×
المُقدمات في أصول الفقه : كتاب نافع عبارة عن دراسة تأصيلية لمبادئ علم أصول الفقه، ويتناول المبادئ العشر لأصول الفقه.

 المُقدمات في أصول الفقه

دراسة تأصيلية لمبادئ علم أصول الفقه

جمع وإعداد

مثني وعد الله يونس النعيمي

( غفر الله له ولوالديه )

1440 هـــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم ، ثم أما بعد :

فهذا كتاب المُقدمات في أصول الفقه ، يتضمن المبادئ الأساسية لعلم أصول الفقه ، سبق و أن إطلعت على بعض مؤلفات الاساتذة الفضلاء في هذا المجال فوجدت أن بعضها قد تناول الموضوع بشكل موجز ، أو بشكل مُختصر مما قد يُشكل على طالب العلم في كثير من الأحيان ان يفهم المقصود ، لذلك آثرتُ أن اتناول الموضوع بشكل موسع و مفصل مستنداً بذلك إلى أقوال السابقين من أهل العلم ، رغبةً في وصول المعلومة كاملة بشكل مُيسر لطلبة العلوم الشرعية .

إن وفقت فبفضل الله سبحانه و كرمه و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان ولا خول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

أسأل الله سبحانه ان يكون هذا الكتاب خالصاً لوجهه الكريم إنه وليّ ذلك

و الحمد لله رب العالمين

المؤلف

7/6/2019 

 المقدمة

الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على خاتم الانبياء و المرسلين ، سيدنا محمد و على آله وصحبه وبعد :

فإن الله سبحانه و تعالى أرسل رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بالهدى و دين الحق ، فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها و تألفت به القلبو بعد شتاتها ، و امتلأ الكون نوراً و ابتهاجاً .

و بعد أن أكمل الله به الدين ، وأتم به النعمة على عباده ، انتقل إلى الرفيق الأعلى صلوات ربي و سلامه عليه ، و قد ترك أمته على المحجة البيضاء و الطريق الواضحة الغراء .

ثم قام بالطريق من بعده عصابة الإيمان و عسكر القرآن ، أولئك الصحابة الأبرار عليهم من الله سبحانه وتعالى الرضوان ، ألين الأمة قلوباً ، و أعمقها علماً و أقلها تكلفاً ، و أحسنها بياناً ، و أصدقها إيماناً ، فتحوا القلوب بعدلهم بالقرآن و الإيمان .

و ألقوا الى التابعين ما تلقوه من مشكاة النبوة خالصاً صافياً ، و كان سندهم فيه عن نبيهم ( صلى الله عليه وسلم ) عن جبريل ( عليه السلام ) عن رب العالمين سبحانه ، و قالوا هذا عهد نبينا إليكم و قد عهدنا به إليكم .

فجزى الله التابعين لهم بإحسان على منهاجهم القويم ، ثم سلك تابعي التابعين هذا المسلك الرشيد ، و هُدوا الى الطيب من القول و هُدوا الى صراط الحميد .

ثم سار على آثارهم الرعيل الأول من أتباعهم ، و درج على منهاجهم الموفقين من أشياعهم ، زاهدين في التعصب للرجال واقفين مع الحُجة و الاستدلال ، يسيرون مع الحق أين سارت ركائبه ، و يستقلون مع الصواب حيث إستقلت مضاربه ، فدين ُ الله سبحانه و تعالى أعظم ُ و أجل ُّ من أن يقدموا عليه قول أحد من الناس ، أو يعارضوه برأي أو قياس .

 أهمية مبادئ علم أصول الفقه :

إن معرفة العلوم التي يقوم عليها أصول الفقه أمر ضروري ، فهي الأساس الرضين الذي يقوم عليه هذا العلم ، و لعل أهميتها مستمدة من أنها الأساس في استنباط الأحكام الشرعية المختلفة ، و القدرة على فهمها ، و الوصول الى المصالح التي شُرعت من أجلها .

و إذا اردنا تكوين الملكة الفقهية عند العالم والمتعلم فالركيزة الأساسية لذلك هو علم أصول الفقه ، لذلك قال الأصوليون إن أصول الفقه هو قاعدة الأحكام الشرعية و أساس الفتاوى الفرعية و ركيزة التخريج و قانون العقل و الترجيح .

فهذا العلم وسيلة للوصول الى معرفة الحكم الشرعي  المُراد من النصوص المختلفة في مختلف المجالات .

فقواعد أصول الفقه بشكل خاص شبيهة إلى حد كبير مع النظرية العامة للقانون الوضعي ، فهي الأساس الذي يستند عليه وضع القواعد القانونية على إختلاف أنواعها .

و لهذا يقول القرافي [1] : " لولا أصول الفقه لم يثبت من الشريعة لا قليل ولا كثير ، فإن كل حكم شرعي لا بد له ُ من سبب موضوع ، و دليل يدل على سببه  فإذا ألغينا أصول الفقه ألغينا الأدلة ، فلا يبقى لنا حكم ولا سبب ، فإن إثبات الشرع بغير أدلته و قواعدها

بمجرد الهوى خلاف ٌ للإجماع ، و لعلهم لا يعبأون بالإجماع ، فإنه من جُملة أصول الفقه أو ما علموا أنه ُ اول مراتب المجتهدين ) .

و تتجلى أهمية أصول الفقه أيضاً إذا ما علمنا أنه وثيق الصلة بالحلال و الحرام ، فمن خلاله تُعرف أحكام الشرع و تتضح به مقاصد الشريعة في تشريع الأحكام .

قال القاضي العضد [2] ( ت : 756 هـــــ ) في ذلك :  ( فإن من عناية الله سبحانه و تعالى بعباده أن شرع الأحكام ، و بين الحلال و الحرام سبباً يصلح في المعاش ، و يجنبهم في المعاد ، و لما علم أنها متكثرة ، و أن قوتهم قاضرة عن ضبطها منتشرة ، ناطها بدلائل ، و ربطها بإمارات ، و رشّح طائفة مما اصطفاهم لإستنباطها ، ووفقهم لتدوينها بعد أخذها من مأخذها و مناطها و كان لذلك قواعد كلية بها يتوصل ، و مقدمات جامعة منها يتوسل ، أفردوا لذلك علماً سّموه ُ أصول الفقه ، فجاء علماً عظيم الخطر ، محمود الأثر يجمع الى المعقول مشروعاً ، و يتضمن علوم شتى أصولا ً و فروعاً ) [3].

ولا بد من الإشارة الوثيقة أيضاً الى الصلة الوثيقة بين علم اصول الفقه و بين الفقه بإعتبار ان الأول هو الأساس الرصين الذي يُبنى عليه الأخير ، و هذا الإرتباط يبدو جليا ً واضحاً عند تطبيق الحكم الشرعي ، لذلك يقول الشاطبي ( رحمه الله ) [4]:

" كل مسألة مرسومة في أصول الفقه لا ينبني عليها فروع فقهية أو آداب شرعية ، أو لا تكون عوناً في ذلك ، فوضعها في أصول الفقه عارية ، و الذي يوضح ذلك أن هذا  العلم لم يُختص بإضافته إلى الفقه إلا لكونه مفيدا ًله ، و محققا ً للإجتهاد فيه ، فإذا لم يُفد في ذلك ، فليس بأصل له " [5].

 الفرق بين الفقه و أصول الفقه :

 ذكر القرافي رحمه الله[6] في كتابه نفائس الأصول ثلاثة فروق بين الفقه و أصول الفقه في كتابه نفائس الأصول نقلها عن أبي الحسين البصري من كتابه (شرح العُمَد ) و هذه الفروق هي :

أولاً : أنه لا يجوز التقليد في أصول الفقه ، بخلاف الفقه فإنه يجوز التقليد فيه .

ثانياً : أنه لا يكون كل مجتهد في أصول الفقه مصيباً ، بخلاف الفقه فإن كل مجتهد فيه نصيب .

ثالثاً : إن المخطئ في أصول الفقه مَلوم ، بخلاف المخطئ في الفقه فإنه مأجور .

و بعد ذكره لهذه الفروق الثلاثة ، قال القرافي ( رحمه الله ) :  ( فهذه قواعد ثلاث خالف فيها الفقهي أصوله و لم يَحك ِ } أي أبو الحسين { في ذلك خلافاً [7] .

لكن القرافي رحمه الله تعقب الفرق الثالث فقال :  ( غير أنك ينبغي أن تعلم أنّ من أصول الفقه مسائل ضعيفة المدارك ، كالإجماع السكوتي ، و الإجماع على الحروب و نحو ذلك ، فإن الخلاف فيها قوي ، و المخالف لم يخالف قطعاً بل ظناً ، فلا ينبغي تأثيمه كما إنّنا في أصول الدين لا نؤثم من يقول : الَعرَض[8] يبقى زمانين ، و غير ذلك من المسائل التي ليس مقصودها من قواعد الدين الأصلية ، و إنما هي التتمات في ذلك العلم [9] .

و قريب من تعريف القاضي العضد ، عرفهُ الشريف الجرجاني بقوله : ( العرض الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى موضع ، أي فمحل يقوم به ، كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحلّه و يقوم به [10].

 الفرق بين علم أصول الفقه و القواعد الأصولية:

في خضم الحديث عن الفقه لابد أيضاً من أن نبين الفرق بين علم أصول الفقه ، والقواعد الفقهية :

فعلم الأصول يبين المنهج الذي يلتزمه الفقيهة ليتعصم به من الخطأ في الاستنباط ، أما القواعد الفقهية فهي مجموعة من الأحكام المتشابهة التي ترجع إلى قياس واحد يجمعها أو إلى ضبط فقهي يربطها كقواعد الملكية في الشرعية .

و كقواعد الضمان ، و قواعد الخيارات و قواعد الفسخ بشكل عام فهي ثمرة الأحكام الفقهية الجزئية المتفرقة يجتهد فيها فقيه مستوعب للمسائل مستوعب للمسائل فيربط بين هذه الجزئيات برباط هو القاعدة الفقهية التي تحكمها أو النظرية التي تجمعها ، كما نرى في قواعد الأحكام لعز الدين ابن عبد السلام ، و في الفروق للقرافي ، و في الأشباه و النظائر لأبن نجيم الحنفي ، و في القوانين لأبن جزّي المالكي ، و في تبصرة الحكام و في قواعد ابن رجب الكبرى ، ففيها ضبط الاتقاق المسائل المتفرعة للمذهب المالكي .

و على ذلك يمكن القول أن دراستها من قبيل دراسة أصول الفقه و هي مبنية على الجمع بين المسائل المتشابهة من الأحكام الفقهية و لهذا يمكن أن نرتب تلك المراتب الثلاث التي يُبني بعضها على بعض ، فأصول الفقه يبنى عليه استنباط الفروع الفقهية ، حتى اذا تكونت المجموعات الفقهية المختلفة أمكن الربط بين فروعها و جمع اجزاءها في قواعد عامة جامعة لهذه الجزئيات و تلك النظريات الفقهية [11] .

 مبادئ  علم أصول الفقه

 هناك مجموعة من المبادئ التي تعتبر الأساس لعلم أصول الفقه و قد جمعها ابن الصبان [12] ( رحمه الله ) على الراجح في عشرة ابيات ، فقال :

إن مبادئ كل فن عشرة      الحد و الموضوع والثمرة

و فضله و نسبة و الواضع   و الاسم الاستمداد حكم الشارع

مسائل و البعض بالبعض اكتفى   و من درى الجميع فقد حاز الشرفا

و قد زاد بعضهم المبدأ الحادي عشر ، و هي " شرفه " ، و بناءاً على ما سبق فإن مبادئ أصول الفقه هي :

 أولاً : حد أصول الفقه :

اعتاد الاصوليون أن يعرفوا علم اصول الفقه باعتبارين : الأول باعتبار مفرديه ، و الاعتبار الثاني بحسب العلمية ، فبالإعتبار الأول : وهو أن أصول الفقه مركب إضافي يحتاج إلى تعريف مفرداته ، و أما الاعتبار الثاني هو أن أصول الفقه نُقل عن معناه الإضافي و جُعل لقباً مخصوصاً أي علَماً على الفن الخاص به من غير نظر إلى الأجزاء المكونة له ، فيحتاج الى تعريفه بإعتباره مفرداً فقط [13] .

