×
النشرة أو علاج السحر بالسحر: قال المُصنِّف - وفقه الله -: «فإن من مظاهر ضعف الإيمان والتوكل على الله - عز وجل - عند كثير من المسلمين اليوم أن ترى تلك الصفوف والجموع من المسلمين رجالا ونساء قد ازدحمت على أبواب بيوت أهلها من شياطين الإنس والجن، من السحرة، والكهان، والمشعوذين، ونحوهم من الدجالين والمخرفين ... وما هذه الرسالة أخي القارئ إلا محاولة جادة لبيان الحق، وتصحيح بعض المسائل المتعلقة بإتيان السحرة والكهان ونحوهم». - قدَّم للكتاب: فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله -.

 النشرة أو علاج السحر بالسحر

عبد العظيم البابطين

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف أمره وعصاه، أحمده على حلو عطائه ومر بلواه، وأشهد أن لا إله إلا الله، ولا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي بلغ الرسالة، وأطاع ربه، واهتدى بهداه، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين يغضبون لغضبه، ويرضون لرضاه.

أما بعـــد:

فهذه رسالة قيمة كتبها الأخ عبد العظيم أبا بطين ـ وفقه الله وسدد خطاه ـ واستوفى مع الاختصار ما تهم إليه الحاجة في أمر السحرة وإتيانهم، والعلاج عندهم، وبين القول المختار الصحيح الذي هو تحريم إقرارهم حيث حكم الله بكفرهم، وورد الحديث بالأمر بقتلهم، وقطع دابرهم، ولقد كثروا وتمكنوا في هذه الأزمنة وعظم شرهم وكثر ضررهم، وهرع إليهم جماهير الأمة منهم من يطلب عملا، ومنهم طالب حل، ومنهم متعلم مما معهم، غافلين عن حكمهم وعن ما ورد في شأنهم، منخدعين بما يظهرون من الشعوذة والكذب والتمويه والتخييل، واستخدام مردة الجن والشياطين، معرضين عن أسباب الوقاية التي هي التحصن بذكر الله ودعائه، وقراءة كلامه، والعمل بتعاليمه، واتباع نهج النبي ﷺ‬ وأتباعه، وفي ذلك حرز مكين، وحصن حصين عن ضرر هؤلاء المردة وشرورهم، وهكذا فيه العلاج الناجع لإبطال كيدهم وحل عملهم من أساسه.

ولقد أحسن هذا الكاتب في ذكر الشُّبه التي تشبث بها من أباح إتيانهم والعلاج معهم، ثم الجواب عنها وإبطال الاستدلال بها، وبيان القول الصحيح الذي هو تحريم إتيانهم وتصديقهم، وما ورد في ذلك من التهديد والوعيد الشديد، فعلى المسلم الحرص على حفظ دينه، والتحفظ عما يفسد عليه معتقده، والتمسك بتعاليم الإسلام والسنة، والعض عليها بالنواجذ، ولو كثر منابذوه، فإن الحق أحق أن يتبع.

ونسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، ويرشد غاويهم، ويردهم إلى الإسلام الصحيح ردا جميلا، وأن يجزي ولاة أمورنا أفضل الجزاء على إقامتهم الحدود على هؤلاء السحرة، وأن يضاعف أجورهم، ويمكن لهم في الأرض ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا، والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

20/12/1415هـ


 المقدمة

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن من مظاهر ضعف الإيمان والتوكل على الله ـ عز وجل ـ عند كثير من المسلمين اليوم أن ترى تلك الصفوف والجموع من المسلمين رجالا ونساء قد ازدحمت على أبواب بيوت أهلها من شياطين الإنس والجن، من السحرة، والكهان، والمشعوذين، ونحوهم من الدجالين والمخرفين، وإنك إذا سألتهم عن سبب ذلك فستعجب أشد العجب عندما يجيبونك بأنهم يريدون حل السحر عنهم، أو صنع سحر لهم، أو عمل عملٍ يجعلهم أغنياء، أو سعداء، أو عمل يمنع من إصابة العين لهم، أو ليخبرهم هؤلاء السحرة عن أمور حياتهم المستقبلية، أو الحصول على دواء يكون سببا لشفائهم من أمراضهم!! وغير ذلك من المطالب والحاجات، ولا مانع من أن ينفقوا على أولئك ما يستطيعون من مال، أو متاع، أو غير ذلك على أن يحققوا لهم مطالبهم وحاجاتهم كما يزعمون.

كل هذا على مرأى ومسمع من مشائخ تلك البلاد من غير نكير ولا تحذير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

إن هذه الظاهرة التي ظهرت بعدما اندرست شأنها شأن غيرها من أمور الجاهلية التي جاء الإسلام فقضى عليها وعلى أهلها، بالمنع تارة، وبالتحذير تارة، وبالقتل تارة أخرى، فأصبحت شمس التوحيد عالية مشرقة قد هتكت كل حجاب للسحرة، والكهان، وأهل البدع، والضلال والطغيان. إلا أنه في هذا الزمان الذي قل فيه علم كثير من المسلمين بأحكام شرعهم ودينهم، وكثر فيه جهلهم بأمور عقيدتهم، قد قويت فيه شوكة أولئك السحرة والكهان، وكثر أتباعهم، وفشا منكرهم، وعمت فتنتهم، وأصبحوا معظمين موقرين بعدما كانوا مدحورين منبوذين!! فإلى الله المشتكى.

ولو أن المسلم التزم بكتاب ربه وسنة نبيه ﷺ‬ علما وعملا، وقولا وفعلا، والتجأ إلى الله تعالى، واحتمى بجنابه، وأكثر من ذكره، واشتغل بتلاوة كتابه، واستعاذ من الشيطان وجنده، لم يجد الشيطان سبيلا ـ إن شاء الله تعالى ـ ولن يوجد هذا الازدحام الشديد على أبواب أولئك المشعوذين، والدجالين، من السحرة، والكهان، ونحوهم.

وما هذه الرسالة أخي القارئ إلا محاولة جادة لبيان الحق، وتصحيح بعض المسائل المتعلقة بإتيان السحرة والكهان ونحوهم، والله أسأل أن يعيذنا من شر السحرة والكهان، وأن يصرف عنا كيدهم، وأن يطهر بلاد المسلمين منهم، وأن يرزقنا التمسك بكتابه، والعمل بسنة نبيه ﷺ‬ .


مدخل

 حكم الساحر وتعلم السحر

إن الساحر الذي يستعين بالشياطين ويفزع إليهم في أموره وحاجاته، ويتقرب إليهم بأنواع القرب القولية منها أو الفعلية، ويصنع من أجلهم كل محرم وخبيث ـ وما ذاك إلا ليكونوا في خدمته وطواعيته لتنفيذ مطالبه وغاياته ـ إن هذا وأمثاله قد حكم الله عليه بالكفر كما في قوله تعالى: ]وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ[ [البقرة: 102] الآية. فبين تعالى أن العلة في كفر الشياطين هي السحر الذي يعلمونه للناس.

ومن الأدلة على كفر الساحر أيضا قوله تعالى: ]وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ[ [البقرة: 102] الآية ففيها التصريح بأن تعلم السحر وتعليمه كفر.

ومن الأدلة قوله تعالى: ]وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ[ [البقرة: 102] فالآية نص على أن من استبدل بطريق الحق السحرَ ما له في الآخرة من خلاق، والخلاق هو النصيب، والذي لا نصيب له في الآخرة هو الكافر، لأن المؤمن أو المسلم له نصيب في الآخرة وإن قل.

ومنها قوله ﷺ‬ : «من أتى عرافا (أو ساحرا) فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد»([1]) فإذا كان هذا هو حال السائل فما ظنك بالمسئول؟

واعلم أخي القارئ أن علم السحر وتعلمه وتعليمه ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: ما يكون كفرا ومخرجا لفاعله عن ملة الإسلام، وهو الذي يكون بالاستعانة بشياطين الجن، والتقرب إليهم بأنواع العبادات والطاعات، والانقياد لمطالبهم الشركية، والتي هي من لوازم إعانتهم له في تنفيذ شروره، ومكائده.

وهذا القسم قد اتفق العلماء على كفر فاعله وعلى وجوب قتله لصحة الآثار المنقولة عن الصحابة في ذلك كقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): اقتلوا كل ساحر([2])، وكما صح عن أم المؤمنين حفصة (رضي الله عنها) أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فاعترفت فقتلت([3]).

وكما ثبت عن جندب الخير (رضي الله عنه) أنه قتل ساحر كان يلعب بين يدي الوليد بن عقبة وقرأ ]أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ[([4]).

ثانيهما: ما لا يكون كفرا، وهو الذي كون بالعُقَد والأدوية ونحوها دون الاستعانة بالشياطين والتقرب إليهم، إلا أنه يجب قتل فاعله عند جمهور الأئمة: أبي حنيفة ومالك والمشهور عن الإمام أحمد لعموم الآثار المنقولة عن الصحابة في ذلك كما سبق بيانه([5]).

فتعلم السحر وتعليمه حرام بالإجماع، وهو من موبقات الذنوب، وطريق إلى الكفر والشرك، قال ابن قدامة (رحمه الله تعالى): تعلم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم، قال أصحابنا: ويكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته ([6]).

وقال النووي (رحمه الله تعالى): عمل السحر حرام وهو من كبائر الذنوب بالإجماع، وقد عده النبي ﷺ‬ من السبع الموبقات([7])، ومنه ما يكون كفرا، ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر([8]).

هذا بعض ما قاله أهل العلم في حكم السحر تعلما وتعليما وعملا، فإذا عرف هذا، فهل يجوز إتيان هؤلاء السحرة أو الكهان أو المشعوذين ومن كان على طريقتهم، وسؤالهم والتداوي بأدويتهم ورقاهم أم لا؟

هذا ما أردت الإجابة عنه من خلال فصول هذه الرسالة، حيث إني لم أر من أفرد هذه المسألة بتأليف مستقل، وإنما تذكر أحيانا عند الحديث عن حكم السحر والسحرة دون تحقيق لها وللنصوص الواردة فيها، وقد كثر سؤال الناس عن حكم الشرع فيها في هذا الزمان، نظرا لكثرة السحرة والمشعوذين وانتشارهم في كثير من البلدان، وغلبتهم على عقول وقلوب كثير من المسلمين، والله المستعان.

من أجل هذا وذاك استعنت بالله تعالى على تحرير المقال فيها، راجيا من الله تعالى فيها التيسير والعون على إتمامها.

* * * * *

 تعريف النشرة

النشرة في اللغة: على وزن فعلة، من النشر بمعنى التفريق والكشف، وتأتي بمعنى البسط خلاف الطي، يقال نشر الثوب ونحوه ينشره نشرا ونشره أي بسطه ([9]).

أما في الاصطلاح: فهي نوع من الرقى والتعاويذ يعالج بها المريض والمجنون ونحوهم.

قال أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري المشهور (بابن الأثير) النشرة بالضم: ضرب من الرقية والعلاج، يعالج به من كان يظن أن به مسا من الجن، سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء: أي يكشف ويزال([10]).

