتهم أن أمريكة و أوروبة علماً يعادل اللهو .. وجدّاً يوازن الهزل .. وشعوراً بالمسؤولية يوازن الشعور بالحرية..

ولعلَّ من أهم أسباب انحرافاتنا الاجتماعية و الدينية, انتشار الثقافة العلمانية المفروضة على الشعوب فرضاً في عدد من الدول العربية والإسلامية. تلك الثقافة التي تشيع الخنا والفجور والانحلال, و إثارة الشهوات .. وخاصة عند الشباب والفتيات.

وكثير من الفضائيات العابثة والمجلات الهابطة والأفلام الساقطة أباحت كل شيء بدءاً من العلاقات المحرمة بين الرجال و النساء, والملاهي والمراقص التي تعاقر فيها الخمور .. وانتشار المخدرات .. وتفشي جرائم السطو والقتل والاغتصاب..!.

فماذا ننتظر من شبابنا و فتياتنا؟.

فليتقِ الله أولئك القائمون على تلك الفضائيات وأصحاب تلك المجلات. قال رسول الله ﷺ‬:

(( من سنَّ في الإسلام سنّة سيئةً فعمل بها بعده؛ كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزانهم شيء )) ([98]).

 أولاً : كبائر في شبابنا:

ومن أبرز الكبائر التي تفشَّت بين شبابنا:

1-              ظاهرة الزنى واللواط.

2-              ظاهرة المسكرات والمخدرات.

3-             ظاهرة التدخين.

4-             ظاهرة عقوق الوالدين.

وسنبحث فيما يلي كلاً من هذه الظواهر.

 ثانياً : لماذا ينحرف الشباب؟:

هناك عدد من الأسباب التي تقف وراء انتشار مظاهر الانحراف بين الشباب؛ ومن هذه الأسباب:

1-              الخواء الروحي والفراغ الفكري.

2-              انعدام القدوة الرشيدة أو ضعفها على مستوى الأفراد و الدول.

3-              إساءة استخدام معنى الحرية.

وتظهر هذه الأسباب بوضوح في المجتمعات الغربية .. حتى نشأت طوائف وفرق من الشباب التي لا تنتمي إلى أي دين أو عقيدة, بل تشكلت طوائف من (عُبَّاد الشيطان).

وأصبح من المألوف الآن في كل بلاد العالم - كما يقول الدكتور مصطفى محمود - رؤية الأفواج من الشباب الذين اتخذوا التبذّل و إسدال الشعور والهندام المثير شعاراً لهم؛ مثل جماعة الهيبيز الذين تخطوا هذه المرحلة, وانغمسوا في القذارة الجنسية والمعنوية, وأقبلوا على تعاطي المخدرات .. وممارسة الانحراف .. متحدّين أولياءهم ومجتمعهم .. ومعبرين بشذوذهم واستهتارهم عن احتقار كل المبادئ والقيم الإنسانية.

وتبدو مظاهر هذا القلق في الموسيقى الصاخبة .. والراقصات الهيستيرية .. والصرعات المجنونة .. وموجات العنف .. والخروج على التقاليد .. وعدم الاكتراث حتى برعاية البدن..

ويتمادى الشباب في مظهره الملوّث وملابسه الملطخة .. وشعره الأشعث .. والقطيعة بينه وبين الماء والحلّاق!.

ويحمل الشباب في مغامراته السياحية ما لا يزيد على حقيبة معلقة فوق منكبيه .. يجوب بها الأرض . . ولا فرق في الجنس, فهو خليط من الذكور والإناث .. يتجول بلا هدف .. وبلا مكان معيَّن يؤويه .. وقد انقطعت صلته بالأسرة والإخوان .. وتميز بإطلاق اللحى والشعر.. وبالمغالاة في التمرغ في الأتربة في كل بلد يهبط إليه .. كما يتمادى في إباحة الجنس والعري .. تشبهت الفتاة بالفتى, كما تشبه الفتى بالفتاة .. وانتشر الشذوذ والتسكع في الشوارع .. وازدادت جرائم النشل والسطو والاعتداء على الأعراض([99]).

 ثالثاً : قلَّدوهم في كلّ شيء:       

ومما يبعث على الأسى أن نجد شباباً مسلمين قد حذوْا حذو هؤلاء في الغرب .. وراحوا يقلّدونهم في كل شيء، فلقد رأينا أشكالاً من التقليد الأعمى، مثل القصات الغريبة .. والملابس المخجلة .. وبعض الشباب يمشي بها في الطرقات العامة دون خجل أو استحياء.

ويستمر مسلسل التقليد حتى في الألفاظ، فتجد من يقول لك: ((أوكي)) ((سوري)) ((اكسكيوزمي)) وغيرها، وعند التعجب يقول البعض: ((أوه جيسس)) (وهي تعني عيسى عليه السلام، ويعنون بها الاستعانة بعيسى عليه السلام).

وليس هذا بمستغرب، فبعض شبابنا يجلس الساعات الطوال على الأطباق الهوائية (الدش)، ويعيش الحياة الغربية جلَّ وقته في الغناء ومشاهدة الأفلام، والرقص والاختلاط والزنى .. يقول بعض المنصّرين: ((كأس وغانية يفعلان بالأمة الأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة والشهوات)).

 رابعاً : صرعى الشهوات:

أعرف شباباً كانوا (صرعى الشهوات). كانوا في حياتهم الجامعية لامعي الذكاء، وكانوا مثال الجد والنشاط في دراستهم، ثم رأيتهم انحرفوا عن الطريق السوي .. وانغمسوا في شهواتهم .. فخاب فيهم كل أمل .. فقدوا ذكاءهم اللامع .. ونشاطهم الخلاب .. وأصبحوا عالةً على أهليهم .. ووبالاً على مجتمعهم!.

وهذا شاب كان من أوائل الناجحين في امتحان الثانوية .. دخل إحدى الكليات العلمية فكان في سنتيه الأولى والثانية من المتفوقين .. ولكنه فجأة رسب في امتحان السنة الثالثة .. ودُهش الجميع لما حدث .. وراح أساتذته وذووه يبحثون عن السبب، فإذا هو صريع (الكيف) .. تعرَّف على شلَّة من أصحاب (الكيوف) .. وسلك مسلكهم فإذا به يتسكع في الطرقات .. يستجدي القريب والبعيد ليعطيه مالاً ينفقه على المخدرات!.

 خامساً : ليسوا سعداء:

فلا يغرّنك مظهر الذين انغمسوا في شهواتهم .. واندفعوا وراء لذاتهم..

لا تغترّ بضحكاتهم وابتهاجهم .. فهم ليسوا سعداء أبداً .. إنهم قلقون..

قلقون .. لأن إدمانهم حب الشهوات يدفعهم إلى المزيد من اللذائذ والمحرَّمات..

وقلقون .. لأنهم يخشون الفضيحة وسوء المآل..

وقلقون .. لأنهم يخشون الإصابة بالأمراض الجنسية والإيدز...

وقلقون .. لأنهم لا يعرفون لذة الإيمان .. ولا لذة القرب من الله..

وقلقون .. لأن البعض منهم يتأرجح بين الاستمرار في تلك المعاصي وبين تأنيب الضمير!..

وقلقون لأنهم يعلمون حق العلم أن من أفرط في لذاته .. فَقَدَ صحتَه .. ومالَه وسمعتَه .. وتكاثرت عليه الآلام الطويلة حتى أنستْه لحظات اللذائذ القليلة..

سئل أحد الصالحين مرة عن سر احتفاظه بصحته حتى سن متقدمة فقال:

((أعضاءٌ حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكِبَر))

يقول سفيان الثوري:

((لا تغبط أهل الشهوات بشهواتهم .. وما يتقلبون فيه من النعمة .. فإن أمامهم يوماً تزل فيه الأقدام .. وترعد فيه الأجسام .. وتتغيّر فيه الألوان .. ويطولُ فيه القيام .. ويشتد فيه الحساب .. وتتطاير فيه القلوب حتى تبلغ الحناجر .. فيالها من ندامة على ما أصابوا من الشهوات)).

 سادساً : قصص الفسوق والفجور:

صار الشاب الفاسق يفخر بفسوقه، ويسرد حوادث فجوره، بعد أن كان يتوارى ويستتر...

وصارت القصص الماجنة مباحة لكل قارئ، تصوّر أفظع الحوادث التي صاروا يسمّونها (حوادث الجنس) بريشة المصور أو بقلم الكاتب. يقرؤها الشاب والشابة، ويُمدح كاتبوها على ألسنة أدبائنا ونقّادنا.

ولقد قرأت مقالة لأديب كبير في السن، وكبير في القدر، يمدح فيها الكاتب الفاسق (ألبيرتو مورافيا)، والفاسق الآخر الذي هلك من زمن بعيد وهو (أوسكار وايلد)، يدفع الشباب إلى قراءة كتبهما!!.

ونسينا أن إعلان الذنب في نظر الإسلام ذنب آخر، وأن رسول الله ﷺ‬ علَّم من ابتُلي بالمعاصي أن يستتر بها، وأن يكتمها ويستغفر الله منها ([100]).

 سابعاً : ليست الدنيا ترفاً وغناءً!:

وأصبحنا نرى شبابنا تعوَّد الكسل وتعلّم الخمول ونشأ في الرفاهية، وحَسِبَ أن الدنيا ما هي إلا أغاني تُغنّى .. أو فرقاً موسيقية تصدح .. أو حفلات صاخبة مختلطة .. أو سهرات حمراء عابثة!.

يقول الأستاذ محمد نجيب سالم في كتابه (المراهقون):

((فإذا كان غيرنا من المجتمعات - وهو في موقف القوة – يستطيع أن يقاوم حيناً من الزمن .. فإننا على العكس تماماً - إلا من رحم ربك - فنحن لضعفنا لا نكاد نهزم عادة سيئة تنبت في أجسامنا مما اكتسبناه من عادات غربية .. حتى نفاجأ بأسوأ منها .. ولا نكاد نتخلص من قبيحة أمة حتى تغزونا صرعة أمة أخرى .. وهكذا فالمجتمع الضعيف المهزوم نهبة لكل منتهب، وغنيمة لكل مقتسم)).

فإلى متى نقلّد الغرب في هذه المظاهر؟ وإلى متى يظل شبابنا أسير تلك الطقوس والصرعات التي يراها كل يوم في الفضائيات، ويقرؤها على صفحات الإنترنت، ويهيم بها ظناً منه أنها مبعث السعادة والهناء .. وأنها تنفس عن همومه وكروبه .. فهناك شباب ولدوا في بحبوحة العيش، ولا همَّ لهم سوى تضييع أوقاتهم في العبث والفجور .. وهناك شباب بالمقابل ولدوا في بيئة فقيرة لا يصلون إلى لقمة العيش .. فنقموا على المجتمع وتمرّدوا على القيم .. وانساقوا مع شللهم في موجة الانحراف والصخب والانزلاق نحو الهاوية!.   

ألم ينهَ الإسلام عن التشبّه باليهود والنصارى؟!

ألم يقل حبيبنا محمد ﷺ‬: (( من تشبَّه بقوم فهو منهم )) ([101])؟!.

جاء في الصحيحين: أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى المسلمين المقيمين في بلاد فارس:

((إياكم والتنعّم وزيَّ أهل الشرك)).

وروى الإمام أحمد وأبو نعيم: أنَّ النبيَّ ﷺ‬ قال:

(( إياكم والتنعُّم، فإنَّ عباد الله ليسوا بالمتنعّمين )).

وبالطبع لا يناقض هذا الحديث ما ورد عن رسول الله ﷺ‬:

(( إنَّ الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده )) ([102]).

فإن الإسلام قد نهى عن الاستغراق في التنعم .. وهو الاستغراق الزائد في الملاذ والطيبات .. والتقلّب الدائم في النعيم والترف لما له مَنْ أثر في التقاعس عن العمل والعطاء.

 ثامناً : احفظ عرض إخوانك:

وربما سمحَ البعض لنفسه بأشياء لم يسمح بها الشرع، من نظرة أو ابتسامة أو موعد فلقاء..

ولعلك تسأل نفسك هذا السؤال: أكنت ترضى ذلك لأختك؟ هل ترضى أن يسير معها من هو غريب عنها؟ أو يحدِّثها في التليفون؟ أو ينتظرها أمام الكلية؟ هل ترضى لها ذلك؟.

ألم تسمع إلى حديث رسول الله ﷺ‬:

 ((ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر الخبث في أهله)) ([103])؟!.

كثير من الناس يظن أنَّ العِرْض في هذا الحديث هو الأخت أو الأم، ولكن العِرض دائرة أكبر من ذلك بكثير، إنه عِرض كل مسلمة في مشارق الأرض ومغاربها. فرسول الله ﷺ‬ ربط بين دخول الجنة والغيرة على العرض، فما بال الناس لا تغار على أعراضها؟ بل ربما بكون البعض منا أول من ينتهكها ويخونها!!.

 تاسعاً : قلبك حصن جسمك:

واعلم أنَّ قلبك هو حصن جسمك وقلعته، وأن هناك طرقاً عديدة تصل إلى هذا القلب (القلعة). فإذا سلكها الشيطان اقتحم عليك قلبك وهزمك من الداخل.

ومن مداخل الشيطان إلى قلبك بصَرُك: فلا تمدَّه إلى محارم الله..

ومنها يدك ورجلك: فلا تبطش بهما إلا فيما يرضي الله..

ومنها فَرْجك: فاحفظه كما أمرَ ربك.

ومنها بطنك: فلا تدخل فيه إلا الحلال الطيب.

ومنها لسانك: فهو سبب معظم المصائب.

 الفصل العاشر: ولا تقربوا الزنى

تبدأ الرغبة الجنسية في سن خمس عشرة، وتكون أشد ما تكون في هذه السنين إلى سن خمس وعشرين؛ فهل يستطيع الشاب أن يتزوج في هذا السن؟! وكيف؟! ونظام التعليم يبقيه على مقاعد الدرس إلى ما بعدها؟ وإن هو ذهب للتخصص في أوروبة أو أمريكة امتدت به الدراسة إلى قريب من سن الثلاثين، فماذا يصنع في هذه السنين؟.

وإذا هو فكَّر في الزواج؛ فمن أين له المال؟ ولا يزال وهو في سن الرجال من جملة العيال؟!.

شاب طويل عريض يلبس أفخم الثياب، ولكنه لا يُحصِّل قرشاً! وإن وجد المال فهل يدعه الآباء يتزوج؟!.

آباء البنات هم سبب المشكلة: يسهلون للبنت من حيث لا يدرون كل سبيل، إلا سبيل الحلال.

أهلكوه بالمطالب الثقال: من المهر الكبير، والتكاليف الباهظة، والحفلات المتكررة، والهدايا العديدة، حتى يملَّ فينهزم، أو يصبر فتستنفذ هذه العادات كل ريال كان قد ادَّخره لهذا اليوم الأسود، فيدخل بيت الزوجية مفلساً، فيبدأ الخصام من أول يوم .. ومتى دخل الخصام بيتاً اخرج السعادة من ذلك البيت.

ما حرَّم الله علينا شيئاً إلا أحلَّ لنا ما يغني عنه ويسدُّ مسدَّه ويقوم على مقامه. حرَّم الزنى وأباح الزواج، والذي يعمله المتزوج هو الذي يصنعه الزاني، فلماذا نوقد الأنوار في مقدمة الدار، عند حفلة الزواج، ونطبع البطاقات، وندعو إليها الناس.

ومن أراد الفاحشة تسلل إليها في الظلام، وابتغى لها الزوايا التي لا يبصره فيها أحد من البشر؟!.

إنهما كمن يدخل المطعم وماله في جيبه، فيقعد على الكرسي مطمئناً، ويطلب طاولة الطعام متمهلاً، فيختار ما يريد، فيأتيه النادل به فيأكله بسعادة وهناء.

أما اللص الذي يخطف شيئاً من المطعم فيلحقه الناس يصرخون: (حرامي حرامي)، فيلتهم الطعام وهو يعدو، يبتلعه حاراً وربما اعترض في حلقه وغصَّ به، فأحسَّ الغصة في صدره، ثم لا يهنأ به ولا يكاد يسيغه.

-                   يقعد الشاب العزب المحروم الذي تنضح كل خلية في جسمه بهذا الميل الذي نسميه (جنسياً)، بجنب الفتاة يمس بكتفه كتفها، وبرجله رجلها، وربما كانت سافرة حاسرة تلمس وجهه أو يده أطراف جدائلها!.

وربما كانت قصيرة الثوب قد ارتفع عن ركبتيها، ثم نقول له: انتبه لحلِّ مسائل الرياضيات، ومعادلات الكيمياء، شرح المعلقات!! اجعل ذهنك فيها وانسَ أن إلى جنبك بنتاً تتمناها وتشتهيها!! ([104]).

 أولاً : شاب يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم:

تأمل ذلك المشهد العظيم حين أتى شاب تجري في عروقه حرارة الشباب إلى رسول الله ﷺ‬ وهو في مجلسه..

سأله ذلك الشاب، وبكل جرأة، أن يأذن له بالزنى .. نعم الزنى .. فكيف كان تصرف الرحمة المهداة مع هذا الشاب الجريء؟.

هل سبَّه؟ هل زجره ونهره؟ هل عنَّفه ووبّخه؟.

أبداً إن ذلك لم يحصل.

ناداه رسول الله ﷺ‬، والقوم من حوله قد زجروا الفتى، ناداه بصوت لين.

فقال: ((ادنهُ)). فدنا منه قريباً فجلس.

ثم قال ﷺ‬: (( أتحبّه لأمك؟ )).

قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك.

قال ﷺ‬: (( ولا الناس يحبونه لأمهاتهم )).

قال عليه الصلاة والسلام: (( أتحبه لابنتك؟ )) .

قال: لا والله جعلني الله فداءك.

قال عليه الصلاة والسلام: (( ولا الناس يحبونه لبناتهم )).

ثم أخذ عله الصلاة والسلام يعدد عليه: (( أفتحبه لأختك .. لعمتك .. لخالتك؟ )).

والشاب يقول: لا والله جعلني الله فداءك.

فوضع النبي ﷺ‬ يده الشريفة عليه، وقال:

(( اللهمَّ اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه .. وحصِّن فرجه )).

فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء ([105]).

يقول رسول الله ﷺ‬:

(( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن )) ([106]).

وفي ذلك يقول الإمام النووي:

((إن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان .. وهذا من الألفاظ التي تُطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله .. مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك، بل هم مؤمنون ناقصو الإيمان .. إن تابوا سقطت عقوبتهم .. وإن ماتوا مصرِّين على الكبائر كانوا في المشيئة .. فإن شاء الله تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة، أو لا .. وإن شاء عذَّبهم ثم أدخلهم الجنة)) ([107]).

 ثانياً : نماذج من العفة:

·                  عفة يوسف عليه السلام:

لقد أعطانا الله تعالى أروع صورة للعفة الجنسية في قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز .. فمع استيفاء يوسف الرجولة والشباب والدافع القوي .. وفي امرأة العزيز الإثارة بكل قواها .. جمال ومنصب وإغراء كامل .. وخلوة تامة .. وتهديد إن لم يستجب .. مع استيفاء كل هذه العوامل القوية تبرز فضيلة العفة.

·                  أصحاب الصخرة:

وكذلك قدَّم لنا الأدب النبوي الممتع قصة أصحاب الصخرة التي سدَّت عليهم باب الغار .. فجعل كل منهم يدعو بعمل صالح .. حتى يزيل الله عنهم الكرب وينقذهم:

قال الثاني في دعائه:

((اللهمَّ إنك تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إليّ .. فراودتُها عن نفسها فامتنعَتْ مني .. حتى ألمَّتْ بها سنة من السنين – أي شدّة من الشدائد – فجاءتني فأعطيتها مئة وعشرين ديناراً .. على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلتْ .. حتى إذا قدرتُ عليها، قالت: اتقِ الله .. ولا تفضَّ الخاتم إلاّ بحقّه .. فتحرَّجتُ من الوقوع عليها .. فانصرفتُ عنها وهي من أحب الناس إليّ .. وتركتُ الذهب الذي أعطيتها .. اللهمَّ إن كنتُ فعلتُه ابتغاءَ وجهك ففرَّج عنا ما نحن فيه)) ([108]).

·                  شاب عابد:

ومما رواه السلف: أنَّ شاباً عابداً كان بالكوفة فتعرضت له امرأة في الطريق، وأخبرتْه بحبها له وشغفها به، فكتب إليها يقول:

بسم الله الرحمن الرحيم .. اعلمي أيتها المرأة أنَّ اللهَ عزَّ وجلّ إذا عصاه العبد حلم .. فإذا عاد إلى المعصية مرة أخرى ستره .. فإذا لبس لها ملابسها غضب الله تعالى لنفسه غضبةً تضيق منها السموات والأرض والجبال والشجر والدواب .. فمن ذا يطيق غضبه؟! فإن كان ما ذكرتِ باطلا ً فإني أذكِّرك يوماً تكون السماء فيه كالمهل، وتصير الجبال كالعهن .. وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم.

وما أحسن ما قال الشاعر في خطورة النظرة الثانية:

كلُّ الـحوادث مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَرِ                       ومعظمُ النارِ من مُستصغرِ الشررِ

كم نظرةٍ فعلتْ في قلبِ صاحبِها                               فِعْلَ السَّهـامِ بلا قوسٍ ولا وترِ

والمرءُ مـا دامَ ذا عيـنٍ يقلِّبها                                     في أعينِ الغِيدِ موقوفٌ على خطرِ

يسرُّ مقلتَـه مـا ضرَّ مهجتَـه                                      لا مرحبـاً بسرورٍ عـادَ بالضررِ

ورحم الله الشاعر الذي يحذِّر من إعطاء النفس كل ما تشتهيه:

إذا المرءُ أعطى نفسَه كلَّ ما اشتهت                                     ولم ينهها تاقتْ إلى كلِّ باطلِ

وسـاقت إليه الإثمَ والعارَ بالـذي                                دعتْه إليه من حلاوةِ عاجـلِ

 ثالثاً : كوارث الزنى:

]وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىۖ [ ([109]) تلك هي آية قرآنية عظيمة، لو وعاها كل إنسان لاختفت الأمراض الجنسية من الوجود.

وقد نبَّه رسول الله ﷺ‬ إلى خطورة الزنى واللواط وحدوث تلك الأمراض الجنسية في حديثه المشهور:

عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسولُ الله ﷺ‬ فقال:

(( لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها؛ إلّا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم )) ([110])..

وقد صدقت نبوءة رسول الله ﷺ‬، فما هو حجم المصيبة التي ألمَّت بهؤلاء المخالفين لشريعة الله تعالى؟.

وسنتكلم في الصفحات الآتية عن:

أولاً: الإيدز .. وباء عالمي.

ثانياً: الأمراض الجنسية.

ثالثاً: الشذوذ الجنسي (اللواط).

رابعاً: ظاهرة العادة السرية.

 أولاً الإيدز .. وباء عالمي

ذكر تقرير حديث نشرته منظمة الأمم المتحدة في عام (2004م) أنَّ عدد حالات الإيدز في العالم بلغت (42) مليون شخص، وبلغ عدد من مات بمرض الإيدز حتى ذلك التاريخ أكثر من (22) مليون شخص.

ويصيب الإيدز سنوياً أكثر من خمسة ملايين شخص في العالم، وتبلغ نسبة النساء المصابات بالإيدز في العالم (36%) من العدد الكلي (أي حوالي مليوني امرأة في العام الواحد).

وحتى الآن فقدَ أكثر من (80000) طفل في أمريكة وحدها أباه أو أمه بسبب مرض الإيدز.

وتؤكد الإحصائيات التي نشرتها مجلة (Pediatric Clinics of North America) أن نصف الملايين الخمسة الذين أصيبوا بالإيدز في العام الماضي كانوا في سن المراهقة (ما بين سن الخامسة عشرة والرابعة والعشرين من العمر).

وللأسف الشديد فإن أكثر من (90%) من مرضى الإيدز يعيشون في العالم الثالث. وأكدت مقالة نشرت في مجلة (Infec Disease Clinics of North America) أنه كلما زاد عدد الذين يمارس الجنس معهم، زاد انتشار هذا الوباء، ولا شك أن العلاقات الجنسية الشاذة هي المسؤول الأساسي عن معظم حالات الإيدز التي تحدث في سن المراهقة والشباب.

أولاًَ : الإيدز أشد فتكاً من الطاعون:

في تقرير حديث نشرته مجلة (Bml) في شهر يناير (2002م) ذكر الدكتور (لامبرتي) أنَّ مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) سيتفوق على الطاعون في قتله للبشر، ليصبح أكثر الأوبئة تفشياً في العالم، وذلك إذا لم يتمكن (42) مليون شخص مصاب بفيروس المرض من الحصول على الأدوية اللازمة لعلاجهم.

وتشير أحدث الإحصائيات إلى أن الإيدز قتل أكثر من (22) مليون شخص منذ أوائل الثمانيات، ويقدر الباحثون أنه مع كل صباح يصاب (14) ألف شخص في العالم بفيروس الإيدز الذي يدمّر الجهاز المناعي لدى الإنسان.

وبدون استخدام العقاقير الفعالة ضد هذا الفيروس سيموت الغالبية العظمى من الأشخاص الحاملين للفيروس، مما سيزيد عدد الوفيات بسبب الإيدز إلى أكثر من أربعين مليون شخص، وهو عدد الذين ماتوا بسبب الطاعون الذي انتشر في آسية وأوروبة في القرن الرابع عشر الميلادي.

ويقول الدكتور لامبتي – وهو رئيس المعهد الدولي للإيدز – : إنه ما لم يتم تحسين طريقة العلاج للوصول إلى علاج للإيدز في الأعوام العشرة القادمة، فإن عدد الوفيات بسبب هذا المرض قد يصل إلى (65) مليون شخص.

وننوه إلى أنه (95%) من حالات الإصابة الجديدة بالإيدز تحدث في أكثر بلدان العالم فقراً، وخاصة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقية، حيث عدد حاملي فيروس الإيدز فيها أكثر من (28) مليون شخص، وحيث تنتشر الإباحية الجنسية والتي تعتبر المسؤول الرئيس عن الإصابات بالإيدز هناك.

ثانياً : نصف المصابين بالإيدز لا يعلمون أنهم مصابون:

في أحدث تقرير نشره المركز الأمريكي للوقاية والسيطرة على الأمراض، أكَّد التقرير أنَّ حوالي (900) ألف أمريكي مصاب بفيروس الإيدز .. وأشار التقرير إلى أنَّ نصف هؤلاء لا يعلمون أنهم مصابون به، أو لا يعالجون منه. وهذا يعني أنّ أكثر من أربعمئة ألف مصاب ربما ينشرون مرض الإيدز عن طريق الاتصال الجنسي أو استخدام إبر الحقن.

والحقيقة أن الولايات المتحدة لا تحتفظ بسجلات عن المصابين بالإيدز أو الحاملين لفيروس الإيدز.

ويقول المركز: إنَّ عدد المصابين في الولايات المتحدة يزداد (40) ألفاً كل عام، وإنَّ أكثر من (1500) مريض أمريكي يموت بالإيدز كل عام.

ثالثاً : ما هو مرض الإيدز:

الإيدز .. ذلك الوباء الذي استشرى خطره في حياة البشرية .. وأخذ يفتك بالصحة ويحصد الأرواح .. إنه وباء العصر.

ومرض الإيدز هو مرض نقص المناعة المكتسب، الذي يصيب الإنسان ويعمل على التدمير التدريجي للمناعة الطبيعية في جسم الإنسان.

وسبب المرض المباشر هو الإصابة بفيروس (HIV). وقد تم تشخيص هذا المرض في بادئ الأمر في عام (1981م) بين الشاذين جنسياً، وعند متعاطي المخدرات الذي يتشاركون في الحقن غير المعقمة أثناء تعاطيهم للمخدرات، وعند الذين نُقل لهم دم ملوَّث بفيروس الإيدز قبل الالتزام بإجراء الفحوص المخبرية عليها.

وفي تسعينيات القرن العشرين، أصبح مرض الإيدز وباءًَ عالمياً،

ورغم أن الشاذين جنسياً ما زالوا يتصدَّرون قائمة المصابين بهذا المرض الخبيث، إلا أنَّ الرجال والنساء ممن يمارسون الزنى قد نالوا حصتهم من هذا المرض نتيجة انتقال العدوى.

كما أن الأطفال يصابون أثناء الولادة من أم مصابة بالإيدز.

كما حدث العديد من الحالات عن طريق نقل دم ملوث بالفيروس حتى أوائل الثمانينيات من القرن العشرين.

ويتم انتقال العدوى عن طريق سوائل الجسم كالدم والسائل المنوي والإفرازات المهبلية، ويهاجم فيروس الإيدز كريات الدم البيضاء، وهي المسؤولة عن مقاومة الالتهابات والسرطان.

وتشبَّه المنظمات الإنسانية دخول فيروس الإيدز بـ(رمي القنبلة الذرية).

ويعدُّ مرض الإيدز من الأمراض المستعصية التي لم يجد لها الطب الحديث علاجاً ناجعاً حتى الآن. وعادةً ما يموت المصابون بالإيدز بعد بضع سنوات، إلا أن هناك أدوية حديثة تمدُّ من عمر المريض.

ويقول أحدث تقارير الأمم المتحدة الصادر عام (2005م):

((لعلَّ أنجع دواء للوقاية من مرض الإيدز هو الابتعاد عن المسببات الرئيسة لهذا المرض، فالابتعاد عن العلاقات الجنسية المشبوهة، واللواط، وتعاطي المخدرات هي الوسيلة المثلى لدرء حدوث هذا المرض)).

ويعيش فيروس (HIV) في الدم، وفي سوائل الجهاز التناسلي وحليب الأم لدى الأشخاص المصابين به، وينتقل بانتقال تلك السوائل من المريض إلى شخص سليم. ويدخل الفيروس جسم الإنسان عن طريق الأغشية المخاطية؛ مثل: جدار المستقيم، وجدار المهبل، أو المناطق الداخلية في الفم والحلق، أو من خلال الاتصال المباشر بالدم الملوث.

ويحدث انتقال الفيروس بالطرق التالية:

1-             الممارسة الجنسية مع شخص مصاب بالفيروس.

2-             استخدام الإبر الطبية بين أكثر من شخص دون تعقيمها.

3-             نقل الدم (غير المفحوص طبياً).

4-             دخول أحد السوائل الحاملة للفيروس إلى الجسم من خلال جرح.

5-             أطفال المرأة المصابة بفيروس (HIV) يمكن أن يلتقطوه أثناء الحمل أو الرضاعة.

وعندما تجف السوائل الملوثة بالفيروس، فإن احتمالات انتقاله تصبح شبه معدومة.

ورغم أن الغرب يدعو إلى استخدام الواقي الذكري (الرفال) للوقاية من الإصابة بالإيدز، إلا أن الخبراء العالميين في الإيدز يقولون: إن الوسيلة الوحيدة التي تضمن عدم انتقال الفيروس بنسبة مئة في المئة هي الامتناع عن ممارسة الجنس مع أشخاص يمكن أن يكونوا حاملين للفيروس.

وبمعنى آخر: إنهم عادوا إلى الدعوة إلى الالتزام بتعاليم الإسلام التي تحرِّم الزنى واللواط. فلا يمكن لمرض الإيدز أن يحدث بين زوجين طاهرين لم يرتكب أحدهما الفاحشة مع شخص آخر.

ولا يمكن انتقال الفيروس بالطرق الآتية:

-                   عن طريق الهواء أو السعال أو العطاس.