علم أصول الفقه باعتبار الإضافة : يطلق العلم و يراد منه أحد معان ٍ ثلاثة :

1.               المسائل وهي القضايا التي يبحث عنها في العلم .

2.               ادراك هذه المسائل أي معرفة حكمها على سبيل الجزم و الاطمئنان ، و هذا لا بد منه في العقائد ، أما أحكام الفقه فلا يشترط العلم ، و إنما يكفي غلبة الظن .

3.                الملكة التي تحصل لدراس هذه المسائل و ممارستها ، و يقصد هنا المعنى الأول : لأن المسائل هي موضوع الدراسة ومقصودها عرفاً ، فمثلاً علم النحو يقصد منه مسائل هذا العلم مثل المبتدأ مرفوع و الحال منصوب [14].

والفرق بين الإضافي واللقبي من وجهين([15]):

أحدهما: أن اللقبي هو العلم، والإضافي موصل إلى العلم.

والثاني: أن اللقبي لا بد فيه من ثلاثة أشياء:

‌أ-                معرفة الدلائل.

‌ب-           كيفية الاستفادة من هذه الدلائل.

‌ج-             حال المستفيد وهو المجتهد.

مفهوم أصول الفقه في الاصطلاح الفقهي :

و الأصول : جمع أصل و هو لغة ، ما يبنى عليه غيره سواء كان هذا البناء حسياً أم معنوياً ، في الاصطلاح يطلق على أحد معان ٍ خمسة :

1.               الراجح ، كقولهم الأصل في الكلام الحقيقة ، أي الراجح عند السامع هو الحقيقة لا المجاز ، و منه الكتاب أصل بالنسبة للقياس ، أي الراجح هو الكتاب .

2.               المستصحب : و هو الأصل في الشيئ ، كأن يقال لمن كان على يقين من الطهارة ، و شك أنه قد أحدث : الأصل الطهارة : أي تستصحب الطهارة حتى يثبت حدوث نقيضها ، أو يقال ، الأصل براءة لاذمة ، أي يستصحب خلو الذمة من الانشغال بشيئ حتى يثبت خلافه .

3.               القاعدة " المستمرة " : كقولهم إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل ، أي على خلاف الحال المستمرة ، مثل : إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل ، أي خلاف الحالة الاصلية المستمرة .

4.               الدليل : كقولهم : أصل هذه المسألة الكتاب و السنة ، أي دليلها [16] ، قال الآسنوي ، و منه أيضاً أصول الفقه أي أدلته [17] ، لذلك قال الخطيب البغدادي في الفقيه و المتفقه " أصول الفقه : الأدلة التي يُبنى عليها الفقه " [18] .

5.               الأصل . أصل بمعنى الدليل ، و هذا ما تعارف عليه الفقهاء ، يقال : الأصل : وجوب الصلاة ، كقوله تعالى ( و أقيموا الصلاة ) ، او ان يقال : أصل هذه المسألة الكتاب و السنة أي دليلها ، و منه أصول الفقه ( أي أدلته ) [19].

و الفقه في اللغة هو الفهم العميق الذي يتعرف على غايات الأقوال و الأفعال ، و من ذلك قوله تعالى ( فما لهولاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ) و قوله ( صلى الله عليه وسلم )  : من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، و قوله تعالى : و لقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن و الإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ، و لهم أعين لا يبصرون بها ، و لهم آذان لا يسمعون بها ، أولئك كالأنعام ، بل هم أضل س، أولئك هم الغافلون ) ، هذا معنى الفقه في اللغة .

و في الاصطلاح الشرعي : وهو معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد  [20].

و قد جرت عادة الأصوليين أن يذكروا لــ " أصول الفقه " تعريفين اثنين ، التعريف الأول بإعتباره  مركباً إضافياً ، و الثاني بإعتباره لقباً و علماً على علم مخصوص من علوم الشريعة [21] ، و يمهدون لهذا التعريف ببيان معناه ، بإعتباره مركباً مكوناً من كلمة أصول و هي المضاف و كلمة الفقه و هي المضاف اليه .

تعريف أصول الفقه لدى الفقهاء :

1.               عرف القاضي البيضاوي [22]( ت :658 هــــ ) بأنه معرفة دلائل الفقه اجمالاً و كيفية الاستفادة منها ، و حال المستفيد [23] ، و هذا التعريف منقول من تاج الدين الأموي ( ت : 656 هــ ) في كتابه الحاصل  .

2.                و عرفه صدر الشريعة ( ت : 747 هــ ) الذي عرفه بأنه : ( العلم بالقواعد التي يتوصل بها إليه على وجه التحقيق [24] ) و المقصود ، القواعد التي يتوصل بها إلى الفقه .

3.               الامام الشوكاني رحمه الله ( ت 1250 هـــــ ) عرفه : بأنه : ادراك القواعد التي يتوصل بها الى استنباط الاحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية [25] .

4.                الإمام الجويني ( ت : 478 هــــ ) الذي قال إن أصول الفقه ( هي أدلته و أدلة الفقه هي الأدلة السمعية و أقسامها نص الكتاب و نص السنة المتواترة و الاجماع ) [26] .

5.                الإمام ابو حامد الغزالي : ( ت : 505 هـــــ ) الذي عرّفه بأنه ( عبارة عن أدلة هذه الأحكام ( أي الفقهية ) و عن معرفة دلالتها على الأحكام من حيث الجملة لا من حيث التفصيل [27].

6.               الإمام فخر الدين الرازي ( ت : 606 هـــ ) ، الذي قال ( أصول الفقه عبارة عن مجموع طرق الفقه على سبيل الاجمال و كيفية الاستدلال بها و كيفية حال المستدل بها [28] .

7.               و الآمدي ( رحمه الله ) : ( ت : 631 هــــ ) الذي عرفه بأنه ( أدلة الفقه و جهات دلالاتها على الأحكام الشرعية و كيفية حال المستدل بها من جهة الجملة لا من جهة التفصيل [29].

8.               الامام تاج الدين السبكي ( ت : 771 هـــ ) الذي عرفة بأنه ( دلائل الاجمالية ) [30].

9.               ابن مفلح رحمه الله[31] ( ت 763 هــــ ) الذي عرفه بأنه ( القواعد التي يتوصل بها الى استنباط الاحكام الشرعية الفرعية [32] ، و رفض زيادة " من أدلتها التفصيلية " و عدهُ قيداً ضائعاً لأن المراد بها الأحكام الفقهية ، وهي لا تكون إلا كذلك.

10.          والشيخ محمد الخضري [33]( ت 1345 هــ ) من العلماء المعاصرين ، الذي قال إنه : ( القواعد التي يتوصل بها الى استنباط الاحكام الشرعية من الأدلة  ).

و بعد استعراض التعريفات السابقة للفقهاء ، نجد أن أغلبها تدور حول معنى واحد و هي وجود قواعد يتوصل بها الى استنباط الادلة الشرعية منها ، لذا و بناءاً على ما سبق فإن تعريف أصول الفقه المختار هو :

" العلم بالقواعد و الأدلة الإجمالية ، التي يتوصل بها الى استنباط الفقه "[34] .

و القواعد : هي قضايا كلية ينطبق حكمها على الجزئيات التي تندرج تحتها ، مثل قاعدة الأمر يفيد الوجوب إلا إذا صرفته قرينة عن ذلك ، مثل قوله تعالى

(و أقيموا الصلاة ) و بهذه القواعد يتوصل المجتهد الى استنباط الفقه ، أي استنباط الاحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ، فإذا اراد المجتهد أن يعرف حكم الصلاة قرأ قوله تعالى ( و اقيموا الصلاة ) ، فهي صيغة أمر مجردة .

و الأدلة الاجمالية : هي مصادر الاحكام الشرعية المختلفة ( الكتاب و السنة و الاجماع و القياس ) ، فالفقيه يبحث في الادلة الاجمالية و الأدلة الجزئية ليستنبط منها الاحكام .[35]

 ثانياً :موضوع علم أصول الفقه :

موضوع كل شيئ هو الذي يبحث في عوارضه الذاتية [36]، أي الأحوال العارضة لذاته دون العوارض اللاحقة الخارجة عن ماهيته ، سواء كان هذا العلم شرعياً ام عقلياً .

فموضوع الطب مثلاً هو بدن الإنسان لأنه يبحث في هذا العلم عن أحوال البدن العارضة لذاته ، و هي الأمراض اللاحقة .

و موضوع علم الفرائض يبحث في التركات ، لأنه يبحث عن التركات و قسمتها .

و هذه العوارض الذاتية هي التي تلحق الشيئ لذاته كالتعجب لذات الانسان أو تلحق الشيئ لجزئه كالحركة بالإرادة اللاحقة للإنسان ، أو تلحقه بواسطة أو خارج عن المعروض ، كالضحك العارض بواسطة التعجب [37].

و معنى البحث عن العوارض الذاتية للموضوع ، حملها عليه كقولنا : الكتاب يثبت به الحكم ، أو حملها على أنواعه كقولنا : الأمر يفيد الوجوب ، أو حملها على أعراضه الذاتية ، كقولنا : العام الذي خُص منهُ البعض يفيد الظن [38].

و قد كان للفقهاء رحمهم الله وجهات نظر ٍ ثلاث حول مفهوم الموضوع :

الرأي الأول : ذهب بعضهم إلى أن موضوعه هو الدليل الشرعي الكلي من حيث ما يثبت به من الأحكام الكلية ، فالأصولي يبحث مثلاً في القياس و حجيته و العام و ما يفيده و الأمر و ما يدل عليه و هكذا  .

و هذا رأي الامام الغزالي  رحمه الله ، الذي نص على : ان هذا العلم هو أدلة الاحكام الشرعية و معرفة وجوه دلالتها على الاحكام من حيث الجملة [39]  .

و قد تابعه على هذا الفهم عدد غير قليل من العلماء و منهم الآمدي رحمه الله الذي ذكر أن موضوع أصول الفقه هو الأدلة الموصلة الى الاحكام الشرعية المبحوث منها على وجه كلي ، و منهم ايضاً الكمال بن الهمام ، الذي جعل موضوعه الدليل اسمعي الكلي من حيث يوصل العلم بأحواله الى قدرة إثبات الأحكام لأفعال المكلفين ، و كذلك ابن السبكي رحمه الله في كتابه جمع الجوامع ، ورجح هذا الرأي الإمام البهاري .

الرأي الثاني : و ذهب بعض العلماء الى أن موضوع أصول الفقه هو الاحكام الشرعية من حيث ثبوتها بالأدلة [40]، و كان هذا الرأي في الحقيقة قد حجّر واسعاً ، لأنه جعل موضوع أصول الفقه الاحكام التكليفية فقط : ( واجب و مندوب و مباح و حرام و مكروه .

الرأي الثالث : و ذهب آخرون إلى أن موضوعه الأدلة و المرجحات و صفات المجتهد [41] ، و الراجح عند الفقهاء رحمهم الله هو الرأي الأول على إعتبار أن الأصول إنما تبحث عن العوارض الذاتية للادلة ، أما الأمور الاخرى فإنها تأتي بالتبع نظرا ً لتوقف كثير من المباحث عليها ، و إن البعض قد رجحوا أن موضوعه الأدلة و الأحكام ، وقد اعترفوا بأن مباحث الأدلة أهم و أكثر ، و إن رأوا ان ذلك لا يقضي الإحالة و الاستقلال [42] ، و في الحقيقة هناك أمر جدير بالتأمل ألا وهو : هل يجوز أن يتعدد موضوع العلم الواحد أم لا يجوز ، و ان جاز ذلك فما هي أسبابه و مبررراته ؟

الجواب على ذلك أن من يتأمل الأقوال اسابقة سيجد أن هناك من يقول بالتعدد و ان ذلك جائز اذا كان هناك تناسب بين الأمور المتعددة و مهما يكن من أمر فإن أصول الفقه في حقيقته يبحث في أكثر من موضوع سواء كانت تلك الموضوعات متعددة أصالة أو تبعاً .