وقال ابن منظور: والنشرة: رقية يعالج بها المجنون والمريض تنشر عليه تنشيرا، وقد نشر عنه([11]).

هذا من حيث العموم.. أما من حيث الخصوص فهي بمعنى: نشر ما طوى الساحر وتفريق ما جمعه([12])، أي حل السحر عن المسحور وإزالته عنه.

قال ابن منظور والتنشير والنشرة، وهي كالتعويذ والرقية، قال الكلابي: وإذا نشر المسفوع كان كأنما أنشط من عقال، أي يذهب عنه سريعا ([13])، وفي الحديث أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قال حينما سحر النبي ﷺ‬ : «هلا تنشرت» ([14]).


 حكم النشرة

النشرة التي هي حل السحر عن المسحور تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: حل السحر عن المسحور بالرقى، والتعوذات، والدعوات الصحيحة المأثورة، وبالأدوية المباحة، فهذا جائز بدلالة الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة ([15])، ولكن بشروطه المعتبرة، وهي:

أولا: أن تكون بكلام الله تعالى، أو بأسمائه وصفاته، أو بالأذكار والأدعية الصحيحة المأثورة.

ثانيا: أن تكون بلسان عربي، أو بما يعرف معناه من غيره.

ثالثا: الاعتقاد بأن النشرة والرقى ونحوها لا تؤثر بذاتها وطبعها، بل بتقدير الله تعالى ومشيئته، وأنها سبب لحصول الشفاء من عند الله تعالى.

قال صديق حسن خان: وكل عمل ودعاء ينشر المرض والداء، وينفع من الأسقام والأدواء، يصدق أنه نشرة، يجوز الانتفاع به، إن كان من ألفاظ القرآن والسنة، أو من المأثور من السلف الصلحاء، الخالي عن أسماء الشرك وصفاته، باللسان العربي، وإلا كان حراما أو شركا([16]).

فإذا اجتمعت هذه الشروط صحت النشرة ونحوها، ونفعت بإذن الله، وليس المقصود هنا ذكر الأدلة على جواز ذلك، فإن مقام ذكرها أوسع، وقد حوت لنا كتب السنة ما يشفي في هذا ويكفي، حيث أفردت لها كتاب خاصا باسم (كتاب الطب) ساق فيه مؤلفوها الأدلة الخاصة بذلك.

أما القسم الثاني منها (وهو موضوع هذه الرسالة):

فهو حل السحر عن المسحور بسحر مثله، وصورة ذلك أن يأتي المسحور، أو يؤتى به إلى الساحر أو الكاهن ليسأله حل السحر وإطلاقه عنه، فيقوم الساحر أو الكاهن ليصنع ذلك بواحدة من طرق عدة:

أحدها: أن يقوم الساحر ـ بعد أن يستعين بشياطين الجن في ذلك ـ بإخبار المسحور عن مكان السحر الذي قد عمل له، وفي أي شيء هو، وربما أخبره بمن سحره كذلك، فيقوم المسحور بعد ذلك باستخراج السحر من المكان الذي وصفه له الساحر ويتلفه، فينحل عنه السحر ويبرأ.

ثانيها: أن يقوم الساحر نفسه ـ بعد أن يستعين بشياطين الجن في ذلك ـ بإحضار السحر من موضعه وإخراجه للمسحور وهو في مجلسه الذي أتاه فيه. وفي كلتا الطريقتين ربما يقوم الساحر بالنفث على المسحور وقراءة شيء من القرآن أو الأدعية تمويها وتلبيسا عليه ليطمئن المسحور ويسكن إليه.

ثالثها: أن يأمر الساحر المسحور بأمور مختلفة كي ينحل عنه السحر، كأن يأمره بذبح شاة أو بقرة أو نحو ذلك، وأن يذكر اسم الساحر أو الجني عليها، كأن يقول عند ذبحها: باسم الساحر (فلان) أو الجني (فلان) ليطلق عني السحر، ويأتي بها إلى الساحر، أو غير ذلك من الأقوال والأعمال الشركية تقربا إلى السحرة والشياطين.

رابعها: أن يكتب الساحر للمسحور بعض العزائم والتعاويذ التي لا يعرف معناها، كالطلاسم ونحوها، وربما حوت الشرك الأكبر، ثم يعطيه إياها في شكل تمائم ليعلقها على بدنه أو على دابته، أو في داره، أو يضعها في فراش نومه، أو غير ذلك، أو في شكل رقى مكتوبة، وربما كتبت بسائل نجس كالبول أو الدم.

وتلك العزائم والرقى ونحوها التي يستعملها الساحر وغيره ممن يدعي تسخير الجن له، ربما يأتي معها بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل فيجمع إلى ذكر الله وأسمائه وصفاته ما يشوبها من ذكر الشياطين والاستعاذة بهم والتعوذ بمردتهم، وقد يحصل الشفاء للمسحور بإحدى تلك الطرق، وقد لا يحصل، لأن الشفاء من الله تعالى، ولكن هذه الطرق وما أشبهها قد تضمنت محاذير عدة، من أخطرها:

أولاً: إتيان السحرة والكهان ونحوهم من المشعوذين والعرافين، وسؤالهم، والاستعانة بهم، واللجوء إليهم.

ثانياً: إقرار أولئك السحرة ومن هم على طريقتهم، والرضا بما يصنعونه من غير نكير أو تحذير.

ثالثاً: طاعة الساحر لشياطين الجن فيما يأمرونه به كي يعينونه على حل السحر عن المسحور، وطاعة المسحور للساحر فيما يأمره به ليطلق عنه السحر، فيكون الناشر (الساحر) والمنتشر (المسحور) قد تقربا إلى الشيطان بما يحب ليبطل عمله عن المسحور.

رابعاً: التداوي والعلاج بما حرم الله تعالى، لأن إتيان السحرة والكهان ونحوهم وسؤالهم لا يجوز شرعا، سواء سألتهم تداويا واستشفاء أو غير ذلك، كما سيأتي بيانه ـ إن شاء الله تعالى ـ.

خامساً : تصديق المسحور للسحرة ونحوهم فيما يخبرونه به من أجل حل السحر عنه.

سادساً: مشابهة أهل الجاهلية في إتيانهم وسؤالهم، واللجوء إليهم فيما يقع لهم من الحوادث والأمور الطارئة.

سابعاً: بذل الأموال الطائلة لأولئك السحرة والكهنة من غير وجه.

وسيأتي مزيد بيان لما ذكر إن شاء الله تعالى.

فإذا عرفت هذا.. فاعلم أن للعلماء في هذه المسألة قولين مشهورين:

أحدهما: أن حل السحر عن المسحور بسحر مثله جائز عند الحاجة إليه، وهو قول أكثر فقهاء الحنابلة، ومنهم من قيده بحال الضرورة فقط، كما في (الفروع)([17]) لشمس الدين بن مفلح، و(الإنصاف)([18]) و(تصحيح الفروع) ([19]) للمرداوي، و(منتهى الإرادات)([20]) لابن النجار، و(شرحه)([21]) للبهوتي.

ومنهم من أطلق ذلك ولم يقيده كما في (غريب الحديث)([22]) لابن الجوزي، و (المغني) ([23]) لابن قدامة، و (الشرح الكبير) ([24]) لأبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي. وهذا القول منسوب إلى سعيد بن المسيب ([25]).

قال القرطبي: وإليه مال المزني([26]) وجملة ما استدلوا به:

أولا: توقف الإمام أحمد (رحمه الله تعالى) في هذه المسألة، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل عن رجل يزعم أنه يحل السحر فقال: قد رخص فيه بعض الناس، قيل لأبي عبد الله: إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه ويعمل كذا، فنفض يده كالمنكر وقال: ما أدري ما هذا، قيل له: فترى أن يؤتى مثل هذا يحل السحر؟ فقال: ما أدري ما هذا ([27]).

قالوا: فالإمام أحمد لم ينه عن إتيان مثل هؤلاء، بل توقف في ذلك، ولو كان ذلك ممنوعا عنده لصرح بالنهي عنه.

ثانيا: أثر سعيد بن المسيب، قالوا قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب (أي سحر) أو يؤخذ([28]) عن امرأته أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه([29])، وفي رواية أنه كان لا يرى بأسا إذا كان بالرجل سحر أن يمشي إلى من يطلق عنه، ويقول: هو صلاح، قال قتادة: وكان الحسن يكره ذلك، يقول: لا يعلم ذلك إلا ساحر، قال فقال سعيد بن المسيب: لا بأس بالنشرة إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع ([30]).

ثالثا: عموم قول النبي ﷺ‬ : «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل»([31]). ووجه ذلك أن المنتشر تحصل له المنفعة وينحل عنه السحر بسبب تلك النشرة وإن كانت ممنوعة، لأن كل رقية جربت نفعتها جاز استخدامها للحاجة، وإن كانت محرمة.

رابعا: قولهم بأن ذلك جائز عند الاضطرار إليه، فكما أنه يجوز الأكل من الميتة عند الاضطرار إليها للإبقاء على النفس فكذلك يجوز إتيان السحرة ونحوهم والتداوي بأدويتهم للإبقاء على سلامة النفس والعقل، ورجوع الألفة والمحبة بين الزوجين، وغير ذلك من مصالح النفس وحظوظها، وأن ما حرمه الشرع يجوز فعله عند الضرورة لدفع مفسدة أعظم منه، والله تعالى يقول: ]وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ[ [الأنعام: 119].

خامسا: ما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها دبرت ([32]) جارية لها فسحرتها، فاشتكت عائشة بعد ذلك ما شاء الله أن تشتكي، فذهب بنو أخيها إلى رجل يتطبب فذكروا له شكواها، فقال لهم: إنكم لتذكرون امرأة مسحورة سحرتها جارية لها في حجر الجارية الآن صبي قد بال في حجرها، فقالت عائشة: ايتوني بها فأتي بها، فقالت لها عائشة: أسحرتيني؟ فقالت: نعم. قالت: لم؟ قالت: أردت أن أعتق، فأمرت بها عائشة أن تباع من الأعراب ممن يسيء ملكتها، فبيعت. وفي رواية أن ذلك الرجل دخل على عائشة وأخبرها بأنها مطبوبة([33]).

ووجه الاستدلال بهذا الأثر أن ذلك الرجل قد أخبر عائشة وبني أخيها بأمور غيبية لا يكاد يخبر عنها إلا من كان على اتصال بالشياطين، حيث يأتونه بها، إذ أخبرهم بأن الموصوفة بتلك الصفات مسحورة، وإن التي سحرتها جارية لها ثم وصفها لهم حال سؤالهم له بأن في حجرها صبيا قد بال عليها، فلو كان إتيان مثل أولئك ممنوعا عندهم لأنكرته عائشة (رضي الله عنها) على بني أخيها، ولم ترضه لهم وتقرهم عليه.