-                   عن طريق الملامسة أو المصافحة (ما لم يكن هناك جرح).

-                   عن طريق أدوات المطبخ والطعام.

-                   عن طريق الحشرات أو عض نوع من الحيوانات.

وتختلف مدة غياب الأعراض بعد الإصابة بمرض الإيدز اختلافاً كبيراً بين المصابين .. فمنهم من تظهر عليه أعراض المرض خلال بضعة شهور .. ومنهم من لا تظهر عليه أعراض المرض إلا بعد سنتين...

رابعاً : الإيدز في العالم العربي:

لم يقتصر انتشار مرض الإيدز على العالم الغربي وإفريقية، بل وشمل العالم العربي بأسره .. ولكن بعض الحكومات العربية تعمد إلى عدم الإعلان عن الأرقام الرسمية لتفشي هذا المرض. فتفشي مرض الإيدز يعبر بشكل أساسي عن أمرين:

أولهما: انتشار العلاقات الجنسية غير الشرعية.

وثانيهما: تفشي تعاطي المخدرات في المجتمع.

ويقدَّر عدد الأشخاص الحاملين للفيروس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقية بحوال (500) ألف إلى (750) ألف شخص.

وفي المغرب تشير التقارير الرسمية إلى حدوث ارتفاع كبير في عدد حالات الإصابة بالأمراض الجنسية ومن بينها الإيدز. وتذكر أحدث التقارير أن الموساد تنقل البغايا المغربيات المصابات بالإيدز إلى دول عربية أخرى لتنشر مرض الإيدز هناك.

وشهدت ليبية فصول محاكمة عدد من العاملين في المجال الطبي، ومعظمهم من بلغارية، بتهمة التسبب في نقل عدوى فيروس الإيدز لأكثر من (400) طفل ليبي عن طريق نقل دم ملوث لهم.

وفي مصر يقدَّر عدد الحالات بأكثر من عشرة آلاف حالة.

وفي المملكة العربية السعودية بلغ عدد حالات الإيدز المسجَّلة رسمياً أكثر من سبعة آلاف حالة. ومعظم الإصابات كان ناتجاً عن العلاقات الجنسية غير الشرعية: (45%)، وبواسطة نقل الدم: (20%)، وأسباب غير محددة (27%)، وعن طريق المخدرات (2%).

وتنحصر أغلب الإصابات بين الأشخاص الذين تراوحت أعمارهم بين (15 – 49) سنة.

وفي السعودية فإن مدينة جدة هي الأعلى في معدل الإصابات، حيث تبلغ (41%) من مجموع الإصابات في المملكة.

وفي الأردن سجلت (1000) إصابة بفيروس الإيدز خلال عام (2002م).

حقائق:

وحذَّر برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز من أن نمو المرض في منطقة آسية التي تحتضن (60%) من سكان العالم يحمل عواقب دولية.

وقال الدكتور (بيوت): ((لم يعد هناك وقت لقراءة الرسالة بشكل خاطئ؛ فآسية تواجه اختياراً بين الحياة والموت لمنع كارثة بسبب الإيدز في المنطقة، كما تزداد الإصابة بالمرض في إفريقية، وتموت أعداد كبيرة من الأشخاص نتيجة المرض)).

وذكر التقرير أن هناك زيادة في معدلات الإصابة بالمرض في الولايات المتحدة وغرب أوروبة، ولا سيما بين الشاذين جنسياً.

وقد ارتفع عدد المصابين بالإيدز في بريطانية من (24) ألف حالة في نهاية عام (2001م)، إلى (32) ألف حالة بنهاية عام (2003م).

والحقيقة أن (14) ألف إصابة جديدة بفيروس الإيدز تحدث كل يوم في كافة أنحاء العالم.

وفي بعض بلدان جنوب الصحراء في إفريقية تفيد التقديرات أن ما يزيد على ثلث الأشخاص البالغين مصابون بفيروس الإيدز.

وفي أوكرانية لم تسمع ما نسبته (39%) من المراهقين عن مرض الإيدز، أو أنهم يعتقدون أن فيروس مرض الإيدز يمكن أن ينتقل بوسائل خارقة للطبيعة!!.

وحسب التقرير الصادر في 24 حزيران (يونيو) 2005م، فإن تقليص انتشار مرض الإيدز في الدول النامية يتطلب (22) ألف مليون دولار!!.

ونقول: إنَّ الالتزام بمبادئ الإسلام هو أفضل وسيلة للحد من انتشار الإيدز، وإنه بالطبع لا يتطلَّب كل تلك الآلاف من ملايين الدولارات!!.

 ثانياً الأمراض الجنسية

لقد بات مؤكَّداً طبياً أنَّ الزنى واللواط يتسببان في كثير من الأمراض والأوبئة الفتاكة، والتي تتفاوت في خطورتها ومضاعفاتها.

فالأمراض الجنسية مرتبطة أساساً بالزنى واللواط وبقية العلاقات الجنسية الشاذة. أما الزواج فلا يؤدي إلى أي نوع من الأمراض الجنسية طالما كانت العلاقة بين الزوجين فقط، ولم يتجنس أحدهما بالزنى أو اللواط بغير حليله أو حليلته.

ويذكر الباحثون – كما جاء في مقال نشرته مجلة (Medical Clinics of North America) – أن هناك أكثر من (25) التهاباً جرثومياً أو طفيلياً أو فيروسياً ينتقل بواسطة الاتصالات الجنسية المشبوهة، وبمعنى آخر فإن هناك الآن أكثر من (25) مرضاً ينتقل بواسطة الزنى واللواط. وفي مقال آخر نشرته مجلة (Am J Obstet Gyn) يذكر الباحثون أنَّ أكثر من (12) مليون أمريكي (ومنهم (3) ملايين مراهق) يصاب بالأمراض الجنسية في كل عام.

وخلال العشرين سنة الماضية، ظهرت ثمانية ميكروبات جديدة تسبب أمراضاً جنسية جديدة. أليس هذا ما جاء في حديث المصطفى ﷺ‬؟.

قال رسول الله ﷺ‬:

(( لم تظهر الفاحشة في قومٍ قَطّ حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم )) ([111]).

انظروا، كم يكلف علاج هذه الأمراض الجنسية، فحسب أحدث الإحصائيات العلمية فإن علاج هذه الأمراض الجنسية يكلف أمريكة (10) بلايين دولار سنوياً فقط!!.

1- السيلان:

يعتبر السيلان من أكثر الأمراض الجنسية شيوعاً في العالم. وتذكر المجلة الأمريكية (Medical Clinics of North America) أنَّ السيلان يصيب سنوياً أكثر من (62) مليون شخص في العالم. وأنَّ نصف هذه الإصابات حدثت في جنوب شرق آسية، حيث يذهب كثير من السياح إلى تايلاند وغيرها يقضون شهواتهم فيما حرَّم الله تعالى. كما يصيب سنوياً أكثر من (2.5) مليون رجل وامرأة في الولايات المتحدة وحدها.

وينتقل هذا الداء من خلال الاتصال الجنسي المشبوه، وحتى الإفراط في العناق والتقبيل في العلاقات الجنسية المحرمة يمكن أن ينقل هذا المرض. وتشمل أعراضه ظهور تقيح في المهبل أو الإحليل وألماً شديداً عند التبول.

والسيلان ينجم عن الزنى والعلاقات الجنسية المشبوهة، وهو سبب رئيس لالتهاب الإحليل عند الرجال، والتهاب عنق الرحم عند النساء. وهذا الالتهاب يمكن أن يؤدي عند النساء إلى التهاب الحوض المزمن والعقم والحمل خارج الرحم والآلام الحوضية المزمنة. وفي السيلان تخرج إفرازات مليئة بالقيح ومصحوبة بألم مع حرقة في البول.

2- الهربس التناسلي:

أما الهربس التناسلي، والذي ينجم عن فيروس ينتقل بطريق الاتصال الجنسي أو اللمس للمناطق المصابة أو عن طريق الشفاه والفم، فيسبب بثوراً مؤلمة جداً على الفرج عند الرجال أو النساء المصابات. وتستمر الأعراض لمدة أسبوعين أو شهر ، ثم تختفي لتظهر من جديد بعد أسبوعين أو شهر من الزمن. وتستمر غارات الفيروس سنين طوال، فمتى دخل فيروس الهربس التناسلي جسم الإنسان فإنه يظلّ هناك في كرّ وفر، مما يؤدي إلى تحطيم نفسية المريض .

والهربس التناسلي يصيب (500,000) شخص كل عام في الولايات المتحدة، وهناك حالياً أكثر من (30) مليون شخص أمريكي مصاب بالهربس التناسلي. كما يذكر الباحثون أن هناك ازدياداً مريعاً في نسبة حدوث هذا المرض في الولايات المتحدة.

3- الزهري (الإفرنجي):

الزهري مرض ينتقل أساساً عن طريق الاتصال الجنسي المشبوه من الزنى أو اللواط. كما ينتقل بواسطة القبلات من شخص إصابته في شفتيه. ولا يكاد يوجد عضو لا يمكن أن يصاب بالزهري الأولي. ويطلق على الجرثومة التي تسبب الإفرنجي (اللولبية الشاحبة).

وأول إشارة له ظهور قرحة قاسية على المكان بعد الاتصال الجنسي بفترة تتراوح ما بين (10 - 90) يومأ. ويظهر الإفرنجي على شكلين: الحاد والمزمن، وإذا لم يعالج في طوره الحاد دخل في طوره المزمن. وتقوم الجرثومة بعد سنوات بمهاجمة كل عضو من أعضاء المصاب.

وتقول آخر الإحصائيات التي وردت في مجلة (Medical Clinics of North America): إنَّ وباء الزهري يجتاح الآن روسية، حيث زاد معدل حدوث الزهري هناك عشرين ضعفاً منذ عام (1992م)، فقد كان معدّل الإصابة بالزهري يبلغ (4) في كل (100,000) شخص، وازداد إلى (263) شخصاً مصاباً بالزهري في كل (100,000) شخص.

4- مرض التريكوموناس :

تعتبر الإصابة بطفيلي التريكوموناس المهبلي من أكثر الإصابات الجنسية انتشاراً بين النساء. فحسب أحدث الإحصائيات فإن هذا المرض يصيب ( 170 ) مليون شخص في العالم .

ويسبب هذا الطفيلي التهاباً في المهبل وعنق الرحم، كما يسبب التهاباً في المثانة، وفي الذكور يسبب التهاباً في مجرى البول أو البروستات. وينتقل هذا الطفيلي عن طريق الاتصالات الجنسية المحرّمة.

5- التهاب الحوض:

وأما التهاب الحوض عند النساء ، فهو التهاب حاد يصيب الجهاز التناسلي عند المرأة وخاصة الرحم والمبايض، ويترافق بإصابات في الأعضاء الأخرى في الحوض، وينجم أساساً عن انتقال الجراثيم الممرضة عن طريق المعاشرة الجنسية غير الشرعية.

فكثيراً ما يصاب الرجل الزاني بالسيلان وغيره من الأمراض الجنسية، وربما ينقلها لزوجته الشريفة التي لا ذنب لها ولا جناية، فتصاب بالتهاب الحوض المزمن، وهنا تبدأ مأساة وأي مأساة، وتتكرر الآلام في حوض المرأة، وتراجع الأطباء دون طائل ولا جدوى.

أما في الغرب فكثيراً ما تكون المرأة الزانية هي التي جنت على نفسها تلك الويلات؛ ففي الولايات المتحدة وحدها هناك (2,5) مليون امرأة تزور عيادات الأطباء سنوياً تشكو من التهاب الحوض المزمن. وهناك (200,000) امرأة تراجع غرفة الطوارئ في المستشفيات سنوياً لهذا السبب.

ويكلّف التهاب الحوض الولايات المتحدة سنوياً (5) بليون دولار.

6- التهاب الإحليل بالكلاميديا:

وأما إصابة الجهاز التناسلي بميكروب الكلاميديا فيؤدي إلى التهاب في مجرى البول، وتخرج منه مفرزات قيحية عند الرجال والنساء الذين يمارسون اتصالات جنسية غير شرعية.

وهو مرض شائع جداً يصيب (89) مليون شخص سنوياً في العالم. وهو أحد أهم أسباب العقم والتهاب الحوض المزمن والحمل خارج الرحم عند النساء .

ويكلف الولايات المتحدة سنوياً أكثر من (2) بليون دولار.

وأما العوامل المؤهلة للإصابة بالتهاب مجاري البول بالكلاميديا فهي سن الشباب، وتعدد الأشخاص الذين تجري معهم الممارسة الجنسية، وعدم التزوج، وحدوث أمراض جنسية سابقة.

ويصيب هذا المرض (5- 20%) من الفتيات الشابات في الولايات المتحدة، وهو أكثر الميكروبات شيوعاً لدى النساء المترددات على عيادات الأمراض الجنسية هناك.

ويحدث هذا المرض عند (1%) من المتزوجات في أمريكة، في حين يحدث عند (4%) من المطلقات، وعند (7%) من غير المتزوجات هناك.

والحقيقة أن أكثر الدول انتشاراً للأمراض الجنسية هي الدول التي تتمتع بحرية جنسية غير عابئة بدين أو بتعاليم إلـٰهية، بصرف النظر عن تقدّمها العلمي أو تأخرها؛ مثل: الولايات المتحدة وأوروبة، وبعض دول جنوب شرق آسية؛ مثل: الهند وتايلاند والفلبين.

كما أن بعض الدول الإفريقية مثل: زائير وكينية وإفريقية الوسطى، والتي تحولت في غالبيتها عن الدين الإسلامي بفعل حملات التنصير هي أكثر الدول إصابة بالأمراض الجنسية المعدية وأهمها الإيدز. وفي الوقت ذاته نجد السنغال أقل نسبة للإصابة بالإيدز، وذلك لأن غالبيتها من المسلمين.

وكثير من هذه الأمراض إذا انتقلت من الزوج إلى الزوجة فإنها يمكن أن تنتقل إلى الأطفال؛ مثل: الإيدز والزهري وغيرها، فيصاب الأطفال بهذه الأمراض وليس لهم ذنب ولا جناية.

وبعد هذا كله، ألم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام:

(( لم تظهر الفاحشة في قومٍ قَطّ حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا )) ([112]).

ونحن نقول كما قال ربنا سبحانه وتعالى :

]وَلَا تَقْرَبُواْ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن[ ([113]).

]وَلَا تَقْرَبُواْ الزِنَى إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً[([114]).

ولا يحل مشكلة انتشار الأمراض الجنسية استخدام الرفال أو المضادات الحيوية، ولا يحل المشكلة أيضاً ما ينصح البعض في الغرب من الاقتصار على خليل أو خليلة وعشيق أو عشيقة. بل الحل الحقيقي يتمثَّل في أمر واحد هو الإحصان. وقد وردت هذه الكلمة في العديد من الآيات؛

يقول تعالى :

]وَالمُحَصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[ ([115]).

وقوله تعالى : ]مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ[ ([116]) أي : متزوجين غير زانين.

وأول وسائل الإحصان هي: الإسلام والإيمان، فإذا ما تقوَّى إيمان المرء آتاه الله التقوى.

والتقوى هي أن يتقي محارم الله ويتجنب سخطه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

وثاني هذه الحصون أهميةً: الزواج.

وقد جعل الإسلام العفّة من القضايا الهامة التي اعتنى بها أيما اعتناء، والعفة تبنى على طهارة القلب، وعلى منع عوامل الإثارة الخارجية من منع الاختلاط بين الرجال والنساء، وغض البصر وعدم التبرج، وسد كل دواعي الزنى، ومنع وسائل الإعلام المختلفة التي تدعو إلى الفاحشة بطرق ظاهرة وخفية.

ومن لوازم الإحصان منع أنواع الفجور من علب الليل والمسارح والكباريهات واختلاط الرجال بالنساء كاسيات عاريات، وما يحدث في المسابح في كثير من البلاد الإسلامية مما يندى له الجبين ([117]).

 وبعد، فلا غرابة أن يصف مقال نشر حديثاً في مجلة (American Journal of Obstet) وباءين اثنين يصيبان أمريكة وأوروبة: الأمراض الجنسية، والحمل غير الشرعي.

ويعتبر كاتب المقال أن المشاكل الناجمة عن هذين الوباءين هي من أخطر المشاكل التي تواجه الشعب الأمريكي الآن؛ فهناك أكثر من (900,000) مراهقة أمريكية تحمل حملاً غير شرعي (خارج نطاق الزوجية) في كل عام.

وفي تقرير آخر نشرته مجلة (Pediatric Clinics of North America) أن ثلث طلاب المرحلة الثانوية هناك يشربون الخمور، وأن (25%) منهم يدخنون الماريجوانا، وأن (16%) منهم يستعملون المواد المخدّرة..

فليحذر المغرورون بزيف الحضارة الأمريكية أي مستقبل يرجون لأبنائهم وبناتهم إن هم فتنوا بتلك المغريات، وساروا خلف هذا الوجه من أوجه الحضارة الأمريكية الزائفة.

وفي الإحصائيات الأمريكية فإن (36%) من المراهقين الأمريكان يتهمون آباءهم أنهم لم يتحدثوا إليهم عن مخاطر المخدرات!!.

وفي دراسة أخرى أكَّدت أن (40%) من طلاب المرحلة الثانوية في أمريكة يستعمل الأدوية المحرمة بشكل أو بآخر. وحسب تقرير الـ (CDC) فإن هذه الجائحة تستمر في الانتشار هناك بانتظام.

وللأسف الشديد فإن عدداً من شبابنا وفتياتنا يتبع ما يجري في الغرب دون أدنى تمييز أو وعي لما يعقب ذلك من مخاطر.

وصدق رسول الله ﷺ‬ حين قال:

((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْراً بِشِبْرٍ وذِرَاعاً بِذِرَاعٍ حتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ))

قُلْنَا: يا رسولَ اللهِ الْيَهُودُ و النَّصَارى؟

قال: ((فَمَن)) ([118]).

وروى الحاكم:

((لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو أنَّ أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم، ولو أنَّ أحدهم جامع امرأته في الطريق لفعلتموه))([119]) .

 ثالثاً الشذوذ الجنسي (اللواط)

كثيراً ما يحاول الغرب إقناع الناس أن الشذوذ الجنسي (اللواط) أمر طبيعي، حتى إن عدداً من الدول الغربية أقرت الزواج بين الرجال بالقانون.

بل إن الغرب أصبح يلقب كل من لا يتقبل مبدأ الشذوذ الجنسي بأن لديهم (فوبيا الشذوذ الجنسي) (Homophobia)، حتى أصبح هذا اللقب عاراً على حامله! ووصل الأمر إلى أن الكثير من الناس يفضّل السكوت عن أرائه الشخصية في هذا المجال خشية أن تنهال عليه الاتهامات، ويلقب بهذا اللقب المشين!!.

وليس هذا فحسب، بل إن القانون في أمريكة يمنع الطبيب النفسي من محاولة معالجة الشاذين جنسياً والعودة بهم إلى الفطرة .. إلى الوضع السوي!!.

فالشذوذ الجنسي ليس مُدرَجاً في كتيّب (تشخيص و إحصاء الاضطرابات النفسية) ولهذا لا يسمح للطبيب النفسي بممارسة ذلك!!.

فحتى عام (1973م)كان الشذوذ الجنسي مُدرجاً في قائمة الاضطرابات النفسية (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders) وهو المصدر الرئيس لتشخيص الاضطرابات النفسية في أمريكة وعدد من دول العالم.

ولكن جمعيات الشاذين جنسياً مارست ضغوطاً شديدة أدت إلى تشكيل لجنة لمراجعة موقف هذا الكتيِّب من الشذوذ الجنسي. وقد شُكّلت اللجنة بحيث تخلو من أي معارض للشذوذ الجنسي. وقررت اللجنة بسرعة لم يسبق لها مثيل حذف الشذوذ الجنسي كاضطراب نفسي من هذا الكتيب الهام.

ومع هذا كله تأتي أبحاثهم العلمية لتفند ما يدَّعون. ففي مؤتمر الجمعية الأمريكية لعلم النفس أعلن الفريق الطبي بقيادة عالم الطب النفسي الشهير (د. روبرت سبتزر) بعد دراسة مجموعة من الشاذين جنسياً ومعرفة مدى تغير اتجاهاتهم الجنسية، أعلن الباحثون أن (67%) من هؤلاء الذين كانوا شاذين جنسياً قد أصبحوا طبيعيين تماماً من حيث الممارسة الجنسية السوية والرغبة فيها. كما أن (75%) من الرجال منهم، و(50%) من النساء تزوجوا زيجات طبيعية.

ويذكر أن قائد فريق البحث الطبي هذا هو نفسه الذي كان يحارب من أجل حذف (الشذوذ الجنسي) عام (1973م) من كتيب الاضطرابات النفسية، فقد كان المايسترو لقرار تلك اللجنة التي حذفت الشذوذ الجنسي واعتبرته أمراً طبيعياً ([120]).

وبعد ما يقرب من ثلاثين عاماً يكتشف هو ذاته وبدراسة علمية يقودها بنفسه أن فطرة الله هي الحق، وأن الله ما كان ليحرّم أمراً طبيعياً - حسب اعتقادهم - على الناس !.

]أَلَاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ[ ([121]).

وقد قال هؤلاء الذين عادوا إلى الفطرة: إن عملية تحويل ميولهم الجنسية استغرقت في الغالب أكثر من عامين، وأنهم لجؤوا إلى تغيير اتجاهاتهم الجنسية بسبب اعتقاداتهم الدينية التي تحرم اللواط، إضافة إلى إحساسهم بعدم الاستقرار النفسي في تلك النوعية الشاذة من العلاقات.

ويأتي بحث قام به العالم الأمريكي (دين هايمر) تلقفته وسائل الإعلام الغربية بشدة، وقال فيه: إنه لاحظ وجود علامة جينية مميزة على كروموسوم إكس عند (33) من (40) شاذاً جنسياً أجرى عليهم البحث. وادَّعت وسائل الإعلام بذلك أنه اكتشف الجين الشاذ. ولكن لم يتكرر هذا الاكتشاف مع أحد غيره من الباحثين حتى الآن.

وحتى لو اتضح في يوم من الأيام أن هناك قابلية وراثية للإصابة بالشذوذ الجنسي، فليس معنى هذا أبداً أن الإنسان سيصاب به حتماً. مَثَلُه في ذلك مَثَلُ القابلية الوراثية للإصابة بأمراض القلب، فإن سلوك الإنسان

نفسه هو الذي سيقرر ما إذا كان هذا الإنسان سيصاب بمرض شرايين القلب أم لا. فإن امتنع عن التدخين وتجنب الأغذية الغنية بالدهون، ومارس الرياضة البدنية أصبح احتمال إصابته بمرض شرايين القلب ضعيفاً.

أولاً : هل الشذوذ الجنسي من الفطرة ؟:

 الجواب: لا. يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:

((هذه الرذيلة لم تُعرَف قبل قوم لوط، فنرى القرآن الكريم يقول:

]وَلُوطاً إذْ قَالَ لِقَوْمِه إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَّكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِينَ[([122]).     

فهم الذين ابتكروا اللواط، وجاء رسولهم ونهاهم عن هذا الأمر نهياً شديداً في غاية الغلظة، وانتهى أمرهم بتطهير الأرض من شرهم، حيث تعرضوا لعقوبتين: جعل الله عالي قريتهم سافلها من ناحية، ]وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ^ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۚ وَمَا هِي مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٍ[ ([123]))).

ثانياً : مخاطر الشذوذ الجنسي:

لا تمر العلاقات الجنسية المحرَّمة دون عقاب دنيوي - قبل الأخروي -، وحيث إن الشذوذ الجنسي يترافق كثيراً بتعاطي العقاقير أو المخدرات، فإن خطر الأمراض والأوجاع يصبح أشد.

وذكرت الدكتورة ناديا العوضي في مقالين عن الشذوذ الجنسي أشهر الأمراض التي تصيب اللوطيين وفق أحدث الدراسات والمعطيات ضمن الأمراض التي تنتشر بين الشاذين:

1- الإيدز:

بحسب أحدث تقرير (مراكز الوقاية من الأمراض الأمريكية ) فإن أغلبية حالات الإيدز في أمريكة تحدث عند الرجال الذين يمارسون اللواط.

فمن أصل (754,103) حالة إيدز في أمريكة يمثل الرجال الذين يمارسون اللواط (348,657) حالة، في حين يشكل الذين يستخدمون المخدرات المحقونة (189,242) حالة، ويمثل الذين يمارسون اللواط والمخدرات المحقونة معاً (47,820) حالة.

وليس هذا على نطاق أمريكة فحسب، بل إن تقرير منظمة الصحة العالمية الأخير يشير إلى أن الشاذين جنسياً يمثّلون (68,6%) من حالات الإيدز في هولندة، و(65,8%) في بريطانية.

ويحدث هذا كله رغم برامج التوعية المكثفة التي تدعو إلى ما يسمى (الممارسة الجنسية الآمنة). وكيف يكون الأمان في معصية الله؟ ]أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللهِ ۚ[ ([124]).

2- الاضطرابات النفسية:

ذكرت الدراسات العلمية الحديثة وجود علاقة وثيقة بين ممارسة الشذوذ الجنسي والإصابة باضطرابات نفسية.

ففي دراسة نُشرت في مجلة (ِArchives of General Psychiatry) وجد الباحثون أن الشاذين جنسياً من الرجال يصابون باضطرابات مزاجية تستمر لأكثر من سنة كاملة بمعدل يفوق ثلاثة أضعاف ما يصيب غيرهم من الناس.

كما أن الشاذات جنسياً يصبن باضطرابات نفسية بمعدل (4) أضعاف ما يصيب غيرهن من النساء.

وكل هذا ينفي مزاعم الشاذين جنسياً والذين يدَّعون أن الاضطرابات النفسية ما كانت لتصيبهم إلا بسبب نظرة المجتمع إليهم.

وليس هذا فحسب، بل إن دراسة أخرى نشرتها مجلة (ِArchives of General Psychiatry) أظهرت أن احتمال محاولة الانتحار عند الشاذين جنسياً كان ستة أضعاف ما هو عليه عند الأسوياء من الرجال.

3- سرطان الشرج:

ينتشر سرطان الشرج بشكل خاص بين الشاذين جنسياً من الرجال. وهناك عدد من النظريات التي تعلل انتشار هذا المرض، وآخرها أن الإصابة بسرطان الشرج تتبع إصابة التهابية بفيروس خاص يدعى  (H.P.V) يصيب عادة الشاذين جنسياً.

وأظهرت دراسة طبية حديثة أن (38%) من الرجال الشواذ يصابون بفيروس الشرج الذي يدعى (Human Papilloma Virus) (HPV) والذي ينتقل عن طريق الممارسات الجنسية الشاذة، ولا يرجى برؤه، ويؤدي إلى الإصابة بسرطان الشرج والقضيب، وتعتبر هذه النسبة خمسة أضعاف أمثالها بين ممارسي الجنس الأسوياء.

4- الأمراض المعدية التي تنتقل بالممارسات الجنسية غير السوية:

تقول أحدث الدراسات: إن (55%) من الشاذين جنسياً الذين يشكون من أعراض في منطقة المستقيم والشرج مصابون بالسيلان (التعقيبة) (Gonorrhea). كما أن (80%) من المصابين بمرض الزهري (الإفرنجي) (Syphilis) هم من الشواذ جنسياً، وثلث الشاذين جنسياً مصاب بفيروس الهربس (Herpes Simplex Virus).

 رابعاً ظاهرة العادة السرية

سئل فضيلة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله عن العادة السرية، فأجاب:

(( إنَّ الله وضع فينا غريزة (حفظ الذات) لئلا نموت، وجعل الجوع دليلاً عليها، وضع فينا غريزة (حفظ النوع) وجعل الشهوة أمارة جوعنا إليها، وهذه المادة التي تفرز في هذه الحال (طاقة) منتجة. وإذا كانت طاقة الغاز أو الكهرباء تدير المعمل فتنتج (أشياء)، فهذه الطاقة تنتج بشراً؛ فلا يجوز إهدارها على الأرض، وتعطيلها كما يكون في العادة السرية.

وإذا أردت أن تعرف أمراً من الأمور هل هو خير أم شر؟ فعمّمه، فلو عمَّمنا هذه العادة بحيث يفعلها الشباب والشابات جميعاً لتعطل الزواج، وانقطع النسل، وانقرضت الأمة؛ فهي إذن سيئة لا حسنة، وممنوعة لا مشروعة.

ولكن هل هي حرام مثل الزنى؟ لا.

وهل صحيح أنها تضعف الذاكرة وتفسد التفكير وتجر المصائب التي يرددونها؟ لا أيضاً.

أولاً : ما هو حكمها:

إنَّها ممنوعة ولكنها ليست من الذنوب الكبائر، وفيها إضرار ولكن ليس كما يقولون. فمن كان هادئاً فأثار شهوته بإرادته ليستمتع بها، كان آثماً، ولكن دون إثم مرتكب الكبائر.

ومن ثارت شهوته فلم يستطع تهدئتها إلا بها، جازت لنوع من الضرورة، وإن لم تكن من الضرورات التي تبيح المحظورات.

ومن وقف موقفاً ليس أمامه إلا الوقوع في الزنى أو عملها، كان عليه أن يعملها من باب ارتكاب أخف الشرّين، على ألا يكثر منها بحيث تؤذي جسده.

والنصيحة للشباب: أن يتزوجوا، فإن لم يقدروا صاموا؛ لأن الصيام (علاج مؤقت) يهدئ من فوران الشهوة. وعليهم أن يبتعدوا عن كل ما يثيرها من الأفلام والمسلسلات والصور والأغاني، وأحاديث الرفاق التي تدور وتدور ثم تقف عليها، كالسيول تنزل من جوانب السفوح لتستقر في أعماق الوادي.

ومن اتقى الله كفاه، ونفَّس عنه بالأحلام، فيجد اللذَّة ويجتنب المضرة ويبتعد عن الإثم، ويكفيه الحلم))([125]).

وليس هناك دليل على أن الاستمناء في حد ذاته يؤدي إلى حالة مرضية مما يذكرها المخوّفون كالعمى والتدرّن والجنون والصرع، وفقدان الشهوة الجنسية، ولكن الإمعان في الممارسة إلى درجة الإدمان قد يؤدي إلى كثير من أمراض الجهاز التناسلي مثل: احتقان والتهاب أجزاء الجهاز التناسلي الداخلية والخارجية مثل: البروستات.

كما أن خيالات الممارسة أو ما يصاحبها من أساليب قد تجعل صاحبها لا يستطيع مباشرة حياته الجنسية بغير هذا الأسلوب.

ويجب إدراك ما يلي:

أولاً: أنها نوع من الانحراف عن الطبيعة.

ثانياً: أن الإسراف في هذه العادة حتى الإدمان قد يؤدي إلى بعض الأخطار الطبية التي ذكرها الأطباء.

وتذكر قول الشاعر:

               احفظْ منيَّك ما استطعتَ فإنَّه                       ماءُ الحياةِ يُراقُ في الأرحامِ

ثالثاً: تذكر أن سبب توترك العصبي المستمر، وشعورك بالقلق، وشعورك بالخطأ والخجل؛ ربما يكون سببه التفكير المستمر في الناحية الجنسية، واستهلاك الإثارة بالقصص والصور والأفلام، وهو ما يؤدي إلى شعورك بالجُرم الذي يدخلك في الإحباط والاكتئاب ([126]).

ثانياً : كيف تتجنب العادة السرية؟:

ولكي تتجنب تلك العادة السيئة اتبع الخطوات التالية:

1-   أحسن إدارة ذاتك، وحدد أهدافك في الحياة.