 ثالثاً :ثمرة أصول الفقه :

إن لأصول الفقه ثمرات و فوائد كثيرة لعل أبرزها :

1.               ضبط أصول الاستدلال ، و ذلك ببيان الأدلة الصحيحة من الزائفة .

2.               إيضاح الوجه الجديد للاستدلال ، فليس كل دليل يكون الاستدلال به صحيحاً .

3.               تيسير عملية الاجتهاد ، و اعطاء الحوادث الجديدة ما يناسبها من الأحكام .

4.               بيان ضوابط الفتوى و شروط المفتى و آدابه .

5.               معرفة الأسباب التي أدت الى وقوع الخلاف بين العلماء و التماس الاعذار لهم .

6.               الدعوة إلى اتباع الدليل حيثما كان و ترك التعصب و التقليد الأعمى .

7.               حفظ العقيدة الاسلامية بحماية اصول الاستدلال و الرد على شبه المنحرفين .

8.               صيانة الفقه الاسلامي من الانفتاح المترتب على وضع مصادر جديدة للتشريع ، و من الجمود المترتب على دعوى اغلاق باب الاجتهاد .

9.               ضبط قواعد الحوار و المناظرة ، و ذلك بالرجوع الى الادلة الصحيحة المعتبرة .

10.          الوقوف على سماحة الشريعة الاسلامية و يسرها و الإطلاع على محاسن الدين الاسلامي .

11.          التمكن من فهم الأدلة الشرعية فهماً صحيحاً .

12.          معرفة الراجح و المرجوح من أقوال العلماء .

13.          علم اصول الفقه أداة أساسية لتفسير القرآن الكريم و استنباط الأحكام الفقهية اذ لا يستطيع أحد أن يُفسر القرآن الكريم إلا بعد أن يتعلم أصول الفقه .

14.          القدرة بعد معرفة القواعد التي يحتويها أصول الفقه على تحقيق المناط في الحوادث التي لم تكن موجودة في زمن السابقين حتى يشملها الحكم الشرعي المتقرر من قبل .

15.          تكوين الملكة الفقهية لطالب العلم ليتمكن من الرد على من أنكر حجية هذه الأقسام ، كحجية خبر الآحاد أو حجية الاجماع  او حجية القياس .

16.          توليد الاطمئنان لدى طالب العلم حين يقرأ ما يكتب و يؤلف في هذا المجال .

17.          " معرفة هذهالقواهد تفيد القضاة و دارسي القانون والنصوص التشريعية في تطبيق النصوص على جزئياتها و في تفهم ما يحتمله النص من دلالات مما يخلق الملكة القانونية و يوسع المدارك [43] " .

18.          "[44]و لعل الثمرة الأهم لعلم أصول الفقه هي التقرب إلى الله عز ّ وجل ّ بدراسة هذا العلم  " .

 رابعاً :نسبته إلى العلوم الأخرى :

لا يخفى على أحد نسبة علم اصول الفقه الى العلوم الشرعية ، و هو للفقه كأصول النحو للنحو ، و علوم الحديث للحديث [45] .

و هو جزء من علم التفسير ، قال الزركشي " التفسير علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه ( صلى الله عليه و سلم ) و بيان معانيه و استخراج أحكامه و حُكمه ،  واستمداد ذلك من علم اللغة و النحو و التصريف و علم البيان و أصول الفقه و القراءات و يحتاج الى معرفة أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ [46] .

قال صاحب مفتاح السعادة رحمه الله : " اعلم أن العلماء كما بينوا في التفسير شرائط بينوا في المُفَسِر أيضاً شرائط لا يحل التغاضي لمن عرى عنها .. و هي أن يعرف خمسة عشرة علماً على وجه الاتقان و الكمال ، إلى أن قال : العاشر : " اصول الفقه ، إذ به يعرف وجوه الاستدلال على الاحكام و الاستنباط  .

 خامساً :فضل علم أصول الفقه :

في خضم الحديث عن علم أصول الفقه أود أن أقول : مهما كُتب يُكتب عن علم أصول الفقه و عن فضله فلن يوفي أحد حقه قط ، و سأكتفي في هذا المقام بنقل أقوال كبار الفقهاء رحمهم الله  :

-                   يقول ابن برهان ( رحمه الله )[47] : فاعلم وفقك الله أن أّجل العلوم قدراً و اعلاها شرفاً و ذكراً علم أصول الفقه و ذلك لأن الفقه أّجل العلوم قدراً و أسماها شرفاً و ذكراً لما يتعلق به من مصالح العباد في المعاش و المعاد ، و إنما يُعرف شرف الشيئ و قدره بتقدير فقده و تصوير ضده ولو قدرنا فقد هذه المراسيم المرعية و الأحكام الشرعية الموضوعة لأفعال الإنسانية لصار الناس هملاً مُضاعين ولا يأتمرون لأوامر ولا ينزجرون لزجر زاجر و في ذلك من الفساد في العباد و البلاد ما لا خفاء فيه ، فإذا عرفت هذا و عرفت الفقه و مرتبته فما ظنك باصوله ِ التي منها استمداده و اليها استناده فمن الواجب على كل من اشتغل بالفقه أن يصرف صدراً من زمانه إلى معرفة أصول الفقه ليكون على ثقة مما دخل فيه ، قادراً على فهم معانيه .

-                   قال ابن خلدون في مقدمته [48] : اعلم أن اصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية و أجلها قدراً و أكثرها فائدة .

-                   قال الامام الغزالي رحمه الله : " و أشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل و السمع و اصطحب فيه الراي و الشرع و علم الفقه و اصوله من هذا القبيل ، فإنه يأخذ من صفو الشرع و العقل سواء السبيل ، فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول ، ولا هو مبني على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد و التسديد [49] .

 سادساً :واضع علم أصول الفقه :

لا يخفى على أحد أن أول المؤلفات المتخصصة في أصول الفقه كان كتاب الأم للشافعي ( رحمه الله ) ، و لكن هنا يُطرح التساؤل ; هل كانت بداية علم أصول الفقه على يد الإمام الشافعي أم كان العلم معروفاً من قبل !

للإجابة على هذا التساؤل لابد من البحث في المراحل التي سبقت تدوين هذا العلم و هي كالتالي :

المرحلة الأولى : نشأة علم أصول الفقه في عهد الصحابة ( رضي الله عنهم ) :

إن مما لا يخفى على أحد أن القرآن الكريم هو المصدر الرئيسي في التشريع الإسلامي وهو أساس التشريع ، و أن السنة النبوية هي المصدر الثاني لإستنباط الأحكام الشرعية ، و التي جاءت بأحكام مبينة للقرآن الكريم ، و القرآن الكريم و السنة النبوية كانا بلغة العرب ، لذلك فقد كانت أغلب الأحكام الشرعية واضحة عند الصحابة ( رضي الله عنه ) أضف إلى ذلك انهم لازموا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في سفره و إقامته و عرفوا الأسباب التي كانت من أجلها الأحكام الشرعية ، أضف إلى ذلك ما امتازوا به من فطنة و ذكاء و صفاء الخاطر و سلامة الذوق و الحرص على اتباع الأحكام الشرعية ( علماً و عملاً )

لذلك لم يكن هناك حاجة إلى تدوين أصول يمكن الرجوع إليها لاستنباط الأحكام [50].

فإذا ما نزل بهم أمر فزعوا الى كتاب الله سبحانه و تعالى لمعرفة الحكم الشرعي ، فإن لم يجدوا فزعوا إلى سنة رسول الله ( صلى لله عليه وسلم ) ، فإن لم يجدوا ألحقوا الشبيه بالشبيه لتحقيق المصلحة التي ثبت عندهم أن الشريعة راعتها في أحكامها [51] .

و ما سبق ذكره ليس معناه أن الصحابة ( رضي الله عنهم ) لم يكونوا على علم بالقواعد الأصولية ، بل إن المقصود أن تلك القواعد لم تكن اصطلاحاً متعارفاً عليه ، ولم تكن قوانين مكتوبة ، و إنما هي ملكة و جبلة كما قال ابن خلدون [52] .

و دليل ذلك ما رواه أحمد في مسنده و أبو داؤد و الترمذي ، من أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ، لما أراد أن يبعث معاذاً الى اليمن قال :

كيف تقضي اذا عُرض لك قضاء ؟ قال أقضي بكتاب الله ، قال ، فإن لم تجد في كتاب الله ؟ ، قال : فبسنة رسول الله ، قال : فإن لم تجد بسنة رسول الله ، قال : أجتهد رأيي لا آلو ، فضرب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علم صدره وقال : الحمد لله الذي وفق رسول ُ رسول ِ الله لما يرضى الله [53].

و كذلك ما رواه طاووس عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) أنه قال : كان الطلاق على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، و أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ) ، و سنتين من خلافة عمر ( رضي الله عنه ) طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر : قد استعجلوا أمراً لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه ، فأمضاه [54].

و في ضوء ما سبق يتضح أمرين :

الأول : أن الصحابة ( رضي الله عنه ) كانوا يدركون القواعد الأصولية بمدلولاتها ، إذ أننا نجد أنهم أخذوا مثلاً بالتعليل للمصلحة ،و أخذهم بسد الذرائع ودرء المفاسد .

الثاني : اتباعهم لطرق استنباط الاحكام في ضوء القواعد الأصولية .

المرحلة الثانية : عهد التابعين :

 فقد كانت المدة الزمنية بينهم و بين عهد الصحابة ( رضي الله عنهم ) ليست بعيدة ، بل إن بعض الصحابة عاصروا عهد التابعين لذلك ساروا على ما سار عليه عليه الصحابة و سلكوا طريقهم و استغنوا عن دراسة القواعد الفقهية و تدوينها ، و لعل ابرز الأعلام في عهد التابعين هم :

1.               الامام سعيد بن المسيب ( ت 94 هــــ ) .

2.               علقمة بن قيس النخعي ( ت 62 هــــ ) .

3.               ابراهيم بن يزيد النخعي (  ت 96 هـــــ ) .

و هنا يُطرح التساؤل : ما السبيل لحل واقعة ما في عهد التابعين اذا لم يجدوا لها سنداً  في كتاب الله لا في سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ؟

و الجواب على ذلك ان التابعين رضي الله عنهم كانوا يلجأون الى حل النوازل التي تقع في عهدهم باللجوء إلى القياس ، فالتفريعات التي كان يفرعها ابراهيم النخعي و غيره من فقهاء العراق ، كانت نتيجة استخراج الأقيسة و ضبطها و التفريع عليها بتطبيق تلك العلل على الفروع المختلفة [55] .

و رُب سائل يسأل أيضاً : اذا كان هذا السبيل لحل النوازل الفقهية في العراق ، فكيف كان السبيل لحل النوازل الفقهية في الحجاز ؟

و الجواب إن فقهاء الحجاز كانوا يخالفون أهل العراق حيث أنهم كانوا يلجأون الى المصلحة لاستنباط حكم معين في مسألة لم يرد بشأنها نص في كتاب الله ولا في سنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) .

و على الرغم من أن التابعين ( رحمهم الله ) كانوا على قدر كبير من العلم بالقواعد الأصولية ، و اجتهاداتهم التي استطاعوا من خلالها وضع أحكام لنوازل فقهية مختلفة .

