×
كتاب نافع عبارة عن شرح لكتاب «العمدة» للحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله، أملاها فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك أثابه الله، وقد ذكر فيه فوائد علمية محررة على هذا المتن المبارك، وتناول فيه كل ما له تعلق مباشر بالحديث من شرح غريبه، وبيان أحكامه، واستنباط معانيه، تقريبًا للفهم وتسهيلًا للحفظ.

 العدة في فوائد أحاديث العمدة

تأليف:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

اعتنى بها:

مؤسسة وقف الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك

 مقدِّمة التحقيق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذا شرحُ «عمدةِ الأحكامِ» لشيخنا عبد الرحمن بن ناصر البراك، أملاه على صورة فوائد مختصرة ضمِنَها أهم مقاصِدَ الكتابِ بأسلوبٍ محررَّ جمع بين الشمول والاختصار.

وقد استحسن شيخُنا هذا اللون من التأليف؛ لما لاحظ فيه من النفع والقبول عند طلاب العلم؛ فأملى في التفسير والحديث والرقائق.

ففي التفسير: أملى فوائد جزء تبارك، وجزء عم.

وفي الحديث: أملى فوائد بلوغ المرام، وعمدة الأحكام، وكتاب التوحيد وكتاب الرقاق من صحيح البخاري. ومشاريع أخرى جاري العمل فيها يسَّر اللهُ تمامَها.

واختار شيخُنا أن يسمِّي شرحَهُ هذا بــ (العدة في فوائد أحاديث العمدة) سائلين المولى عزَّ وجل أن ينفع به، ويكتب لشيخنا جزيل الأجر والثواب، إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

كما نتقدم بالشكر لفضيلة الدكتور سليمان بن عبد العزيز العيوني - أستاذ الدراسات العليا المشارك في قسم النحو والصرف وفقه اللغة بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام- الذي تفضَّل بمراجعة الكتاب إملائيًا وقضى وقتًا في تدقيقه والنظر فيه؛ فجزاه الله خيرًا.

وقد سرنا في العمل على هذا الكتاب وفق المنهج التالي:

1. مقابلة المتن وضبطه على مجموعة من طبعات الكتاب؛ أهمها: نسخة محمود الأرناؤوط، وهي التي نشير إليها بــ «المطبوعة»، ونسخة نظر الفاريابي، مع عدم إهمال نسخ شروح العمدة؛ كشرح ابن دقيق العيد، وابن الملقن وغيرهما؛ آخذين بالاعتبار ترجيحات شيخنا بين بعض النسخ؛ مما يوافق لفظ الصحيحين أو أحدهما.

2. ردُّ مسائل الكتاب إلى مصادرها من كتب الفنون المتنوعة، فمسائل «الفقه»: بكتب «الفقه»، وهكذا مسائل «أصوله الفقه»، و«الغريب»، وغيرها.

3. توثيق النقول التي وردت في الشرح، وعزوها إلى مصادرها الأصلية.

4- عزو مسائل الخلاف العالي بين المذاهب الفقهية، وغالبًا ما نقتصر على «المغني».

5- تعيين المشهور من المذهب وتمييزه عن الأقوال الأخرى؛ لخصوصيته في هذا المجال، ونختار في تعيين المذهب: المنتهى والإقناع، وشروحهما وحواشيهما.

6. ضبط الكلمات المشكلة وتشكيلها بالحركات، والعناية بعلامات الترقيم.

7- عزو الآيات إلى مواضعها من كتاب الله، وإثباتها على رواية حفص عن عاصم.

8- تخريج جميع الأحاديث، والآثار الواردة في المتن، أو الشرح.

والطريقة في ذلك ما يلي:

أ- إذا كان الحديث في الصحيحين، أو أحدهما؛ نقتصر في العزو عليه إلا لفائدة؛ كأن يكون اللفظ في المذكور لغيرهما، وتكون طريقة العزو إلى المصادر الحديثية: بذكر رقم الحديث دون ذكر الكتب والأبواب أو الصفحات.

ب- إذا كان الحديث في غير الصحيحين:

• خرَّجناه من أهم المصادر، وهي السنن الأربعة وموطأ مالك ومسند أحمد.

• لا نتوسع بذكر الطرق والشواهد، وإنما نحيلُ إلى بعض المراجع لمن أراد التوسّع والزيادة، وغالبًا ما تكون الإحالة إلى كتب التخريج: كنصب الراية، والبدر المنير، والتلخيص الحبير، وإرواء الغليل، أو كتب العلل: كعلل الترمذي والدار قطني وابن أبي حاتم، أو كتب التخريج المعاصرة التي توسعت بذكر طرق وشواهد الحديث؛ كالسلسلتين وصحيح أبي داود للألباني، ومسند الإمام أحمد لشعيب الأرناؤوط.

• ننقل ما تيسَّر من كلام الأئمة النقاد المتقدمين عليه تصحيحًا أو تضعيفًا باختصار؛ لئلا يطول الكلام، وإذا كان بين الأئمة خلافٌ نذكر أقوالهم دون حكم أو ترجيح، وقد نستأنس – في هذه الحالة- بترجيحات المعاصرين ممن يشتغل بالتصحيح والتضعيف؛ كالألباني وشعيب الأرناؤوط.

• إذا لم نجد للأئمة النقاد كلامًا في الحديث: لا نحكم على الحديث؛ صحةً أو ضعفًا، وغالبًا ما نعتمد في هذه الحالة على أحكام المعاصرين؛ كالألباني وشعيب في ضوء قواعد النقاد.

ج- نذكر اسم الصحابي راوي الحديث إلا أن يُذكر في المتن، وإذا كان الحديث مرويًا عن أكثر من صحابي ذكرنا صاحب اللفظ وأشرنا إلى غيره تبعًا.

9. ننبه على أوهام صاحب العمدة؛ مستفيدين في ذلك من تعقيبات الزركشي في «النكت»

والحافظ في «الفتح».

10-إحالةُ بعض المباحث في شرح الكتاب إلى موضعٍ آخر موسَّع للشيخ من شروحه ودروسه وفتاويه.

11- ترجمةُ الرواة من «تقريب» الحافظ ابن حجر.

12- شرح غريب الحديث، ونقتصر على «النهاية» لابن الأثير غالبًا.

12- عزو التعريفات الفقهية وحل بعض ألفاظ الغريب مما له تعلق بالفقه إلى «المطلع على ألفاظ المقنع» لشمس الدين البعلي. 

13- التعريف بالأعلام غير المشهورين.

14-صنعُ فهرسٍ للموضوعات.

اللجنة العلمية

في مؤسسة وقف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك

للتواصل:

جوال: 0505112242

البريد الالكتروني:

[email protected]

 مقدمة المؤلف

الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيبا مبارك فيه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه والتابعين؛ أما بعد:

    فإن المقصود من تدبر الآيات وتفسيرها، والنظر في الأحاديث وشرحها؛ هو معرفةُ ما دلت عليه من المعاني؛ سواء ما تعلق منها بالعقائد أو الأحكام  أو الأخلاق، ويستنبط العلماء هذه المعاني من دلالات الألفاظ وسياقات الكلام، ويسمونها فوائد، أي: من جهة إفادة النصوص لها؛ أي: دلالتها عليها، ومن جهة إفادة طالب العلم لها من أدلتها، ولذا يقال: يستفاد منها كذا وكذا من الفوائد، والعلماء يدونون هذه الفوائد عند تفسير الآيات وشرح الأحاديث، وقد طَلب مني في السابق بعض طلبة العلم أن أدوِّن فوائد الأربعين النووية فأجبتُ إلى ذلك؛ فدونتُ ما تيسر من الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية وتتمتها، وهي خمسون حديثًا، وصدر ذلك وطبع؛ ثم إني أخذت بهذا المنهج في بلوغ المرام، وقد تم ذلك -بحمد لله- وهو تحت الطبع، ثم إني فعلتُ مثل ذلك في بعض أحاديث البخاري من كتاب الرقائق وكتاب التوحيد منه، والآن أقدِّم كتاب عمدة الأحكام بهذه الطريقة، إذْ تم لي ذلك إلى أخرها ـ بتوفيق الله ـ،  ولا بد أن  أنبه في هذا الكتاب الذي بين يديك على أني لا أقتصر على ذكر الفوائد الحديثية، بل أضيف إلى ذلك شرح بعض الغريب، وأذكر ما يتعلق في المسألة الفقهية من الخلاف على وجه الإجمال مع الترجيح والتوجيه، ومما درجتُ عليه أني أذكر مقدمة لكل باب تتضمن مقصوده ومضمونه، وكذلك أذكر مقدمة لكل حديث تتضمن بيان ما هو أصل فيه من الأحكام، ثم أتبع ذلك بذكر الفوائد، أسأل الله أن ينفع بما يسره من هذا الشرح؛ إنه سبحانه سميع مجيب، وهو الهادي إلى سبيل الرشاد، وإليه المآب والمعاد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

حرر في يوم السبت الخامس من شهر صفر من عام ثمانية وثلاثين بعد الألف وأربع مئة

 كتابُ الطَّهَارَة

المعنى: هذا كتابُ ذكْرِ أحكامِ الطهارة، وهو يشملُ: ما يُتطهَّر به، وما يُتطهَّر منه، وما يُتطهَّر له، وقد درج المصنِّفون في الأحكام، وأحاديث الأحكام، على البَداءة بكتاب الطهارة تمهيدًا لكتاب الصلاة؛ لأن الطهارة أهم شروط الصلاة التي هي من فعل العبد.

والطهارة لغة: هي النظافة([1])

وشرعاً: زوال ما يمنع من الصلاة من الحدث والخبث([2])

١- عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ»([3])

الشرح: 

هذا الحديث أصلٌ من أصول الدين، ومن جوامع الكلم التي أوتيها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك يدخل في كل باب من أبواب الأحكام، ويتضمن فوائد لا حصر لها، منها: 

1- أن العمل الخالي عن القصد لغوٌ لا يترتب عليه حكم ولا جزاء إلا ما يُضمن بالإتلاف. 

2- اشتراط النية في كل عبادة، من صلاة وزكاة وصيام وغير ذلك، ويدخل في هذا: نية نوع العبادة وعينها؛ كصلاة الظهر الحاضرة، وصلاة الراتبة لإحدى الصلوات المكتوبة، وصوم القضاء، وكذلك تُشترط النية لجميع العقود؛ كالبيع والهبة والعتق ونحوها. 

3- أنه لا يفرِّق بين الأعمال المتشابهة في الصورة إلا النية؛ كصلاة الفجر وركعتي الفجر، وصلاة الظهر والعصر في السفر.

4- ابتناءُ العمل على النية صلاحًا وفسادًا، وكذلك الجزاء، ففسادُ النية يستلزم فسادَ العمل، كمن عمل لغير الله، وصلاحُ النية لا يستلزم صلاحَ العمل؛ لتوقف ذلك على وجود شرط آخر، وهو موافقة الشرع. 

5- أنه لا يحصل للمكلَّف من عمله إلا ما نوى. 

6- وجوب إخلاص العمل لله. 

7- تحريم العمل لغير الله. 

8- مشروعية الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام. 

9- وجوب الإخلاص في الهجرة؛ وذلك بأن تكون إلى الله ورسوله في حياته صلى الله عليه وسلم، وإلى دينه وسنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. 

10- أن من أخلص في عمله حصل له مراده حكمًا وجزاءً، فعمله يكون صحيحًا، ويترتب عليه الثواب إذا تحققت شروط العمل. 

11- أن من عمل للدنيا لا يحصل له إلا ما نوى إذا شاء الله، قال تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:18]

12- حبوط العمل بعدم الإخلاص لله. 

13- أن النية نوعان: 

‌أ- نية العمل نفسه؛ وذلك في قوله: (إنما الأعمال بالنيات)

ب- نيةُ المعمول لأجله؛ وذلك في قوله: (وإنما لكل امرئ ما نوى)، وهذه هي التي عليها المعوّل في الإخلاص وضده. 

14- أنه لا عمل إلا بنية، ولا أجر إلا بنية.

14- تحقير الدنيا وشهواتها؛ لقوله: (فهجرته إلى ما هاجر إليه): حيث أبهم ما يحصل لمن هاجر إلى الدنيا، بخلاف من هاجر إلى الله ورسوله فإنه صرح بما يحصل له، وهذا من حسن البيان وبلاغة الكلام. 

١٥- إيضاح المعاني بالمثال؛ وذلك بذكر الهجرتين المحمودة والمذمومة.

١٦- أن حكم سائر الأعمال في تأثير النية حكم الهجرة؛ كالجهاد والدعوة إلى الله.

١٧- أن النية ميزان الأعمال الباطنة، والأعمال الظاهرة تابعة لها.

١٨- أن أهم متع الدنيا وشهواتها عند الناس: المرأة، ففي الحديث شاهدٌ لقوله تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ .. الآية} [آل عمران: 14].

١٩- أن للعبد إرادة.

٢٠- أن النية أنواعٌ بحسب العمل والغاية.

2-وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ -إذَا أَحْدَثَ- حَتَّى يَتَوَضَّأَ»([4])

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل من السنة في اشتراط الطهارة للصلاة، وفي معناه: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُقبل صلاةٌ بغير طهور، ولا صدقةٌ من غلول)([5] وأما الدليل من القرآن فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6].

 وفي الحديث فوائد، منها:

١-أن الأعمال منها مقبول ومنها مردود، ومعنى قبول الله العمل: رضاه وثوابه عليه، وهذا يستلزم صحة العبادة وبراءة الذمة من الواجب، فنفي القبول في هذا الحديث يستلزم نفي الصحة والإجزاء، وقد يرد نفي القبول ويراد به نفي الثواب؛ عقوبةً على معصية، كقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن أتى عرَّافًا فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة)([6])

٢-أن الطهارة شرط لصحة الصلاة، فرضًا كانت أو نفلًا، وهذا بإجماع الأمة([7]). 

٣-أن الحدث ينقض الطهارة، والحدث: هو الخارج من السبيلين: من ريح، أو بول، أو غائط، أو غيرهما([8]). قيل لأبي هريرة ما الحدث؟ قال: "فُسَاءٌ أو ضُرَاط" ([9]).

والحدث ناقض للوضوء بالإجماع([10])، وأما غيره من النواقض فمختلف فيه.

والوضوء يرفع حكم الحدث الأصغر، وأما حكم الحدث الأكبر -وهو الجنابة-: فلا يرفعه إلا الغسل؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. وقوله: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء:43].

ويقوم مقام الوضوء والغسل: التيمم عند عدم الماء؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6].

٣ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ»([11]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في وجوب إسباغ الوضوء، والمراد بإسباغ الوضوء: تعميم أعضاء الوضوء بالماء بحيث لا يُترك موضعٌ مما يجب غسله، فمن ترك منها موضعًا لم يصح وضوؤه، فإن انتبه له المتوضئ في الحال: غسلَهُ وصح وضوؤه، وإن لم يتنبه له إلا بعدما جفت أعضاء وضوئه: وجب عليه إعادة الوضوء؛ لفوات المولاة.

وسبب هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أصحابه يتوضؤون مستعجلين([12])، ويمسحون على أعقابهم؛ فنادى -صلى الله عليه وسلم- بأعلى صوته([13]): (ويلٌ للأعقاب من النار) أي: الأعقاب التي لم يصبها الماء، والأعقاب: جمع عَقِب، وهو مؤخر القدم([14] وفي رواية: (ويل للأعقاب وبطون الأقدام)([15]).

وفي الحديث فوائد، منها:

١- رفع الصوت بالعلم.

2- تغيير المنكر باللسان؛ ببيان الحكم والوعيد.

٣- التغليظ في الإنكار؛ زجرًا عن المعصية، وإن لم يتعمد العاصي المخالفة.

٤- وجوب إسباغ الوضوء وتحريم التقصير في ذلك.

5- وجوب غسل العقب وبطن القدم في الوضوء.

6- أن العقب وبطن القدم مظنة التقصير في الإسباغ.

7- حرص الصحابة على الصلاة؛ لأن الذي حملهم على الاستعجال في الوضوء هو الخوف من التأخر عن الصلاة، كما تفيده القصة في سبب الحديث.

8- تعلُّق الوعيد بمتعلَّق المعصية من البدن.

9- أن تعمد ترك الإسباغ من كبائر الذنوب.

10- أن المعصية سبب لعذاب النار.

٤ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهْ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»([16]).

*وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنْ الْمَاءِ»([17]).

 *وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنثر»([18]).  

* وفي بعض النسخ: (من توضأ فَلْيَسْتَنْشِقْ) ([19]).

الشرح:

هذا الحديث بهذا السياق اشتمل على ثلاثة أمور:

١- الأمر بالاستنشاق والاستنثار في الوضوء.

٢- الأمر بالوتر في الاستجمار.

٣- النهي عن غمس اليد في الإناء بعد الاستيقاظ من النوم.

فاشتمل السياق على ثلاثة أحاديث، فيحتمل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بينها في كلامه، ويحتمل أن أبا هريرة جمع بينها في روايته.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- وجوب الاستنشاق والاستنثار في الوضوء، والاستنشاق: هو جذبُ الماء بالنَّفَسِ إلى باطن الأنف، والاستنثار أو الانتثار: إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق.

٢-مشروعية الاستجمار: وهو التطهر من الغائط بالأحجار، ويقال له: الاستنجاء.

٣-وجوب الإيتار في الاستجمار، ويؤيده ما جاء عند مسلم من النهي عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار([20]).

٤-أمر من استيقظ من نوم الليل -أو النوم مطلقًا- بغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء، أي: في الماء الذي في الإناء، حتى يغسلها ثلاثًا، وقد جاء بلفظ: (فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا)([21]). وقد ذهب الجمهور إلى أن الأمر للندب والنهي للكراهة([22] وقيل: إن الأمر للوجوب والنهي للتحريم([23])، وهذا هو الأصل في الأمر والنهي.

٥-تعليل هذا الحكم بأن المستيقظ لا يدري أين باتت يده، وعلَّلهُ الفقهاءُ استنباطًا من التعليل الذي في الحديث: بالشك في النجاسة، وعلَّلهُ بعضهم بأن غمس اليد في الماء يسلبه الطهورية([24] والصحيح: أن كلًا من الأمر والنهي تعبُّديٌّ، فغمس اليد لا ينجِّسُ الماء ولا يسلبه الطهورية([25]). 

٦-أن الوتر في العبادات من المقاصد الشرعية، ويكون في الغالب بالتثليث والتسبيع، وفي الحديث الصحيح: (إن الله وترٌ يحب الوتر) ([26]).

٥- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يَبُولَنَّ أحدُكم في الماءِ الدَّائِم الذي لا يَجْرِي، ثم يغتسِلُ فيه» ([27])

*ولمسلم: «لا يغتسِلْ أحدُكم في الماءِ الدَّائمِ وهُو جُنُبٌ» ([28])

الشرح:

هذان حديثان تضمن أولهما: النهي عن البول في الماء الدائم، وتضمن الحديث الثاني: النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم. والماء الدائم: هو المستقر في غديرٍ أو بركة أو حوض، وفُسِّر في الحديث بأنه الذي لا يجري.

وقد اختلفت الروايات في هذين الحديثين، فروي: (لا يَبُولَنَّ أحدُكم في الماءِ الدَّائِم، ثم يغتسِلُ فيه)، وفي رواية: (ثم يغتسِلُ منه) ([29] وفي رواية في غير الصحيحين: (لا يَبُولَنَّ أحدُكم في الماءِ الدَّائِم، ولا يغتِسلُ فيه من الجنابة)([30])، فدل مجموع الروايات على النهي عن الجمع بين البول ثم الاغتسال في الماء أو الاغتسال منه، وعلى النهي عن كل منهما على انفراد.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- تحريم البول في الماء الدائم، وسواء بال فيه مباشرة أو بال في إناء ثم صبَّه فيه، والعلة: تقذير الماء على الواردِين عليه والمحتاجين إليه، وقد يؤول إلى تنجسيه، وسواء كان الماء قليلًا أو كثيرًا إلا أن يكون مستبحرًا؛ أي: يشبه البحر من كثرته، وعلَّل بعضهم النهي عن البول بالتنجيس لكن خصه بالقليل بناء على أن الماء ينقسم باعتبار احتمال النجاسة إلى قليل وكثير([31] والراجح: القول الأول.  

٢- تحريم الجمع بين البول في الماء الدائم، ثم الاغتسال منه، أو فيه.

٣- جواز البول في الماء الجاري إلا أن يكون فيه تقذيرًا على من يستقي منه أو يتوضأ منه.

٤- تحريم اغتسال الجنب في الماء الدائم، والعلة: سلبُهُ الطهورية إذ يصير الماء مستعملًا في رفع الجنابة([32] والصحيح: أن استعمال الماء في رفع الحدث لا يسلبه الطهورية([33])، وأن النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم؛ لما في ذلك من تقذير الماء على من يحتاج إليه.

٥- أن من كمال الشريعة: صيانة المياه التي يحتاج إليها الناس عن التقذير والإفساد.

٦ - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا شَرِبَ الكلبُ في إناءِ أحدِكم، فليغْسِلْهُ سَبْعًا»([34]).  

* ولمسلم: «أولاهن بالتراب»([35]). 

 7-وله([36]) في حديث عبد الله بن مغفل: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا وَلَغَ الكلبُ في الإناءِ، فاغسِلُوه سبعًا([37])، وعَفِّروه الثَّامنةَ بالتُّرابِ([38])».

الشرح:

حديث أبي هريرة، وحديث عبد الله بن مغفل تضمَّنا حكم سُؤْر الكلب، وحكم الإناء الذي ولغ فيه، والولوغ: صفة شرب الكلب، وهو أن يدخل لسانه في الماء أو غيره فيجذبه به؛ ولهذا عبر عنه في حديث أبي هريرة بالشرب، والحديثان نصٌّ في حكم الإناء الذي شرب فيه الكلب.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- وجوب غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبعًا.

٢- أن هذا الغسل للتطهير؛ لقوله في رواية عند مسلم: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب، أن يغسله سبع مرات) ([39]).

٣- نجاسة ما ولغ فيه الكلب، ويلزم من ذلك: نجاسة لعابه ونجاسة سائر أجزائه، وإلى هذا ذهب كثيرٌ من العلماء([40])، وذهب الإمام مالك وأكثر أصحابه إلى أن الأمر بالغسل تعبُّدي، وعليه فلا يكون الكلب نجسًا، لا لعابه ولا غيره، ولا ما ولغ فيه([41]). 

٤-وجوب تتريب الإناء في إحدى الغسلات، وقد اختلفت الروايات في غسلة التتريب([42] والراجح: أنها "الأولى" كما هي رواية مسلم([43] وأما رواية عبد الله بن مغفل: (وعَفِّروه الثَّامنةَ بالتُّرابِ) قد تأوَّلها بعضهم بأن غسلة التتريب بمثابة غسلتين([44]). 

8- عن حُمْران -مولى عُثمان بْن عفّان-([45]) رضي الله عنهما؛ أنه رأى عثمان دعا بوَضُوءٍ، فأفرغَ على يديهِ من إنائه، فغسلَهُما ثلاث مرَّاتٍ، ثم أدخلَ يمِينَه في الوَضُوءِ، ثم تمضمضَ واستنشقَ واسْتَنْثَرَ، ثم غَسلَ وجهَهُ ثلاثًا، ويديهِ إلى المِرْفقينِ ثلاثًا، ثم مَسَحَ برأسِهِ، ثم غسلَ كِلتا([46]) رجليهِ ثلاثًا، ثمّ قال: رأيتُ النبيَّ  صلى الله عليه وسلم يتوضَّأُ نحوَ وُضُوئي هذا، وقال: (مَنْ توضَّأ نحوَ وُضُوئي هذا، ثم صلَّى ركعتينِ لا يُحَدِّثُ فيهما نفسَهُ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنبِهِ)([47]

9- عن عَمرو بن يحيى المَازني([48])، عن أبيه([49]) قال: شهدتُّ عَمرو بن أبي حسن([50]) سألَ عبد الله بنَ زيد: عن وضوء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فدعا بتَوْرٍ من ماءٍ، فتوضَّأَ لهم وضوءَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فأكفأَ على يديه من التَّوْرِ، فغسل يديه ثلاثًا، ثم أدخلَ يده في التور، فمضمضَ واستنشقَ واستنثرَ -ثلاثًا- بثلاث غَرَفَاتٍ، ثم أدخل يده، فغسلَ وجهَهُ ثلاثًا، ثم أدخلَ يديْهِ، فغسلَهُما مرتين إلى المِرْفقيْن، ثم أدخلَ يده، فمسح رأسَه، فأقبلَ بهما وأدبرَ -مرةً واحدةً- ثم غسل رِجْليه([51]).

* وفي روايةٍ: بدأ بمُقَدَّم رأسِهِ، حتى ذهب بهما إلى قَفَاهُ، ثمّ رَدَّهما حتى رجعَ إلى المكان الذي بدأَ منه([52]).

* وفي روايةٍ: أتانا  رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرجْنَا له ماءً في تورٍ من صُفْرٍ([53]) .

التَّوْرُ: شِبْهُ الطَّستِ([54]). 

الشرح:

حديث عثمان رضي الله عنه، وحديث عبد الله بن زيد تضمَّنا صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وما فَعَلَهُ -صلى الله عليه وسلم- هو من بيان كتاب الله الذي فرض الله عليه؛ كما قال تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- التعليم بالفعل.

٢- تبليغ العلم بالقول والفعل.

٣- أنه يجزئ في الاقتداء: المقاربةُ، فلا تجب المماثلة؛ لقوله: (نحو وضوئي).

٤- استحباب غسل اليدين ثلاثًا قبل إدخالهما في الإناء.

٥- مشروعية المضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، وقد سبق الأمر بالاستنشاق في الحديث الرابع ([55])، وورد الأمر بالمضمضة عند أبي داود([56]). 

٦- الجمع بين المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة.

٧- أن أول فروض الوضوء: غسل الوجه.

٨- أن الثاني من فروض الوضوء: غسل اليدين إلى المرفقين.

٩- الثالث من فروض الوضوء: مسح الرأس.

١٠- أن الرابع: غسل الرجلين إلى الكعبين.

١١- صفة مسح الرأس كما في حديث عبد الله بن زيد.

١٢-استحباب التثليث في غسل أعضاء الوضوء.

١٣- جواز المفاضلة بين أعضاء الوضوء في عدد الغسلات، ويجزئ الوضوء مرة مرة، والثلاث أفضل.

١٥-أنه لا يشرع التثليث في مسح الرأس.

١٦-إدخال المرفقين في غسل اليدين.

١٧- فضل الوضوء.

١٨-استحباب صلاة ركعتين بعد الوضوء.

١٩-فضل الإقبال بالقلب على الصلاة؛ لقوله: (لا يحدث فيهما نفسه).

٢٠-أن الوضوء التام، ثم صلاة ركعتين: سببٌ لمغفرة ما تقدم من  الذنوب.

٢١-أن من فضل الله: تيسيرُ أسباب المغفرة.

٢٢-إباحة الإناء من الصُّفْر.

٢٣-أن فرض الرجلين في الوضوء: هو الغسل.

٢٤-الرد على الرافضة في قولهم: "إن فرض الرجلين هو المسح".

٢٥-أن عبد الله بن زيد الراوي لصفة الوضوء غير عبد الله بن زيد الرائي للأذان([57]).   

10- عن عائشةَ -رضي الله عنها- قالت: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -يُعْجِبُه التَّيَمُّنُ في تَنَعُّلِهِ، وتَرَجُّلِهِ، وطُهُورِه، وفي([58]) شأنِهِ كلِّه"([59]).

الشرح:

هذا الحديثُ تضمَّن بعضَ هديه -صلى الله عليه وسلم- وهو التيمُّن في شأنه كلِّه.

والتيمُّنُ: هو البَداءةُ باليمين، واستعمالُ اليد اليمنى في الأكل والشرب، والأخذ والعطاء، واللباس..

وقوله: (يُعْجِبُه) أي: يحبُّه

وقوله: (وفي شأنِهِ كلِّه) عامٌّ مخصوص؛ خُصَّ منه الأمور التي لا يُرغب فيها: كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، وخلع النعل، والاستنجاء، فالتيمُّن في هذه الثلاثة خلاف الأَولى، وأما الاستنجاء: فيحرم باليمين

وفي الحديث فوائد، منها:

١-التيمُّن في لبس النعل، وهو: التنعُّل.

٢-استحبابُ التيمُّنِ في الترجُّل([60])، وهو إصلاحُ شعر الرأس بما يزيلُ شَعَثَهُ.

٣-استحبابُ التيمُّنِ في الطهور، وهو التطهُّرُ بالوضوء أو بالغُسل. 

٤-من هديه -صلى الله عليه وسلم-: التيمُّنُ في شأنه كلِّه، ومنه: التيمُّنُ في التنعُّل، والترجُّل، والطُّهُور.

5-فضلُ اليمين على الشمال باليدين والرجلين.

تنبيه: عُلم مما تقدم أن التيمُّنَ تجري فيه الأحكام الخمسة: الوجوب، والاستحباب، والتحريم، والكراهة، والإباحة.

١1-عن نُعَيْم المُجْمِر([61])، عن أبي هُريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «إنَّ أُمتي يُدْعَوْنَ يومَ القيامةِ غُرًّا مُحَجَّلين؛ من آثارِ الوُضُوء؛ فمَن استطاعَ منكم أن يُطِيل غُرَّتَهُ فليفعلْ»([62]).

