الوقاية الصحية في الإسلام
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
الوِقايةُ الصحيَّةُ في الإسلامِ
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، خلَقَ الإنسانَ في أحسنِ تقويم، ولا شريكَ لهُ في إلَهِيَّتِهِ ورُبُوبيَّتِهِ، ولا شَبيهَ لهُ في ذاتهِ وأفْعالِهِ وصفاتِهِ، تُسبِّحُ لهُ السَّماواتُ وأَمْلاكُها، والنُّجُومُ وأفلاكُها، والأرضُ وسُكَّانُها، والبحارُ وحِيتانُها، والنُّجُومُ والجبالُ والشَّجَرُ والدَّوابُّ والآكامُ والرِّمالُ، وكُلُّ رَطْبٍ ويابسٍ، وكُلُّ حَيٍّ ومَيِّتٍ، ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44]، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ، كلمةٌ خُلِقتْ لأَجْلِها جميعُ المخلُوقاتِ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسُولُهُ، المبعُوثُ بالدِّينِ القويمِ والمنهجِ المستقيمِ، نبيٌّ شَرَحَ اللهُ لهُ صَدْرَهُ، ورَفَعَ لهُ ذِكْرَهُ، ووَضَعَ عنهُ وِزْرَهُ، وجَعَلَ الذِّلَّةَ والصَّغارَ على مَنْ خالفَ أَمْرَهُ، وأعْجَزَ ببيانهِ الأولين والآخرين، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ أتباعه إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعدُ: فيا أيها الناسُ اتقوا اللهَ تعالى كَمَا أَمَر، واحمَدُوه على هذا الدِّينِ الشاملِ لأُمورِ الدِّينِ والدُّنيا والأُخرى، واحْمَدُوه على نِعَمِهِ التي لا تُحْصى، ومن أعظمها نعمة الأمن والمعافاةِ في البَدَنِ، وتوفُّرِ الرِّزقِ، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سِرْبهِ، مُعَافًى في جَسَدِهِ، عندَهُ قُوتُ يَوْمهِ، فكَأَنما حِيزَتْ لهُ الدُّنْيَا) رواه الترمذي وحسَّنه الألباني.
وهدي نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلم هو أكملُ هديٍ عُنيَ بحفظِ الصِّحَّة والوقايةِ من الأمراض، قال ابنُ القيِّم: (ومنْ تأَمَّلَ هَدْيَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وجَدَهُ أفْضَلَ هَدْيٍ يُمْكِنُ حِفْظُ الصِّحَّةِ بهِ، فإنَّ حِفْظَها مَوْقُوفٌ على حُسْنِ تَدْبيرِ الْمَطْعَمِ والْمَشْرَبِ، والْمَلْبَسِ والْمَسْكَنِ، والهَواءِ والنَّوْمِ، واليَقَظَةِ والحَرَكَةِ والسُّكُونِ، والْمَنْكَحِ والاسْتِفْراغِ والاحْتبَاسِ، فإذا حَصَلَتْ هذهِ على الوَجْهِ الْمُعْتَدِلِ الْمُوافِقِ الْمُلائمِ للْبَدَنِ والبَلَدِ والسِّنِّ والعَادَةِ، كانَ أَقْرَبَ إلى دَوَامِ الصِّحَّةِ أوْ غلَبَتِها إلى انقِضَاءِ الأَجَلِ) انتهى.
ولقد شَرَعَ اللهُ الوِقايةَ من الأمراضِ، فقال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، والوقايةُ من الأمراضِ في دِيننا تقومُ على قواعدَ من التحصُّنِ الدينيَّةِ والدنيوية، قال ابنُ القيِّم: (وقدِ اتَّفَقَ الأطبَّاءُ على أنهُ مَتَى أمْكَنَ التَّداوِي بالغِذاءِ لا يُعْدَلُ عنهُ إلى الدَّوَاءِ) انتهى.