القول الثاني:

أما القول الثاني فهو قول من قال بأن حل السحر عن المسحور بسحر مثله، أو بما لا يعرف أو يعقل معناه من الرقى، والعزائم، والتعاويذ، لا يجوز مطلقا، سواء كان للضرورة أو لعدمها، ولم يستفصلوا، وإلى ذلك ذهب علماء الأمة كما نقله عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية([34]) والحافظ ابن حجر([35]) وابن أبي العز الحنفي([36]) وغيرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله تعالى): "وعامة ما بأيدي الناس من العزائم والطلاسم والرقى التي لا تفقه بالعربية فيها ما هو شرك بالجن، ولهذا نهى علماء المسلمين عن الرقى التي لا يفقه معناها، لأنها مظنة الشرك وإن لم يعرف الراقي أنها شرك"([37]).

وقال أيضا: ولهذا نهى العلماء عن التعازيم والأقسام التي يستعملها بعض الناس في حق المصروع وغيره، التي تتضمن الشرك، بل نهوا عن كل ما لا يعرف معناه من ذلك خشية أن يكون فيه شرك، بخلاف ما كان من الرقى المشروعة فإنه جائز([38]).

وعلى هذا أئمة الفتوى في هذه البلاد وغيرها، ابتداء بالإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب (عليه رحمة الله) حيث أفرد للمسألة بابا في كتابه الفريد (كتاب التوحيد) ([39]). وبين فيه حرمة ذلك بعد أن ساق الأدلة الدالة عليه، وتبعه على ذلك تلامذته وأحفاده ممن اعتنوا بشرح كتابه ذاك كالشيخ عبد الرحمن حسن([40]) والشيخ سليمان بن عبد الله([41])، وتتلمذ عليهم، كالشيخ حمد بن عتيق([42]) وغيره، إلى زمننا هذا ولله الحمد والمنة، إذ أفتى بحرمة ذلك الشيخ العلامة حافظ حكمي([43])، والشيخ العلامة مفتي الديار السعودية في زمانه الشيخ محمد بن إبراهيم([44]) (عليهم رحمة الله)، وبه يفتي سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز([45])، وفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين([46])، وفضيلة شيخنا العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين([47]) وغيرهم من العلماء والمشائخ من هذا البلد وغيره (أجزل الله لهم المثوبة وأحسن عاقبتهم في الدنيا والآخرة ([48]).

وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة عامة وخاصة:

فأما الأدلة العامة فمنها:

أولا: أن السحرة والكهان والعرافين ونحوهم من المشعوذين ممن يدعون علم الغيب ويستعينون بالجن ومردتهم ويفزعون إليهم في أمورهم لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم فيما يخبرون به، فمن أتاهم وسألهم عن شيء فصدقهم بما يقولونه فقد جمع بين محذورين، وأتى كبيرتين من كبائر الذنوب ووقع فيما نهى عنه ﷺ‬:

فأولهما: هي مجرد إتيانهم وسؤالهم، فقد صح عنه ﷺ‬ نهيه عن ذلك، كما في قوله لمعاوية بن الحكم السلمي حينما سأله عن أمور كانوا يصنعونها في الجاهلية، منها إتيانهم للكهان، فقال عليه الصلاة والسلام: «فلا تأتوا الكهان»([49]) وكما ثبت عنه ﷺ‬ أنه قال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة»([50]) وهذا الوعيد الشديد مرتب على مجرد مجيئه وسؤاله، سواء صدقه بما يقول أم لا، ويدخل في هذا الوعيد كل من أتى هؤلاء السحرة والعرافين، ومن كان على طريقتهم، وسألهم عن أي أمر من الأمور، سواء سألهم أن يحلوا عنه السحر، أو يصنعوا له سحرا، أو يخبروه عن أمر غيبي، أو غير ذلك من أنواع السؤال، لأن ظاهر قوله: «فلا تأتي الكهان» وقوله: «فسأله عن شيء» يعم ذلك كله، فالأول نكرة في سياق النهي، والآخر جواب الشرط وكلاهما من صيغ العموم([51]).

وثانيهما: هي سؤالهم حل السحر، ثم تصديقهم والعمل بما يخبرونه به من طرق الاستشفاء وأنواع الأدوية المزعومة، فإنه بهذا قد وقع فيما هو أشد وأخطر، وربما أفضى به ذلك إلى الخروج عن دائرة الإسلام، لقوله عليه الصلاة والسلام: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ‬ »([52]) وفي لفظ: «من أتى عرافا أو ساحرا، أو كاهنا، فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ‬»([53]).

ووجه كون تصديقهم بما يقولون كفرا بما أنزل على محمد ﷺ‬ وهو القرآن، أن الله تعالى أخبر في كتابه بأنه لا يعلم الغيب إلا هو سبحانه، كما في قوله: ]قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ[ [النمل: 65] الآية، وقوله: ]وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ[ [الأنعام: 59].

فمن أتى هؤلاء وصدقهم بما يقولونه ويدعونه من علم الغيب، صار مكذبا بما جاء في القرآن العظيم من أن الله تعالى هو المتفرد بعلم الغيب وحده، وبه يكون كافرا بالقرآن، خارجا عن ملة الإسلام.

ثانيا: عموم قوله ﷺ‬ : «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له»([54]). والشاهد قوله: «أو سحر له» ولا ريب أن من أتى ساحراً ليحل عنه السحر داخل في عموم قوله: «أو سحر له» إذ أن الساحر لا يتوصل إلى حل السحر عنه إلا بعمل سحر مثله، باستخدام الجن الذين يأتونه بخبر ذلك المسحور والذي سحره، وفي أي شيء سحره، ونحو ذلك.

وقوله ﷺ‬ : «ليس منا» وعيد شديد، معناه أن من فعل ذلك ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى بعملنا واتبع طريقتنا في هذا الأمر، بل هو متبع لطريقة أهل الجاهلية والضلال، مهتد بهديهم، ومقتد بفعلهم، متشبه بهم.

ثالثا: أن في إتيان السحرة والكهان ونحوهم، والسكوت عنهم، ودفع الأموال لهم، إقرارا لهم على ما هم عليه من الكفر والضلال، وإعانة لهم على بث شرورهم ونشر فسادهم، وإغراء غيرهم باتباع طريقتهم وانتحال سبيلهم، وبذلك يبلغ أمرهم، ويكثر أتباعهم، ويعظم خطرهم، وتشيع فتنتهم، ويصعب قمعهم.

وقد نهانا سبحانه عن إعانة مثل هؤلاء، ومن هم على طريقتهم، كما في قوله: ]وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[   [المائدة: 2] الآية. وكما صح عنه ﷺ‬ أنه نهى عن حلوان الكاهن ([55])، وهو المال الذي يأخذه الكاهن على كهانته أو الساحر على سحره، قال الحافظ ابن حجر (رحمه الله): وهو حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل([56]).

وقال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله: ولهذا ترى كثيرا من السحرة الفجرة في الأزمان التي لا سيف فيها يردعهم يتعمد سحر الناس ممن يحبه أو يبغضه ليضطره بذلك إلى سؤاله حله ليتوصل بذلك إلى أموال الناس بالباطل فيستحوذ على أموال الناس ودينهم نسأل الله تعالى العافية([57]).

فالواجب على من علم بحالهم ووقف على طريقتهم الإنكار عليهم وعلى من يأتيهم، والرفع إلى ولاة الأمور عنهم حتى يعاقبوا بما يستحقون، وقد قال النبي ﷺ‬ : «من رأى منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»([58]). ولا شك أن الرفع عنهم إلى ولاة الأمر من جملة الإنكار عليهم باللسان، ومن التعاون على البر والتقوى.

وقال شارح الطحاوية (رحمه الله): والواجب على ولي الأمر وكل قادر أن يسعى في إزالة هؤلاء المنجمين والكهان والعرافين وأصحاب الضرب بالرمل والحصى والقرع والقالات([59])، ومنعهم من الجلوس في الحوانيت والطرقات، أو يدخلوا على الناس في منازلهم لذلك، ويكفي من يعلم تحريم ذلك ولا يسعى في إزالته ـ مع قدرته على ذلك ـ قوله تعالى ]كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ[ [المائدة:79]. وهؤلاء الملاعين يقولون الإثم ويأكلون السحت، بإجماع المسلمين، وثبت في السنن عن النبي ﷺ‬ برواية الصديق رضي الله عنه، أنه قال: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه»([60])([61]).

ومع كفاية الأدلة العامة ووضوح دلالتها على تحريم إتيان السحرة، وسؤالهم، وتصديقهم، والتداوي بأدويتهم، إلا أن الأدلة الخاصة جاءت مؤكدة لتلك العمومات، ومصرحة بتحريم النشرة على وجه الخصوص، فمن تلك الأدلة:

أولا: قوله ﷺ‬ حينما سئل عن النشرة، قال: «هي من عمل الشيطان»([62]).

والألف واللام في النشرة المسئول عنها في هذا الحديث هي للعهد الذهني، أي النشرة المعهودة التي كان أهل الجاهلية يصنعونها أو يصفونها لمرضاهم من المسحورين ونحوهم، لا النشرة بالرقي والتعوذات الشرعية والأدوية المباحة، فإن ذلك جائز كما سبق بيانه.

وقد كان شائعا عند أهل الجاهلية قبل مبعثه ﷺ‬ تعاطي أنواعا شتى من الرقى والنشر التي لا تخلو من عمل محرم أو محذور، فهي إما أن تكون باستخدام الشياطين والتقرب إليهم، كدعائهم فيها وذكر أسمائهم، أو بما لا يعرف معناه ويخفى علمه ومحتواه كالطلاسم ونحوها، أو غير ذلك، فأبان ﷺ‬ حكم تلك النشر وما كان على صفتها، وأخبر بأنها من عمل الشيطان، أي من تزيينه وإيحائه وإضلاله، لا من الرقى والتعاويذ التي هي بآيات الله تعالى والأدعية المأثورة، وهذا يدل على منعها وتحريمها، لأن قوله ﷺ‬: «هي من عمل الشيطان» يغني عن قوله أنها حرام، بل هو أشد في المنع، لأن ربطها بعمل الشيطان يقتضي تقبيحها والتنفير عنها.

والحديث وإن لم يكن فيه صيغة النهي ولكن فيه ما يدل على النهي، لأن طرق إثبات النهي عديدة، منها التصريح بذكر صيغة النهي عن الفعل، ومنها ذم فاعله كما في هذا الحديث.

وما يصنعه سحرة هذا الزمان وأدعياء الرقى والتعاويذ المشبوهة لا يختلف كثيرا عما يصنعه سحرة أهل الجاهلية في جاهليتهم، بل هم أشد خطرا وأعظم بلاء على الأمة منهم، لخلطهم بين ما يصنعونه من الشرك والضلال وبين شيء من الآيات والأذكار والأدعية المروعة، تلبيسا على الجهال وتغريرا بهم.

ثانيا: إن علم أن تلك الرقى والنشر ونحوها من الأدوية تحوي شيئا من أنواع الشرك، أو عملا شيطانيا سحريا، أو طلاسم وخزعبلات مجهولة، أو غير ذلك من الطرق والأفعال والأقوال المحظورة، فإن كانت كذلك، فهي داخلة في عموم ما نهى الشرع ومنع من التداوي به وبغيره من المحرمات، كما في قوله ﷺ‬ : «ولا تداووا بحرام»([63]).