و الخلاصة : أن أصول الفقه في هذه المرحلة لم يصل إلى مرحلة الكمال لكي يكون علم مستقل مدون [56] .

مرحلة ما بعد التابعين : بعد انتهاء عهد التابعين بدا هذا العلم يظهر الى العالم و بدأت قواعد الاستنباط المختلفة تظهر بصورة جلية وواضحة .

فالأمام أبو حنيفة [57] رحمه الله ورد عنه بعض المناهج المحدودة لإستنباط الأحكام ففي جانب فتاوى الصحابة ( رضي الله عنهم ) كان يلتزم منها ما اجتمعوا عليه ، و يتخير منها فيما اختلفوا عليه ، و في جانب رأي التابعين كان لا يأخذ به لأنهم رجال مثله .

و في جانب القياس و الاستحسان : كان يقيس فيستنبط علة الحكم فيما نص عليه ، و يعمم الحكم فيما لم ينص عليه مما وجدت فيه علة الحكم ، فإذا رأى أن هناك ما هو أقوى من هذا القياس عدل إليه استحساناً [58].

و لكنه رحمه الله  لم يؤثر عنه أنه ضبط قواعدهما و نظم قانونهما ، غير أن تناسق الأحكا المنقولة عنه و التي استنبطت بالقياس ، أو عدل بها عنه الى الاستحسان و تجانس أصناف المسائل التي أُثرت عنه و اختلاف فروعها ، تجعلنا في غير شك من أنه كان يلاحظ قوانين و نُظم قيد نفسه بها و إن لم ينقلها الأخلاف [59].

و الأمام مالك رحمه الله[60] قد أشار في الموطأ الى بعض قواعد هذا العلم و اشترط في قبول السنة والعمل بها أن لا تخالف القرآن الكريم أو المقرر المعروف من قواعد الدين ، او عمل أهل المدينة [61] .

فرّد حديث " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب [62] ، كما رد حديث خيار المجلس [63] ، كما أنه ذكر فروعاً فقهية تدل على أخذه بالقياس [64] ، كما أنه صح في مواضع كثيرة بإحتجاجه بعمل أهل المدينة كقوله رحمه ُ الله ( ذلك الذي عليه أمر الناس عندنا ) ، أو ( الذي عليه الأمر عندنا ) .

و عند الاختلاف يختار من اقوالهم ما يراهُ حسناً و يشير إليه بقوله ( و عند بعض أهل العلم ببلدنا [65] [66] .

مرحلة ما بعد التابعين :

 في مرحلة ما بعد التابعين مرّ أصول الفقه بمرحلتين :

الأولى : تبدأ هذه المرحلة بعصر الإمام الشافعي و تنتهي في القرن الرابع الهجري ، و مما لا يخفى على أحد أن عصر الامام الشافعي رحمه الله شهد ظهور مدرستين ، كل ٌ  منها تسير على منهج معين و كان أغلب الفقهاء آنذاك يسيرون على نهج مدرسة واحدة لا يحيدون عنها بإستثناء البعض منهم .

أما المدرسة الاولى فقد كانت مدرسة أهل الحديث و كانت في المدينة و شيخها هو الإمام مالك بن أنس ،  و المدرسة الثانية كانت في العراق و هي مدرس’ أهل الرأي و كان شيخها أبي حنيفة رحمه الله  .

و هنا يُطرح تساؤل : ما الفرق بين مدرسة أهل الحديث ومدرسة أهل الرأي ؟

في الواقع إن أهم ما يميز مدرسة أهل الحديث هو مسألة الرواية لكون المدينة موطن الصحابة و مهبط الوحي ، في حين أن مدرسة الرأي لم تكن كذلك لعدم توافر أسباب الرواية لديهم ، فقد كثرت الفتن و الوضع و الوضاعين ، لكن كلا المدرستين تتفق على وجوب الأخذ بالكتاب و السنة و عدم تقديم الرأي على النص .

ولا غرابة في الواقع أن نجد ان الامام الشافعي رحمه الله استطاع أن يضع أصولاً لإستخراج الأحكام الشرعية المختلفة ، و ضوابط للاستدلال.

لقد استطاع هذا الامام أن يجمع بين مدرسة أهل الحديث و مدرسة أهل الرأي ، حيث تلقى أفكارها عن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله [67] .

يضاف الى ذلك أخذه رحمه الله عن مدرسة مكة التي تُعنى بالقرآن الكريم و أسباب نزوله ، اذ تلقى العلم بمكة على يد من كان فيها من الفقهاء و المحدثين حتى بلغ منزلة الإفتاء .

كما أن الشافعي خرج إلى البادية و لازم " هُذيلاً " و كانت من أفصح العرب فتعلم كلامها و أخذ طبعها و حفظ الكثير من أشعار الهُذيليين و أخبار العرب .

و من خلال ما تقدم يتبين لنا أن الشافعي رحمه الله استطاع ان يضع للفقه اصولاً للاستنباط ، و قواعد للاستدلال و ضوابط للاجتهاد .

و جعل الفقه مبنياً على أصول ثابتة على طائفة من الفتاوى و الأقضية ، لقد فتح بذلك رحمهُ الله عين الفقه و سن الطريق لمن جاء بعده من المجتهدين ليسلكوا ماسلك و ليتُموا ما بدأ .

قال الفخر الرازي في مناقب الشافعي : " كانوا قبل الشافعي يتكلمون في مسائل أصول الفقه ، و يستدلون و يعترضون ، ولكن ما كان لهم قانونٌ كلي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة ، و في كيفية معارضتها و ترجيحاتها ، فاستنبط الشافعي علم أصول الفقه ، و وضع للخَلق قانوناً كليا ً يٌرجع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع ، فثبت أن نسبة الشافعي الى علم الشرع كنسبة ارسطاطاليس إلى علم العقل [68] .

رسالة الشافعي :

 ان السبب الرئيسي الذي دفع الإمام الشافعي رحمه الله لتدوين علم أصول الفقه في كتابه الرسالة ، هو أن عبد الرحمن بن مهدي ، في تاريخ الاسلام للذهبي : " قال جعفر ابن أخي أبي ثور : سمعت عمي يقول : كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي ، وهو شاب ، أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن الكريم ، و يجمع فيه الاخبار عنه ، و حجة الإجماع ، و بيان الناسخ و المنسوخ من القرآن الكريم و السنة النبوية ، فوضع له كتاب " الرسالة " قال عبد الرحمن بن مهدي : ما أصلي صلاة إلا و أنا أدعو للشافعي فيها ، قلت ُ [69]  : و كان عبد الرحمن من كبار العلماء ، قال فيه أحمد بن حنبل رحمه الله : عبد الرحمن بن مهدي كان إمام [70] .

و سبب تسمية كتاب الرسالة بهذا الاسم أن الامام الشافعي رحمه الله أرسل الكتاب الى عبد الرحمن بن مهدي .

و قد كتب الفقهاء في هذا المجال و بالأخص منهم فقهاء الحنفية رحمهم الله و حققوا تلك القواعد و أوسعوا فيها القول ، ، كما كتب المتكلمون أيضاً في هذا المجال إلا أن كتاباتهم كانت اكثر صلة بالفقه و أليق بالفروع لكثرة الأمثلة منها و الشواهد و بناء المسائل على النكت الفقهية [71] .

 سابعاً :اسمه :

أصول الفقه ، و بعد ما تقرر أن أصول الفقه لقب للعلم المخصوص ، لا حاجة الى اضافة العلم اليه إلا أن يقصد زيادة بيان ذلك و توضيح كشجر الآراك [72].

و كثير من الكتب و المؤلفات من سماها مؤلفوها باسم أصول الفقه بشكل صريح ، و لكن الكثير منها من سماها بغير ذلك ، و على كل حال فالمضمون واحد مع اختلاف الاسماء ، و لعل أبرز المؤلفات في هذا المجال هي :

1.               أصول الكرخي ، لأبي الحسين بن عبيد الله ، ت 340 ه .

2.               تقويم الأدلة لأبي زيد الدبوسي ، ت 340 ه .

3.               أصول الجصاص ، لأبي بكر أحمد بن علي ، ت 378 .

4.               العمد ، للقاضي عبد الجبار المعتزلي ، ت 415 ه .

5.               تمهيد الفصول للسرخسي ، محمد بن احمد ، ت 428 ه.

6.               النُبذ ، لإبن حزم الظاهري ، ت 456 هــ .

7.               العُدَّة في أصول الفقه ، لأبي يعلى الفراء الحنبلي ، 458 ه.

8.               المعتمد ، لأبي الحسين البصري المعتزلي ، ت 463 ه .

9.               البرهان ، لأبي المعالي الجويني الشافعي ، ت 478 ه.

10.          الأصول ، لعلي بن أحمد البزودي ، ت 482 ه .

11.           المستصفى ، لأبي حامد الغزالي الشاقعي ، ت 505 ه.

12.          التمهيد في أصول الفقه ، لأبي الخطاب الكلوذاني الحنبلي ، ت 510 ه .

13.          الواضح في أصول الفقه لأبن عقيل الحنبلي ، ت 513 ه .

14.          المحصول لفخر الدين الرازي الشافعي ، ت 606 ه .

15.          روضة الناظر ، لأبن قدامة المقدسي الحنبلي ، ت 620 .

16.          الإحكام لسيف الدين الآمدي الشافعي ، ت 631 ه .

17.          منتهى السول لإبن الحاجب المالكي ، ت 646 ه .

18.          تنقيح الأصول ، لصدر الشريعة الحنفي ، ت 654 .

19.          تخريج الأصول على الفروع ، للزنجاني ، ت 656 ه.

20.          التنقيحات للقرافي المالكي ، ت 684 ه .

21.          منهاج الوصول للبيضاوي ، ت 685 ه .

22.          المُسودة في أصول الفقه ، بدأ تصنيفها الجد مجد الدين عبد السلام بن تيمية ت 652 ، و اضاف اليها الأب عبد الحليم بن تيمية ت 682 ه ، ثم أكملها الحفيد احمد بن تيمية ت 728 ه .

23.          كشف الأسرار ، لعبد العزيز البخاري ، ت 730 ه .

24.          جمع الجوامع للسبكي الشافعي ، ت 771 ه .

25.          القواعد لأبي الحسن الحنبلي ، ت 830 ه .

26.          التحرير ، للكمال بن الهمام الحنفي ، ت 861 ه .

27.          شرح الكوكب المنير ، لإبن النجار الحنبلي ، ت 972ه .

28.          مُسّلم القبوت ، لمحب الدين عبد الشكور ، ت 1119 ه .

29.          ارشاد الفحول للشوكاني ، ت 1250 ه .

30.          أصول الفقه للشيخ محمد الخضري ، ت 1345 ه.

31.          مذكرة في أصول الفقه للشنقيطي ، ت 1393 .

32.          علم أصول الفقه ، للشيخ عبد الوهاب خلاف ت 1955 .

33.          أصول الفقه ، للشيخ محمد ابي زهرة ، ت 1974 م .

34.          الواضح في أصول الفقه ، للدكتور محمد سليمان الأشقر ، ت 1430 ه .

35.          الوجيز في أصول الفقه ، للدكتور عبد الكريم زيدان ، ت 1435 .

36.          المهذب في علم أصول الفقه المقارن ، د. عبد الكريم النملة ، ت 1435 .

37.           

 ثامنا : استمداده :

 لا يخفى على كل فقيه و طالب علم أن علم اصول الفقه مستمد من عدة علوم ، فهو و إن كان علما ً مكتملاً لكنه في الحقيقة مستمد من عدة مصادر ، جُمعت ووضعت بنسق معين لكي تكون اساساً لهذا العلم من ناحية ، و منطلقاً لخدمة العلم و المجتهد و الفقيه في سبيل الوصول الى الحكم الشرعي الصحيح .