وانظر ماذا يقول الشوكاني الذي نفى حرمة هذه العادة: ((ولا شك أن في هذا العمل هجنة، وخِسّة، وسقط نفس، وطرح حشمة، وضعف همة)).

2-   تذكر دوماً قوله تعالى:

]أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ الله يَرَى[ ([127]).

]وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ[ ([128]).

وانظر إلى الأبواب تغلقها لتباشر تلك العادة السرية، فهلا أغلقت باباً عن عين الله؟:

]يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمُ[ ([129]).

3- اضمن الجنة:

تذكر دائماً قول رسول الله ﷺ‬:

(( من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه؛ أضمن له الجنة ))([130]) .

4- داوِ نفسك بالاستعفاف:

·     أكثر من الصوم.

·     أكثر من الصلوات.

·     غض بصرك.

·     اترك مجالسة أهل الفسق.

·     ابتعد عما يثير الشهوات.

·     الزم الذكر والدعاء والتوبة.

·     لا تيئس ولا تقنط من رحمة الله.

·     ابدأ في التخطيط للزواج، وذلك بالعمل الجاد والدراسة الحثيثة للوصول إلى ما يعود عليك بالنفع الدنيا والآخرة.

 الفصل الحادي عشر:إياك والمسكرات

شرب الخمور مشكلة تقض مضاجع الغرب .. تقول دائرة معارف جامعة كاليفورنيا:

((إن الخمر يعتبر حالياً القاتل الثاني - بعد التدخين - في أمريكة، فشرب المسكرات هناك مسؤول عن موت أكثر من (100,000) شخص سنوياً)).

وجاء في المرجع الطبي الشهير (Cecil) أن الخسائر الكلية الناجمة عن مشكلة المسكرات بلغت ما قيمته (136) بليون دولار في العام الواحد.

ويقدر الخبراء أن ربع الحالات التي تدخل المستشفيات الأمريكية سببها أمراض ناجمة عن شرب المسكرات.

وليس هذا فحسب، بل إن الخمر مسؤول عن إصابة أكثر من نصف مليون أمريكي سنوياً بحوادث السيارات.

وتتابع دائرة المعارف القول: ((والمسكرات لا تسبب المشاكل في البيت أو على الطرقات فحسب، بل إن خسائر أمريكة من نقص الإنتاج وفقدان العمل نتيجة شرب الخمر تزيد على (71) بليون دولار سنوياً. ناهيك عن الخسائر التي لا تقدَّر بثمن من مشاكل نفسية وعائلية واجتماعية)). 

ويحثّ كتَّاب الجرائد والمجلات الأمريكية الناس على عدم تقديم المسكرات قبل العشاء – أثناء الحفلات التي يقيمونها– ويحثون أيضاً على أن تُصادر مفاتيح السيارات من المفرطين في شرب الخمر، حتى لا يقودوا أنفسهم إلى الموت.

وعلى الجانب الآخر من الأطلنطي نجد أن أوروبة ترزح تحت وطأة الخمور، إذ تذكر مجلة اللانست البريطانية أن مئتي ألف شخص يموتون سنوياً في إنكلترة بسبب الخمور.

وواحد من كل خمسة أشخاص يدخلون المستشفيات في اسكتلندة بسبب شرب الخمور وإدمانها.

وتقدر الخسائر الناجمة عن شرب المسكرات في بريطانية وحدها بـ(2000) مليون جنيه إسترليني في العام الواحد.

أبعد هذا الداء داء؟!.

ويقول أحدث تقرير للكلية الملكية للأطباء في بريطانية:

((لم يكتشف الإنسان شيئاً شبيهاً بالخمور في كونها باعثة على السرور (الوقتي)، وفي نفس الوقت ليس لها نظير في تحطيم حياته وصحته .. ولا يوجد لها مثيل في كونها مادة مسببة للإدمان، وسماً ناقعاً، وشراً اجتماعياً خطيراً))

ويقول كتاب (Safe Food):

((إن نصف عدد الجرائم في بريطانية يقوم بها أناس سكارى، وثلث حوادث السيارات تحدث بسبب الخمر، والخمر مسؤول عن ثلثي حالات الانتحار، وخُمس حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال.

ويقدر الخبراء الإنكليز أن واحداً من كل أربعة رجال، وامرأة من كل عشر نساء يشربون المسكرات إلى درجة تعرضهم لفقدان عائلاتهم .. أو عملهم .. أو صحتهم .. أو أصدقائهم .. أو الأربعة معاً)).

والحقيقة أن أهم تأثير للكحول هو تخديره لخلايا المخ جميعاً ولكن أهم الخلايا التي تصاب هي خلايا قشرة الدماغ، وهي الخلايا المتحكمة في الإدارة، أو ما نعبّر عنها بكلمة (العقل).

يقول البروفسور لورانس رئيس قسم الطب العلاجي في جامعة لندن:

((إن أول ما يفقد من وظائف المخ بواسطة الكحول هو القدرات الدقيقة على التحكم والملاحظة والانتباه، كما أن الكفاءة العقلية والبدنية تنخفض بتناول الكحول مهما كانت الكمية المتعاطاة قليلة)).

ويؤكد تقرير الكلية الملكية للأطباء في بريطانية: (( أن المخاطر الصحية المتعلقة بتعاطي الخمور ليست ناتجة بالدرجة الأولى عن العدد القليل من الناس الذين يتناولون الكحول بكميات كبيرة، ولكن الخطر الأعظم على الصحة العامة هو من الأعداد الكبيرة التي تتناول الكحول باعتدال وانتظام)).

ويقول كتاب (Alcoholism): إن التخريب الحاصل في أنسجة الجسم نتيجة شرب الخمر مرة واحدة يمكن أن يكون تخريباً دائماً غير قابل للتراجع. ولا غرابة حينئذٍ أنّ رسول الله ﷺ‬ قد حرَّم شرب الكحول مهما كانت الكمية صغيرة:

((ما أسكر كثيره فقليله حرام)).

 أولاً : هل في القليل من الخمر فوائد؟:

شاعت بين الأطباء والناس في الغرب فكرة تقول: إن شرب القليل من الخمر ينقص نسبة الوفيات من جلطة القلب، حيث يزيد من مستوى الكولسترول المفيد (HDL).

والحقيقة أن الباحثين اليابانيين اكتشفوا حديثاً أن المادة التي ترفع مستوى الكولسترول المفيد موجودة أصلاً في قشر العنب الأحمر وتسمى هذه المادة: (Resveratrol).

يقول الدكتور (Mindel): ((إن العنب الأحمر يعطي نفس الخصائص الموجودة في الخمر الأحمر، فلماذا يعرّض الإنسان نفسه لمخاطر الكحول؟!)).

وليس هذا فحسب، بل إن البروفسور (Sheehy) يحذَّر من الكحول عند المصابين بتضيق في شرايين القلب فيقول:

((رغم أن بعض الأبحاث أشارت إلى أن الكحول قد يوسع شرايين القلب، فإن الخمر يهيئ لحدوث جلطة في القلب عند المصابين بضيق في شرايين القلب، كما أن شرب الخمر يسبب الذبحة الصدرية، واضطراب نظم (ضربات) القلب، واعتلالاً في العضلة القلبية، ويؤدي إلى الموت المفاجئ)). ويحذر كتاب (The Food Revolution) من أخطار سهرة يشرب فيها الخمر فيقول:

((إن سهرة يفرط فيها شارب الخمر في تناول المسكرات قد يؤدي إلى حدوث اضطراب شديد في ضربات القلب، وقد يسبب ذلك الموت الفجائي)).

ولا غرابة أن حرم الإسلام الخمر على إطلاقه، فقال معلم هذه الأمة ﷺ‬:

 (( كلُّ مُسكِر حرام، وما أسكر منه الفَرْق، فملء الكف منه حرام )) ([131]).

والفَرْق: كيلة تسع تسعمئة وعشرين رطلاً.

ومن الأوهام المتعلقة بمنافع الخمر أنها تقوي الباءة وتزيد من القدرة الجنسية. ومنذ آماد طويلة والإنسان سادر في غيه وأوهامه .. ويشرب الخمر على أمل أن يزيد من قدرته الجنسية. ولكن الشاعر الإنكليزي الموهوب شكسبير تنبه لهذه النقطة فقال عنها:

((إنها تحفز الرغبة، ولكنها تفقد القدرة على التنفيذ)).

(It Provokes the Desire but it takes away performance)

وأخيراً، فإن مشكلة الخمور مشكلة عالمية لم يحلها إلا الإسلام، وفي ذلك يقول المؤرخ العالمي أرنولد توينبي في كتابه (محاكمة الحضارة) (Civilization on trial): ((إن الروح الإسلامية تستطيع أن تحرر الإنسان من ربقة الكحول عن طريق الاعتقاد الديني العميق، والتي استطاعت بواسطته أن تحقق ما لم يمكن للبشرية أن تحققه في تاريخها الطويل. ولقد استطاع الإسلام أن يحقق ما لم تستطع تحقيقه القوانين المفروضة بالقوة ومن خارج النفس.

وها هنا نقول: إن الإسلام يستطيع أن ينقذ الإنسانية من تأثيرات المجتمعات المدنية الغربية التي ثبتتْ شِباكها في أنحاء العالم أجمع)) ([132]).

وصدق الله تعالى حيث يقول:

]إنّمَا الخَمْرُ والمَيْسِرُ والأَنصَابُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ فاجْتِنبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفلِحُونَ ^ إنّمَا يُريدُ الشّيْطَانُ أن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَة والْبَغْضَآءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ ويَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَعَن الصلوٰة فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتَهُونَ[ ([133]).

 الفصل الثاني عشر:إياك و المخدرات

لا شك في أن المخدرات من أخطر الأوبئة التي تجتاح الشباب في العالم. وهناك أسباب عديدة لانتشار المخدرات.

فانتشار البطالة .. والأفلام الهابطة .. وضعف الوازع الديني .. والمشاكل الأسرية .. والخلافات الزوجية .. وسوء معاملة الأولاد .. والإفراط في تدليلهم أو تلبية رغباتهم .. والانشغال عن تربية الأولاد ومتابعتهم .. والفراغ القاتل عند المراهقين .. وقرناء السوء .. كلّ ذلك من العوامل التي تساعد في انتشار المخدرات.

كما أنَّ سفر أبنائنا إلى الخارج وسرعة التنقل سهَّلت لهم إمكانية الحصول على الجنس والمخدر بعيداً عن رقابة الأهل.

وكذلك فإن العمالة الأجنبية جلبت معها باعاً طويلاً في تهريب المخدرات والترويج لها.

وهناك ارتباط وثيق بين انتشار المخدرات والأمراض الجنسية وخاصة الإيدز.

كما أن الأمراض النفسية كالاكتئاب و الفصام تعتبر من العوامل المهيئة للإدمان, ولاشك أن ضعف الإيمان وعدم اللجوء إلى الله في الشدائد هو من أهم العوامل المؤهبة للإدمان: فالإنسان المتدين بعيد جداً عن جحيم الاعتياد عليها .. إذ لا يمكن أن تمتد يده إلى المخدِّر لا بيعاً ولا تداولاً ولا تهريباً, لأن طريق المخدرات هو طريق الشياطين .. وأنَّى لطريق الرحمن أن يلتقي بطريق الشيطان!!.

وأخطر المخدرات ما يسبب اعتياداً نفسياً و عضوياً كالأفيون ومشتقاته كالمورفين و الهيروئين..

ويستخدم لفظ المخدرات في علم العقاقير الطبية ليدل على مادة الأفيون ومشتقاتها؛ مثل: المورفين والهيروئين والكودائين.

وتستخدم الدوائر الطبية تعبير (الاعتماد على العقاقي) (Drug Dependnce) (أي إدمان العقاقير), أو سوء استعمال العقاقير(drug abuse) على العقاقير التي تغير الحالة المزاجية والنفسية والعقلية للإنسان عن طريق تأثيرها على الجهاز العصبي.

وتقسم العقاقير المسببة للاعتماد في كتب علم الصيدلة كالتالي:

1-              مجموعة الأفيون و مشتقاته (وهي التي يطلق عليها اسم المخدرات) (Norcotics).

2-              مجموعة مثبطات الجهاز العصبي؛ مثل: الكحول و الباربيتورات, ومجموعة البنزوديازبين (مثل: الفاليوم والليبريوم وغيرها).

3-              مجموعة منبهات الجهاز العصبي: وتشتمل الكوكائين والأمفتامين ومشتقاته, ويدخل فيها القات.

4-              المهلوسات: ويمثلها عقار (LSD), والحشيش([134]), وجوزة الطيب.

5-              الغازات والمواد المستنشقة: مثل الغاز الضاحك, والأستون والغراء ومذيب البوية والإيثير وغيرها.

6-             التبغ: والمادة المسببة للاعتماد فيه هي النيكوتين([135]).

 أولاً : (1) زمرة الأفيون ومشتقاته:

أ- الأفيون :

وهو من أخطر المخدرات, ويتعاطى ببلعه صرفاً أو مع الشاي والقهوة أو تدخيناً مع السجائر أو الشيشة. ويستخرج الأفيون من ثمرة شجرة الخشخاش غير الناضجة بتشريطها فيخرج عصير أبيض لزج.

ويشعر متعاطيه في البداية بالنشاط والقدرة على التخيل والكلام .. ولكن هذا لا يدوم طويلاً .. فسرعان ما تضطرب الحالة النفسية وينتهي الأمر إلى النوم العميق أو السبات.

وإذا ما تعوَّد عليه الإنسان صار جزءاً من حياته .. ولا يستطيع جسمه أداء وظائفه دون تناول الجرعة المعتادة .. ويشعر بآلام حادة إذا لم يحصل عليه .. وتتدهور صحته .. فتضمر عضلات المدمن وتضعف ذاكرته .. وتقل شهيته للطعام .. وتحدث زرقة في العينين وينقص وزنه.

ب- المورفين:

ويشعر متعاطيه بالخفة والنشاط الذي يتطور إلى رغبة عارمة في تعاطيه .. ومن ثم ازدياد الجرعة للحصول على نفس النشوة.

ويؤدي إدمانه إلى سيلان الأنف والإقياءات المتكررة .. وإلى الضعف العام والتشوش في الإدراك وجفاف الفم. وتُحدِث الجرعة الزائدة إحباطاً لمركز التنفس وهبوط ضغط الدم, وقد يحدث السبات الذي ينتهي بالوفاة.

ج- الهيروئين :

وهو مسحوق بللوري أبيض يستخلص من المورفين. وهو أغلى المخدرات ثمناً وأشدّها اعتياداً وخطراً على الصحة العامة.

ويشعر متعاطيه بدايةً بالنشاط والخفة والحبور .. ويحدث مع الاعتياد عليه باستعماله المتكرر .. حيث يحتاج المدمن إلى كميات أكبر لإحداث نفس النشوة. ومن ثم يلهث في الحصول عليه فلا سرور ولا حبور .. ويصبح لا همَّ له سوى الحصول على جرعة أكبر للتخلص من الآلام المبرحة وتصلب العضلات نتيجة الانقطاع عن إحدى الجرعات.

ويُصاب المدمن بضعف جسدي شديد .. يفقد شهيته .. ويعاني الأرق .. ويسيطر عليه كابوس الخوف الدائم من حدوث مضاعفات نتيجة استعمال الحقن الملوثة كالتهاب الكبد الفيروسي, والإيدز وغيرها.

وعند الإدمان عليه يصاب المدمنون بعدد من المشاكل الجنسية؛ كالعنانة وضعف الشهوة الجنسية. وقد وصلت نسبة العنانة عند مدمني الهيروئين إلى (40%).

د- الكودائين:

ويحتوي الأفيون على الكودائين بنسبة قليلة. ويستخدم هذا المستحضر في أدوية السعال والأمراض المسكنة للألم. وقد اتجهت شركات الأدوية نحو الإقلال من استخدام الكودايين في أدوية السعال والأدوية المسكنة للألم, نتيجة ما يحدثه الكودايين في النادر من إدمان.

 ثانياً : (2) زمرة الحشيش (الماريجوانا) (القنب) (الكيف):

للحشيش أسماء كثيرة بلغت أكثر من (350) اسماً وذلك تبعاً للمنطقة التي يزرع فيها أو يُستهلك فيها: وأهم مادة في الحشيش هي مادة تتراهيدروكانيبنول (THC).

ويشعر متعاطي الحشيش بالنشوة المصحوبة بالضحك و القهقهة غير المبررة, وتظهر هلوسات سمعية و بصرية .. وغالباً ما يكون المتعاطي جباناً على عكس متناول الخمر الذي يتسم بالعنف والسلوك العدواني!!.

وتختل أحجام أشكال المرئيات والمسافات .. ويمر الزمن ببطء شديدة عنده .. وتختل ذاكرته القريبة..

وتحمرُّ عيناه .. وتتسرَّع دقات قلبه.

وإذا ما انقطع فجأة عنه شعر بالاكتئاب و القلق واضطراب النوم.

ولكن من السهل عادة الإقلاع عنه.

وعلى المدى البعيد تنعدم الحوافز ويصاب المدمن بالكسل وضعف الذاكرة و التبلد الذهني و ينعدم التركيز .. ويندفع نحو الجريمة.

والعجيب أن علماء الإسلام عرفوا خصائص الحشيشة ووصفوها بدقة, فهذا ابن حجر الهيثمي يقول فيها:

((وفي  أكلها - أي الحشيشة - مئة وعشرون مضرَّة دينية ودنيوية؛ ومنها: أنها تورث النسيان, وموت الفجاءة, واختلال العقل, ودوام الرعشة, وتُذهب الحياء و المروءة, والفطنة, وتقطعُ النسل, وتجفف المني, وتُورث العنانة)).

وصدق ابن حجر فيما قال, فقد أكدت الدراسات العلمية صحة ما ذهب إليه, أما ما يروجه متعاطو الماريجوانا (الحشيش), من أنها مثيرة للجنس؛ فهذا غير صحيح؛ فمع الزمن تقل القدرة الجنسية عندهم ويصابون بالعنانة([136]).

 ثالثاً : (3) زمرة المنبهات (المثيرات):

وهي التي تقوم بتنبيه الجهاز العصبي المركزي, لأنها تنتج الطاقة ... وتعطي القوة لمتعاطيها حتى ولو كان بالتعب والفتور .. وتمكنه من البقاء يقظاً ومتحفزاً من دون نوم  لفترة محددة. ولكن استعمالها المديد يولد اعتياداً نفسياً خطيراً.

وتشمل هذه المجموعة:

أ‌- الكوكائين:

وقد استخرج من نبات الكوكا الذي ينمو على جبال الإنديز في أمريكية الجنوبية منذ حوالي مئة عام.

وأكثر ما يتعاطى نشوقاً حيث يمتص من الأغشية المخاطية للأنف ليصل مباشرة إلى الدم .. ولهذا فإن الشمَّ المتكرر للكوكائين يسبب تقرحات في الأغشية المخاطية, وقد يؤدي إلى انثقاب الجدار بين المنخرين.

وانتشر استخدام الكوكائين في الحرب العالمية الأولى, ولكن تنبَّه الأطباء إلى مخاطر إدمان الكوكائين، فمُنع استخدامه الدوائي, وحُرِّم استخدامه في المقويات وفي مشروب الكوكا كولا .. وبقي استخدامه كمخدر موضعي .. ولكن سرعان ما مُنع عند ظهور المخدرات الموضعية الأسلم.

وبهذا مُنع استخدام الكوكائين في الطب منعاً باتاً .. وبقيت مشكلة إدمان الكوكائين وخاصة في الولايات المتحدة لقربها من مصدر الإنتاج.

وتحوَّل الكوكائين بمعالجة بسيطة (إضافة قلوي) إلى (الكراك) الأشد مفعولاً.

ويعتبر الكوكائين أكثر مادة مسببة للإدمان النفسي (الاعتماد النفسي), في حين إن الهيرويين أكثر مادة مسببة للاعتماد الجسدي.

وفي الولايات المتحدة يتم صرف (30) بليون دولار سنوياً على الكوكايين و الكراك.

ويستخدمها أكثر من عشرة ملايين أمريكي بصورة شبه منتظمة([137]).

ويسبب تعاطيه لفترة قصيرة قدراً من الشعور العارم بالبهجة والنشاط..

ولكن قد يتبع ذلك القلق والخوف حتى الهلوسة.

أما الجرعات الكبيرة فتسبب الأرق و الرجفان و التشنجات .. ويشعر المدمن بوجود حشرات تزحف تحت الجلد .. ويضطرب الهضم وتتسع حدقة العين ويرتفع ضغط الدم. وقد يؤدي إلى الموت المفاجئ.

ب‌- الأمفيتامين:

اكتشف هذا العقار عام (1880م), ولكن ثبت أن استعماله المديد يعرِّض لمخاطر الإدمان.

ويُحدِث لمتعاطيه شعوراً بالنشوة والنشاط وفقد النعاس، وحصوله على طاقة كبيرة لبضع ساعات، ثم يبدو بعدها الشخص منهكاً مع الإحباط وعدم القدرة على التركيز .. أو الشعور بالنرفزة مما يدفعه إلى العنف.

وإدمانه يؤدي إلى الخفقان وعدم القدرة على الاسترخاء .. والضعف الجنسي؛ بل ربما إلى الشذوذ الجنسي.

ومن مشتقات هذا الدواء دواء يدعى (كابتاغون) - وقد تجد بعض الطلاب يستخدمونه أثناء الامتحانات، ويحذََّر من استخدامه..

 رابعاً : (4) زمرة المخدرات المهلوسة:

المهلوسات مواد تقلب الوضع النفسي .. وتجعل الإنسان عاجزاً عن مقاومته للامعقول. وفي بدء تناولها يشعر الشخص بوهن وغثيان ودوار، ثم يصاب بهلاوس سمعية لأصوات وموسيقى غريبة، ويفقد الشعور بالزمن والمسافات.

وأخطر المهلوسات المصنعة ما يسمى (LSD)، وإدمانه يؤدي إلى ظهور الهلاوس البصرية واختلاط الحواس، وقد يصاب بالفزع الشديد المؤدي إلى الانتحار.

 خامساً : (5) المنومات (المرقدات):

وتعمل بخفض الجهاز العصبي المركزي، وتؤدي إلى تهدئة الشخص وتنويمه..

وقد تسبب بعض المنومات اعتياداً نفسياً عليها، وخاصة بالباربيتوريات.

وينبغي الحذر من الاعتياد على المنومات، رغم أن الجرعات الصغيرة والتي تعطى لفترة قصيرة محددة تفيد في معالجة حالات القلق والخوف.

 سادساً : (6) المذيبات الطيارة:

وهي من المواد التي تسبب الإدمان .. وكلها تستعمل بكثرة في الاستعمالات المنزلية، وتشتمل على البنزين والغراء ومزيل طلاء الأظافر وسوائل التنظيف وغيرها.

ويؤدي استنشاقها مراراً إلى الحصول على حالة السكر .. وقد يؤدي إلى الدوار والاسترخاء والهلاوس البصرية والغثيان والقيء.

ويسبب إدمانها أذى في الكبد ونخاع العظم وفقر الدم الشديد، ومن أخطارها الانتحار والموت المفاجئ.

 سابعاً : تأثير المخدرات:

لاشك أن المدمن على المخدرات هو قتيل بين الأحياء .. لكن روحه لا تزال متعلقة بجسده تنازعه البقاء.

وهو شبح، هزيل نحيل، شبه مشلول، فَقَدَ صحته .. وانهارت قواه ... والمخدرات مضيعة للوقت .. مذهبة للعقل .. تُدخل صاحبها في غيبوبة تمنعه من أداء صلواته. وقد تجره لارتكاب الجرائم والمحرَّمات.

وتتدهور صحة المدمن حتى يصبح عاطلاً عن العمل .. ينفق موارده لتحصيل ما يتوهم من اللذة .. تاركاً أسرته دون طعام أو كساء .. وقد يجبر زوجته أو ابنته على البغاء للحصول على المال([138]).

 ثامناً : رسالة إلى أمي (من تائب):

وهذه رسالة بعث بها إلى أمه مدمن مخدرات تاب إلى الله تعالى:

((أمي الغالية .. رحمها الله..

أحسستُ اليوم أنني محتاج لأن أتقدَّم إليك برسالة اعتذار إلى أحسن أم .. لأنني لم أكن ذلك الابن البار في حقك!!.

تربيتُ في حنانكِ وصبرك .. ولكني كنتُ أقابلُ جهودكِ بجحود وعقوق.

أسفي لك يا أمي وأنتِ تحت الثرى .. أن تسمعي كلماتي .. وحرقة قلبي أنني لا أستطيع أن أقبَّل الآن يديك!..

أقدِّم اعتذاري إلى قلبكِ الحنون .. فقد جلبتُ لكِ الليالي السوداء .. وأذقتك قسوة النكران والجحود..

وذلك لأنني أُصبتُ بالإدمان .. وعصفتْ بي عواصف تعاطي المخدرات .. وأصبحتُ مجرد مدمن لا شعور له ولا إحساس!.

سؤال وألف سؤال يدور بخاطري عندما أتذكَّرُكِ وقد حرمني الإدمان منكِ لعشرين سنة.

كنتِ دوماً تحاولين مساعدتي وتتقرَّبين إليَّ .. ولكنني كنتُ أنا الذي يبتعد عنك..

عزيزتي الغالية أمي:

لو سالت دموعي حتى جرت بها الأرض لما غسلتُ ما ألحقتهُ بكِ من مصاعب وأحزان!.

ورغم إحساسي الغائب وشعوري المعدوم بسبب تعاطي المخدرات والكحول .. إلا إنني لا أنسى يا أماه عباراتكِ .. ودموعكِ .. ووصاياكِ..

أسمعها حرفاً حرفاً .. ولكن هذا السمَّ البغيض أفقدني البصر والبصيرة .. كانت المخدرات لعنةً أصابتني في بصري .. ونزعت الرحمة من قلبي..

صحيح أن عيناي كانتا مفتوحتين .. ولكني لم أكن أرى سوى أصدقاء السوء..

وصحيح أن قلبي كان ينبض .. ولكن لم يكن فيه رحمة لأحد...

أفقدتني المخدرات البصيرة، فلم أُصغِ إلى نصائحكِ يا أماه .. لم أكن أقدِّر ثمنها في وقتها .. ولم أعرف قيمتها .. إلا بعد أن فقدتُكِ وفقدتُ كلَّ شيء بعد رحيلك عني..

كنتِ دوماً تقولين أمام الناس بأنني سأكبر وسأكونُ لكِ ساعداً ومعيناً! ماذا عساي أن أقول لكِ؟ وأنا الذي أرغمتُكِ على الخروج من المنزل في منتصف ليلة شديدة البرد إلى الشارع..

أخرجتُكِ من البيت بعد أن ركلتُكِ عدة ركلات .. وأنا تحت تأثير المخدِّر .. واستبدلْتُ بك مدمناً يؤنسُ وحشتي .. ويرافقُ وحدتي في البيت!

أأقول لكِ: آسف .. وماذا عساه الأسف ينفع؟ .. وأنا الذي أخذتُ جميع ما تملكين من الذهب والمال .. وأنتِ تتوسَّلين ألا أشتري به مخدراً .. بل أصرفه على ما ينفعني!.

سامحيني .. سامحيني .. سامحيني يا أماه!!.

أمي الغالية:

أتذكَّر عندما فاجأتُكِ بأحد أصدقاء السوء .. وقمتُ بإطلاعه على أثاث المنزل .. لأنه كان ينوي أخذ كل ما في البيت كي يزودني بالمخدرات..

نظرتِ إليَّ والحسرة تملأ قلبكِ حتى فقدتِ وعيك وأُغمي عليكِ..

لم يفِقْ ضميري في تلك اللحظة .. ولم أشعر بأي إحساس بالندم آنذاك..

سامحيني يا أماه على ما بدر مني من عمل مشين يندى له الجبين...

ولكن اعلمي يا أماه أنَّ حياتي قد تغيَّرت الآن .. وأصبحتُ ذلك الرجل الذي كنتِ به تحلمين .. وقد منحتُ حياتي الآن لخدمة الجميع لعلَّ الله يغفر لي ما أسلفتُ!.

أمي العزيزة:

ها أنذا الآن ذلك الرجل الذي كنتِ ترجين .. فلقد أصبحتُ أرتادُ المساجد .. وأطلبُ العلم .. بدلاً من الجلوس على قارعة الطريق والبحث عن المخدرات!.

كان دخولي المسجد هو الخطوة الأولى للعودة إلى الله والإقلاع عن المخدرات...

ارقدي يا أماه حيث أنتِ .. واعلمي أني سوف أكون ذلك الرجل الذي كنتِ تتمنَّين...

رحمكِ الله يا أماه .. وأسكنكِ فسيح جنَّاته!!)).

 تاسعاً : كيف تقي ابنك من تعاطي المخدرات؟:

1-             لا شك أن أهم وسيلة لوقاية ابنك من تعاطي المخدرات هي: تنشئته التنشئة الصالحة، وذلك بأن تتعهده منذ الصغر بالرعاية والتثقيف، وأن يكون ذلك جزءاً من حياتك اليومية.

2-             حاول أن تتعرف على أصدقائه، ساعده في اختيار الصديق الصالح، وحذَّره من أصدقاء السوء.

3-             تحدَّثْ إلى ابنك وابنتك بوضوح وصراحة حول المخدّرات، وافعل ذلك مبكّراً. وأفضل سن هي بين العاشرة والثانية عشرة من العمر. لا تنتظر حتى تقع المشكلة، ثم تبحث حينها عن حل!.

4-             حذّرهم من التدخين وعواقبه .. والخمر وويلاته، والمخدّرات ومصائبها وشرورها، وكن حازماً في نهيهم عن التدخين .. فصغار السن الذين يدخّنون هم أكثر عرضة لتعاطي الخمور والمخدّرات.

5-             كن قدوة لأبنائك .. لا تدخن السجائر ولا الشيشة .. فالمصطفى ﷺ‬ يقول:

(( لا ضرر ولا ضرار )) ([139]).

ويحذرنا المصطفى ﷺ‬ من شرب الخمور, فيقول عليه الصلاة والسلام:

(( اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث )) ([140]).

6-             شجع أبناءك على ممارسة الألعاب الرياضية والأنشطة الاجتماعية.

7-             شجعهم على الالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن الكريم, وعلى حفظ كتاب الله.

8-             املأ وقت فراغهم قدر الإمكان بما يسليهم ويفيدهم.

9-             راقب أحوال أبنائك .. لا تغفل عنهم, فلا تدري أين يذهبون, وكيف يمرحون, كن على علمٍ بالمكان الذي يقصده ابنك المراهق وابنتك المراهقة.

10-        لا تترك أطفالك وحدهم بالمنزل بعد انتهاء الدوام الرسمي.

11-        انتبه إلى تغيُّر سلوك ابنك, وابحث عن علامات محتملة لتعاطي المخدرات؛ كالميل إلى العنف أو الغضب المستمر, أو الاكتئاب والانطواء, أو حدوث سلوك عدواني أو متمرد, أو حدوث تردٍّ في أدائهم المدرسي.

 الفصل الثالث عشر:حذار من التدخين

ربما لا يعلم كثير من الناس أن هناك (4000) مادة كيميائية في السيجارة, وأنَّ فيها ما يزيد عن (50) مادة يمكن أن تسبب السرطان, وأنَّ كل سيجارة تنقص من عمر المدخن مايعادل (5.5) دقيقة.

والحقيقة أنَّ الوفيات الناجمة عن حوادث التدخين كل عام تفوق عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السيارات وشرب الخمر والمخدرات والإيدز مجتمعة.