وفي الحديث أنه ﷺ‬ : نهى عن الدواء الخبيث([64]) وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم»([65]).

فهذه النصوص ونحوها صريحة في تحريم التداوي بمثل تلك الرقى والنشر، ودالة على أن متعاطيها يعد متعديا لحدود ما شرعه الله له من التداوي بالأدوية المشروعة والمباحة.

وبهذا كله تبين لك أخي القارئ أن القول الصحيح في هذه المسألة هو قول من قال بأن إتيان السحرة ونحوهم وسؤالهم حل السحر عن المسحور، أو التداوي بأدويتهم ونشرهم، حرام لا يجوز، وأنه من كبائر الذنوب، وعظائم الخطوب وهو قدح في توحيد المطبوب، نسأل الله العافية والسلامة من مهلكات الذنوب.


الجواب عن أدلة القائلين بالجواز

اعلم ـ وفقك الله ـ أن العلماء قد يختلفون في حكم مسألة من مسائل الدين فيدلي كل منهم بدليله وحجته وبما أحاط به علمه واجتهاده، وغايتهم الوصول إلى الحق، ومطلبهم معرفة الحكم بدليله، وهم إما مصيب فله أجران، وإما مخطئ فله أجر واحد، فالعالم قد يخفى عليه حكم بان لغيره فيه دليله، فالواجب على من وقف على أقوالهم واطلع على حججهم وأدلتهم أن يعرضها على كتاب الله وسنة نبيه ﷺ‬ كما أمرنا تعالى بذلك في قوله: ]فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[ ([66]) فما كان منها موافقا للكتاب والسنة أخذ به، وما كان مخالفا لهما طرح به ولا حرج.

ومن المعلوم أن من لازم الشهادة بأن محمدا رسول الله ﷺ‬ طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، فالأخذ بما خالف ذلك قدح في تلك الشهادة بلا ريب. فالواجب على من علم حكم الشرع بدليله، واستبانت له سنة رسوله ﷺ‬ في أمر من الأمور أن لا يعدل عنها، ولا يتبع أحد في مخالفتها، كائنا من كان، فالسنة قاضية على قول كل أحد، صحابيا كان أو من دونه في العلم والمنزلة، فإن الله قد فرض طاعة رسوله على كل أحد وفي كل حال.

قال شيخ الإسلام (ابن تيمية) ـ رحمه الله تعالى ـ : وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة النص والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية لا بأقوال بعض العلماء، فإن أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية، لا يحتج بها على الأدلة الشرعية([67]).

والداعي إلى ذكر أقوال الفقهاء في هذه المسألة هو بيان ما وقعوا فيه من الخطأ مع تصحيحه، لئلا يغتر جاهل، أو يتصدر مقلد، إلا فالحق قد بان في هذه المسألة وانجلى، ونصوص السنة قد تتابعت في قطع كل طريق يوصل إلى السحرة وسؤالهم، بل جعلت السيف حدا في رقابهم، فإياك أن تغتر بكثرة شيوعهم وانتشارهم في كثير من البلدان، وتهافت الناس عليهم كتهافت الفراش على النيران، فإن الفعل غير المشروع يجب الحذر والتحذير منه، وإن كثر فاعلوه وقل منكروه.

قال العلامة ابن مفلح ـ رحمه الله تعالى ـ : ينبغي أن يعرف أن كثيرا من الأمور يفعل فيها كثير من الناس خلاف الأمر الشرعي ويشتهر ذلك بينهم ويقتدي كثير من الناس بهم في فعلهم، والذي يتعين على العارف مخالفتهم في ذلك قولا وفعلا، ولا يثبطه عن ذلك وحدته وقلة الرفيق اهـ([68]).

وإليك الآن جواب عن أدلة القائلين بالجواز:

أما قولهم بأن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ قد توقف في حكم إتيان السحرة ونحوهم من أجل حل السحر عن المسحور حينما سئل عن ذلك، فالجواب أن يقال: قد دلت السنة الصحيحة من وجوه عديدة على عدم جواز إتيانهم وسؤالهم والتداوي بأدويتهم ونشرهم كما سبق بيانه قبل، فليس لأحد أن يقول عالم، أو توقف إمام في مسألة من مسائل الدين على قول النبي ﷺ‬ فيها.

ثم إن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ لم يقل بجواز إتيان السحرة ونحوهم والتداوي بأدويتهم ونشرهم، بل المعروف عنه خلافه كما سيأتي، وليس في قصة ذلك الرجل ما يدل أنه يجيز ذلك، بل لما نقل له السائل طريقة ما يصنعه ذلك الرجل من أن يجعل في الصنجير ماء ويغيب فيه، نفض يده كالمنكر له وقال: لا أدري ما هذا؟ قيل له: أفترى أن يؤتى مثل هذا؟ قال: لا أدري ما هذا؟

فكيف يقال إنه توقف في ذلك، قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ في (تيسير العزيز الحميد): وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه، وكيف يجيزه (أي الإمام أحمد) وهو الذي روى الحديث أنها من عمل الشيطان؟ ولكن لما كان لفظ النشرة مشتركا بين الجائزة والتي من عمل الشيطان، ورأوه قد أجاز النشرة ظنوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان وحاشاه من ذلك اهـ([69]).

وقد جاءت الكراهة عنه صريحة في هذا كما في رواية الفرج بن علي الصباح البرزاخي عنه: في الرجل يزعم أنه يعالج المجنون من الصرع بالرقى والعزائم، ويزعم أنه يخاطب الجن ويكلمهم، ومنهم من يخدمه ويحدثه، قال: ما أحب لأحد أن يفعله وتركه أحب إلي([70]).

فمن ظن أن الإمام أحمد قد توقف في حكم إتيان أولئك فقد أخطأ في ظنه، وغلط في فهمه.

وأما أثر سعيد بن المسيب، فيجاب عنه كما أجيب عن توقف الإمام أحمد أولا، وأما ثانيا: فليس فيما قاله ـ رحمه الله تعالى ـ ما يدل على أنه يجيز النشرة الممنوعة أو إتيان السحرة لحل السحر عن المسحور أو نحو ذلك، وحاشاه من ذلك، وأنت إذا جمعت الروايات المروية عنه في هذه المسألة وتأملتها حق التأمل، بان لك أن النشرة التي أجازها إنما هي المشروعة منها فحسب، والتي هي من جنس الرقى والتعاويذ، لا النشرة الممنوعة، وأن الذين جوز إتيانهم لحل السحر عن المسحور وهم بعض أصحابه وتلامذته، ومن كانوا معروفين بالصلاح والاستقامة، لا السحرة، والكهان، ونحوهم.

فمن تلك الروايات أن قتادة قال لسعيد بن المسيب: رجل طب بسحر، نحل عنه؟ قال: نعم، من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل ([71] وفي رواية: إن استطعت أن تنفع أخاك فافعل ([72]) وفي رواية: قال: لا بأس، إنما تريدون بذلك الإصلاح ([73]). وفي رواية: أن قتادة قال: سألت سعيد بن المسيب عن النشر أمرني بها، قال: قلت: أرويها عنك؟ قال: نعم ([74]).

ومثله ما جاء عن عطاء الخراساني ـ رحمه الله تعالى ـ قال إسماعيل بن عياش: سألت عطاء الخراساني عن المؤخذ عن أهله والمسحور، نأتي نطلق عنه، قال: لا بأس بذلك إذا اضطر إليه ([75]).

وقد عرفت أن فقهاء أهل العراق وفي مقدمتهم الحسن البصري وإبراهيم النخعي وغيرهما، كانوا يكرهون أنواعا من الرقى والتعاويذ ومنها النشرة ([76]) وكان أهل الحجاز يجيزونها كغيرها من الرقى والتعاويذ المشروعة، فأشكل ذلك على قتادة ـ رحمه الله ـ فصار يكثر من سؤال سعيد بن المسيب عنها، وكان سعيد يجيبه بأنه لا بأس بها، وأن الله تعالى نهى عما يضر، ولم ينه عما ينفع.

وصدق سعيد، فإن النشرة المشروعة تنفع بإذن الله ولا تضر، ولو كان مراده النشرة الممنوعة وإتيان السحرة ونحوهم لخالف دليله فتواه، لأن قوله: إنما نهى الله عما يضر يقتضي حرمة ذلك، لأن الشرع قد نهى عن تلك النشر وعن إتيان السحرة ونحوهم، وأي ضرر على العبد أعظم من تكذيبه بالقرآن وعدم قبول صلاته أربعين ليلة؟!

وقد كان سعيد بن المسيب ـ رحمه الله تعالى ـ يفتي بقتل السحرة بعد إقرارهم([77]) فكيف يجوز إتيانهم؟! فمن نسب إليه القول بجواز ذلك فقد قوله ما لم يقل، وأخطأ في فهم ما عنه نقل([78]).

وأما قوله ﷺ‬ : «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل»، فمراده ﷺ‬ ما شرع الانتفاع به، فهو عام مخصوص لا حجة لهم فيه، قال الحافظ: وقد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها، لكن دل حديث عوف أنه ما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك يمنع، وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك فيمتنع احتياطا([79]).

يشير (رحمه الله) إلى قوله ﷺ‬ حينما سأله عوف بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: «اعرضوا عليَّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك»([80]).

ويدل على هذا التخصيص قوله ﷺ‬ : «لا تداووا ولا تتداووا بحرام»([81])، وقوله ﷺ‬ : «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم»([82]).

فكل رقية أو نشرة محرمة لا يشرع الانتفاع بها، لأنها داء وليست بدواء، وفي الحديث: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه» وأي نفع في إتيان السحرة والكهان ونحوهم والاسترقاء برقاهم ونشرهم المشبوهة؟!

أما قولهم بأن ذلك جائز عند الاضطرار إليه، استنادا على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، فالجواب أن يقال بأن إتيان السحرة والكهان ومن هم على طريقتهم وسؤالهم والتداوي بأدويتهم ورقاهم ليس هو من باب الضرورات التي تستلزم إباحة المحظورات، كأكل الميتة مثلا، لأن حكم التداوي ليس بواجب في أصل الشرع وإنما هو من الأمور المباحة والمشروعة كما هو قول جمهور أهل العلم، وإنما اختلفوا: هل الأفضل تركه أم فعله؟ أما الأكل من الميتة فهو واجب على من اضطر إليه لأن حاجته لا تندفع إلا به قطعا، وليس له عنه عوض، أما المسحور فله عن إتيان السحرة والتداوي بأدويتهم عوض، وهو التداوي بما شرعه الله له، فلا يقاس هذا بهذا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله تعالى): والذين جوزوا التداوي بالمحرم قاسوا ذلك على إباحة المحرمات كالميتة والدم للمضطر، وهذا ضعيف لوجوه:

أحدها: أن المضطر يحصل مقصوده يقينا بتناول المحرمات، فإنه إذا أكلها سدت رمقه، وأزالت ضرورته، وأما الخبائث بل وغيرها فلا يتيقن حصول الشفاء بها، فما أكثر من يتداوى ولا يشفى، ولهذا أباحوا دفع العضة بالخمر لحصول المقصود بها، وتعينها له، بخلاف شربها للعطش، فقد تنازعوا فيه، فإنهم قالوا: إنها لا تروي.