ان حفاء المقصود في ثنايا كثير من النصوص جعلت الحاجة قائمة لجملة من العلوم ، دُمجت مع بعضها لتؤدي بالمحصلة إلى علم أصول الفقه .

قال بعض الأصوليين : إن علم أصول الفقه قواعد مستعارة من علوم ٍ أخرى لأن الأصوليين جمعوا من العلوم المختلفة ما يرجع الى غرضهم و يختص ببحثهم فالفوه و صيروه علماً موضوعه الدليل السمعي ، و لا بد من الاشارة هنا الى مسألة قررها الامام الشاطبي ( رحمه الله ) ، و هي أن كل قضية ذُكرت في هذا الفن لا ينبني عليها فروع أو آداب شرعية ، أو لا تكون عوناً على ذلك فوضعيتها عارية وذلك لأن هذا الفن لم يُضف إلى أصول الفقه إلا لكونه مفيدا ًو محققاً للاجتهاد فيه ، فإذا لم يُفد في ذلك فليس باصل له و على هذا يخرج من هذا الفن كثير من المسائل التي تكلم عليها المتأخرون و أدخلوها فيه كمسألة معاني الحروف و الكلام على الحقيقة ، و المجاز المشترك و المترادف و المشتق و غير ذلك .

و رُب سائل يتساءل هنا بعد هذا الموجز البسيط ، ما هي المصادر التي يتم استمداد أصول الفقه منها ؟

و للإجابة على ذلك لا بد من الاشارة أولاً إلى أن المقصود بالمصدر ، هو الأساس الذي يقوم عليه تكوين الشيء ، و أما مصادر علم أصول الفقه : هي الأدلة و الاصول التي بُنيت عليه قواعده ، و هي كالتالي :

أ . علوم اللغة العربية : و تشمل النحو و البلاغة و علوم الصرف و الوضع ، و علم فقه اللغة ، و علم الاشتقاق ، و لا عجب في كونها مصدراً من مصادر اسم علم أصول الفقه لما تتميز به من اتساع في المعاني و المفردات و دقة التعبير عن المتقاربات ، و كذلك ترادف الألفاظ ( و هو التعبير عن الشيئ مقروناً بألفاظ متعددة ) ، و المشترك اللفظي ( وهو التعبير عن المعاني المتعددة بلفظ واحد ) ، و المشترك المعنوي ( وهو المعنى الذي يوجد في مفردات عديدة و بقدر متفاوت ، فالأخذ بالحد الأدنى هو المشترك ، ولا يخفى على أحد أهمية الدلالة اللفظية لهذا العلم و الذي يعتبر من المبادئ الأساسية لعلوم اللغة العربية .

ب . قصد الشارع في تكليف الأحكام و قصد المكلف من حيث وضعه تحت أعباء التكليف : " فإن من قواعد هذا الفن ما يرجع الى سر التشريع و من حيث وضع المكلف تحت أعباء التكليف ، و ان الغاية في ذلك المحافظة على النفس ، و النسل و العقل و المال و الدين ، هذه هي الأصول الأولى .

ثم ما يراجع إلى أنواع المصالح التي راعاها الشارع في التشريع و اعتبرها موصلاً لتلك المصلحة ، و هذه استمدادها من الكتاب و السنة و استقراء أوامر الشرع في الموضوعات المختلفة فيكون هذا الاستقراء قواعد يقينية لا شك فيها [73] .

ج . علم العقيدة : و هو ما يتعلق بذات الله سبحانه و صفاته و ثبوت نبوة رسول الله

( صلى الله عليه وسلم ) ، و المعاد ، و الصراط ، فهذه يحتاجها الأصولي ليعرف مثلاً – هل أن الله سبحانه خاطب الناس عن طريق عقولهم ام لا بد من إرسال الرسل .

د. علم المنطق : وهو من علوم الفلاسفة اليونان ، ترجمه المسلمون ، و هو علم ينظم الافكار و يبعدها عن الخطأ و يقربها الى الصواب ، فهو يهتم بترتيب الأفكار ترتيباً منسقاً و يساعد على استدعائها وقت الحاجة .

هـــ . علم الجدل و علم آداب المناظرة و البحث ، فهذا يجعل الأصولي قادراً على المحاكمة بين الآراء ، و ترجيح ما يترجح و إن كان مخالفاً لرأيه و القدرة على الرد على من يخالف من أهل العناد ، و رفض تلبيسهم ، و طريقة المناظرة ، و هناك طريقتان في هذا العلم :

الأولى : طريقة ركن الدين العميدي الحنفي صاحب كتاب الارشاد ( ت سنة 615 هــــ )  ، و هي طريقة عامة تتعلق بكل دليل و بكل استدلال ، و في أي علم من العلوم .

الثانية : طريقة البزودي : و هي خاصة بالأدلة الشرعية من نص أو إجماع أو استدلال [74] ، و قد كان العلماء في الصدر الأول غير محتاجين الى هذه النظم لما وهبهم الله من سلامة الفطرة و صفاء الذهن ، و كانت أساليب حوارهم و مناظرتهم تجري على وفق هذه القواعد من غير أن تكون علماً مدوناً ، فلما طال العهد و قصرت القرائح ، احتاج الناس الى استنباط قواعد يتم الالتزام بها .

و . القرآن الكريم و السنة النبوية و اقوال الصحابة و الإجماع [75] :

و من الأمثلة على ذلك :

1.               القرآن الكريم : الأمر بعد الحظر يعود على ما كان عليه قبل الحظر ، كقوله تعالى ( و اذا خللتم فاصطادوا )

2.               السنة النبوية : و منها أن النهي المطلق يفيد التحريم ، و مرتكز هذه القاعدة قوله ( صلى الله عليه وسلم ) " اذا نهيتكم عن شيئ فإجتنبوه "

3.               أقوال الصحابة : و لعل أبرز أمثلتها هو أخبار الآحاد الظنية ، فقد ارتكزت هذه القاعدة في انشائها على بعض من أقوال الصحابة ، كموقف أبي بكر الصديق

( رضي الله عنه ) في قول سيدنا المغيرة في توريث الجدة حتى شهد معه سيدنا محمد بن سلمة .

4.               الاجماع : فقد أجمعت الأمة على أنه لا عبرة بموافقة العامي ولا بمخالفته في الاجماع .

 تاسعاً : حُكم تعلم أصول الفقه :

 ان حكم تعلم أصول الفقه هو الوجوب الكفائي ، شأنه شأن بقية العلوم التي يجب أن يقوم بها البعض و يسقط الحرج عن الآخرين ، و متى ما حصلت الثمرة بالوجوب على البعض كان في ذلك كفاية لتنظيم أمور الحياة و استقامة أمر الدُنيا ، فإذا كان الإنسان أهلاً للاجتهاد ، كان معرفة علم أصول الفقه واجباً عينياً لأنه من أهم العلوم التي يجب تحصيلها و الوقوف عليها حتى يكون مجتهداً [76] ، فهو إذا : فرض كفاية لعامة الناس و فرض عين على المجتهد و المفتي ، شأنه شأن علم الفقه نفسه .

و نُقل عن بعضهم كما حكاه ابن عقيل[77] و غيره أنه فرض عين ، و قد فسر ذلك ابن مفلح [78]بأنه للمجتهد و على هذا فالخلاف بينهم لفظياً ، لأن الكلام عام ولا يتعلق بالمجتهد .

علاقة علم اصول الفقه بالإفتاء :

   تظهر علاقة علم اصول الفقه بالإفتاء من خلال تحليل عملية الافتاء الى اركان ثلاث :

الركن الأول : المفتي ، فله من علم أصول الفقه نصيب وافر حيث أفاض الأصوليون في الحديث عن شروط المفتي و أقسام المفتين و بعض الأحكام المتعلقة بالإفتاء .

الركن الثاني : المستفتي : و قد تعرض الأصوليون أيضاً لبعض الأحكام المتعلقة به .

الركن الثالث : الفتوى :  لا تخلو كتب الأصول من التعرض للكلام عن بعض المباحث المتعلقة بالفتوى ، و هذا في الكتاب الأخير من كتب علم الأصول ، فالحديث عن عملية الافتاء هو جزء من علم اصول الفقه كما تظهر العلاقة بين الفتوى و الأصول عند الحاجة الى الافتاء في المسائل الجديدة التي لم يتعرض لها الفقهاء السابقون حيث لا يستغني المفتي حينئذ ٍ عن استخدام علم الأصول في استنباط الحكم الشرعي لهذه المنازل [79]

فائدة : بأيهما يبدا طالب العلم دراسته ;   يبدأ بدراسة أصول الفقه أم الفقه ؟

 في البدء لا بد من أن نعرف اذا كان الأمر فرض عين أم من فروض العين التي يجب أن تكون معلومة لدى الجميع ، فالأصل أن كل ما فرضه الله سبحانه و تعالى فرض العلم به ، ففي الزكاة مثلاً لا بد أن يعلم متى يجب و لمن تجب و على من ، و متى ما كان الأمر بمكان ما من الأهمية وجب تقديمه .

بعبارة أخرى : كيف يمكن لشخص أن يقرا و يكتب دون أن يتعلم الحروف أولا ً و كيف تُكتب و تُنطق ! و هذا في حقيقة الأمر مكان علم أصول الفقه من الفقه ، فهو كالأساس الذي يُبني عليه الفقه ، فإذا لم يكن طالب العلم على معرفة بأصول الفقه كيف لهُ أن يُميز بين الحلال و الحرام ، بين الواجب و المندوب إلا إذا كان طالب العلم على بصيرة بأصول الفقه اولاً ، فهو السبيل لفهم الفقه .

و هذا ما ذهب إليه بعض الفقهاء كما نُقل عن ابن عقيل و ابن النجار و غيرهم ، و نُقل عن أبي بكر القفال الشاشي ( ت : 5074 هــ ) [80] ، أنه قال في كتابه الاصول :  اعلم أن النص على حكم كل حادثة عيناً معدوم ، و أن للأحكام أصولاً و فروع ، و أن الفروع  لا تُدرك إلا بأصولها ، و أن النتائج لا تُعرف حقائقها الا بعد تحصيل العلم بمقدماتها ، فحق أن يبدأ بالإبانة عن الأصول لتكون سبباً إلى معرفة الفروع .

  عاشراً :الغاية من أصول الفقه :

رُبما يتساءل أحدهم : إذا كانت الاحكام الشرعية تم تدوينها ، و فرغ المجتهدون منها و اقتصر الناس على الأخذ لآرائهم ، و أُقفل باب الاجتهاد فما بالنا نضيع ثمين الوقت في الاشتغال فيه ؟

و الجواب على ذلك أن علماء المسلمين في القرون المتأخرة رأوا باب الاجتهاد قد ولجه من هو ليس أهل له ، و من لم يُعد له ُ عدته ، فخافوا من الأهواء المتفرقة أن تلعب بالأحكام الشرعية فاختاروا أهون الشرين ; وهو سد هذا الباب في وجوه الأدعياء ، لم يقولوا أن الاجتهاد به ِ قد انتهى ، و لكن صرحوا بأن ما فعلوه إنما هو لما لحق بالهمم من القصور على تحصيل ما يجب على المجتهد تحصيله ، حتى يكون على بينة مما يُقدم عليه ، و لهذا فإن العلماء أنفسهم لم يتركوا الاشتغال بعلم أصول الفقه ولا بتحصيل الأدلة السمعية من كتاب الله سبحانه و تعالى و من سنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ، بل دونوا فيها الكتب و ألفوا الأسفار حتى إذا وجد من يمنحه الله قوة الاجتهاد و يستوفي الشروط اجتهد في فتح الباب المقفل ، ولا يخفى على أحد أن هناك فريق من طلبة العلم لم يصلوا إلى درجة الاجتهاد ولا يمكن أن يتم وضعهم في درجة العامة ، فهولاء نعم يأخذون الاحكام عن الأئمة رحمهم الله لكنهم لم يدرجوا أن يأخذوها كقضية مسلمة ، بل يحبون أن يعرفوا من أين أخذ الأئمة هذه الأحكام و كيف وصلوا الى استنباطها ، وهولاء يلزمهم أن يكونوا على علم في أصول الفقه لكي يتمكنوا أن يعلموا مآخذ المجتهدين و مداركهم ، فإذا عرضت عليهم مسألة لم ينص عليها أئمتهم أمكنهم أن يجيبوا عليها تخريجا ً على تلك القواعد ، و إذا روى الأئمة رأيين أمكنهم أن يختاروا الرأي الذي على قواعد الإمام [81].