 فالتدخين يقتل (2.5) مليون شخص سنوياً في العالم, والتدخين يكلف الخزينة الأمريكية بلايين الدولارات سنوياً على العلاج, إضافة إلى (100) مليون دولار كلفة الوقت الضائع أثناء العلاج أو نتيجة الإصابة بالسرطان أو الوفاة.

 أولاً : ما هي العوامل المؤذية في التدخين؟:

هناك ثلاثة مركبات في السجائر تعتبر مسؤولة عن معظم حالات الموت المبكر الناجم عن التدخين. فدخان السجائر يحتوي على عدد من الغازات, ولكن أكثرها خطورة هو غاز أول أوكسيد الكربون, فإذا ما وصل هذا الغاز إلى الرئة أخذ ينافس الأوكسجين في سعيه للوصول إلى كريات الدم الحمراء التي تنقله إلى مختلف أنسجة الدم.

وهذا ما يفسّر سبب ضيق النفس عند المدخنين. وهناك بالطبع أسباب أخرى لذلك. كما أن غاز أول أكسيد الكربون يمكن أن يؤثر على البصر والسمع والمحاكمة العقلية, كما أن دخان السجائر يحتوي أيضاً على القطران, الذي يشكل مادة لزجة في الرئتين, فلا تعيق وظائف الرئتين فحسب, بل غن فيها مواد مسرطنة يمكن أن تسبب السرطان في الأنسجة التي تعلق بها.

وقد أثبتت الدراسات الحديثة أنَّ خطر تدخين الشيشة لا يقل أبداً عن خطر تدخين السجائر, بل ربما يكون أشد.

ومن أكثر المواد الضارة في السجائر مادة النيكوتين, والتي تعتبر منبهاً قوياً للجهاز العصبي, ولكنها في الوقت نفسه يمكن أن تسبب الإدمان. ويعتقد بعض الباحثين أنًّ الإدمان على النيكوتين هو أحد الأسباب الرئيسة لصعوبة الإقلاع عن التدخين عند البعض.

ويؤثر النيكوتين على ضغط الدم فيرفعه, وعلى القلب فيسرع من ضرباته. كما يؤثر على الغدة الكظرية التي تقع في أعلى الكليتين, فتفرز المزيد من الأدرينالين الذي يسرِّع القلب ويضيق الشرايين الصغرى في جميع أنحاء الجسم مما يزيد ضغط الدم.

والإصابة بأمراض شرايين القلب تتناسب طردياً مع كمية الدخان المتناولة, كما أن الذبحة الصدرية ازدادت بنسبة ضعفين ونصف عند النساء اللواتي يدخنَّ فقط سيجارة واحدة إلى أربع سجائر في اليوم. ولا يظنن أحد أن تدخين سيجارة واحدة في اليوم خال من الأخطار!.

·                  التدخين .. والقلب:

من المؤكَّد أن التدخين هو أحد الأسباب الثلاثة الأساسية لحدوث الذبحة الصدرية وجلطة القلب, وأن تدخين سيجارة واحدة يمكن أن يسبب تشنّجاً في شرايين القلب, وأن أمراض القلب والشرايين مسؤولة عن (50%) من الوفيات في العالم الغربي, و(15%) من الوفيات في العالم الثالث.

·                  التدخين .. والسرطان:

من الثابت علمياً أن (80%) من سرطانات الرئة يسببها التدخين, وأن نسبة الوفيات بسرطان الرئة عند المدخنين تبلغ (11) ضعفاً ما هي عند غير المدخنين. وأن (90%) من المصابين بسرطان الرئة يموت خلال (5) سنوات. والتدخين مسؤول عن ازدياد حالات سرطان المثانة والكلية إلى الضعف, كما يزيد من سرطان الفم والمريء والمعدة والبنكرياس.

·                  التدخين .. وجهاز التنفس:

بالإضافة إلى أن التدخين مسؤول عن معظم حالات سرطان الرئة فإنه يزيد من حدوث التهاب القصبات الرئوية وانتفاخ الرئة, ويؤدي إلى ضيق النفس لدى أقل جهد, وإلى الشعور بالإعياء والسعال المزمن.

·                  التدخين السلبي:

ونعني به تأثير المدخنين على من يجالسونهم من غير المدخنين. فتؤكد الإحصائيات العلمية أن (40.000) شخص يموتون سنوياً في أمريكة بسبب مجالسة المدخنين, ويشكو من يجالس المدخنين من كثرة حدوث الصداع أو السعال أو السيلان الأنفي والالتهابات الرئوية .

 وتؤكد الدراسات حدوث ازدياد في سرطان الرئة عند زوجات المدخنين.

·                  التدخين .. وجهاز الهضم:

ومن المؤكد أيضاً حدوث قرحة المعدة وسرطان القولون عند المدخنين, كما يفاقم التدخين أعراض تشنج القولون.

·                  التدخين .. والجلد:

لقد ثبت أن النساء المدخنات أكثر عرضة لحدوث تجاعيد مبكرة في الوجه, كما يزيد التدخين تجعد الجلد عند الرجال بنسبة خمسة أضعاف. ويزيد من حدوث سرطان الجلد وتأخر التئام الجروح.

 والتدخين يقتل أربعة ملايين شخص في العالم في كل عام. وللأسف فإن العدد في ازدياد بسبب الزيادة السكانية وخاصة في العام الثالث.

 وتقدر منظمة الصحة العالمية أن يصل العدد إلى (10) ملايين شخص يتوفون سنوياً بحلول عام 2020م .

 ثانياً : كم تصنع شركات التبغ من السجائر يومياً؟:

وتصنع هذه الشركات الضخمة (أغلبها أمريكية) ثلاث سجائر لكل إنسان على وجه الأرض أي (18) ألف مليون سيجارة يومياً. وهي تكفي لإبادة الجنس البشري بأكمله .. لو أخذ ما فيها من النيكوتين بطريقة الحقن.

 وتستهلك مصر مثلاً أكثر من (100) ألف مليون سيجارة سنوياً, أما المملكة العربية السعودية فتستهلك ما يزيد عن (60) ألف مليون سيجارة سنوياً, وتستورد المملكة العربية السعودية أكثر من (50) مليون كيلوغرام من التبغ سنوياً, تبلغ قيمتها السوقية أكثر من ألفي مليون دولار!!.

 ثالثاً : المعسَّل والجراك والشيشة:

درجت العادة حديثاً عند كثير من الناس على استخدام المعسَّل والشيشة وخاصة عند النساء!! وأصبحنا نشاهد فتيات يجلسن وهن يدخِّنَّ المعسَّل والشيشة والجراك.

والمعسّل هو تبغ تضاف إليه الدبس (العسل الأسود).

أما الجراك فهو تبغ يضاف إليه مجموعة من الفواكه المتعفنة.

ونتيجة وجود هذه المواد السكرية في الدبس أو الفواكه المتعفنة, فإن هذه تتحول إلى مجموعة من الكحول, وبالذات الكحول الإيثيلي (روح الخمر), والكحول الميثيلي (الأشد سُمِّية), والكحول البروبيلي.

وتتطاير هذه الكحول أثناء التدخين .. ولكنها تساعد في إيجاد السطلة المطلوبة, وإن لم تصل إلى حدِّ الإسكار.

 أما الشيشة فهي تحتوي على التبغ وأنواع خاصة من الفواكه.

فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن خطر تدخين الشيشة الواحدة يعادل تأثير (20) سيجارة!!.

ويعتبر إدمان النيكوتين (وهو المادة المسببة للاعتماد في التبغ) من أشد أنواع الإدمان.

وقد وجد الباحثون أنّ التأثير الإدماني للنيكوتين في التبغ لا يقل عن إدمان أعتى المخدرات تسبباً في الإدمان؛ وهما : الهيروئين و الكوكائين. وبدون ريب فإن إدمان النيكوتين هو أوسع انتشاراً من جميع أنواع المخدرات والخمور مجتمعة, وذلك لكثافة استخدام التبغ ([141]) .

 رابعاً : هل يمكن التغلّب على إدمان النيكوتين؟:

نعم يمكن ذلك دون ريب. وقد توقّف أكثر من (30) مليون أمريكي عن التدخين خلال (20) سنة, وفي بريطانيا توقف أكثر من (10) ملايين شخص في نفس الفترة.

وهناك (15%) من المدخنين يستطيعون أن يتركوه بدون أية معاناة. ويسهل ترك التدخين على من بدأ التدخين بعد العشرين .. بينما يصعب على من يبدأ التدخين دون العشرين.

 خامساً : كيف تتوقف عن التدخين؟:

لا بد قبل الإقلاع عن التدخين من الاقتناع بفوائد الامتناع عنه من الناحية الصحية, فإذا اقتنعت تماماً بضرورة الإقلاع عن التدخين, فأعلنْ ذلك أمام جميع أصدقائك وزملائك في العمل. ولا شك أن الخطوة الأولى هي اتخاذ القرار الحازم بالإقلاع عن التدخين.

ولا شك أن معظم الطرق التي استخدمت في الإقلاع عن التدخين قد كانت ناجحة عند بعض المدخنين؛ فالبعض يلجأ إلى استعمال السجائر قليلة النيكوتين لأسبوع أو اثنين, ثم يقلع عن التدخين نهائياً، وآخرون يستعملون لبانة النيكوتين, و البعض يجد التوقف التدريجي عن السجائر بخفض عددها يومياً وسيلة مجدية.

ويسأل البعض فيما إذا كان هناك دواء يمكن تناوله يساعد في الإقلاع عن التدخين. فقد أكَّدت دراسة حديثة أن العلاج الفعال الوحيد المتوفر حالياً هو النيكوتين نفسه على شكل لبانة أو علكة النيكوتين. ولكن في النهاية ينبغي عليك أن تقلع عن استعمال هذه اللبانة.

وقد أظهرت هذه الدراسة أن إتباع نظام خاص للإقلاع عن التدخين واستعمال هذه اللبانة معاً قد نجح في عدد لا بأس فيه من الحالات.

وبالطبع فقد لا يفيد استعمال لبانة النيكوتين إذا لم تكن هناك الرغبة الأكيدة في الإقلاع عن هذه العادة.

 سادساً : نصائح تساعدك على ترك التدخين:

حدد الوقت الذي تنوي فيه التوقف عن التدخين, وحاول أن تبدأ ذلك في عطلة نهاية الأسبوع - ولكن ليس أثناء الإجازة السنوية.

وحاول أن تقوم ببعض التمارين الرياضية كالمشي أو الجري أو السباحة.

وقبل أن تتوقف عن التدخين, حاول أن تغير نوع السجائر إلى نوع لا تحبه من السجائر, ثم أتلف السجائر والكبريت وصحون السجائر التي لديك.

قم بزيارة طبيب الأسنان, ودعه يزيل عن أسنانك بقع النيكوتين.

ابتعد عن أصدقائك المدخنين وأشغل نفسك في اليوم الذي تقلع فيه عن التدخين بأعمال كثيرة.

اذهب إلى أماكن خالية من التدخين كالمخازن الكبرى و غيرها.

وتزوَّد ببعض (البدائل الشفوية) كالعلكة (اللبانة) أو أقراص النعناع أو الفواكه. وحاول استعمالها عندما تشتهي تدخين سيجارة ما.

لا تحمل معك سجائر, ولا تدخن مباشرة عندما تفكر بالتدخين. انتظر مضي عدة دقائق, وخلال هذا الوقت حاول أن تغير العمل الذي كنت تقوم به.

ابتعد عن كل ما يثير رغبتك في التدخين.ولا تدخن أبدا أثناء مشاهدة التلفزيون.

فكر دوما في الآثار السيئة التي يتركها التدخين على صحتك.

وفكّر في المال الذي توفره على نفسك وعائلتك بالإقلاع عن التدخين.

نظّف أسنانك ثلاث مرات يومياً، وتناول كمية كبيرة من الماء والعصير، وأكثِر من تناول الفواكه والخضار.

 وعليك أن تتوقع حدوث بعض الأعراض عقب التوقف على التدخين؛ كالصداع والسعال والإمساك و الدوخة والتهيج و تغير المزاج أو بعض الهمود. ولكن لا تشغل بالك أبداً بهذه الأعراض، مهما كانت شديدة، فإنها لا تهدد حياتك بالخطر، وعادة ما تختفي خلال أسبوع أو اثنين.

وتذكر دوماً كم تجني من التوقف عن التدخين؛ انظر إلى نفسك تجد أن تذوّقك للطعام صار أفضل, ورائحتك أجمل، وتنفسك أسهل.

 تذكَّر أن التوقف عن التدخين ليس سهلاً، إلا أنه ليس مستحيلاً. ولا تشعر بالخجل إن فشلت في الإقلاع عن التدخين لأول مرة، بل حاول التوقف من جديد. 

 الفصل الرابع عشر: همسة لمن أراد أن يتوب

قد يغفل أحدهم عن صلاته .. وقد يستمع آخر للأغاني الماجنة .. أو يقرأ في مجلة عابثة، أو يفعل كذا وكذا مما حرَّم الله .. ولكنه ما زال في قلبه شعاع من إيمان .. وبصيص من فطرة نقية تناديه من الأعماق: ((عُد إلى الله .. أما آن لك أن تتوب؟!)).

يفتش عمن يخرجه من مستنقع الآثام الذي حلَّ فيه .. وينشله من شلة الرذيلة والمعاصي التي عاشها يوماً بعد يوم.

جرَّب نفسه في معاكسة البنات .. وجرَّب نفسه في الرقص و الغناء .. وجرَّب نفسه في فعل الموبقات...

ولكن لم يجرِّب بعد تذوُّق حلاوة الإيمان!!.

هو يبحث عن مخرج من هذا الضلال، وعن قبس من نور في آخر النفق المظلم ... ولكن هل هناك من يأخذ بيده إلى طريق الهداية و الإيمان؟ وهل من يخرجه من الظلمات إلى النور؟

هناك شباب خدرته الفضائيات (بالفيديو كليب) والأغنيات الماجنة .. وبهستريا الراقصين والراقصات .. راحوا يبحثون عن مزيد من استباحة الأعراض في البيوت و الطرقات .. وفعلوا ما فعلوا في دياجير الإثم والظلمات!.

 في قلوب الكثير منهم حبٌّ لله ورسوله .. و غَيرة على الإسلام و المسلمين .. تراهم حيث تشتد الخطوب من أكثر الناس غيرة على واقع المسلمين!!.. ولكنهم في المعاصي غارقون .. وفي الملذات والشهوات هم يتقلبون.

يعرف الكثير منهم أن لا سعادة في ارتكاب المعاصي والآثام .. ولا هناءة عيش في ظلال المنكر والحرام !!.

تراه قلقاً في الليل و النهار .. يتقلًّب على جمر من الأرق والسهاد، ويصحو مذعوراً كأنه لم ينم ساعة من الليل!.

تلمح في عينيه شعوراً مبهماً بالأرق والعذاب .. وتقرأ في محياه إحساساً بالقلق والاضطراب.

كريشةٍ في مهبِّ الريحِ طائرةٍ                                      لا تستقرُّ على حالٍ مِنَ القلقِ

 أولاً : ليس لك إلا الله:

إنك مهما بعُدتَ عن الدين فليس لك في النهاية إلا الله..

انظر إلى المستشفيات كم فيها من شباب يتألم .. فلا تغترَّ بصحتك!..

وانظر إلى القبور كم فيها من صنوف الشباب من مات في حوادث السيارات أو ممن داهمته المنية فجأة وهو غير مستعد لذلك اللقاء.

إذا كنت مفتوناً بالنساء .. فافعل ما شئت فكما تدين تدان، والديَّانُ  لا يموت. ومن زنى يُزنى به ولو في جدار داره، و القضية كلها دَيْنٌ ورَدُّ دَين!!.

فهل ما تفعله ترضاه لأمك؟.. هل ترضاه لأختك؟.. هل ترضاه لابنتك؟.. هل ترضاه لزوجك؟..

أنت لن ترضاه لهؤلاء؛ فكيف ترضاه لابنة جارك أو ابنة صديقك أو أي من محارم الله؟!.

 هل هان عليك شرفك و عرضك فجعلت نفسك تعبث بأعراض الناس و شرفهم؟!.

 وكثير من الناس من يظن أن في الأمر سعة، فيزني اليوم ما شاء ثم يتوب بعد ذلك، أما علمت أن من الناس من قبضه حتى الموت وهو في وضع الزنى!! أو بعده بقليل .. ماذا يجيب الله حين يسأله: ماذا كنت تفعل حين أتاك ملك الموت؟. وكيف يواجه الله تعالى وهو في ذلك الموقف؟ فالناس يُحشرون على الهيئة التي ماتوا عليها. فمن مات سكراناً حُشر سكراناً، ومن مات مُحرماً حشر مُحرماً حُشر يلبي ((لبيك اللهم لبيك)).

 ثانياً : قصة حقيقية:

يروى شاب عاش قصة حقيقية حدثت منذ سنوات قليلة.

يقول صاحب القصة: كنا ثلاثة من الأصدقاء، بل أربعة، فقد كان الشيطان رابعنا، وكنا نصطاد الفتيات الساذجات بالكلام المعسول و الوعود الكذبة، ونستدرجهن إلى المزارع البعيدة .. إلى أن جاء اليوم الذي لا أنساه.

ذهبنا كالمعتاد إلى المزرعة، وكان كل شيء جاهزاً. الفريسة لكل واحدٍ منا و الشراب الملعون .. شيء واحد نسيناه هو الطعام.

ذهب أحدنا لشراء الطعام بسيارته، وكانت الساعة السادسة مساءً، تأخر في عودته إلينا، شعرتُ بالقلق عليه .. فانطلقتُ بسيارتي أبحث عنه.

وفي الطريق شاهدت سيارة صديقي .. أسرعتُ كالمجنون أحاول إخراجه من السيارة، فوجدت نصف جسمه قد تفحَّم، ولكنه مازال على قيد الحياة.

فحملته في سيارتي وهو يهذي: ((النار.. النار) ثم قال بصوت باكٍ: لا فائدة فلن أصل إلى المستشفى! فخنقتني الدموع و أنا أرى صديقي بهذه الحالة .. يموت أمامي و لا أستطيع فعل شيء، وفوجئت به يصرخ: ماذا أقول له؟!.. فنظرت إليه بدهشة و سألته: مَنْ؟ قال بصوت حزين: ((الله)) ([142]).

تذكر هذا الشاب في تلك اللحظة ماذا يقول لله حين يسأله: ماذا كنت تفعل؟ ((يَومَ هُم بَارِِزُونَ لا يَخفَى عَلَى اللهِ مِنهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِِِِِ المُلْكُ الَيَومَ للهِ الوَاحِدِ القَّهَارِ ^ اليَومَ تُجزَى كُلُ نفسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ اليَومَ إنَّ اللهَ سَريعُ الحِسَابِ))([143]).

لا تتشاءم يا أخي، فحتى لو أتيت الله سبحانه و تعالى بملء الأرض خطايا لا تشرك به شيئا لأتاك بملء الأرض مغفرةً، فاستعن بالله والجأ إليه سبحانه و تعالى ليساعدك على تبين الحق و يرزق إتباعه.

وكلما عدت إلى ذلك الذنب جدّد التوبة بشروطها، ولا تستهن بها، وقم إلى الصلاة، فالرسول ﷺ‬ يقول:

(( من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين، لا يُحدِّث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه ))([144]).

و تذكر حديثاً آخر لرسول الله ﷺ‬ يقول فيه:

(( ما من مسلم يُذنب ذنباً ثم يتوضأ فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله تعالى لذلك الذنب إلا غفر له ))([145]).

عد إلى ربك يا أخي، فهو رب العصاة، لا رب التائبين فقط، وتذكر قوله تعالى: ((أَََََمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَـٰهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذكَّرُونَ))([146]).

 ثالثاً : الحنين للمعاصي:

ومن الناس من يتوب عن الزنى .. أو شرب الخمور .. أو النظر إلى الأفلام الهابطة و غيرها .. ثم يحنُّ إلى تلك الأمور ..  تحدِّثُه نفسه بالعودة للمعاصي..

فإياك والعودة إلى معصية الله .. تُب إلى الله وعاهد الله تعالى على ألا تعود إلى ما كنت تعصيه.

أشغل قلبك بذكر الله .. و أكثر من النوافل .. وابتعد عن رفاق السوء .. ابتعد عن الأماكن التي كانت سبباً في ارتكاب الذنوب و المعاصي..

 رابعاً : جلد الذات:

ومن الشباب الذين عادوا إلى جادة الهدى و الإيمان من بعد غواية و معصية مَنْ يأخذ في جَلْدِ الذات، يقرِّعها بأنها حقيرة لا تصلح للقيام بعمل الخير..

هذا الشاب يحطِّم نفسه بنفسه .. و يقضي على طاقته و خبراته .. عليه أن يتذكر أن كثيراً من صحابة رسول الله ﷺ‬ كانوا يسجدون للأصنام .. ويشربون الخمور .. ويفعلون الآثام .. ولكن ما إن دخل الإسلام قلوبهم حتى أصبحوا عمالقة في الإسلام.

*  *  *

رأى عيسى عليه السلام عاصياً فأخذ بيده إلى بيت المقدس، فلما وصلا إلى بيت المقدس قال العاصي: يا عيسى اتركني، أخشى أن أدنَّس بيت المقدس، فأوحى الله إلى عيسى: أخبر ذلك العاصي أنني قد تبتُ عليه، وعزتي و جلالي، لكلمته تلك أفضل عندي من عبادة سبعين سنة.

أي أن اعترافه بأنه كان مذنباً، وخشيته أن يدنِّس بتلك المعاصي بيتاً من بيوت الله كان سببا في توبة الله عليه!!.

وربما كان أنين المذنبين عند الله خير من إذلال العابدين،فبعض الناس يتكبَّر على الناس بأنه فاعل للخيرات وللأعمال الصالحة، حتى يحكم على هذا بأن مصيره الجنة، وذاك مصيره إلى النار!.

جاء في الحديث الصحيح:

(( أن أحد بني إسرائيل قال لأحد المذنبين: تب إلى الله. فقال:اتركني وربي. قال: واللهِ لا يغفرُ الله لك، فقال الله عزَّ وجلّ: من ذا الذي يتألَّى عليَّ؟ أشهدكم أني غفرتُ لهذا، وأحبطت عمل هذا)) ([147]).

 خامساً : التندر بتوبة الآخرين:

إذا تاب صديق لك أو قريب .. فإياك أن تثبطه .. أوتتندر بتوبته.

فمن الناس من يذكر مثالب وسقطات من تاب وعاد إلى الله.

ومنهم من يجلس يتنبأ له بالنكوص والعودة إلى ما كان يعمل من سيئات..

ومنهم من يتندر عليه .. ويذكّره بأيام المعاصي والزلّات .. فأين الفرح بعودته إلى الله؟!.. أين الفرح بالتزامه الصراط المستقيم؟!.. فإذا كان الله تعالى يفرح بعودة التائب إليه .. فكيف لنا أن نذكر عيوبه وزلاته قبل توبته؟!.. وكيف للبعض يقول له: أنت لستَ أهلاً للتوبة؟!.

ألم تسمع حديث رسول الله ﷺ‬:

(( لله أشدّ فرحاًَ بتوبة عبده من أحدكم إذا استيقظ على بعيره قد أضلّه بأرض      فلاة )) ([148]).

أين الفرح لهذا الدين بعودة أبنائه إليه؟.

ثم انظر مَنْ تغتاب؟ أتغتاب من أرسل دموع عينيه وبكى على نفسه .. يرجو رحمة ربه ويخشى عقابه([149])؟!.

 سادساً : توبة مالك بن دينار:

سُئل مالك بن دينار عن سبب توبته!! فقال: كنتُ شرطياً، وكنت منهمكاً على شرب الخمر، ثم إنني اشتريت جارية نفيسة ولدت لي بنتاً شُغفتُ بها، فلما دبَّت على الأرض ازدادت في قلبي حباً.

و كنتُ إذا وضعتُ المُسكر بين يديّ جاءت إليَّ وجاذبتني إليه وهرقته على ثوبي. فلما تمَّ لها سنتان, ماتت, فأكمدني حزنها.

فلما كانت ليلة النصف من شعبان, وكانت ليلة الجمعة, بِتُّ ثملاً (أي أخذ منه الشراب والسكر) من الخمر, ولم أصلِّ فيها العشاء.

فرأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت, ونفخ في الصور, وبعثرت القبور, وحُشرت الخلائق, وأنا معهم.

فسمعت حسّاً من ورائي, فالتفت فإذا أنا بتنّين (ضرب من الحيات) كبير, وقد فتح فاه مسرعاً نحوي، فانطلقتُ هارباً..

فمررت في طريقي بشيخ نقيِّ الثوب طيب الرائحة, فسلَّمتُ عليه وقلت له:  أَجِرْني من هذا التنين.

فبكى الشيخ وقال: أنا ضعيف وهذا أقوى مني, ولكن أسرِع الهرب عسى الله أن ينجيك منه..

فولَّيت هارباً وصعدتُ حتى أشرفت على طبقات النيران, وكدت أهوي فيها من فزع التنين. فصاح بي صائح: ارجع فأنت لست من أهلها!.

فرجعتُ فإذا بالتنين في طلبي .. فأتيت الشيخ فقال: سر إلى هذا الجبل فإن فيه ودائع المسلمين, فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك.

فأسرعت الهرب نحو الجبل .. والتنين من خلفي, حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة: ارفعوا الستور وافتحوا المصاريع, فلعل لهذا البائس منكم وديعة تجيره من عدوه .. فإذا بأطفال وجوههم كالأقمار, وإذا بابنتي التي ماتت قد أشرفت عليَّ معهم .. فلما رأتْني بكت وقالت: أبي والله!! فمدَّت يدها إليّ فعلقتُ بها فإذا بالتنين يولِّي هارباً.

ثم أجلستني وقعدت في حجري وقالت: يا أبتِ  ^]أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ[ ([150])؟!.

فبكيتُ وقلت: يا بنية, وأنتم تعرفون القرآن؟.

فقالت: يا أبت نحن أعرف به منكم.

قلت: فأخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني!.

قالت: ذلك عملك السيِّئ قوَّيتَه فأراد أن يغرقك في نار جهنم!!.

قلت: فأخبريني عن الشيخ الذي مررتُ به في طريقي.

قالت: يا أبتِ ذلك عملك الصالح أضعفتَه حتى لم يكن له طاقة بعمل السوء.

قلت: يا بنية, وماذا تصنعون في الجبل؟.

قالت: نحن أطفال المسلمين قد أُسكنا فيه إلى أن تقوم الساعة ننتظركم تقدمون علينا فنشفع لكم.

قال مالك: فانتبهتُ فزعاً, وأصبحتُ فرميتُ بالسكر, وكسرتُ الآنية, وتبتُ إلى الله عزَّ وجلّ. وهذا كان سبب توبتي ([151]).

وأخيراً استمع إلى نصيحة سيد التابعين الحسن البصري حين يقول:

 ((أيها العبد الآبق عُد إلى مولاك..

يناديك بالليل والنهار: من أتاني يمشي أتيته هرولة .. وأنت عنه مُعرض وعلى غيره مُقبل .. لقد غُبنتَ أفحش الغُبن, وخسرتَ أكبر الخسران..

انتبه أيها الغافل!! فإنما أنت أيام معدودة .. فإذا ذهب يوم .. ذهب بعضُك, ويوشك إذا ذهب البعضُ أن يذهب الكل .. وأنت تعلم فاعمل، فاليوم عمل ولا حساب .. وغداً حساب ولا عمل)).

اللهمَّ إني أسألك رحمة من عندك, تهدي بها قلبي, وتلمُّ بها شعثي, وتبيض بها وجهي, وتزكي بها عملي, وتلهمني بها رشدي, وتعصمني بها من كل سوء...

الجأ إلى الله وتوجه إليه بهذا الدعاء:

((اللهمَّ عرِّفنا نعمك بدوامها .. ولا تعرِّفنا إياها بزوالها))

وداوم على (سيد الاستغفار) وهو الدعاء الذي علَّمنا إياه الحبيب المصطفى ﷺ‬:

(( اللهمَّ أنت ربي لا إلـٰه إلا أنت..

خلقتني وأنا عبدك, وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت..

أبوء بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي..

 فاغفر لي, فإنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت )) ([152]).

ابسط كفيك إلى السماء قائلاً:

((يا رب إني عبدك وابن عبدك, وابن أَمتك, ناصيتي بيدك, ماضٍ فيَّ حكمك, عدلٌ فيَّ قضاؤك, أسألك برحمتك أن لا تعاملني بما أنا له أهل, بل عاملني بما أنت له أهل)).

عد إلى الله في خلوتك واسأله أن يزيل قسوة قلبك.

تذكًّر في تلك الساعة سؤال الملكيْن لك في القبر, هل تكون ممن يثبت عند ذاك السؤال؟.

أو تخيَّل يوم القيامة، ذاك اليوم الذي تدنو فيه الشمس من الخلق، والعرق يتصبَّب منهم، ويغمرهم كلٌّ حسب ذنوبه، فمنهم من لا يقدر على التنفس، ومنهم من يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلًّ إلا ظلُّه.

 الفصل الخامس عشر: همسة في الإيمان

 أولاً : طريق الجنة وطريق النار:

 ((إذا كنت مسافراً وحدك، فرأيتَ أمامك مفرق طريقين: طريق صعب صاعد في الجبل، وطريق سهل منحدر إلى السهل.

الأول: فيه وعورة وأشواك وحُفر، يصعب تسلُّقه، ويتعسَّر السير فيه، ولكن أمامه لوحة نصبتها الحكومة، فيها: إنَّ هذا الطريق على وعورة أوَّله، وصعوبة سلوكه، هو الطريق الصحيح، الذي يوصل إلى المدينة الكبيرة والغاية المقصودة.

والثاني: معبَّد، تظلله الأشجار، وعلى جانبيه المقاهي والملاهي، فيها ما يلذ القلب، ويسرُّ العين، ويشنف الأذن، ولكن عليه لوحة فيها: إنَّ هذا طريقٌ خطر مهلك، آخره هُوَّةٌ فيها الموتُ المحقّق والهلاك الأكيد.

فأي الطريقين تسلك؟

لا شك أن النفس تميل إلى السهل دون الصعب، واللذيذ دون المؤلم، وتحب الانطلاق وتكره القيود، هذه فطرة فطرها الله عليها، ولو ترك الإنسان نفسَه وهواها، وانقاد إليها، سلكَ الطريق الثاني. ولكن العقل يتدخل، يوازن بين اللذة القصيرة الحاضرة يعقبها ألم طويل، والألم العارض المؤقت تكون بعده لذة باقية، فيؤثِر الأول.

هذا هو مثال طريق الجنة وطريق النار:

طريق النار فيه كل ما هو لذيذ ممتع، تميل إليه النفس، ويدفع إليه الهوى، فيه النظر إلى الجمال ومفاتنه، فيه الاستجابة للشهوة ولذَّاتها، فيه أخذ المال من كل طريق، والمال محبوب مرغوب فيه، وفيه الانطلاق والتحرر.

وطريق الجنة فيه المشقات والصعاب، فيه القيود والحدود، فيه مخالفة النفس، ومجانبة الهوى، ولكن عاقبة هذه المشقة المؤقتة في هذا الطريق، اللذة الدائمة في الآخرة.

الرفيق الشرير يقول لك: ها هنا امرأة جميلة ترقص عارية فتميل إليها نفسك، ويدفعك إليها هواك، ويسوقك إليها ألف شيطان، فلا تشعر إلا وأنت على بابها. فإذا جاء الواعظ ليصرفك عنها، صعب عليك الاستجابة إليه ومقاومة ميل نفسك، وهوى قلبك.