الثاني: أن المضطر لا طريق له إلى إزالة ضرورته إلا الأكل من هذه الأعيان، وأما التداوي فلا يتعين تناول هذا الخبيث طريقا لشفائه، فإن الأدوية أنواع كثيرة، وقد يحصل الشفاء بغير الأدوية، كالدعاء، والرقية، وهو أعظم نوعي الدواء.

الثالث: أن أكل الميتة للمضطر واجب عليه في ظاهر مذهب الأئمة وغيرهم، كما قال مسروق: من اضطر إلى الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار. وأما التداوي فليس بواجب عند جماهير الأئمة، وإنما أوجبه طائفة قليلة، كما قاله بعض أصحاب الشافعي وأحمد ... ـ إلى أن قال ـ وإذا كان أكل الميتة واجبا، والتداوي ليس بواجب لم يجز قياس أحدهما على الآخر ... إلى آخر ما قاله ـ رحمه الله ـ ([83]).

وقال ابن العربي: فإن قيل: التداوي حال ضرورة والضرورة تبيح المحظورات، فالتداوي بالحرام مباح، قلنا: التداوي ليس حال ضرورة وإنما الضرورة ما يخاف معه الموت من الجوع، فأما التطبب في أصله فلا يجب، فكيف يباح فيه الحرام؟ ([84]).

وأما قصة الجارية التي سحرت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ وقيام بني أخيها بسؤال ذلك الرجل عن مرضها، وفي رواية أنه دخل على عائشة وأخبرها بأنها مطبوبة ([85]).

فالجواب عنها من وجوه:

أولا: ليس في القصة التصريح بأن ذلك الرجل المسئول ساحر أو كاهن، بل جاء في بعض الروايات أنه رجل من السند، وفي رواية (من الزط)([86]) قدم المدينة يتطبب، أي يظهر الطب والعلاج، فحاله الظاهر معلوم أما الباطن فمجهول، ولا يلزم من كونه أخبرهم بأن عائشة ـ رضي الله عنها ـ مسحورة وأن التي سحرتها جارية لها، وأن في حجر تلك الجارية صبيا قد بال فيه، لا يلزم من ذلك أنه ساحر أو كاهن، لأن تلك الأمور قد يستدل عليها بقرائن وعلامات تظهر على المطبوب وتخبر بواقع حاله يعرفها المتمرسون في هذه الصنعة.

ففي بعض الروايات أن بعض بني أخيها ذكروا شكواها لذلك الرجل، وأنه قال لهم: إنكم لتذكرون امرأة مسحورة، فجوابه وتشخيصه لحالها إنما وقع بعد وصفهم لحالها له، فلازم الحكم ليس بلازم، فمن ادعى أن المسئول ساحر أو كاهن فعليه الدليل.

ثم هب أنه بان بجوابه لهم أنه ساحر أو كاهن، فإنه كان مجهولا لدى عائشة وبني أخيها قبل سؤاله، فهم معذورون بسؤاله لجهالة حاله عندهم، ولو كان أمره معلوما قبل سؤاله لأخبرت عنه عمرة بنت عبد الرحمن التي روت هذه القصة، ولقال بأن الذي دخل على عائشة، أو أن الذي شكا إليه بنو أخيها رجل ساحر أو كاهن بدلا من قولها رجل سندي يتطبب، ثم هل سألوه حل السحر عنها بعدما تبين حاله، وأخبرهم بأنها مسحورة؟ هذا ما لم يقع، فبطل بهذا الاستدلال بهذه القصة على جواز سؤال السحرة حل السحر.

ثانيا: أن في هذه القصة ما ينقض دعوى أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ تجيز أو تقر سؤال السحرة ونحوهم، وذلك لأن الجارية لما اعترفت أنها سحرتها لم تسألها عائشة أن تحل عنها السحر الذي صنعته لها، وهي أولى بالسؤال من ذاك الرجل، بل أمرت ببيعها، ثم إنها مكثت ما شاء الله من الزمان وهي على مرضها، ثم إنها رأت في النوم أن اغتسلي من ثلاث أبؤر([87]) يمد بعضها بعضا فإنك تشفين، فاغتسلت، فشفيت ([88]).

ثالثا: على تقدير أن القصة دلالة على المدعى، فإنه لا قول لأحد مع قول النبي ﷺ‬، فلا يصح الاستدلال بفعل عائشة ـ رضي الله عنها ـ مع قول النبي ﷺ‬ في المسألة، هذا على تقدير أن القصة دلالة على ذلك وقد عرفت أن القصة لا دلالة فيها، بل فيها نقض ما زعموا، والحمد لله.

وبذلك تبطل كل شبهة يمكن التمسك أو الاستدلال بها على جواز إتيان السحرة ونحوهم، وسؤالهم حل السحر عن المسحور، أو التداوي بأدويتهم ورقاهم، وتصديقهم في ذلك، وبان لك أخي القارئ أن أدلة الشرع صريحة في المنع من ذلك لا دافع لها، وأن الوعيد الشديد مرتب على إتيان أولئك وسؤالهم وتصديقهم، فكن على حذر من ذلك.

وإياك أن تغتر بكثرتهم وانتشارهم في بعض البلاد، واستغلالهم للسذج من الناس ممن يغلب عليهم الجهل، والغفلة، نسأل الله العافية، والواجب على ولاة أمور المسلمين وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان، إقامة حكم الشرع في أولئك السحرة والكهان ونحوهم من المنجمين والمشعوذين، والإنكار والتضييق عليهم، ومنعهم ممارسة ضلالاتهم ومنكراتهم، وتحذير الأمة منهم، والإنكار على من يجيء إليهم([89]).

والله المسئول أن يطهر بلاد المسلمين من أولئك الأشرار، وأن يقي المسلمين من شرهم وأذاهم، وأن يحفظ عليهم دينهم، ويهديهم إلى صراطه المستقيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 علامات يعرف بها الساحر

ذكر الشيخ / وحيد عبد السلام بالي في كتابه "الصارم البتار في التصدي للسحرة والأشرار" [ص77] علامات يعرف بها الساحر من غيره من المعالجين وأصحاب الرقى والقراءات ليحذر منه، ومن تلك العلامات:

1-            أن يسأل المريض عن اسمه واسم أمه.

2-            أن يأخذ أثرا من آثار المريض (ثوب ـ قلنسوة ـ منديل ـ فانلة ...).

3-            أحيانا يطلب حيوانا بصفات معينة ليذبحه ولا يذكر اسم الله عليه، وربما لطخ بدمه أماكن الألم من المريض، أو يرمي به في مكان خرب.

4-            كتابة الطلاسم.

5-            تلاوة العزائم والطلاسم غير المفهومة.

6-            إعطاء المريض (حجابا) يحتوي على مربعات بداخلها حروف وأرقام.

7-            يأمر المريض بأن يعتزل الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس ويسميها العامة (الحجبة).

8-            أحيانا يطلب من المريض ألا يمس ماء لمدة معينة غالبا تكون أربعين يوما.

9-            يعطي المريض أشياء يدفنها في الأرض.

10-       يعطي للمريض أوراقا يحرقها ويتبخر بها.

11-       أحيانا يخبر الساحر المريض باسمه واسم بلده ومشكلته التي جاء من أجلها.

12-       يكتب للمريض حروفا مقطعة في ورقة، أو في طبق، ويأمر المريض بإذابته وشربه.

والمقصود أن يكون الإنسان على بينة من أمره، وبالعلم بأمور السحر والسحرة فلا يذهب إلا لمن عرف بالصلاح والتقوى، وأن يحذر من الذهاب إلى أهل البدع والضلال من السحرة والكهان.


 الأسباب والطرق الشرعية في الوقاية والعلاج من السحر والسحرة

يحسن بي أن أذكر بعض ما ذكره العلماء من الأسباب والطرق الشرعية في الوقاية من السحر قبل وقوعه، والعلاج منه بعد وقوعه، ولاشك أن خير علاج للسحر أن يتقيه المرء قبل وقوعه وحدوثه، وقد بين لنا القرآن العظيم كيف يحصن المسلم نفسه من الشيطان الرجيم، وأعوانه وأتباعه من السحرة والكهان ونحوهم، الذين يستعينون به على تحقيق غاياتهم الفاسدة ومطالبهم الشريرة، ومن تلك الأسباب الواقية من السحر قبل وقوعه ([90]):

أولا: الاستعاذة بالله من الشيطان ونزغاته وهمزاته وخطراته كما أمر تعالى بذلك في مواضع كثيرة من كتابه، كما في قوله: ]وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ[ [الأعراف: 200]، وفي قوله: ]وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ[ [المؤمنون: 97].

وأفضل ما تعوذ به المتعوذون المعوذتان: ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[ و ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[ فقد صح عنه ﷺ‬ أنه كان يتعوذ من الجان وأعين الناس فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما ([91]).

وحقيقة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم هي الاستجارة بجنابه سبحانه وتعالى، واللجوء إليه، والتحصن به من هذا العدو الخبيث من أن يضره في دينه ودنياه، وهو سبحانه السميع العليم الذي يعلم كيد الشيطان وأعوانه من السحرة، وهو القادر على رد كيدهم ومكرهم.

ثانيا: تقوى الله تعالى، وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله تعالى تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره، قال تعالى: ]وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا[ [آل عمران:120].

وقال جل ذكره: ]وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا[ [الطلاق:2]، وصح عنه ﷺ‬ أنه قال لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك»([92]) الحديث، فمن حفظ الله وراقبه في سره وعلانيته حفظه الله ووقاه من كل سوء وبلاء.

ثالثا: التوبة النصوح إلى الله تعالى من جميع الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، فإن الله تعالى يقول: ]وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ[ وليس في الوجود شر إلا الذنوب وموجباتها، فإذا عوفي المرء من الذنوب عوفي من موجباتها.

رابعا: التوكل على الله تعالى، ومن توكل على الله فهو حسبه، والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعداوتهم لأن الله تعالى هو حسبه، أي كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه الإنسي أو الجني.

قال بعض السلف: جعل الله لكل عمل جزاء من جنسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته لعبده فقال: ]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[ [الطلاق:3].

خامسا: كثرة الصدقة والإحسان إلى الناس فإن لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء والسحر والحسد عن المتصدق والمحسن، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وما على المحسنين من سبيل.

سادسا: الإكثار من قراءة القرآن وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وقراءة الأذكار والأوراد والأدعية المأثورة في ذلك، فهي بحق الحصن الحصين والسد المتين أمام مآرب الشيطان ونزعاته وهمزاته، فالقلب إذا كان ممتلئا من الله، مغمورا بذكره، وله من التوجهات والدعوات والأذكار والتعوذات ورد ولا يخل به يطابق فيه قلبه ولسانه، كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له.

ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه. وعند السحرة: أن سحرهم إنما يتم تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة، والنفوس الشهوانية التي هي معلقة بالسفليات، ولهذا فإن غالب ما يؤثر في النساء والصبيان والجهال وأهل البوادي، ومن ضعف حظه من الدين والتوكل والتوحيد، ومن لا نصيب له من الأوراد الإلهية والدعوات والتعوذات النبوية.([93]).

ومن تلك السور والآيات والأذكار التي تنفع في دفع السحر قبل وقوعه بإذن الله تعالى:

1-            قراءة: ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[، والمعوذتين في الصباح والمساء ثلاث مرات فإنها تكفي من كل شيء ([94]).

2-            قراءة سورة البقرة، ففي الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ‬ قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة»([95]).

3-            قراءة آية الكرسي، فإن من قرأها حين يأوي إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح ([96]).

4-            قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، فقد صح عنه ﷺ‬ أنه قال: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه»([97]) أي كفتاه من الشيطان.

5-            قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في كل يوم مائة مرة، فإن من قالها كانت له حرزا من الشيطان في يومه ذلك([98]).

6-            المداومة على الأوراد والخاصة بأذكار الصباح والمساء([99]).

7-            أكل سبع تمرات من تمر العجوة في صبيحة كل يوم، فقد صح عنه ﷺ‬ أنه قال: «من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر»([100]).

8-            وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب، وهو تجريد التوحيد والترحل بالفكر من الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بأن هذه الأسباب بمنزلة حركات الريح، وهي بيد محركها وفاطرها وبارئها، ولا تضر ولا تنفع إلا بإذنه، فهو الذي يحصن عبده بها، وهو الذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه، قال تعالى: ]وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ[

وقال النبي ﷺ‬ لعبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك»([101]).

فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه وكان عدوه أهون علي من أن يخافه مع الله، بل يفرد الله بالمخافة وقد أمنه منه، وخرج من قلبه واهتمامه به واشتغاله به، وفكره فيه، وتجرد لله محبة وخشية وإنابة وتوكلا واشتغالا به عن غيره، فيرى أن إعماله فكره في أمر عدوه وخوفه منه، واشتغاله به من نقص توحيده، وإلا فلو جرد توحيده لكان له فيه شغل شاغل، والله يتولى حفظه والدفع منه، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا، فإن كان مؤمنا فالله يدافع عنه ولابد، وبحسب إيمانه يكون دفاع الله عنه، فإن كمل إيمانه كان دفع الله عنه أتم دفع، وإن مزج مزج له، وإن كان مرة ومرة فالله مرة ومرة.

كما قال بعض السلف: من أقبل على الله بكليته أقبل الله عليه جملة، ومن أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملة ومن كان مرة مرة فالله له مرة مرة، فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين.

قال بعض السلف: من خاف الله خافه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه كل شيء([102]).


 الطرق الشرعية لإبطال السحر وعلاج المسحور

أولا: بذل الجهد في استخراج السحر من مكانه الذي وضع فيه، ثم إتلافه، وبذلك يبطل تأثيره بإذن الله، قال ابن القيم: وقد روي عنه ﷺ‬ في علاج السحر نوعان:

أحدهما وهو أبلغهما: استخراجه وإبطاله، كما صح عنه ﷺ‬ أنه سأل ربه سبحانه في ذلك، فدل عليه، فاستخرجه من بئر، فكان في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر ([103])، فلما استخرجه ذهب ما به حتى كأنما أنشط من عقال، فهذا من أبلغ ما يعالج به المطبوب، وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة وقلعها من الجسد بالاستفراغ ([104]).

ثانيا: الرقى بالآيات والأذكار والأدعية المأثورة، حيث إن لها خاصية في النفع من كثير من الأسقام، ومنها السحر، قال تعالى: ]وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ[ [الإسراء:82].

وقد سمى ابن القيم (رحمه الله تعالى) الرقى بالقرآن والأدعية المأثورة بالأدوية الإلهية، وبين أنها من أعظم ما يتعالج به المسحور، حيث قال: ومن أنفع علاجات السحر الأدوية الإلهية، بل هي أدويته النافعة بالذات، فإنه (أي السحر) من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية، ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها من الأذكار، والآيات والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كانت أقوى وأشد كانت أبلغ في النشرة، وذلك بمنزلة التقاء جيشين مع كل واحد منهم عدته وسلاحه، فأيهما غلب الآخر قهره وكان الحكم له([105]).

فمن تلك الآيات والسور، والأدعية المأثورة التي يستحب قراءتها على المسحور: فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، والمعوذتان، والآيات التي يتضمن لفظها إبطال السحر، كقوله تعالى: ]فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ[ [الأعراف:118 و 119].

وقوله: ]مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ[ [يونس: 81].

وقوله: ]إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى[ [طه: 69].

ومن الأدعية: «اللهم رب الناس أذهب البأس اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما».

ومنها: «بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك بسم الله أرقيك».

وغير ذلك من الأدعية والأذكار الصحيحة المأثورة.

وها هنا بعض التنبيهات الهامة التي يجب التنبه لها عند التداوي بالرقى:

أحدهما: أن هذه الآيات والأدعية والأذكار المأثورة من أقوى الأسباب في حل السحر عن المسحور وإبطاله وحصول المطلوب، إلا أنه قد يتخلف ذلك، ليس لضعف فيها، كلا، ولكن لضعف ما قد يخالطها من الأدعية الشركية والأذكار البدعية الباطلة التي لا يحبها الله عز وجل، أو لضعف في قلب تاليها وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء والذكر، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا، أو يكون ذلك لحصول مانع الإجابة كأكل الحرام، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والشهوة عليها.

ذلك لأن الأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد قويا، والمانع مفقودا، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير، فإذا كان الدعاء غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة، لم يحصل الأثر المأمول([106]).

ثانيها: أن الرقى ليست مقصورة على إنسان بعينه، بل يمكن للمسلم أن يرقي نفسه وأن يرقي غيره، ويمكن للرجل أن يرقي امرأته والمرأة ترقي زوجها، لأن النبي ﷺ‬ كان يرقي نفسه، ورقته أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ في مرض موته ﷺ‬ حينما ثقل ([107]) واشتد به مرضه، ولاشك أن صلاح الإنسان وتقواه لله عز وجل له أثر بالغ في تأثير الرقية وحصول المطلوب منها، قال تعالى: ]إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[ [المائدة:27].

فالرقية دعاء والتجاء إلى الله تعالى، والله يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ]وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[ [غافر:60]([108]).

ثالثها: على الراقي والمسترقي أن يتقيا الله تعالى، أما الراقي فيجب عليه أن يبتعد عن المعاصي والذنوب، وأن يكثر من الأعمال الصالحة ما استطاع، وأن يبتغي برقاه وجه الله تعالى ونفع إخوانه لا الاتجار بها وتتبع ما في أيدي الناس فإنها فتنة، وليحرص كل الحرص على أن تكون رقاه موافقة للرقى الشرعية بشروطها وضوابطها المذكورة آنفا، وليحذر من الدخول على النساء اللاتي يأتين إليه والاختلاء بهن بلا محرم، فإن ذلك لا يحل له، وليأمرهن بالتستر والتحجب بالحجاب الشرعي، أو يأمر أولياءهن بذلك قبل الدخول عليه، لأن القراءة عليهن قد تفضي أحياناً إلى تكشف بعضهن وخروج ما يحرم النظر إليه منهن (وخاصة اللاتي بهن مس من الجن)، فإذا تحقق ذلك كله كان حريا بأن يتقبل الله دعاءه، ويستجيب لسؤاله، ويشفي مريضه.

أما المسترقي فعليه أن يتحلى بالصبر على ما ابتلاه الله به، والرضا بما قدره الله له، لأن الله قد يبتلي عبده بما يشاء امتحانا له وتمحيصا لما في قلبه، وزيادة له في أجره، وعليه أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضره، فإن الله تعالى يقول: ]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[ [البقرة: 186]، وقال تعالى: ]أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ[ [النمل: 62].

ولتكن له في رسول الله ﷺ‬ أسوة حسنة، فإنه ﷺ‬ حينما سحر مكث ستة أشهر([109]) صابرا محتسبا حتى شفاه الله منه، وسحرت عائشة وحفصة([110]) من أمهات المؤمنين فصبرتا واحتسبتا حتى عافاهما الله تعالى من ذلك، ولا ينافي هذا أن يسعى الإنسان في حل السحر عنه بالطرق المشروعة، فإن هذا من باب تعاطي الأسباب.

هذا بعض ما تيسر جمعه ونقله في هذه الرسالة التي أحمد الله تعالى بأن يسر لي إتمامها، وأسأله سبحانه أن يجعل نفعها عاما في جميع بلاد المسلمين، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد البشير النذير، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


 فتوى سماحة الشيخ ابن باز في حكم النشرة والتحذير من السحرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه إخواننا المسلمين سلك الله بي وبهم سبيل أهل الإيمان، وأعاذني وإياهم من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد:

فالموجب لهذا هو النصيحة والتذكير عملا بقول الله تعالى: ]وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[ وقوله تعالى: ]وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[ وقول النبي ﷺ‬ : «الدين النصيحة» ثلاث مرات، قيل لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم» ([111]).

ونظرا لكثرة المشعوذين في الآونة الأخيرة ممن يدعون معرفة الطب، ويعالجون عن طريق السحر أو الكهانة، وانتشارهم في بعض البلاد واستغلالهم للسذج من الناس ممن يغلب عليهم الجهل ـ رأيت من باب النصيحة لله ولعباده أن أبين ما في ذلك من خطر عظيم على الإسلام والمسلمين لما فيه من التعلق بغير الله تعالى ومخالفة أمره، وأمر رسوله ﷺ‬ .

فأقول مستعينا بالله تعالى: جُوِّز التداوي اتفاقا، وللمسلم أن يذهب إلى دكتور أمراض باطنية، أو جراحية، أو عصبية، أو نحو ذلك ليشخص له مرضه، ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعا حسبما يعرفه في علم الطب، لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية المباحة، ولا ينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى.

وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء، عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله، ولكنه سبحانه وتعالى لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم، فلا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكهنة ونحوهم ممن يدعون معرفة الغيبيات ليعرف منهم مرضه، كما لا يجوز أن يصدقهم فيما يخبرونه به فإنهم يتكلمون رجما بالغيب، أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء شأنهم الكفر والضلال لكونهم يدعون أمور الغيب.

وقد روى مسلم في صحيحه عن النبي ﷺ‬ : «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ‬ قال: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ‬» رواه أبو داود وخرجه أهل السنن الأربع، وصححه الحاكم عن النبي ﷺ‬ بلفظ: «من أتى عرافا أو كاهنا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ‬».

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ‬: «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» رواه البزار بإسناد جيد.