أحد عشر : شرفه :

هو علم شريف لشرف موضوعه ، وهو العلم بأحكام الله تعالى المتضمنة للفوز بالسعادة في الدارين ، قال إمام الحرمين في كتابه المدارك : و الوجه لكل متصد للإقلال بأعباء الشريعة أن يجعل الإحاطة بالأصول شوقه الآكد ، و ينص مسائل الفقه عليها نص من يحاول بإيرادها تهذيب الأصول ولا ينزف جماع الذهن في وضع الوقائع مع العلم بأنها لا تنحصر مع الذهول عن الأصول  .

و قال الغزالي في المستصفى " خير العلم ما ازدوج فيه العلم و العقل و السمع و اصطحب فيه الراي و الشرع علم الفقه ، و اصول الفقه من هذا القبيل ، فإنه يأخذ من صفو العقل و الشرع سواء السبيل ، فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول ، ولا هو مبني على التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد و التسديد ، و لأجل شرف علم اصول الفقه و رفعته ، سخر الله الخلق على طلبته ، و كان العلماء به أرفع مكاناً ، و أجلهم شأناً و أكثرهم اتباعاً و أعواناً  .

فُرِغ من كتابته في يوم الخميس 14 ذو الحجة 1440هــ .

الموافق 15 آب 2019 م .

و الحمد لله رب العالمين



[1]  الزحيلي ، أصول الفقه  الإسلامي ، دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع ، الطبعة الأولى ، دمشق ، 1406 هــ ، 1/ 6.

[2]   هو الإمام العلامة القاضي عضد الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن ركن الدين أحمد بن عبد الغفار بن أحمد الإيجي البكري المطرزي الشيرازي، من نسل أبي بكر الصديق، ولد بإيج من نواحي شيراز بعد سنة 680 هـ وقيل 700 هـ.

[3] ابن الحاجب ، شرح مختصر المنتهى ، المطبعة الأميرية ببولاق ، الطبعة الأولى ، جمهورية مصر العربية ، 1316 هــــ، 1/ 4-5 .

[4]  هو أبو إسحاق بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي المتوفى سنة 790هـــ ، تعرض الريسوني لمكان ولادة الشاطبي فقال: " فالأظهر أنه ولد بغرناطة" وسبب هذا أن الإمام الشاطبي نشأ وترعرع بها ولم يُعلم أنه غادرها، وسبب عدم ترحاله أن أسفار العلماء كانت طلبةً للعلم، أما الشاطبي فكان العلم حاضر بلدته، أما عن وفاتهِ فهي يوم الثلاثاء من شهر شعبان سنة 790 هجري.

من ابرز شيوخه : من أبرز شيوخه ابن الفخار البيري، وأبو جعفر الشقوري، وأبو سعيد بن لب، وأبو عبد الله البلنسي.

تلمذ على يد الإمام الشاطبي الكثير من العلماء الأجلاء الذين شُهد لهم بالفضل في العلم وقد تنوعت علومهم وإبداعاتهم في جوانب شتى من العلم وقد اشتهر منهم، العلامة أبو يحيى بن عاصم، والقاضي الفقيه أبو بكر بن عاصم، والفقيه أبو عبد الله البياني، وأبو جعفر القصار، وأبو عبد الله المجاري.

أبرز مؤلفاته :

طبع في أصول الشريعة وهو من أنبل الكتب في بابه.

الإفادات والإنشادات، وفيه طرق وتحف ومدح أدبية وإنشاءات.

كتاب الاعتصام في أهل البدع والضلالات.

كتاب الموافقات في أصول الفقه.

كتاب المقاصد الشافية في شرح خلاصة الكافية، (وهو شرح الألفية، يعني ألفية ابن مالك).

[5]  الشاطبي ، الموفقات في أصول الشريعة ، مطبعة المكتبة التجارية و مطبعة الشرق الأدنى بالموسكي ، جمهورية مصر العربية  ، بدون سنة نشر ،  1/42 .

[6]  هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي العلاء إدريس بن عبد الرحمان بن عبد الله بن يلين الصنهاجي المصري، ولد سنة 626 للهجرة. المتوفى سنة 684 للهجرة ، كان ملما بعلوم شتى كالفقه والأصول واللغة والأدب وعلم المناظرة والطبيعيات و له معرفة بالتفسير.و كان يحث على الاستزادة من العلوم بقوله: " ينبغي لذوي الهمم العلية أن لا يتركوا الاطلاع على العلوم ما أمكنهم."

[7] القرافي ، نفائس الأصول شرح المحصول ، القسم الأول ، ت: د. عياض بن نامي السلمي

( رسالة دكتوراه ) مطبوعة بالآلة الكاتبة ، كلية الشريعة  ، جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية ، بدون سنة نشر ، ص 25 .

[8]  العَرَض : عرفه ُ القاضي العضد الأيجي بأنه عندهم ( موجود قائم بمُتحيز ) ، و قال : و أما عند الحُكماء فماهيته إذا وجدت في الخارج كانت في موضوع أي في محل متقوم  .

[9]  المواقف في علم الكلام  ، طبعة عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، دار سعد الدين، سنة 1999م ، ص 96-97 .

[10]  الجرجاني ، التعريفات : ت : محمد صديق المنشاوي ، دار الفضيلة ، بدون سنة نشر  ، ص 129 .

[11]  الشيخ محمد أبو زهرة ، أصول الفقه ، دار الفكر العربي ، بدون سنة نشر ، ص 19 .

[12]  الإمام الصبان : هو أبو العرفان محمد بن علي الصبان المصري ولد بالقاهرة في القرن الثالث عشر الهجري ، و يتعبر من كبار العلماء المصريين ، من أشهر ألقابه " أبو العرفان " ، حفظ القرآن الكريم في صغره و تلقى الشيخ علمه على أيدي كبار العلماء في عصره مثل الشيخ الملوي ، و الشيخ حسن المدابغي ، و الشيخ عبد الله الشبراوي .

أبرز مؤلفاته :

1.    اسعاف الراغبين في سيرة المصطفى و فضائل أهلا لبيت الطاهرين .

2.    حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك .

3.    الرسالة الكبرى في البسملة .

4.   منظومة الكافية الشافية في علم العروض و القافية  ، توفي بالقاهرة سنة 1206

[13]  يُنظر : شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 1/18،22 ، الأحكام للآمدي 1 / 4 ، الإبهاج شرح المنهاج للسبكي 1/11  و ما بعدها ، التلويح على التوضيح 1/8 ، التقرير  التحبير لأبن أمير الحاج 1/17 ، حاشية الأزميري على مرآة الأصول شرح المرقاة 1/22 و ما بعدها ، ارشاد الفحول 3 ، المدخل الى مذهب الامام احمد 57 و ما بعدها .

[14]  حاشية ابن عابدين: ابن عابدين، 1/27، مختصر المنتهى: ابن الحاجب، 1/18، 22، الإحكام في أصول الأحكام: الآمدي، 1/4، إرشاد الفحول: الشوكاني، ص5.

[15] د. شعبان إسماعيل ، أصول الفقه تاريخه ورجاله: ، ص9، أصول الفقه: الخضري، ص9، الوجيز في أصول الفقه: د. عبد الكريم زيدان، ص7 وما بعدها.

[16]  الآسنوي ، نهاية السول شرح منهاج الأصول  1/9-8 ، ابن النجار ،  و شرح مختصر التحرير 1/39-40 .

[17]  ابن النجار ، نهاية السول 1/9

[18]  الخطيب البغدادي ، الفقيه و المتفقه ، 1/ 192 .

[19]  فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 1/8 ، شرح العضد لمختصر المنتهى مع حواشيه 1/25 ، حاشية البناني على شرح جمع الجوامع 1/25 ، شرح الأسنوي 1/18 ، مرآة الأصول 1/56 .

[20]  عرّف إمام الحرمين الفقه اصطلاحا في البرهان 1/ 85 بأنه (العلم بأحكام التكليف). وعرّفه في التلخيص 1/ 105 (بأنه العلم بالأحكام الشرعية). وعرّفه في الورقات بما هو مذكور أعلاه وهو أجودها. انظر تعريف الفقه اصطلاحاً في: المعتمد 1/ 8، المستصفى 1/ 4، شرح العضد 1/ 25، المحصول 1/ 1/92، الإحكام 1/ 6، فواتح الرحموت 1/ 10، الحدود ص 35، بيان معاني البديع 1/ 1/96، نهاية الوصول 1/ 7، إرشاد الفحول ص 3.

[21] د. عبد الكريم زيدان ، الوجيز في أصول الفقه ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى ، ص 7 .

[22]  هو أبو سعيد ، و قيل أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الشافعي الملقب بناصر الدين ، و البيضاوي نسبة الى البيضاء في بلاد فارس مقربة من شيراز ، كان قاضياً عالماً بالفقه و الأصول و العربية و المنطق و الحديث ، و إماماً مبرزاً أثنى عليه و على مؤلفاته العلماء ، وليّ قضاء شيراز فترة ، ثم استقر في تبريز و توفي فيها سنة 685 هــ ، و قيل سنة 691 هــــ .

من مؤلفاته : منهاج الوصول إلى علم الأصول ، و أسرار التأويل في التفسير ، و طوالع الأنوار في علم الكلام و غيرها ( يُنظر : مفتاح السعادة 1/478 ، شذرات الذهب 5/392 ، هدية العارفين 1/462 ، معجم المطبوعات 1/616 ، الاعلام 4/110 ، معجم المؤلفين 6/98 ، الفتح  المبين 2/88 .

[23]  نهاية السول 1/6 .

[24]  عبيد الله بن مسعود بن تاج الشريعة المعروف باسم صدر الشريعة الثاني / الاصغر. هو فقيه وأصولي ونحوي وأديب ومحدث ومفسر ومنطقي ومتكلم حنفي ماتريدي ، نشأ صدر الشريعة الثاني في بيت علم٬ فقد أخذ العلم عن جده تاج الشريعة محمود٬ وكان يهتم بتقييد الفوائد والغرائب عن جده. كان يجتمع إلى درسه الكثيرون للانتفاع بعلمه. له مؤلفات كثيرة منها: التنقيح في أصول الفقه، وشرحه المسمى أيًضا بالتوضيح. وله شرح كتاب الوقاية لجده تاج الشريعة٬ وقد شرحه شرحاً حسنًا٬ وله اختصار لكتاب الوقاية أيضاً سماه النقاية، له كتابه الموسوعي تعديل العلوم و شرحه في المنطق والكلام والهيئة الذي هو من أهم كتب الكلام المتأخرة عند الحنفية الماتريدية. توفي بشرع أباد ببخارى سنة 747 هـ .

[25]   الامام الشوكاني :ولد في وسط نهار الاثنين الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1173 هجرية في بلده هجرة شوكان، ونشأ في صنعاء، وتلقى العلم على شيوخها. اشتغل بالقضاء والإفتاء.