لذا فإنَّ من الأهميةِ التعرُّف على الجوانب الوِقائية الصحيَّةِ في الكتابِ والسُّنةِ، ومنها:
أولاً: قراءة آية الكرسي حين تُصبحُ وحين تُمسي، (عن محمدِ بنِ أُبيِّ بنِ كعبٍ عن أبيهِ، أنهُ كانَ لهُ جُرْنٌ مِنْ تَمْرٍ، فكانَ يَنْقُصُ، فحَرَسَهُ ذاتَ ليلَةٍ، فإذا هُوَ بدابَّةٍ شِبْهِ الْغُلامِ الْمُحْتَلِمِ، فسَلَّمَ عليهِ، فرَدَّ عليهِ السلامَ، فقالَ: ما أنتَ، جِنِّيٌّ أمْ إنْسيٌّ؟ قالَ: لا بَلْ جِنِّيٌّ، قالَ: فَنَاوِلْنِي يَدَكَ، فناوَلَهُ يَدَهُ، فإذا يَدُهُ يَدُ كَلْبٍ، وشَعْرُهُ شَعْرُ كَلْبٍ، قالَ: هكذا خَلْقُ الجِنِّ، قالَ: قدْ عَلِمَتِ الجِنُّ أنَّ ما فِيهِمْ رَجُلٌ أَشَدُّ مِنِّي، قالَ: فمَا جاءَ بكَ؟ قالَ: بَلَغَنا أنكَ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، فجِئْنَا نُصِيبُ مِنْ طَعَامِكَ، قالَ: فَمَا يُنْجِينَا مِنْكُمْ؟ قالَ: هذهِ الآيةُ التي في سُورَةِ البقَرَةِ: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾، مَنْ قَالَها حينَ يُمْسي أُجِيرَ مِنَّا حتى يُصْبحَ، ومَنْ قالَها حينَ يُصْبحُ أُجِيرَ مِنَّا حتى يُمْسيَ، فلَمَّا أَصْبَحَ أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فَذكَرَ ذلكَ لهُ، فقالَ: «صَدَقَ الخَبيثُ») رواه الطبرانيُّ في الكبير وقال الهيثميُّ: (رِجَالُهُ ثقاتٌ).
ثانياً: قراءة سور الإخلاص والمعوذتين ثلاث مراتٍ في الصباح والمساء، (عنْ مُعاذِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ خُبَيْبٍ عنْ أبيهِ قالَ: خَرَجْنا في لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وظُلْمَةٍ شديدةٍ نَطْلُبُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُصَلِّي لَنا، قالَ: فَأَدْرَكْتُهُ، فقالَ: قُلْ، فلَمْ أَقُلْ شَيْئاً، ثمَّ قالَ: قُلْ، فلَمْ أَقُلْ شَيْئاً، قالَ: قُلْ، فقُلْتُ ما أَقُولُ؟ قالَ: قُلْ: ( قل هو الله أحد ) ، والْمُعَوِّذَتَيْنِ حينَ تُمْسي وتُصْبحُ ثلاثَ مَرَّاتٍ تكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) رواه الترمذيُّ وحسَّن إسنادَهُ ابنُ بازٍ.
قال الشوكانيُّ: (وفي الحديثِ دليلٌ على أنَّ تِلاوَةَ هذهِ السُّورِ عندَ الْمَسَاءِ وعندَ الصَّباحِ تَكْفي التالي مِنْ كُلِّ شيءٍ يَخْشَى منهُ كائناً ما كَانَ) انتهى.
ثالثاً: قراءة الآيَتينِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (الآيَتانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُما في ليلَةٍ كَفَتَاهُ) رواه البخاري ومسلم، قال الشيخ ابنُ بازٍ رحمه الله: (والمعنى والله أعلم: كَفَتاهُ من كُلِّ سُوءٍ) انتهى.
رابعاً: التهليل مائة مرَّة، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (مَن قالَ: لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، في يومٍ مائةَ مرَّةٍ، كانتْ لهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقابٍ، وَكُتِبَ لهُ مائةُ حَسَنَةٍ، ومُحِيَتْ عنهُ مائةُ سَيِّئةٍ، وَكانت لهُ حِرْزاً من الشيطانِ يَوْمَهُ ذلكَ حتى يُمْسيَ، ولَمْ يأْتِ أحَدٌ أفْضَلَ مِمَّا جاءَ بهِ إلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذلكَ، ومَنْ قالَ: سُبْحَانَ اللهِ وبحمدِهِ، في يومٍ مائةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ ولو كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
خامساً: قول: بسْمِ اللهِ الذي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شيْءٌ في الأَرْضِ ولا في السَّمَاءِ وهُوَ السميعُ العلِيمُ، ثلاثَ مَرَّاتٍ، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: («ما مِنْ عبدٍ يَقُولُ في صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ، ومَسَاءِ كُلِّ ليلَةٍ: بسْمِ اللهِ الذي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شيْءٌ في الأَرْضِ ولا في السَّمَاءِ وهُوَ السميعُ العلِيمُ، ثلاثَ مَرَّاتٍ، فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ»، وكانَ أَبَانُ -أي الراوي- قدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فَالِجٍ، فجَعَلَ الرَّجُلُ يَنظُرُ إليهِ، فقالَ لهُ أَبَانُ: ما تنظُرُ؟ أَمَا إنَّ الحديثَ كَمَا حَدَّثتُكَ، ولكنِّي لَمْ أَقُلْهُ يومئِذٍ لِيُمْضيَ اللهُ علَيَّ قَدَرَهُ) رواه الترمذي وصحَّحهُ ابنُ القيِّم، وفي روايةٍ: (مَنْ قالَ حينَ يُصْبحُ: بسْمِ اللهِ الذي لا يَضُرُّ معَ اسْمِهِ شَيْءٌ في الأرضِ ولا في السَّمَاءِ، وهُوَ السَّميعُ العليمُ، ثلاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تَفْجَأْهُ فاجئَةُ بَلاءٍ حتَّى يُمْسيَ، وإنْ قَالَهَا حينَ يُمْسي لَمْ تَفْجَأْهُ فاجئةُ بلاءٍ حتَّى يُصْبحَ) رواه ابنُ حِبَّان وحسَّنه البغويُّ.