* وفي لفظٍ: رأيتُ أَبا هريرة يتوضَّأُ، فغسلَ وجهَه ويديه، حتى كاد يبلُغ المَنكبين، ثم غسلَ رجلَيه حتى رفعَ إلى السَّاقين، ثم قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «إنّ أمَّتي يُدْعَوْن يومَ القيامةِ غُرًّا مُحجَّلين مِنْ أثرِ الوُضوءِ؛ فمَن استطاعَ مِنكم أن يُطيل غُرَّته فليفعلْ»([63]). 

12 - وفي لفظٍ لمسلم: سمعتُ خليلي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تَبلغُ الحِليةُ مِن المؤمنِ حيثُ يبلغُ الوُضوءُ»([64])

الشرح:

هذا الحديث فيه بشارة لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-لتميُّزِهِم يوم القيامة عن سائر الأمم بالغرة([65]) والتحجيل([66])، وفي الحديث فوائد، منها:

١- فضيلة هذه الأمة المحمدية.

٢- فضل الوضوء.

٣- أن الجزاء من جنس العمل.

٤- أن السيما، وهي الغرة والتحجيل: من خصائص هذه الأمة.

٥- أن الأمم تداعى لموقف القيامة.

٦-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف أمته من بين الأمم؛ كما جاء في بعض الروايات لهذا الحديث([67] والمراد: أمة الإجابة.

٧-أن أبا هريرة سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن بواسطة.

٨-استحباب إطالة الغرة والتحجيل؛ وذلك بزيادة في غسل الوجه بغسل بعض شعر الرأس مما يلي الوجه، وبرفع في غسل اليدين والرجلين كما فعل أبو هريرة، وهذا كله على أن قوله: (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختُلف في ذلك([68]):  

فقال بعض الأئمة: إنه مدرجٌ من كلام أبي هريرة، وما فعله في غسل يديه ورجليه هو من اجتهاده([69])، وهذا ما ذهب إليه بعض أئمة الحديث ورجحه ابن القيم، وهو القول بالإدراج([70])،  أي أنه من قول أبي هريرة. قال ابن القيم في الكافية الشافية([71]):  

ومن استطاع يطيل غرَّته فمو *** قوفٌ على الراوي هو الفوقاني

فأبو هريرة قال ذا من كيسه *** فغدا يميِّزُهُ أولو العرفان.

وعلى هذا؛ فالصواب ما دل عليه القرآن والسنة الصحيحة: وهو غسل الرجلين إلى الكعبين، واليدين إلى المرفقين؛ ولذا قال ابن القيم في "الكافية الشافية" في فصل:"حلي أهل الجنة"([72]):

 والراجح الأقوى انتهاءُ وضوئِنا ... للمرفقين كذلك الكعبان.

هذا الذي قد حدَّه الرحمن في الـ ... ـقرآن لا تعدل عن القرآن.

واحفظ حدود الرب لا تتعدها ... وكذاك لا تجنح إلى النقصان.

وانظر إلى فعل الرسول تجده قد ... أبدى المراد وجاء بالتبيان.

٩-أن من عادة السلف: تجمير المسجد، وهو تطييبه بالبخور، ولذا سُمِّي الراوي: نعيم المُجْمِر، وفي الحديث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أمر رسول الله ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب» ([73]).

١٠-أن أهل الجنة يُحلَّوْن؛ أي: يلبسون الحُلي؛ كما قال تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا}[الحج: 23].

١١-أثر الوضوء في حلية أهل الجنة.


 باب دخول الخلاء والاستطابة([74])

المراد بهذا الباب: بيان ما يشرع عند دخول الخلاء، وبيان صفة الاستطابة، وهي: الاستنجاء بالماء أو الأحجار، والخلاء: أصله المكان الخالي([75] والمراد به هنا: المكان الذي يقصد لقضاء الحاجة، وسُمِّي الاستنجاءُ استطابة؛ لأنه تطهَّر من الخبث في محل الخارج.

وأحكام هذا الباب: مما يستدل به على كمال الشريعة حتى شملت آداب قضاء الحاجة؛ ولذا قال سلمان -رضي الله عنه- ليهودي قال له: قد علَّمكم نبيُّكم -صلى الله عليه وسلم- كلَّ شيء حتى الخراءة! فقال: أجل .. وذكر الحديث([76]).

١٣-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ النبيَّ كانَ إذا دخلَ الخَلاءَ، قال: «اللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائِثِ»([77])

[الخُبُثُ -بضمِّ الخَاء والبَاء-، وهو جمعُ خَبيثٍ، والخبائثُ: جمعُ خَبيثةٍ، استعاذَ من ذُكْرانِ الشَّياطينِ وإناثِهم] ([78]).

الشرح:

اشتمل هذا الحديث على شي من هديه -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد دخول الخلاء.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- استحباب الاستعاذة من الخبث والخبائث عند دخول الخلاء، والخُبُث: جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة، والمراد: ذكران الشياطين وإناثهم([79]).

٢- أن الشياطين منهم: ذكورٌ، وإناث.

٣- فيه شاهدٌ لقوله تعالى : {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6].

٤- أن الرسول بشر تكون له حاجة الإنسان.

٥- أن ذكر الله والاستعاذة: سببٌ لحماية العبد من عبث الشياطين وعدوانهم.

6- أن الأماكن الخبيثة تأوي إليها الأرواح الخبيثة، والضدُّ بالضدِّ، فالأرواح الطيبة تأوي إلى الأماكن الطبية، وكذلك أجناسُ الناس: الخبيثُ للخبيث والطيِّبُ للطيِّبِ؛ كما في سورة النور([80]).

١٤- عن أبي أَيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم «إذا أتيتُم الغَائِطَ: فلا تستقبِلُوا القِبلةَ بغائطٍ ولا بولٍ، ولا تستدبِرُوها، ولكن شَرِّقوا أو غَرِّبوا».

قال أبو أيوب: فقدمنا الشامَ، فوجدنا مراحيضَ قد بُنيت نحو([81]) الكعبة([82])، فنَنْحَرِفُ عنها، ونستغفرُ الله عز وجل([83]).

الغائِطُ: الموضع المطمئن من الأرضِ([84])، كانوا يَنْتَاُبونه للحاجةِ فَكَنَّوا بهِ عَنْ نَفْسِ الحَدَثِ؛ كَرَاهيةً لذكْرِه بخاص اسمه.

والمراحيض:جَمْعُ مرحاض، وهو المُغْتَسَلُ([85])، وهو أيضًا كِنَايةٌ عَن مَوْضعِ التَّخلي.

١٥-عن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: «رَقِيتُ يومًا على بيتِ حفصةَ، فرأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجتَه: مُستقبِلَ الشَّامِ، مستدبرَ الكعبةِ»([86])

وفي رواية: «مستقبلاً بيت المقدس»([87])

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة، وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب كثيرة([88]) وأرجحها قولان:

أحدهما: تحريم الاستقبال والاستدبار مطلقًا، في الصحراء أو البنيان؛ لحديث أبي أيوب، وهو قول الظاهرية([89]) وجماعة من المحققين([90]). 

والثاني: جواز ذلك في البنيان دون الصحراء، وهو قول الجمهور([91])؛ لحديث ابن عمر، وجمعوا بذلك بين الحديثين.

وأجاب الأوَّلون عن حديث ابن عمر: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك لبيان الجواز؛ لأنه لم يكن يراه أحد، وإنما وقع بصر ابن عمر عليه من غير تعمد لذلك.

والقول الأول أظهر؛ لحديث أبي أيوب، وهو صحيح صريح بالنهي عن الاستقبال والاستدبار مطلقًا، وتقدم الجواب عن حديث ابن عمر.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- النهي عن استقبال القبلة واستدبارها بغائط أو بول، والأصل في النهي: التحريم.

٢- أن قبلة المدينة إلى الجنوب؛ لقوله: «شرِّقوا أو غرِّبوا»، والتشريق: التوجه إلى الشرق، والتغريب: التوجه إلى الغرب، وهذا حكم كل من كان على سمت المدينة، أما من كانت قِبلتهم شرقًا أو غربًا فينحرف عن القبلة: شمالًا أو جنوبًا.

٣- أن من بُلي بمقاعد إلى جهة القبلة؛ فإنه ينحرف عن القبلة بحسب الاستطاعة، ويستغفر الله عما عجز عنه؛ لقول أبي أيوب: «فننحرف عنها ونستغفر الله».

٤- أن الناس في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتخذوا الكُنُفَ([92]) في البيوت، ولو كان ذلك لما وقع نظر ابن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم.

٥- أن أبا أيوب يرى أن النهي على إطلاقه؛ فلا فرق عنده بين الصحراء والبنيان.

6- فضل جهة القبلة على سائر الجهات.

١٦- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ الْخَلاءَ, فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ» ([93]).

العَنَزَة: الحَرْبَةُ [الصَّغيِرة] ([94]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في جواز الاستنجاء بالماء، وأنه لا كراهة فيه.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- فضيلة أنس رضي الله عنه بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم.

٢- جواز استخدام الأحرار برضاهم.

٣-أن من هديه -صلى الله عليه وسلم-: الاستنجاء بالماء أحيانًا.

٤-أن من هديه -صلى الله عليه وسلم-: استصحاب العَنَزة -وهي حربة صغيرة- لأغراض مختلفة، منها: اتخاذها سترة في الصلاة([95])

٥- التشرُّف بخدمة الأفاضل؛ فكيف بخدمة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم!.

٦-مشروعية تطهير البدن من النجاسة، وكذا الثياب؛ لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}[المدثر:4] على أحد التفسيرين([96]).

١٧-عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْحَارِثِ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ، وَلا يَتَمَسَّحْ مِنْ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ، وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ»([97])

الشرح:

هذا الحديث تضمن ثلاثة آداب كلها منهيات، الأول والثاني: من آداب قضاء الحاجة، ومن أجلهما ذكر الحديث في الباب، والثالث: من آداب الشراب، والظاهر أن الذي جمعها في سياق واحد: أبو قتادة؛ لأنه لا تناسب بينها، فيبعد أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي جمع بينها.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- تحريم إمساك الذَّكَرِ باليمين حال البول([98]). 

٢- تحريم الاستنجاء باليمين؛ سواءً  كان بالماء أو الأحجار.

٣- فضل اليد اليمنى على اليسرى.

٤- أن من التيمُّنِ ما يحرم.

٥- تخصيص أو تفسير قوله في حديث عائشة -رضي الله عنها- : «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعجبُهُ التيمُّنُ في شأنه كلِّه»([99]).

٦- أن من آداب الشراب: اجتناب التنفس في الإناء؛ وذلك بإبعاد إناء الشراب عند التنفس.

٧- كمال هذا الدين باشتماله على كل الآداب حتى آداب التخلي.

8- صيانة الشراب عما يقذره.

١٨- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا- قالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقَبْرَيْنِ، فقالَ: «إِنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذبَانِ في كبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُما، فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ([100])، وأَمَّا الآخَرُ، فَكَانَ يَمْشِي بالنَّميمَةِ». فأخذَ جَريدَةً([101]) رَطْبَةَ، فَشَقَّها نِصْفَين، فَغَرَزَ([102]) في كُلِّ قبرٍ واحِدَةً، فَقالوا: يا رسولَ الله لِمَ فعلتَ هذا؟ قالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُما مَا لَمْ يَيْبَسَا([103])»([104])  

الشرح:

تضمَّن هذا الحديثُ قصةَ صاحبي القبرين، والكشفَ عن تعذيبِهما للنبي صلى الله عليه وسلم، وما فعلَهُ -صلى الله عليه وسلم- لتخفيف العذاب عنهما.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- إثبات عذاب القبر([105]).

٢- أن عذاب القبر قد يُكشف للنبيِّ أو غيره([106]).

٣- تحريم النميمة وأنها من أسباب عذاب القبر.

٤- وجوبُ التنزُّهِ من البول.

٥- نجاسة بول الآدمي فيجب التنزُّهُ منه، ويشهد لهذا الحديث: حديثُ بولِ الأعرابيِّ في المسجد([107] وأيضاً حديث: «اِسْتَنْزِهُوا مِنْ اَلْبَوْلِ, فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ اَلْقَبْرِ مِنْهُ»([108] والمراد بالبول: بول الآدمي كما جاء في رواية: «لاَ يَسْتَتِرُ مِن بولِهِ»([109]).    

٦-أن النميمة وعدم التنزُّه من البول من كبائر الذنوب([110] وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «وما يُعذَّبان في كبير» فمعناه: أنه لا يشق الاحتراز منهما([111] وفي رواية: «بلى؛ إنَّه لكبير»([112] أي: ذنب من كبائر الذنوب.

٧-فيه عَلَمٌ من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم؛ وذلك من وجهين:

١- الكشف للنبي صلى الله عليه وسلم عن حالِ صاحبي القبرين وعملِهَما.

٢- شقُّ الجريدة نصفين ووضعُ كلِّ نصفٍ على قبرٍ لتخفيف العذاب.

والصواب أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام([113])، فليس لأحد أن يغرز جريدةً أو يغرس شجرةً على قبرٍ زاعمًا أنه يخفف العذاب([114])! ثم يُقال لمن فعل ذلك: هل كُشف لك أن هذا الميت يُعذَّب أو هو سوء ظن به! وما يدريك لعله ممن ينعم في قبره؟!

 باب السِّواك

السِّواك: أصله اسم مصدر من تسوَّك أو استاك، ومعناه: التسوُّك، وهو دلك الأسنان واللثَّة بعود ونحوه لتطهير الفم([115] أي: تنظيفه، وفي الحديث : «السِّواكُ مَطْهَرةٌ للفمِ مَرْضاةٌ للربِّ»([116])، ويطلق السواك على العود الذي يُستاك به، والمقصود من هذا الباب: بيان حكم السواك وفضله.

١٩ - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي؛ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ» ([117]

الشرح:

هذا الحديث من الأدلة على فضلِ السِّواك وتأكُّدِهِ عند الصلاة.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- رأفة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمته.

٢- تَرْكُهُ -صلى الله عليه وسلم- بعض ما يُحِبُّ الأمرَ به؛ شفقةً على أمته.

٣- أن الأصل في الأمر: الوجوب.

٤- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالسِّواك أمرَ وجوب.

٥-أن المانع له من الأمر: خوف المشقة.

٦- تأكد استحباب السواك عند كل صلاة، والسواك في الحديث بمعنى: التسوُّك.

٢٠ - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ([118])

* يَشُوصُ: مَعْنَاهُ يَغْسِل، يقال: شَاصَه يَشُوصُهُ، ومَاصَه يَمُوُصُه: إذا غَسَلَه([119]).

الشرح:

تضمَّن هذا الحديثُ شيئًا من هديه صلى الله عليه وسلم في السواك، والمراد بالسواك: نفسُ العود الذي يُتسوَّك به([120] ومعنى يشوص فاه: يغسل فاه كما قال المؤلف.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- فضلُ السِّواك([121]).

٢- تأكُّدُ السِّواكِ على مَن قام مِن الليل.

٣- أن حذيفة من خواص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب السِّر الذي سمَّى له النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-  المنافقين([122])، وكان يبيت عنده -صلى الله عليه وسلم- في بعض الليالي.

٢١- عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إلَى صَدْرِي, وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ؛ فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَضَمْتُهُ, فَطَيَّبْتُهُ([123]), ثُمَّ رفَعْتُهُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَنَّ اسْتِنَانًا([124]) أَحْسَنَ مِنْهُ, فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: رَفَعَ يَدَهُ - أَوْ إصْبَعَهُ - ثُمَّ قَالَ: « فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى »- ثَلاثاً - ثُمَّ قَضَى. وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي([125]).

*وَفِي لَفْظٍ: «فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ, وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ؛ فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ: أَنْ نَعَمْ».

*هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ([126])، وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ([127]).

الشرح:

هذا الحديثُ تضمَّن قصةَ استياكِهِ -صلى الله عليه وسلم- عند وفاته، والقصةُ مفصَّلةٌ في هذا السياق المذكور، وقد اشتمل سياقُ القصة على ألفاظٍ تحتاجُ إلى تفسير، وإليك هذه الألفاظ:

(سواك رطبٌ) والمراد به: العود الذي يُستاك به، ورطبٌ أي: جديد طري .

(أبَّدَهُ رسولُ الله بصرَهُ) ([128]) أي: نظر إلى السواك في يد عبد الرحمن؛ كما في الرواية الثانية.   

قولها: (حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي) الحاقنة: قيل: أسفل البطن، وقيل: غير ذلك([129]). 

والذاقنة: ثغرة النحر، وهي مابين التُّرْقوتين في أعلى الصدر([130]).

وقولها: (فما رأيته اسْتَنَّ اسْتِنَانًا) أي : دلك أسنانه بالسواك.

وقولها: (قضمتُه وطيبَّتُه) يعني: قطعتُ طرفَهُ المستعملَ وهيَّأتُهُ له صلى الله عليه وسلم، ليس المراد أن جعلت فيه طيبًا.

وقولها :(ثم قضى) أي : مات.

 وفي الحديث فوائد، منها:

١- فضل السواك.

٢- محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- للسواك.

٣- استياكُهُ -صلى الله عليه وسلم- وهو في سياق الموت قبل أن تفيض روحه الشريفة .

٤- جواز التسوك بسواك الغير.

٥- خدمة المرأة لزوجها.

٦- جوازُ دخولِ الصهر على خَتَنِه([131]) وعنده زوجته.

٧- محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-لها.

٨- موته -صلى الله عليه وسلم- وهو مستندٌ إلى صدرها.

٩- فرحها بذلك.

10- جواز العمل بالإشارة.

١1- التلطف بالمريض، وفعل ما هو الأرفق به كإسناده.

١2- فيه فضيلة لعائشة، وذلك من وجوه:

أ- محبة النبي صلى الله عليه وسلم لها.

ب- موته صلى الله عليه وسلم في بيتها وفي يومها، وهي مسندتُهُ إلى صدرها.

ج- خدمتها له صلى الله عليه وسلم وتمرضيها إيِّاه.

١3- جواز الإشارة إلى الله في العلو.

١4- أن إظهار الرغبة في الشيء ليس من السؤال المذموم؛ لاسيما في الأمر اليسير.

١5- فضيلة عبد الرحمن بن أبي بكر.

١6- الاستئذان في التصرف للغير.

١7- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشرٌ تجري عليه الأحكام البشرية؛ كالمرض والموت، وهذا شأن الرسل كلهم -صلى الله عليهم وسلم-: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران:144].

٢٢ - عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَسْتَاكُ بِسِوَاكٍ([132]) رَطْبٍ([133]), قَالَ: وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ([134]), وَهُوَ([135]) يَقُولُ: « أُعْ أُعْ » وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ,كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ([136]).

الشرح:

تضمَّن هذا الحديثُ شيئًا من هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- في صفة السواك.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- فضل السواك.

٢- محبَّةُ النبي -صلى الله عليه وسلم- للاستياك وإكثارُهُ منه.

٣- المبالغة في السواك من غير ضرر.

وقوله: « أُعْ أُع » حكاية صوت من يريد التقيُّؤ([137]).

وقوله: «يتهوَّع» أي:يتقيأ([138]).

٤- استحباب السواك الرطب.

٥- التسوك بالسواك على اللسان.

٦- جواز التسوك بحضرة بعض الناس.


 بابُ المسحِ على الخُفَّيْن

أي: هذا بابُ بيان حكم المسح على الخفين في الوضوء وما يُشترط له، وذكرُ الدليل من السُّنَّةِ على ذلك، وهو رخصةٌ لمن كان لابسًا الخفين على طهارة.

وقد دل على جوازه: سنَّةُ النبي -صلى الله عليه وسلم- المتواترة تواترًا معنويًا من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم([139] واستدل له بعضُ العلماء من القرآن: بقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6]. على قراءة جر «أرجلكم »([140])

وذهب جمهور أهل السنة إلى جواز المسح على الخفين([141]) وخالف فيه من الطوائف: الخوارج، والرافضة، فمَن كَرِهَ المسح على الخفين وآثرَ خلعَهُما ليغسل رجليه = فقد أشبه مَن أنكرَهُ من المبتدعة.

وعلى هذا: فمَن كان لابسًا للخفين فالأفضل له أن يمسح عليهما([142]) فالمسح في هذه الحال أفضل من الغسل.

٢٣ - عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ, فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ, فَقَالَ: «دَعْهُمَا, فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا([143]).

٢٤ - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضيَ اللهُ عنهما قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم – قال: فَبَالَ, فتَوَضَّأَ, وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.

مختصرٌ([144]).

الشرح:

هذان الحديثان هما أصحُّ ما ورد في المسح على الخفين، وحديثُ المغيرة أشهرُهُما وأصحُّهُما، وهما من السُّنَّةِ الفعلية، وجاء في غير الصحيحين: الأمرُ بالمسح على الخفين([145]) وتوقيت المسح بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر([146]).

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- جواز المسح على الخفين في الوضوء.

٢- أنه يشترط لجواز المسح: لبسُ الخفين على طهارة.

٣- جواز المسح سفرًا وحضرًا؛ لأن حديث المغيرة كان في سفر، وحديث حذيفة كان في حضر.

٤- فضيلة المغيرة وحذيفة رضي الله عنهما؛ لخدمتهما النبي صلى الله عليه وسلم.

٥- جواز استخدام الأحرار برضاهم.

٦- أن المسح على الخفين أفضل لِلابس الخفين.

٧- حُسن تعليمه صلى الله عليه وسلم؛ لبيانه الحكم مع علته.

٨- جوازُ معاونة المتوضئ، واستحبابُها إذا احتاج.

٩- الإشارة إلى الحكمة في عدم نزع الخفين، وهي مشقة نزعهما؛ لقوله: «فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ».

10- الرد على الخوارج والرافضة.

11- أن المسح يكون على أعلى الخف؛ لقوله: «فمسح عليهما».

12- قوله: «طاهرتين» حال من القدمين؛ فاستنبط بعضهم من هذا: أنه لو غسل رجله اليمنى ثم لبس، ثم غسل الأخرى ولبس = لم يجز المسح عليهما حتى يخلع خف اليمنى ثم يلبسها؛ لأنه عند إدخال اليمنى لم تكن قدماه طاهرتين([147])، وهذا الاستنباط ضعيف. 

 بابٌ في المذي وغيرِهِ

أي: هذا باب بيان حكم المذي وغيره: كالبول، والشك في الحدث، وسنن الفطرة.

والمذي: بتخفيف الياء وتشديدها([148]) من مَذَى يَمذِي([149]) وأمذى يُمذِي([150]): هو ماء رقيق يخرج من الرجل عند تحرك الشهوة بسبب تفكير أو مداعبة([151])، ويخرج بلا لذة، بخلاف المني؛ فإنه ماء غليظ يخرج دفقاً بلذة([152])، والمذي يوجب الوضوء كما سيأتي في الحديث، والمني يوجب الغسل.

٢٥ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً, فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- لِمَكَانِ ابْنَتِهِ مِنِّي([153]), فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ, وَيَتَوَضَّأُ»([154]).

* وَلِلْبُخَارِيِّ: «اغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَتَوَضَّأْ»([155]).

* وَلِمُسْلِمٍ: «تَوَضَّأْ، وَانْضَحْ فَرْجَكَ»([156]).

الشرح:  

هذا الحديث هو الأصل في حكم المذي، وجميع رواياته فيها: الأمر بالوضوء، وفي بعضها: الأمر بغسل الفرج([157]) أو غسل الذكر([158]) أو نضح الفرج([159] ومعناها: متقارب، وواو العطف في هذه الروايات لا تقتضي الترتيب، والحكم: أن غسل الفرج أو نضح الفرج قبل الوضوء.

ومعنى: مذَّاءً، أي: كثير الإمذاء.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- فضيلة علي رضي الله عنه؛ لقرابته من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولمصاهرته النبي -صلى الله عليه وسلم- على فُضلى بناته صلى الله عليه وسلم؛ ولحسن أدبه مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله: «فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ».

٢- ذكر سبب استحياه -رضي الله عنه- في قوله: «لِمَكَانِ ابْنَتِهِ مِنِّي» ومعنى لمكان ابنته مني: أي أن ابنته زوجتي، وسبب الاستحياء: أن السؤال يتعلق بما يكون بين الرجل وامرأته.

٣- مشروعية السؤال عما أشكل من مسائل الدين.

٤- جواز التوكيل في السؤال.

5- أنه لا حرج على من استحيا، ولم يباشر السؤال.

٥- أن المذي يجب منه الوضوء. 

٦- أنه لا يجب الغُسل من المذي.

٧- أن المذي نجس لكن نجاسته مخففة؛ ولذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بالنضح، والنضح: نوع من الغسل خفيف([160] ولذا جاء الأمر بتطهيره بلفظ: الغسل، ولفظ: النضح، كما في الروايتين: «اغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَتَوَضَّأْ»،  «تَوَضَّأْ، وَانْضَحْ فَرْجَكَ».

وأما ما أصاب الثوب منه: فيكفي فيه الرش؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سهل بن حنيف:

« يكفيك بأن تأخذ كفًا من ماء، فتنضح بها من ثوبك، حيث ترى أنه أصابه »([161]).   

٨- قبول خبر الواحد على تقدير أن المقداد سأل وعلي غير حاضر، أما إذا قُدِّر أنه حاضر وقت السؤال فهو وإن لم يسأل بنفسه فقد سمع الجواب بنفسه من النبي صلى الله عليه وسلم.

٩- أن الاستحياء إذا لم يمنع من أمرٍ مطلوب شرعًا: فليس بمذموم.

١٠- حسن الأدب بترك المواجهة بما يُستحيا من ذكره.

٢٦ - عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ([162]) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيِّ - رضي الله عنه – قَالَ: شُكِيَ([163]) إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ؟ قَالَ: «لا يَنْصَرِفُ([164]) حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا, أَوْ يَجِدَ رِيحًا»([165]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في اطراح الشك والبناء على اليقين.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- أن الشك في الحدث: لا يبطل الطهارة المتيقنة.

٢- أن الشك في الحدث حال الصلاة: لا يبطلها.

٣- أن الحدث المتيقن: يبطل الطهارة؛ فتبطل الصلاة.

٤- أن الحدث هو ما قاله أبو هريرة : «قيل ما الحدث؟ قال: فُسَاء أو ضُرَاط»([166]).

٥- الكناية عن ذلك بالصوت والريح.

٦- أن من شك في الحدث في الصلاة: لا يجوز له أن يقطع صلاته وينصرف.

٧- أن من تيقن الحدث في الصلاة: وجب عليه أن ينصرف ويتوضأ.

٨-أن يقين الحدث يحصل بسماع الصوت والريح، وهذا خرج مخرج الغالب، ومناط الحكم هو اليقين بأي طريقٍ حصل، وفي حكم الصوت والريح: كلُّ ما يحصلُ به اليقين.

٩- الدلالة على قاعدة: أن الشك لا يرفع اليقين([167])؛ وذلك في جميع الأحكام من العبادات والمعاملات، ومما يدخل تحت هذه القاعدة: استصحاب البراءة الأصلية إذا شك في الناقل عنها.

١٠- أن الشك في الحدث يؤدي إلى القلق لاسيما إذا كثر؛ لقوله في الحديث : «شُكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلى آخر الحديث».  

١١- أن الشريعة مبنية على اليسر ورفع الحرج.

12- أن التخيل وكثرة الشكوك من الشيطان؛ كما جاء التصريح به في بعض الروايات([168]).

٢٧ - عَنْ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مِحْصَنٍ الأَسَدِيَّةِ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ, لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَجْلَسَهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فِي حِجْرِهِ, فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ, فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ ([169]), وَلَمْ يَغْسِلْهُ([170]).

٢٨ - وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- قالت: أُتي رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بِصَبِيٍّ, فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ, فَدَعَا بِمَاءٍ, فَأَتْبَعَهُ إيَّاهُ([171]).

*وَلِمُسْلِمٍ: فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ, وَلَمْ يَغْسِلْهُ([172]).

الشرح:

هذان الحديثان أصلٌ في حكم بول الصبي.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- أن من عادة الصحابة: أن يأتوا بأولادهم أوَّل ما يُولدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لِيُحنّكَهُم ويبُرِّك عليهم([173]).

٢- تواضعه صلى الله عليه وسلم؛ لوضعه الصبي على حجره حتى بال عليه.

٣- أن بول الصبي الذي لم يأكل الطعام: نجس.

٤- أن نجاسته مخففة.

٥- أنه يكفي في تطهيره: النضح، وهو رشُّهُ بالماء.

٦- اختصاص هذا الحكم بالصبي الذكر دون الأنثى؛ ولهذا جاء في السُّنَّةِ: الفرقُ بين بول الجارية وبول الغلام([174]).

٧- حكمة الشريعة؛ للفرق في الحكم بين المختلفات، وقد اختلف العلماء في حكم بول الجارية والغلام([175]):

-فقيل: يُنضحان.

-وقيل: يُغسلان.

-وقيل: يُغسل من بول الجارية ويُرشُّ من بول الغلام([176])، وهذا هو الصحيح؛ لحديث أم قيس وشواهده من السنة([177]).

واختلف القائلون بالفرق بين بول الجارية وبول الغلام: اختلفوا في حكمة ذلك، فقيل: إنه يكثر التعرض للإصابة ببول الغلام دون الجارية؛ لأن بول الصبي ينتشر دون الأنثى لاختلاف آلتهما، وقيل: لاختلاف طبيعتهما، وبول الأنثى أخبث، وقيل غير ذلك.

٢٩ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ, فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ, فَزَجَرَهُ النَّاسُ, فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ, فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ([178]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في كيفية تطهير النجاسة على الأرض، و«الأعرابي» هو البدوي، وهو الذي يسكن الصحراء، و« طائفة المسجد» جانبه، و« الذَّنوب» هو الدلو العظيمة، «فأُهريق» أي: صب.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- نجاسة بول الآدمي، وهو إجماعٌ([179]).