فدعاة الشر لا يتعبون ولا يبذلون جهداً، ولكن التعب وبذل الجهد على دعاة الخير. داعي الشر عنده كل ما تميل إليه النفس، من العورات المكشوفة، والهوى المحرَّم، أما داعي الخير، فما عنده إلا المنع.

ترى البنتَ المتكشفة فتميل إلى اجتلاء محاسنها، فيقول لك: غض بصرك عنها، ولا تنظر إليها.

ويجد التاجرُ الربح السهل في الربا، يناله بلا كدٍّ ولا تعب، فيقول له: دعهُ وانصرفْ عنه، ولا تمدَّ يدك إليه.

ويبصر الموظفُ رفيقه يأخذ الرشوة في دقيقة واحدة ما يعادل مرتَّبه عن ستة أشهر، فيقول له: لا تأخذها, ولا تستمع بها.

يقول داعي الخير: اتركوا هذه اللذات الحاضرة المؤكَّدة، لتنالوا اللذات الآتية المغيَّبة.

وذلك كله ثقيل على النفس. وكل المعالي ثقيلات على النفس:

ترك التلميذ التلفاز والإقبال على الدراسة ثقيل.

وترك النائم فراشه والنهوض إلى صلاة الفجر ثقيل.

وهجر الرجل زوجه وولده ومشيه إلى الجهاد ثقيل.

لذلك تجد الطالحين أكثر من الصالحين، والغافلين السادرين في الغي أكثر من الذاكرين السالكين سبيل الرشاد. ولولا أنًّ القلة والندرة من صفات السمو والرفعة، ما كان الألماس نادراً، والفحم كثير موفوراً، ولا كان العباقرة والنابغون والأبطال المتميزون قلة في الناس([153]) .

 ثانياً : نواميس كونية:

·                   اعلم أخي الشاب أن في دساتير الكون ونواميس الوجود شريعة إلـٰهية أخرى، لا تقل أهمية عن شريعة الإيمان والإسلام، فكما أن المسلم الذي يخالف شريعة قرآنه وسنَّة نبيِّه ﷺ‬، ويتهاون فيها ينال عقابه الأليم على ذلك في الآخرة.

فكذلك مخالفة الشريعة الكونية ونواميس الوجود، وخرقها وعدم الالتزام بها، يُعاقَبُ عليها المسلم في الدنيا بالهزيمة والانكسار ولو كان يملك إيماناً راسخاً كالجبال.

فالوقوف عند واحدة من الشريعتين وإغفال الأخرى هو واحد من أسباب الانكسار الذي عرفه المسلمون.

 هل اكتفى الرسول ﷺ‬ بإيمانه وإيمان أصحابه يوم بدر, أم أنه جهَّز جيشا واتّخذ أسباب الحرب؟.

·                   إذا كنت طالبا ًفالإسلام بحاجة إلى المسلم المتفوّق.

وإن كنت معلّماً فدينك يحتاج إلى المعلم المسلم.

وإن كنت طبيباً فنحن بحاجة إلى الطبيب المسلم ... وهكذا في كلّ مجال.

·                   لا تظن أخي الشاب أن التقدم العلمي بدون إيمان ينفع, ولا تظنَّن أن المال لا يحتاج إلى الورع. فكم من أناس شغلتهم الدنيا عن الآخرة, وخطفهم الدينار وأبعدهم عن المصحف.

يروى أنه لما أهبط الله تعالى آدمَ إلى الأرض, أتاه جبريل عليه السلام بثلاثة أشياء: الدين والخُلق والعقل. فقال:إنَّ الله يخيِّرك بين هذه الثلاثة. 

فقال: يا جبريل، ما رأيت أحسن من هؤلاء إلا في الجنة.

ومدّ يده إلى العقل فضمَّه إلى نفسه, فقال: للآخرين:اصعدا.

فقالا: أُمرنا أن نكون مع العقل حيث كان.

فصارت الثلاثة إلى آدم عليه السلام.

فالعقل بدون إيمان: جمود لا روح فيه .. والإيمان بدون عقل: تقليد لا إبداع فيه...

 ثالثاً : الاغترار بالعمل الصالح:

حذار أن تغترَّ بأعمالك الصالحة .. واحذر من المنِّ على الله بما تفعل من خير, فإنَّ ذلك ماحِقٌ لأعمالك..

لا تتصور أنك إذا كنت تعبد الله, فلا بدَّ أن تنجح بالامتحان بدون عمل ومذاكرة.

ولابدَّ أن تتقاضى مرتباً عالياً ورزقاً وفيراً..

وأن ترزق بالأولاد ومتع الحياة.

وأن تكون لديك سيارة أنيقة مثل التي عند فلان الذي لا يصلي ولا يصوم!.

ألست تعبد الله تعالى, وحق على الله أن يعطيك؟.

إن كنت تظنّ هذا فأنت وهم .. أو أنك فهمت خطأ أن هذه هي النتيجة الحتمية للطاعة!!.

 رابعاً : الدين والدنيا:

تذكر يا أخي قول رسول الله ﷺ‬:

(( لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة؛ ما سقى كافراً منها شربةَ ماء )) ([154]).

وتذكر قوله عليه السلام:

 (( إنَّ الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب, ولا يعطي الدين إلا لمن أحب )) ([155]).

اذكر قول الله تعالى :

]مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومَاً مَّدْحُورَاً ^ وَمَنْ أَرَادَ الْأَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورَاً ^ كُلًّا نُّمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورَاً[ ([156]).

ومعنى هذه الآيات أنه من كان يريد بعمله الدنيا فقط, وليس له همٍّ إلا الدنيا عجَّلنا له فيها ما نشاء من نعيمها, ثم جعلنا له في الآخرة جهنم يدخلها مهاناً حقيراً.

ومن أراد الآخرة وما فيها من النعيم, وعمل لها ما يليق بها من الطاعات؛ فأولئك كان عملهم مقبولاً عند الله.

والله يعطي كلاً من الفريقين: الذين أرادوا الدنيا, والذين أرادوا الآخرة؛ من عطائه الواسع, فيعطي المؤمن والكافر, والمطيع والعاصي, وما كان عطاء ربك ممنوعاً عن أحد...

وتذكر قوله تعالى الذي يبين حقارة الدنيا وقلة شأنها فيقول:

]وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ^ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ^ وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحَيَوٰةِ الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ[ ([157]).

ومعنى هذه الآيات: أنه لولا أن يحبَّ الناسُ الكفرَ إذا رأوا الكافر في سعة من الرزق, ويصيروا أمةً كافرة, لجعلنا هذه الدنيا للكفار, وجعلنا لهم القصور الشامخة, وجعلنا لهم سلالم من فضة, إلى ما هنالك من متاع الحياة الدنيا .

ولكن ذلك النعيم العاجل الذي نعطيه للكفار ما هو إلا شيء يُتمتع به في الحياة الدنيا الزائلة. أما الجنة فهي خاصة بالمتقين لا يشاركهم فيها أحد.

·                   تذكر شعور (ربعي بن عامر) وهو يدوس زخارف وزينات (الفرس) صائماً فخوراً بحسه وضميره الإسلامي الذي يفتقده أهل الدنيا, وهو يدرك قيمة ما يمتلكه في قلبه مع فقره ورثة ثيابه:

((ابتعثنا الله لنُخرِجَ من شاء من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد..

ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ..

ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)).

ولك أيضاً أن تتذكر مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وهو في طريقه لاستلام مفاتيح القدس, وهم يلحُّون عليه أن يركب, وأن يلبس الفاخر من الثياب بعد أن خاض في طينة الأرض:

((نحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام, ومهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلًّنا الله)).

 خامساً : حذار من الرياء:

·                   حذار أن يضحك عليك الشيطان, ويحوِّل عملك إلى رياء وسمعة, لأن ذلك يجعل عملك للدنيا.

ألم تعلم أنًّ الرجل يتصدَّق .. ويدخل النار .. ويقتل .. ويدخل النار...؛ الأول تصدَّق ليُقال: إنه تصدق, وقد قيل. والثاني جاهد ليقال: إنه شجاع, وقد قيل.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه, سمعتُ رسول الله ﷺ‬ يقول:

(( إنَّ أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد, فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها, قال: فما عملْتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدت, قال:كذبت, ولكنك قاتلت لأن يُقال: جريء, فقد قيل, ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار!.

ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه, وقرأ القرآن فأُتي به فعرَّفه نِعمه فعرفها, فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلَّمته, وقرأتُ القرآن فيك, قال:كذبت, ولكنَّك تعلَّمت العلم ليقال: عالمٌ, وقرأتَ القرآن ليقال: قارئ, وقد قيل. ثم أُمر به فسحبَ على وجهه حتى أُلقي في النار.

ورجل وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال, فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها, فقال: فما عملتَ فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحبه أن يُنفق فيه إلا أنفقتُ فيه لك, فقال: كذبت, ولكنك فعلتَ ليقال: هو جواد, فقد قيل, ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار )) ([158]).

·                   احذر حب الزعامة والعمل لها, ولا يغرنَّك كثرة المعجبين بك, والملتفين حولك, فتظن أن الدنيا دانت لك.

 سادساً : الإيمان عمل:

·                   فقد تجد شاباً مسلماً يسيء إلى والديه .. أو إلى جيرانه .. ينام عن صلاة الفجر .. أو يهجر قراءة القرآن .. لا يتمعَّر وجهه عند رؤية الفواحش والموبقات .. ولا ينه عن المنكرات !! ولا يغضب إذا ما انتهكت الحرمات!..

أليس الإيمان عملاً؟.. أليس الإيمان أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر؟.

يقول الحسن البصري: ((ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي .. ولكنه ما وقر في القلب وصدَّقه العمل))!.

وطلب العلم عمل .. والاستماع إلى الأشرطة والمحاضرات عمل .. والإكثار من النوافل عمل .. ومحاربة الشهوات عمل...

والله لن يضيع لك عملاً عملته في سبيله أبداً. يقول الحق تعالى:

]وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ[ ([159]).

يقول الإمام الغزالي:

((فمن العجائب أننا إذا أردنا المال في الدنيا, زرعنا وغرسنا واتّجرنا وركبنا البحار والبراري, وخاطرنا. ونجتهد ونكدّ ونتعب في طلب أرزاقنا ولا نثق بضمان الله لنا!..

ثم إذا طمعت أعيننا نحو المُلْك الدائم المقيم, قنعنا بأن نقول لأنفسنا بألسنتنا: ((اللهمَّ اغفر لنا وارحمنا)) ([160])!!.

والذي عليه رجاؤنا وبه اعتزازنا ينادينا فيقول:            

]وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إلَّا مَا سَعَى[ ([161]).

ويقول: ]يَـٰأَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ[ ([162]) .

يقول الشاعر:

تبغي النجاةَ ولم تسلكْ طريقتها                                 إنَّ السفينةَ لا تجري على اليبسِ

يوم القيامة لا مالٌ ولا ولدٌ                                      وضَمَّةُ القبرِ تُنسي ليلةَ العُرْسِ

وما أجمل قول رسول الله ﷺ‬:

(( من خاف أدلج..

ومن أدلج بلغ المنزل..

ألا إن سلعة الله غالية..

ألا إن سلعة الله الجنة )) ([163]).

 سادساً : العمل والإخلاص:

ولا شك أن العمل يحتاج إلى إخلاص, فهذا الصحابي الجليل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - يقف أمام الرسول ﷺ‬ حين أراد أن يبعث به إلى اليمن، فيقول: يا رسول الله أوصني!

فيقول له - عليه الصلاة والسلام - :

(( أخلص دينك يكفك العمل القليل )) ([164]).

وقد سئل الفضيل بن عياض عن أحسن العمل في  قوله تعالى: ]لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً[ ([165] قال: أحسن العمل: أخلصه وأصوبه.

فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل...

وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل..

ولن يقبل العمل حتى يكون خالصاً صواباً.

 سابعاً : لا تنس نصيبك من الدنيا:

تعالوا نهتدي بقبس من الفرقان, لنحمل معاً خير زاد ننطلق به إلى  الحياة الآخرة, ولكن ذلك لا يمنعنا أن نتمتع بالحياة الدنيا بما لا يتعارض مع كتاب الله وسنة نبييه, فالقرآن يقول:

]قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً[ ([166]).

ويقول: ]وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إلَيْكَ[ ([167]).

وهي الدعوة التي وجَّهها الله عزَّ وجل لقارون .. أن يأخذ نصيبه من الدنيا .. على أن يُحسن إلى الفقراء و المساكين .. ويُخرج زكاة ماله .. ويُحسن إلى نفسه بالإيمان و العمل الصالح .. ولكنه أبى! فماذا كان مصيره؟! ]فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ[ ([168]).

·                   فإذا كانت لديك أموال أو جاه أو نفوذ, أو أرصدة في البنوك يمتلكها أبوك .. وستؤول إليك هذه الأموال .. فلا تفرح ولا تغترّ .. لأن الله لا يحبّ الفرحين .. اقتصد في مالك .. وأخرج جزءاً منه في وجوه الخير .. في المعاهد و المدارس و المستشفيات, أو تنفق على فقراء المسلمين .. فالله تعالى يقول:

]وَابْتَغِ فِيمَا ءَاتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْأَخِرَةَ وَلَا تَنَسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ[ ([169]).

 ثامناً : اتق الله في مالك:

·                   إذا دخلتَ في تجارة مع قريب, أوجار, أو صديق, و دخلتَ معه في مشاركة, فاتقِ الله في الشركة .. لكي تضمن النجاح في الدنيا والآخرة, و عناية الله ورعايته, فالله تعالى يقول في الحديث القدسي:

(( أنا بين الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه .. فإذا خانه خرجتُ من بينهما )) ([170]).

·                   وإذا آتاك الله فضلاً منه ورزقاً .. في علم أو مال أو زوجة أو منصب .. فلا تنسبْ ذلك الفضل إليك .. فكثير من الناس يقول: ((أنا الذي تعبت في تحقيق هذا العمل)) .. ((وقد أخذ مني سنين طوال)) .. أو ((هذا ذكاء مني و عبقرية)) .. و ينسى الله .. الذي لولاه .. لما تحقق له شيء من هذا الذي هو فيه.

ولا أحد يُنكر أهمية الجهد والتحصيل, و العمل و المثابرة, ولكن الفضل في كلِّ شيء مرجعه إلى الله .. فهو الذي أعانه على السعي و السهر, ووفَّقه لاختيار الطريق الذي سلكه فنجح فيه ([171]).

أما قارون فقد نسب الثراء والكنوز التي آتاها الله له .. نسبَها إلى نفسه, وأنها جاءت بخبرته

وعبقريته حين قال: ]إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي[ ([172]). فماذا كان المصير؟ ]فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ[ ([173]).

 تاسعاً : غنى النفس:

تذكر أن الغنى ليس بكثرة الأموال والممتلكات المادية بقدر ما هو غنى النفس و قناعتها. ورحم الله الإمام الشافعي حيث يقول:

وغنى النفوسِ هو الكفافُ فإنْ أبتْ                            فجميعُ ما في الأرضِ لا يكفيها

والرسول عليه الصلاة و السلام يقول:

(( ليس الغنى عن كثرة العرض .. وإنما الغنى غنى النفس )) ([174]).

وقيل: ((استغنِ عمّن شئتَ تكن نظيره..

وأفضِلْ على مَن شئتَ تكن أميره..

واحتجْ إلى مَن شئت تكن أسيره ..)).

و رحم الله الشاعر حين قال في هذا المعنى:

أطعتُ مطامعي فاستعبدتني                                               ولو أني قنعت لكنتُ حرّاً

ويقول عليه الصلاة والسلام:

(( إذا نظر أحدكم إلى من فضَّله الله عليه في المال والخُلُق, فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فُضِّل عليه )) ([175]).

وفي حديث أبي  ذر:

(( أوصاني خليلي صلوات الله عليه أن أنظر إلى من هو دوني لا إلى من هو فوقي )) ([176])

 عاشراً : اعمل المعروف:

·                   اعمل المعروف في كل زمان و مكان .. وتذكَّر حديث رسول الله ﷺ‬:

(( صنائع المعروف تقي مصارع السوء, وصدقة السر تطفئ غضب الرب )) ([177]).

وتذكر قول الإمام علي رضي الله عنه: ((اصنع المعروف .. فإن كان في أهله فهو أهله .. وإن كان في غير أهله .. فأنتَ أهله)).

ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: ((صاحبُ المعروف لا يقع .. وإن وقعَ وجد متكأً)).

·                   إذا أتاك من يقصدك معونة أو قرضاً, وأنت قادر على ذلك, وتعلم صدقه وخُلقه و دينه, فأعنه على حاجته, فالرسول عليه الصلاة و السلام يقول:

(( رأيتُ ليلة أُسري بي على باب الجنة مكتوباًً: الصدقة بعشر أمثالها .. والقرض بثمانية عشر .. فقلت لجبريل: ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل و عنده .. والمستقرض  لا يستقرض إلا من حاجة )) ([178]).

وتذكر قول الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام :

(( من أعان أخاه في حاجته و ألطفه, كان حقاً على الله أن يخدمه من خدم الجنة )) ([179]).

·                   مدَّ يد المساعدة للفقراء والمحتاجين .. ولو بمرقة تقدمها إلى جارك تطعمه إياها .. فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( يا أبا ذر إذا طبخت مرقةً .. فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك )) ([180]).

ويقول أيضاً: (( اتقوا النار ولو بشق تمرة )) ([181]).

 الحادي عشر : كيف تذوق حلاوة الإيمان؟:

1- أكثر من ذكر الله في نفسك, وخاصة في البكور والآصال.

قال تعالى: ]وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعَاَ وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِ وَالْأَصَالِ[ ([182]).

2- أكثر من قراءة القرآن, وحاول أن تتفكر في آياته.

فالله تعالى يقول: ]وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً[ ([183]).

3- عليك بقيام الليل متضرعاً مستغفراً.

قال تعالى: ]أمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءِ الَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْأَخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ[([184]).

4- صاحب الأخيار .. وابتعد عن مجالس الأشرار .. ولا تنس مصاحبة أصحاب رسول الله ﷺ‬ في قلبك, لتكون مع محمد عليه الصلاة و السلام في حياتك وآخرتك.

5- أكثر من الصلاة على رسول الله ﷺ‬, واستحضر صفاته لتقتدي بسنته.

6- ابتعد عن أكل الحرام, فإنّه يغلق القلوب بالران, و يمنع قبول الدعاء.

7- ابتعد عن المعاصي ظاهرة وباطنة .

    فالله تعالى يقول:  ]وَذَرُواْ ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ[ ([185]).

8- أحسن معاملة الآخرين, فالناس لا تنسى إساءة المسيء ولو غفرها الله له. و خُصَّ أهلك بخير ما عندك؛ فالرسول ﷺ‬ يقول: (( و قابل إساءتهم بإحسان )) .

وقال تعالى: ]ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فِإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[ ([186]).

9- إياك أن ترى لنفسك ميزة على الآخرين بتقواك أو عبادتك, فإنَّ أكثر الناس خشيةً لله ليس من يزدري العصاة, و يحتقر المذنبين, إنما هو من يشفق على الخاطئين و يرشدهم إلى طريق  الهداية والتوحيد.    

قال عليه الصلاة والسلام:

(( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ))([187]).

10- لا تجعل حلاوة الإيمان مقصدك فقط, بل ليكن همك هو الإخلاص لله سبحانه وتعالى. يقول أحدهم: ((فلما أخلصوا احتاج إخلاصهم إلى إخلاص)), ولا يكون هذا إلا بالبعد عن التكبّر والرياء والتفاني في حب الدنيا.

11- تذكر نصيحة رسول الله عليه الصلاة والسلام لمن شكا له قسوة قلبه:

قال: يا رسول الله أجد قسوة في قلبي.

فقال عليه الصلاة والسلام: (( أمسح رأس اليتيم, وأطعم المسكين ))([188]).

وسأله صحابي أن يكون رفيقه في الجنة فقال عليه الصلاة والسلام:

(( أعني على نفسك بكثرة السجود )) ([189]).

12- افتح صفحة جديدة في علاقتك مع الله, وتذكر حديث رسول الله ﷺ‬:

(( إنَّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)) ([190]).

13- إذا ألححت بالسؤال على إنسان سخط منك واشتاط غضباً, ولكنك كلما أكثرث في السؤال على الله, كان إليك اقرب في الإجابة, فأكثِر من السؤال, والله لن يخيبك أبداً.

قال تعالى: ]ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعَاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمَعْتَدِينَ[ ([191]).

وقال تعالى: ]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ[ ([192]).

والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( لن يهلك مع الدعاء أحد )) ([193]).

فإذا أردت أن يكون الله معك فاحرص على تقواه...

وإذا أردتَ أن يحفظك فاحفظه في نفسك..

يقول رسول الله ﷺ‬:

(( احفظ الله يحفظك .. احفظ الله تجده تجاهك..

تعرَّف على الله في الرخاء .. يعرفك في الشدة )) ([194]).

وتذكر قول ابن القيم رحمه الله:

((إذا استغنى الناس بالناس, فاستغنِ أنتَ بالله..

وإذا فرحوا بالدنيا . .فافرح أنت بالله..

وإذا أَنِسُوا بأحبابهم .. فاجعل أُنسك بالله.

وإذا تعرَّفُوا إلى ملوكهم و كبرائهم .. وتقرَّبوا إليهم .. لينالوا بهم العزّة والرفعة .. فتعرَّف أنت إلى الله))([195]).

وما أجمل ما قال جعفر بن محمد:

((عجبتُ لمن يبتلى بأربع كيف يغفل عن أربع:

·                   عجبت لمن يبتلى بالهمِّ كيف لا يقول:

]لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكْ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ[ ([196]).

لأنًّ الله تعالى يقول بعدها:

]فَاسْتَجَبْنَا لَهُ، وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ[ ([197]).

·                   وعجبتُ لمن يخاف شيئاً من السوء كيف لا يقول:

]حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ[ ([198]). 

لأن الله تعالى يقول بعدها:

]فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ[ ([199]). 

·                   وعجبتُ لمن يخاف مكر  الناس لا يقول:

]وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ[ ([200]).

لأن الله تعالى يقول بعدها :

]فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ[ ([201]).

·                   وعجبتُ لمن يرغب بالجنة كيف لا يقول:

]مَاشَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ[ ([202]).

لأن الله يقول بعدها:

]فَعََى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ[ ([203]).

 الفصل السادس عشر: همسة في التزكية والتغيير

 أولاً : التزكية:

((التزكية هي تلك الرحلة الطويلة والشاقة لإقامة النفس على الحق وفطامها عن الهوى والباطل، حتى تكون رهن إشارة الوحي والتنزيل بكل رضا وإذعان.

وهي الخطوة الأولى للسير على طريق التغيير. فهي بمثابة بناء ذلك الإنسان المؤهل لإجراء التغيير ... فيفجر الطاقات الكامنة. ويوظفها في إنشاء الحياة الطبية والحضارة الشامخة ... بعد أن انتصر على معركته الأولى مع نفسه ... وأصلح تلك المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله، ألا وهي القلب )).

((فالتزكية تعني أن أسلك السبيل الذي يخلصني من كبريائي ... ويخلصني من أنانيتي ... ومن الأحقاد والضغائن ... ومن تعشُّق الدنيا التي وصفها الله بأنها فانية وبأنها عرض زائل ... وأن أجعل من قلبي مرآة لحب خالد باقٍ ، بعد مسح حب عَرَض الحياة الدنيا الفاني ))([204]).

ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:

((إن تغيير النفس وإصلاحها ينبغي أن ينطلق من تصحيح معتقداتها على أساس توحيد الخالق ... وتصحيح قناعاتها ومفاهيمها عن الكون والحياة والإنسان والتاريخ والفرد والمجتمع ... والمرأة والرجل ...  والدين والحكم...

ومن هنا وجدنا الاستخراب (الاستعمار) حين دخل بلاد المسلمين؛ جعل همَّه الأكبر في تغيير مفاهيمها وأفكارها عن طريق التعليم والثقافة والإعلام ... فيغرس في الأذهان:

أن الدين لا علاقة له بالسياسة.

وأن الدين لا علاقة له بالأخلاق.

وأن الحرية فوق القيم.

وأن المرأة مساوية تماماً للرجل.

وأن الأزياء -  وما يتعلق بها من أمور -  خاضعة للعرف والتقاليد لا للشرع...))([205]).

فإذا وثقت النفس أنها بدأت تستوي على الطريق الصحيح؛ فإنها تكون مهيئة حينئذٍ للإصلاح ودعوة غيرها انطلاقاً من قاعدة: ((أصلح نقسك وادع غيرك)).

·                   كن أنت قدوة لأهلك وجيرانك وأصحابك، فقد كان رسول الله ﷺ‬ المثل الأعلى والقدوة الحسنة لأمته في كل شيء.

وكذلك تجسدت القدوة الصالحة في صحابته أجمعين ومن تبعهم  بإحسان، وبتلك القدوة انتشر الإسلام شرقاً و غرباً.

ووصل   الإسلام إلى كثير من البقاع على أيدي تجار مسلمين، ودعاة صادقين، جعلوا من أنفسهم القدوة والصورة الحسنة للإسلام.

فهل نحن صورة صادقة للإسلام؟!

هل نعطي الآخرين من غير المسلمين الذين يفدون إلى بلادنا، صورة المسلم الصادق الأمين، الذي لا يكذب ولا يغش ولا يخدع، ولا يأكل أموال المسلمين، ويحافظ على أعراضهم وعهودهم، يفي بالوعد ولا يقول: ((سيأتي في الموعد إن شاء الله)) وهو يعلم في حقيقة نفسه أنه سيخلف بهذا الموعد، ولن يأتي أبداً؛ حتى جعلنا - للأسف - هذه الكلمة مثار تهكم واستهزاء من الأجانب في بلادنا!!.

ورحم الله الشاعر الذي يوبخ أولئك الذين يعلّمون غيرهم بما لا يفعلونه فيقول:

فيـا أيهـا الرجـلُ المعلِّـمُ غيـرَهُ                                     هلَّا لنفسكَ كان ذا التعليـمُ

تصِفُ الدواءَ لذي السقام وذي الضنا                                   كيما يصحُّ به وأنت سقيـمُ

ابـدَأْ بنفسِـكَ فانْهَهَـا عن غيِّهـا                                   فإذا انتهتْ عنهُ فأنتَ حكيمُ

فهناك يُقبَـلُ ما وعظـتَ ويُقتـدى                                بالعلم منكَ وينفعُ التعليـمُ

روى الجاحظ أن عقبة بن أبي سفيان لما دفع ولده إلى المؤدِّب قال له:

((ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بنيك إصلاح نفسك...

فإن أعينهم معقودة بعينك...

فالحسنُ عندهم ما استحسنت...

والقبيحُ عندهم ما استقبحت...

وعلّمهم سير الحكماء وأخلاق الأدباء...

وكن لهم كالطبيب الذي لا يعمل بالدواء حتى يعرف الداء)).

ويقول سفيان الثوري في وصاياه لعلي بن الحسن:

((يا أخي! عليك بتقوى الله، ولسان صادق، ونية خالصة، وأعمال صالحة, ليس فيها غش ولا خدعة، فإن الله يراك وإن لم تكن تراه، وهو معك أينما كنت، ولا يخفى عليه شيء من أمرك.

لا تخدع الله فيخدعك ويخلع منك الإيمان وأنت لا تشعر، ولا تمكرن بأحد من المسلمين المكر السيِّئ, فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

ولا تبغينَّ على أحد من المسلمين، فإن الله تعالى يقول:

]يَأَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ[ ([206]).

وأحسنْ  سريرتك يُحسن الله علانيتك.

وأصلح فيما بينك وبين الله، يُصلح الله فيما بينك وبين الناس.

واعمل لآخرتك، يكفيك الله أمر دنياك.

بعْ دنياك بآخرتك تربحهما جميعاً، ولاتبعْ آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً.

عليك بالصدق في المواطن كلها، وإياك والكذب والخيانة ومجالسة أصحابها، فإنها وزرٌ كلها.

وإيّاك والعُجْب، فإن العمل الصالح لا يرفع وفيه عُجب .

ولا تأخذن دينك إلا ممن هو مشفقٌ على دينه، كمثل طبيب به داء لا يستطيع أن يعالج داء نفسه وينصح لنفسه، فكيف يعالج داء الناس و ينصح لهم؟!...)) ([207]).

يقول أحد الصالحين:

غلطت بالابتداء مع الله تعالى في أربعة أشياء:

1- عندما ظننتُ أني أحبه فإذا هو أحبني، بقوله تعالى:

]يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ[ ([208]).

2-  عندما ظننتُ أني أرضى عنه، فإذا هو قد رضي عني، بقوله تعالى:

]رًّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ العَظِيمُ[ ([209]).

3- عندما ظننتُ أني أذكره فإذا هو يذكرني، بقوله تعالى:

]وَلِذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ[ ([210]).

4-  عندما ظننتُ أني أتوب فإذا هو تاب عليَّ، بقوله تعالى:

]ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرََّحِيمُ[ ([211]).

 ثانياً : سنن التغير في الكون:

تذكر يا أخي أن هناك سنناً كونية في التغيير لا تتبدل على مر العصور لأنها السنن الإلـٰهية. ومن هذه السنن:

1- التغيير ضروري حتى تستقيم الحياة وتطهر الأرض من الظالمين:

قال تعالى: ]أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بَخَلْقٍ جَدِيدٍ[ ([212]).

2- التغيير مرهون بسلوكيات البشر:

قال تعالى: ]إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بَأَنْفُسِهِمْ[ ([213]).

3- التغيير إلى الأسوأ مرتبط بظلم العباد (الإساءة):

قال تعالى: ((وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمَاً ءَاخَرِينَ[^  ([214]).

4-التغيير إلى الأحسن مرهون بعمل الصالحات (الإحسان):

قال تعالى: ]مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَتَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بَأَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[ ([215]).

5- أن الإحسان والإساءة يدوران في خلل الهوى والضلال:

قال تعالى: ]فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ^ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيٰمَةِ أَعْمَى[ ([216]).

وقال تعالى: ]فَأَمَّا مَن طَغَى ^ وءَاثَرَ الحَيَوٰةَ الدُّنْيَا ^ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى ^ وَأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ^ فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى[ ([217]).  

6- التغيير أداة تمحيص وابتلاء لتمييز الصالحين من عباده:

قال تعالى:  ]الم ^ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ[ ([218]).

وقال تعالى: ]وَتِلْكَ الَأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ[ ([219]).

 ثالثاً :  مفهوم التغيير:

يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في شرح مفهوم التغيير:

((إنهما تغييران لا ثالث لهما :

أحدهما: يتعلق بعالم المادة الذي من حولنا. وقد تكفل الله عزَّ وجلَّ به، وحمَّل ذاته العلية هذا التغيير.

التغيير الثاني: يتعلق بالنفس الإنسانية، من حيث تعلق هذه النفس بالله عزَّ وجلَّ. وهذا هو التغيير الذي حمَّل اللهُ الإنسانَ مسؤوليته.

فكأن الله عزَّ وجلَّ يقول:

يا بن آدم عليك أن تعود إلى نفسك، فتقيم علاقتك معي على النهج الذي تقتضيه فطرتك .. وعلى النهج الذي تقتضيه ربوبيتي .. أضمن لك أن أغيِّر الدنيا من حولك .. وأخضعها لسلطانك وحكمك..

ألم تسمعوا جيداً إلى قوله تعالى:

]وَقَاَل الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّن أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إٍلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ^ وََلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ[ ([220]).

