×
هذا بحث مختصر يسلط الضوء على الآيات القرآنية التي تنص على وجوب الحكم بما أنزل الله، مع تقريرات بعض العلماء الراسخين في هذا الموضوع، كما يوضح المعنى الصحيح لمصطلح «الحاكمية».

 ستون دليلا قرآنيا على وجوب التحاكم إلى شريعة الإسلام في جميع شئون الحياة

أعده

ماجد بن سليمان الرسي

صفر 1443هـ - سبتمبر 2021م


#

 المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن الحكم بما أنزل الله من أصول الدين وقواعد الإسلام، والقائم به هو في الحقيقة مُنَفِّذٌ لمقتضى من مقتضيات ربوبيته على خلقه وكمال ملكه وتصرفه، لأنه كما أن الله لا خالق غيره فكذلك لا آمر غيره، قال تعالى: ﴿ألا له الخلق والأمر﴾، ثم إن الله هو الحكيم الخبير بمصالح خلقه، الرحيم بهم، العليم بما فيه سعادتهم ونجاتهم.

وقد نَعِم الناس في البلاد التي تطبق الشريعة الإسلامية على مر القرون بنعمة الرخاء والأمن والعدل، من المسلمين وغيرهم، إلى يومنا هذا، والتاريخ شاهد على ذلك، بخلاف البلاد التي تطبق قوانين البشر، والإحصائيات العالمية شاهدة على ذلك.

والحكم بما أنزل الله لم يكن موضوع خلاف ولا نقاش بين الناس منذ بعث الله محمدًا (صلى الله عليه وسلم)، نعم يحصل ظلم وقصور، وإفراط وتفريط، هنا وهناك، ولكن المسار العام هو تطبيق الشريعة، وقد استمر الأمر على ذلك قرونًا حتى حصلت الحروب الصليبية وضعُف المسلمون، ثم لما استقلت الدُّول عن مستعمريها وضع المستعمرون أذنابًا لهم، مِن أبناء تلك البلاد المسلمة، ممن تربوا في مدارسهم ونهلوا من أفكارهم، فلما تولوا الحكم حكموا بمناهجهم، شرقية كانت أو غربية.

ولم يقف الأمر عند هذا؛ بل إنه مع الأسف قد نادى بمبدأ الحكم بغير ما أنزل الله بعض المنتسبين للدعوة الإسلامية، ففي أول أمرهم كانوا ينادون بالحكم بما أنزل الله، ثم آل بهم الأمر إلى أن نادوا بحكومة مدنية، والتي تجعل الشريعة مصدرًا من مصادر الحكم، وليست هي المهيمنة، لتكتفي بتطبيق قانون الميراث والأحوال المدنية ونحو ذلك، وأعرضوا عن المطالبة بحقيقة الحكم بما أنزل الله، ولم يرفعوا به رأسًا، نعوذ بالله من الانحراف عن الجادة.

وهذا الكتاب الصغير يسلط الضوء على الآيات القرآنية التي تنص على وجوب الحكم بما أنزل الله، وعددها ستون، ولو كانت آية واحدة لكفت، لأن المسلم يكفيه آية واحدة حتى يلتزم العمل بالحكم، ولكن الله يسر الوقوف على ستين آية، وألحقتها بتقريرات بعض العلماء الراسخين، فما أعظم الحجة، وواخيبة من كان القرآن حجة عليه يوم القيامة.

ولا يفوتني أن أقول أني تطرقت في كتابي هذا أيضًا لمصطلح «الحاكمية»، والذي ينادي به بعض الناس ويُظهِرونه على أنه نوع رابع من أنواع التوحيد، وهو في الحقيقة من لوازم توحيد الربوبية والألوهية، وتحقيقُه مِن تحقيقِه، لأن الرب هو الذي له الأمر الكوني وله الأمر الشرعي، ولما كان الحكم بما أنزل الله داخلًا في الأمر الشرعي؛ فالحاكمية داخلة في توحيد الربوبية والألوهية ضمنًا، وليست قسيمة له.

وقد ضل في تطبيق الحكم بما أنزل الله طائفتان؛ الطائفة الأولى تركته وأعرضت عنه، وحكَمت بقوانين شرقية أو غربية، ويُلحق بهم من ينادون بالديموقراطية والحكومات المدنية.

وطائفة غلت بلا علم، فيه وجعلته قسيمًا لأنواع التوحيد الثلاثة.