٢- أن تطهير البول على الأرض ونحوه بمكاثرته بالماء.

٣- وجوب صيانة المسجد عن الأقذار.

٤- أن ذلك مستقرٌ عند الصحابة.

٥- الرفق في إنكار المنكر.

٦- حُسْنُ خُلُقِهِ صلى الله عليه وسلم، وحُسْنُ تعليمِهِ.

٧-احتمال أدنى المفسدتين بدفع أعلاهما، وهذه قاعدة تجب مراعاتها في جميع أبواب الأحكام وغيرها([180]).

٨- أن الجهل والجفاء يوقعان في الحرج ومخالفة الشرع.

٩- أن إنكار المنكر إذا أفضى إلى زيادة المفسدة: صار منكرًا([181]).

١٠- أن البول لا يُطلب فيه البُعد عن الناس، فالمنكر هو البول في المسجد لا البول قريبًا من الناس.

١١- أن أرض مسجده -صلى الله عليه وسلم- كانت ترابًا.

١٢- استُدِلَّ به على أن الماء القليل لا ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة([182])؛ لأنه لو تنجَّس لكان صبُّ الماء على البول تكثيرًا للنجاسة.

١٣- العذر بالجهل والرفق بالجاهل.

14- أن الغضب لله وإنكار المنكر لابد أن يضبط بضابط الشرع.

٣٠ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ, وَالاسْتِحْدَادُ, وَقَصُّ الشَّارِبِ, وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ, وَنَتْفُ الإِبِطِ»([183]).

الشرح:

هذا الحديثُ تضمَّن سُنَنَ الفطرة أو خصال الفطرة، والفطرة: هي الخلقة وما جُبل عليه الإنسان: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30].

قوله: «الفطرة خمس» معناها: الخصال التي تقتضيها الفطرة: خمسٌ.  

و«الختان» قطع القلفة التي على رأس ذَكَرِ الصبي، ومن المرأة: قطع اللحمة التي كعرف الديك في فرجها([184] ويُقال لختان الأنثى: خِفاض([185] ويطلق: اسم الختان على موضع القطع؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم- : «إذا التقى الختانان وجب الغسل»([186])

و«الاستحداد» إزالة شعر العانة بالحديد، وهو الموسى.  

وفي الحديث فوائد، منها:

١- أن الفطرة السوية تقتضي الأخلاق الكريمة والأفعال الحسنة.

٢- مشروعية الختان، وجمهور العلماء: أنه واجب في حق الذكر ومستحب في حق الأنثى([187]).

٣- مشروعية الاستحداد.

٤- مشروعية قص الشارب.

٥- مشروعية نتف الإبط.

٦- مشروعية تقليم الأظفار.

٧- وقد وقَّت النبي -صلى الله عليه وسلم- بإزالة هذه الشعور: ألا يتجاوز بها أربعين يومًا؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: « وُقِّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة: أن لا نترُكَ أكثر من أربعين ليلة»([188]).

٨- وروى مسلم أيضًا عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «عشر من الفطرة .. » وذكر فيها الخصال المتقدمة وزاد: «إعفاء اللحية، وغسل البراجم([189])، وانتقاص الماء([190])، والسواك، والاستنشاق»([191]).    

9- أن من مقاصد الشريعة: النظافة وحسن الهيئة.


 بابُ الجنابة

أي: هذا بابُ بيان أحكام الجنابة: من الغُسل وصفته وحكم الجنب، والجنابة حالة تمنع من قربان الصلاة وقربان المسجد، ولها سببان: الجماع أو الإنزال، قيل: سُمِّيت جنابة من البُعد ويقال لمن أصابته الجنابة: جُنُبٌ، ويستوي فيه: الواحد والجماعة، والمذكَّر والمؤنث، كلٌّ يقال له: جُنُب([192]).

٣١ - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَهُ في بَعْضِ طُرِقِ المَدِينَةِ، وهو جُنُبٌ، قالَ: فانْخَنَسْتُ مِنْه، فَذَهَبْتُ، فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ، فقالَ: «أينَ كُنْتَ يا أَبا هُرَيْرَةَ؟» قال: كُنْتُ جُنُبًا، فكَرِهْتُ أَن أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، قَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ! إنَّ المُؤمِنَ لا يَنْجُسُ» ([193]).

الشرح:

مقصود هذا الحديث أن بدن المؤمن لا ينجس بالجنابة، وقد جاء معناه من حديث حذيفة رضي الله عنه([194]).

 وفي الحديث فوائد، منها:

١- فضيلةُ أبي هريرة؛ لإكرامه النبي صلى الله عليه وسلم، وحُسْنِ أدبه، وكثرةِ مجالسته النبي -صلى الله عليه وسلم-.

٢- أن الغسل يرفع الجنابة.

٣- أن المتطهِّر من الحدث أكمل حالًا من المُحدِث.

٤- حُسْنُ خُلُقِهِ صلى الله عليه وسلم.

٥- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد يمشي في الطريق وحده؛ وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم.

٦- جوازُ الانسلالِ من الصاحب للحاجة دون استئذانه، ويستحب أن يستأذن.

٧- التسبيح عند التعجب.

٨- جواز مجالسة الجنب.

٩- أن المؤمن لا ينجس؛ حيًا ولاميتًا.

١٠- أن الكافر نجس، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28]. والمراد بنجاسة المشرك: نجاسة الاعتقاد والعمل([195]).

١١-طهارة عرق الجنب.

١٢- جواز تأخير الاغتسال.

٣٢ - وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ: غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدَيْهِ([196]) شَعْرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَّنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ؛ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ([197]).

٣٣ - وقالت: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، نَغْتَرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا([198])

٣٤ – وعن ميمونة بنت الحارث زوج النبي- صلى الله عليه وسلم - قالت: وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءَ الْجَنَابَةِ([199]): فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ([200]) مَرَّتَيْنِ - أَوْ ثَلاثاً - ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، أَوْ الْحَائِطِ، مَرَّتَيْنِ - أَوْ ثَلاثاً - ثُمَّ تَمَضْمَضَ([201]) وَاسْتَنْشَقَ, وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ, ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ, ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ، ثُمَّ تَنَحَّى، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ,([202]) فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْهَا, فَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ([203]).

الشرح:

هذان الحديثان تضمَّنا صفة الغسل من الجنابة.

وفيهما فوائد، منها:

١- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تصيبه الجنابة؛ فيغتسل منها.

٢- أن الغسل الكامل: هو الغسل المذكور حسب التفصيل المذكور في الحديثين، وأما الغسل المجزئ: فهو غسل جميع البدن من غير مراعاة للترتيب أو فعل السنن.

٣- استحباب غسل اليدين؛ أي: الكفين في أول الغُسل قبل كل شي.

٤- البداءة بغسل الفرج.

٥- مشروعية الوضوء في أول الغسل كالوضوء للصلاة.

٦- تخليل شعر الرأس في أول الغسل من الجنابة ثم إفاضة الماء على الرأس وسائر البدن.

٧- وجوب غسل الرجلين إن كان قد أخَّر غسلهما.

٨- استحباب التنحِّي عن مكان الغُسل لغَسل الرجلين.

٩- جواز تنشيف الأعضاء بعد الغسل.

١٠- أن الأوْلى ترك التنشيف؛ لقولها: «ثم أتيتُهُ بالمنديل فردَّه» كما في رواية([204]).

١١- جواز أن يغتسل الرجل والمرأة جميعًا ومن إناء واحد.

١٢- أن اغتراف الجنب من الماء لا يصيِّرُهُ مستعملاً.

٣٥ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهما-، قَالَ([205]): يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ؛ إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ»([206]).

الشرح:

موضوع هذا الحديث: حكمُ نومِ الجُنُب.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- أن طريق العلم هو السؤال.

٢- جواز النوم للجنب.

٣- مشروعية الوضوء للجنب إذا أراد النوم، وهذا عند الجمهور على الاستحباب([207] وقال: بعضهم  بوجوب الوضوء([208]).

٤- أن الوضوء يخفِّفُ الجنابة.

٥- أن الأذن بالشيء يكون مطلقًا ومقيدًا؛ فيجب اعتبار القيد في الجواز.

٣٦ - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ  زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ  -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ, فهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ, إذَا رَأَتِ الْمَاءَ»([209]).

الشرح:

هذا الحديثُ أصلٌ في وجوب الغُسل بالإنزال.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- فضلُ أمِّ سُليم وهي أمُّ أنس بن مالك؛ لِحُسْنِ سؤالها عن أمرٍ يتعلق بالدِّين، وهو من شأن النساء كالرجال، ولها فضائل رضي الله عنها([210]).

٢- أنها لم يمنعها الحياءُ من السؤال عما يُستحى من ذكره.

٣-في قصة أم سليم: شاهدٌ لقول عائشة رضي الله عنها : « نِعْمَ النِّساءَ نساءُ الأنصار لم يكن يَمْنعهُنَّ الحياءُ أن يتفقَّهْنَّ في الدِّين»([211]).

٤-من حُسن السؤال: التمهيدُ له بما يكون عُذرًا للسائل.

٥- وجوب الغُسل بالاحتلام إذا كان معه إنزال.

٦- أن الاحتلام بلا إنزال لا يوجب الغُسل.

٧- أن المرأة تحتلم لكنها أقل من الرجل؛ ولهذا استغربت أمُّ سلمة سؤالَ أمِّ سُليم.

٨- حُسن تعليمه صلى الله عليه وسلم؛ حيث قرن الحكم بشرطه.

٩- أنَّ خَلْقَ الولد من الماء هو سببُ الشَّبَهِ بأبويْهِ.

10- أن الحياء من صفاته تعالى.

11- أن الله لا يستحي من قول الحق.

12- أن قول أم سُليم مأخوذ من قوله تعالى في سورة الأحزاب: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب:53].

13- جواز التصريح بما يُستحى من ذكره إذا كانت الغاية التفقُّه في الدين، أو بيان الحكم الشرعي ما لم يكن على مسمعٍ من السُّفهاء والفُسَّاق الذين يحبون الخوض فيما يتعلق بأمر النساء، ويتسلون بذلك، وهم عن التفقه في الدين بمعزل.

٣٧ -عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْت أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَخْرُجُ إلَى الصَّلاةِ, وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ([212]).

٣٨-وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرْكًا, فَيُصَلِّي فِيهِ([213]).

الشرح:

هذا الحديثُ أصلٌ في حكم المني.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- مشروعيةُ غَسلِ المني.

٢- أنه يجزئ فَرْكُهُ من الثوب أو حَكُّهُ إن كان يابسًا.

٣- أن المني طاهر، وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم([214])، وذهب آخرون إلى أنه نجس([215] ثم منهم من قال: إنه يجب غسله كسائر النجاسات، ومنهم من قال: يجب غسل الرطب منه ويجزئ فرك اليابس وحكه. والصواب: الأول؛ لأنه لم يرد الأمر بغسله، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب، والله أعلم.

٤- خدمة المرأة لزوجها.

٥- أن فضلات بدنه -صلى الله عليه وسلم- ليس له فيها خصوصية من حيث الطهارة والنجاسة؛ خلافًا لمن يزعم أن جميع فضلاته طاهرة.

٣٩ - عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم-: « إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَع، ثُمَّ جَهَدَها؛ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ»([216]).

* وفي لفظ: «وَإنَ لَمْ يُنْزِلْ»([217]).

الشرح:

هذا الحديثُ أصلٌ في وجوب الغسل بالجماع،

وقوله: «إذا جَلَسَ بين شُعَبِها .. إلى آخره» كناية عن الجماع، والضمير في قوله : «شُعَبِها» يعود إلى معلوم، وهي المرأة، وشعبها قيل: يداها ورجلاها([218])  

وقوله: «جَهَدَها» أي: بلغ منها الجهد وتمكَّن من بلوغ حاجته منها([219])، وفي هذه الحال يحتمل أن يُنْزِل وألَّا يُنْزِل، وقد كان الحكم أن الغُسل لا يجب إلا من الماء؛ كما في حديث أبي سعيد عند مسلم: «إنَّما الماءُ من الماء»([220] أي: ماء الغسل من الماء، أي: المني، فمن جامع ولم يُنْزِل فلا غسل عليه، ثم نسخ ذلك بحديث أبي هريرة المذكور في الباب، وفيه: «وإن لم يُنْزِل» كما عند مسلم، ويشهد له حديث: «إذا مسَّ الختانُ الختانَ»([221]) وفي لفظ: «جاوز الختانُ الختانَ؛ فقد وجب الغسل»([222]).   

وفي الحديث فوائد، منها:

١- وجوبُ الغُسلِ بأقلِّ قدرٍ من الجماع، وهو المعبَّرُ عنه في الحديث الآخر: «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل»([223]).

٢- النصُّ على عدم اشتراط الإنزال في هذه الحال.

٣- أن من الأدب في الكلام: الكنايةُ عما يُستحى من التصريح به.

٤- أن معنى الواجب في كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- موافق للواجب عند الأصوليين، وهو اللازم الذي لا تخيير فيه([224] ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» ([225]).

٥- أن الأحكام الشرعية، منها: ما له سبب من قبل العبد؛ كوجوب الغسل من الجنابة والكفارات والحدود، ومنها: ما ليس له سبب من قبل العبد؛ كوجوب الغسل من الحيض ووجوب الصلوات بدخول أوقاتها.

٤٠- عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ([226]) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ كَانَ -هُوَ وَأَبُوهُ- عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعِنْدَهُ قَوْمُهُ([227]), فَسَأَلُوهُ عَنْ الْغُسْلِ؟ فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِينِي, فَقَالَ جَابِرٌ: «كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْك شَعَرَاً, وَخَيْرٌ مِنْكَ»، يُرِيدُ النَّبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلم -([228])، ثُمَّ أَمَّنَا فِي ثَوْبٍ([229]).

* وَفِي لَفْظٍ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُفْرِغُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثًا([230]).

* الرجل الذي قال: «مَا يَكْفِينِي» هو: الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب([231] أبوه: ابن الحنفية([232]).

الشرح:

الحديثُ تضمَّنَ بيانَ مقدارِ ماءِ الغُسل: وهو صاع، ويشهد له حديث أنس -رضي الله عنه- في الصحيحين: «كان رسولُ يتوضَّأُ بالمُدِّ، ويغتسلُ بالصَّاِع إلى خمسةِ أَمداد»([233]).

وفي الحديث فوائد، منها:

١- أن من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-:  الاقتصادُ في ماء الغُسل والوضوء.

٢- أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يغتسل بالصاع.

٣- الردُّ على من قال: لا يكفيني الصاع!.

٤- جواز الصلاة في الثوب الواحد كالإزار إذا كان على العاتق منه شي.

٥- الاحتجاج بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

٦- الإغلاظ في الإنكار على من عاند السنة.


 بابُ التَّيَمُّمِ

أي: هذا بابُ ذكْرِ ما ورد من السُّنَّةِ في التَّيمُّمِ.

والتَّيمُّمُ لغةً: القصد؛ كما تقول: تيمَّمْتُ فلانًا أي: قصدتُّه؛ وتيمَّمْتُ بلدَ كذا أي: قصدتُّه([234])

وفي الاصطلاح: قصدُ الصَّعيدِ الطَّيَّبِ بضرْبِهِ بِاليَديْنِ ثم مَسْحُ الوجْهِ والكفَّيْنِ بنيَّةِ الطَّهَارة([235]). قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6]. والتَّيمُّمُ رخصةٌ لمن عَدِمَ الماء أو كان يتضرَّرُ باستعماله. 

 ٤١- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى رَجُلاً مُعْتَزِلاً لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ؛ فَقَالَ: «يَا فُلانُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلا مَاءَ، قَالَ: «عَلَيْك بِالصَّعِيدِ, فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ»([236]).

٤٢- عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ  فَأَجْنَبْتُ, فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ, فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ, كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ, ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرْتُ لَهُ, فَقَالَ: «إنَّمَا كان يَكْفِيَكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا» ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً, ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ, وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ([237]). 

الشرح:

تضمَّن هذان الحديثان مشروعية التيمم للجُنُبِ إذا عَدِمَ الماء.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- عذر الجاهل إذا ترك واجبًا. 

٢- أن مَن ترك واجبًا جهلًا بالحكم حتى خرج وقته: لا يُؤمر بالقضاء.

٣-أن الجاهل أعذر من الناسي، فمَن أخلَّ بشرطٍ من شروط الصلاة جاهلًا حتى خرج وقتها: فلا قضاء عليه؛ لحديث عمار، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر عمارًا  بالقضاء، وإن كان ناسيًا: فعليه القضاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن الصلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها»([238]).

٤- أن الصعيد يقوم مقام الماء عند عدمه.

٥- مشروعية التيمم من الجنابة.

٦- أن كيفية التيمم: ضربُ الأرض باليدين ثم مسحُ الوجه والكفين([239]).

٧- أن التيمم ضربةٌ واحدة([240]).

٨- أن الواجب في التيمم: مسحُ الوجه والكفين([241]).

٩- أن كيفية التيمم للحدث الأكبر والأصغر واحدة.

10- جواز الاجتهاد بالأحكام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

11- التثبت قبل الإنكار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران: «ما منعك أن تصلي في القوم!؟».

12- أن من المستقر عند الصحابة: أنه لا يرفع الجنابة إلا الماء حتى علموا برخصة التيمم.

13- جوازُ القياس في الأحكام، ويبطلُ منه ما خالف النص([242]).

14- أن القول يُطلق على الفعل.

15- حُسْنُ تعليمِهِ صلَّى الله عليه وسلم.

16- أن التعليم يكون بالقول والفعل.

17- أن المجتهد يصيب ويخطئ؛ فإذا أخطأ فخطؤه مغفور([243])، وقد أخطأ عمار في الاجتهاد والقياس، فبيَّن له النبيُّ صلى الله عليه وسلم خطأه، وأرشده إلى الصواب، ولم ينكر عليه أصل الاجتهاد، ولم يأمره بإعادة الصلاة.

18- الإنكار على من تخلف عن صلاة الجماعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما منعك أن تصلي في القوم؟!».

٤٣- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْساً, لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ, وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ, وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنائمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلي, وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً, وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً»([244]). 

الشرح:

هذا الحديث اشتمل على خمس خصائص من خصائص النبي  صلى الله عليه وسلم، وكلهن فضائل له ولأمته، ومنها: أنْ جُعلت له الأرض مسجدًا وطهورًا، أي: مصلًّى ومُطهِّرًا،  وهذا هو الشاهد من الحديث للباب.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- فضلُ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء.

٢- أن لنبيِّنا خصائص لم تكن لغيره من الأنبياء، ومنها: هذه الخمس المذكورة.

٣- أن من نصر لله: إلقاء الرعب في قلوب الأعداء، قال تعالى: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}.

٤- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرهب العدوَّ من مسيرة شهرٍ ولأُمَّتِه نصيبٌ من ذلك.

٥- أن الأرض كلها تباح الصلاة فيها إلا ما خصه الدليل: كالمقبرة والحمام([245])، ومعاطن الإبل([246])، والمواضع النجسة.

٦-أن الأرض يُتطهَّر بالتيمم بكل أجزائها، وإلى هذا ذهب كثير من العلماء([247] وقال آخرون: لا يُتيمَّمُ إلا بالتراب([248])؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-  في حديث حذيفة رضي الله عنها: «وجُعِلتْ تربتُها لنا طَهُوراً»([249] وعن علي: «وجُعِلَ التُّرابُ لي طَهُوراً »([250]).     

٧- جواز التيمم إذا حضرت الصلاة في أول الوقت ولو ظن أنه يجد الماء في آخر الوقت.

٨- حل الغنائم للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولأمته، والغنائم: هي ما يأخذه  المسلمون من أموال الكفار بالقوة([251]).

٩- أن رسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- عامة لجميع الناس.

١٠- أن من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-: الشفاعة الكبرى، وهي المقام المحمود.

١١- فضل هذه الأمة على سائر الأمم.


 بابُ الحيض

هذا آخر أبواب الطهارة، والمقصود منه: ذكر ما جاء في السنة مما يتعلق بأحكام الحيض والحائض. والحيض في اللغة: السيلان، يقال: حاض الوادي إذا سال([252] وفي الاصطلاح: سيلان الدم من رحم المرأة على وجه معتاد([253]).

ويُطلق اسمُ الحيض على الدم؛ ولذا قال بعض الفقهاء: الحيضُ دمُ طبيعة وجبَّلة يخرج من قعر الرحم في أوقات معتادة([254])

وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على أن للحيض والحائض أحكامًا يجب العمل بها.

ويشبهُ دمَ الحيض: دمُ النفاس، وهو الذي سببه الولادة([255] ودمُ الاستحاضة: وهو الدم المطبق الذي ليس له وقت([256] والنفساء: حكمها حكم الحائض في أكثر الأحكام، والمستحاضة: حكمها حكم الطاهرات في أكثر الأحكام. 

٤٤- عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ: سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ, أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ فقَالَ: «لا، إنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ, وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا, ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي»([257]). 

*وَفِي رِوَايَةٍ: «وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ, فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاةَ, فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي»([258]).

٤٥- وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اُسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ, فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ([259]), فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ([260]).

الشرح: 

هذان الحديثان تضمَّنا حكم المستحاضة، والحديث الأول: أصلٌ في الفرق بين الحيض والاستحاضة في الطبيعة والحكم، فدم الحيض: يخرج من قعر الرحم، ودم الاستحاضة: من عرق في أدنى الرحم يقال له: العاذل، ومن الفرق في الحكم: أن الحيض يمنع من الصلاة، ودم الاستحاضة: لا يمنع من الصلاة. وفي الحديثين فوائد، منها:

١- أن من المستحاضات في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-: فاطمة بنت أبي حبيش وأم حبيبة، قيل: وكانت المستحاضات سبعًا([261]).

٢- أن الحائض تحرم عليها الصلاة. 

٣- أنه يجب على المستحاضة: أن تقعد عن الصلاة قدر الأيام التي كانت تحيض فيها قبل أن يصيبها ما أصابها.

٤- أن للحيض إقبالًا وإدبارًا، وإقبالُهُ: بجريان الدم، وإدبارُهُ: بانقطاعه.

٥- أن إقبال الحيضة في حق المستحاضة: يبدأ أيام العادة، وإدبارها: بانقضائها.

٦- وجوبُ الغسل على الحائض إذا انقطع دمها، أو انقضت مدة عادتها إذا كانت مستحاضة.

٧- وجوبُ غسل الدم بعد الطُّهر من الحيض.

٨- وجوبُ الصلاة على المستحاضة إذا انقضت مدة حيضها.

٩- أن مسائل الحيض والاستحاضة من مسائل الدِّين التي يجب على الأمة تعلُّمها، ولا تجوز الاستهانةُ بها.

١٠- مشروعية السؤال عما أشكل من أمور الدِّين.

١١- أن أهم ما يهمُّ المرأة المسلمة عند حيضها: أمرُ الصلاة؛ وهو الحامِلُ لهذه الصحابية على السؤال.

١٢- أن من المستقر عند المسلمات: أن الحائض لا تصلي.

١٣- حُسْنُ تعليمِهِ صلى الله عليه وسلم؛ إذ بيَّن للسائلة الفرق بين الحيض والاستحاضة: طبعًا وشرعًا.

١٤-أن المستحاضة التي كانت لها عادة: تعتبِرُ بعادتها في معرفة حيضها.

١٥- نجاسة دم الحيض.

16- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرها بالاغتسال، والمراد: غسلها من الحيض عند انقضاء حيضتها.

17- أن أم حبيبة كانت تغتسل لكل صلاة باجتهاد منها لا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم([262])، وإذا كان غسلها لكل صلاة هو مراد النبي -صلى الله عليه وسلم-: فأمْرُها بالغسل أمر استحباب([263]).

٤٦- وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ؛ كِلاَنا جُنُبٌ([264]). 

٤٧- فَكَان([265]) يَأْمُرُني، فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُني؛ وَأَنا حَائِضٌ([266]).

٤٨-  وكانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَيَّ؛ وهُوَ مُعْتكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ؛ وأنا حائِضٌ([267]).

٤٩- وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَّكِىءُ في حِجْرِي، فَيَقْرَأُ القُرْآنَ؛ وأَنا حَائِضٌ([268]).

الشرح:

تضمَّن هذان الحديثان شيئًا من هديه -صلى الله عليه وسلم- مع أهله؛ وذلك في ثلاثة أشياء: في غسله من الجنابة، وفي مباشرة الحائض، وفي ترجيل شعره وهو معتكف، كل ذلك مع عائشة رضي الله عنها.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تصيبه الجنابة، ويغتسل منها.

٢- مشروعية الغسل من الجنابة.

٣- جواز غسل الرجل مع امرأته، ومن إناء واحد.

٤- أن غمس الجنب يده في الماء: لا يصيِّره مستعمَلًا.

٥- جواز مباشرة الحائض، والأفضل: أن يكون فيما فوق الإزار.

٦- جواز التصريح بما يستحى من ذكره من أجل تبليغ العلم.

٧- مشروعية الاعتكاف.

٨- أن المعتكف لا يخرج من المسجد إلا لما لا بد منه.

٩- أنه يجوز للمعتكف أن يُخرِجَ بعضَ بدنه؛ كيده ورأسه.

١٠-أن يد الحائض طاهرة وكذا سائر بدنها إلا موضع النجاسة.

١١-أنه يجوز للمعتكف أن يرجِّل رأسه، وترجِّلَهُ امرأتُهُ وهي حائض، وكذا: التنظُّفُ، والتطيُّبُ، والحلْقُ إلا أن يؤدي إلى ما يحرم في المسجد.

١٢- فضل عائشة رضي الله عنها؛ لفقهها في الدِّين؛ وتبليغ العلم؛ وعلو منزلتها عند النبي صلى الله عليه وسلم، ومحبته لها صلى الله عليه وسلم.

١٣- خدمة المرأة لزوجها.

١٤- جوازُ مجالسة الحائض، وجوازُ قراءة القرآن في مجلسٍ مع الحائض، والقُربُ منها.

٥٠-وعَنْ مُعَاذَةَ([269]) -رضي الله عنها- قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقَلتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ, وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ([270]) أَنْتِ؟! قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ, وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ؛ فَنُؤَمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ, وَلا نُؤَمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ([271]).  

الشرح:

هذا الحديث من أدلة أن الحائض لا تصلي ولا تصوم، وهو إجماع قطعي([272] ومعاذة هذه: تابعية بصرية عدوية عابدة توفيت: سنة ثلاث وثمانين([273]).

وفي الحديث فوائد، منها:

١- أن الحائض لا تصلي ولا قضاء عليها، وهو إجماع([274]). 

٢- أن الحائض لا يجب عليها الصيام وعليها القضاء، وهو إجماع([275]).

٣- فيه شاهد لحديث أبي سعيد، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: « أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟»([276]).

٤- أنه لا حرج في السؤال عن حكمة الشرع على وجه الاسترشاد.

٥- أن المذموم هو سؤال التعنُّت، وهو شأن الحرورية الخوارج.

٦- أن التفريق بين الصلاة والصيام في القضاء: ليس تفريقًا بين المتماثلات؛ فلا يخالف العقل، فإن الصلاة تجب في جميع الشهور، فلو وجب القضاء على الحائض لكان فيه حرجٌ عليها بخلاف الصوم، فإنه في شهر واحد؛ فلا يشق قضاؤه.

٧- التثبُّتُ فيما يوجب تهمة؛ لقولها: « أحرورية أنت؟!».

٨- نفيُّ الإنسان التُّهمةَ عن نفسه ببيان مراده؛ لقولها: «لست بِحَرُورِيَّةٍ، ولكني أسأل».

٩- أن الأحكام مبناها على الأمر.

١٠- أن الواجب التسليم للأمر دون توقف على معرفة الحكمة.

 كتابُ الصَّلاة

أي: هذا كتابٌ تُذكر فيه أبوابُ العلم المتعلِّق بالصلاة وما يناسبُها مما جاء في السُّنَّةِ عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمقصودُ من الصلاة بالقصد الأول: الصلواتُ الخمس المفروضة التي كتبها اللهُ على عباده في كلِّ يوم وليلة، ثم ما يتبعُها من نوافل الصلوات من ذوات الأسباب وغيرها.

ومما يناسب ذكره هنا: أن الصلاة في اللغة: الدعاء([277] وفي الشرع: أقوالٌ وأفعالٌ تُفتتح بالتكبير وتُختم بالتسليم([278]).

بابُ المواقيت:

أي: هذا بابُ ذكْرِ مواقيتِ الصلاة، أي: الصلوات الخمس، والمواقيت: جمع ميقات، وهو الزمن المقدَّر لعملٍ من الأعمال، وقد يُطلق على المكان المحدود المعيَّن لعملٍ من الأعمال كمواقيت الحج المكانية([279]).  

ولكلِّ صلاةٍ من الصلوات الخمس: وقتٌ محدودُ الأوَّلِ والآخِر؛ فقد دل على مواقيت الصلاة: الكتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ في الجملة.

فمن الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103]. وقال تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78].

ومن السُّنَّةِ: ما ذكره المؤلِّفُ في هذا الباب.

٥١- عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ -وَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ إيَاسٍ([280])- قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَوْ اسْتَزَدْتُّهُ لَزَادَنِي([281]).

الشرح:

تضمَّن هذا الحديثُ تفضيلَ الأعمالِ الثلاثةِ المذكورةِ على غيرها من الأعمال والمفاضلةَ بينها([282])، ولا تعارض بين هذا الحديث والأحاديث الأُخر التي سُئل فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أفضل الأعمال؛ فأجاب بغير ما في هذا الحديث.