هذا هو قرار الله في إخضاع المادة لهؤلاء المؤمنين، ثم أعطانا القانون فقال:

]ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ[ ([221]).

أنا سأخضعُ الدنيا لهؤلاء الناس .. ولسوف أجعل أنظمة الكون تدور على رغائبهم طَبق قانون كلما تكرر، تكرر هذا العطاء. وعبَّر عن هذا القانون بكلمة أخّاذة جامعة فقال: ]ذَلِكَ[ أي هذا القانون يتكرر وليس حالة عابرة: ]لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ[)) ([222]).

من الشباب من يريد استعجال النتائج .. يقول: عملنا .. وعملنا، ولم نرَ نتيجة بعد!!.

فكأنه يريد أن يعمل اليوم .. ويحصد نتائج عمله في الغد.

ولكن سنن الله في الكون غير ذلك .. فقد أرسى الله الحياة على الارتقاء والتدرّج .. فلا الشمس تشرق فجأة .. ولا النبتة تظهر فجأة .. وكذلك حال الدين.

ولقد استعجل بعض الصحابة النتائج. فماذا أجابهم رسول الله ﷺ‬؟

قال: (( والذي نفسه بيده ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من حضرموت إلى اليمن .. أو من اليمن إلى حضرموت .. لا يخشى إلا الله و الذئب على غنمه .. ولكنكم تستعجلون ))!!.

فهكذا الحياة .. صعود تارة .. ونكسة تارة أخرى .. عقبات وعراقيل .. وهضاب وسفوح .. إلى أن تصل إلى غايتك في هذه الحياة .

 الفصل السابع عشر: همسة في الزهد

 بعض الشباب المسلم يظن أن التدين معناه البعد عن الدنيا، فترى الواحد منهم قد أهمل نفسه، ومنظره وهيئته أمام الناس, مما جعل البعض يخاف من التدين . فالمسلم ينبغي أن يكون شامة بين الناس، قدوة للآخرين، فملبسُه نظيف، ورائحته طيبة، ووجهه مستبشر دائماً.

فمن للدنيا يعمرها ويستفيد منها إذا لم نقم بإعمارها؟! هل نترك الدنيا للكافرين حتى يسيطروا علينا؟! هل نتركهم يستغلّون نواميس الكون حتى يهاجموننا من السماء والأرض بالليزر، والأواكس، والنابالم ...؟!.

فإذا كنتَ طالباً فنحن بحاجة إلى المسلم المتفوق، وإن كنت طبيباً، فنحن بحاجة إلى الطبيب المسلم، وكذلك نحتاج إلى المعلم المسلم، والتاجر المسلم، والمحاسب المسلم، والمهندس المسلم ... إلخ.

 أولاً : حقيقة الزهد:

فمن أكبر الأخطاء أن يفهم البعض حقيقة الزهد في الدنيا على أنه الفقر و الحرمان وترك الدنيا.

فحقيقة الزهد في الدنيا هو تجريد القلوب عن حب الدنيا، فالمسكنة التي يحبها الله من عبده - كما يقول ابن القيم - ليست مسكنة فقر المال .. بل مسكنة القلب .. وهي انكساره وذله وخشوعه، وتواضعه لله.

وهذه المسألة لا تنافي الغنى، ولا يشترط لها الفقر.

يقول الإمام أحمد في تعريفه للزهد في قوله تعالى: ]لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا ءَاتَاكُمْ[ ([223]) : الزهد: هو عدم فرحه بإقبال الدنيا، وعدم حزنه على إدبارها.

وسئل الإمام أحمد عن الرجل يكون معه ألف دينار هل يكون زاهداً؟

قال : نعم، شريطة ألا يفرح إذا زادت, ولا يحزن إذا نقصت!!

فليس الزاهد من لا مال عنده، وإنما الزاهد من لم يشغل المالُ قلبه، وإن أوتي مثلما أوتي قارون.

وحذار من أن تتغلغل الدنيا في القلوب، فتتحول النيات من عمل لرفعة الإسلام إلى طلب جاه، ومنصب ومال. فالمطلوب من المسلم أن تكون الدنيا في يده وليست في قلبه.

احذر أخي الشاب الاستكانة و الذل \، فالإسلام قوة في غير كِبَر، ورفق من غير ضعف، وبشاشة في أخيك ولكن دون تماوت أو تذلل.

فقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً مطأطئاً رأسه فقال: ارفع رأسك فإن الإسلام ليس بمرض.

ورأى رجلاً متماوتاً فقال: لا تُمِتْ علينا ديننا أماتكَ الله.

ورأت عائشة رضي الله عنها شباباً يمشون مشية هنية لينة تنبئ عن الضعف والخور - وكانوا من الزهَّاد العبَّاد..

فقالت: ما لهؤلاء؟

قالوا: عبَّاد .. نسَّاك .. زهَّاد!.

قالت: والذي نفسي بيده .. إنَّ عمر كان أعبد منهم .. وأزهد منهم .. وأخشى لله منهم .. ولكنه كان إذا ضرب أوجع .. وإذا قال أسمع .. وإذا مشى أسرع !!.

ومن الشباب من ينعزل عن المجتمع؛ يقول: إن هذا مجتمع عاصٍ لله .. والناس مذنبون، ففرّ بدينك واهجر الناس!!.

يستدل رسول الله ﷺ‬:

(( يوشك أن يكون خير مال المرء المسلم غنمٌ يتبعُ بها شغف الجبال ومواقع القَطْر .. يفرّ بدينه من الفتن )) ([224]).

فتجد ذلك الشاب ينعزل عن مجتمعه .. لا يعرف سوى بيته ومسجده؟!.

وقد نسي قول رسول الله ﷺ‬:

(( الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ؛ خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم )) ([225]).

 الفصل الثامن عشر: همسة للمتشددين

عندما يلتزم بعض الشباب بالإسلام، فأول ما يفعل أنه يسلك سلوكاً منفراً لوالديه، قاسياً على أهله، بحيث يجعلهم يقولون: ((كان يوماً نحساً يوم تديَّن هذا الولد!!)).

وبالتأكيد يا أخي فإن الخلل فيك عندما يقولون ذلك، والتقصير عندك، لأن الله تعالى يقول:

]وَإِن جَـاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفَاً[ ([226]).

فأنت تعيش مع أسرة ربما يقف بعضها مع التزامك بالإسلام، وقد يقف بعضها ناقماً عليك، وعلى تفكيرك، وقد تكون البقية الباقية معجبة بك تحب أن تكون مثلك، ولكن الطريق أمامها غير واضح.

فماذا تصنع؟

 أولاً : كن إنسان آخر:

عليك أن تثبت للجميع أن التزامك بشرع الله أضفى عليك هدوءاً وسكينة .. وبهاءً ووقاراً .. فإن كنت معتاداً على النفور وعدم الطاعة .. فأنت الآن شخص مختلف تماماً، أصبحت مطيعاً هادئاً.

إذا نادى والدك فأنت أول من يستجيب...

وإن طلبتْ والدتك طلباً فأنت أول الملبين...

وإن انتابت الأسرة مشكلة فأنت أول من يقف معها...

أنت بهذا تدعوهم عملياً إلى حلاوة الإيمان .. وتعصم نفسك من النار .. قال تعالى:

]يَـٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُواْ أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[ ([227]) .

من كان من أسرتك مناقضاً لك فعاملْه بالحسنى، لا تخاصمه ولا ترفع صوتك عليه. ادعه إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة من دون شجار أو خصام.

ومن كان من أسرتك معجباً بك ويتمنى أن يكون مثلك، فإن كان أكبر منك فأطع أوامره ما دامت في حدود الله، وإن كان أصغر منك فعليك أن ترعاه برعايتك، تسأل دائماً عن أحواله، لا تبخل عليه بمالك، تعرَّف على أصدقائه ولا تغلظ عليهم بالحديث، تقوم بضيافتهم بنفسك عندما يحضرون لزيارته. ضع نصب عينيك قوله ﷺ‬:

(( ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ولم يوقر كبيرنا )) ([228]) .

إذا فعلت ذلك فأنت تسير في طريق رسول الله ﷺ‬ عندما نزل عليه الوحي توجه إلى السيدة خديجة شاكياً لها حاله، فواستْه وآمنتْ به، ثم دعا بعد ذلك ابن عمه علي ابن أبي طالب، الذي كان يعيش معه في بيت واحد، ثم وسَّع الدائرة أكثر فدعا صديقه أبا بكر -  رضي الله عنه - إلى الإسلام .

وإذا كانت لك أخوات بنات فعاملهن بالحسنى، وأحسن إليهن في كل شيء. فإن كن غير ملتزمات بالإسلام, دَعوتَهنَّ إلى الصلاة والحجاب، وجلست معهن تقصُّ عليهن سير الصالحات من أمهات المؤمنين و غيرهن من صحابيات رسول الله ﷺ‬. فإن نجحتَ مع إحداهن تكن قد أصلحت أسرة كاملة، فهذه الأخت هي أم المستقبل ومربية الأجيال.

 ثانياً : لا للتكفير:

بعض الشباب - والعياذ بالله - أول ما يعلم شيئاً عن الإسلام يُمسك ختم التكفير في يد، ومفتاح الجنة في يده الأخرى. ويجري بين الناس يدعوهم إلى الدين بغير فقه ولا هدى، ولا تقدير للظروف فإذا لم يستجيبوا له أخرجَهم من الدين، وطبع عليهم بخاتم التكفير.

ثم يلوِّح لهم بمفتاح الجنة مقسماً بالله جًهْدَ أيمانه أنهم لن يدخلوها أبداً، ثم يتركهم ويذهب إلى غيرهم، حتى ترى الناس، وقد لطَّخ وجوههم بخاتم التكفير، ثم ينام ويستريح، وقد ظن أنه أدى دوره تجاه ربه ودينه، ويهجرهم تاركاً ديارهم لشياطين الإنس والجن تهلكهم!!

ولما كان لكل فعل رد فعل، فإن الناس يفتحون عليه مدافع حقدهم باللعنات، فيمسكون مفتاح جهنم في يد، وفي اليد الأخرى يمسكون بخاتم التطرف والخروج من الدين, ثم يحاولون تشديد القيد عليه، ويجعلونه من أهل النار، ويجلسون أمام التلفاز حيث الرقص و الفجور واللهو والعصيان، ثم ينامون ملء جفونهم، وهم واثقون أن الجنة لهم، وأن رحمة الله أوسع من عصيانهم!!.

وبعض الشباب يقرأ حديثاً واحداً، أو تفسير آية واحدة، ويفهمها في جو بعيد عن فقهها، ثم يجري بهذا الفهم في كل مكان، ويلهث في تبليغه لكل إنسان يراه، فيقابل بعدم الرضا حتى من المتدينين. فيزداد تمسكاً بفهمه وتشبثاً بموقفه، وتبدأ الفرقة والشطط بين الشباب المسلم!!.

وينسى هؤلاء أو يتناسون حديث رسول الله ﷺ‬:

 (( بشّروا ولا تنفّروا...يسِّروا ولا تعسِّروا )) ([229]).

وحديث رسول الله ﷺ‬ الآخر الذي يقول فيه:

(( إيّاكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم )) ([230]).

 ثالثاً : تغيير المنكر:

من الشباب مجموعة اقتنعت بأن كل من يخالف رأيَها يرتكب منكراً, وأنه بمقتضى الحديث الشريف يجب تغيير هذا المنكر بالقوة, لأن الرسول ﷺ‬ قال:

(( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان )) ([231]).

و الحديث من وجهة نظرهم يضع لوسائل تغيير المنكر درجات، تبدأ أولاً باليد، وهو ما يعني القوة, ومن واجب الشباب إذن أن يستخدموا قوتهم في تغيير المنكر!!

تصوّر ماذا يحدث في المجتمع إذا استولت بالقوة فيه جماعة من الجماعات، وأعلنت إرادتها على هذا المجتمع؟..

فمن المؤكد أن جماعة أخرى ستخرج لمواجهتهم بالقوة .. وثالثة .. ورابعة .. بل يمكن أن يتحول كل فرد إلى مؤسسة خاصة يحصِّن نفسه ضد الآخرين، أو يفرض رأيه على الآخرين!

إن غشَّ اللبن (الحليب) منكر، فماذا لو أن شخصاً أمسك بمن يغش اللبن وضربه في الطريق العام!!

وإن خروج المرأة غير محجبة منكر .. فهل نسمح للطلبة بأن يهاجموا النساء في الشوارع؟!.. ابداً لا.

وإن تأخير الموظفين لمعاملات المراجعين منكر، فهل يقوم أي إنسان بالتصدي لهؤلاء الموظفين؟.

لذلك جاء قول الرسول المصطفى ﷺ‬:

(( فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه )).

كان بإمكان الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقول: (( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده )). ولكنه أراد أن يحدِّد الوسيلة بحسب ولاية الشخص وقدرته، وإلا لما كان هناك داع إلى أجهزة للأمن، وإلى قضاة، وإلى حكَّام.

وقد كان هناك على عهد المصطفى ﷺ‬ حكَّام وولاة وقضاة، اختارهم الرسول عليه الصلاة والسلام ليرجع إليهم الناس عندما يختلفون. فإذا كان تغيير المنكر باليد هو حق من حقوق كل إنسان ، فلماذا إذن الحكام والولاة والشرطة والقضاة؟.

فالحاكم عن طريق تلك الأجهزة هو الذي يملك حق تغيير المنكر بالقوة، أما المحكومون فيملكون حق تغيير المنكر باللسان، بالنصح و الإرشاد، والإبلاغ عن الذين يخالفون نظام المؤسسات، الذين يغشُّون في أعمالهم أو يرتشون في وظائفهم...

فإذا لم تكن للمواطن ولاية في استخدام القوة أو اللسان، كان له القلب هو الوسيلة الثالثة يقول فيها:    (( اللهم إن هذا منكر لا يرضيك )).

وفي كل الأحوال، على المسلم أن يبدأ بنفسه في ألا يرتكب منكراً بكل أصنافه .. لا غش، لا كذب، لا خداع في العمل، ولا إهدار لأموال الآخرين. ولو أن هذا الشباب التزم بأن يبدأ بنفسه لكانت النتيجة أفضل كثيراً.

 الفصل التاسع عشر: هل أنت بار بوالديك

ما قَرَنَ الله تعالى إلى عباده وحده شيئاً سوى الإحسان للوالدين .. وما عطف شكر أحد إلى شكره تعالى سوى شكر الوالدين.

قال تعالى: ]  ^ وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئَاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً[ ([232]).

وقال تعالى: ]أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكِ إِليَّ المَصِيرُ[ ([233]).

وليس بعد ذلك الشرف العظيم، والحكم الإلـٰهي الحكيم تفصيل لمتكلم، ولا زيادة لمستزيد...

إنها وصية الله تعالى: ]وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنَاً[ ([234]).

وإنها وصية نبيه ﷺ‬، فقد قال:

((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ (ثلاثاً)، قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور .. وشهادة الزور)) ([235]).

 أولاً : لا تنس أمك:

لا تنسَ أمك! .. هل قبَّلتَ يدها اليوم؟ هل أسندت رأسك على صدرها؟ هل أسمعتَها كلمة حب وحنان؟

جرِّب هذا .. وتذوق طعم السعادة التي تملأ قلبك.

جرِّب هذا .. وتذوق حلاوة رضا الله .. فرضا الله في رضا الوالدين.

كلما دخلتَ على والدتك ناولها ما تيسر من النقود .. أو هدية من حين لآخر .. أو قبلة على رأسها إن لم يتيسَّر لك ذلك..!

احمدِ الله أن أبقى لك والديك تبرهما وتحسن إليهما...

يروى أن رجلاً سمع أعرابياً حاملاً أمه في الطواف حول الكعبة وهو يقول:

فإني لهــا مطيَّةٌ لا أذعرُ                                           إذا الركابُ نفرتْ لا أنفرُ

ما حملـتْ وأرضعتني أكثرُ                                        الله ربي ذو الجلالِ أكـبرُ

ثم التفت إلى ابن العباس وقال: أتراني قضيت حقها؟.

قال: لا .. ولا طلقة من طلقاتها .. ولكنك أحسنت .. والله يثيبك على القليل كثيراً.

إن دعتك والدتك لتذهب بها إلى مكان .. فلا تصرخ في وجهها .. وتقول: عليَّ واجبات ودراسة..

خير لك أن تذهب معها من أن تدعْها مع السائق في السيارة، ولا تنسَ قول الله تعالى: ]فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا[ ([236]).

 ثانياً : ولا تنسَ أباك:

لا تنظر إلى أبيك نظرة شذر عند الغضب.

ولا تستحيِ أن تمشي إلى جانب أبيك الفقير أو الضعيف!!

قم بالإنفاق عليهما إن كانا بحاجة إلى مالك .. ولا تدعهما يسألان الناس .. وتذكر كيف أن عقوق الوالدين قد ألجم اللسان عند الموت فلم يستطع أن ينطق بالشهادتين...

فقد ذكر أبو الليث السمرقندي عن أنس بن مالك رضي الله عنه:

أن شاباً كان على عهد رسول الله ﷺ‬ يسمى (علقمة)، مرض واشتد مرضه.

فقيل له: قل لا إلـٰه إلا الله، فلم ينطق لسانه..

فأخبر بذلك النبي ﷺ‬، فقال: (( هل له أبوان؟ )).

فقيل: أما أبوه فقد مات، وله أم كبيرة .. فأرسل إليها، فجاءت، فسألها عن حاله.

فقالت: يا رسول الله كان يصلي كذا وكذا، وكان يصوم كذا وكذا، وكان يتصدق بجملة دراهم ما ندري ما وزنها وما عددها؟

قال: (( فما حالُك وحالُه؟ )).

قالت: يا رسول الله أنا عليه ساخطة واجدة.

قال لها: (( ولِمَ ذلك ؟ )).

قالت: كان يؤثر عليَّ امرأته ويطيعها في الأشياء.

فقال رسول الله ﷺ‬: (( سُخْطُ أمه حجبَ لسانه عن شهادة أن  لا إلـٰه إلا الله )).

ثم قال: (( يا بلال انطلق واجمع حطباً كثيراً حتى أحرقه بالنار )).

فقالت: يا رسول الله! ابني وثمرة فؤادي تحرقه بالنار بين يدي؟!. وكيف يحتمل قلبي ذلك؟

فقال رسول الله ﷺ‬: (( بسرُّك أن يغفر الله له فارضي عنه! فو الذي نفسي بيده لا ينتفع بصلاته ولا بصدقته .. مادمت ساخطة )).

فرفعت يدها وقالت: أُشهد الله تعالى في سماءه, وأنت يا رسول الله ومن حضر أني قد رضيتُ عنه.

فقال رسول الله ﷺ‬: (( يا بلال، انطلق فانظر هل يستطيع علقمة أن يقول: ((لا إلـٰه إلا الله)) فلعل أمه قد تكلمت بما ليس في قلبها حياء من رسول الله )).

فانطلق بلال، فلما انتهى إلى الباب سمعه يقول: لا إلـٰه إلا الله. ومات من يومه وغسِّل وكفِّن. وصلَّى عليه النبي ﷺ‬.

وجاء شاب يشكو أباه إلى رسول الله ﷺ‬ ويقول: يا رسول الله إن أبي يأخذ من مالي دون إذني.

فأرسل النبي ﷺ‬ في طلب الوالد..

وحضر الوالد ولكنه وهو في طريقه إلى رسول الله ﷺ‬ فاضت قريحته بأبيات من الشعر أبكتْ رسول الله ﷺ‬ حين سمعها:

غَذَوتُك مولوداً ومنتـك يافعـاً                                    تعلُّ بما أجني عليك وتنهـلُ

إذا ليلة بالسُّقم نابتْك لـم أبتْ                                  لسقمك إلا ساهراً أتملمـلُ

كأني  أنا  المطروقُ دونك بالذي                                طرقتَ به دوني فعيني تمهـلُ

تخافُ الردى نفسي عليك و إنها                                لتعلم أن الموتَ وقتُ موجـلَ

فلمـا بلغتَ السنَّ والغايةَ التي                                   إليها مدى ما كنتُ فيها أؤملُ

جعلتَ جزائي غلطةً وفـظاظةً                                    كأنك أنتَ  المنعـمُ  المتفضِّلُ

فليتكَ إذْ لم تـرعَ حـقَّ  أبوَّتي                                     فعلتَ كما الجارُ المجاورُ يفعـلُ

 يقول الآلوسي في تفسيره متابعاً قول راوي الحديث:  فحينئذِ أخذ النبي ﷺ‬: بتلابيب ابنه وقال: (( أنت ومالك لأبيك )) ([237]).

 ثالثاً : وصايا سريعة:

خاطب والديك و أدب...

انهض لهما إذا دخلا عليك .. وقبِّل يديهما...

لا ترفع صوتك عالياً بحضرتهما..

لا تقاطعهما أثناء الكلام .. ولا تعاندهما .. أو تسخر منهما...

احترم وجودهما في الغرفة، ولا تمد رجليك أمامهما, أو تضطجع وهما جالسان إلا إذا أذنا بذلك...

حافظ على سمعتهما ومالهما...

لا تفضل زوجتك عليهما...

وأكرم أصحابهما في حياتهما وبعد مماتهما.

ولا تصاحب إنسانا ًغير بار بوالديه.

لا تتردد أبداً في تلبية طلبهما في شراء بعض اللوازم أو قضاء بعض الحاجيات.

تذكر كيف كان أحدهما يرعاك وأنت صغير ..كيف كان يلبي طلباتك ويسهر عليك!!.

أدخل السرور إلى قلبيهما بالإكثار من برِّهما, وتقديم الهدايا لهما .. وبكلِّ ما يحبَّان ... لا تؤذهما ولو بكلمة واحدة .. ولا تتأفف من قولهما أو فعلهما.

قال علي كرّم الله وجهه: (( استشرهما في كل الأمور .. واستفد من رأيهما ))..

اعمل بوصيتهما - إن كانا متوفيين - وصِلْ أرحامهما .. واخدم أصدقاءهما : فعن مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله ﷺ‬ إذ جاءه رجلٌ من بني سلمة فقال: يا رسول الله!  هل بقي من برِّ أبويَّ شيءٌ أبرُّهما به بعد موتهما؟

فقال: (( نعم: الصلاة عليهما, والاستغفار لهما, وإنفاذ عهدهما من بعدهما, وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما, وإكرام صديقهما )) ([238]).

أخيراً ادع لهما وخاصة بعد الموت .. وأكثر من قوله تعالى: ]وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرَاً[ ([239]).

 الفصل العشرون: كيف تتعامل مع الآخرين ؟

 أولاً : أمسك عليك لسانك:

اللسان نعمة من نعم الله تعالى .. فإن سخّرناها لتنطق بالخير .. وترشد إليه كانت وسيلة إلى الجنة في دار الخلود..

وإن نطقت بالشر .. ودلَّت عليه .. كانت وبالاً وشرّاً مستطيراً. فهلاًّ استخدمت لسانك في الخير والفضائل .. في التعبير عن حب الله وحب نبيه المصطفى ﷺ‬ وحب أصحابه .. في الإصلاح والإرشاد .. في أعمال الخير وأحاديث تنفعُ بها من يسمعك.

فهل يحفظ كلٌّ منا لسانه .. فلا ينطق إلا بالحق .. لا يكذب فيه ولا يغتاب .. ولا يطعن به عرض أحد من الناس أو يعيب فيه على أحد شيئاً..

لسان لا ينطق فيه بأسرار أهله .. ولا بأسرار وطنه .. ولا بأسرار عمله...

تذكر حديث رسول الله ﷺ‬:

(( وهل يكب الناس في النار على وجوههم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم )) ([240]).

قال سفيان الثوري:

((لو كان معكم من يرفع حديثكم إلى السلطان أكنتم تتكلمون بشيء؟

قلنا: لا ...

قال: فإن معكم من يرفع الحديث (يعني المَلَكَان) إلى الله تعالى ...!!)).

ومن الناس من يتفنن في تصيد هفوات العلماء و الأدباء, فما إن يُطرح اسم فلان  حتى تتلاقى السَّهام عليه .. وترفع السيوف تنهش في عرضه...

كان من أدب الإمام البخاري - وهو يدقق في الرواة ونقدهم عند جمع أحاديث رسول الله ﷺ‬ - أنه يقول عن الرجل: ((متروك)), ولا يقول عنه: ((كاذب))  أو ((مدلس)), فما بالكم إذا كان الحديث غيبة .. لا تقويماً للرجال ...

 ثانياً : عامل الناس بلطف:

 فهذا مشهد من المشاهد النبوية يعلِّمنا فيها رسول الله ﷺ‬ كيف نعامل من أخطأ، أو من لم يعرف الأدب.

أتى أعرابي إلى رسول الله ﷺ‬ وهو جالس في المسجد, فضاق عليه البول, فبال في المسجد رسول الله ﷺ‬. فقام الصحابة - والأعرابي يبول - يريدون أن يضربوه ويزجروه.

فقال ﷺ‬: (( دعوه, لا تزرموه, اتركوه )) ([241]). 

فجلسوا، وتركه رسول الله ﷺ‬ حتى انتهى.

فقال عليه الصلاة و السلام: (( إليَّ بذَنُوب  من ماء ... )) أي: دَلْوٍ من الماء فأتوا بذنوب.

فقال: ((ضعوه على بوله)), فصبوا الماء على البول, وانتهت المشكلة.

وقال: (( إليَّ بالرجل )).

فأتى, فوضع يده عليه بلطف وقال له: (( إن هذه المساجد لا يصلح شيء منها للأذى والقذر, إنما هي للصلاة, وذكر الله والتسبيح والتكبير والتهليل )) ([242]).

فقام الرجل, وصلَّى, فقال مع التحيات في آخرها: ((اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً)), وسلَّم. والرسول عليه الصلاة والسلام يعلم من قال ذلك, ولكن أليس من الحكمة أن يعمم السؤال؟ بدلاً من أن يقول: لماذا قلت ما قلت؟.

فقال عليه الصلاة والسلام: (( من القائل: اللهم ارحمني و محمداً ولا ترحم معنا أحداً )).

فقال الأعرابي: أنا يا رسول الله!. 

فقال عليه الصلاة والسلام: (( لقد حجَّرت واسعاً! لقد ضيَّقت رحمة الله )) ([243]).

والله سبحانه وتعالى يقول: ]وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[ ([244]).

وهكذا علَّمنا رسول الله ﷺ‬ كيف نعامل المؤلفين العصاة أو من لم يتعامل مع الناس بأدب.

وجاءه أعرابي آخر فقاطعه في الخطبة, فلم ينهر رسول الله ﷺ‬ ولم يشتمْه, واستمر عليه الصلاة والسلام في حديثه حتى انتهى. فقال: (( أين أُراه السائل عن الساعة؟ )), فسأل فأخبره([245]), فالمسألة في غاية البساطة, كان يمكن لأحد غير رسول الله ﷺ‬ أن يقول: قاطعتنا قاطعك الله, أو ينهره بكلمات قاسية, ولكن أخلاق النبوة ما كانت لترضى ذلك, فهل لنا أن نتعلم كيف نعامل الناس بلطف و أدب و احترام؟!

دخل أعرابي على أحد الخلفاء وقال له: يا أمير المؤمنين إني ناصحك فمغلظٌ عليك فاحتملني..

فقال له الخليفة: مهلاً يا أخا الإسلام! فإن الله قد بعث من هو خير منك - يعني موسى وهارون - إلى من هو شرٌّ مني - يعني فرعون - فقال لهما:

]اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ^ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنَاً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى[ ([246]). 

 ثالثاً : واغضض من صوتك:    

تلك وصية لقمان الحكيم  لابنه .. وما أجملها من وصية.

لا ترفع صوتك عالياً مثلما يفعل بعض الشباب في الشوارع والطرقات .. والمدارس و ملاعب الكرة... ومثلما يفعل البعض الآخر بسيارتهم أو في بيوتهم وهم يرفعون صوت "الكاسيت " .. إلى مستوى عالِ  دون مراعاة لمشاعر الآخرين .. ودون اكتراث بمريض أو نائم أو حزين.

إياك وهذر الكلام .. وكثرة الضحك .. و معاراة الإخوان..

فإن ذلك يذهب البهاء ويوقع الشحناء.

عليك بالرزانة و الوقار من غير كبر ولا خيلاء...

 رابعاً : أنت والآخرين:

·                   احترام إخوتك الأكبر منك ووقرهم .. واعطف على من أصغر منك واشملهم بحنانك... والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( ليس منا من لم يرحم صغيرنا, ويعرف شرَفَ كبيرنا )) ([247]).

يقول عمر الفاروق رضي الله عنه:

((إني أحب أن يكون الرجل في أهله كالصبي, فإذا احتيج إليه كان رجلاً)).

·                   التزم حسن الخلق في معاشرة إخوانك .. تعاون معهم .. وآثرهم على نفسك، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (( خيركم خيركم  لأهله, وأنا خيركم لأهلي )) ([248]).

·                   راعِ شعور إخوانك: لا تفرح أمام حزين .. ولا تصخب أمام نائم .. ولا تأكل أمامَ صائم...

·                   أحبب الخير لإخوتك .. فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

 (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) ([249]).

·                   تعوَّد أن تشكر من أسدى إليك معروفاً؛ فالرسول عليه الصلاة و السلام يقول:

(( من لا يشكر الناس لا يشكر الله )) ([250]).

·                   تعرف إلى أحوالهم .. واعمل على مساعدة من تستطيع مساعدته في دراسة أو حاجة أو مال.

·                   ابذل النصيحة لهم .. وادعهم إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة .. قال تعالى: ]وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَوٰةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا[ ([251]).

·                   اعتذر منهم عن الهفوات والزلات .. وتغاضى عما يصدر منهم من هنات وسيئات .. اقبل اعتذارهم .. ولا تعاقبهم على الدوام.

·                   تجنب إيذاء أحد منهم باليد أو بالسب أو بالكلام أو بالمزاح غير المهذب...

·                   تجنب الخصومات والمجادلات والخلافات ([252]).

 خامساً : كن متواضعاً:

·                   إذا كنتَ في مجلس فلا تقل: ((أنا فعلتُ كذا وكذا في خدمة الإسلام...)).

 ((وأنا مرهق من كثرة ما عملت وقدَّمْتُ للإسلام)).

فقد يكون بجانبك من عمل أضعاف أضعاف عملك, وتحمل الجهد في سبيل الله ولكنه قال: ((رحم الله حالنا ليتنا مثلك .. مَا قدَّمنا شيئاً للإسلام, وكان علينا أن نفعل شيئاً لخدمة هذا الدين)).

·                   إذا كنتَ في مجلس فلا تنتصر لرأيك .. وتعتقد أنه الصواب .. وتفرض رأيك على الآخرين.

تذكر آداب الحوار .. واحترم رأي الآخرين.

·                   لا تكن مغروراً تعتقد أنك على حق مطلق .. وأن غيركَ - إن خالفك - على باطل مطلق, بل وسِّع صدرك, واجعل حقك يحتمل الخطأ .. وباطل غيرك يحتمل الصواب..

وقلّما يعرف أحدٌ الحق كل الحق .. فحقك قد يكون مشوباً بشيء من الباطل .. وباطل غيرك قد يكون مشوباً بالحق. فأصغ إلى الآخرين.. أعمِل عقلك فيما تسمع وترى .. واستخرج منه خير ما فيه .. وإن أدى ذلك إلى أن تعدل عن رأيك إلى رأيه فافعل .. ولا تتضايق من ذلك, فاتبع الحق ولو على نفسك .. فالحق يعلو ولا يعلى عليه.