ففي هذه الأحاديث الشريفة النهي عن إتيان العرافين وأمثالهم، وسؤالهم وتصديقهم، والوعيد على ذلك. فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان الكهان والعرافين ونحوهم، ومنع من يتعاطى شيئا من ذلك في الأسواق وغيرها، والإنكار عليهم أشد الإنكار، والإنكار على من يجيء إليهم.

ولا يغتر بصدقهم في بعض الأمور، ولا بكثرة من يأتي إليهم ممن ينتسب إلى العلم فإنهم غير راسخين في العلم بل من الجهال، لما في إتيانهم من المحذور، لأن الرسول ﷺ‬ قد نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم، والخطر الجسيم، والعواقب الوخيمة، ولأنهم كذبة فجرة.

كما أن في هذه الأحاديث دليلا على كفر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب، وذلك كفر، ولأنهما لا يتوصلان إلى مقصودهما إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله، وذلك كفر بالله، وشرك به سبحانه، والمصدق لهم بدعواهم علم الغيب يكون مثلهم، وكل من تلقى هذه الأمور عمن يتعاطاها فقد برئ منه رسول الله ﷺ‬.

ولا يجوز للمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجا، كنمنمتهم بكلام لا يفهم، وكتابة الطلاسم ـ وهي الحروف المقطعة ـ أو صب الرصاص، ونحو ذلك من الخرافات التي يعملونها، فإن هذا من الكهانة والتلبيس على الناس، ومن رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم وكفرهم.

كما لا يجوز لأحد من المسلمين الذهاب لأحد من الكهان ونحوهم لسؤاله عمن سيتزوج ابنه أو قريبه، أو عما سيكون بين الزوجين أو أسرتيهما من المحبة والوفاء، أو العداوة والفراق، ونحو ذلك، لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

والسحر من المحرمات الكفرية، كما قال الله عز وجل في شأن الملكين في سورة البقرة: ]وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[.

نسأل الله العافية والسلامة من شر السحرة والكهنة وسائر المشعوذين، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يقي المسلمين شرهم، وأن يوفق المسلمين للحذر منهم، وتنفيذ حكم الله فيهم حتى يستريح العباد من شرهم وضررهم وأعمالهم الخبيثة إنه جواد كريم.

وفيما يلي بيان للأشياء التي يتقى بها خطر السحر قبل وقوعه، والأشياء التي يعالج بها بعد وقوعه من الأمور المباحة شرعا.

أما النوع الأول: وهو الذي يتقى به خطر السحر قبل وقوعه، فأهم ذلك وأنفعه، التحصن بالأذكار الشرعية والتعوذات المأثورة، ومن ذلك قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار الشرعية بعد السلام، ومن ذلك قراءتها عند النوم، وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم، وهي قوله سبحانه وتعالى: ]اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ[.

ومن ذلك قراءة ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ و ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[ و ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[ خلف كل صلاة مكتوبة، وقراءة السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار بعد صلاة الفجر، وفي أول الليل بعد صلاة المغرب.

ومن ذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل، وهما قوله تعالى: ]آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ...[ إلى آخر السورة.

وقد صح عن رسول الله ﷺ‬ أنه قال: «من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظا ولا يقربه الشيطان حتى يصبح»([112]) وصح عنه أيضا ﷺ‬ أنه قال: «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه»([113]) والمعنى والله أعلم كفتاه من كل سوء.

ومن ذلك الإكثار من التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق في الليل والنهار وعند نزول أي منزل، في البناء، أو الصحراء، أو الجو، أو البحر، لقول النبي ﷺ‬ : «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك»([114]).

ومن ذلك أن يقوم المسلم في أول النهار وأول الليل ثلاث مرات «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» ([115]) ولصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله ﷺ‬، وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء.

وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليه بصدق وإيمان وثقة بالله، واعتماد عليه، وانشراح صدر لما دلت عليه، وهي أيضا من أعظم السلاح لدفع السحر بعد وقوعه، مع الإكثار من الضراعة إلى الله وسؤاله سبحانه أن يكشف الضرر ويزيل البأس.

ومن الأدعية الثابتة عنه ﷺ‬ في علاج الأمراض من السحر وغيره، كان ﷺ‬ يرقي بها أصحابه: «اللهم رب الناس أذهب البأس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما» متفق عليه.

ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي ﷺ‬، وهي قوله: "باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك" ([116]) وليكرر ذلك ثلاث مرات.

ومن علاج السحر بعد وقوعه أيضا وهو علاج نافع للرجل إذا حبس من جماع أهله يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه أو يجعلها في إناء، ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل، ويقرأ فيه (آية الكرسي) و ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ و ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[ و ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[ وآيات السحر التي في سورة الأعراف من قوله سبحانه وتعالى: ]وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ[ إلى قوله تعالى: ]وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ[ إلى قوله ]وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ[ والآيات التي في سورة (طه) من قوله تعالى: ]قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ[ إلى قوله تعالى: ]وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى[ .

وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب منه بعض الشيء ويغتسل بالباقي، وبذلك يزول الداء إن شاء الله تعالى، وإذا دعت الحاجة لاستعماله أكثر من مرة فلا بأس حتى يزول الداء بإذن الله تعالى.

ومن علاجه أيضا إتلاف ما فعله الساحر من عقد أو غيرها فيما يعتقد أنه من أعمال الساحر.

أما علاجه بعمل السحرة ونحوهم ممن يتقربون إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز، لأنه من عمل الشيطان، بل هو من الشرك الأكبر، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين، واستعمال ما يقولون، لأنهم لا يؤمنون، ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس.

وقد حذر رسول الله ﷺ‬ من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم ـ كما سبق بيان ذلك ـ والله سبحانه وتعالى المسئول أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء، وأن يحفظ عليهم دينهم، ويرزقهم الفقه فيه، والعافية من كل ما يخالف شرعه.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه، وأتباعهم بإحسان.

المفتي العام بالمملكة العربية السعودية

ورئيس هيئة كبار العلماء

وإدارة البحوث العلمية والإفتاء

عبد العزيز بن عبد الله بن باز



([1]) يأتي تخريجه إن شاء الله.

([2]) رواه أبو عبيد في (الأموال) (77) والإمام أحمد (1/190 – 191) وأبو داود (3043) والبيهقي (8/136) وأبو يعلى (860 و 861) بإسناد صحيح وأصله في البخاري (3156) دون قوله: (اقتلوا كل ساحر).

([3]) يأتي تخريجه إن شاء الله.

([4]) أخرجه الدارقطني (3/114) والحاكم (4/361) والبيهقي (8/136).

([5]) وانظر المغني مع الشرح (10/116).

([6]) المغني مع الشرح (10/114 و 115).

([7]) متفق عليه، البخاري (2766) ومسلم (1/92) من حديث أبي هريرة.

([8]) شرح مسلم (14/176).

([9]) اللسان مادة (نشر).

([10]) النهاية (5/54).

([11]) اللسان مادة (نشر).

([12]) اللسان مادة (نشر).

([13]) عمدة القارئ (17/425).

([14]) رواه البخاري (5765).

([15]) أما ما نقل عن بعض السلف من كراهيتهم وتركهم التداوي بالأدوية المباحة والمشروعة، فهو محمول على كمال توكلهم على الله، ورضاهم بقضائه وقدره، وصبرهم على بلائه، كما دل عليه حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وفيه: «هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون» (متفق عليه، البخاري (5752) ومسلم (1/198)، إلا أن هذا لا يقدح في جواز التداوي بالأدوية المشروعة المباحة، كالرقى والكي ونحوها لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة الصريحة عن النبي ﷺ‬ وعن السلف الصالح، ولكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب، والله أعلم.

وانظر التمهيد 5/267 وما بعده، والفتح 10/211، وصحيح مسلم (النووي) (14/169). أما من كره الرقى على وجه العموم والنشرة على وجه الخصوص كما هو مذهب أهل العراق كابن مسعود (رضي الله عنه) وبعض تلامذته كالحسن البصري وإبراهيم النخعي وغيرهم، أخذا بعموم قوله ﷺ‬ : «إن الرقى والتمائم والتولة شرك». والحديث (أخرجه الإمام أحمد (1/381) وأبو داود (3883) وابن ماجة (3530) وابن حبان (1412) والحاكم (4/217) وصححه، ووافقه الذهبي وتبعهما الألباني (الصحيحة 331) واستدلوا أيضا بخصوص قوله ﷺ‬ حينما سئل عن النشرة فقال: «هي من عمل الشيطان» ويأتي تخريجه، فهذا محمول على أحد أمرين:

    أحدهما: أن الأحاديث والآثار الدالة على جواز الرقى والاسترقاء لم تبلغهم، وهذا فيه بعد.

    ثانيهما: أنهم إنما كرهوا أنواعا من الرقى صورتها لم تكن معلومة لهم ولا معروفة في زمن الوحي، خشية أن يكون فيها شرك أو تكون سببا له، فيكون ذلك من باب سد الذرائع فيمتنع احتياطا، وهو الأقرب إلى الصواب، كما تدل عليه قصة ابن مسعود (رضي الله عنه) مع امرأته في الحديث السابق، وكذلك الآثار الواردة عن تلامذته (وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي) (10/318).

([16]) الدين الخالص (2/343).

([17]) (6/178).

([18]) (10/352).

([19]) (6/178).

([20]) (2/505).

([21]) (3/395)، وفي الروض المربع (457).

([22]) (2/408).

([23]) (10/118) مع الشرح.

([24]) (10/118) مع الشرح.

([25]) تفسير القرطبي (2/49).

([26]) المصدر السابق (2/49).

([27]) المغني مع الشرح (10/117).

([28]) بفتح الواو مهموز وتشديد الخاء، أي يحبس عن امرأته ولا يصل إلى جماعها.

([29]) أخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم (10/243 فتح) وقال الحافظ في التعليق (5/49): رواه الأثرم في السنن، وساق إسناده ثم قال: وإسناده صحيح.

([30]) أخرجه الطبري في (التهذيب) وقال الحافظ: إسناده صحيح (المصدر السابق).

([31]) رواه مسلم من حديث جابر (4/1726).

([32]) التدبير: هو تعليق العتق إلى حين موت المعتق.

([33]) يأتي تخريج القصة قريبا إن شاء الله.

([34]) مجموع الفتاوى (19/13).

([35]) فتح الباري (10/287).

([36]) شرح العقيدة الطحاوية (505).

([37]) مجموع الفتاوى (19/13).

([38]) مجموع الفتاوى (1/336).

([39]) (باب) ما جاء في النشرة.

([40]) فتح المجيد (304).

([41]) تيسر العزيز الحميد (416).

([42]) إبطال التنديد (86).

([43]) معارج القبول (1/380).

([44]) مجموع فتاوى الشيخ (1/165).

([45]) كما في الفتاوى الإسلامية جمع (محمد المسند) (1/29).

([46]) كما في الفتاوى الإسلامية جمع (محمد المسند) (1/107)، وكذا المجموع الثمين (1/133).

([47]) كما سمعته منه مرارا أثناء شرحه لكتاب التوحيد.