وأحسنُ ما قيل في الجمع بينها: أن الاختلاف في الجواب راجع إلى اختلاف أحوال السائلين([283]  والمعنى: أنه -صلى الله عليه وسلم- يجيبُ كلَّ أحد بما هو المناسبُ لحاله وأصلحُ له.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- فضل ابن مسعود رضي الله عنه.

٢- حرص الصحابة على العلم.

٣- اهتمامهم بفضائل الأعمال.

٤- أن الصلاة على وقتها: أفضلُ الأعمال مطلقًا بعد التوحيد والإيمان.

٥- فضلُ بِرِّ الوالدين وأنه أفضل الأعمال بعد الصلاة.

٦- تقديمُ حقِّ الله على حقوق العباد؛ يدلُّ له: تقديمُ الصلاة على بِرِّ الوالدين.

٧- تفضيلُ بِرِّ الوالدين على الجهاد، وبِرُّ الوالدين هو الإحسانُ إليهما بأنواع الإحسان: من الأعمال والأقوال، وترك الإساءة إليهما.

٨- أن الجهاد في سبيل الله: أفرضُ فروضِ الكفاية.

٩- اعتبارُ إذن الوالدين في الجهاد، والمراد بالجهاد في سبيل الله: قتالُ الكفار لإعلاء دين الله.

١٠- فيه شاهدٌ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «وذروةُ سنامِهِ([284]): الجهادُ في سبيل الله»([285]).

١١- أن الأعمال فيها فاضلٌ وأفضل.

١٢- إثباتُ المحبَّةِ لله. 

١٣-تفاضلُ الأعمال في محبة الله.

١٤- فيه شاهدٌ لقوله –سبحانه- في الحديث القدسي: «وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبّ إليَّ مما افترضتُّ عليه»([286]).

١٥- أن الدِّين يتضمَّنُ أداءَ حقوقِ الله وحقوقِ العباد، وتقديمَ حقِّ الخالق على حقِّ المخلوق.

١٦- أن لكلِّ صلاة وقتًا محدود الأوَّلِ والآخِر.

١٧- الترغيب في هذه الأعمال المذكورة.

٥٢- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي الْفَجْرَ, فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ, مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ([287]).

*المُرُوُطُ: أَكْسِيَةٌ مُعَلَّمَةٌ تَكُونُ منْ خَزٍّ، وتَكُونُ منْ صُوفٍ([288]).

*ومُتَلَفِّعاتٍ: مُتَلَحِّفاتٍ([289]).

*والغَلَسُ: اخْتِلاطُ ضِياءِ الصُبْحِ بِظُلْمَةِ اللَّيلِ([290]).

الشرح:

هذا الحديثُ أصلٌ في جواز حضور النساء صلاة الجماعة في المسجد، والشاهد منه لباب المواقيت: قوله: «مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَس» فإنه متعلق بوقت صلاة الفجر.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- أن سُنَّةَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلم-: التبكيرُ بصلاة الفجر؛ لكن بعد التحقق من طلوع الفجر، وإلى هذا: ذهب جمهورُ العلماء([291])، وهذا هو الصوابُ الذي دلت عليه سنَّةُ النَّبيِّ المستفيضة، خلافًا لمن قال: يُستحبُّ الإسفار([292])([293]). 

٢- أنه -صلى الله عليه وسلم- كان ينصرف من صلاة الصبح: بِغَلَس، وهو اختلاطُ ظلمة الليل بضياء النهار.

٣- أن النساء كُنَّ يشهدن صلاة الصبح مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.

٤- ذِكْرُ هيئتهِنَّ في اللباس؛ لقولها: «مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ» أي: ملتحِّفات بما يسترُ أبدانَهُنَّ ووجوهَهُنَّ، وأما قولها: «مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَس» فلا يصح الاستدلال به على أنَّهُنَّ كاشفاتٌ لوجوههِنَّ؛ لأن المعرفة للشخص لا تنحصر برؤية الوجه؛ فيُعرف الرجلُ -مقبِلًا أو مدبِرًا-: بهيئته، أو طوله، أو قصره. 

٥- جواز حضور النساء صلاة الجماعة في المسجد بشرطه، وهو اجتنابُ جميع دواعي الفتنة بهنَّ: من الطيب، وإظهار الزينة، وبإذن الزوج، وإذا كان هذا هو الواجب في الذهاب للعبادة؛ فالذهاب إلى السوق ونحوه: أولى بوجوب ذلك.

٥٣- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ: بِالْهَاجِرَةِ, وَالْعَصْرَ: وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ: إذَا وَجَبَتْ, وَالْعِشَاءَ: أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا([294]): إذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَؤوا أَخَّرَ, وَالصُّبْحُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ([295]).

الشرح:

هذا الحديث من أدلة مواقيت الصلاة بإجمال، أي: من غير تحديد لأول الوقت وآخره.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- التبكير بجميع الصلوات، إلا العشاء؛ فقد كان -صلى الله عليه وسلم-  يراعي حال الجماعة: إذا رآهم اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم تأخَّروا أخَّر، وإلا الظهر في شدة الحَرِّ، فإن السُّنَّةَ: تأخيرُها([296]).

٢- أن أول وقت الظهر: في الهاجرة، وهو وسط النهار([297] وأوَّلُهُ تحديدًا: زوالُ الشمس مائلةً إلى جهة المغرب([298]).

٣- أن وقت العصر: قبل اصفرار الشمس؛ أي: بيضاء نقية، وأوَّلُهُ تحديدًا: إذا صار ظلُّ الشيء مثلَه([299]).

٤- أن وقت المغرب: إذا وجبت الشمس؛ أي: سقطت في الأفق([300] والمراد: إذا غربت([301]).

٥-أن هديه -صلى الله عليه وسلم- في صلاة العشاء: أنه تارة يقدمها، وتارة يؤخرها، يراعي حال أصحابه، وأوَّلُ وقت العشاء على وجه التحديد: إذا غاب الشفق، والشفق: الحُمرة([302]).

6- أن هدي النبي –صلى الله عليه وسلم-: التبكيرُ بصلاة الفجر.

7- حُسْنُ خُلُقِهِ -صلى الله عليه وسلم- وشفقتُهُ ورأفتُهُ بالمؤمنين.

٥٤- عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ سَيَّارِ بْنِ سَلامَةَ([303]) قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي([304]) عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه-, فَقَالَ لَهُ أَبِي: كَيْفَ كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ - الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى -: حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ, وَيُصَلِّي الْعَصْرَ: ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنْ الْعِشَاءِ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا, وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ: حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلَ جَلِيسَهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ([305]).

الشرح:

هذا الحديثُ من أدلة مواقيت الصلاة، وقد دلَّ على وقت أربع صلوات تحديدًا أو تقريبًا.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- أن أبا المنهال وأباه: تابعيان؛ لقوله: «دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ» وأن الصحابة مرجع التابعين في العلم، وفيه: استصحابُ الرجل ولدَهُ إلى مجالس العلم.

٢-أن أول وقت الظهر: إذا دحضت الشمس، أي: زالت([306]).

٣- أن صلاة الظهر: تُسمَّى الصلاة الأُولى؛ لأنها أول صلاة صلَّاها رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم- بعد فرض الصلاة عليه؛ حين نزل جبريل فعلَّمَهُ المواقيت([307]).

٤- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبَّكِرُ بصلاة العصر، يدل له قوله: «ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ والشمس حية»، « إلى رحْلِهِ»: يعني إلى منزله، وفيه: حرصُ الصحابة على الصلاة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.

٥- أن آفة العلم: النسيان؛ لقوله: «وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ»؛ ولذا خلا الحديث عن ذكر وقت المغرب، وفيه: الاعترافُ بالحق والأمانةُ في نقل الحديث.

٦- استحبابُ تأخير العشاء، ووقتها: من مغيب الشفق إلى نصف الليل.

٧- كراهةُ النِّومِ قبل العشاء.

٨- كراهةُ السَّمَرِ بعد العشاء إلا فيما فيه مصلحة راجحة ولا يؤدي إلى مفسدة ظاهرة، وهذه الكراهة أشبه ما تكون بكراهة التنزيه، لا كراهة تحريم. وفي قوله: «وَكَانَ يَسْتَحِبُّ»، «وَكَانَ يَكْرَهُ» أن هذا: هديه -صلى الله عليه وسلم- الدائم أو الغالب، ومن حكمة كراهة الحديث بعدها: ختمُ عمل يومه بالصلاة، والاحتياطُ لصلاة الفجر.

٩- التبكير بصلاة الصبح؛ لقوله: «وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلَ جَلِيسَهُ»، ومعنى ينفتل: ينصرف([308] وصلاة الغداة: صلاة الفجر، وأول وقتها: طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس.

١٠- تطويل القراءة بصلاة الصبح؛ لقوله: «وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ»، وهذا يحتمل: أن يكون في الركعتين، أو في كل واحدة منهما، وقد جاء بلفظ الشك من بعض الرواة، ولكل من الاحتمالين شاهد من هديه -صلى الله عليه وسلم-، يشهد للأول: قراءته -صلى الله عليه وسلم- في فجر الجمعة: بالسجدة والإنسان([309] ومجموع السورتين: ستون آية، ويشهد للاحتمال الثاني: ما ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قرأ في الفجر: بالصافات([310] وفي رواية: بـ ق، كما جاء عند مسلم([311]). 

١١- تعليمُ الناس بالألفاظ التي يعرفونها في لغتهم أو عرفهم؛ لقوله في الظهر: «الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى»، وفي العشاء: «الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ» ومعنى تدعونها: تسمُّونها.

١٢- أدب الابن مع أبيه، وتقديم الكبير في الكلام؛ لقوله: «فَقَالَ لَهُ أَبِي».

٥٥ - عَنْ عَلِيِّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: « مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا, كَمَا شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ»([312]).  

* وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى: صَلاةِ الْعَصْرِ» ثُمَّ صَلاهَا([313]) بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ([314]).

٥٦- وَلَهُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- عَنِ صلاة الْعَصْرِ, حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أَوْ اصْفَرَّتْ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى، صَلاةِ الْعَصْرِ، مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» أَوْ([315]) «حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا»([316]).

الشرح:

هذان الحديثان تضمَّنا شيئًا مما جرى في غزوة الأحزاب: وهو فوات صلاة العصر، أو صلاة الظهر والعصر([317])؛ بسبب مواجهة المشركين والشغل بـحربهم؛ لذلك دعا عليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما ذكر في حديث علي وابن مسعود، فقضاهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- ذكر غزوة الخندق، وُيقال لها: غزوة الأحزاب؛ لأن المشركين تحزَّبوا لحرب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحاصروا المسلمين في المدينة، وحفر النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه خندقًا في طريق المشركين إلى المدينة.

٢- أن هذه الغزوة: من أعظم الغزوات وأشدِّها على المسلمين، وكانت في السنة الخامسة([318]).

٣- ابتلاءُ المؤمنين في هذه الغزوة ابتلاءً عظيمًا؛ كما قال تعالى:{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}[الأحزاب:11].

٤- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصل صلاة الخوف، فقيل: لأنها لم تُشرع، وقيل: لأنها لا تُشرع في الحضر. 

٥- جواز الدعاء على الكفار بالعذاب.

٦- أن المشركين يستوجِبون مزيدًا من العذاب؛ بسبب تسلُّطِهم على المسلمين؛ كما قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل:88].

٧- إثباتُ عذاب القبر.

٨- حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصلاة، وهذا ظاهر من قوله وفعله -صلى الله عليه وسلم-.

٩- أن صلاة الوسطى: هي صلاة العصر([319]).

١٠- أن الصلاة التي خرج وقتها لعذر: تُقضى بعد وقتها فور زوال العذر.

١١- الترتيب في الفوائت.

١٢- أن بعض الصحابة صلَّى قبل النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ظنًا أنه -صلى الله عليه وسلم- قد صلَّى، وهو عمر -رضي الله عنه- كما جاء في حديث جابر([320] وفيه: مشروعية الوضوء للصلاة الفائتة، واقتداء الصحابة بالنبي في ذلك؛ لقوله: «فَقُمْنَا إلَى بَطْحَانَ, فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ, وَتَوَضَّأْنَا لَهَا .. الحديث»([321] وبطحان: وادي في طرف المدينة فيه ماء([322])، وسيأتي حديث جابر في هذا الباب([323]).  

١٣- جواز تأخير الصلاة عن وقتها؛ للعجز عن أدائها بما يشغل عنها؛ كشدة الخوف.

١٤- حرص الصحابة على ضبط لفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كانت الرواية بالمعنى جائزة على الصحيح([324]).

٥٧- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمَرُ -رضي الله عنه-, فَقَالَ: الصَّلاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ -وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ- يَقُولُ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي - أَوْ عَلَى النَّاسِ - لأَمَرْتُهُمْ بِهَذِهِ الصَّلاةِ هَذِهِ السَّاعَةَ»([325]).

الشرح:

موضوع هذا الحديث: بيانُ وقت الفضيلة لصلاة العشاء.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- استحبابُ تأخير صلاة العشاء، وهذا مقيَّدٌ بعدم المشقة؛ ولذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رآهم اجتمعوا: عجَّل([326]).

٢- أن وقت العشاء الأفضل: إلى ثلث الليل([327]).

٣- رأفة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمته المؤمنين.

٤- أن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- يفيد الوجوب؛ فتحصل المشقة التي من أجلها لم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بصلاة العشاء أن تؤدى إذا مضى ثلث الليل، وإن  كان هو الأفضل.

٥- حرص عمر على الصلاة.

٦- تنبيهُ المتعلِّم للعالِم إذا نسي أو ظَنَّ أنَّه نسي، وقول عمر: «الصَّلاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ظنٌّ منه أن الرسول صلى الله عليه وسلم غفل عن الوقت، ولعلَّه -صلى الله عليه وسلم-  تعمَّد التأخيرَ؛ لبيان الحكم. وقوله: «رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ» يريد: أن الذين في المسجد ينتظرون الصلاة، أو الذين في البيوت الذين لا ينامون حتى يعود إليهم ولاةُ أمورهم.

٧- أن بيان الأحكام من النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون بالقول والفعل؛ كما وقع ذلك في بيان فضيلة وقت العشاء، ومعنى: «أَعْتَمَ» أي: دخل في العتمة، وهي شدة الظلمة؛ ولذا سُمِّيت صلاةُ العشاء صلاةَ العتمة، واسمها الشرعي: صلاة العشاء كما سُمِّيت في القرآن([328]).

٨- أن المشقة تجلب التيسير.

٩- أن له -صلى الله عليه وسلم-: أن يجتهد؛ فيأمر أو ينهى بما يراه مصلحة.

١٠- أن هديه -صلى الله عليه وسلم-: عدمُ التنشيف لماء الوضوء أو الغسل؛ لقوله: «وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ».

١١- مراعاةُ الضعفاء: كالنساء والصبيان والرفقُ بهم.

١٢- أن لغير المؤذن: تنبيهُ الإمام ليصلي إذا دعت الحاجة لذلك.

١٣- أن الحكمة في ترك الأمر بتأخير العشاء: خوفُ المشقة.

١٤- منزلة عمر -رضي الله عنه- عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وجرأته في الحق.

١٥- شهود النساء صلاة الجماعة ومعهن الصبيان.

١٦- حرص رواة الحديث على ضبط لفظ النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لقوله : «أَوْ عَلَى النَّاسِ».

٥٨- عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها، عن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ؛ فَابْدَؤوا بِالْعَشَاءِ»([329]).

٥٩-وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ([330]).

٦٠-وَلِمُسْلِمٍ: عَنْها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: «لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ, وَلا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ»([331]). 

الشرح:

هذه الأحاديث: أصلٌ في الأخذ بأسباب الخشوع في الصلاة، وترك الأسباب المانعة منه.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- أهمية الخشوع في الصلاة؛ وهو الإقبال عليها وحضور القلب فيها، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1]

٢-النهي عن الصلاة عند حضور الطعام، وهذا عام: سواء كان غداءً أو عشاءً، وسواء كانت صلاة المغرب أو صلاة العشاء، وذِكْرُ العَشَاء في حديث عائشة لا مفهوم له؛ لأنه خرج مخرج الغالب في عادتهم؛ إذ كانوا يتعشون قبيل المغرب أو بين العشاءين، ويؤيد ذلك: لفظ حديث أنس: «إذا قُدِّم العَشَاءُ؛ فابدؤوا به قبل أن تصلُّوا صلاة المغرب، ولا تعجَلَوا عن عَشَائِكم»([332]

٣- البَداءةُ بالطعام إذا تعارض حضوره وحضور الصلاة، ومحلُّ ذلك: إذا كانت النَّفسُ تتوق إلى الطعام، أو يُخشى فسادُه بالتأخير.

٤- النهي عن الصلاة حال مدافعة الأخبثين: وهما البول والغائط، فإن كان لا يعقل ما يقول: فتحرم الصلاة ولا تصح، وإن كان يعقل ما يقول -وهو يدافعه الأخبثان-: فتكره الصلاة إذن.

٥- عظم شأن الصلوات المكتوبة في الإسلام.

٦- أن من مقاصد الشريعة: تكميلها والبعد عما ينقصها.

٧- أن مبنى الشريعة على التيسير.

٦١- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ - وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي: عُمَرُ - أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تُشرق الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ([333]).

٦٢- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ, وَلا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ»([334]) .

وفي البابِ([335]): عنْ عليِّ بنِ أَبي طالب([336])، وعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ([337])، وعبدِ اللهِ بنِ عمرَ ابنِ الخطابِ([338])، وعبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ([339])، وأَبي هريرةَ([340])، وسَمُرَةَ بنِ جُندُبِ([341])، وسَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ([342])، وزيدِ بنِ ثابتٍ([343]) ومعاذِ بنِ جبلٍ([344])، ومعاذِ بنِ عفراء([345])، وكعبِ بنِ مُرَّةَ([346])، وأَبي أُمامةَ الباهليِّ([347])، وعمرِو بنِ عبسةَ السُلَميِّ([348])، وعائشةَ([349]) رضوان الله عليهم، والصَّنابحيِّ([350])([351])، ولم يسمعْ منَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -([352]). 

الشرح:

أوقات النهي عن الصلاة عند الفقهاء: خمسة([353]):

١- بعد صلاة الصباح حتى تطلع الشمس.

٢- وإذا طلعت حتى ترتفع.

٣- وإذا قام قائم الظهيرة -وهو توسط الشمس في كبد السماء- حتى تزول.

٤-وبعد صلاة العصر حتى تتضَّيف  الشمس للغروب؛ أي: تشرع في الغروب([354]).

٥- وإذا شرعت في الغروب حتى يتم غروبها.

 وقد تضمَّن حديثُ ابن عباس وحديثُ أبي سعيد: النَّهيَّ عن الصلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، فهذان وقتان، وبعد العصر حتى تغيب الشمس، وهذان وقتان، وفي معنى حديث ابن عباس وأبي سعيد: ما رواه مَن ذكرهم المصنف.

وأما الوقت الخامس -وهو إذا قام قائم الظهيرة حتى تزول الشمس-: فقد ذُكر في حديث عمرو بن عبسة، وفي حديث عقبة بن عامر([355])، وحديث عقبة لم يشر إليه المصنف، وكلاهما في مسلم.

وقد تضمَّن حديثُ عمرو بن عبسة: تعليلَ النَّهيِّ عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها: بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان، ويسجد لها الكفار، فحكمة النهي عن الصلاة في هذين الوقتين: مخالفةُ المشركين ومنعُ التشبُّهِ بهم.

ثم اختلف الفقهاء: فذهب الجمهورُ إلى عموم النَّهيِّ عن الصلاة في جميع هذه الأوقات([356])   وخصَّ بعضُهُم من عموم النَّهيِّ: الفوائتَ من الفرائض([357])؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن نام عن صلاة أو نسيها: فليصلِّها إذا ذكرها)([358] وخصَّ آخرون من عموم النهي: النوافل ذوات الأسباب؛ كتحية المسجد، وصلاة الكسوف، وقضاء الراتبة، وركعتي الطواف([359])، وهذا مذهب الشافعي([360] واختار ذلك: شيخُ الإسلام ابن تيمية([361])    

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- تحريم الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس.

٢- تحريم الصلاة إذا طلعت حتى ترتفع، ويُقدَّرُ ذلك: بعشر دقائق إلى ربع ساعة.

٣- تحريم الصلاة بعد العصر حتى يحين غروبها.

٤- تحريم الصلاة إذا تضيَّفت الشمسُ للغروب حتى يتم غروبها.

٥- أن من مقاصد الشريعة: مخالفة المشركين وترك التشبُّهِ بهم.

٦- أن من قواعد الشريعة: سد الذرائع المفضية إلى الحرام.

٧- أن الأحكام الشرعية معلَّلة.

٨-أن السجود للشمس والقمر: كفرٌ وشركٌ بالله، شاهد هذا من القرآن: ما جاء في خبر الهدهد عن ملكة سبأ من قوله: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل:24].

٦٣- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ؛ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ, فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُّ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا». قَالَ: فَقُمْنَا إلَى بَطْحَانَ, فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ, وَتَوَضَّأْنَا لَهَا, فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ([362]).

الشرح:

تقدم الكلام على هذا الحديث عند الكلام على حديث: ابن مسعود، وعلي([363]) في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين؛ إذ شغلوهم عن صلاة العصر.

 بابُ فضلِ صلاة([364]) الجماعةِ ووجوبِها

إضافةُ الصلاة إلى الجماعة مِن إضافة الفعل إلى نوع الفاعل، والمرادُ بالجماعة: القوم المجتمعين؛ ولذا تُقابل صلاةُ الجماعة بصلاةِ الفَذِّ كما جاء في الحديث، والفذُّ هو الواحد([365])

والمرادُ بفضلِ صلاةِ الجماعة: كثرةُ ثوابِها، وهذا ظاهر من حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة. قوله: «ووجوبها» أي: وجوبُ إقامتِها وحضورِها على الرجال المكلَّفين، فمعنى هذه الترجمة: هذا بابُ ذكْرِ الدليلِ على فضل صلاة الجماعة، وذكْرِ الدليلِ على وجوبها.

٦٤-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»([366]).

٦٥-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْساً وَعِشْرِينَ ضِعْفًا؛ وَذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ -لا يُخْرِجُهُ إلا الصَّلاةُ- لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بها خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ  -مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ-: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ([367]), اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلا يَزَالُ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ»([368]). 

الشرح:

هذان الحديثان أصلٌ في فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- الترغيبُ في صلاة الجماعة.

٢- ذمُّ المتخلِّفِ عنها؛ لتفريطه في أجرها المضاعف. 

٣- أن المراد بالجماعة: الجماعة الراتبة التي يُنادى لها في المسجد؛ لقوله: «وَذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ, فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ ... إلى آخره».

٤-أن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، وفي حديث أبي هريرة: «بخمسةٍ وعشرين ضعفًا» والضعف والدرجة معناهما واحد في الدلالة على زيادة الأجر؛ ولكن الدرجة تدل على مرتبة، والضعف يدل على مقدار الزيادة في الأجر، وهذا الاختلاف في مقدار التفضيل: خمس وعشرين إلى سبع وعشرين: 

قيل: إنه راجع إلى أن الله أطلع الرسول -صلى الله عليه وسلم- على التفضيل بخمس وعشرين، ثم أطلعه على الزيادة

وقيل: إنه راجع إلى تفاضل الجماعات من حيث القلة والكثرة، وقُرْب المسجد وبُعْده، والقول الأول أظهر.

٥- صحة صلاة المنفرد المتخلِّف عن صلاة الجماعة؛ لأنه لو كانت صلاته باطلة ما كان فيها فضل أصلاً.

٦- بيان سبب هذا التضعيف: كما يفيده قوله: « وَذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ, فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ.. إلى آخره»، وقد تضمن: فضل الوضوء، وفضل القصد إلى المسجد، وفضل المشي إلى المسجد.

٧- فضل المسجد البعيد؛ لأن الخُطا إليه أكثر.

٨- أن سبب  الفضل والتضعيف لا يصلح لمن صلَّى مع الجماعة اتفاقًا، ولم يكن من عادته قصدها والخروج إليها، لكن صلاته مع الجماعة أفضل من صلاته وحده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أَزْكَى مِن صلاتِهِ وحده، وصلاتُهُ مع الرَّجليْن أَزْكَى مِن صلاتِهِ مع الرَّجُل، وما كَثُرَ فهو أحبُّ إلى الله تعالى»([369])

٩- سعة فضل الله؛ بمضاعفته الأجور للعاملين.

١٠- ذمُّ المتخلف عن صلاة الجماعة؛ لزهده في الفضائل والأجور.

١١- أن صلاة الجماعة والنداء لها: من شعائر الإسلام الظاهرة؛ كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: «مَن سَرَّه أن يَلقى اللهَ غدًا مسلمًا؛ فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث يُنَادَى بهن... إلى آخره» رواه مسلم([370]). 

٦٦-وعنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَثْقَلُ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ: صَلاةُ الْعِشَاءِ, وَصَلاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهَما لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ, ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ, ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ؛ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»([371]). 

الشرح:

هذا الحديثُ هو الأصلُ من السُّنَّةِ في وجوبِ صلاةِ الجماعة، وله في هذا الحكم: شواهد من الكتاب والسُّنَّةِ([372] وقد اختلف العلماء في حكم صلاة الجماعة:([373])

فقيل: سنة مؤكدة

وقيل: واجبة على الأعيان؛ أي: على جميع الرجال المكلفين([374])

وقيل: إنها فرض كفاية([375])

وقيل: إنها شرط([376])

والصحيح من هذه الأقوال: القول الثاني، واستُدِّلَ له بآيات وأحاديث: كقوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43]([377]). وقوله تعالى في صلاة الخوف: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:102]([378]).

ومن السُّنَّةِ: قوله -صلى الله عليه وسلم- للأعمى: «هل تسمعُ النِّداء بالصلاة؟» قال: نعم، قال: «فأجب»([379])

ومنها: حديث الباب([380]).

قال ابن المنذر بعد سياق أدلة الوجوب: «فدلت الأخبار التي ذكرناها على وجوب فرض الجماعة على مَن لا عذر له»([381])    

وفي الحديث فوائد، منها:

١- أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقين؛ لأنهم لا يؤمنون بفضلها ولا بوجوبها، ويدل لهذا من القرآن: قوله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء:142].

٢- أن أثقل الصلاة على المنافقين: صلاةُ العشاء، وصلاةُ الفجر؛ وذلك لجهلهم بفضلهما؛ ولأنهما تقعان في وقت النوم والراحة.

٣- فضل صلاة العشاء والفجر؛ لعظم الأجر فيهما.

٤- أن العلم يبعث على العمل واحتمال المشقة، والجهل يحمل على التفريط.

٥- حبُّ المنافقين للدنيا، وإثارهم لمتاعها، يدل لذلك: تتمة الحديث: «وَالّذي نَفْسي بيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا([382]) أَوْ مِرْمَاتَيْنِ([383]) حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ».  

٦- جواز التخلف عن صلاة الجماعة لإنكار منكر لكن بصفة عارضة لا دائمة؛ لِهمِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، والهمُّ مبدأ الإرادة.

٧- جواز أن يستنيب الإمامُ من يخلفه إذا عرضت له حاجة.

٨- التعاون في إنكار المنكر.

٩- مشروعية عقوبة المتخلِّف عن الجماعة من غير عذر.

١٠- وجوب صلاة الجماعة؛ لِهمِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعقوبة المتخلِّفين.

١١- الرد على من قال: بأنها فرض كفاية؛ إذ لو كانت كذلك لحصلت الكفاية بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه.

12- أن الجماعة التي يجب السعي إليها: الجماعة الراتبة التي تقام في المسجد، ولا يغني عنها الصلاة في البيت جماعة؛ لقوله: «لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ» يعني: في المسجد.

13- جواز العقوبة بالمال؛ لقوله: «فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» وأما تحريق المتخلفين أنفسهم: منسوخ بقوله -صلى الله عليه وسلم- : «لا يعذِّبُ بالنار إلا ربُّ النار»([384]).

14-ترك عقوبة الجاني إذا لزم تعديِّها إلى غيره؛ لقوله في رواية: «لولا ما في البيوت من النساء والذرية»([385]).

٦٧-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلا يَمْنَعُهَا»([386]).

قَالَ: فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ([387]): وَاَللَّهُ لَنَمْنَعَهُنَّ! قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ, فَسَبَّهُ سَبّاً سَيِّئاً, مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ! وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ: وَاَللَّهُ لَنَمْنَعَهُنَّ؟!([388]). 

* وَفِي لَفْظٍ: «لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ»([389]).

الشرح:

هذا الحديثُ أصلٌ في جواز خروج المرأة إلى المسجد، وحضورِها صلاة الجماعة كما كانت النساء يفعلن ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما تقدم في حديث عائشة([390])

وفي الحديث فوائد، منها:

١- نهيُّ الرجل أن يمنع امرأته من المسجد، وتحريمُ ذلك إلا أن يترتب على خروجها: ترك واجب أو فعل محرم؛ فله منعها حينئذ.

٢- أن المرأة لا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها.

٣- أن قوله: «إلَى الْمَسْجِدِ» عام: يشمل خروجها إلى الصلاة، أو الاعتكاف، أو غير ذلك، ومثله قوله في الرواية الأخرى: «لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ». والمراد بالمسجد أو المساجد: عموم المساجد التي تقام فيها الصلوات، وغَلِط من قال المراد بالمساجد: المسجد الحرام، وأن المراد باستئذان المرأة إلى المسجد: استئذانها إلى الحج! فإن هذا خلاف ما فهمه أكثر العلماء، وخلاف ما يدل عليه سياق الحديث؛ وذلك من وجوه:

أ- أن المسجد إذا أُطلق لا يراد به مسجدٌ معين إلا بقيد يدل على التعيين؛ كالمسجد الحرام.