قال الشوكانيُّ: (وفي الحديثِ دليلٌ على أن هذهِ الكَلِمَاتِ تدْفَعُ عنْ قائلها كُلَّ ضُرٍّ كائناً ما كانَ، وأنه لا يُصَابُ بشيْءٍ في ليلَهِ ولا في نَهَارهِ إذا قالَهَا في اللَّيْلِ والنَّهَارِ) انتهى.
قال البهلولُ بنُ راشدٍ ت183 رحمهُ اللهُ: (أقمتُ ثلاثينَ سنةً أقولُ إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ: بسمِ اللهِ الذي لا يَضُرُّ مَعَ اسمهِ شيءٌ في الأرضِ وهو السميعُ العليمُ، الخ، فأُنسيتُها يومي مع العكي، فابتليتُ)، ابتُليَ رَحِمَهُ اللهُ بسجن وضرب الأمير العكي له.
سادساً: قولُ: أعُوذُ بكلِمَاتِ اللهِ التامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خلَقَ، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: («مَنْ قالَ حينَ يُمْسِي ثلاثَ مَرَّاتٍ: أعُوذُ بكلِمَاتِ اللهِ التامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ حُمَةٌ تِلْكَ الليلَةَ»، قالَ سُهَيْلٌ: فكانَ أَهْلُنَا تَعَلَّمُوهَا فكانُوا يقُولُونَها كُلَّ ليلَةٍ، فَلُدِغَتْ جارِيَةٌ مِنهُمْ فلَمْ تَجِدْ لَهَا وَجَعَاً) رواه الترمذيُّ وحسَّنه، و (جاءَ رجُلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللهِ ما لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْني البارِحَةَ، قالَ: أمَا لَوْ قُلْتَ حينَ أمسَيْتَ: أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ) رواه مسلم.
سابعاً: التَّصبُّح بسبع تمراتٍ عجوة، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ») متفق عليه.
ثامناً: الْحِمْية، قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، قال ابنُ كثير: (قالَ بعضُ السَّلَفِ: جَمَعَ اللهُ الطِّبَّ كُلَّهُ في نِصْفِ آيةٍ: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ انتهى، قال ابنُ القيم: (فحِفْظُ الصِّحَّةِ كُلُّهُ في هاتَيْنِ الكَلِمَتَيْنِ الإلَهِيَّتَيْنِ) انتهى، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلا مَخِيلَةٍ) رواه النسائيُّ وحسَّنه الألباني.
وعنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ رحمهُ اللهُ قالَ: (أجْمَعَتِ الأطبَّاءُ أنَّ رَأْسَ الطِّبِّ الحِمْيَةُ) رواه ابنُ أبي الدنيا.
وقال ابنُ القيِّم: (وأمَّا الحديثُ الدَّائِرُ على ألْسِنَةِ كثيرٍ منَ الناسِ: «الحِمْيَةُ رأْسُ الدَّواءِ، والْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ، وعَوِّدُوا كُلَّ جِسْمٍ ما اعْتَادَ»، فهذا الحديثُ إنما هوَ منْ كلامِ الحارثِ بنِ كِلْدة طبيبِ العَرَبِ، ولا يَصِحُّ رفْعُهُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قالهُ غيرُ واحدٍ منْ أئِمَّةِ الحديثِ) انتهى.
وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (ما مَلأَ آدَميٌّ وِعاءً شَرَّاً مِن بَطْنٍ، بحَسْبِ ابنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإنْ كانَ لا مَحَالَةَ، فثُلُثٌ لطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لشَرَابهِ، وثُلُثٌ لنَفَسِهِ) رواه الترمذيُّ وقال: (حسَنٌ صَحيح).
تاسعاً: السِّواك، (قالتْ عائشةُ: عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ للْفَمِ، مَرْضَاةٌ للرَّبِّ) رواه البخاريُّ، وقد أثبتَ العِلْمُ الحديثُ فوائد السواك للفَمِ والأسنان، من التنظيف ومقاومةِ الجراثيمِ والتسوُّس، وأنه يَفُوقُ في فوائدهِ جميعَ المركَّباتِ الكيميائية المصنَّعة في معاجين الأسنان.
عاشراً: الحذرُ من الأمراضِ الْمُعديةِ بقدرِ الله، (قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ، ولا هَامَةَ ولا صَفَرَ، وفِرَّ مِن الْمَجْذُومِ كَما تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ) رواه البخاريُّ، والْجُذام: عِلَّةٌ تتأكل منها الأعضاءُ وتتساقط.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) رواه مسلم.
فنَفَى صلَّى الله عليه وسلم ما يعتقده أهلُ الجاهلية من أنَّ العَدْوى تنتقلُ بنفسها وتُعْدِي بطبعها لا بقَدَرِ الله، وأثبتَ أنها تنتقلُ إذا شاءَ اللهُ ذلك.
الحادي عشر: عدمُ الشُّربِ من فَمِ القِرْبةِ، قال أبو هريرة: (نَهَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ القِرْبَةِ أوِ السِّقَاءِ) رواه البخاري، وعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ نَهَى أنْ يُشْرَبَ مِنْ فِي السِّقَاءِ لأنَّ ذلكَ يُنْتِنُهُ) رواه الحاكمُ وصحَّحهُ ووافقَهُ الذهبيُّ وقوَّى إسنادَهُ ابنُ حجر.
الثاني عشر: غَسْلُ اليدِ من الطَّعامِ قبل النوم، (عن أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «مَنْ نامَ وفي يَدِهِ غَمَرٌ ولمْ يَغْسِلْهُ، فأَصابَهُ شيْءٌ، فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ») رواه أبو داود وصحَّحه ابنُ حجر، قال ابنُ الأثير: (الغَمَرُ بالتَّحْرِيكِ: الدَّسَمُ والزُّهُومةُ مِنَ اللحْمِ، كالوضَرِ مِنَ السَّمْنِ) انتهى، قال القاري: (والْمعنى: وصَلَهُ شيءٌ منْ إيذاءِ الْهَوَامِّ، وقيلَ: أوْ مِنَ الْجَانِّ؟ لأنَّ الهوامَّ وذوَاتِ السُّمُومِ رُبَّما تَقْصِدُهُ في المنامِ لرائِحَةِ الطَّعامِ في يَدِهِ فتُؤْذِيهِ) انتهى.
الخطبة الثانية
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عبدُهُ ورسولُهُ.
أمَّا بعدُ: (فإنَّ خَيْرَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الْهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ، وشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بدعَةٍ ضَلالَةٌ)، و (لا إيمانَ لِمَن لا أَمانةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ).
أيها المسلمون: من الجوانب الوقائية الصحيَّة في الكتاب والسُّنة:
الثالث عشر: عدم النوم فوق سطح ليس له جِدار، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (مَنْ باتَ على ظَهْرِ بيْتٍ ليْسَ لهُ حِجَارٌ -أي: حجابٌ- فقدْ بَرِئَتْ منهُ الذِّمَّةُ») رواه أبو داود وصحَّحهُ الألبانيُّ، فالنائمُ قد ينقلبُ، وقد يمشي وما زال أثر النوم فيه فيسقط.
الرابع عشر: نفض الفراش قبل النوم فيه، قالَ صلى الله عليه وسلم: (إذا أَوَى أَحَدُكُمْ إلى فِراشِهِ فلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، فلْيَنْفُضْ بها فِراشَهُ، ولْيُسَمِّ اللهَ، فإنهُ لا يَعْلَمُ ما خَلَفَهُ بعدَهُ على فِرَاشِهِ..) الحديثُ رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم، قال العيني: (ومعناهُ أنه: يُستحبُّ أن ينفض فراشهُ قبلَ أن يدْخل فيهِ لِئَلاَّ يكون قد دَخَلَ فيهِ حَيَّةٌ أو عقربٌ أو غيرهما من الْمُؤذيات وهوَ لا يشْعر، ولينفض ويَده مستورة بطرف إزاره لِئَلاَّ يحصل في يَدِه مكرُوهٌ إن كانَ شيءٌ هُناكَ) انتهى.