نشأ ـ رحمه اللّه تعالى ـ بصنعاء اليمن ، وتربى في بيت العلم والفضل فنشأ نشأة دينية طاهرة ، تلقى فيها معارفه الأولى على والده وأهل العلم والفضل في بلدته ، فحفظ القرآن الكريم وجوّده ، ثم حفظ كتاب "عيون الأزهار " للإمام المهدي في فقه الزيدية ومختصر الفرائض للعُصيفيري و ملحة الأعراب في صناعة الإعراب للحريري ، والكافية والشافية لابن الحاجب ، وغير ذلك من المتون التي اعتاد حفظها طلاب العلم في القرون المتأخرة ، توفي الشوكاني في ليلة الأربعاء السابع والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة 1255 هـــــ .( ينظر : ارشاد الفحول : ص 3 )

[26]  هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن عبد الله بن حيوة الجويني، ولد الجويني في 18 محرم 419هـ الموافق 12 فبراير 1028م في بيت عرف بالعلم والتدين؛ فأبوه كان واحدا من علماء وفقهاء نيسابور المعروفين وله مؤلفات كثيرة في التفسير والفقه والعقائد والعبادات، وقد حرص على تنشئة ابنه عبد الملك تنشئة إسلامية صحيحة فعلمه بنفسه العربية وعلومها، واجتهد في تعليمه الفقه الخلاف والأصول. واستطاع الجويني أن يحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ، ذكر الدكتور محمد الزحيلي في كتابه "الجويني" في: فصل إمام الحرمين وعلم الكلام ما نصه: كان الدافع لدراسة أصول الدين أولا، وتأكيده بدراسة الفلسفات المتنوعة، هو الحرص على الإسلام والدعوة إليه، ورد شبهات الأعداء عنه، وتفنيد حجج الطاعنين به من الكفار والمشركين خارج الدعوة الإسلامية، والملحدين الذين انضووا تحت لواء المسلمين، وتستروا بالباطنية وغيرها من الفرق الضالة، للدس على الإسلام، والتشكيك فيه، وإثارة الشبه بين المسلمين، فصار دراسة أصول الدين وعلم الكلام وتدريسه والتأليف فيه السبيل القويم أمام المسلمين، فانكب العلماء على دراسته وتدريسه والتصنيف فيه، وهو ما سلكه إمام الحرمين الجويني وانخرط إمام الحرمين في مدرسة الأشاعرة، وصار في كتبه وتدريسه على طريقة الأشعرية في علم الكلام، وصار من أنصار مذهب الأشعري، الذي عمل على دراسته وتدريسه ونصرته والدعوة إليه، حتى صار إمام الحرمين شيخ الأشعرية، وإمام المتكلمين في عصره ، أصيب الجويني بعلة شديدة، فلما أحس بوطأة المرض عليه انتقل إلى "بشتنقان" للاستشفاء بجوها المعتدل، ولكن اشتد عليه المرض فمات بها، وذلك في مساء الأربعاء (25 ربيع الآخر 478هـ الموافق 20 أغسطس 1085) عن عمر بلغ تسعا وخمسين عاماً.

[27]  أبو حامد محمد الغزّالي الطوسي النيسابوري الصوفي الشافعي الأشعري، أحد أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري،كان فقيهاً وأصولياً وفيلسوفاً، كان صوفيّ الطريقةِ، شافعيّ الفقهِ إذ لم يكن للشافعية في آخر عصره مثلَه. ، وكان على مذهب الأشاعرة في العقيدة، وقد عُرف كأحد مؤسسي المدرسة الأشعرية في علم الكلام، وأحد أصولها الثلاثة بعد أبي الحسن الأشعري، (وكانوا الباقلاني والجويني والغزّالي). لُقّب الغزالي بألقاب كثيرة في حياته، أشهرها لقب "حجّة الإسلام"، وله أيضاً ألقاب مثل: زين الدين، ومحجّة الدين، والعالم الأوحد، ومفتي الأمّة، وبركة الأنام، وإمام أئمة الدين، وشرف الأئمة.

كان له أثرٌ كبيرٌ وبصمةٌ واضحةٌ في عدّة علوم مثل الفلسفة، والفقه الشافعي، وعلم الكلام، والتصوف، والمنطق، وترك عدداَ من الكتب في تلك المجالاتولد وعاش فيطوس، ثم انتقل إلى نيسابور ليلازم أبا المعالي الجويني (الملقّب بإمام الحرمين)، فأخذ عنه معظم العلوم، ولمّا بلغ عمره 34 سنة، رحل إلى بغداد مدرّساً في المدرسة النظامية في عهد الدولة العباسية بطلب من الوزير السلجوقي نظام الملك. في تلك الفترة اشتُهر شهرةً واسعةً، وصار مقصداً لطلاب العلم الشرعي من جميع البلدان، حتى بلغ أنه كان يجلس في مجلسه أكثر من 400 من أفاضل الناس وعلمائهم يستمعون له ويكتبون عنه العلم وبعد 4 سنوات من التدريس قرر اعتزال الناس والتفرغ للعبادة وتربية نفسه، متأثراً بذلك بالصّوفية وكتبهم، فخرج من بغداد خفيةً في رحلة طويلة بلغت 11 سنة، تنقل خلالها بين دمشق والقدس والخليل ومكة والمدينة المنورة، كتب خلالها كتابه المشهور إحياء علوم الدين خلاصةً لتجربته الروحية، عاد بعدها إلى بلده طوس متخذاً بجوار بيته مدرسةً للفقهاء، وخانقاه (مكان للتعبّد والعزلة) للصوفية.

[28] أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين بن علي الرازي، الطبرستاني المولد، القرشي، التيمي البكري النسب، الشافعي الأشعري الملقب بفخر الدين الرازي وابن خطيب الري وسلطان المتكلمين وشيخ المعقول والمنقولهو إمام مفسر فقيه أصولي، عالم موسوعي امتدت بحوثه ودراساته ومؤلفاته من العلوم الإنسانية اللغوية والعقلية إلى العلوم البحتة في: الفيزياء، الرياضيات، الطب، الفلك. ولد في الريّ. قرشي النسب، أصله من طبرستان. رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان. وأقبل الناس على كتبه يدرسونها، وكان يحسن اللغة الفارسية.

وكان قائما على نصرة الأشاعرة، كما اشتهر بردوده على الفلاسفة والمعتزلة، وكان إذا ركب يمشي حوله ثلاث مائة تلميذ من الفقهاء، ولقب بشيخ الإسلام في هراة، له تصانيف كثيرة ومفيدة في كل فن من أهمها: التفسير الكبير الذي سماه "مفاتيح الغيب"، وقد جمع فيه ما لا يوجد في غيره من التفاسير، وله "المحصول" في علم الأصول، و"المطالب العاليةو"تأسيس التقديس" في علم الكلام، "ونهاية الإيجاز في دراية الإعجاز" في البلاغة، و"الأربعين في أصول الدين"، وكتاب الهندسة. وقد اتصل الرازي بالسلطان محمد بن تكشي الملقب بخوارزم شاه ونال الحظوة لديه. توفي الرازي في مدينة هراة سنة 606 هـ.

[29]  سيف الدين الآمدي (551 هـ - 631 هـ) هو سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم بن محمد العلامة الآمدي التغلبي الحنبلي ثم الشافعي.

فقيه أصولي وباحث. ولد في آمد من ديار بكر ونُسب إليها، وقرأ بها القراءات على الشيخ محمد الصفار، وعمار الآمدي. وحفظ " الهداية " في مذهب أحمد بن حنبل. ونزل بغدادوهو شاب وقرأ القراءات بها على ابن عبيدة. وتفقّه على أبي الفتح ابن المني الحنبلي، وسمع من أبي الفتح بن شاتيل. ثم انتقل شافعيا وصحب أبا القاسم بن فضلان، واشتغل عليه في الخلاف، وبرع فيه. وانتقل إلى القاهرة، فدرّس فيها واشتهر. وحسده بعض الفقهاء فتعصبوا عليه ونسبوه إلى فساد العقيدة والتعطيل ومذهب الفلاسفة، فخرج مستخفيا إلى حماة ومنها إلى دمشق فتوفي بها

[30]  تقي الدين السبكي ولد سنة 683هـ  الفقيه الشافعي الصوفي المحدث الحافظ المفسر المقرئ الأصولي المتكلم النحوي اللغوي الأديب الحكيم المنطقي الجدلي الخلافي النظار، يلقب "بشيخ الإسلام وقاضي القضاة"، توفي سنة 771هــــــ  وهو والد الفقيه تاج الدين السبكي.

[31]  القاضي شمس الدين أبي عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الراميني المقدسي الدمشقي الصالحي (708 - 763 هـ ) هو أحد ابرز تلامذة الإمام ابن تيمية، المزي والذهبي وأحد أبرز فقهاء الحنابلة .

[32]  مختصر أصول الفقه ، ص12 .

[33]  محمد بن عفيفي الباجوري، المعروف بالشيخ محمد الخضري بك)، باحث وخطيب وفقيه أصولي ومؤرخ مصري وأحد علماء الشريعة والأدب وتاريخ الإسلام ، ولد بالقاهرة عام 1872، وهو شقيق عبدالله الباجوري. تخرج من كلية دار العلوم من جامعة القاهرة وعين قاضياً شرعياً بالخرطوم، ثم مدرساً شرعياً بمدرسة القضاء الشرعي بالقاهرة لمدة 12 عاماً، ثم أستاذاً للتاريخ الإسلامي في الجامعة المصرية، ثم وكيلاً لمدرسة القضاء الشرعي، بعد ذلك مفتشاً بوزارة المعارف المصرية.

كانت عادته القراءة في كتب الأدب والتاريخ والحديث والفقه، وكان أشد ما يكون ولعاً بكتاب "الأغاني" لأبو الفرج الأصفهاني وكتب التواريخ وأصول الفقه ومع هذا الاطلاع الواسع على الأدب وتاريخه، فقد تبحر في تاريخ الفقه الإسلامي، والأدوار التي مر بها وتطوره التاريخي، وأهم رجاله من أكابر العلماء المتقنين في علوم القرآن والسنة والفقه ، توفي سنة 1927 )

[34]  فتح الغفار بشرح المنار لإبن نجيم ، ص 7 ، تسهيل الوصول الى علم الأصول للمحلاوي ، ص 7 ، ارشاد الفحول للشوكاني ص 3 .

[35]  د. عبد الكريم زيدان ، مرجع سابق ، ص 12 ( بتصرف )

[36]  القرافي : نفائس الأصول ، ت . د. عياضة بن نامي السلمي ، مطبوع بالاستنسل ، 1/13 .

[37] ابن النجار الفتوحي، شرح الكوكب المنير ، 1/33-34 .

[38] امير بادشاه ، تيسير التحرير ، 11/18.

[39]  الغزالي ، مرجع سابق ، 1/5 .

[40]  عبد الوهاب السبكي ، جمع الجوامع في اصول الفقه ، دار الكتب العلمية ،1424 هــ ، 1/32 .

[41]  البناني ، حاشيته على شرح الجلال المحلي ، ص 20

[42]  صدر الشريعة ، التوضيح ، 1/22 .

[43]  الباحسين  ، مرجع سابق ، ص 118 .

[44]  محمد بن حسين الجيزاني ، اصول الفقه عند أهل السنة و الجماعة ، دار ابن الجوزي ، الطبعة السابعة ،  1429 ، ص 23 .

[45] بكر ابو زيد ، التأصيل ، ص 39 .

[46] عبدالله الفوزان ، شرح الورقات ، ص 17 .

[47]  أبو الفتح أحمد بن علي بن محمد بن برهان ،المعروف بابن برهان، أصولي ومحدث وفقيه شافعي.

ولد ببغداد سنة 444هـ على الراجح، وكان حنبلي المذهب، ثم انتقل إلى المذهب الشافعي. وكان متبحراً في الفقه وأصوله والخلاف، وكان حاد الذهن، سريع الحفظ، مواظباً على العلم، حتى صار يُضرب به المثل، وتولى التدريس بالمدرسة النظامية مرتين مدة يسيرة، وانتهت إليه الرحلة في طلب العلم. ، تفقه على الغزالي والكيا الهراسي والشاشي، وبرع في المذهب، وفي الأصول.