ب- ذكر المساجد بلفظ الجمع يمنع من إرادة مسجد معين؛ فيمتنع أن يراد بها المسجد الحرام، والمسجد الحرام لا يذكر في النصوص إلا بلفظ الإفراد.

ج- أن الزوج لا يملك أن يمنع زوجته من الحج لفوات حق من حقوقه؛ لكن يملك منعها من المسجد.

د- أن المنع المنهي عنه: هو منع المرأة من الخروج للمسجد للصلاة ونحوها، لا منعها من السفر إلى الحج، يدل لذلك: قول بلال: « وَاَللَّهُ لَنَمْنَعَهُنَّ» فإنه لا يتصور أن يريد منعها من الحج الذي هو أحد أركان الإسلام!

4- أن من المنكر العظيم: المجاهرة بمخالفة السنة.

٦- فضيلة ابن عمر -رضي الله عنه-؛ لتعظيمه قول رسول الله، وغضبه على ابنه، وسبِّه له؛ لمعارضته السنة برأيه؛ ومجاهرته بالمخالفة حسب ظاهر كلامه، بل الأقرب أنه لم يقصد المعارضة بل قال ما قال لِما رأى من حال النساء وتغيُّرهن بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: «لو أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى ما أحدث النساء لمنعهُنَّ المسجد كما مُنعت نساءُ بني إسرائيل»([391])، ولكن ابن عمر عامل ابنه بحسب ما ظهر من كلامه؛ فلذلك أغلظ له في الإنكار.

٧- تشريف المساجد بإضافتها إلى الله، وهذا نظير قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله.. الحديث»([392]) ووجه هذه الإضافة: أنها مواضع عبادة الله، وهذا لا يمنع من إضافة المسجد إلى من له نوع اختصاص به من الناس.

٦٨- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ, وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظهر, وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ, وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ, وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ([393]).

* وَفِي لَفْظِ: فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ: فَفِي بَيْتِهِ([394]).

* وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: كَانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ([395]) خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَمَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَكَانَتْ سَاعَةً لا أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا([396]).

٦٩- وعنْ عائِشَةَ -رضِيَ اللهُ عنْها- قالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - على شيءٍ منَ النَّوافِلِ أشد تَعاهُدَاً منْهُ على ركْعَتَي الفَجْرِ([397]).

٧٠- وفي لفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «رَكْعَتا الفَجْرِ خيرٌ منَ الدُّنيا وما فيها»([398]).

الشرح:

هذان الحديثان أصلٌ في مشروعية الرواتب، وهي السنن الراتبة؛ أي: الثابتة مع الصلوات المكتوبة، وهي قبلية وبعدية.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- مشروعية ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها.

٢- مشروعية ركعتين بعد المغرب.

٣- مشروعية ركعتين بعد العشاء.

٤- مشروعية ركعتين قبل الصبح

فهذه عشر ركعات، وفي حديث عن عائشة في الصحيحين: « أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدع أربعًا قبل الظهر»([399])؛ فتكون الرواتب اثنتي عشرة ركعة.

٥- أن راتبة المغرب والعشاء والفجر تكون في البيت.

٦- مشروعية ركعتين بعد الجمعة في البيت.

٧- أن من هديه -صلى الله عليه وسلم-: المحافظة على هذه السنن.

٨- أن في السنن القبلية: تهيُّؤًا للصلاة المكتوبة، وفي السنن البعدية: مداومة على الطاعة وجبرًا لنقص الفريضة.

٩- فضل ركعتي الفجر.


 بابُ الأَذانِ

الأذانُ لغةً: الإعلام، وهو اسم مصدر مِن: أذَّن يؤذِّن([400] والأذان شرعًا: الإعلام بدخول وقت الصلاة المكتوبة([401] ويقال له: النداء؛ كما قال تعالى:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة:58]. وقوله -صلى الله عليه وسلم- للأعمى: «هل تسمعُ النِّداء بالصلاة؟»([402] وقوله: «مَن سَمِعَ النِّداءَ فلم يأتِه، فلا صلاةَ له إلا مِن عُذر»([403])

والمقصود بالباب: ذكْرُ ما جاء في السُّنَّةِ في حكم الأذان وصفته، وقد شُرع الأذان في المدينة بقوله –صلى الله عليه وسلم- للذي رأى الأذان في المنام، وهو عبد الله بن زيد ابن عبد ربه([404])، لـمَّا قصَّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- رؤياه، قال: «إنها لرؤيا حق إن شاء الله»([405]).

٧١- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ, وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ([406]). 

الشرح:

هذا أصلٌ في مشروعية الأذان والإقامة، وهما واجبان على الرجال للصلوات المكتوبة([407])

 وفي الحديث فوائد، منها:

١- مشروعية الأذان والإقامة.

٢- أن الأذان يكون شفعًا -وهذا في غالبِ جُمَلِ الأذان- ومعناه: كل جملة تذكر مرتين إلا الجملة الأخيرة: «لا إله إلا الله».  

٣- أن الإقامة تكون وترًا -وهذا في الغالب- ومعناه: أن جمل الإقامة تُذكر مرَّةً مرَّة إلا: «قد قامت الصلاة» فتذكر مرتين؛ لقوله في رواية: «ويوتر الإقامة إلا الإقامة» يعني: إلا قد قامت الصلاة، وأما عدد جُمل الأذان والإقامة: فمذكور في أحاديث أخرى في غير الصحيحين([408]  وفيه: ذكر التربيع([409])، والترجيع([410] والمشهور أن جمل الأذان: خمسة عشر كلمة، والإقامة: إحدى عشرة([411]).  

٤-فضيلة بلال -رضي الله عنه- إذ أُسند إليه أمر الأذان والإقامة، وله في ذلك اختصاص حتى عُرف بلال بمؤذِّن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

٧٢-عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ - قَالَ: فَخَرَجَ بِلالٌ بِوَضُوءٍ, فَمِنْ نَاضِحٍ وَنَائِلٍ. قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ , كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ. قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلالٌ, قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا, يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ; حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ, فَتَقَدَّمَ وَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثم صَلَّى العصْرَ رَكْعَتَيْنِ, ثُمَّ لم يزل يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ([412]).

الشرح:

تضمَّن هذا الحديثُ شيئًا من سيرته -صلى الله عليه وسلم- وهو نازل في مكة عام الفتح.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- مشروعية الأذان للصلاة المكتوبة، وهو واجب؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لمالك بن الحويرث: «إذا حضرَتِ الصلاةُ، فلْيُؤَذِّنْ لكم أحَدُكم»([413])، وللمداومة عليه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- سفرًا وحضرًا.

٢- أنه يشرع للمؤذن: الالتفات يمينًا وشمالًا عند الحيْعَلَتَيْن: «حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ; حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ»؛ لأن ذلك أبلغ في الإسماع، ولكن لـمَّا وُجدت هذه المكبِّرات: فلا داعي للالتفات.

٣- فضيلة بلال -رضي الله عنه- لاختصاصه بالأذان للنبي -صلى الله عليه وسلم- في سفره وإقامته.

٤- تبرُّك الصحابة بفضل وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ما تساقط من أعضاء وضوئه، وإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على جوازه، ويشهد لهذا: ما جاء في قصة الحديبية: «وإذا توضَّأ كادوا يقتتِلون على وَضوئه»([414])، وهذا من خصائصه -صلى الله عليه وسلم- فلم يكن الصحابة يفعلونه مع غيره؛ فلا يُقاس عليه غيرُه -صلى الله عليه وسلم- لأن ما جعل الله في جسده من البركة لا يلحقه فيها أحد مهما بلغ من الصلاح! ([415])

٥- مشروعية القصر في السفر.

٦- مشروعية اتخاذ السترة في الصلاة: مِن عصا، أو حربة.

٧- أن ظاهر هذه الرواية: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجمع بين الظهر والعصر، وهذه سُنَّتُه في السفر إذا كان نازلًا([416]).

٨- جواز لبس الأحمر غير الخالص؛ لقوله: «عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ»، وبهذا: يظهر الجمع بين هذا الحديث، وما ورد من النهي عن لبس الأحمر.

٩- قصر إزاره -صلى الله عليه وسلم-؛ لقول الراوي: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ» وفيه شاهد لحديث: «إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه»([417]).

١٠- مداومته -صلى الله عليه وسلم- على القصر في السفر([418]).

١١- أن من هديه -صلى الله عليه وسلم-: اتخاذ قبة في منزله بالسفر يجلس فيها؛ كما في هذا الحديث؛ وكما في حديث جابر في حجة الوداع، قال: «فوجد القبة قد ضُربت له بنمرة»([419]).

٧٣- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنْ النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ, فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ»([420]).

الشرح:

هذا الحديثُ: مِن أحاديثِ الأذان والصيام، وهو أصلٌ في اتخاذ مؤذِّنيْن يؤذِّنُ كلٌّ منهما على انفراد، وفي الأذان للفجر قبل الفجر.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- مشروعية الأذان الأول للصبح: قبل الصبح.

٢- أن الأذان الأول لا يمنع مَن يريد الصوم مِن الأكل والشرب.

٣- أن الأكل والشرب لا يحرمان على الصائم إلا بطلوع الفجر الصادق.

٤- جواز الاعتماد في الإمساك على خبر المؤذن الذي لا يؤذِّنُ إلا إذا طلع الفجر.

٥- جواز اتخاذ مؤذن أعمى يمكنه معرفة الوقت بخبر الثقة أو بوسيلة أخرى كالساعة.

٦- فضيلة بلال وفضيلة عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنهما-؛ لتولية النبي -صلى الله عليه وسلم- لهما الأذان.

٧- في الحديث شاهد في المعنى لحديث: «الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام ويحل فيه الصلاة، وفجر يحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام»([421]).

٨- تنبيه الناس لما قد يُشتبه عليهم.

٩- جواز العمل بخبر الواحد.

١٠- أن ما بعد الفجر هو من النهار؛ إذ كان وقتًا للصيام، وعليه: فصلاة الفجر نهارية.

١١- جواز الأكل مع الشك، وعليه يدل قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187].

٧٤- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ([422]) فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ»([423]).

الشرح:

هذا الحديثُ أصلٌ في إجابة المؤذِّن، ومعنى إجابة المؤذِّن: أن يقول سامعُهُ مثل ما يقول بعد كل جملة.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- مشروعية إجابة المؤذِّن، قيل: يُستحب، وهو قول الجمهور([424] وقيل: يجب([425])؛ لظاهر الأمر، وهو قويٌّ. 

٢- أن إجابة المؤذِّن بمثل ما يقول: عام في جميع جمل الأذان؛ ولكنه مخصوص بحديث عمر عند مسلم([426]) وفيه: أن السامع يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" عند قول المؤذن: «حي على الصلاة، حي على الفلاح»، وسبب الفرق بين الحيْعَلَتيْن وسائر جمل الأذان: أن الحيْعَلَتيْن طلب للحضور؛ فالمناسب لهما الاستعانة بالله، وهو مضمون لا حول ولا قوة إلا بالله، وأما سائر جمل الأذان: فهي ذكر لله تعالى.

٣- أن إجابة المؤذِّن بالقول سببٌ لإجابته بالفعل؛ وذلك بأن ينهض ويعمد إلى الصلاة في المسجد، وفي هذا المقام: روايات وفروع يُرجع فيها إلى الشروح المبسوطة([427]).

بابُ استقبالِ القبلةِ:

القبلة: هي الكعبة، واستقبالها: هو التوجُّهُ بالوجهِ إلى جهتِها، واستقبال القبلة شرطٌ لصحة الصلاة؛ لقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]. أي: شطر المسجد الحرام الذي فيه الكعبة، وقوله: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}أي: وجِّهوا وجوهكم في الصلاة جهة المسجد الحرام([428]).

٧٥- عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ, حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ, يُومِئُ بِرَأْسِهِ, وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ([429]).

* وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيرِه([430])ِ.

* وَلِمُسْلِمٍ([431]): غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ.

* وَلِلْبُخَارِيِّ: إلاَّ الْفَرَائِضَ([432]).

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في جواز صلاة التطوع على الراحلة في السفر .

وفي الحديث فوائد، منها:

١- مشروعية صلاة التطوع المطلق في السفر.

٢- جواز فعلها على الراحلة.

٣- جواز الوتر على الراحلة في السفر.

٤- أن الوتر ليس بفريضة.

٥- أن الصلاة المكتوبة لا تصح على الراحلة في السفر مع القدرة على الصلاة على الأرض.

٦- أن استقبال القبلة لا يشترط في الصلاة على الراحلة؛ لقوله: «حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ».

٧- أن الركوع والسجود في الصلاة على الراحلة: يكون بالإيماء بالرأس.

٨- أن من مقاصد الشريعة: تيسير التطوع في العبادات؛ ليستكثر العبد منها، وهذا من رحمة الله بعباده فيما شرع لهم.

٩- جواز صلاة النافلة للماشي المسافر كالراكب([433] وقد سوَّى اللهُ بين الماشي والراكب في الصلاة  المكتوبة مع الخوف: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239].

١٠- فيه: تخصيصُ القرآن بالسُّنَّة([434] فهذا الحديث مخصِّصٌ لقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144].

٧٦- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ, فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ, وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ([435])؛ فَاسْتَقْبِلُوهَا([436])، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ([437]).

الشرح:

هذا الحديث أشهر ما ورد من السُّنَّةِ في نسخ استقبال بيت المقدس وتحويل القبلة إلى الكعبة، وهو من المتفق على صحته، وقد دل على معناه: القرآن؛ كما أُشير إليه في القصة، وهو قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} إلى قوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:143-144].

ويشهد لهذا الحديث: حديث البراء بن عازب: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مكث في المدينة بعد مهاجره يستقبل بيت المقدس ستة أو سبعة عشر شهرًا([438])

وفي الحديث فوائد، منها:

١- وقوع النسخ في بعض أحكام الشريعة.

٢- نسخ استقبال بيت المقدس.

٣- أن القبلة بعد النسخ هي الكعبة.

٤- أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة.

٥- أن استقبال بيت المقدس كان قبل النسخ طاعة وعبادة.

٦- تحريم استقبال بيت المقدس بعد النسخ.

٧- فيه قبول خبر الواحد.

٨- مسارعة الصحابة إلى طاعة الله ورسوله.

٩- صحة صلاة مَن أخطأ القبلة من غير تفريط.

١٠- أن الأحكام لا تلزم المكلف إلا بعد العلم.

١١-أن الحركة لمصلحة الصلاة لا تبطلها ولو كثرت.

١٢- أن من اجتهد فأخطأ القبلة، ثم علم في أثناء الصلاة -باجتهاد أو خبر ثقة-: فإنه يتحول وتصح صلاته.

13- جواز تكليم المصلي للمصلحة بما لا يشوِّش عليه؛ لكن الذي يحرم على المصلي: أن يتكلم هو، وكلامه عمدًا يبطل صلاته.

٧٧- عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ([439]) -رضي الله عنه- قَالَ: اسْتَقْبَلْنَا أَنَسًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الشَّامِ([440]), فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ([441]), فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ, وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ - يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ - فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؟! فَقَالَ: لَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ لم أفَعَلْهُ([442]). 

الشرح:

هذا الحديث المناسب ذكره إثر حديث ابن عمر في صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على الراحلة: فإنه يفيد ما أفاده حديث ابن عمر من جواز صلاة التطوع على الراحلة، وأنه لا يشترط فيها استقبال القبلة، فيصلي حيث كان وجهه.

وفي هذا الحديث من الفوائد -زيادة على ما أفاده حديث ابن عمر-:

١- جواز الصلاة على الحمار.

٢- الاعتماد في العبادة على السُّنَّةِ والاحتجاج بها على المعارِض.

٣- حفاوة التابعين بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث خرجوا لتلقِّيه من بُعد.

٤- تشابه أقوال الصحابة في تعظيم السُّنِّة والتعويل عليها في عباداتهم، فقول أنس: «لَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ لم أفَعَلْهُ»، كقول عمر للحجر: «لولا أنَّي رأيتُ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلم- يقبُّلكَ ما قبَّلتُك»([443]).


 بابُ الصُّفوفِ

هذا الباب من أبواب صلاة الجماعة؛ لأنه يشرع أن يكون الجماعة صفوفًا، وللصفوف أحكام تجب مراعاتها: كتسويتها، والتراص فيها، وإكمال الصف الأول فالأول.

ومراعاة هذه الأحكام مع الاقتداء بالإمام يجعل للجماعة هيئة عظيمة للنفس، وتأتلف بها القلوب، وتتم بها الصلاة، وإهمال ذلك سبب لاختلاف القلوب ونقص الصلاة؛ كما دل على ذلك حديثا الباب.

٧٨- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- : «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ؛ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ»([444]).

٧٩- وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ([445])»([446]).

* وَلِمُسْلِمٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَوِّي صُفُوفَنَا, حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ, حَتَّى رَأَى أَنْ قَدْ عَقَلْنَا, ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ, حَتَّى كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ, فَرَأَى رَجُلاً بَادِياً صَدْرُهُ, فَقَالَ: «عِبَادَ اللَّهِ! لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ؛ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ»([447]). 

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في وجوب تسوية الصفوف([448] وذلك من ثلاثة أوجه:

١- الأمر به.

٢- الإخبار بأنه من تمام الصلاة.

٣- وعيد مَن خالف في ذلك.

والمعتبر في التسوية: المحاذاة بين المناكب والأعناق وبين الكعاب. 

وفي الحديثين فوائد، منها:

1- عظم شأن صلاة الجماعة؛ ولذا شُرع فيها الإمام والصفوف.

2- وجوب الاصطفاف في صلاة الجماعة.

3- وجوب تسوية الصفوف.

4- أن ترك تسوية الصفوف سببٌ لتفرُّقِ القلوب وتغيُّرِ الوجوه.

5- أنه يشرع للإمام أن يربي الجماعة على تسوية الصفوف بقوله وفعله، ويتفقدهم في ذلك وينكر على المخالف. وقوله: «حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ» المراد بالقداح: خشب السهام حين تُنحت وتُبرى([449])، ومن شأنها أن تكون متساوية، وهذا التشبيه يدل على اجتهاد النبي -صلى الله عليه وسلم- في تسوية الصفوف. 

٨٠- وعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ([450]) دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ, فَأَكَلَ مِنْهُ, ثُمَّ قَالَ: «قُومُوا فَلأُصَلِّيَ لَكُمْ» قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ, فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ, فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ, وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ, ثُمَّ انْصَرَفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم([451]). 

* وَلِمُسْلِمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ([452])، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ, وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا.

* اليتيمُ: قيل: هو ضُميرة جدُّ حسين بن عبد اللهِ بن ضميرة([453]). 

الشرح:

هذا الحديث تضمَّن جملةً من أحكام صلاة الجماعة، والروايتان في الحديث يرجع الاختلاف بينهما إلى أن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنس وأمه وقع مرتين، ففي مرة: كان معهما ضميرة، وفي مرة: لم يكن معهما أحد.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- تواضعه -صلى الله عليه وسلم- بإجابته دعوة مليكة.

٢- مشروعية إجابة الدعوة.

٣- سرورهم بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيتهم، وبصلاتهم معه؛ لذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: «قُومُوا فَلأُصَلِّيَ لَكُمْ»

٤-أن موقف الاثنين خلف الإمام.

٥- أن موقف المرأة مع الرجال خلفهم ولو كانت واحدة.

٦- جواز صلاة النافلة جماعة أحيانًا.

7- فضيلة أهل ذلك البيت.

٨١-وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ؛ فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ؛ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ؛ فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ([454]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في موقف الواحد مع الإمام: وهو أن يكون عن يمنيه، وهذا طرف من حديث ابن عباس الطويل في قصة مبيته عند خالته ميمونة، وقد تضمن كثيرًا من الفوائد، منها: المتعلقة بصلاة الليل، أو بمعاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهله.

وفي هذا الطرف الذي ذكره المؤلف فوائد، منها:

١- مشروعية قيام الليل، وكان -صلى الله عليه وسلم- يحافظ على قيام الليل في كل وقت.

٢- جواز صلاة الليل جماعة أحيانًا إلا في رمضان، فقيام الليل فيه جماعة: سنة.

٣- فضل ابن عباس لتأسِّيه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو غلام.

٤- أن موقف الواحد مع الإمام عن يمنيه.

٥- أن من وقف عن يسار الإمام عليه أن يتحول، وقد اختلف أهل العلم في حكم صلاة من وقف عن يسار الإمام من غير عذر([455]):

فقيل: لا تصح([456])

وقيل: تصح مع الإثم([457])

وقيل: تصح ولا إثم([458])، وهو الصحيح، وهذا مبني على حكم وقوف الواحد عن يمين الإمام: هل هو واجب، أم مستحب؟([459]) والصحيح أنه مستحب.

٦- التنبيه إلى الخطأ بالفعل في أثناء الصلاة.

٧- أن العمل اليسير في الصلاة لا يفسدها.

٨- جواز الائتمام بمن لمن ينو الإمامة من أول الصلاة.

٩- جواز مصافّة الصبي.

 بابُ الإِمامةِ

هذا الباب من أبواب صلاة الجماعة، والمراد به: الإمامة في الصلاة، ويقال لها: الإمامة الصغرى في مقابل الإمامة الكبرى، وهي إمامة ولي أمر الأمة، وللإمامة في الصلاة أحكام تؤخذ من الأحاديث المذكورة في الباب، واتخاذ إمام في صلاة الجماعة واجب كما سيأتي.

٨٢- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ([460]) اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ , أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ»([461]).

٨٣- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ؛ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ, فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ»([462]).

٨٤- وَعن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ, فصَلَّى جَالِسًا, وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا, فَأَشَارَ إلَيْهِمْ: أَنْ اجْلِسُوا، فلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ, فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا, وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا, [وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا ولَكَ الْحَمْدُ]([463])، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا [أَجْمَعُونَ]»([464])

الشرح:

هذه الأحاديث هي الأصل في وجوب الاقتداء بالإمام، وهو الائتمام به، وحقيقته: متابعة الإمام في التكبير وأفعال الصلاة؛ فلا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه، بل يأتي بذلك كله بعده.

 وفي الأحاديث فوائد، منها:

١- الحكمة من مشروعية اتخاذ إمام في صلاة الجماعة، وهو واجب؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»( ).

٢- تحريم مسابقة الإمام؛ وذلك بالرفع من الركوع أو السجود قبله، أو التقدم عليه بالركوع أو السجود.

٣- أن مسابقة الإمام من الكبائر؛ لتهديد الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل اللهُ رأسَهُ رأسَ حمار!

4- قدرة الله على قلب الأعيان، وليس ذلك لغير الله.

٤- وجوب متابعة الإمام في الركوع والسجود والقيام والقعود. وللناس في صلاة القائم خلف القاعد ثلاثة مذاهب([465]): 

قيل: لا تصح؛ لأمره -صلى الله عليه وسلم- بالقعود

وقيل: يجب القيام خلف الإمام القاعد؛ لما ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى بالناس في مرضه قاعدًا، وأبو بكر عن يمنيه يصلي قائمًا، والناس يصلون خلفه قيامًا ([466])

فقيل: إن هذا الحديث ناسخ لحديث الأمر بالقعود([467])

وجمع بينهما الإمام أحمد فقال: إذا ابتدأ الإمامُ الصلاةَ بهم قاعدًا وجب عليهم القعود، وإذا ابتدأ الصلاةَ بهم قائمًا ثم اعتلّ فجلس؛ وجب عليهم أن يصلوا قيامًا؛ كما في قصة أبي بكر مع  النبي -صلى الله عليه وسلم-([468])، وهذا جمعٌ حسنٌ يتضمَّنُ العملَ بالحديثين.

٥- أن الإمام إذا قال: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» يقول المأموم: «رَبَّنَا ولَكَ الْحَمْدُ» 

٦- أن موافقة الإمام تكون بالأفعال: كالركوع والسجود؛ فلا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم؛ فهذا الحديث مفسِّرٌ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ»  

7- فضيلة أبي بكر؛ لإمامته الناس بأمر النبي –صلى الله عليه وسلم-، ولقيامه إلى جنب النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو قاعد في الصلاة يقتدي أبو بكر بالنبي، ويقتدي الناسُ بصلاة أبي بكر.

٨٥- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الخَطْمِيِّ الأَنْصَارِيِّ([469]) - رضي الله عنه - قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ - وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ([470])- قَالَ:  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدًا, ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ([471]).

الشرح:

في حديث البراء: ذكرُ شيءٍ من هدي الصحابة في صلاتهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أنه إذا خرَّ -صلى الله عليه وسلم- ساجدًا بعد أن رفع رأسه من الركوع واعتدل: فإنهم لا يهوون للسجود حتى يقع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساجدًا بوضع جبهته على الأرض

وفي الحديث فوائد، منها:

١- أن الإمام إذا رفع رأسه من الركوع يقول: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»

٢-أن المأموم لا يأت بأفعال الصلاة مع الإمام ولا قبله؛ أي: لا يوافقه ولا يسابقه، بل يأتي بالأفعال بعده.

٣- فيه تزكية الراوي لشيخه.

4- أن المأموم لا يشرع في الانتقال من ركن إلى ركن إلا بعدما يتم انتقال الإمام؛ فلا يتحرك للركوع حتى يصير الإمام راكعًا، ولا يتحرك للسجود حتى يصير الإمام ساجدًا؛ لقوله في شأن الهوي للسجود: «لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدًا, ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ»

٨٦- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ: غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([472]).

الشرح:

التأمين هو قول: آمين، ومعناه: اللهم استجب([473])؛ ولذا شرع بعد دعاء الفاتحة، ومعنى الحديث: أن التأمين من جملة ما يأتم بالإمام فيه؛ فلا يأت به المأمومُ قبل الإمام ولا يتأخر عنه ومعنى: «إذَا أَمَّنَ الإِمَامُ» أي: إذا أراد التأمين أو شرع فيه، وذلك بعد قوله: ولا الضَّالين

وفي الحديث فوائد، منها:

١- مشروعية التأمين للإمام والمأموم بعد قراءة الفاتحة، وكذا المنفرد.

٢- أن الإمام يجهر بالتأمين؛ كقوله: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا»([474])، وذلك في الصلاة الجهرية.

٣- فضل التأمين مع الإمام بعد قراءته الفاتحة.

٤-أن الملائكة يؤمِّنون على دعاء الإمام.

٥- إثبات الملائكة.

٦- أن موافقة الملائكة في التأمين سبب للمغفرة.

7- محبة الملائكة الخيرَ للمؤمنين.

8- شهودهم الصلاةَ مع المؤمنين، واستماعهم لقراءة الإمام.

٨٧-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ فِيهِمْ: الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ، وَذَا الْحَاجَةِ, وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ»([475])

٨٨-عن أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلانٍ؛ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ! فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ! فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ: الْكَبِيرَ، وَالضعيف([476])، وَذَا الْحَاجَةِ»([477])

الشرح:

هذان الحديثان أصلٌ في مراعاة الإمام للمأمومين بالتخفيف الذي لا إفراط فيه، والأفضل: أن لا يخرج فيه عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١- ندب الإمام إلى التخفيف في الصلاة؛ رفقًا بالضَّعَفَةِ من المأمومين.

٢-أن التخفيف شُرع لحقِّ مَن يشقُّ عليهم التطويل: كالصغير، والكبير والضعيف، وذي الحاجة؛ فعلى الإمام مراعاتهم، وغيرهم تبعًا لهم.

٣-أن من مقاصد الشريعة: الترغيبُ في الإسلام وشرائعه ومجانبةُ ما ينفِّر عنه، وليس من ذلك: اتِّباعُ أهواء الناس. 

٤- أن التطويل المفرط في الصلاة: من أسباب التنفير عنها.

٥-أن التطويل المنفِّر عن الصلاة: منكرٌ ولو كان عن اجتهاد وحسن نية.

٦- مشروعية الغضب عند إنكار المنكر؛ وهو غضب محمود.

٧- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُسمَّى موعظة.

٨- حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على هداية الخلق.

٩- أن من فعل منكرًا -ولو خطأً- وجب الإنكارُ عليه؛ ولو كان رجلًا صالحًا؛ كما أنكر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على معاذ.

١٠- أن المنفرد له أن يطول ما شاء ما لم يفرط؛ فيخرج الصلاة عن وقتها.

١١- حسن تعليمه -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك: ذكر الأحكام مع ذكر عِلَلِها.

١٢- جواز الغيبة للمتظلِّم.

١٣- جواز ترك الجماعة لعذر من الأعذار. 

١٤- أن حديث النفس في الصلاة لا يبطلها؛ أخذًا من قوله: «وَذَا الْحَاجَةِ»، وهذا متفق عليه إلا أن يغلب ذلك على أكثر الصلاة؛ فقد قيل ببطلانها.  

تنبيه: التخفيف المفرط الذي يفوِّت على المأموم بعضَ أركان وواجبات الصلاة: حرام، والتطويل المفرط المنفِّر عن الصلاة: حرام.

بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-

هذا الباب هو المقصود من كتاب الصلاة؛ لذلك هو أهم أبواب الكتاب، ومقصوده: العمل بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي»([478])، ومن علم كيف كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يصلي فهو كمن رآه يصلي في وجوب الاتباع؛ فعلى المسلم أن يتعلم صلاة النبي –صلى الله عليه وسلم- ليصلي كصلاته.

٨٩- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلاةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي, رَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: «أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بالثَّلْجِ والْمَاءِ وَالْبَرَدِ»([479]).