وتوسط أهل السنة، ففهموا توحيد الحاكمية على حقيقته، وطبقوا ما جاء في القرآن والسنة من أحكام تتعلق بالسياسة والقضاء والأحوال الشخصية والمواريث وجميع شئون الحياة، عملًا بقول الله تعالى: ﴿ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون﴾.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.


 الأدلة القرآنية على أن الله هو الحاكم وحده

1.   ﴿ألا له الخلق والأمر﴾([1] قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله:

الخلق يتضمن أحكامه الكونية القدرية، والأمر يتضمن أحكامه الدينية الشرعية، ثم أحكام الجزاء، وذلك يكون في دار البقاء. انتهى.

2.   ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾، قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله:

يُخبر تعالى عن شرف القرآن وجلالته وأنه يهدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم، أي: أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق، فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أكمل الناس وأقومهم وأهداهم في جميع أموره.

3.   ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾، ومعنى الآية: اليوم أكملت لكم دينكم دين الإسلام بتحقيق النصر وإتمام الشريعة، وأتممت عليكم نعمتي بإخراجكم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، ورضيت لكم الإسلام دينًا فالزموه، ولا تفارقوه.       

4.   ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون﴾.

 قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله:

هذه الآيات، فيها عموم خلقه لسائر المخلوقات، ونفوذ مشيئته بجميع البريات، وانفراده باختيار من يختاره ويختصه من الأشخاص والأوامر والأزمان والأماكن، وأن أحدًا ليس له من الأمر والاختيار شيء، وأنه تعالى مُنَزَّه عن كل ما يشركون به، من الشريك، والظهير، والعوين، والولد، والصاحبة، ونحو ذلك، مما أشرك به المشركون.

5.   ﴿ولا يُشرِك في حكمه أحدًا﴾

6.   ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون﴾

7.   وقال يعقوب لبنيه: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُون﴾

8.   ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِين﴾

9.   ﴿فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِير﴾

10. ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾

11. ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾


 الأدلة القرآنية على وجوب التحاكم إلى الشريعة الإسلامية

12. ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾

قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله في تفسير الآية: وهذا شامل لتحكيمه([2]) في أصول الدين، وفي فروعه، وفي الأحكام الكلية، والأحكام الجزئية.([3])

وقال ابن تيمية رحمه الله: فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته ؛ فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما شجر بينهم من أمور الدين والدنيا، وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه، ودلائل القرآن على هذا الأصل كثيرة.([4])

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا، ولهذا قال ﴿ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا﴾، أي إذا حكَّموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلموا لذلك تسليمًا كليًّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة. انتهى.

وقال ابن القيم رحمه الله: أقسم سبحانه بأجلِّ مقسَمٍ به -وهو نفسه عز وجل- على أنهم لا يَثبت لهم الإيمان ولا يكونون من أهله حتى يحكموا رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع موارد النزاع، وهو كل ما شجر بينهم من مسائل النزاع في جميع أبواب الدين، فإن لفظة «ما» من صيغ العموم، فإنها موصولة، تقتضي نفي الإيمان إذ لم يوجد تحكيمه في جميع ما شجر بينهم.

ولم يقتصر على هذا حتى ضم إليه انشراح صدورهم بحكمه، بحيث لا يجدون في أنفسهم حرجًا -وهو الضيق والحصر([5])- من حكمه، بل يتلقوا حكمه بالانشراح ويقابلوه بالتسليم، لا أنهم يأخذونه على إغماض([6]) ويشربونه على إقذاء([7])، فإن هذا منافٍ للإيمان، بل لا بُدَّ أن يكون أخذه بقبول ورضا وانشراح صدر.

ومتى أراد العبد أن يعلم منزلته من هذا فلينظر في حاله، وليطالع قلبه عند ورود حكمه على خلاف هواه وغرضه، أو على خلاف ما قلد فيه أسلافه من المسائل الكبار وما دونها، ﴿ بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره﴾.

فسبحان الله، كم من حزازة في قلوب كثير من الناس من كثير من النصوص، وبوِدهم أن لو لم ترِد، وكم من حزازة في أكبادهم منها، وكم من شجى في حلوقهم منها ومن موردها، ستبدو لهم تلك السرائر بالذي يسوء ويخزي يوم تبلى السرائر.