الخامس عشر: كَفُّ الصبيانِ قبل المغربِ، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (إذا كانَ جُنْحُ اللَّيْلِ، أوْ أَمْسَيْتُم، فكُفُّوا صِبْيَانَكُم، فإنَّ الشَّياطينَ تَنْتَشِرُ حينَئِذٍ، فإذا ذَهَبَ ساعةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُم، فأَغْلِقُوا الأبوابَ واذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، فإنَّ الشَّيطانَ لا يَفْتَحُ باباً مُغْلَقاً، وأَوْكُوا قِرَبَكُمْ واذكُرُوا اسْمَ اللهِ، وخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ واذكُرُوا اسْمَ اللهِ، ولَوْ أنْ تَعْرُضُوا عليها شَيْئاً، وأَطْفِئُوا مَصَابيحَكُمْ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، وذلك لضعف تحصُّن الصبيان بالأوراد الشرعية.
السادس عشر: تغطية الإناء، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (غَطُّوا الإناءَ، وأَوْكُوا السِّقَاءَ، فإنَّ في السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فيها وَبَاءٌ، لا يَمُرُّ بإناءٍ لَيْسَ عليهِ غِطَاءٌ، أوْ سِقَاءٍ ليسَ عليهِ وِكَاءٌ، إلا نَزَلَ فيهِ مِنْ ذلكَ الْوَبَاءِ) رواه مسلم، قال النووي: (والْوَبَاءُ مَرَضٌ عامٌّ يُفْضي إلى الْمَوْتِ غالباً) انتهى.
السابع عشر: غَمْسُ الذباب إذا سقطَ في الشراب، قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (إذا وَقَعَ الذُّبَابُ في شَرَابِ أحَدِكُمْ فلْيَغْمِسْهُ ثمَّ ليَنْزِعْهُ، فإنَّ في إحْدَى جَنَاحَيْهِ داءً والأُخْرَى شِفَاءً) رواه البخاري، قال ابن القيم: (واعلَمْ أنَّ في الذُّبَابِ عنْدَهُمْ قُوَّةً سُمِّيَّةً يَدُلُّ عليها الْوَرَمُ، والحِكَّةُ العارِضَةُ عنْ لَسْعِهِ، وهيَ بمنزِلَةِ السِّلاحِ، فإذا سَقَطَ فيما يُؤْذِيهِ، اتَّقَاهُ بسلاحِهِ، فأَمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ يُقابلَ تِلْكَ السُّمِّيَّةَ بما أوْدَعَهُ اللهُ سُبحانهُ في جَنَاحِهِ الآخَرِ مِنَ الشِّفَاءِ، فيُغْمَسُ كُلُّهُ في الْماءِ والطَّعَامِ، فيُقَابلُ الْمَادَّةَ السُّمِّيَّةَ الْمَادَّةُ النافعةُ، فَيَزُولُ ضَرَرُهَا) انتهى.
الثامن عشر: عدم القدوم على أرض الطاعون، وعدم الخروج من البلد الذي وقع فيه، (قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا، فِرَارًا مِنْهُ) رواه البخاري ومسلم، ففي الحديث اجتناب المهالك وعدم تعريض النفس للحَتْفِ، إذْ قدَّرَ اللهُ أن دخول البلد الذي وَقَع فيه الطاعونُ سببٌ للإصابةِ به، وقد أُمرنا بالأخذ بالأسباب، وهي لا تُعارضُ التوكُّل على الله تعالى.
التاسع عشر: الدُّعاء بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، مثل دعائه: (اللهُمَّ إني أعوذُ بكَ منَ البَرَصِ، والْجُنونِ، والْجُذَامِ، ومن سَيِّئِ الأسقَامِ) رواه أبو داود وصحَّحه الألباني، ومثل دعائه صلى الله عليه وسلم: (وأعوذُ بكَ منَ الصَّمَمِ، والبَكَمِ، والْجُنونِ، والْجُذامِ، والبَرَصِ، وسيِّئِ الأسقامِ) رواه الحاكم، وصحَّحه الضياء في المختارة.