الشرح:

هذا الحديث أصح ما ورد في الاستفتاح([480] وأشهر أنواع الاستفتاح: ما رواه أهل السنن عن أبي سعيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سبحانكَ اللهُمَّ وبحمدِكَ, وتباركَ اسمُكَ, وتعالى جدُّكَ, ولا إله غيرُكَ»([481])

 وكان عمر -رضي الله عنه- يستفتح به ويجهر به؛ ليعلَّمه الناس([482])

وأما الاستفتاح في حديث أبي هريرة: فهو دعاء، وقد اشتمل على ثلاث دعوات، ومضمونها: طلب السلامة من الذنوب، ما وقع منها وما لم يقع، والبُعْدُ من الذنوب والنقاءُ منها يتضمَّنُ مجانبتَها والسلامةَ من شرِّها، والتطهيرُ منها بالماء والثلج والبرد يتضمَّنُ مغفرتَها مغفرةً يحصل بها النقاء، ويحصل بها البرد المزيل لحرارة الذنوب؛ ولذا قال: «اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بالثَّلْجِ والْمَاءِ وَالْبَرَدِ»

وفي الحديث فوائد، منها:

١- مشروعية السكوت بعد تكبيرة الإحرام قبل القراءة، والمراد به: ترك الجهر، لا ترك الكلام مطلقًا. «هُنَيْهَةً» أي: وقتًا قليلًا([483]).  

٢- مشروعية هذا الاستفتاح.

٣- أن السكوت والاستفتاح من سنن الصلاة.

٤- أن الذنوب تدنِّسُ القلوبَ وتنجِّسُها؛ كما قال الله في المشركين: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28]. ولذا تضمَّن هذا الدعاء طلبَ النقاء والتطهير، وفي هذا: شاهد لما كان يفعله -صلى الله عليه وسلم- من كثرة الاستغفار، وإن كان -صلى الله عليه وسلم- معصومًا من كبائر الذنوب، وقد غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر.

٥- حرص أبي هريرة على العلم، وشواهد هذا كثيرة([484]).

6- أن من طرق البيان: التشبيه، فقد شبه ما يُطلب للقلب من النقاء من الذنوب بما يُطلب من النقاء للثوب الأبيض من الدنس.

7- أن تحصيل العلم طريقُهُ السؤال، وإذا صح القصد وحسُنت الطريقة في السؤال لم يُذم السائل بكثرة السؤال، وقد قال ابن عباس -لما سُئل عن كثرة علمه-: «إنَّما نلتُهُ بلسانٍ سؤول وقلبٍ عقول»([485]).

8- جواز تخصيص الإمام نفسه فيما يدعو به سرًا.

9- مشروعية الإلحاح في الدعاء وتنويع ألفاظه.

٩٠- عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَفْتِحُ الصَّلاةَ بِالتَّكْبِيرِ, وَالْقِرَاءَةَ بـ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، وَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ, وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا, وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا, وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ, وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى, وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ, وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاةَ بِالتَّسْلِيمِ([486]).

الشرح:

هذا الحديث أشمل حديث ورد في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- من تكبيرة الإحرام إلى السلام، وقد اشتمل على كثير مما يشرع في الصلاة من الأقوال والأفعال.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-افتتاح الصلاة بالتكبير، وهذه تكبيرة الإحرام، وهي ركن في الصلاة لا تنعقد الصلاة من دونها([487]).

٢- افتتاح القراءة بالحمد لله، والمراد: قراءة الفاتحة، وهي أيضًا من أركان الصلاة([488]).

٣- أن الركوع والسجود من أفعال الصلاة، وهما من أركان الصلاة، وقد أمر الله بهما فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:77].

٤- أن من صفة الركوع: أن المصلي يجعل رأسه حذاء([489]) ظهره، لا يشخِّصه إلى فوق، ولا يصوِّبه إلى أسفل.

٥- أن من هديه -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة: أنه إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائمًا، وإذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي جالسًا، وقد أمر بذلك المسيء في صلاته؛ فقال: «ثم ارفع –أي من الركوع- حتى تعتدل قائمًا»، وقال: «ثم ارفع –أي من السجود- حتى تطمئن جالسًا»([490])؛ ولهذا كان الاعتدال بين الركوع والطمأنينة بين السجدتين من أركان الصلاة([491]).

٦- أن من صفة الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول: أن يفرش المصلي رجله اليسرى ويقعد عليها، وينصب اليمنى.

٧- مشروعية التشهُّد بعد كل ركعتين، لكن التشهُّد الأول في الصلاة ذات التشهُّدين: واجب([492] والتشهُّد الذي قبل السلام: ركن([493]). 

٨- النهي عن عقبة الشيطان، وأصح ما فُسِّرت به: أنها الإقعاء كإقعاء الكلب، وهو أن ينصب ساقيه وفخذيه، ويقعد على مقعدته، ويضع يديه على الأرض([494]).

٩- ختم الصلاة بالتسليم، والصحيح: أنها تسليمتان([495])، ولا يتحلل من الصلاة إلا به؛ لحديث: «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»([496]).  

١٠- النهي عن بسط الذراعين على الأرض في السجود؛ فيجب رفع المرفقين؛ فيجعلهما على ركبتيه، والأفضل أن يجافي عضديه عن جنبيه.

١١- النهي عن التشبُّه بالبهائم.

٩١- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ, وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ, وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ, وَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ , رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» وَكَانَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ([497]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في رفع اليدين في الصلاة في ثلاثة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، والرفع منه، وورد الرفع في موضع رابع: وهو القيام من التشهد الأول كما عند البخاري من حديث ابن عمر([498])، وعند أبي داود والترمذي من حديث أبي حميد الساعدي([499])  وصفة رفع اليدين: أن يرفعهما حذو منكبيه، مستقبِلًا ببطونهما القبلة،  مضمومة الأصابع، ممدودة، وهذا الرفع سنة([500])

وفي الحديث فوائد، منها:

١- مشروعية رفع اليدين عند التكبير؛ لافتتاح الصلاة.

٢- مشروعية التكبير عند الركوع وعند الرفع منه.

٣- أنه لا يشرع رفع اليدين عند السجود.

٤- أن الإمام يقول إذا رفع رأسه من الركوع: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ, رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ»، وكذلك يفعل المنفرد، وأما المأموم فيقول: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» بعد قول الإمام: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ومعنى: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» استجاب لمن حمده([501])، و«رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» وردت بالواو، ومن دونها([502])، وفيها إثبات الربوبية لله، وإثبات الحمد كله له وحده.  

٩٢- عَنْ عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى ([503]) أَنْفِهِ- وَالْيَدَيْنِ, وَالرُّكْبَتَيْنِ , وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ»([504])

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل فيما يجب السجود عليه من الأعضاء، وإذا كان السجود من أهم أركان الصلاة: فلا يصح سجود من لم يسجد على هذه الأعضاء.

وفي الحديث فوائد، منها:

١- أن الرسول يُؤمر ويُنهى، والآمِرُ والنَّاهِي له: ربُّه، وما أُمر به -صلى الله عليه وسلم- فأمَّتُهُ تبعٌ له في ذلك.

٢- وجوب السجود على هذه الأعظم.

٣- وجوب السجود على الأنف مع الجبهة.

٤- أن أهم أعضاء السجود هي الجبهة؛ لأن السجود عليها أدلُّ على كمال التواضع لله.

٥- وجوب السجود على اليدين، والمراد بهما: الكفان.

٦- وجوب السجود على أطراف القدمين، والمراد بها: بطون أصابع الرجلين، وتكون أطراف الأصابع إلى القبلة.

٩٣ -عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَامَ إلَى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ, ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ, ثُمَّ يَقُولُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ, ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي, ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ, ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ, ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَع رَأْسَهُ, ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صَلاتِهِ كُلِّهَا, حَتَّى يَقْضِيَهَا, وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ([505]). 

٩٤- عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ([506]) قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَكَانَ إذَا سَجَدَ كَبَّرَ, وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ, وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ, فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ, فقَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم، أَوْ قَالَ: صَلَّى بِنَا صَلاةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم([507]). 

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في تكبيرات الانتقال بين أركان الصلاة، وقد دلَّا على أن في كل ركعة: خمس تكبيرات، عدا تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى، وتكبيرة القيام بعد الثنتين.

 وفي الحديثين فوائد، منها:

١- مشروعية التكبير حين القيام إلى الصلاة، وهي تكبيرة الإحرام.

٢- مشروعية التكبير للركوع، ومشروعية التسميع للرفع منه، وهو قول: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» أي: استجاب.

٣- مشروعية التحميد بعد الرفع من الركوع، وهو قول: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ».

٤- مشروعية التكبير للسجود والرفع منه في السجدتين.

٥- مشروعية كل ما تقدم في الصلاة كلها.

٦- فضل التكبير، وهو قول: الله أكبر، ومعناه: التعظيم، ومعنى الله أكبر: الله أكبر من كلِّ شي، وقد أمر الله بالتكبير فقال تعالى: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء:111]، وقد شُرع الذِّكرُ به في مواضع عديدة من العبادات والأوقات.

٧- في قول عمران بن حصين: «قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم» دليل على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجهر بالتكبير، وأن كثيرًا من الأئمة في وقت عمران قد فرَّطوا في هذه السُّنَّة!

فعلم مما تقدم؛ أن في الصلاة الثنائية: إحدى عشرة تكبيرة، وفي الثلاثية: سبع عشرة تكبيرة، وفي الرباعية: ثنتين وعشرين تكبيرة.

٩٥- عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- فَوَجَدْتُّ قِيَامَهُ؛ فَرَكْعَتَهُ؛ فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ؛ فَسَجْدَتَهُ؛ فَجِلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ؛ فَسَجْدَتَهُ؛ فَجِلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالانْصِرَافِ: قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ([508]).

* وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: مَا خَلا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ.

٩٦- عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ([509]) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: إنِّي لا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رأيت رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا، قَالَ ثَابِتٌ: فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئاً لا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ: انْتَصَبَ قَائِمًا, حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ, وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ: مَكَثَ, حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ([510]). 

٩٧- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وراء إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاةً وَلا أَتَمَّ صّلاةً مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم-([511]).

الشرح:

هذه الأحاديث اشتملت على جملة من هديه -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، منها: التناسب بين الأركان في المقدار؛ كما في حديث البراء.

وقوله: «رَمَقْتُ» أي: نظرت وتأملت.

ومنها: إطالته -صلى الله عليه وسلم- القيام بعد الركوع؛ كما في حديث أنس الأول.

ومنها: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يخفف الصلاة مع الإتمام، ومعنى قول أنس: «مَا صَلَّيْتُ وراء إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاةً وَلا أَتَمَّ صّلاةً مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم» يريد أنه غلب على الأئمة: إما التخفيف المفرط، أو التطويل المفرط

وفي الأحاديث فوائد، منها: 

١- تقارب أركان الصلاة الفعلية بالمقدار.

٢- أن الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين قريبٌ من السواء.

٣-أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يطيل القيام والقعود الذي قبل السلام؛ لقول البراء كما عند البخاري: «مَا خَلا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ»

٤- أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يخفف الصلاة لكن من غير إفراط.

٥- أن صلاته -صلى الله عليه وسلم- كانت معتدلة؛ فكان يخفف الصلاة ويتم ركوعها وسجودها.

٦- أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يطيل الاعتدال بعد الركوع والجلوس بين السجدتين؛ خلاف ما يعمله أكثر الناس من التخفيف.

٩٨- عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْجَرْمِيِّ الْبَصْرِيِّ([512]) - قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا, قَالَ: إنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ, وَمَا أُرِيدُ الصَّلاةَ, أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – يُصَلِّي؛ فَقُلْتُ لأَبِي قِلابَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلَ صَلاةِ شَيْخِنَا هَذَا([513]), وَكَانَ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ([514]). 

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في جلسة الاستراحة، وهي جلسة خفيفة قبل النهوض من الركعة الأولى، وقبل النهوض من الثالثة من الرباعية، وله شاهد من حديث أبي حميد الساعدي([515]) واختلف العلماء في حكم جلسة الاستراحة:([516])

فقال بعضهم: إنها سنة من سنن الصلاة([517])

وقال آخرون: ليست سنة بل فعلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- لـمَّا ثَقُل؛ لذلك قال بعضهم: هي سنة لمن يحتاج إليها ([518]

والقول الأول أظهر؛ لأنه الأصل في كل ما نقل من صفة صلاته -صلى الله عليه وسلم- كيف والراوي لجلسة الاستراحة هو مالك بن الحويرث الذي روى قوله صلى الله عليه وسلم: «صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي»!([519])

وفي الحديث فوائد، منها:

١- مشروعية جلسة الاستراحة.

٢- فضيلة مالك بن الحويرث؛ فإنه وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- مع صاحب له، أو مع جماعة، وحفظ صفة صلاته -صلى الله عليه وسلم-، وبلَّغها بقوله وفعله.

٣- أن من طرق البلاغ: التعليم بفعل العبادة بصفتها التي وردت؛ فعلًا وقصدًا، لا بطريقة التمثيل.

٤- جواز فعل العبادة لغرضين شرعيين؛ كالصلاة تقربًا إلى الله، ولتعليم الناس صفة صلاته -صلى الله عليه وسلم-، وذلك قربة فتكون هذه الصلاة قربة إلى الله من جهة أصلها، ومن جهة قصد التعليم، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: صلى على المنبر؛ ثم قال: «إنِّما صنعتُ هذا لتَأْتَمُّوا بي وتَعْلَموا صلاتِي»([520])

وقول مالك بن الحويرث: «وَمَا أُرِيدُ الصَّلاةَ» أي: لذاتها ولكني أريد تعليمكم كيف رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي، وليس هذا من التشريك المفسد للعبادة؛ لأن كلًا من الغرضين يُقصد للتقرب، لكن قد يكون أحدهما هو المقصود الأول والآخر بالقصد الثاني، وإنما يفسد العبادة: التشريك بغرضٍ من أغراض الدنيا.

٥- فضيلة عمرو بن سلمة؛ فإنه هو الذي أمَّ قومه في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ست سنين أو سبع سنين؛ لأنه كان أكثر أخذًا للقرآن، ثم شاخ في الإسلام؛ فإنه توفي سنة خمس وثمانين -رضي الله عنه-.

٦- حرص الصحابة على تبليغ السُّنَّةِ والعملِ بها؛ كما فعل مالك بن الحويرث وعمرو ابن سلمة.

٩٩- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ - رضي الله عنه- قال: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ, حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ([521]).

الشرح:

هذا الحديث تضمَّن شيئًا من هديه -صلى الله عليه وسلم- في هيئة السجود، وهو مجافاة اليدين، أي: العضدين عن الجنبين، وهذا هو المراد من قوله: «فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ»

وفي الحديث فوائد، منها:

1-مشروعية مجافاة العضدين عن الجنبين حال السجود، ومن الحكمة في ذلك: أن يعتمد المصلي في السجود على كفيه؛ فيأخذ كل عضو حظه من العبادة.

2- المبالغة في المجافاة لقوله: «حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ».

3-حرص الصحابة على معرفة دقائق هديه -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، وتبليغ ذلك لمن بعدهم.

٤-أن الغالب من هديه -صلى الله عليه وسلم- في اللباس: الإزار والرداء؛ لقوله: «حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ».

١٠٠-وعَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ([522]) قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: أَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ([523]). 

الشرح:

هذا الحديث تضمَّن شيئًا من هديه -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، وهو الصلاة في النعلين

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية الصلاة في النعلين، وقد تعددت الأحاديث في ذلك قولًا وفعلًا، فمن الفعل: هذا الحديث، وحديث: خلْعِ النبي -صلى الله عليه وسلم- نعليه لـمَّا أعلمه جبريل أنَّ فيهما قذرًا([524] ومن أحاديث القول: قوله -صلى الله عليه وسلم-: «صلُّوا في نعالِكُم»([525] وحديث: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد: فلينظر في نعليه؛ فإن رأى فيهما قذرًا؛ فليمسحه وليصلِّ فيهما»([526]).   

٢-أن من الحكمة في الصلاة في النعلين: مخالفة اليهود؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم»([527]).

3-جواز دخول المسجد بالنعلين؛ لأن ذلك لازم لجواز الصلاة فيهما، والمشي فيه بهما، إلا أن يكون المسجد مفروشًا؛ فإن المشي بالنعال على فرش المسجد يؤدي إلى تلويثها بالقذر والوسخ؛ لذلك ينهى عنه.

٤-أن الجواب بنعم يفيد مقصود السائل؛ لأن جملة السؤال مقدرة في الجواب، وشواهد هذا لا تحصى.

١٠١- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ ابْنِ عَبْدِ شَمْسٍ, فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا, وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا([528]).

الشرح:

هذا الحديث تضمَّن حكم العمل في الصلاة مما ليس من أفعال الصلاة 

وفي الحديث فوائد، منها:

1-  جواز حمل الطفل أو الطفلة في الصلاة للإمام بالنص، وللمأموم والمنفرد بقياس الأولى.

2-  أن الأصل في ثياب الطفل: الطهارة.

3-  أن حمل الطفل ووضعه مرات في الصلاة: لا يبطلها.

4-  رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصغار، وتواضعه.

5-  احتفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالبنات خلاف ما كان عليه أهل الجاهلية.

6-  جواز إدخال الصبيان المساجد إلا أن يخشى من ذلك مفسدة؛ كالتشويش على المصلين، أو وقع النجاسة في المسجد.

7-  ظاهره: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يحمل الصبية قائمًا وراكعًا؛ لقوله: «فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا».

١٠٢- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ»([529]).

الشرح:

هذا الحديث يتعلق بهيئة السجود، ومن هيئة السجود: الاعتدال، والاعتدال في السجود: أن يرفع المصلي بطنه عن فخذيه، ويرفع مرفقيه، ويجافي عضديه عن جنبيه، وضد ذلك: أن يبسط ذراعيه على الأرض كما يبسطهما الكلب والسبع، ويشهد لهذا الحديث: حديث عائشة المتقدم، وفيه: «ويَنهى أن يفترش الرَّجُلُ ذراعيْه افتراشَ السَّبُع»([530])  

ويشمل الاعتدال التام في السجود: كل ما دلت عليه السنة من هيئة السجود. قال الشيخ ابن سعدي-رحمه الله تعالى- : "الاعتدال في السجود: هو تمكين الأعضاء السبعة كلها في الأرض، ومجافاة اليدين عن الجنبين، والبطن عن الفخذين، وهما عن الساقين، ومباعدة اليدين عن الجبهة والأنف، واليمنى عن اليسرى، وجعل أصابعهما موجهة إلى القبلة وهما حذو المنكبين أو الأذنين، والمباعدة بين الركبتين، وكذلك القدمين، ونصبهما وتوجيه أصابعهما إلى القبلة"([531])

وفي الحديث فوائد، منها: 

١-وجوب الاعتدال في السجود الذي ضده: بسط الذراعين على الأرض. 

٢-تحريم بسط الذراعين على الأرض حال السجود.

٣-أن من كمال الصلاة: حسن الهيئة في الركوع والسجود والقيام والقعود.

٤-أنه يجوز أن يأتي المصدر مخالفًا لفعله في عدد الحروف؛ فالبسط من الثلاثي، والانبساط من الخماسي.

٥-النهي عن مشابهة الحيوانات في شي من أفعال الصلاة؛ كما دلت عليه السنة في مواضع.

 بابُ وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

حديث هذا الباب المناسب ذكره في الباب الذي قبله؛ لأنه من صفة الصلاة، ولعل المؤلف أفرده بالترجمة؛ للتنبيه على أهمية ما دل عليه من وجوب الطمأنينة، ومعنى الطمأنينة: اللبث والاستقرار.

١٠٣-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الْمَسْجِدَ, فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى, ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ, فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ»، فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى, ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -([532] فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ, فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» - ثَلاثًا - فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ما أُحْسِنُ غَيْرَهُ؛ فَعَلِّمْنِي, قَالَ: «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ, ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ معك مِنْ الْقُرْآنِ, ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا, ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا»([533]).

الشرح:

هذا الحديث يعرف عند العلماء بحديث المسيء؛ لأن الرجل أساء في صلاته بترك بعض ما يجب فيها، والأظهر أنه الطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال منهما؛  فردَّدهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم علَّمه كيف يصلي، وقد جعل كثير من العلماء هذا الحديث أصلًا فيما يجب في الصلاة؛ فقالوا بوجوب كل ما ذُكر في الحديث دون ما لم يذكر، وهم منازَعون في عدم وجوب كل ما لم يذكر؛ فإن ما لم يذكر من أقوال الصلاة وأفعالها قد يكون الرجل لم يُخل به، وقد يثبت وجوبه بدليل آخر كالتشهد والتسبيح في الركوع والسجود

وفي الحديث فوائد، منها:

١-وجوب افتتاح الصلاة بالتكبير، وهذه تكبيرة الإحرام التي بها الدخول في الصلاة.

٢-وجوب القراءة في الصلاة، وقد دل حديث عبادة على تعيين الفاتحة: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»([534])، وقد ورد تعيين الفاتحة في بعض روايات حديث المسيء([535]).

٣-وجوب الركوع والسجود.

٤-وجوب الاعتدال بعد الركوع.

٥-وجوب الجلوس بعد السجود.

٦-وجوب الطمأنينة في ذلك كله.

٧-وجوب كل ما تقدم في كل ركعة؛ لقوله: «وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا»

٨-بطلان الصلاة بترك الطمأنينة؛ لقوله: «فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» 

٩-عذر الجاهل ببعض أركان الصلاة فيما مضى من صلاته، وقد خرج وقته.

١٠-حسن تعليمه -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث ردَّده ليشعره بحاجته إلى العلم.

١١-أدب ذلك الرجل؛ لحسن سؤاله.

١٢-أن الاعتراف بالخطأ فضيلة.

١٣-جواز الحلف لتأكيد الخبر.

14-جواز الحلف بالاسم الموصول مراد به الله.

١٥-جواز السلام على القوم المجتمعين على ذكر أو تلاوة أو تعليم، بل هو مشروع.

١٦-تكرار السلام كلما تكرر المجيء، وتكرار الرد بتكرار السلام، وقد جاء ذكر الرد في بعض روايات هذا الحديث من صحيح البخاري([536]) على ما ذكره الحافظ([537]).

١٧-جواز النظر إلى من يصلي؛ للاقتداء به إن كان من أهل القدوة، أو إرشاده إلى خطئه إن أخطأ كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.

١٨-أن من طرق تحصيل العلم ونشره: سؤال الجاهل للعالم، وتعليم العالم للجاهل.

١٩-جواز تأخير البيان للمصلحة.

٢٠-إمهال الجاهل وترديده؛ لإدراك خطئه، وحاجته إلى العلم؛ وليقع التعليم عنده موقعه.

٢١-أن التعليم بالقول أبلغ من الفعل، وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهما في بيان شرائع الإسلام.

 بابُ القراءةِ في الصَّلاةِ

أي: هذا باب ذكر حكم القراءة في الصلاة، وما وردت به السُّنَّة في ذلك، والقراءة في الصلاة نوعان: واجبة، ومسنونة، ومن ذلك: قراءة سور معينة في بعض الصلوات.

١٠٤-عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»([538]).

١٠٥-وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ, يُطَوِّلُ فِي الأُولَى, وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ, يُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى, وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ, وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ([539]). 

١٠٦-عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ([540]).

١٠٧-عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي سَفَرٍ , فَصَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ؛ فَقَرَأَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ؛ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا -أَوْ قِرَاءَةً- مِنْهُ([541]).

الشرح:

هذه الأحاديث كلها تدل على مشروعية القراءة في الصلاة.

وفي الأحاديث فوائد، منها:

١-وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، وأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها، وقد ذهب جمهور العلماء إلى ذلك في حق الإمام والمنفرد([542])، وذهب أبو حنفية إلى وجوب القراءة في الصلاة، ولكن لا تتعين الفاتحة([543] والصواب: ما ذهب إليه جمهور العلماء؛ لحديث عبادة  

 ثم اختلفوا في وجوب القراءة على المأموم([544]):

فقيل: لا تجب مطلقًا: لا في سرية، ولا جهرية.

وقيل: تجب مطلقًا.  

وقيل: تجب في السرية دون الجهرية([545])، وهذا أرجح الأقوال، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([546] بل عنده: تحرم القراءة على المأموم الذي يسمع قراءة الإمام([547] لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204]، وقوله -صلى الله عليه وسلم- في الإمام: «فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قرأ فأنصِتوا»([548])

وكل من قال بوجوب قراءة الفاتحة: يجعلها ركنًا تبطل الصلاةُ بتركها: إمامًا كان، أو مأمومًا، أو منفردًا، ولكن لا ريب أن وجوبها على المأموم ليس كوجوبها على الإمام والمنفرد؛ وذلك لتعارض الأدلة، واتساع الخلاف؛ ولهذا اختار شيخنا عبد العزيز بن باز أنها واجبة على المأموم مطلقًا إلا أنها ليست ركنًا في حقه، ولا تبطل الصلاة بتركها، سهوًا أو جهلًا([549])

٢-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر: بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.

٣-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُسِرُّ القراءة في صلاة الظهر والعصر، ويُسمِعُ بعض الآيات، ولعل هذا هو السبب بمعرفة ما كان يقرأ به، وصح عن أبي سعيد -رضي الله عنه- أنهم كانوا يحزرون قراءته -صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر([550] ومعنى يحزرون: يقدِّرون، وهذا يدل على الإسراع، كما صح أنهم كانوا يعرفون قراءته بحركة لحيته -صلى الله عليه وسلم-([551]).

٤-أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في المغرب أحيانًا من طوال المفصَّل؛ كما في حديث جبير.

٥-أنه -صلى الله عليه وسلم- قرأ في المغرب بالطور.

٦-أنه -صلى الله عليه وسلم- ربما قرأ في العشاء من قصار المفصَّل؛ كما في حديث البراء: أنه -صلى الله عليه وسلم-: «قَرَأَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ».

7-تطويل الركعة الأولى من جميع الصلوات، ولاسيما صلاة الفجر.

٨-تطويل الركعتين الأوليين من الظهر ومن العصر على الركعتين الأخريين.

٩-حسن صوته صلى الله عليه وسلم.

١٠-الجهر في صلاة المغرب، وصلاة العشاء.

١٠٨-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ؛ فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاتِهِمْ؛ فَيَخْتِمُ بـ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يصَنَعَ ذَلِكَ؟» فَسَأَلُوهُ؛ فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ, فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَخْبِرُوهُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ»([552]).   

١٠٩-عَنْ جَابِرِ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِمُعَاذٍ: «فَلَوْلا صَلَّيْتَ بـ «بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى», «وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا», «وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى» فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ: الْكَبِيرُ، وَالضَّعِيفُ، وَذُو الْحَاجَةِ»([553]).

الشرح:

هذان الحديثان تضمنَّا الدلالة على قراءة بعض السور في الصلاة الجهرية زيادةً على الفاتحة، وبيان مقدار القراءة في صلاة العشاء، وتعيين بعض السور لذلك

وفي الحديثين فوائد، منها:

١-إقرار الإمام على ما أحسن فيه.

٢-فضل سورة «قل هو الله أحد».

٣-جواز ختم القراءة في الصلاة بها؛ لإقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك الرجل على ذلك.

٤-السُّنَّةُ التقريرية لا توجبُ استحبابَ العمل والترغيبَ فيه ما لم تأت سنة أخرى؛ كما في صلاة ركعتين قبل المغرب([554]).

٥-إثبات المحبة لله تعالى.

٦-فضل محبة ما فيه ذكر الله، وصفاته.

٧-الرد على ابن حزم في إنكاره إضافة الصفات إلى الله تعالى([555]).

٨-تفاضل كلام الله.

٩-تقدير القراءة في صلاة العشاء بسور من أوساط المفصَّل؛ كالشمس وضحاها، والليل إذا يغشى.

١٠-إرشاد الإمام لمراعاة مَن خلفه ممن يشق عليهم التطويل؛ كالكبير والضعيف وذي الحاجة، وتقدم ما ورد من التغليظ في الإنكار على من يطيل التطويل المنفِّر عن شهود الصلاة([556]).

١١-بعْثُ الإمام الجيوش والسرايا للجهاد في سبيل الله.

١٢-أن أمير الجيش أو السرية ينبغي أن يكون هو الإمام في الصلاة.

١٣-الجمع بين سورتين في ركعة.

١٤-التثبت قبل الحكم؛ لقوله: «سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يصَنَعَ ذَلِكَ؟».

١٥-أن من المقاصد الشرعية: الرفق بالضعفاء، وتجنب ما يشق عليهم في دين أو دنيا.

16-إقرار من أحسن على إحسانه، والإنكار على من أساء.

 بابُ تركِ الجَهرِ بـ بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ: 

الأصل أن الجهر والإسرار في «بسم الله الرحمن الرحيم» تابع لصفة قراءة السورة، ولكن دلت السُّنَّةُ على ترك الجهر بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» في الصلاة الجهرية، والأصل في ذلك: حديث أنس هذا، وقد اختلف العلماء في الجهر والإسرار بها([557])، تبعًا للخلاف في عدِّها آية من سورة الفاتحة، أو غيرها، أو أنها ليست آية من أي سورة([558])

فمن جعلها آية من السورة، قال: يجهر بالبسملة إذا جهر بالسورة

ومن قال: إنها ليست آية من الفاتحة ولا غيرها، قال: لا يقرؤها سرًا ولا جهرًا

ومن قال إنها آية من القرآن، يقول: يقرؤها ولكن لا يجهر بها([559])، وهذا ما تفيده ترجمة الباب، وهو اختيار المؤلف، وهو الصحيح كما يدل عليه ظاهر حديث أنس، وآثار السلف.

١١٠-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانُوا يَفْتِتحُونَ الصَّلاةَ بِـ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»([560]). 

* وَفِي رِوَايَةٍ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ, فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ([561]).  