من كتبه: في أصول الفقه «البسيط» و«الأوسط» و«الوسيط» و«الوجيز» و«الوصول إلى الأصول» ، ت سنة  518 هـــــــــــ. (ينظر : الوصول الى الاصول ، ت: د. عبد الحميد ابو زنيد ، مكتبة المعارف ، الرياض ، 1983 ، 1/47-48 .

[48]  ابن خلدون ، مرجع سابق ،ص 398 .

[49]  الامام الغزالي ، المستصفى ، مرجع سابق ، 1/14 .

[50]  د. عبد العزيز الربيعة ،اصول الفقه  ( حقيقته – مكانته- تاريخه – مادته ) الطبعة الأولى ، بدون ناشر ، ص 130 " بتصرف "

[51]  الخضري ، مرجع سابق ، ص 3-4 .

[52]  ابن خلدون ، المقدمة ، ص 396 .

[53] الحديث باللفظ أعلاه رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ، كما روي موقوفا ًعلى عدد من الصحابة منهم عبد الله بن مسعود كما نقله الطبراني في المعجم الكبير .

[54]  أخرجه الإمام أحمد و مسلم ( ينظر : منتقى الاخبار  ، 6/259 )

[55]  أبو زهرة ، مرجع سابق ، ص 12 .

[56]  د. عبد العزيز الربيعة ، مرجع سابق ، ص 135 .

[57]  أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفيّ ,ولد عام 80 هــ  هـ فقيه وعالم مسلم، وأول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي. اشتهر بعلمه الغزير وأخلاقه الحسنة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: «من أراد أن يتبحَّر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة»، ويُعد أبو حنيفة من التابعين، فقد لقي عدداً من الصحابةمنهم أنس بن مالك، وكان معروفاً بالورع وكثرة العبادة والوقار والإخلاص وقوة الشخصية. كان أبو حنيفة يعتمد في فقهه على ستة مصادر هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية،والإجماع، والقياس، والاستحسان، والعُرف والعادة.

وُلد أبو حنيفة بالكوفة ونشأ فيها، وقد كانت الكوفة إحدى مدن العراق العظيمة، ينتشر فيها العلماء أصحاب المذاهب والديانات المختلفة، وقد نشأ أبو حنيفة في هذه البيئة الغنية بالعلم والعلماء، فابتدأ منذ الصبا يجادل مع المجادلين، ولكنه كان منصرفاً إلى =مهنة التجارة، فأبوه وجده كانا تاجرين، ثم انصرف إلى طلب العلم، وصار يختلف إلى حلقات العلماء، واتجه إلى دراسة الفقه بعد أن استعرض العلوم المعروفة في ذلك العصر، ولزم شيخه حماد بن أبي سليمان يتعلم منه الفقه حتى مات حماد سنة 120 هـ، فتولى أبو حنيفة رئاسة حلقة شيخه حماد بمسجد الكوفة، وأخذ يدارس تلاميذه ما يُعرض له من فتاوى، حتى وَضع تلك الطريقةَ الفقهيةَ التي اشتُق منها المذهب الحنفي.

(ينظر : وفيات الأعيان : 5/405 ).

[58]  الاستحسان لغة: مشتق من الحسن: قال ابن منظور: "والحسن - محركة - ما حسن من كل شئ: فهو استفعال من الحسن، يطلق على ما يميل إليه الإنسان ويهواه، حسيّا كان هذا الشئ أومعنويا، وإن كان مستقبحا عند غيره" أ.هـ. واصطلاحا: اختلف الأصوليون في تعريف الاستحسان فقال بعضهم: إنه دليل ينقدح في نفس المجتهد، وتقصر عنه عبارته. وقال آخرون: هو العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه، أو هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه. وقيل: هو العمل بأقوى الدليلين، أو الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلى.

وبالنظر إلى هذه التعريفات نجد أن تعريف الاستحسان يتلخص في أمرين:

1- ترجيح قياس خفى على قياس جلى بناء على دليل.

2 .استثناء مسألة جزئية من أصل كلى، أو قاعدة عامة بناء على دليل خاص يقتضى ذلك.

[59] ابو زهرة ، أبو حنيفة حياته وعصره و آراؤه الفقهية ،  دار الفكر العربي ، 1947 ، 316-317.

[60]  أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري المدني فقيه ومحدِّث مسلم، وثاني الأئمة  الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب المالكي في الفقه الإسلامي. اشتُهر بعلمه الغزير وقوة حفظه للحديث النبوي وتثبُّته فيه، وكان معروفاً بالصبر والذكاء والهيبة والوقار والأخلاق الحسنة، وقد أثنى عليه كثيرٌ من العلماء منهم الإمام الشافعي بقوله: «إذا ذُكر العلماء فمالك النجم، ومالك حجة الله على خلقه بعد التابعين». ويُعدُّ كتابه "الموطأ" من أوائل كتب الحديث النبوي وأشهرها وأصحِّها، حتى قال فيه الإمام الشافعي: «ما بعد كتاب الله تعالى كتابٌ أكثرُ صواباً من موطأ مالك». وقد اعتمد الإمام مالك في فتواه على عدة مصادر تشريعية هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، وعمل أهل المدينة، والقياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، والعرف والعادات، وسد الذرائع، والاستصحاب وُلد الإمام مالك بالمدينة المنورة سنة 93هـ، ونشأ في بيت كان مشتغلاً بعلم الحديث واستطلاع الآثار وأخبار الصحابة وفتاويهم، فحفظ القرآن الكريم في صدر حياته، ثم اتجه إلى حفظ الحديث النبوي وتعلُّمِ الفقه الإسلامي، فلازم فقيه المدينة المنورة ابن هرمز سبع سنين يتعلم عنده، كما أخذ عن كثير من غيره من العلماء كنافع مولى ابن عمر وابن شهاب الزهري، وبعد أن اكتملت دراسته للآثار والفُتيا، وبعد أن شهد له سبعون شيخاً من أهل العلم أنه موضع لذلك، اتخذ له مجلساً في المسجد النبوي للدرس والإفتاء، وقد عُرف درسُه بالسكينة والوقار واحترام الأحاديث النبوية وإجلالها، وكان يتحرزُ أن يُخطئ في إفتائه ويُكثرُ من قول «لا أدري»، وكان يقول: «إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه». وفي سنة 179هـ مرض الإمام مالك اثنين وعشرين يوماً ثم مات، وصلى عليه أميرُ المدينة عبد الله بن محمد بن إبراهيم، ثم دُفن بالبقيع. (ينظر : شذرات الذهب 1/289  ).

[61]  عبد اللطيف السبكي و آخرون ، تاريخ التشريع الاسلامي ، دار العصماء ، 1997 ، ص 224 .

[62]  أخرجه البخاري و مسلم و مالك في الموطأ و أبو داؤد و التمذي و النسائي  ينظر : تيسير الوصول الى جامع الأصول في كتابالطهارة : 3/71 .

[63]   الحديث أخرجه الأمام أحمد في مسنده و البخاري و مسلم ( الجامع الصغير 1/128 ) .

[64]  أبو زهرة ، مالك ( حياته عصره آراؤه الفقهية ) ، دارالفكر العربي ، بدون سنة نشر ، ص 254 .

[65] محمد مصطفى شلبي ،  المدخل في التعريف بالفقه الاسلامي ، دار النهضة العربية  ، 1985 ، ص 145 .

[66]  عبد العزيز الربيعة ، مرجع سابق ، ص 140 .

[67]  هو محمد بن الحسن الشيباني ولد عام 132 هــ  ، صاحب أبي حنيفة رحمه الله و أخذ عنه الفقه ، ثم عن أبي يوسف ، روى عن مالك و الثوري ، روى عنه ابن معين و أخذ عنه الشافعي و هو الذي نشر علم أبي حنيفة رحمه الله فيمن نشره ، و كان فصيحاً بليغاً عالماً ، له كتاب : السير الكبير ، و السير الصغير ، و الآثار ، توفي سنة 189 هــ . يُنظر : تاج التراجم : 237 ، شذرات الذهب 1/321 .

[68]  احمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي ، مناقب الشافعي : ت : أحمد صقر ، دار التراث ، جمهورية مصر العربية ، 1390 هــ ، 1970 م ، ص 15 .

[69]  القائل هو الذهبي رحمه الله .

[70]  محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، تاريخ الاسلام ، ت : عمر عبد السلام تدمري ، دار الكتاب العربي ، 1410 هـــ ، 1990 م ، 14/163 .

[71]  ابن خلدون ، مرجع سابق ، ص 576 .

[73]  شاكر الحنبلي ، اصول الفقه الاسلامي ، دار البشائر للنشر و الطباعة ، 2004 ، ص 39  ، الخضري ، مرجع سابق ، ص 17 ، الشاطبي ، الموافقات 2/5 .

[74]   حسين علي الأعظمي ،مذكرات في أصول  و تاريخ الفقه الاسلامي ، مطبعة الأهالي ، بغداد  1939-1940 ، ص 22 ، و ينظر كذلك الى رسالة الآداب في علم المناظرة ، لمحمد محي الدين عبد الحميد ، المطبعة التجارية الكبرى ، جمهورية مصر العربية  ،ط 7 ، 1958  ، ص 8 ، و للمزيد : مراجعة محاضرات الاستاذ محروس المدرس ، مذكرات في المدخل لعلم أصول الفقه ، كلية معارف الوحي في الجامعة  الماليزية الاسلامية ، متوفرة على شبكة الانترنت .

[75]  د. اسماعيل عبد عباس ، مبادئ علم أصول الفقه ، المدرسة المكية ، منشور على شبكة الألوكة ، ص 42 ، و ما بعدها .

[76] د. شعبان اسماعيل ، اصول الفقه ( تاريخه و رجاله )  ، دار المريخ ، 1401 هــ ، 1981 ، ص 20 .

[77]  هو أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد البغدادي الحنبلي ، شيخ الحنابلة في زمنه و من أعلام الفقهاء و كبار المجتهدين ، اشتغل أول عهده بمذهب المعتزلة ثم عدل عنهُ ، تلقى العلم على يد عدد من اعلام عصره ، منهم : أبو يعلى و ابو اسحاق الشيرازي و ابو محمد التميمي توفي سنة  769 هــ .

[78]  هو أبو اسحاق برهان الدين ابراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح المقدسي الصالحي الحنبلي ولد سنة 816 هـــ ، قاضي و من كبار علماء الحنابلة ، و علم بارز من أسرة بني مفلح ، بيت الرئاسة و العلم في الشام ، و يُعرف كأسلافه بإبن مفلح و هم يُعرفون بالمقادسة ت سنة 884 هــ .

[79]  موقع دار الافتاء المصري ، مفاهيم افتائية ،  http://dar-alifta.org/ .

[80]    أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي المعروف بـ "القفال الكبير ولد سنة 291 هـ  أحد أعلام مذهب الإمام الشافعي، فقية ومفسر وراوي حديث ، ومن أشهر أئمة المسلمين عبر التاريخ. ويلقب بـ"القفال الكبير" تمييزاً له عن الإمام "القفال الصغير" أبو بكر عبد الله بن أحمد المروزي (من مدينة .مرو العريقة الواقعة في تركمنستان في هذا العصر) الذي عاش بعد المائة الرابعة، وهو أيضاً كان شيخ الشافعية في بلده  ، توفي سنة  365 هـــــــ )

[81]  الشيخ محمد الخضري ، اصول الفقه ، المكتبة التجارية الكبرى  ، جمهورية مصر العربية ، الطبعة الثانية ، 1389هــ ، 1969 م ، ص 20 .