والله تعالى هو الحق, ويحب نصرة الحق .. وتعلو أنت منزلة عند الله وفي أعين الناس...

 سادساً : إيّاك والحرمات:

·                   إياك والاعتداء على حُرمات المسلمين .. أو الاعتداء على حرمة جارك أو صديقك .. في ماله أو نفسه أو زوجته .. ففي الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيتُ النبيَّ ﷺ‬ وهو يطوف بالكعبة وهو يقول:

(( ما أطيبك وأطيب ريحك .. ما أعظمك وأعظم حرمتك .. والذي نفس محمد بيده .. لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمةً منك ماله ودمه )) ([253]).

سئل النبي ﷺ‬: أي الذنب أعظم عند الله؟

قال: (( أن تجعل لله ندّاً وهو خَلَقَك )).

قلت: إن ذلك لعظيم.

قلت: ثم أي؟

قال: (( وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك )).

قلت: ثم أي؟

قال: (( أن تزاني حليلة جارك )) ([254]).

·                   استر على من ائتمنك على سره .. أو من اطَّلعتَ على عورته أو خطيئته التي تاب منها, ورجع عنها .. أو لا يريد أن يُطلع عليها أحداً من البشر .. فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة )) ([255]).

 سابعاً : لا تتبع السقطات:

·                   لا تتبع عورات الناس وأسرارهم؛ فمن الناس من يقضي وقته يسأل: لماذا طلَّق فلان فلانة .. وأين تمَّ تعيين فلان؟.. ولماذا نُقل فلان من منصبه؟.. أو أي سيارة اشترى فلان؟ أو كم من البيوت والمحلات يملك هذا أو ذاك؟.. فماذا يجني من هذا الحديث؟ وماذا يستفيد؟!.

·                   وإذا كنتَ طالباً فلا تتبَّع سقطات أستاذك وشيخك؟ فمن منا لا يخطئ .. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

(( كل ابن آدم خطَّاء, وخير الخطَّائين التوابون )) ([256]).

·                   وإذا كنتَ متزوجاً .. فلا تتحدَّث عن زوجتك .. عن صفاتها وأخلاقها .. عن عاداتها وتقاليدها..

 ثامناً : احفظ بصرك:

·                   إذا كنت شاباً ملتزماً فلا تطلق بصرك على النساء, خوفاً من الله تعالى؛ لا من أبيك وأمك .. ولا من أخيك وأختك..

جميل أن يرسم الشاب الملتزم الصورة الحسنة للشاب المسلم؛ فلا لغوٌ في أعراض الناس, ولا شحناء ولا بغضاء .. ولا كبيرة أو فحشاء.

يروى أنَّ ابن المنكدر - رحمه الله - عندما نزل به الموت بكى, فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: والله لا أبكي لذنب أعلمُ أني أتيتُه, ولكني أخاف أن أكون قد أذنبتُ ذنباً حسبتُه هيناً وهو عند الله عظيم!!.

وأخيراً: لا تمدنَّ عينيك إلى محارم الله..

ولا تسِرْ برجليك إلى ما حرَّم الله..

و احفظ فرجك كما أمرك الله..

ولا يدخلنَّ بطنك إلا من الحلال الطيب.

و احفظ عليك لسانك, فلا تغتب أحداً, ولا تذكر أحداً بسوء.

أوصى الإمام علي ولدَه الحسن - رضي الله عنه - فقال: يا بني احذر من الأمور ثلاثاً .. ووافق ثلاثاً .. واستحيِ من ثلاث .. وافزع إلى ثلاث .. واهرب من ثلاث .. وخف ثلاثاً .. وارجُ ثلاثاً..

فقال الحسن: فصِّلها يا أبي. فقال:

احذر من الكِبر .. والغضب .. والحرص المذموم...

ووافق كتابَ الله .. وسنةَ رسوله ﷺ‬ .. والصالحين من عباده...

وليكن حياؤك من الله .. ومن الملائكة .. ومن الصالحين...

وليكن فزعك خوفاً من المعصية .. وفزعك إلى التوبة .. وفزعك إلى طلب العلم...

واهرب يا بني من الكذب .. والخيانة .. والظلم...

واجتنب الشر وأهله .. والنفاق وأهله .. والحمق وأهله...

وخف من الله .. وممن لا يخاف الله .. ومن لدغات اللسان...

وارجُ الله في غفران ذنبك .. وفي قبول أعمالك .. وفي شفاعة نبيك ﷺ‬.

 تاسعاً : الكذب وخلف الوعد:

أليس من العجيب يا إخوتي أن يُسأل النبي ﷺ‬ عن المؤمن: هل يسرق؟ فيجيب باحتمال ذلك, وإن كان نادراً, فإذا سئل: هل يكذب المؤمن؟ قال: لا.

 أليس من العجيب أن يجعل النبي ﷺ‬ الكذب ثلث النفاق, وإخلاف الوعد الثلث الثاني, ثم يكون في المسلمين اليوم من يكذب ويخلف المواعيد؟!.

أليس عجيباً أن يأخذ الغرب أخلاقنا, فتكون لهم عادة وطبعاً, ويضيِّع المسلمون أخلاقهم؟!.

أليس عجيباً أن يقول الله في كتابه الكريم: ]َللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ[ ([257]), ثم يكون في المؤمنين من هو ذليل في نفسه, مضيّع لكرامته؟!.

أليس شرفاً أن نسمو بأفكارنا بعيداً عن الترهات والقيل والقال؟!.

أليس طهراً أن ننظف قلوبنا من كل وسوسة؟!.

أليس نقاءً أن نحافظ على أرواحنا طاهرة من كل دنس؟!.

أليست عفة أن نعف إيماننا عن أهواء النفوس وانحرافات شياطين الجن والإنس؟!.

نحن بحاجة إلى تغيير شامل في كل نواحي الحياة.

نحن بحاجة إلى غسيل للقلوب التي علاها صدأ الكراهية والحسد والغيرة والطمع والبخل.

نحتاج إلى قلوب طاهرة خيّرة نيّرة تحب الخير للجميع, ولا تفرق بين مسلم وآخر.               

 الفصل الحادي والعشرون: الإسلام والآخر

ترتكز علاقة المسلمين مع غيرهم سواء كانوا بينهم أو خارج حدودهم على ثلاثة مبادئ:

المبدأ الأول: لا إكراه في الدين.

المبدأ الثاني: الحوار والتعايش.

المبدأ الثالث: الوفاء بالعهد والمواثيق.

 1- لا إكراه في الدين:

فالإسلام يعطي غير المسلمين كافة حقوقهم الدينية؛ سواء من حيث اعتناق ديانةٍ محالفةٍ للدين الإسلامي، أو من حيث ممارسة شعائر ذلك الدين.

ومن عهد الخلفاء الراشدين والنصارى يؤدون عباداتهم ويقيمون شعائرهم في حرية وأمان.

ومن شدة حساسية الإسلام أنه لم يفرض الزكاة ولا الجهاد على غير المسلمين، لما لهما من صبغة دينية باعتبارهما من عبادات الإسلام الكبرى، مع أن الزكاة ضريبة مالية، والجهاد خدمة عسكرية!! وكلَّفهم مقابل ذلك ضريبة أخرى على الرؤوس أعفي منها النساء والأطفال والفقراء والعاجزين؛ وهي ما سميت (الجزية).

يقول الدكتور يوسف القرضاوي:

((ولم يجبر الإسلام غير المسلمين على ترك أمر يرونه في دينهم واجباً، ولا على فعل أمر يرونه عندهم حراماً، ولا على اعتناق أمر ديني لا يرون اعتقاده بمحض اختيارهم)) ([258]).

 2- الحوار والتعايش:

فالإسلام يأمر بالحوار مع كل المخالفين له، فلا ننفض أيدينا منهم ونعيش في حدود أنفسنا، بل إن القرآن يدعو إلى الحوار..

يقول تعالى: ]ٱدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكِ بِٱلْحِكْمَةِ وٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ[ ([259]).

فكل ما اشترطه القرآن هنا: أن يكون الجدال – الحوار– بالتي هي أحسن. أي: بأحسن الأساليب للوصول إلى إقناع العقل، وإيقاظ القلب.

ومن روائع التعبير القرآني هنا: أنه اكتفى في الموعظة لأن تكون حسنة، ولم يرضَ في الجدال أو الحوار إلا أن يكون بالتي هي أحسن، لأنَّ الموعظة مع الموافق، والجدال مع المخالف، فلا بد أن يستخدم معه أفضل الوسائل.

عليك أن تتمسك بهذا الأسلوب، ولا تنطلق في تعاملك مع المخالفين من كونك على الحق فقط، فينتهي الحوار فوراً، بل يجب الانطلاق من الأرضية المتفق عليها:

] ^وَلَا تُجَـٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ۖ وَقُولُواْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَ1حِدٌ وَنَحْنُ لَهُو مُسْلُِمُونَ[ ([260]).

ولا بد من إتقان فن السماع لوجهة نظر الآخرين؛ فالإسلام لا يلغي الآخر، بل يستمع إليه ويحاوره بهدوء وحكمة.

كما أن الإسلام حرص على حماية شعور الآخرين وعدم إيذائهم بالسب والقذف.

قال تعالى: ] وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوَۢا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ [ ([261]).

ومن هنا يتأكد أن الإسلام لا يرفض مبدأ الحوار مع الآخرين والمختلف معهم في مبدأ أو عقيدة. وهو يرفض الفكرة القائلة بصراع الحضارات، والتي يُروَّج لها الآن في الغرب.

 3- الوفاء بالعهود والمواثيق:

وهو مبدأ يتعلق بالدرجة الأولى مع من يقيم خارج ديار الإسلام، فالإسلام يوجب مسالمتهم حتى وإن لم يكن بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق.

والإسلام يدعو إلى احترام العهود والمواثيق، وبلغ من احترامه لتلك العهود أن اعتبر الذي ينقض العهود حيواناً أو أضل ([262]) !!

قال تعالى: ]إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوآبِّ عِندَ اللهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ^ ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِى كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ[ ([263]).

 أولاً : أنت في بلاد الغرب:

فإن أنت سافرت إلى بلاد الغرب فتذكر أنَّ لكل قوم خبرهم وشرهم .. ولهم محاسنهم مثلما لهم مساوئهم.

وسِّع عينيك ودقّق النظر فيما حولك .. خذ ما يرضي الله وما ينفعك .. وتجنَّب ما يغضب الله وما يؤذيك..

خذ منهم علمهم وما حَسُنَ من أخلاقهم وعاداتهم من صدق والتزام بالمواعيد ووفاء بالعهد .. فما هي إلا أخلاق القرآن .. واترك ما عندهم من إباحية وشهوات ونزوات .. فما هي والله إلا طريق الغواية والضلال.

تحمَّل الغُربة فإنها بغيضة ثقيلة .. ولكن هوِّن على نفسك .. واعلم أنَّ الغربة إلى قرب .. والبُعد إلى نهاية.

واجتهد أن تجعل غُربتك أحسن درس وأفيد علم .. فترجع إلى وطنك خيراً مما كنت .. وتكون مصدر إصلاح لمن حولك ولقومك..

حذار أن تغير من عاداتك الطيبة التي كسبتها هناك .. وأصلح ما فسد من قومك بالسلوك المستقيم والموعظة الحسنة ([264]).

واجتهد أن تترك تلك البلاد وقد خلَّفت سيرة حسنة وذكريات جميلة، وكن هناك نبراساً للإسلام الصحيح فأنت مسؤول أمام الله .. فإن كنت ذلك المسلم الحق بسلوكه وعاداته وحياته كلها كنت داعياً إلى الله ولو لم تتفوَّه بكلمة واحدة!.

وإن كنت – للأسف الشديد كما يفعل بعض المسلمين هناك – صورة مشوّهة للإسلام، أدخلتَ في قلوب الناس هناك كراهية الإسلام، بل والحقد على الإسلام والمسلمين.

 الفصل الثاني والعشرون:همسة في العمل

 أولا : عمل الأنبياء:

إياك والبطالة، أو التكاسل في طلب العمل .. تعلَّم مهنة أو حرفة تكسب منها الكسب الحلال .. فقد حثَّ الإسلام على العمل والإنتاج.

وكان الأنبياء جميعاً يزاولون الأعمال الحرة .. ويتخصصون ببعض الحرف..

فهذا زكريا عليه السلام قد عمل نجاراً.

وعمل داود عليه السلام حداداً.

وعمل موسى عليه السلام أجيراً.

وكلٌّ رعى الغنم كما أشار رسول الله ﷺ‬ في أحاديثه..

وكلٌّ مشى في الأسواق كما أشار القرآن.

 ثانياً : عمل الصحابة:

وكذلك عَمِلَ الصحابة حتى سارع أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى السوق صبيحة يوم استخلافه، وعلى رأسه أثواب يريد أن يتَّجر فيها، وقد كاد يفعل لولا أن منعه عمر وأبو عبيدة ليفرغ لأمور المسلمين، إذ قالا: كيف تصنع هذا وقد وُليت أمور المسلمين؟!.

قال: فمن أين أُطعِم عيالي؟!

قالوا: نفرض لك، ففرضوا له كل يوم شطر شاة.

وكان الصحابة يعملون، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان أصحاب رسول الله ﷺ‬ عمَّال أنفسهم، وكان يكون لهم أرواح (أي رائحة كريهة من العرق) فقيل لهم: لو اغتسلتم)).

فلا تنزعج يا أخي من رائحة ثيابك أثناء العمل، ولكن لا تؤذِ برائحتها أحداً في المسجد وغيره.

ولم يستنكف علي بن أبي طالب أن يعمل أجيراً عند يهودي لقاء تمرات معدودات. فقد روى ابن ماجه عن ابن عباس قال: أصاب نبي الله ﷺ‬ خصاصة، فبلغ ذلك علياً، فخرج يلتمس عملاً يصيب فيه شيئاً لِيُقِيت به رسول الله ﷺ‬، فأتى بستاناً من اليهود، فاستسقى له سبعة عشر دلواً، كلُّ دلوٍ بتمرةٍ، فخيَّره اليهودي من تمره سبع عشرة عجوة، فجاء به إلى نبيِّ الله ﷺ‬ ([265]).

وحين سخَّر الله تعالى لنا البحر بقوله تعالى: ]وَهُوَ ﭐلَّذِﻱ سَخَّرَ ﭐلْبَحْرَ[ ([266]) لم يُرد أن البحر يقذف للناس بالأسماك يأكلونها لحماً طرياً، وإنما لفت النظر إلى أن مصادر الرزق كامنة في البحر مهيأة لمن يبذل الجهد في استخراجها والانتفاع بها فقال: ]وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ[.

وهكذا فإن التسخير قوة كامنة لا يظهرها إلا العمل ([267]).

 ثالثاً : أنت مؤتمن على وظيفتك:

إن كنت موظفاً فتذكر أنك مؤتمن على تلك الوظيفة .. فلا تعبس في وجوه إخوانك من المراجعين .. لا تعطَّل مصالحهم .. ولا تؤخِّر معاملاتهم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

فمن الشباب الموظف من يأتي عمله متأخراً .. ويخرج قبل نهاية الدوام بساعات .. والله سيسأله يوم القيامة عن عمله وعن ماله إن كان قد كسب هذا المال بعد أن أدى عمله كاملا أم لا..!!

أخلص في عملك .. وضاعف إنتاجك فالله يحب من يتقن عمله .. فمن الموظفين الآخرين

من يقضي وقته - أثناء الدوام - في زيارة الموظفين الآخرين .. ينقل الحديث من شخص لآخر .. سعياً بالنميمة.

 رابعاً : لا تكن عاطلاً عن العمل:

ومن الشباب من أصبحوا صرعى حب المال والجاه .. حب السيارات الفارهة .. والملابس المترفة...

فمنهم من عاش عاطلاً عن العمل يأخذ المال من أبيه .. ومنهم من التحق بوظيفة من الوظائف، ولم يقنع بمرتبه الصغير .. ورأى من زملائه من اغتنى عن طريق النصب أو الاحتيال .. أو الرشاوي وبيع الضمير .. فقلدهم في ضلالهم وخسر خسرانهم وباع دينه بدنياه.

اسأل نفسك مرة: أي الرجلين أسعد حالاً وأهدأ بالاً .. وأكثر سكينة وطمأنينة؟!..

أذلك الشاب الذي مات ضميره وزاد دخله بلا حسبان لحلال أو حرام..

أم من سعد بقناعته .. واطمأن إلى استقامته, واغتبط بما أعطاه الله وبارك له فيه من مال وزوجة وأولاد...؟!.

يقول سفيان الثوري - وهو من كبار التابعين الذي لُقب (بإمام الدنيا) - يقول لعلي بن الحسن فيما يوصيه:

((يا أخي عليك بالكسب الطيب .. وهو ما تكسب بيدك .. وإياك وأوساخ الناس أن تأكله أو تلبسه...

فالذي يأكل أوساخ الناس يتكلم بهوى .. ويتواضع للناس مخافة أن يُمسكوا عنه (أي: يُمسكوا عطائهم له).

وإن تناولت من الناس ودَعَوْكَ إلى المنكر أجبتهم...

يا أخي: جوع وقليل من العادة خير من تشبع من أوساخ الناس.

فاتق الله يا أخي؛ فإنه ما نال أحد من الناس شيئاً إلا صار حقيراً ذليلاً عند الناس.

وإياك أن تكسب خبيثاً فتنفقه في طاعة الله )).

 الفصل الثالث والعشرون: أمةٌ اقرأ لا تقرأ

هذه دعوة للقراءة .. لأمة فيها ما يقرب من نصف سكانها أميًّون لا يقرؤون ولا يكتبون...!!

وكثير من النصف الثاني .. من المتعلمين وحملة الشهادات .. لا يقرأ بعد أن انتهى من تحصيل شهاداته العلمية.

ففي دراسة حديثة تبين أن الإنسان الإنكليزي يقرأ في السنة (17) كتاباً، والأمريكي (12) كتاباً، أما العربي فمتوسط ما يقرؤه في السنة نصف صفحة!!

فلماذا لا نقرأ أكثر مما نسمع ونشاهد؟ لماذا لا تقرأ أمةٌ أمرت في أول كلمة نزل بها الوحي .. ((اقرأ)).

لماذا يشتري الشباب العشرات من أشرطة الكاسيت أو الفيديو أو الأقراص المدمجة (CD) لمطربين ومطربات .. ولا يشتري الواحد منهم لنفسه كتاباً واحداً..؟! ([268]).

تذكر أن القراءة هي التي قادت أمماً .. كانت غير ذات قيمة .. إلى قمة المجد .. فصارت لهذا اليد الطولى في الأرض.

فهل يقرأ شبابنا تاريخ أمتهم .. قصص الأنبياء والصحابة والتابعين..

يقرأ في العلم والأدب .. والفقه والسيرة .. والتاريخ والحكمة .. من بعد كتاب الله بما فيه من هداية ونور للإنسان.

هل خُلقنا فقط لمشاهدة المسلسلات .. وسماع أشرطة الكاسيت بما فيها من أُغنيات ماجنات .. أم نقضي الساعات والساعات على الإنترنت و(الشات)؟..

احرص في هذا السن على اكتساب ثقافة واسعة، فكثيراً ما تجد أطباء أو مهندسين أو نحوهم، وهم على معرفة واسعة بمهنتهم، ولكنهم أشباه عوام في غير تخصصهم .. تسمع آراءهم ونقاشهم في غير اختصاصهم، فتستغرب مدى سطحيتهم وقلة معارفهم في غير فنِّهم.

والثقافة لا تأتي من تلك الجرائد الرخيصة، أو المجلات التافهة .. فكثير من تلك المجلات الرخيصة تضر أكثر مما تنفع .. فهي تعمد إلى إثارة الغرائز الجنسية بأحاديثها وقصصها .. بالصور العارية واللقطات المثيرة..

ولا تظنن أنك تستطيع أن تكون طبيباً عظيماً، أو مهندساً متقناً، أو أستاذاً بارعاً، أو خطيباً مفوهاً بقراءتك في المجال الذي تتخصص فيه وحده ([269]). حاول أن تكون لك هواية في فرع من فروع الثقافة العامة، كنوع من دراسة التاريخ، أو الدراسات الاجتماعية، إضافة إلى دراستك الخاصة.

ولا تنس ثقافتك الدينية، تستطيع بها أن تزيد إيمانك .. وتخلص لله في عملك، وتزيدك حباً في الله ورسوله .. وتجعلك تعبد الله تعالى على هدىً وبصيرة .. وتستطيع بها أن تقاوم الشبهات، وتدافع عن دينك إن دخلتَ في نقاش مع أحد ... وتنقل هذه الثقافة الدينية الرصينة إلى زوجك وأولادك.

وإن كنت من محبِّي الروايات فهناك روايات إسلامية، كتلك التي كتبها الدكتور نجيب الكيلاني، وروايات الدكتور عماد زكي (البحث عن امرأة مفقودة)، و(دموع على سفوح المجد).

وروايات الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: (مموزين) و(سيامند)، وقصص الدكتور عبد الحميد جودة السحار، والدكتور علي أحمد باكثير، وروايات (بنت الهدى) مثل: (الفضيلة تنتصر)، و(لقاء في المستشفى) وغيرها.

احرص على العلم واكتسابه فلا رقيَّ للأمم من دون علم، واجعل علمك لله تعالى، يقول معاذ بن جبل - وهو رافع لواء العلماء يوم القيامة - رضي الله عنه:

((تعلموا العلم .. فإن تعلَّمه لله خشية..

وطلبه عبادة..

ومدارسته تسبيح..

والبحث عنه جهاد..

وتعليمه من لا يعلمه صدقة..

به يطاع الله .. وبه يُوحَّد .. وبه يُمجَّد .. وبه يُعرف الحلال والحرام)).

 الفصل الرابع والعشرون: انصر لغتك العربية

 أولاً : خطأ أمريكة في اليابان:

عندما هُزِمت اليابان في الحرب العالمية الثانية كان على إمبراطور اليابان أن يوقِّع معاهدة الاستسلام للأمريكان.

ذهب إلى القائد الأمريكي في اليابان وأعلمه أنه موافق على كل الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة للاستسلام، ولكنه طلب من القائد الأمريكي طلباً واحداً، وهو الإبقاء على اللغة اليابانية في اليابان!!.

تساءل القائد الأمريكي آنذاك ما قيمة اللغة اليابانية - وهي خطوط (خرابيش) غير مفهومة - أمام كل التنازلات التي قدَّمها الإمبراطور؟ فوافق القائد الأمريكي على ذلك الشرط.

لم يكن يعلم ذلك القائد فداحة الخطأ الذي ارتكبه .. ولم يكن عندها يدرك قيمة الحفاظ على الهوَّية اليابانية المتمثلة بلغتها الأصلية .. إلى أن أعلن أحد نوّاب الكونجرس الأمريكي حديثاً أن أكبر خطأ ارتكبته الولايات المتحدة في علاقتها باليابان كان تلك الموافقة على مطلب الإمبراطور الياباني!! فبالحفاظ على هوِّيتها ولغتها وبإخلاصها وتفانيها في عملها، استطاعت اليابان أن تعود إلى القمة خلال أقل من نصف قرن!!.

أسوق هذه القصة لكي ندرك الخطر الذي يهدِّد اللغة العربية في الوقت الحاضر.

 ثانياً : الحرب على اللغة العربية:

فغياب اللغة الفصحى في مجتمعنا من ناحية، وانتشار الدعوة للكتابة باللغة العامية .. واستشراء سرطان استخدام اللغات الأجنبية في التعليم .. وعلى واجهات المحلات في الشوارع .. كل ذلك يعكس عمق الأزمة الحضارية التي نعانيها، والتي تنعكس في صعوبة تواصل الأجيال مع تراثها الحضاري، وعدم قدرتها على فهم القرآن الكريم بشكل أساسي.

وللأسف فإن كثيراً من القائمين على أمر التعليم والإعلام لا يبدون أي اكتراث نحو تلك المشكلة.

ولا ننسى ما قاله الحاكم الفرنسي للجزائر: ((يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم .. ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم!!)).

ولا ننسى أيضاً قول (كرومر): ((متى توارى القرآن يمكننا أن نجعل العربي يتدرج في سبيل الحضارة. ولا يتوارى القرآن حتى تتوارى اللغة)).

وقد أكد هذا الخطر كبير المبشرين (د.زويمر) حين قال: ((إن اللغة العربية هي الرباط الوثيق الذي يجمع ملايين المسلمين على اختلاف أجناسهم ولغاتهم .. وإنه لم يسبق وجود عقيدة مبنية على التوحيد أعظم من عقيدة الإسلام الذي اقتحم آسية وإفريقية الواسعتين، وبثَّ عقائده وشرائعه .. وأحكم عروة الارتباط باللغة العربية)).

يقول الدكتور أنور الجندي في كتابه (مقدمات العلوم والمناهج):

((إن اللغة العربية لغة اشتقاق تقوم على أبواب الفعل الثلاثي، والتي لا وجود لها في اللغات الأخرى التي تكتب بالحروف اللاتينية.

فإذا قابلنا اللغة العربية باللغات الاشتقاقية كالإنكليزية والفرنسية، نجد أن العربية امتازت بخصائص أكفل بحاجة العلوم. ومن ذلك سعتها، فعدد كلمات اللغة الفرنسية (25) ألف .. وكلمات اللغة الإنكليزية (100) ألف.

أما العربية فعدد كلماتها يقارب نصف مليون كلمة، فمعجم لسان العرب يحتوي على (80) ألف مادة (لا كلمة)، ومواد اللغة العربية تتفرع إلى كلمات .. فإذا فرضنا أن نصف مواد العجم منصرفة، بلغ عدد ما يشتق منها نصف مليون كلمة. وليس في الدنيا لغة اشتقاقية أخرى غنية بكلماتها إلى هذا الحدّ.

واللغة العربية تتميز بطريقة عجيبة في التوليد والاشتقاق .. جعلت آخر هذه اللغة يتصل بأولها في نسيج متلاحق. فإذا أخذنا مثلاً كلمة (كتب) واشتققنا منها (كاتب) و(كتاب) و(مكتبة) و(مكتوب) و(مكتب)، وجدنا أن الحروف الأصلية موجودة في كل كلمة من هذه الكلمات المشتقة، وأن معنى (الكتابة) موجود كذلك.

على عكس اللغات الأوروبية حيث لا توجد في كثير من الأحيان أية صلة بين كلمات الأسرة الواحدة:

فكَتَبَ في الإنجليزية: (write)، والكتاب: (book)، ومكتبة: (Library). ولا علاقة بين حروف هذه الكلمات. وهذا ما جعل لغةً مثل اللغة الإنكليزية تختلف من جيل إلى جيل، ولا توجد تلك الصلة بين ماضيها وحاضرها)) ([270]).

 ثالثاً : المدارس الأجنبية:

وللأسف الشديد فقد انتشرت المدارس الأجنبية التي تعلِّم المناهج باللغة الإنكليزية في بلادنا العربية، وأحسب أن مردَّ ذلك في جزء كبير منه هو عقم المناهج الدراسية في أكثر بلادنا العربية، وطرق الدراسة، واعتمادها على التحفيظ دون الفهم، وغير ذلك من الأسباب.

إضافة إلى أن كثيراً من آباء هؤلاء الذين يدفعون بأبنائهم إلى المدارس الإنكليزية والأمريكية يريدون أن يضمنوا لأبنائهم مستقبلاً علمياً سهل المنال، فحين يتخرج الطالب من المدارس الأجنبية يكون مهيّأً لدخول الجامعات الأوروبية والأمريكية بصورة أكثر تيسيراً!!.

ولكن الواقع غير ذلك، فكثير من الطلاب الذين تخرجوا من المدارس العربية، استطاعوا دخول الجامعات الأوروبية والأمريكية .. وأتقنوا لغات تلك البلاد، وعادوا إلى بلادنا العربية بالشهادات العليا، واحتلوا أماكن مرموقة في المراكز الأكاديمية أو العلمية .. ولم يكن أحدهم قد درس في مدرسة أجنبية في مرحلة ما قبل الجامعة على الإطلاق!!.

ولا شك أن السبيل الأول لبناء المسلم الحقيقي على الأرض هو إتقانه للغة الإسلام، فقد نص القرآن الكريم على أنه قد أنزل ]قُرْءَٰناً عَرَبِيّاً[ ([271])، و ]بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ[ ([272]).

وهما نصان صريحان على أنه تعالى قد ألقى مسؤولية حمل الرسالة إلى البشر على كاهل أصحاب هذه اللغة الشريفة. وإنها لشريفة ما دام الله قد شرفها بأن اختارها ليخاطب بها البشر عبر كتاب معجز من كلامه جلّ جلاله.

يقول أبو منصور الثعالبي:

((إن من أحب الله أحب رسوله المصطفى ﷺ‬...

ومن أحب النبي العربي أحبَّ العرب...

ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي نزل بها أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب...)).

هذا وقد كرَّه علماء الأمة لمن يعرف العربية أن يُسمى بغيرها، وأن يتكلم بها خالطاً لها بالعجمية.

 الفصل الخامس والعشرون:همسة في مواجهة الشبهات

لا بد لكل شاب أن يعرف أن الإسلام يواجه موجة عاتية من التحديات والمغريات بما نشاهده في وسائل الإعلام المختلفة؛ من برامج ومسلسلات وأحاديث تسعى إلى تفكيك القيم التي يدين بها المجتمع الإسلامي ... وتشويه صورة المسلمين ... وإقصائهم عن الساحة.

 أولاً : تفكيك قيم الإسلام:

ويسعى الحاقدون على الإسلام إلى:

تفكيك قيم الالتزام والحياء .. إلى قيم التحرر والتمرد عند الشباب والفتيات.

وتفكيك قيم الزواج والأسرة .. إلى قيم الاختلاط والعلاقات العاطفية خارج إطار الزواج.

وتفكيك قيم اللجوء إلى الله عند الشدائد .. إلى قيم اللجوء إلى البارات والسُّكر والرقص والعربدة.

ويهدف التفكيك إلى التشكيك البطيء في القيم السائدة، تمهيداً لإحلال القيم البديلة من المجتمع العلماني .. وذلك تحت شعارات برَّاقة: كالتنوير .. والتحرر .. والتقدم .. والعقلانية. وذلك من خلال عدة وسائل منها:

1- التشويه:

وذلك من خلال تقديم العيوب الاجتماعية الناشئة عن تقاليد وعادات بالية لا علاقة لها بالدين أساساً ... على أنها عيوب مرتبطة بقيم المجتمع ودينه.

فلكي يُشيع العلاقات غير المشروعة بين الشباب والفتيات .. من خلال الصداقات والحب والقبلات .. ينسج المخرج مسلسلاً لأسرة متعسفة: الوالد ديكتاتوري منفِّر يقف أمام رغبات الشباب ... والوالدة امرأة جاهلة متمسكة بتقاليد وعادات لا علاقة لها بالدين.

ويقدِّم المخرج لنا ضحايا وشهداء على مائدة الحب .. ليستجلب العطف على النموذج المتحرر من الشباب .. فيُظهر لنا سلبيات (الزواج ضد رغبة الفتاة)، وهو يعرف أن الإسلام أصلاً يرفض الزواج من دون موافقة الفتاة، ويرفض القهر والديكتاتورية . إلا أن المخرج يريد أن يُظهر لنا أن الحل لا يأتي من الالتزام بمبادئ الدين الأصيلة، إنما يأتي من قيم المجتمع المتحرر من الدين!!