* وَلِمُسْلِمٍ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ؛ فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِـ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ», لا يَذْكُرُونَ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلا آخِرِهَا([562]).

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في ترك الجهر بالبسملة، وهو عمدة من ذهب إلى ذلك

وفي الحديث فوائد، منها:

١-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستفتح الصلاة بِـ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، وهذا يحتمل أن يراد به الافتتاح بسورة الفاتحة، ويحتمل أن يراد به الافتتاح بالآية الأولى منها، وأنه لا يذكر «بسم الله الرحمن الرحيم» قبلها، وهذا هو الصحيح كما تدل عليه الروايات.

٢-أن ترك الجهر بالبسملة لم يُنسخ؛ لعمل أبي بكر وعمر وعثمان بذلك.

٣-اقتداء الصحابة بعمل أبي بكر وعمر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر»([563]).

4-أن «بسم الله الرحمن الرحيم» ليست آية من الفاتحة؛ فهي سبع آيات من دونها.

5-فيه شاهد للحديث القدسي، قال -صلى الله عليه وسلم-: قال الله: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين؛ فإذا قال: الحمد لله رب العالمين؛ قال الله: «حمدني عبدي» ... الحديث([564])، ولم يذكر «بسم الله الرحمن الرحيم»

 بابُ سجودِ السَّهو

السَّهو نوعٌ من النسيان، وهو ذهولٌ عارض، وسجودُ السَّهوِ سجودٌ سببُهُ: السَّهو في الصلاة، وإضافة السجود إلى السهو من إضافة الشيء إلى سببه، وقد دلت السنة على مشروعية سجود السهو لثلاثة أسباب: الزيادة، والنقص، والشك.

وقد ذكر المؤلف في الباب حديثين: حديث أبي هريرة في سلام النبي -صلى الله عليه وسلم- من ركعتين، وحديث ابن بحينة في ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- التشهد الأول؛ فالأول: تضمَّن السجود للزيادة، والثاني: للنقص، ولم يذكر المؤلف حديث أبي سعيد([565])، وابن مسعود([566] وفيهما: السجود للشك؛ لأن حديث أبي سعيد ليس في الصحيح، وأما حديث ابن مسعود فهو متفق عليه، فكان ينبغي للمؤلف أن يذكره؛ لأنه على شرطه، والحديث من أصول باب سجود السهو.

١١١-عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ([567])، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - إحْدَى صَلاتَي الْعَشِيِّ - قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: وَسَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا - قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ؛ فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى, وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ([568] وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا: قُصِرَتِ الصَّلاةُ؟ -وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ- وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ, يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَنَسِيتَ, أَمْ قُصِرَتِ الصَّلاةُ؟ قَالَ: «لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ» فَقَالَ: «أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟» فَقَالُوا: نَعَمْ؛ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ, ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ, ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ؟([569]) فَنُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ([570]).

١١٢-عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ؛ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ؛ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ, حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلاةَ, وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ: كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ؛ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ([571]).

الشرح:

هذان الحديثان من أصول باب سجود السهو، وفيهما: السجود للزيادة وللنقص

وفي الحديثين فوائد، منها:

١-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشر يجوز عليه النسيان؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «إنَّما أنا بشر أنسى كما تنسون»([572])، وفي سهوه -صلى الله عليه وسلم-: حكمة ومصلحة للأمة، وهي بيان أحكام السهو.

٢-حكم من سلَّم قبل تمام صلاته: وهو أن يعود فيتم صلاته ويبني على ما مضى ثم يسلِّم، ثم يسجد سجدتين ثم يسلِّم.

٣-أن الكلام سهوًا أو جهلًا لا يبطل الصلاة، ومن ذلك: مَن تكلم يظنُّ أنَّه قد خرج من الصلاة؛ كما في حديث ذي اليدين.

٤-مشروعية تذكير من نسي شيئًا من الصلاة؛ حتى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وفي الحديث الصحيح: قال -صلى الله عليه وسلم-: «فإذا نسيت فذكِّروني»([573]).

٥-أن مَن أخبر بخبرٍ بناءً على ظنٍّ أخطأ فيه: فلا حرج عليه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ»، وقال له ذو اليدين: «بلى، قد نسيت»([574]).

٧-مشروعية التثبُّت عند الشك في الأمر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟»

٨-أن من سلم قبل تمام الصلاة: يسجد للسهو بعد السلام؛ ثم يسلِّم مرة أخرى، وهذا السجود من أجل الزيادة في الصلاة، والسلام قبل تمام الصلاة يتضمن زيادة تشهد وتسليم. 

٩-أن تنبيه المتعلِّم للعالم إلى خطأ محقق لا ينافي حسن الأدب، بل هو مما يحمد؛ لقول ذي اليدين للنبي -صلى الله عليه وسلم- : «بلى قد نسيت»

١٠-الاستفصال مع الاحتمال عند التنبيه إلى الخطأ.

١١-جواز ذكر الإنسان بعيبٍ فيه لمجرد التعريف.

١٢-أن سهو الإمام لاحِقٌ للمأمومين؛ لتمام متابعته.

١٣-أن الخروج من المسجد لا يبطل الصلاة، والبناء على ما سبق منها.

١٤-أن الأفعال التي ليست من جنس الصلاة إذا وقعت سهوًا لا تبطل الصلاة، وإن كثرت.

١٥-أن سجود السهو كالسجود في الصلاة، بل هو من الصلاة.

١٦-جواز رجوع المصلي في قدر صلاته إلى قول غيره.

١٧-جواز تشبيك الأصابع في المسجد.

١٨-رجوع الإمام عمَّا غلب على ظنه إلى قول من يثق به من المأمومين، لا عما تيقنَّه.

١٩-أن من سلَّم قبل تمام الصلاة، وقام من مجلسه، ثم أراد إتمام الصلاة: لا يجلس ثم يقوم، بل يـبني على صلاته وهو قائم؛ فيشرع في الفاتحة.

٢٠-فضيلة أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- لإجلالهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وهيبته.

٢١-فضيلة ذي اليدين -رضي الله عنه- لحرصه على العلم، واهتمامه بشأن الصلاة.

٢٢-أن من أخبر عما يعتقده صدقًا لم يكن كاذبًا ولو أخطأ.

23- أن حصول النقص في الصلاة -وإن لم يشعر به المصلي- قد يورثه تكدرًا لا يعرف سببه، يدل لذلك: ما ذُكر من هيئة النبي – صلى الله عليه وسلم- حين قام إلى خشبة مسندة في  المسجد.

* وفي حديث ابن بحينة من الفوائد:

١-أن من قام من التشهد الأول ناسيًا:  يمضي ولا يرجع.

٢-أن من نسي التشهد الأول: يسجد سجدتين قبل السلام.

٣-أن التشهد الأول من واجبات الصلاة، وليس بركن([575]).

٤-أن سجود السهو في الصفة مثل السجود في الصلاة؛ لقوله مثل: مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ

٥-أن المأموم يتابع الإمام إذا قام وترك التشهد الأول ناسيًا.

 بابُ المرورِ بين يدي المصلِّي

معناه: هذا باب بيان حكم المرور بين يدي المصلي، وذكر ما ورد فيه، والمرور بين يدي المصلي: هو المشي بينه وبين سترته أو قريبًا منه، وهو من كبائر الذنوب؛ لما ورد فيه من الوعيد([576]).  

١١٣-عَنْ أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ([577])؛ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ». قَالَ أَبُو النَّضْرِ([578]): لا أَدْرِي؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً([579]).  

١١٤-عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النبي- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ؛ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ: فَلْيَدْفَعْهُ؛ فَإِنْ أَبَى: فَلْيُقَاتِلْهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ»([580]).

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في تحريم المرور بين يدي المصلي.

وفيهما فوائد:

١-تحريم المرور بين يدي المصلي.

٢-ذكر الوعيد الشديد في ذلك.

٣-أن العلم بعاقبة الذنب يمنع من الإقدام عليه.

٤-أن من صلَّى إلى سترة: عليه أن يمنع من يريد المرور من قُدَّامِه ولو بالمقاتلة.

٥-بيان سبب ذلك: وهو أنه شيطان، أو معه شيطان، وهو قرينه.

٦-أن للمصلي حرمة لا يجوز انتهاكها.

٧-مشروعية اتخاذ السترة في الصلاة، وهي شي يُنصب ويكون ارتفاعها مثل مؤخرة الرحل، أو قدر ذراع.

٨-أن الإثم والوعيد يتعلقان بالمارِّ دون القائم والقاعد والمضطجع.

٩-جواز العمل في الصلاة لمصلحتها.

١٠-جواز إطلاق اسم الشيطان على من يصرُّ على المعصية ولا ينتهي.

١١-أن من لم يجعل له سترة: فليس له أن يدفع المار.

١٢-دفع الصائل بالأسهل فالأسهل.

13-أن الوقوف الطويل من الأمور الشاقة التي يمكن أن يعاقب بها.

14-أن من فعل المعصية فرارًا من شيء وقع في شرٍّ مما فرَّ منه.

١١٥-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ, وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلامَ, وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ؛ فمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ, فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ, فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ([581]).

١١٦-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كنت أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ؛ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي, فَقَبَضْتُّ رِجْلَيَّ، وإِذَا قَامَ بَسَطْتُّهُمَا، وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ([582]).

الشرح: 

هذان الحديثان استُدِّل بهما على أن مرور الحمار والمرأة لا يقطع الصلاة، وقد ذهب إلى ذلك الجمهور من العلماء([583])، وذهب جماعة من العلماء إلى قطع الصلاة بذلك([584])، واستدلوا بحديث أبي ذر عند مسلم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يقطع صلاة المرء إذا لم يكن بين يديه مثل مُؤخرة الرحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود»([585] وأجابوا عن حديث ابن عباس وعائشة:  بأن الحمار مرَّ بين يدي بعض الصف، وسترة الإمام سترة للمأمومين، وليس في حديث عائشة أنها مرت من بين يدي النبي – صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، وإنما كانت نائمة بين يديه.

وذهب الإمام أحمد في الرواية المشهورة: أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود([586] والرواية الأخرى: أن الثلاثة تقطع الصلاة([587])، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية([588])

ومعنى القطع: الإبطال، والذين قالوا لا يقطع الصلاة شيءٌ تأوَّلوا القطع في حديث أبي ذر بنقص الثواب.

والراجح: أن مرور الثلاثة: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، يقطع الصلاة؛ كما هو ظاهر حديث أبي ذر، فمن مرَّ بين يديه -وهو يصلي- واحدٌ من الثلاثة: بطلت صلاته، ووجب عليه إعادتها. 

وفي الحديثين فوائد، منها:

١-أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة، وتقدم الجواب عنه من جهة القائلين بالقطع، «والأتان»: هي الأنثى من الحمير([589]). 

٢-أن هذه القصة كانت في حجة الوداع بمِنى.

٣-أن سترة الإمام سترة لمن خلفه.

٤-أن ابن عباس في ذلك الوقت قد قارب البلوغ؛ فسنُّهُ ما بين عشر وأربع عشرة.

٥-أن الاحتلام من أمارات البلوغ في الذكر والأنثى، وهذا متفق عليه.

٦-الاستدلال على جواز الفعل لعدم الإنكار.

٧-جواز القعود والاضطجاع بين يدي المصلي وإن كان المضطجع امرأة.

٨-أن مس المرأة من غير شهوة لا ينقض الوضوء([590]). 

٩-فضيلة عائشة – رضي الله عنها- لنقلها سنة النبي – صلى الله عليه وسلم- في بيته.

١٠-أن مرور المرأة لا يقطع الصلاة، وتقدم الجواب عن حديث عائشة من جهة القائلين بالقطع.

١١-صفة مسكنه -صلى الله عليه وسلم-، وعدم انبساطه في الدنيا.

١٢-أنه لم يكن في البيوت مصابيح ثم اتُّخِذت بعد ذلك.

 بابٌ جامعٌ

أي: هذا باب جامع لأحاديث متفرقة في أبواب مختلفة تتعلق بالصلاة، وقد تضمن تسعة أحاديث؛ شملت: تحية المسجد، والنهي عن الكلام في الصلاة، والأمر بالإبراد في شدة الحر، وحكم من نسي الصلاة، وصلاة المفترض خلف المتنفل، وبسط الثوب للسجود عليه من حر الرمضاء، وستر العاتق في الصلاة، ونهي من أكل ثومًا أو بصلًا عن قربان المسجد.

١١٧-عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ»([591]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في تحية المسجد، ويشهد له حديث جابر قال: دخل رجل يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال: «أصليت؟» قال: لا، قال: «قم فصل ركعتين»([592])

وقد اختلف العلماء في حكم هاتين الركعتين: 

فذهب الأكثرون إلى أنها سنة مؤكدة([593]) فهي تطوعٌ لا فريضة، واحتجوا بحديث الرجل الذي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فرائض الإسلام؛ فقال عن الصلوات الخمس: هل عليَّ غيرها؟ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا،  إلا أن تطوَّع»([594])  

وذهب بعض العلماء إلى وجوب تحية المسجد([595])؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للذي دخل المسجد يوم الجمعة، والرسول –صلى الله عليه وسلم- يخطب: «قم فصل ركعتين»، ولنهيه عن الجلوس قبلها كما في هذا الحديث، وأجابوا عن حديث «إلا أن تطوَّع» بأن المراد ليس على العبد صلاة مكتوبة تجب في كل يوم وليلة غير الصلوات الخمس، وما وجب من الصلوات غير الصلوات الخمس فهو مرتب على أسباب: كالصلاة المنذورة، وصلاة الكسوف على القول بوجوبها، وتحية المسجد كذلك

وفي الحديث فوائد، منها:

١- فضل المسجد؛ لتخصيصه بأنواع من العبادات، وهو من بيوت الله التي أذن الله أن ترفع.

2-نهي الداخل للمسجد عن الجلوس قبل صلاة ركعتين.

٣-مشروعية تحية المسجد في كل وقت([596] لعموم قوله: «إذا دخل»، والمسجد عام فيدخل فيه المسجد الحرام؛ لكنّ الأولى للداخل فيه أن يبدأ بالطواف، ثم يصلي ركعتين، فيكون قد أتى بتحية البيت، وتحية المسجد، ومن لم يرد الطواف: صلى ركعتين قبل أن يجلس؛ لهذا الحديث.

٤-تخصيص أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات المعروفة بعموم هذا الحديث، وهذا يجري على مذهب من يبيح ذوات الأسباب في أوقات النهي([597]). 

٥-أن الامتثال لا يحصل إلا بصلاة ركعتين قبل الجلوس، ويغني عن تحية المسجد: أيُّ صلاةٍ، فرضًا كانت أو تتطوعًا، ولو لم ينو تحية المسجد، ومن خرج من المسجد ثم رجع قريبًا، أي: لم يطل الفصل، فليس عليه صلاة لدخول المسجد.

٧-أنه يشرع لمن أراد دخول المسجد أن يكون على طهارة وجوبًا أو استحبابًا على الخلاف في حكم تحية المسجد.

١١٨-عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ, وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلاةِ, حَتَّى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 288]. فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلامِ([598]). 

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في تحريم الكلام في الصلاة، والمراد: كلام الناس الذي يتخاطبون به خبرًا: كجاء فلان، وحصل كذا، أو طلبًا: كإذهب، ولا تتكلم، ويشهد لهذا الحديث: قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»([599])

وفي الحديث فوائد، منها:

١-تحريم الكلام في الصلاة.

٢-أن يسير الكلام كان جائزًا ثم نسخ.

٣-أن الدليل من القرآن على تحريم الكلام في الصلاة: قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 288].

٤-أن السكوت يطلق على الإمساك ولو عن نوع من الكلام.

٥-اختصاص الصلاة بأحكام من بين سائر العبادات، ومنها: تحريم الكلام فيها.

٦-تفسير القنوت بقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} وأن منه: ترك الكلام في الصلاة، وأصل القنوت: الطاعة([600]). 

٧-بطلان الصلاة بالكلام من العالم العامد دون الناسي والجاهل([601]).

١١٩-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- عَنْ النبي - صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بالصَّلاةِ([602])؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ»([603])

الشرح: 

هذا الحديث أصلٌ في مشروعية الإبراد بصلاة الظهر، وهو تأخيرها عن أول الوقت حتى تنكسر شدة الحر([604])، ويمكن أن يُقدَّر بنصف وقت الظهر، ويعارضه في الظاهر: حديث خباب بن الأرت قال: «شكوْنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الصلاة في الرَّمْضاءِ، فلم يُشْكِنا»([605]) أي: لم يُزِل شكوانا([606] وأحسن ما جمع به بين الحديثين: بأن الذين شكوا طلبوا تأخيرًا أكثر مما يحصل به الإبراد؛ فلم يجبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك([607])، والأقرب أن الأمر بالإبراد يتعلق بالوقت؛ فيستحب الإبراد لكل مصلٍّ، فردًا أو جماعة.

 و«فَيْحِ جَهَنَّمَ» وهج حرِّها([608])، و«من» يحتمل أن تكون للتبعيض، ويحتمل أن تكون للابتداء وفي الحديث فوائد، منها:

١-رحمة الله بعباده.

٢-يسر الشريعة.

٣-مشروعية الإبراد للظهر، ولا يشرع الإبراد بالجمعة؛ فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلِّيها عند الزوال([609]).

٤-تعليل الأحكام الشرعية.

٥-أن النار موجودة الآن.

٦-في الحديث شاهد للحديث الصحيح: أن النار اشتكت إلى ربها؛ فأذن الله لها بنَفَسَيْن: نَفَسٍ في الشتاء، ونَفَسٍ في الصيف، قال رسول الله: «فهو أشدُّ ما تجدون من الحَرِّ، وأشدُّ ما تجدون من الزَّمهرير»([610]).

٧-أن لشدة الحر سببًا غيبيًا وهو ما ذكر في الحديث، وهذا لا ينافي السبب الحسي، وهو قرب الشمس وارتفاعها، فيجب الإيمان بالغيب، وإثبات الأسباب.

١٢٠-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : «مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا([611]) إذَا ذَكَرهَا, لا كَفَّارَةَ لَهَا إلاَّ ذَلِكَ {أَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}[طه: 14]»([612])

*وَلِمُسْلِمٍ: «مَنْ نَسِيَ صَلاةً, أَوْ نَامَ عَنْهَا؛ فَكَفَّارَتُهَا: أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا»([613])

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في وجوب قضاء الصلاة الفائتة بنوم أو نسيان، والمراد: الصلاة المكتوبة بدليل قوله: «فَكَفَّارَتُهَا»، أو «لا كَفَّارَةَ لَهَا إلاَّ ذَلِكَ»، والنوم الذي يكون عذرًا: هو النوم الذي يغلب المكلَّف، لا النوم الذي يتعمَّده أو يفرِّط فيه

وفي الحديث فوائد، منها:

١-عظم شأن الصلوات الخمس.

٢-أن الصلاة لا تسقط بخروج وقتها بنوم أو نسيان؛ لكن بجنون أو إغماء على تفصيل في ذلك([614]).

٣-وجوب قضاء الصلاة الفائتة على الفور.

٤-أن وقتها: إذا ذكر أو استيقظ، في أي وقت من الأوقات.

٥-أن لمعنى هذا الحديث: شاهدًا من القرآن، وهو قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 41]، أي: وقت ذكري، وفي ذكر الصلاة ذكرٌ لله؛ لأنها حقه، والاستشهاد بهذه الآية: يدل على أن شرع من قبلنا شرع لنا([615])؛ لأنه مما كلم اللهُ به موسى.

٦-أن الصلاة الفائتة تُقضى على صفتها؛ كما يدل له: قصة نوم النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة عن صلاة الفجر([616]).

7-أنه لا يجوز تأخير الصلاة الفائتة لنوم أو نسيان، بل تجب المبادرة إلى قضائها لأوَّلِ ما يذكر أو يستيقظ؛ فإنه وقتها، ويحرم تأخيرها خلاف ما يظن بعض الناس: أنه إذا خرج وقت الصلاة جاز تأخيرها!

١٢١-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ -رضي الله عنهم- كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِشَاءَ الآخِرَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاةَ ([617]). 

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في صحة صلاة المفترِض خلف المتنفِّل، ووجهه: أن صلاة معاذ بأصحابه نافلة؛ لأنه قد أدى الفريضة بصلاته مع النبي -صلى الله عليه وسلم-

 وفي الحديث فوائد، منها:

١-فضيلة معاذ بن جبل -رضي الله عنه- لحرصه على الصلاة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-ولفعله الصلاة مرتين؛ ليجمع بين الفضيلتين: فضيلة الصلاة مع النبي، وفضيلة صلاته بقومه؛ لأنه إمامهم.

2-جواز إعادة الصلاة لسبب شرعي.

تنبيه: تقدم نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ عن التطويل المؤدي إلى التنفير، وإرشاده إلى القراءة بأوساط المفصل([618]).

١٢٢-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ في الأَرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ([619]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في جواز سجود المصلي على بعض ما هو لابسُهُ عند الحاجة إلى ذلك

وفي الحديث فوائد، منها:

١-جواز الصلاة في شدة الحر، والأظهر: أن هذا بعد الإبراد، ويحصل بذلك الجمع بين الحديثين.

٢-وجوب تمكين الجبهة من الأرض عند السجود.

٣-جواز اتقاء المصلي لما يؤذيه عند السجود؛ ببسط بعض ثوبه للسجود عليه.

٤-جواز العمل اليسير في الصلاة.

١٢٣-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ, لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ»([620]).

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في مشروعية ستر العاتق في الصلاة، والعاتق: هو المنكب مابين الكتف والعنق([621])، وفي الحديث فوائد، منها:

١-وجوب ستر العاتق في الصلاة، فرضًا كانت أو نفلًا، وفي ذلك ثلاثة مذاهب([622]): 

هذا أحدها.

والثاني: وجوب ذلك في الفرض([623]).

والثالث: أنه مستحب، وهو قول الجمهور.

والقول الأول هو الموافق لظاهر الحديث، ويؤيده: حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان الثوب واسعًا فالتحف به» يعني: اجعل منه على عاتقيك وإن كان ضيقًا فاتزر به» ([624]).

٢-أن من كمال الصلاة: أخذ الزينة فيها، كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]. والواجب منها: ستر العورة بالإجماع([625] ومنها: ستر العاتقين، أو أحدهما؛ كما تقدم.

١٢٤-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا؛ فَلْيَعْتَزِلْنَا وْ([626]) لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ». وَأُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضْرَواتٌ مِنْ بُقُولٍ؛ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ؟ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبُقُولِ؛ فَقَالَ: «قَرِّبُوهَا» إلَى بَعْضِ أَصْحَابِه، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ: «كُلْ؛ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لا تُنَاجِي»([627]).    

*وعَنْ جَابِرِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ والثُّومَ وَالْكُرَّاثَ، فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بنو آدم»([628]).

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في أمر من أكل بصلًا أو ثومًا أو كُرَّاثًا باعتزال الناس بترك مخالطتهم، واعتزال المسجد بترك الحضور فيه، وقوله: «وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» تأكيد للأمر بالاعتزال

وفي الحديثين فوائد، منها:

١-كراهة الأكل من هذه المذكورات الخبيثة الرائحة.

٢-وجوب اعتزال الناس بترك مخالطتهم، والمسجد بترك الحضور فيه، على من أكل شيئًا من هذه الخَضْروات.

٣-أن الأكل من هذه الأشجار ذوات الرائحة الكريهة عذرٌ في ترك صلاة الجماعة ما لم يكن ذلك ديدنه، أي: دائمًا، أو يأكله عمدًا ليترك الجماعة؛ فلا يكون عذرًا بل يكون إثمًا.

٤-أنه يحرم على من أكل من هذه البقول حضور صلاة الجماعة.

٥-أن الملائكة يتأذون من الروائح الخبيثة كالإنسان.

٦-أنه لا يحرم أكل هذه البقول مطلقًا؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «قَرِّبُوهَا» إلى بعض أصحابه.

٧-أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يأكلها مطلقًا؛ لأنه يناجي ملك الوحي جبريل.

٨-أن تحريمها من باب تحريم الوسائل، فالأصل فيها الحل.

٩-تحريم إيذاء المسلمين وإيذاء الملائكة، وتحريم ما يفضي إلى ذلك.

١٠-تعليل الأمر باعتزال المسجد بتأذي الملائكة.

١١-تعليل الأحكام الشرعية.

١٢-أن من ابتلي في بدنه بما يتأذى منه الناس: كالرائحة الخبيثة في عرقه، والبخر([629]) في فمه، فيجب عليه اعتزال الناس والمسجد؛ قياسًا على من ذكر في الحديث، بل هو أولى؛ لأن العلة فيه أقوى، وينبغي له معالجة ذلك بما يستطيع.

١٣-أن كل ما له رائحة خبيثة من المأكولات والمشروبات: حكمه حكم البصل والثوم.

14-وجوب صيانة المسجد عن كل ما يؤذي الناس والملائكة.

15-أن الملائكة تأوي إلى المساجد؛ لأنها بيوت الله التي أذن أن ترفع، أي: تعظم، ومن تعظيمها: تطهيرها من الأقذار والنجاسات، الحسية والمعنوية.

 بابُ التَّشهُّد

التشهد: أصل معناه: قول العبد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، ومعناه في الاصطلاح: الذكر الذي علَّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود أن يقوله وهو قاعد قبل السلام، وإذا قعد بعد الركعتين: «التحيات لله .. إلى آخره»، وهذا هو المراد بترجمة الباب، وفي الباب خمسة أحاديث تضمنت: التشهد، وما يشرع بعده: من الصلاة على النبي، والدعاء.

١٢٥-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - التَّشَهُّدَ –وكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ- كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ, وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ, السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»([630]).

*وَفِي لَفْظٍ: «إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ للهِ ... » وَذَكَرَهُ([631]).

 *وَفِيهِ: «فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ: فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لله صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ»([632]).

*وَفِيهِ: «فَلْيَتَخَيَّرْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ»([633]).

الشرح:

هذا الحديث أصح وأشهر حديث في التشهد([634])، وهو المطابق للترجمة، وقد روي التشهد عن جماعة من الصحابة: ابن عباس([635])، و أبي موسى([636])، و عائشة([637])، وابن عمر([638])، وعمر([639]) -رضي الله عنهم- بألفاظ متقاربة، وكلها جائزة

وفي الحديث فوائد، منها:

١-أهمية هذا الذكر؛ لقوله: «كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ».

٢-أن هذا الذكر اسمه: التشهد؛ لتضمُّنِهِ الشهادتين.

٣-أن هذا الذكر فرضٌ في الصلاة([640] لقول ابن مسعود في الحديث الآخر: «كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد»([641] ولقوله في الرواية الثانية: «إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ للهِ ... » إلى آخره.

٤-حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم-، وحسن تعليمه؛ لقوله: «وكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ».

٥-فضيلة ابن مسعود -رضي الله عنه-؛ لقربه من النبي -صلى الله عليه وسلم- وتلقيه التشهد من فم النبي -صلى الله عليه وسلم-.

٦-فضيلة هذا الذكر؛ لما اشتمل عليه من المعاني والشهادتين.

* شرح كلمات التشهد([642]):

«التَّحيَّاتُ» التعظيمات كلها لله تعالى.

«والصَّلَوَاتُ» فرضها ونفلها كلها لله تعالى.

«والطَّيَّبَاتُ» من الأعمال والأقوال كلها لله، وعطف الطيبات على ما قبلها من عطف العام على الخاص.

«السَّلامُ عليْكَ أيُّهَا النَّبِيُّ ورحمةُ اللهِ وبَرَكَاتُه» تحية ودعاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- وجاء بلفظ الخطاب: «أيها النبي» استشعارًا لقربه من القلب؛ فكأنه حاضرٌ بشخصه -صلى الله عليه وسلم-.

«السَّلامُ عَلَيْنَا وعَلَى عِبادِ اللهِ الصَّالِحيِن» دعاء من العبد لنفسه ولإخوانه  من المؤمنين، وتحية ودعاء لكل عبد صالح في السماء والأرض من الملائكة والأنس والجن، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ».

«أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه» هاتان الشهادتان هما أصل الدين وبهما الدخول في الإسلام، والتلفظ بهما هو التشهد، وسمي هذا الذكر بهما؛ لِعظم شأنهما.

٧-مشروعية الدعاء بعد التشهد، وأفضله بعد الصلاة على النبي: ما ورد الأمر به؛ كالاستعاذة بالله من أربع([643]).

٨-أنه يجوز للمصلي أن يدعو بما شاء من أمر الدنيا والآخرة؛ لقوله: «فَلْيَتَخَيَّرْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ».

٩-أن الداعي يبدأ بنفسه في الدعاء؛ لقوله: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» وهي سنة الأنبياء.

١٢٦-عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى([644]) قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ؛ فَقَالَ: أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ إنَّ -النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَلَيْنَا, فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ؛ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آل إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ, اللهم بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آل إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»([645]).

الشرح:

هذا الحديث من أصح ما جاء في صفة الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- وقد أمر الله المؤمنين بالصلاة والسلام على نبيِّه، وأخبر أنه هو وملائكته يصلون عليه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

وقد دلت السنة على مواضع الصلاة والسلام عليه([646])، وصفة الصلاة والسلام عليه؛ كما في حديث التشهد، وحديث كعب بن عجرة هذا، وقد روى صفة الصلاة عليه: جمع من الصحابة -رضي الله عنهم- بألفاظ مختلفة، متقاربة المعنى([647] ومنها: هذه الصفة المذكورة في حديث كعب هذا، ومن الاختلاف الذي بين الروايات: ما يرجع إلى ذكر آل إبراهيم في الصلاة والتبريك، وعدم ذكرهم؛ كما في هذا الحديث.