ثم لم يقتصر سبحانه على ذلك حتى ضم إليه قوله تعالى ﴿ويسلموا تسليمًا﴾، فذكر الفعل مؤكِّدا له بمصدره القائم مقام ذكره مرتين، وهو الخضوع له والانقياد لما حَكم به طوعًا ورضًا وتسليمًا، لا قهرًا ومصابرة، كما يُسلِّم المقهور لمن قهره كَرهًا، بل تسليم عبد مطيع لمولاه وسيده الذي هو أحب شيء إليه، ويعلم أن سعادته وفلاحه في تسليمه إليه، ويعلم بأنه أولى به من نفسه، وأبر به منها، وأرحم به منها، وأنصح له منها، وأعلم بمصالحه منها، وأقدر على تحصيلها.

فمتى علم العبد هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ استسلم له، وسلَّم إليه، وانقادت كل ذرة من قلبه إليه، ورأى أنه لا سعادة له إلا بهذا التسليم والانقياد.([8])

وقال أيضًا رحمه الله كلامًا نفيسًا في «الصواعق المرسلة»:

وقد أقسم سبحانه بنفسه المقدسة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم، ولا يكفي ذلك في حصول الإيمان حتى يزول الحرج من نفوسهم بما حكم به في ذلك أيضًا، حتى يحصل منهم الرضا والتسليم، فقال تعالى ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا﴾، فأكد ذلك بضروب من التأكيد:

أحدها: تصدير الجملة المقسم عليها بحرف النفي المتضمن لتأكيد النفي المقسَم عليه([9])، وهو في ذلك كتصدير الجملة المثبتة بـ «إن».

الثاني: القسم بنفسه سبحانه.

الثالث: أنه أتى بالمقسم عليه بصيغة الفعل الدالة على الحدوث، أي لا يقع منهم إيمان ما حتى يحكموك.

الرابع: أنه أتى في الغاية بـ «حتى» دون «إلا» المُشعِرة بأنه لا يوجد الإيمان إلا بعد حصول التحكيم، لأن ما بعد «حتى» يدخل فيما قبلها.

الخامس: أنه أتى المحَكّم فيه بصيغة الموصول الدالة على العموم، وهو قوله ﴿فيما شجر بينهم﴾، أي في جميع ما تنازعوا فيه من الدقيقة والجليلة.

السادس: أنه ضم إلى ذلك انتفاء الحرج، وهو الضيق من حكمه.

السابع: أنه أتى بهِ نكرةً في سياق النفي، أي لا يجدون نوعًا من أنواع الحرج البتة.

الثامن: أنه أتى بذكر ما قضى به بصيغة العموم، فإنها إما مصدرية، أي من قضائك، أو موصولة، أي من الذي قضيته، وهذا يتناول كل فرد من أفراد قضائه.

التاسع: أنه لم يكتف منهم بذلك حتى يُضيفوا إليه التسليم، وهو قدر زائد على التحكيم وانتفاء الحرج، فما كل من حكَّم انتفى عنه الحرج، ولا كل من انتفى عنه الحرج يكون مسلِّمًا منقادًا، فإن التسليم يتضمن الرضا بحكمه والانقياد له.

العاشر: أنه أكَّد فعل التسليم بالمصدر المؤكد.([10])

13. ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾.

قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله:

أي إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ حقيقة، الذين صدَّقوا إيمانهم بأعمالهم حين يُدعون إلى الله ورسوله ليحكم بينهم، سواء وافق أهواءهم أو خالفها، أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، أي: سمعنا حكم الله ورسوله، وأجبنا من دعانا إليه، وأطعنا طاعة تامة، سالمة من الحرج، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، حصر الفلاح فيهم، لأن الفلاح هو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المكروه، ولا يفلح إلا من حَكَّم الله ورسوله، وأطاع الله ورسوله.

14. ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُن للخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾

15. ﴿وَمَن لم يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافرون﴾

16. ﴿وَمَن لم يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾

17. ﴿وَمَن لم يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسقون﴾

18. وقال الله لنبيه (صلى الله عليه وسلم): ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّه ولا تتبع أَهْوَاءَهُمْ عما جاءك من الحق﴾

19. ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْك﴾

20. ﴿وما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب﴾

21. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيد﴾

22. ﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَاب﴾

23. ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم﴾

24. ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُون * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِين﴾

25. ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾

26. ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا﴾


 الأدلة القرآنية على أن الاحتكام إلى شريعة غير الشريعة الإسلامية يعتبر اتخاذًا لشريكٍ مع الله فيما هو مِن خصائص الله

27. ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم﴾.


 الأدلة القرآنية على أن جميع الأنبياء تحاكموا إلى الشرائع التي أنزلها الله عليهم

28. ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾

29. ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيب﴾.

30. ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَاب﴾


 الأدلة القرآنية على أن الله هو خير الحاكمين وأحكم الحاكمين ولا حُكم أحسن من حكمه

31. ﴿وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين﴾

32. ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين﴾

33. ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين﴾

34. ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِين﴾

35. ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون﴾


 الأدلة القرآنية على وجوب الصبر على الحكم بما أنزل الله

36. ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُوم﴾

37. ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُوم﴾

38. ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾


 الأدلة القرآنية على أن الإعراض عن التحاكم إلى الشريعة الإسلامية من أهم صفات المنافقين

39. ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُون﴾

40. ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُون﴾.

41. ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾.


 الأدلة القرآنية على أن الله هو الحاكم وحده في الآخرة

42. ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون﴾

43. ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة﴾

44. قال الله في حق اليهود: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون﴾

45. ﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون﴾

46. ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون﴾

47. ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للهِ يَحكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيم﴾

48. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار﴾

49. ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيم﴾

50. ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون﴾

51. ﴿قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَـٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون﴾

52. ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَاد﴾

53. ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِين﴾


 الأدلة القرآنية على أن حكم البشر سيئ إذا خالف حكم الله

54. ﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُون﴾

55.                        ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُون﴾

56. ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُون﴾

57. ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون﴾

58. ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون﴾

59. ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون﴾([11])


 الأدلة القرآنية على أن عقوبة الإعراض عن التحاكم للشريعة الإسلامية هي العذاب في الآخرة

60. ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون﴾

61. ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون﴾


 توجيه من الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في وجوب تحكيم شريعة الله في جميع شئون الحياة

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في كتابه «إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد» (2/ 118):

فالتحاكم إلى ما أنزل الله داخل في التوحيد، والتحاكم إلى غيره من أنواع الشرك، لأن من معنى (لا إله إلا الله)، ومقتضاها ومدلولها: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن تحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله فإنه قد أخل بكلمة التوحيد، فأخلَّ بمقتضى (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).

ثم قال في ص 119:

وكذلك التحاكُم في المناهِج التي يُسمُّونها الآن مناهج الدَّعوة، ومناهج الجماعات؛ يجب أن نحكِّم فيها كتاب الله وسنَّة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فما كان منها متمشِّيًا مع الكتاب والسنَّة فهو منهجٌ صحيح يجب السّير عليه، وما كان مخالِفًا لكتاب الله وسنّة رسوله يجب أن نرفُضه وأن نبتعد عنه، ولا نتعصّب لجماعة أو لحزب أو لمنهج دَعَوِيّ ونحنُ نرى أنه مخالِف لكتاب الله وسنّة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فالدعاة منهم من هو داعية ضلال.

فالذي يَقْصُر هذا التحاكُم إلى الكتاب والسنّة على المحاكم الشرعيّة فقط غَالِط، لأن المراد التحاكُم في جميع الأمور وجميع المنازَعات؛ في الخُصومات وفي الحُقوق المالية وغيرها، وفي أقوال المجتهدين، وأقوال الفقهاء، وفي المناهج الدّعويّة، والمناهج الجماعيّة، لأن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ و﴿شَيْء﴾ نكِرة في سياق الشرط، فتعمّ كل نزاع وكل خِلاف من شيء، سواءً في الخُصومات، أو في المذاهب، أو في المناهِج، يجب أنّنا نعرف هذا، لأن بعض الناس وبعض المنتسبين للدّعوة يَقْصُر هذا على وجوب التحاكُم في المنازعات والخُصومات إلى المحاكِم الشرعية، ويقول: (يجب تحكيم الشريعة ونَبْذِ القوانين)، نعم، يجب هذا، ولكن لا يجوز الاقتصار عليه، بل لا بُدّ أن يتعدّى إلى الأُمور الأخرى، إلى تحكيم الشريعة في كلّ ما فيه نزاع، سواءً كان هذا النّزاع بين دُول، أو كان هذا النّزاع بين جماعات، أو كان هذا النزاع بين أفراد، أو كان هذا النّزاع بين مذاهب واتّجاهات، لا بدّ من تحكيم الكتاب والسنّة. نحن نُطالِب بهذا في كلّ هذه الأُمور.