([48]) وبه تفتي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، كما في فتاوى اللجنة الدائمة (1/372) جمع الشيخ (أحمد الدويش).

([49]) أخرجه مسلم في صحيحه (4/1748).

([50]) أخرجه مسلم في صحيحه (4/1751).

([51]) استثنى العلماء من هذا العموم سؤالهم امتحانا لهم لبيان حالهم وحقيقة أمرهم، أو لبيان عجزهم وإظهار كذبهم وتدليسهم على الناس، فإن ذلك جائز كما دلت عليه قصة النبي ﷺ‬ مع ابن الصياد وسؤاله له فيما رواه البخاري (1354) ومسلم (4/2240) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (19/62).

([52]) رواه الإمام أحمد (2/429) والحاكم (1/8) والبيهقي (8/135) عن أبي هريرة، وإسناده صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، ورواه الإمام أحمد (2/408 و 476) وأبو داود (3904) والنسائي في الكبر (5/323) والترمذي (135) وابن ماجة (639) وغيرهم بلفظ: «من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» وإسناده صحيح.

([53]) رواه ابن أبي شيبة (3579) وابن الجعد (1941 وما بعده)، والبزار (كشف الأستار 2067) وأبو يعلى (5408) والبيهقي (8/136) عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه موقوفا، وأسانيد تلك الروايات حسان وبعضها صحيح، ومثله لا يقال بالرأي فله حكم الرفع، كما قال العراقي في الألفية:

وما أتى عن صاحب بحيث لا

يقال رأيا حكمه الرفع على

ما قال في المحصول نحو من أتى

فالحاكم الرفع لهذا أثبتا

    وقد رواه ابن الجعد (1948) وأبو نعيم في الحلية (5/104) مرفوعا إلا أن إسناده ضعيف، والصحيح الأول لضعف وتفرد رافعه وهو يحيى بن عبد الحميد الحماني ومخالفته لسائر من رواه موقوفا ممن هو أوثق وأضبط منه، ورواه ابن الجعد بسند آخر عن حذيفة موقوفا (1952)، وأشار (رحمه الله) إلى تفرد روح وهو ابن عبادة براويته تلك عن بقية من رواه عن شعبة عن عبد الله بن مسعود، فدل على ضعفها وشذوذها.

([54]) حديث حسن، رواه الطبراني (18/162) والبزار (كشف الأستار 3/399) والدولابي في الكنى (2/166) من رواية الحسن البصري عن عمران بن حصين (رضي الله عنه) وله شاهد من حديث ابن عباس رواه البزار (كشف الأستار 3/399) والطبراني في الأوسط (مجمع البحرين 4185)، وشاهد آخر من حديث علي رواه أبو نعيم كما في تلخيص الحبير 4/47) وأسانيد تلك الروايات لا تخلو من مقال إلا أن بعضها يشد بعضا، وحديث عمران بن حصين قال عنه المنذري: إسناده جيد (الترغيب 4/33). وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات خلا إسحاق بن الربيع وهو ثقة، (المجمع 5/117) وقال الحافظ: إسناده جيد (الفتح 10/224).

([55]) أخرجه البخاري (2237) ومسلم (3/1198) عن أبي مسعود الأنصاري.

([56]) الفتح (4/498) وقال: والحلوان مصدر حلوته حلوانا إذا أعطيته، وأصله من الحلاوة شبه بالشيء الحلو من حيث أنه يأخذه سهلا بلا كلفة ولا مشقة، يقال حلوته إذا أطعمته الحلو.

([57]) معارج القبول (1/381).

([58]) رواه مسلم في صحيحه (1/69) عن أبي سعيد الخدري.

([59]) هكذا في الأصل.

([60]) رواه الترمذي (2168 و 3057) وصححه، وابن ماجه (4005) وإسناده صحيح.

([61]) شرح العقيدة الطحاوية (504).

([62]) حديث صحيح، رواه الإمام أحمد (3/294) وعنه أبو داود (3868) وعنه البيهقي (9/351) عن جابر بن عبد الله مرفوعا وإسناده صحيح، ورواه عبد الرزاق (19762) عنه مرفوعا وسنده صحيح، وله شاهد من حديث أنس مرفوعا، أخرجه البزار (كشف الأستار 3/393) والطبراني في الأوسط (مجمع البحرين 4183) وصححه الحاكم (4/9418) ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

([63]) حديث حسن بما بعده، رواه أبو داود (3874) والطبراني (24/649) والبيهقي (10/5) والدولابي في الكنى (2/38) عن أبي الدرداء مرفوعا.

([64]) رواه الإمام أحمد (2/305) وأبو داود (3870) والترمذي (2045) وابن ماجه (3459) والبيهقي (10/5) والحاكم (4/410) وغيرهم عن أبي هريرة.

([65]) حدث حسن، رواه الإمام أحمد في (الأشربة 159) وابن أبي الدنيا في (ذم المسكر 56) وأبو يعلى (12/6966) وعنه ابن حبان في صحيحه (1397) والطبراني (23/749) والبيهقي (10/5) عن حسان بن مخارق قال: قالت أم سلمة (رضي الله عنها): اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز، فدخل النبي ﷺ‬ وهو يغلي فقال: ما هذا؟ فقلت: إن ابنتي اشتكت فنبذنا لها هذا، فذكر الحديث. وعزاه الهيثمي في المجمع (5/89) إلى البزار ولم أره في زوائده، وقال: ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، خلا حسان بن مخارق وقد وثقه ابن حبان أ.هـ. وحسان بن مخارق من التابعين ترجم له البخاري في تاريخه (3/33 الكبير) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/235) ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا، ووثقه ابن حبان (4/163) وتساهله في هذا معروف، فالرجل مجهول الحال، والحديث سكت عنه الحافظ في الفتح (1/74) وله شاهدان يتقوى بهما، أحدهما: حديث أبي الدرداء الذي مر قريبا، والآخر حديث طارق بن سويد الجعفي عند مسلم (3/1573) أنه سأل النبي ﷺ‬ عن الخمر فنهاه، أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: «إنه ليس بدواء ولكنه داء».

([66]) سورة النساء: 59.

([67]) مجموع الفتاوى (26/202).

([68]) الآداب الشرعية (1/263).

([69]) (419 و 420).

([70]) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (322) وعنه ابن القيم في بدائع الفوائد (4/58 و 59).

([71]) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (3574) بإسناد صحيح.

([72]) رواه الحربي في غريبه كما في (تغليق التعليق 1/50).

([73]) رواه الأثرم في سننه كما في (تغليق التعليق 1/50).

([74]) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (3563) بإسناد صحيح.

([75]) رواه ابن أبي شيبه في مصنفه (3573) بإسناد صحيح.

([76]) انظر مصنف ابن أبي شيبة (3562، 3565 و 3566 و 3567).

([77]) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (9032) وابن حزم في المحلى (11/397) بإسناد لا بأس به.

([78]) وقد أحسن الإمام ابن أبي شيبة في تبويبه لتلك الآثار بما يوافق ما قلناه، فانظر (7/385 و 387).

([79]) فتح الباري (10/206).

([80]) رواه مسلم في صحيحه (4/1727).

([81]) سبق تخريجه.

([82]) سبق تخريجه.

([83]) مجموع الفتاوى (24/268).

([84]) تحفة الأحوذي (6/202).

([85]) هذه القصة رواها الإمام مالك في موطئه كما عزاها البيهقي له من رواية القعنبي عنه (معرفة السنن والآثار برقم 6077 و 6068) وهي أيضا من رواية أبي مصعب الزهري العوفي عنه كما في شرح السنة للبغوي برقم (3261)، ورواها الإمام الشافعي (2/138 بدائع المنن) وعبد الرزاق برقم (18749 و 18750) عنه كذلك، ورواها الإمام أحمد (6/40) والبيهقي (8/137) والدارقطني (4/53) والحاكم (4/219) والبغوي في شرح السنة (3261) وابن حزم في المحلى (11/395) بأسانيد صحيحة.

([86]) الزط: جنس من السودان والهنود.

([87]) جمع بئر.

([88]) كما في رواية البغوي في شرح السنة (3261).

([89]) وقد بدأ ولاة الأمر في هذه البلاد (وفقهم الله) بتطبيق ذلك، فلله الحمد والمنة، فالواجب التعاون معهم ومساعدتهم في الوصول إلى أولئك السحرة.

([90]) ذكرها ابن القيم (رحمه الله) في بدائع الفوائد (2/238) وعنه أكثر العلماء.

([91]) رواه الترمذي (2058) وابن ماجه (3511) عن أبي سعيد الخدري.

([92]) رواه الإمام أحمد (1/293 و 307) والترمذي (2516) وغيرهما.

([93]) زاد المعاد (4/127).

([94]) رواه الترمذي (3575) عن عبد الله بن خبيب وقال: حديث حسن صحيح غريب.

([95]) رواه مسلم في صحيحه (1/539).

([96]) رواه البخاري في صحيحه معلقا مجزوما به (2311) ووصله النسائي في عمل اليوم والليلة (959) والبيهقي في (الدلائل) (7/107) وإسناده صحيح، وانظر (تغليق التعليق) (3/396).

([97]) أخرجه البخاري (5009) ومسلم (1/554).

([98]) أخرجه البخاري (3293) ومسلم (4/2071).

([99]) انظر (الكلم الطيب) لشيخ الإسلام ابن تيمية، و(الوابل الصيب) لابن القيم (رحمهما الله تعالى).

([100]) أخرجه البخاري (5769) والعجوة من تمر المدينة.

([101]) سبق تخريجه قريبا.

([102]) من كلام ابن القيم (رحمه الله تعالى) في بدائع الفوائد (2/245).

([103]) أخرجه البخاري (10/232 فتح) ومسلم (14/174 نووي) والمشط: هو الآلة المعروفة التي يسرح بها شعر الرأس واللحية، والمشاطة: هو الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند تسريحهما، والجف: هو الغشاء الذي يكون على طلع النخل، ويطلق على الذكر والأنثى.

([104]) زاد المعاد (4/124).

([105]) زاد المعاد (4/126).

([106]) من الجواب الكافي لابن القيم (6 و 13) بتصرف يسير.

([107]) أخرجه البخاري (10/205) فتح، ومسلم (14/181 و 182 نووي).

([108]) عن (عالم السحر والشعوذة) للدكتور عمر الأشقر بتصرف.

([109]) كما في الفتح (10/237).

([110]) روى القصة مالك في الموطأ (2/871) وفي سندها انقطاع، لكن رواها عبد الرزاق في مصنفه (10/18747 و 18757) وابن أبي شيبة (7961 و 9092) والطبراني في الكبير (23/187) والبيهقي (8/136) وابن حزم في المحلى (11/394 و 395) بأسانيد صحيحة.

([111]) رواه مسلم (1/74).

([112]) رواه البخاري (فتح 4/487).

([113]) رواه البخاري (فتح 9/94) ومسلم (1/554).

([114]) رواه مسلم (4/2080).

([115]) رواه أبو داود (5088) والترمذي (3388).

([116])رواه مسلم (2186).