وكذلك يتم تشويه رموز الدين، في حين يزيِّن المخرج صورة الرجل المتحرر فهو مثال النظافة والذوق والأدب. أما رجل الدين فيظهره بمظهر مشين بثياب رثة بالية .. ومعاملة سيئة مع الآخرين.

ويكون مدرِّس اللغة العربية أو الدين ضحية لمدرِّس اللغات الأجنبية ومدرِّس الموسيقى والرقص.

كما يتم تشويه صورة المحجبات والجلباب بمظهر التخلف والعودة إلى الوراء.

في حين تُمجَّد الراقصة على أنها مثال للكفاح والإنسانية!!!

2- الإقصاء:

وهو أسلوب آخر من أساليب تفكيك قيم المجتمع. ويتم في وسائل الإعلام المختلفة من خلال تجاهل النماذج التي لا يرغبون بها، في حين يتم عرض النموذج العلماني ليل نهار.

فإذا كان المطلوب في أحد برامج الفضائيات تقديم علماء .. قُدِّم النموذج العلماني.

وإذا كان المطلوب تقديم نماذج للفكر والأدب .. قدِّمت الرموز العلمانية ...

مع أن الثابت في أرض الواقع أن الملتزمين بالإسلام هم أكثر الناس ثباتاً حين يفرُّ غيرهم .. ويؤتمنون جين لا يؤتمن غيرهم. وعندما يكون المطلوب تقديم برامج حوارية، تُطرح كل الآراء العلمانية ويتم السكوت عن الآراء غير المرغوب بها عمداً، أو يؤتى برجل من النوعية الضعيفة ليمثِّل الرؤية الإسلامية ([273])!!.

 ثانياً : شبهات حول الرسول ﷺ‬:

احذر أخي الشاب التسميات التي يروجها الكفار للإسلام، كأن يقول عن المسلم: إنه ((مُحمديّ)) – كما تجد ذلك في قواميس اللغة الإنكليزية – فهذه تسميات خبيثة يريدون من ورائها القول: إن الإسلام من صنع محمد ﷺ‬!!.

وكيف لنا أن نقبل بغير الاسم الذي سمَّانا به رب العالمين:

]هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُۙ وَفِى هَـٰذَا ۖ  لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ[ ([274]).

يقول مؤلف كتاب (العظماء مئة أولهم محمد ﷺ‬):

((إن كل قائد أو رئيس جماعة في الدنيا كان له أسراره الخاصة، التي لا يطلع عليها لا خاصته ولا عامته، أما محمد ﷺ‬ فهو الوحيد الذي لم يكن له أسرار خاصة ولا حياة خاصة، بل كان أصحابه يعلمون كل دقائق حياته، حتى علاقاته مع نسائه قد علمها المسلمون، وأصبحت عندهم سنَّة يتعبدون بها إلى الله، فهل في الدنيا خُلُق كخلق رسول الله ﷺ‬؟!)).

ولا ننسى الشبهات التي يطلقها أعداء الإسلام حول تعدد زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام، واتهامه بأنه كان مغرماً بالنساء.

ثم كان زواجه من أمهات المؤمنين بدوافع متعددة؛ كتزوُّج الأرامل التي استشهد أزواجهن في الحرب، أو التقرب إلى القبائل بالمصاهرة.

ويكفي أن نعلم أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتزوج إلا بكراً واحدة هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ([275]).

يقول العالم الأمريكي أليكسي لوازين:

 ((لقد خلَّف محمدٌ ﷺ‬ للعالم كتاباً هو سجل البلاغة وآية الأخلاق، والانسجام التام بين تعاليم الإسلام وبين القوانين الطبيعية، ولا يوجد تعارض بين حقيقة علمية وحقيقة قرآنية، وهذا الأمر أتعبنا جداً في ديانتنا هذه، لأنها ليست منسجمة مع حقائق الوجود، وذلك لأن التحريف وصل لها)).

ويقول القديس بودلي الأمريكي:

((إن القديس بطرس لو عاد إلى رومة لامتلأ عجباً من الطقوس الدينية الضخمة وملابس الكهوف المزركشة!! فلن تُعيد البخورُ، ولا الصورُ، ولا الرقعُ، ولا التماثيلُ، إلى ذهنه أي شيء من تعاليم سيده المسيح.

ولكن لو عاد محمد إلى أي مسجد من المساجد المنبثة في العالم ما بين لندن وزنجبار لوجد نفس الشعائر الدينية التي كانت تقام في مسجده المبني من الطوب وجذوع الأشجار في المدينة)) ([276]).

 ثالثاً : التحديث .. والتغريب:

مصطلحان يترددان على كثير من الألسنة؛ فما هو التحديث؟

التحديث: هو امتلاك كل أنواع المعرفة التي يتفوق بها الغرب، من إنتاج للمعدات التي ينتجها الغرب والدول المتطورة الأخرى، وامتلاك الوسائل التقنية التي تحتاج إليها الأمم لتحقيق التقدم العلمي والصناعي. وهذا أمر مطلوب وضروري للأمة.

أما التغريب: فيبدأ من إقناع الأمة الشرقية الإسلامية أنها متخلفة في جوهرها، وفي تاريخها، ولا بد أن تنسلخ من كل ما يربطها بماضيها، ويميز ذاتها. وإعادة تشكيل المجتمع على الطراز الغربي من حيث العادات والمظاهر السلوكية، مع إبقائه متخلفاً عاجزاً عن اكتساب معارف الغرب وإنتاج تقنياته.

ولدينا نموذجان واضحان لكلا النوعين؛ نموذج لدولة عرفت الطريق الصحيح، وهو التحديث لا التغريب، فكانت القفزة الهائلة إلى التقدم ونموذج آخر متخلف اختار التحديث عبر بوابة التغريب!.

فالنموذج الأول: هو اليابان؛ تمسكت بدينها، وأصبح المعبد أو الهيكل جزءاً أساسياً في كل مصنع، واحتفظ الياباني بحياته العائلية والاجتماعية وتقاليده وتراثه. وظلت المرأة على احترامها لزوجها، وحافظ المجتمع الياباني على ذاتيته، وتفوق في كل المجالات الصناعية والإلكترونية وغيرها.

وهناك نموذج إسلامي آخر هو نموذج (ماليزية) تلك الدولة الإسلامية التي نهضت نهضةً عظمى خلال ربع قرن، فأصبحت في مصافِّ الدول المتقدمة، وقد حافظت على إسلامها وعلى مبادئ دينها، وارتقت ولم يكن الدين سبب التخلّف كما يدَّعون!!.

أما النموذج المضاد تماماً، فتركية بعد الحرب العالمية الثانية، التي اندفعت بأقصى ما استطاعت حكومة أن تجبر شعبها الشرقي في اتباع سياسة التغريب..

كتبت من الشمال إلى اليمين، وبحروف لاتينية كالغرب، وخلعت الإسلام، وقرأت القرآن والأدب باللاتيني، وعطلت يوم الأحد، وحوَّلت بعض المساجد إلى متاحف، وحررت المرأة على أوسع نطاق، وجعلت الزواج والطلاق على الطريقة الغربية وحتى الميراث، ولم تترك صغيرة ولا كبيرة من مظاهر الغرب إلا وقلَّدتها...

ومع ذلك طلت دولة متخلّفة، وبقيت خارج نطاق الدول الصناعية المتطورة ([277]). ولكن في السنين الأخيرة ظهرت الصحوة الإسلامية فيها، وبدأت الأمة التركية تدرك أن الإسلام هو الحل الأمثل!.

ولقد مرَّ على العالم الغربي نحو قرنين من الزمن .. آمن الناس خلالهما أن العلم هو كل شيء، وأن لا داعي للدين والإيمان .. واعتقدوا أن النظم السياسية والاقتصادية قادرة على إسعاد العالم..

وتقدم العلم .. وتقدَّمت النظم السياسية والاقتصادية، ولم يروا السعادة التي كانوا يطمحون إليها .. بل عاشوا ويلات الحرب العالمية الأولى والثانية .. عندها أيقن كثير من العلماء أن العلم وحده لا يكفي لإسعاد الشعوب، وأن العلم في حاجة إلى الدين .. وأن العقل في حاجة إلى القلب...

تذكَّر أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي ينظم حياة الفرد، وحياة الأسرة.

وهو القانون المدني والجزائي..

وهو القانون الدولي والأخلاق والفلسفة..

وهو الذي يشرِّع للعلم طريق البحث، ويضع للعقل قواعد التفكير.

إن ديناً هذا شأنه لا يصح أن يُعدّ مع الأديان التي لا تتجاوز أحكامها عتبات معابدها...

 رابعاً : ما هي العَلْمانية؟:

العلمانية أو اللادينية أو الدنيوية: هي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين. وهي دعوة نشأت في الغرب تحت ضغط تحول رجال الدين إلى طواغيت وكمحترفين سياسيين ومستبدين تحت ستار الإكليروس، والرهبانية، والعشاء الرباني، وبيع صكوك الغفران، ووقوف الكنيسة ضد العلم، وهيمنتها على الفكر، وتشكيلها لمحاكم التفتيش، واتهام العلماء بالهرطقة وغير ذلك...

إذا كان هناك عذر ما لوجود العلمانية في الغرب، فليس هناك أي عذر لوجودها في الشرق ([278]).

وقد انتشر عدد من المعتقدات العلمانية في العالم العربي والإسلامي وأهمها:

1- الطعن في حقيقة الإسلام والقرآن.

2- الزعم بأن الإسلام عبارة عن طقوس وشعائر روحية، وأنه قد استنفذ أغراضه.

3- الزعم بأن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة، ويدعو إلى التخلّف.

4- الدعوة إلى تحرير المرأة وفق الأسلوب الغربي.

5- تشويه الحضارة الإسلامية، وتضخيم الحركات الهدامة في التاريخ الإسلامي والزعم بأنها حركات إصلاحية.

6- اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية عن الغرب.

7- تربية الأجيال تربية غير دينية.

وتذكر (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة): أن من أبرز دعاة العلمانية في العالم العربي والإسلامي: أحمد لطفي السيد، طه حسين، قاسم أمين، إسماعيل مظهر، مصطفى كمال أتاتورك، سوكارنو، سوهارتو وغيرهم.

وخلاصة العلمانية أنها ترتكز على عزل الإسلام عن الحياة والدولة، وإقصاء المؤسسات الإسلامية، وتبني معايير الأحكام الغربية، وسن التشريعات الوضعية، ومحاكاة الأنساق الاجتماعية الغربية، فضلاً عن الارتكاز على شعار: ((الدين لله والوطن للجميع))، هادفة من وراء ذلك إقصاء الإسلام عن أن يكون له الوجود الفعلي في الحياة ([279]).

 خامساً : هل الإسلام يكبت الحياة؟:

من علماء النفس الغربيين من هاجم الإسلام وقال:

((إن الالتزام بالدين يكبت النشاط الحيوي للإنسان، وينكد عليه حياته، نتيجة الشعور بالإثم، ذلك الشعور الذي يستولي على المتدينين بشكل خاص، فيخيل لهم: أن كل ما يصنعونه خطايا لا يطهرها إلا الامتناع عن ملذات الحياة))

وبعض الناس يردد القول الآتي:

((لقد ظلت أوروبة غارقة في الظلام طيلة تمسكها بالدين، فلما نبذت قيود الدين البالية تحررت مشاعرها من الداخل، وانطلقت في عالم العمل والإنتاج)).

ويسألون أيضاً: أتريدون أن تعودوا بنا مرة أخرى إلى هذا الكبت؟ تريدون أن تكبتوا المشاعر، وتنكدوا على الشباب المتدفق؟ أتريدون أن تعودوا إلى ((هذا حلال وهذا حرام)) بعد أن تحررنا منه؟!

ويقولون كذلك: إنه إذا شاع الاختلاط بين الشباب والفتيات تتهذب طباع كل منهما، وتقوم بينهما بعد ذلك صداقات بريئة. أما إذا ضرب بينهما بسور من الاحتجاب، فإن نوازع الجنس تلتهب وتغري كلاًّ منهما بصاحبه، ويشيع بعد ذلك الكبت في النفوس!!.

ولا بد من توضيح زيف تلك الادعاءات من تحديد مفهوم ((الدين)) الذي تحررت أوروبة منه؛ فالصورة التي يعرفها الغربيون عن ((الدين)) هي صورة إبان عصور الظلام حينما كان الرهبان يتحكمون في كل شيء حتى في الملوك أنفسهم، حينما قُتل العلماء في كل المجالات والعلوم لأنهم تجرَّؤوا وفكَّروا، فكان نتيجة تفكيرهم حقائق علمية تصطدم بتعاليم دينهم المحرَّف، وانتشرت صكوك الغفران...الخ.

تلك هي صورة الدين عندهم عندما يتحدثون عن الدين، لذلك فقد انطلقوا عندما ثاروا عليه، ونحن معهم في هذه الثورة!!.

أما عندنا فقد توقف تقدمنا عندما أهملنا ديننا، واسألوا التاريخ كيف كان المسلمون عندما تمسَّكوا بدينهم، وكيف أصبح واقعنا الحالي متخلفاً هزيلاً عندما تخلَّينا عن مبادئ ديننا؟!.

أما ما يقال عن كبت الإسلام للنشاط الحيوي؛ فينبغي أن نحدد معنى ((الكبت)) أولاً؛ فليس الكبت هو الامتناع عن إتيان العمل الغريزي، ولكن الكبت ينشأ من استقذار الدافع الغريزي، وعدم اعتراف الإنسان في حقيقة نفسه أنه يجوز أن يخطر في باله هذا الدافع.

فالذي يأتي هذا العمل، وفي شعوره أنه يرتكب قذارة لا تليق به، شخص يعاني من الكبت حتى ولو ((ارتكب)) هذا العمل عشرين مرة كل يوم.

إن دعوى الاختلاط بين الشباب والفتيات لتهذيب الطباع وإقامة صداقات بريئة هي دعوى يعلم زيفها من يطلعها، وإذا ما أحس الشاب بالرغبة الجنسية الدافقة فليس في ذلك منكر، ولا يوجد داع لاستقذار هذا الإحساس والنفور منه، إنما يطلب الإسلام من الشباب أن يضبط هذه الشهوات، ويعلق تنفيذها إلى الوقت المناسب.

إن ما يقال من تنكيد الدين على أتباعه، ومطاردتهم بشبح الخطيئة في يقظتهم ومنامهم غير صحيح أبداً، فالله تعالى يفتح باب المغفرة قبل أن يذكر العذاب.

والخطيئة في الإسلام ليست وحشاً يطارد الناس، فخطيئة سيدنا آدم ليست سيفاً مسلَّطاً على كل البشر ]فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَـٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِۚ[ ([280]).

وأبناء آدم ليسوا خارجين من رحمة الله حين يخطئون، فالله يعلم طبيعتهم، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:

(( كلُّ ابن آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوابون )) ([281]).

ويقول الله تعالى: ]مَّا يَفْعَلُ ٱللهُ بِعَذَابِكُـمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ۚ  وَكَانَ ٱللهُ شَاكِراً عَلِيماً[ ([282]).

نعم ما يفعل الله بتعذيب الناس؟ وهو الذي يحب أن يمنحهم الرحمة والمغفرة ([283]).

والله تعالى يضع نظاماً متكاملاً لمعالجة المشكلة قبل وقوعها، ولهذا يقول الله تعالى: ]وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَىۖ  [ ([284]).

بمعنى: أن للزنى أسباباً فلا تقترب منها، ولم يقل الله تعالى: لا تفعلوا الزنى أو لا تقعوا في الزنى، لأن مبدأ الإسلام في هذه القضايا هو ((الوقاية خير من العلاج))، فإن أخطأ الإنسان فإن الله تعالى يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.

كذلك كان التنبيه إلى خطورة النظرة الحرام؛ فالنظرة رائد الشهوة، وحفظها حفظٌ للفرج، ومن أطلق بَصَره أورد نفسه موارد الهلكة.

 سادساً : القضاء والقدر:

لمَّا حدَّث النبي ﷺ‬ أصحابه بأن ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار. قالوا: يا رسول الله! أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟.

قال: (( اعملوا فكلٌّ ميسَّر لما خُلق له. أما من كان من أهل السعادة فييسَّر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء، فييسر لعمل أهل الشقاوة )) ([285]).

ثم قرأ رسول الله ﷺ‬: ]فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَٱتَّقَى ^ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَى ^ فَسَنُيَسِّرُهُو لِلْيُسْرَى ^ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسْتَغْنَى ^ وَكَذَّبَ ِٱلْحُسْنَى ^ فَسَنُيَسِّرُهُو لِلْعُسْرَى[ ([286]).

فأمرهم عليه الصلاة والسلام بالعمل ولم يجوِّز لهم الاتكال على المكتوب؛ لأن المكتوب من أهل الجنة لا يكون منهم إلا إذا عمل بعمل أهل الجنة، والمكتوب من أهل النار لا يكون منهم إلا إذا عمل بعملهم.

ومن الأسئلة المفحمة التي طرحها فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله حول هذه المسألة، يقول:

((وهنا نسأل: لماذا لا يتدخل القدر مع الناس – مثلاً – في أنه يأتي أول الشهر، ويمتنع أحدٌ عن صرف راتبه؟ فمن الذي امتنع أول الشهر أن يذهب ليقبض راتبه؟ لا يوجد أحد يفعل ذلك إلا أن يأتي للشخص ظرف قاهر فلماذا لم يتدخل القدر هنا؟)).

ويقول أيضاً: ((لنتصور أن رئيس الجمهورية يخبر مرافقيه: ((أنا عازم على السفر الساعة الرابعة صباحاً، وأريد الوزراء وكذا وكذا أن يكونوا في توديعي)) فهل يتأخر أحد؟ لا. لماذا لم يتأخروا؟ أما إذا قيل: إن الفجر يؤذن ((الله اكبر) وقيل لك: تعال إلى الصلاة، فإنك لا تلبي نداء المؤذن!. لماذا تدخل القدر في هذه فلم تذهب إلى الصلاة؟ ولم يتدخل القدر هناك؟. أروني واحداً من الذين امتحنوا في الشهادة الثانوية، والذين يبلغ عددهم مئات الألوف، كم منهم تأخر عن بدء الحصة الأولى من الامتحان؟ لماذا رتَّب هؤلاء أمورهم، بحيث وقفوا على كل ما اختاروا؟! أما إذا قيل له: ((صلَِّ)) أو ((اعمل خيراً) يقول لك: إنَّ القدر لا يريد ذلك، فلماذا لم يتدخَّل القدر إلا في الأمور المطلوبة تكليفياً، أما في أمور الدنيا فتنظّم الأمور حسب ما نشاء؟)) ([287]).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



([1]) الأنعام: 122.

([2]) الحج: 31.

([3]) رواه أحمد.

([4]) رواه أحمد.

([5]) رواه مسلم.

([6]) رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

([7]) رواه الطبراني.

([8]) رواه أحمد والترمذي، ورجاله رجال الصحيح.

([9]) رواه الطبراني.

([10]) رواه البزار.

([11]) لقمان: 15.

([12]) التحريم: 6.

([13]) المائدة: 27 – 28.

([14]) هود: 42 – 43.

([15]) الصافات: 102.

([16]) القصص: 23 – 24.

([17]) د. عائض القرني، للشباب خاصة، بتصرف.

([18]) رواه الحاكم.

([19]) أخرجه ابن حبان والبيهقي.

([20]) أ.د. محمد علي البار، المخدرات: الخطر الداهم، ص 322 – 336، بتصرف.

([21]) المؤمنون: 115.

([22]) الإسراء: 32.

([23]) يسري شاهين، مقاهي الإنترنت تختطف الشباب.

([24]) رواه الترمذي.

([25]) الدكتور عائض القرني, للشباب خاصة, بتصرف.

([26]) الأنعام : 62.

([27]) الأنعام : 94.

([28]) الصحيح الجامع الصغير (5508).

([29]) صحيح البخاري.

([30]) الفرقان : 62.

([31]) رواه البيهقي.

([32]) رواه أحمد والترمذي، وحسَّنه الألباني، صحيح الجامع (7422).

([33]) الحجر: 3.

([34]) رواه الطبراني.

([35]) الدرر الكامنة: 6/85.

([36]) رواه البخاري.

([37]) رواه البخاري.

([38]) رواه الترمذي.

([39]) رواه أبو النصر في الفوائد.

([40]) رواه البخاري.

([41]) رواه البخاري.

([42]) متفق عليه.

([43]) متفق عليه.

([44]) متفق عليه.

([45]) متفق عليه.

([46]) د. أحمد حسن كرزون، الشباب وأوقات الفراغ.

([47]) الزمر: 56 – 58.

([48]) رواه مسلم.

([49]) رواه البخاري.

([50]) رواه مسلم.

([51]) رواه ابن ماجه.

([52]) رواه الترمذي.

([53]) الفرقان: 27 – 29.

([54]) الزخرف: 67.

([55]) د. موسى الخطيب، النصائح الذهبية للشباب (بتصرف).

([56]) صححه النووي.

([57]) مدارك السالكين: 1/454، بتصرف.

([58]) رواه مسلم.

([59]) رواه ابن ماجه, ورجاله ثقات.

([60]) يا ابني، للشيخ علي الطنطاوي. (بتصرف).

([61]) ق: 37.

([62]) المؤمنون: 6 – 7.

([63]) علي الطنطاوي , المثل الأعلى للشباب المسلم , بتصرف.

([64]) يا ابني، مرجع سابق.

([65]) يوسف : 28.

([66]) يوسف: 29.

([67]) يوسف : 31

([68]) يوسف : 32.

([69]) يوسف : 33.

([70]) متفق عليه.

([71]) د. عبد الرحمن العريفي , العفة.

([72]) رواه أحمد.

([73]) رواه البخاري.

([74]) رواه مسلم.

([75]) النور : 33.

([76]) رواه البخاري

([77]) العلق : 14

([78]) طه : 124 – 126.

([79]) متفق عليه.

([80]) رواه الطبراني في الأوسط.

([81]) رواه ابن ماجه.

([82]) متفق عليه.

([83]) رواه أبو داود.

([84]) رواه ابن ماجه والطبراني.

([85]) رواه الترمذي، وقال حديث حسن.

([86]) فتاوى علي الطنطاوي: 2/152.

([87]) المائدة: 5.

([88]) البقرة: 221.

([89]) البقرة: 221.

([90]) النساء: 34.

([91]) عبد الملك القاسم، صوت ينادي، بتصرف.

([92]) رواه الطبراني.

([93]) رواه الترمذي.

([94]) رواه مسلم.

([95]) رواه الترمذي.

([96]) للمزيد من التفاصيل راجع كتابنا: (أسعد نفسك وأسعد الآخرين)، وكتابنا الذي سيصدر قريباً إن شاء الله بعنوان (سعادة الزوجين في الدارين).

([97]) رواه مسلم وأحمد .

([98]) رواه مسلم .

([99]) الشباب ومشكلاته من منظور إسلامي.

([100]) ارحموا الشباب.

([101]) رواه أبو داود.

([102]) رواه الترمذي، وقال حديث حسن.

([103]) رواه أحمد والنسائي.

([104]) علي الطنطاوي، ارحموا الشباب.

([105]) رواه أحمد.

([106]) رواه مسلم.

([107]) صحيح مسلم بشرح النووي.

([108]) رواه البخاري.

([109]) الإسراء: 32.

([110]) أخرجه الحاكم وابن ماجه.

([111]) رواه ابن ماجه والحاكم.

([112]) أخرجه الحاكم وابن ماجه والبزار.

([113]) الأنعام: 151.

([114])  الإسراء: 32.

([115])  النساء: 24.

([116])  المائدة: 5.

([117]) راجع كتاب (الأمراض الجنسية: أسبابها وعلاجها)، للأستاذ الدكتور محمد علي البار.

([118]) رواه البخاري.

([119]) رواه الحاكم (صحيح الجامع الصغير، رقم 5067).

([120]) د. ناديا العوضي، الشذوذ الجنسي أمراض وعلاج.

([121]) الملك : 14.

([122]) العنكبوت: 28.

([123]) هود : 82 – 83.

([124]) الأعراف : 99.

([125])  فتاوى علي الطنطاوي: 1/148- 149.

([126])  ويسألونني، د.أكرم رضا.

([127])  العلق: 14.

([128])  الحديد: 4.

([129]) النساء: 108.

([130]) رواه البخاري.

([131]) رواه الترمذي.

([132]) للمزيد من التفاصيل راجع كتابنا (أطباء الغرب يحذرون من شرب الخمر).

([133]) المائدة: 90 – 91.

([134]) بعض التقسيمات تُفرد الحشيش لوحده - كما سنفعل في الشرح الموجز.

([135]) عن كتاب (Goodman of Gillman)، طبعة 2004م.

([136]) د. محمد نزار الدقر، روائع الطب الإسلامي، بتصرف.

([137]) د. محمد علي البار، الموقف الشرعي والطبي من التدواي بالكحول والمخدرات.

([138]) د. محمد نزار الدقر، من روائع الطب النبوي؛ و د. محمد علي البار، المخدرات الخطر الداهم.

([139]) رواه ابن ماجه.

([140]) رواه النسائي.

([141]) د. محمد علي البار, التدخين وأثره على الصحة, الدار السعودية للنشر، جدة.

([142]) للشباب فقط, عادل بن محمد العبد العالي. بتصرف.

([143]) غافر: 16-17.

([144]) رواه البخاري و مسلم.

([145]) رواه أحمد.

([146]) النمل: 62.

([147]) رواه مسلم.

([148]) رواه مسلم.

([149]) عبد الملك القاسم, صوت ينادي, بتصرف.

([150]) الحديد: 16.

([151]) كتاب التوابين ,ص202, بتصرف.

([152]) رواه البخاري.

([153]) علي الطنطاوي, تعريف عام بدين الإسلام.

([154]) رواه الترمذي, وقال حسن صحيح.

([155]) رواه أحمد.

([156]) الإسراء: 18 - 20.

([157]) الزخرف: 33 - 35.

([158]) رواه مسلم.

([159]) العنكبوت: 69.

([160]) إحياء علوم الدين , للغزالي.

([161]) النجم: 39.

([162]) الانفطار: 6.

([163]) رواه الترمذي, وقال: حديث حسن. ومعنى أدلج : سار من أول الليل.

([164]) رواه الحاكم , وقال: صحيح الإسناد.

([165]) الملك: 2.

([166]) الأعراف: 32.

([167]) القصص: 77.

([168]) القصص: 81.

([169]) القصص:77.

([170]) رواه أبو داود والبيهقي.

([171]) سلطان الخطيب, عاجل إلى الشباب, بتصرف.

([172]) القصص: 78.

([173]) القصص: 81.

([174]) رواه البخاري.

([175]) متفق عليه.

([176]) رواه أحمد و ابن حبان.

([177]) رواه الطبراني, وإسناده حسن.

([178]) رواه ابن ماجه.

([179]) رواه أبو يعلى في مسنده.

([180]) رواه مسلم.

([181]) رواه مسلم.

([182]) الأعراف: 205.

([183]) الأنفال: 2.

([184]) الزمر: 9.

([185]) الأنعام: 120.

([186]) فصلت: 34.

([187]) رواه مسلم.

([188]) رواه أحمد, ورجاله رجال الصحيح.

([189]) رواه أبو داود.

([190]) رواه مسلم.

([191]) الأعراف: 55.

([192]) البقرة 186.

([193]) رواه ابن حبان في  صحيحه (2398).

([194]) رواه أحمد والترمذي.

([195]) ابن القيم, الفوائد, ص172.

([196]) الأنبياء: 87.

([197]) الأنبياء: 88.

([198]) آل عمران: 173.

([199]) آل عمران: 174.

([200]) غافر 44.

([201]) غافر 45.

([202]) الكهف:39.

([203]) الكهف:40.

([204]) د. محمد سعيد رمضان البوطي , وجودت سعيد, التغيير في مفهومه وطرائقه.

([205]) د. يوسف القرضاوي, في فقه التغيير.

([206]) يونس: 23.

([207]) د. عبد الحكيم محمود, سفيان الثوري.

([208]) المائدة: 54.

([209]) المائدة: 119.

([210]) العنكبوت: 45.

([211]) التوبة: 118.

([212]) إبراهيم :19.

([213]) الرعد :11.

([214]) الأنبياء:11.

([215]) النحل :97.

([216]) طه :123 - 124.

([217]) النازعات :37 - 41.

([218]) العنكبوت:1-2.

([219]) آل عمران :140.

([220]) إبراهيم: 13 – 14.

([221]) إبراهيم :14.

([222]) د. محمد سعيد رمضان البوطي وجودت سعيد, التغيير مفهومه وطرائقه, ص27, 31.

([223]) الحديد:23.

([224]) رواه البخاري.

([225]) رواه الترمذي وابن ماجه.

([226]) لقمان: 15.  

([227]) التحريم :6.

([228]) رواه أحمد و الترمذي.

([229]) رواه مسلم.

([230]) رواه البخاري.

([231]) رواه مسلم.

([232]) النساء: 36.

([233]) لقمان: 14.

([234]) العنكبوت: 8.

([235]) متفق عليه.

([236]) الإسراء: 23.

([237]) رواه الطبراني.

([238]) رواه أبو داود.

([239]) الإسراء :24.

([240]) رواه الترمذي, وقال حديث حسن صحيح.

([241]) رواه البخاري ومسلم.

([242]) رواه البخاري ومسلم.

([243]) رواه البخاري ومسلم.

([244]) الأعراف :156.

([245]) رواه الترمذي.

([246]) طه :43 _ 44.

([247]) رواه أبو داود و الترمذي.

([248]) رواه الترمذي.

([249]) متفق عليه.

([250]) رواه الترمذي, وقال :حسن صحيح.

([251]) طه :132.

([252]) د. محمد خير فاطمة. الآداب الإسلامية للناشئة. بتصرف.

([253]) رواه ابن ماجه.

([254]) رواه الشيخان.

([255]) رواه البخاري ومسلم.

([256]) رواه الترمذي, وقال: حديث غريب.

([257]) المنافقون:8.

([258]) د. يوسف القرضاوي، أولويات الحركة الإسلامية.

([259]) النحل: 125.

([260]) العنكبوت: 46.

([261]) الأنعام: 108.

([262]) بدوي الشيخ، منار الشباب، بتصرف.

([263]) الأنفال: 55 -66.

([264]) د. موسى الخطيب، النصائح الذهبية للشباب، بتصرف.

([265]) رواه ابن ماجه، رقم (2446).

([266]) النحل: 14.

([267]) جمال الدين عباد، شريعة الإسلام (العمل والعمال).

([268]) عاجل للشباب، بتصرف.

([269]) د. موسى الخطيب، النصائح الذهبية للشباب،بتصرف.

([270]) د. أنور الجندي، مقدمات العلوم والمناهج، بتصرف.

([271]) يوسف: 2.

([272]) الشعراء: 195.

([273]) بدوي الشيخ، منار الشباب، بتصرف.

([274]) الحج: 78.

([275]) من شاء المزيد؛ فليراجع كتابنا الذي سيصدر قريباً إن شاء الله بعنوان: (شبهات وأوهام حول الإسلام).

([276]) هذا هو الإسلام، للشيخ متولي الشعراوي، ص26 - 28، بتصرف.

([277]) ودخلت الخيل الأزهر، بتصرف.

([278]) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة.

([279]) بدوي الشيخ، منار الشباب، بتصرف.

([280]) البقرة: 37.

([281]) رواه الترمذي.

([282]) النساء: 147.

([283]) محمد قطب، شبهات حول الإسلام.

([284]) الإسراء: 32.

([285]) رواه البخاري.

([286]) الليل: 5 – 10.

([287]) هذا هو الإسلام، محمد متولي الشعراوي.