أما أن نَقْصُرَهُ على ناحية ونسكُت عن النّاحية الأخرى، فنقول: النواحي الأخرى دَعوا الناس إلى رغباتهم، دَعوا كُلًّا يختار له مذهبًا، وكُلًّا يختار له منهجًا؛ نقول: هذا قُصور عظيم، لأنه يجب أن نحكِّم الشريعة في المحاكِم، ونحكّمها في المذاهب الفقهيّة، ونحكّمها في المناهج الدّعويّة، لابد من هذا، فلا يجوز لنا أن نَقْصُر كلام الله وكلام رسوله على ناحية ونترُك النواحي الأخرى، لأنّ هذا إمّا جهل وإمّا هوى.

كثيرٌ من النّاس اليوم ينادُون بتحكيم الشريعة في المحاكِم، وهذا حق، لكن هم متنازِعون ومختلفون في مناهجهم وفي مذاهبهم، ولا يريدون أن يحكِّموا الشّريعة في هذه الأمور، بل يقولون: (اتركوا الناس على ما هم عليه، لا تتعرّضوا لعقائدهم، لا تتعرضوا لمصطلحاتهم، لا تتعرّضوا لمناهجهم، اتركوهم على ما هم عليه)، وهذا ضلال، بل هذا من الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر، مثل قوله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَاب﴾.

فهذا أمر يجب التنبُّه له، لأنّ هذه مسألة عظيمة غفل عنها الآن الأكثرون.

فالذين ينادون بتحكيم الشريعة إنما يريدون تحكيمَها في المخاصَمات، في الأموال، والأعراض، والخلافات بين الناس، والأمور الدُّنيوية دون العقائد والمذاهب.

ثم قال في ص 135: ما يقوله دعاة الحاكميّة اليوم ويريدون تحكيم الشريعة في أُمور المنازعات الحقوقيّة، ولا يحكِّمونها في أمر العقائد، ويقولون: (النّاس أحرار في عقائدهم، يكفي أنّه يقولأنا مسلم، سواءً كان رافضيًّا أو كان جهميًّا أو معتزليًّا، أو.. أو.. إلى آخره، نجتمع على ما اتفقنا عليه، ويعذُر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه)؛ هذه القاعدة التي وضعوها، ويسمونها:  القاعدة الذهبية، وهي في الحقيقة تحكيم للكتاب في بعض، وترك له فيما هو أهمّ منه، لأنّ تحكيم الشريعة في أمر العقيدة أعظم من تحكيمها في شأن المنازعات الحُقوقية، فتحكيمُها في أمر العقيدة، وهدم الأضرحة، ومشاهد الشرك، ومقاتلة المشركين حتى يؤمنوا بالله ورسوله؛ هذا أهمّ، فالذي إنما يأخذ جانب الحاكميّة فقط ويُهمِل أمر العقائد، ويُهمِل أمر المذاهب والمناهج التي فرّقت الناس الآن، ويُهمل أمر النّزاع في المسائل الفقهيّة، ويقول: (أقوال الفقهاء كلها سواء، نأخذ بأيّ واحدٍ منها دون نظر إلى مستنده)؛ فهذا قول باطل، لأن الواجب أن نأخذ بما قام عليه الدليل، فيحكَّم كتاب الله في كلّ المنازَعات العَقَديّة -وهذا هو الأهم-، والمنازَعات الحُقوقيّة، والمنازَعات المنهجيّة، والمنازَعات الفقهيّة، ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ﴾، هذا عامّ، ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله﴾، هذا عام أيضًا.

وهؤلاء الذين جعلوا الحاكميّة بدل التوحيد غالطون، حيث أخذوا جانبًا وتركوا ما هو أعظم منه، وهو العقيدة، وتركوا ما هو مثله أو هو أعظم منه وهو المناهج التي فرّقت بين الناس، كلّ جماعة لها منهج، كل جماعة لها مذهب، لِمَ لا نرجع إلى الكتاب والسنّة ونأخذ المنهج والمذهب الذي يوافق الكتاب والسنّة ونسير عليه؟

والحاصل أن تحكيم الكتاب والسنّة يجب أن يكون في كلّ الأُمور، لا في بعضها دون بعض، فمن لم يحكِّم الشريعة في كلّ الأمور كان مؤمنًا ببعض الكتاب وكافرًا ببعض، شاء أم أبى، ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض﴾.

انتهى كلامه حفظه الله، باختصار يسير.

وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:

(وهناك توحيد ضمه بعض الناس وقال (توحيد الحاكمية)، وهذا قسم باطل لأنه مبتدع، فلم يكن مِما ذكره السلف الصالح، ولو كان صحيحًا لقلنا: (لا مُشاحَّة في الاصطلاح)، لكنه غير صحيح، لأن توحيد الحاكمية يدخل ضمن توحيد الربوبية باعتباره حكمًا لله، وفي توحيد الألوهية باعتبار أن العبد مُتَعَبَّدٌ به ومفروض عليه، إذن لا حاجة إلى أن نجعله قسمًا برأسه، لأنه يترتب على كونه قسمًا برأسه أشياءُ مخالفة للشرع، ومنها: التسرع بتكفير الحكام، فيقولون: إذا خالف في مسألة واحدة قد تحتمل التأويل يقولون: (هذا كافر، لأنه أخل بالتوحيد)، لذلك وضعوا هذا القسم الرابع).([12])

قال مقيده عفا الله عنه:

 ولم تكن الأمة الإسلامية تتحاكم إلى غير ما أنزل الله قبل حقبة الاستعمار، ثم لما انسحب الصليبيون من بلاد المسلمين؛ تركوا آثارهم المدمرة خلفهم، وأهم تلك الآثار أنهم نصبوا مناهج وحكامًا يحكمون بغير ما أنزل الله، ليكون الناس في منأى عن دينهم، ولكن بحمد الله، فقد انبرى العلماء الصادقون فبينوا خطورة هذا المسلك، وألفوا مؤلفات في وجوب الحكم بما أنزل الله، ومن تلك المؤلفات:

1.   تحكيم القوانين، محمد بن إبراهيم آل الشيخ

2.   وجوب تحكيم شريعة الله، عبد العزيز بن عبد الله بن باز

3.   وجوب التحاكم إلى ما أنزل الله وتحريم التحاكم إلى غيره، صالح بن فوزان الفوزان

4.   وجوب تطبيق الشريعة في كل عصر، صالح بن غانم السدلان

5.   حكم الجاهلية، أحمد بن محمد شاكر

6.   الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين، أحمد بن محمد شاكر

7.   تحذير أهل الإيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمـٰن، إسماعيل بن إبراهيم الخطيب

8.    أثر تطبيق الشريعة الإسلامية في حل المشكلات الاجتماعية، إبراهيم بن مبارك الجوير

9.   الشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية، عمر بن سليمان الأشقر

10. العدل في شريعة الإسلام وليس في الديموقراطية المزعومة، عبد المحسن ابن حمد العباد البدر

11. أسس الحكم في الشريعة الإسلامية (الشورى - العدل - المساواة)، صالح بن غانم السدلان


 خـاتـمــة

تم الكتاب بحمد الله، وتبين الحق بحمد الله، قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله في تفسير الآية:

﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ﴾؛ أي: ظهر وبان، وصار بمنزلة الشمس، وظهر سلطانه.

﴿وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيد﴾؛ أي: اضمحل وبطل أمره، وذهب سلطانه، فلا يبدئ ولا يعيد. انتهى كلامه.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يحمي المسلمين من الفتن، وأن يقي المسلمين من الشرور والآفات، وأن يوفقهم لتحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع مناحي الحياة، وأن يتمسكوا بالوحيين، ويعتصموا بهما، دون إفراط أو تفريط.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

وكتبه ماجد بن سليمان الرسي غرة صفر من عام 1440 هجري

[email protected]

هاتف: 00966505906761



([1]) سورة الأعراف: 54 .

([2]) أي النبي (صلى الله عليه وسلم)، والمقصود بتحكيمه تحكيم شريعته.

([3]) «التوضيح والبيان لشجرة الإيمان» (ص39)، بتصرف يسير.

([4]) «مجموع الفتاوى» (28/471).

([5]) الحصر هو الحبس ، والمقصود به هنا هو الضيق، لأن المحبوس يضيق بحبسه. انظر «النهاية».

([6]) الإغماض هو التنقص لقيمة الشيء. انظر «المعجم الوسيط».

([7]) الإقذاء من القذى، وهو الشوائب التي تكون في الشراب، والمقصود هو السكوت على الذل كما يشرب الإنسان من الماء الذي فيه شوائب وهو كاره لذلك، متصبر عليه.

([8]) «الرسالة التبوكية» (ص80 -83).

([9]) أي قوله ﴿فلا﴾.

([10]) «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» (1520-1521).

([11]) وردت هذه الآية بنصها في موطنين من القرآن؛ الأول في سورة الصافات 154، وفي سورة القلم 36 .

([12]) «شرح الكافية الشافية» (3/35)، الناشر: مؤسسة الشيخ محمد بن عثيمين الخيرية.