وآل محمد: هم أهل بيته، ومنهم: أزواجه، وذريته([648] كما جاء في رواية أبي حميد الساعدي في صحيح البخاري: «وأزواجه وذريته»([649])، وكل بني هاشم من أهل بيته، وقيل: آل محمد: أتباعه -صلى الله عليه وسلم-([650])، وكلا القولين حق.  

والصلاة من الله: ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، ومن الملائكة والمؤمنين: الدعاء([651] وهو قولهم: اللهم صل على محمد، والبركة: كثرة الخير ونماؤه([652])، وبارك الله عليه، أي: أحل عليه البركة. 

وفي الحديث فوائد، منها:  

١-مشروعية الصلاة على النبي في الصلاة بعد التشهد، وقد اختلف العلماء في حكم الصلاة على النبي في الصلاة([653]):

فذهب الأكثر إلى أن الصلاة على النبي بعد التشهد الأخير سنة

وذهب آخرون إلى أنها ركن؛ فتبطل الصلاة بتركها عمدًا أو سهوًا ([654])

وقال بعض أهل العلم: إنها واجبه وليست ركنًا([655])؛ فتبطل الصلاة بتركها عمدًا لا سهوًا،  واختار ذلك ابن قدامة في المغني([656])، وعندي أن هذا القول أقرب.

٢-صفة الصلاة على النبي في الصلاة، أما صفة السلام على النبي: فهي ما ذكر في التشهد: «السَّلامُ عليْكَ أيُّهَا النَّبِيُّ ورحمةُ اللهِ وبَرَكَاتُه».

٣-إثبات هذين الاسمين من أسماء الله: الحميد، والمجيد، وقد جاءا في القرآن في سورة هود مقترنين([657]) كما في الحديث، ومعنى: «الحميد» المحمود، وهو تعالى له الحمد كله؛ لأنه الموصوف بجميع المحامد، و «المجيد» هو ذو المجد، وهو الرفعة، والكمال والعظمة.

٤-فضل إبراهيم عليه السلام؛ لتخصيصه بالذكر في الصلاة على النبي والتبريك.

٥-الجمع بين محمد وإبراهيم في صفة الصلاة على النبي؛ لأنهما الخليلان، ومحمد أفضلُ ذرِّيةِ إبراهيم.

٦-جواز ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- باسمه العَلَم إذا اقترن به ما يعيِّنُه، مثل: الصلاة عليه.

٧-الابتداء بالتعليم والتبليغ من غير سؤال، والتمهيد لذلك بما يشوِّق إلى الفائدة.

١٢٧-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ, وَمن عَذَابِ النَّارِ, وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ, وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»([658]).  

*وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ؛ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ... » ثم ذكر نحوه([659]). 

١٢٨-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنهم- أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيرًَا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي, إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»([660]). 

الشرح:

هذان الحديثان تضمنا أفضل ما يُدعى به في الصلاة بعد التشهد والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-

وفي الحديثين فوائد، منها:

* في حديث أبي هريرة:

١-مشروعية الاستعاذة بالله بعد التشهد من الأمور الأربعة المذكورة في الحديث، وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن ذلك مستحب([661])، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب ذلك([662]) وهو قوي؛ لأنه مقتضى الأمر.

٢-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستعيذ بالله من هذه الأربع، وأمر بذلك أمته.

٣-أن أعظم ما يُخاف على الإنسان: عذاب جهنم، وعذاب القبر.

٤-أن من أعظم ما يخاف على الإنسان المسلم في هذه الحياة: الفتن المضلة؛ من فتن الشهوات والشبهات، وأعظم ذلك: فتنة المسيح الدجال، وعطفها على ما قبلها من عطف الخاص على العام.

٥-إثبات فتنة القبر، وهي المراد بفتنة الممات، وهي سؤال العبد في قبره: عن ربِّه، ودينه، ونبيِّه.

٦-أن الملجأ في دفع جميع الشرور إلى الله تعالى.

٧-الجمع في الاستعاذة بين الأسباب والمسببات المخوفة.

٨-البداءة في هذا بالأعظم خطرًا، وهو في هذا الحديث: عذاب جهنم، وعذاب القبر، والفتن المظلة أسباب لذلك.

* وفي حديث أبي بكر:

٩-أن من أفضل الأدعية المشروعة في الصلاة: ما تضمَّنه هذا الحديث.

١٠-أن فضل هذا الدعاء يظهر من وجوه:

أ-أن الطالب لتعلميه إيَّاه من النبي: صدِّيقُ الأمة رضي الله عنه.

ب-اشتماله على أنواع الاستغفار، وهي: الاعتراف بظلم النفس، والاعتراف بأنه لا يغفر الذنوب إلا الله، وسؤال الله المغفرة والرحمة، والتوسل إلى الله باسميه الغفور والرحيم: «إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»

١١-أن العبد مهما بلغ من كمال الإيمان والإتباع؛ فلا يستغني عن الاستغفار.

12-أن اقتراف الذنوب ظلم للنفس؛ لأنه وضع لها في غير ما خُلقت له، ويعرِّضها لعذاب الله.

13-أن الاعتراف بظلم النفس لا يلزم منه وقوع أسبابه.

14-أن اعتراف الصدِّيق بظلم نفسه؛ هو من تعظيم حق الله، وتواضعه لله، واحتقاره لعمله.

١٢٩-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: مَا صَلَّى النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - صلاةً بَعْدَ أَنْ أُنَزَلَتْ عَلَيْهِ: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلاَّ يَقُولُ فِيهَا: «سُبْحَانَكَ اللهم رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»([663]).  

* وَفِي لَفْظٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»([664]).

الشرح:

هذا الحديث لا تظهر مناسبته لباب التشهد؛ لأنه دال على الذكر في الركوع والسجود

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية هذا الذكر في الركوع والسجود.

٢-أن تأويل القرآن يكون بامتثال الأمر والنهي.

٣-أن هذا الذكر تفسيرٌ عمليٌ من النبي -صلى الله عليه وسلم- لقوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}

٤-أن الركوع محل للدعاء لكنه أخص بالتعظيم، والسجود أخص بالدعاء؛ فلا منافاة بين قوله -صلى الله عليه وسلم- في ركوعه: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «وأما الركوع فعظِّموا فيه الرَّب»([665]). 

بابُ الوتر

أي: هذا باب بيان حكم الوتر وصفته، والوتر في اللغة: خلاف الشفع([666])، فهو نوع من العدد، والوتر من أسماء الله، وهو بمعنى الواحد، وفي الحديث: «إن الله وترٌ يحب الوتر»([667] والمراد به هنا: نوع من صلاة الليل، وقد أورد المؤلف في الباب ثلاثة أحاديث.

١٣٠-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ - مَا تَرَى فِي صَلاةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: «مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى» وَأنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» ([668]).

١٣١-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قد أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ, وَأَوْسَطِهِ, وَآخِرِهِ، فانْتَهَى وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ([669]). 

١٣٢-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ, لا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إلاَّ فِي آخِرِهَا([670]).

الشرح:

تضمنت هذه الأحاديث: الدلالة على حكم الوتر، ووقته، وعدده.

 وفي الأحاديث فوائد، منها:

١-أن صلاة الليل مثنى مثنى؛ أي: ركعتين ركعتين، كل ركعتين بسلام، وخُصَّ من ذلك: الوتر؛ فإنه يكون واحدة([671])، وثلاثًا([672])، وخمسًا([673])، وسبعًا([674])، وتسعًا([675])؛ كما دلت على ذلك الأحاديث، من فعله وقوله -صلى الله عليه وسلم-.

٢-أن أقل الوتر ركعة واحدة.

٣-أن آخر وقت الوتر: قبل طلوع الفجر؛ لقوله: (فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً).

٤-أن من صلى من الليل ما بدا له، ثم أوتر بواحدة: تجعل صلاته كلها وترا.

٥-مشروعية الوتر، وهو عند جمهور العلماء سنة مؤكدة([676])، وقال بعضهم بأنه واجب([677])؛ لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- به في قوله: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا)، والأظهر أنه سنة مؤكدة، وليس بفريضة، ولو كان فريضة لكانت الصلوات المكتوبة ستًا، ويدل على أنه تطوع: ما ثبت أنه –صلى الله عليه وسلم- كان يوتر على الرحل([678]) كسائر النوافل.

٦-أن وقت الوتر: من أول الليل بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: (مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قد أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - .. فانْتَهَى وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ).

٧-أن الوتر يكون خمس ركعات متصلة لا يسلِّم إلا في آخرها؛ كما يكون ركعةً، وثلاثًا، وقد خيَّر النبي –صلى الله عليه وسلم- بين هذه الأنواع؛ فقال: (مَن أحبَّ أن يوتر بخمس فليفعل، ومَن أحبَّ أن يوتر بثلاث فليفعل، ومَن أحبَّ أن يوتر بواحدة فليفعل) ([679]).

٨-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل –أحيانًا- ثلاث عشرة ركعة([680])، ويوتر أحيانًا بخمس([681] ولكن الغالب: أنه لا يزيد على إحدى عشرة ركعة؛ لحديث عائشة الآخر في الصحيحين([682]). 

٩-جواز قطع الخطبة لإجابة السائل، وجواز السؤال والإمام يخطب.

١٠-استحباب جعل الوتر آخر صلاة الليل، وجعل الوتر آخر الليل لمن وثق بأن يقوم.

 بابُ الذِّكْرِ عَقِبَ ([683]) الصَّلاةِ

أي: هذا بابُ بيانِ ما يشرع من الذكر عقب الصلاة المكتوبة، وصفته، والمراد بالذكر: ذكر الله، ويكون بالقلب واللسان، والمراد به هنا: ذكر الله بما ورد من الأذكار النبوية.

١٣٣-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ: كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إذَا سَمِعْتُهُ([684]).

*وَفِي لَفْظٍ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلا بالتَّكْبِيرِ([685]).

الشرح: 

هذا الحديث أصلٌ في مشروعية الذكر بعد الصلاة المكتوبة ورفع الصوت به

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية الذكر بعد الصلاة المكتوبة، والمراد: الإتيان بالأذكار الواردة، ومنها ما في الأحاديث الثلاثة الآتية، ومن حكمة الذكر بعد الصلاة -والله أعلم-: الاستمرار في العبادة، والإشعار بعدم الملل منها، وهو نوع من شكر الله على ما وفق له عبده من الصلاة، وهو نظير قوله تعالى في الحج: { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [الحج: 200].

٢-استحباب رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة المكتوبة، ومنه: التكبير المقرون بالتسبيح، والتحميد؛ لقول ابن عباس: (مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلا بِالتَّكْبِيرِ).

٣-أن الذكر ليس كالدعاء الذي أمر الله بإخفائه.

4-فيه شاهد لقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103].

١٣٤-عَنْ وَرَّادٍ([686]) مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ في كِتَابٍ إلَى مُعَاوِيَةَ: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ: (لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ , وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ. اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ , وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) ([687]).

ثُمَّ وَفَدْتُ بَعْدُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ([688]). 

*وَفِي لَفْظٍ: وكَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ, وَإِضَاعَةِ الْمَالِ, وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ([689]).

*وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ , وَوَأْدِ الْبَنَاتِ , وَمَنْعٍ وَهَاتِ([690]).

الشرح:

هذا حديث عظيم اشتمل على أفضل الذكر: (لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ, وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ) واشتمل على ستة من المناهي

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية هذا الذكر دبر كل صلاة مكتوبة، ومعنى لا إله إلا الله: كل معبود سوى الله باطل، وهذا هو معنى النفي: (لا إله) والله هو المعبود بحق، وهذا معنى: (إلا الله)، وقوله: (وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ) «وحده» حال مؤكدة للإثبات، و«لا شريك له» حال مؤكدة للنفي.

قوله: (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) معناه: الملك كله له، والحمد كله له، وهو مالك السماوات والأرض، وما فيهن ومَن فيهن، وهو المدبر لها، وهو المستحق للحمد كله، و(وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ) أي: لا شي يعجزه في السماوات ولا في الأرض.

وقوله: (لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ) أي: لاشي يمنع فضلك عمن أردتَّهُ به، (وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ) أي: لاشي يأتي بخير لم ترده، (وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) الجدُّ: الحظ من مال وسلطان([691] والمعنى: لا ينفع ذي السلطان سلطانَه؛ أي: لا ينجيه من سخطك وعذابك حظُّه.

٢-إثبات التوحيد بأنواعه الثلاثة:

١-توحيد الإلهية من قوله: (لا إله إلا الله).

٢-توحيد الربوبية من قوله: (له الملك)، وقوله: (وهو على كل شي قدير)، وقوله: (لا مانع لما أعطيت) .. إلى آخره. 

٣-توحيد الأسماء والصفات من قوله: (وله الحمد) لأن استحقاق الحمد كله يستلزم ثبوت جميع صفات الكمال.

٣-تحريم قيل وقال، ومعناه: كثرة الكلام والخوض بما لا مصلحة فيه؛ مما يؤدي إلى الكذب، والجدال بالباطل، وإضاعة الوقت.

٤-تحريم كثرة السؤال، قيل: المراد سؤال المال، وهو حرام إذا لم يكن عن ضرورة، وقيل: السؤال عن المسائل العلمية تعنتًا وتكلفًا.

٥-تحريم إضاعة المال؛ بإتلافه، أو تعريضه للتلف، أو إنفاقه في الحرام، وكذا: إنفاقه فيما لا ينفع. قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5].

٦-تحريم عقوق الأمهات، وقد نصَّ اللهُ على الإحسان إلى الوالدين، وخصَّ الأمَّ بالذكر في آيات من القرآن، وكذا النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيَّن أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، وقرنه بالشرك؛ كما في حديث أبي بكرة: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) فذكر الشرك وعقوق الوالدين([692])، ولا ريب أن عقوق الأم أقبح من عقوق الأب وأغلظ تحريمًا.

٧-تحريم وأد البنت، أي: قتلها صغيرة خشية العار، أو خشية الفقر؛ كفعل أهل الجاهلية، وقد قرنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشرك؛ كما في حديث ابن مسعود، قلت: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك». قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟ قال: «وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك..»([693]).

٨-تحريم الشح وهو الحامل على منع ما يجب، وطلب ما لا يحل.

٩-نصح السلف لأئمتهم، ونصح الأئمة لهم.

١٠-اقتداء السلف بهدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأمر الناس بذلك.

١١-قبول خبر الواحد.

١٢-تبليغ العلم بالكتابة.

١٣-أن دبر الصلاة يطلق على ما بعد السلام؛ كما يطلق على آخر الصلاة قبل التسليم؛ لكن الذكر محله بعد السلام، والدعاء قبل السلام.

١٤-الاعتماد على الخط المعروف في الشهادة والرواية والإقرار، وغير ذلك من الأحكام.

١٣٥-عَنْ سُمَيّ([694]) -مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ- عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ([695])، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهاجرين أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ؛ فقَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟) قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي, وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ, وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلا نُعْتِقُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ, وَتَسْبِقُونَ به مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ، إلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً). قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا: سَمِعَ إخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا؛ فَفَعَلُوا مِثْلَهُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (ذلك فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ)([696]). قال سُمَيٌّ: فحدثتُ بعض أهلي هذا الحديث؛ فقال: وَهِمْتَ، إنما قال لك: «تُسبحُ اللَّه ثلاثًا وثلاثين، وتحمدُ اللَّه ثلاثًا وثلاثين، وتكبِّر اللَّه ثلاثًا وثلاثين». فرجعتُ إلى أبي صالح، فقلت له ذلك، فقال: اللَّه أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، حتى تبلغ من جميعهنَّ، ثلاثًا وثلاثين([697]).

الشرح:

هذا حديث عظيم اشتمل على نوع من الذكر بعد الصلاة المكتوبة، ومداره على الكلمات الثلاث: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، وهي من الكلمات الأربع التي قال فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. لا يضرُّك بأيهنَّ بدأت)([698]). وقال: فيهن -صلى الله عليه وسلم-: (لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس)([699])

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية هذا الذكر دبر كل صلاة مكتوبة، وهو أن تذكر اللهَ بهذه الكلمات الثلاث: ثلاثًا وثلاثين مرة، على أي صفة في العدِّ، جمعتها أو فرَّقتَها، ولا حرج في التقديم والتأخير بينها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يضرُّك بأيهنَّ بدأت).

٢-فضل هذا الذكر؛ لقوله: (تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ) إلى آخره ...

٣-معاني الكلمات الثلاث: (سبحان الله) تنزيه لله عن كل نقص وعيب. و(الحمد لله) ثناء على الله بأنه المستحق للحمد كله. و(الله أكبر) تمجيد لله.

٤-حرص الصحابة على الخير، ومنافستهم في طلب الأجر.

٥-فضل المال الحلال إذا وضع في مواضعه.

٦-فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر.

٧-أن من وُفق لعمل صالح فذلك من فضل الله عليه.

٨-إثبات المشيئة لله.

٩-فضل فقراء المهاجرين؛ لحرصهم على نيل الأجور، وزهدهم في الدثور، وهي الأموال.

١٠-جواز الحسد بمعنى الغبطة.

١١-أن هذه الأذكار أعظم فضيلة من المال.

١٢-أن العبد قد يدرك بالعمل اليسير في الظاهر العظيم في معناه من سبقه.

١٣-أن دبر الصلاة يطلق ويراد به ما بعد السلام.

١٤-أن القول بأن العمل المتعدي أفضل من القاصر لا يصح على الإطلاق.

15-أن الصحابة منهم فقراء وأغنياء.

16-أنهم جميعًا يتنافسون في الخير، وطلب الأجر من الله تعالى.

17-أن الأعمال الصالحة هي السبب لنيل الأجور.

18-أن التفاضل بين العباد راجع لمشيئة الله، وحكمته.

19-أن التوفيق للعمل الصالح وتيسير أسبابه هو من فضل الله الذي يؤتيه من يشاء.

20-فيه شاهد لقوله تعالى: {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 29].

١٣٦-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلامٌ؛ فَنَظَرَ إلَى أَعْلامِهَا نَظْرَةً؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: (اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إلَى أَبِي جَهْمٍ, وَائتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ؛ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاتِي)([700]).

*الخميصة: كساءٌ مربَّعٌ له أعلامٌ([701]).

*والأنبجانية: كساءٌ غليظ([702]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في إبعاد المصلي كلَّ ما يُلْهيِهِ عن صلاته؛ من لباسٍ، أو فراشٍ، أو أي منظرٍ، أو غير ذلك. قيل: ولا تظهر لهذا الحديث مناسبة لباب الذكر بعد الصلاة، وأقول: يمكن أن يجاب: بأن ما ألهى عن الصلاة -في الصلاة- يمكن أن يلهي عن الذكر بعد الصلاة؛ مما يؤدي إلى ترك الذكر المشروع، أو يلهي القلب حال الذكر بعد الصلاة

وفي الحديث فوائد، منها:

١-عظم شأن الصلاة.

٢-تعظيمها بالإقبال عليها، وحضور القلب فيها.

٣-إبعاد كل ما يشغل عن الصلاة.

٤-كراهة الصلاة في ثوبٍ فيه ألوانٍ تلفتُ نظرَ المصلي.

٥-اختيار الثوب الخالي عن ما يلهي عن الصلاة، وهو ما يعرف بالسادة.

٦-حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على كمال صلاته.

٧-وجوب صيانة قبلة المسجد عما يلهي المصلين من النقوش والكتابات والألوان.

٨-فيه شاهد لقاعدة سد الذرائع.

٩-أن للصور والأمور الظاهرة تأثيرًا حتى على القلوب الطاهرة.

١٠-جواز رد الهدية لاستبدالها.

 بابُ الجمعِ بين الصَّلاتين في السَّفرِ

يعني: هذا باب بيان حكم الجمع بين الصلاتين في السفر وصفته، وحقيقته: فعلهما في وقت إحداهما، والجمع بين الصلاتين رخصة في السفر يفعله المسافر إذا احتاج إليه، وكذلك يجوز الجمع في الحضر لأسباب؛ كالمرض والمطر.

١٣٧-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ فِي السَّفَرِ بَيْنَ صَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ, إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ, وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ([703]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في مشروعية الجمع بين الصلاتين في السفر، وإنما يكون الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-جواز الجمع في السفر، وقد ذهب إلى هذا جمهور العلماء([704])، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا جمع إلا للحاج بعرفة أو مزدلفة. 

٢-أن السنة للمسافر في الجمع إذا كان على ظهر -أي: وهو سائرٌ لا نازل- أن يختار الأيسر عليه من جمع التقديم والتأخير، ويدل لذلك حديث أنس -رضي الله عنه- عند الحاكم في الأربعين([705])، وأصله في الصحيحين([706]).

٣-اليسر في شرائع الإسلام.

٤-أن في جمعه -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء: تفسيرًا لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78]. والأوقات في الآية ثلاثة، وهذا متحققٌ في صورة الجمع.

 بابُ قصْرِ الصَّلاة في السَّفر

أي: هذا باب بيان حكم قصر الصلاة في السفر، والمراد بقصر الصلاة: قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، وهي الظهر والعصر والعشاء.

١٣٨-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ لا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ, وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ([707]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في قصر الصلاة في السفر، وقد دل على القصر: الكتاب والسُّنَّة، قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101]. ومن السُّنَّةِ: هذا الحديث، وحديث عائشة في الصحيحين قالت: (فرض اللهُ الصلاة حين فرضها: ركعتين ركعتين، في الحضر والسفر، فأُقِّرت صلاةُ السفر، وزيد في صلاة الحضر)([708]).

واتفق العلماء على جواز قصر الصلاة الرباعية في السفر في الجملة، واختلفوا في حكمها([709]): فقيل: إنه رخصة والإتمام أفضل([710] وقيل: القصر واجب؛ لحديث عائشة المتقدم، وأحاديث أخرى، وهذا القول قوي.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-أن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- قصر الصلاة في السفر.

٢-أن المشقة سبب التيسير، وأن مظنة الشيء كالمحقق فيه.

* تنبيه: اعلم أن العلماء اختلفوا في هذا الباب في مسائل:

١-حكم القصر، وتقدمت الإشارة إلى هذا.

٢-نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور([711]): وهو أن السفر الذي تقصر فيه الصلاة هو السفر المباح.

٣-المسافة التي تقصر فيها الصلاة، والمدة التي تقصر فيها الصلاة: والأظهر أن كل ما يُسمَّى سفرًا تقصر فيه الصلاة([712])، وقد يرجع هذا -أي: اسم السفر- إلى طول المسافة، أو طول المدة.

٤-المدة التي إذا عزم المسافر على الإقامة فيها وجب الإتمام، والجمهور على أنها أربعة أيام([713])، أو أكثر من أربعة أيام، وهذا أحوط وأضبط.

 بابُ صلاة الجُمُعةِ

أي: هذا باب بيان حكم صلاة الجمعة وصفتها، والجمعة: اسم ليوم من أيام الأسبوع معروف، وسُمِّي يوم الجمعة؛ لاجتماع ما خلقه الله في الأيام الستة التي آخرها يوم الجمعة، وقيل: سميت جمعة؛ لاجتماع الناس فيها للصلاة.

وهي فرض عين على الرجال المكلفين المستوطنين، والدليل على ذلك: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَنْتَهينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهِم الجُمُعاتِ، أو ليخْتِمَنَّ الله على قلوبِهم، ثم ليكونُنَّ من الغافلين)([714])، وهي بدلٌ عن الظهر، فمن حضرها أجزأته، ومن فاتته صلى ظهرًا، وبين صلاة الجمعة وصلاة الظهر فروقٌ كثيرة: من حيث شروط الوجوب، وعدد الركعات، وصفة القراءة، ومقدارها، وأحكام أخرى.

 139-عَنْ سَهْل بْنِ سَعْد السَّاعِدِيِّ: أَنَّ نَفَرًا تَمَارَوْا في المِنْبَرِ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ؟ فَقَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: مِنْ طَرْفَاءِ الغَابَةِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَامَ عَلَيْهِ، فَكَبَّرَ، وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَنَزَلَ القَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ في أَصْل المِنْبَرِ، ثُمَّ عَادَ حَتَّى فرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِه، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي)([715])

* وَفي لَفْظٍ: صَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ كَبَّرَ عَلَيْها، ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ نزَلَ القَهْقَرَى([716])

الشرح:

هذا الحديث لا تظهر مناسبته للباب إلا من جهة ذكر المنبر الذي اتخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- ليخطب عليه.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-اتخاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- المنبر لخطبة الجمعة وغيرها.

٢-أن منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت أعواده من طرفاء الغابة، والضمير في قوله: (قام عليه) يعود إلى المنبر، وفي قوله: (صلى عليها) يرجع إلى الأعواد.

٣-جواز الصلاة على المنبر إذا دعت الحاجة.

٤-جواز ارتفاع الإمام عن المأمومين نحوًا من ارتفاع منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دعت إلى ذلك حاجة، أو كان فيه مصلحة، وبذلك يظهر الجمع بين هذا الحديث وبين حديث حذيفة -رضي الله عنه- عند أبي داود أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أَمَّ الرَّجلُ القومَ؛ فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم)([717]).

٥-جواز الصلاة للتعليم استقلالًا أو تبعًا.

٦-جواز نظر المأمومين إلى ما يفعله الإمام؛ ليقتدوا به، ويتعلموا صفة الصلاة.

٧-جواز التباحث والجدال في بعض شؤون النبي -صلى الله عليه وسلم- التي من قبيل العادات.

٨-جواز العمل الكثير المتفرق في الصلاة إذا دعت إليه الحاجة؛ كالتقدم والتأخر، والصعود والنزول.

٩-أن من يُقتدى به إذا فعل خلاف المعروف والمألوف: استُحب له التنبيه إلى سبب فعله ومقصوده به.

١٠-أن أفعاله -صلى الله عليه وسلم- كأقواله، كلاهما من سنته التي يجب اتباعه فيها.

١١-حسن تعليمه -صلى الله عليه وسلم- حيث جمع في التعليم بين القول والفعل.

١٤٠-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: (آلم تَنْزِيلُ) السَّجْدَةَ، وَ: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ) ([718]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في مشروعية قراءة هاتين السورتين في صلاة الصبح من يوم الجمعة

وفي الحديث فوائد، منها:

١-أن من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- قراءة هاتين السورتين في صلاة الفجر من يوم الجمعة.

٢-استحباب قراءتهما في صلاة الفجر كل جمعة، ولا وجه لمن قال: تكره المداومة على ذلك؛ خشية توهم الجهال وجوب ذلك!

٣-أن الحكمة في ذلك: ما تضمَّنته السورتان من ذكر المبدأ والمعاد؛ مما كان ويكون يوم الجمعة، ذكر ذلك ابن القيم([719]).

١٤١-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ؛ فَلْيَغْتَسِلْ)([720]).

الشرح:

هذا الحديث من أدلة القائلين بوجوب الغسل يوم الجمعة([721])؛ للأمر بذلك، ولحديث: (الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)([722])، وذهب جمهور العلماء إلى أنه مستحب([723] لحديث سمرة: (من توضأ يوم الجمعة؛ فبها ونعمت، ومن اغتسل؛ فالغسل أفضل)([724])، والقول بالوجوب هو ظاهر الأدلة ولا صارف لها، وحديث سمرة لا يصلح لمعارضتها، فالقول بوجوب الغسل هو الراجح، ولكنه ليس شرطًا لصحة الصلاة.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-وجوب الغسل على من يأتي الجمعة.

٢-فضل صلاة الجمعة، وفضل يوم الجمعة.

٣-أن الغسل متعلق بالصلاة لا باليوم خلافًا للظاهرية([725] لقوله: (مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ)، وقوله: (مَنْ جَاءَ) أي: من أراد.

٤-أن من مقاصد الإسلام: النظافة في البدن والثياب، ومن محاسنه: الإرشاد إلى ما يحقق ذلك.

٥-استحباب التنظف والتطيب لحضور الاجتماعات الشرعية والعادية.

١٤٢- وعنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ([726])

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في مشروعية الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة، وقد أجمع العلماء على ذلك، وأشير إليها في القرآن في قوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا } [الجمعة: 11].

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية خطبتين.

٢-الفصل بينهما بجلوس.

٣-مشروعية القيام في الخطبة، ويدل له من القرآن قوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]. والقيام مناسب للخطبة؛ لأنه أبلغ في الإسماع، ويدل على تعظيم الأمر الذي يخطب عنه.

٤-أن من حكمة تعدد الخطبة: تعدد الموضوع، وتنويع الكلام.

١٤٣-عن جابر بن عبد الله-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ والنَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: (صَلَّيْتَ يا فُلانُ؟)، قَالَ: لَا، قَالَ: (قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ)([727])

وفي روايةٍ:(فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ)([728]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في جواز كلام الإمام مع بعض من في المسجد أثناء الخطبة

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية الخطبة قبل الصلاة يوم الجمعة.

٢-جواز تكليم الإمام لبعض الناس، وهو يخطب.

٣-التثبت قبل الإنكار؛ لقوله: (صليتَ يا فلان؟) أي: أصليت؟!

٤-جواز أن يجيب المسؤول في النفي بـ «لا».

٥-أمر الإمام بالمعروف حال الخطبة.

٦-أن على من دخل المسجد والإمام يخطب: أن يصلي ركعتين، قبل أن يجلس.

٧-وجوب تحية المسجد لظاهر الأمر، والجمهور على أنها سنة([729] والراجح: هو القول بالوجوب؛ للأمر بالصلاة في هذا الحديث، وفي الحديث الآخر الذي رواه البخاري ومسلم : «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوَّز فيهما»([730] وفي هذا الحديث ردٌّ على من تأوَّل أمر الرجل بالقيام وصلاة ركعتين في حديث جابر: بأنه من أجل أن يراه الناس فيتصدقوا عليه! لأن حديث: (من جاء يوم الجمعة) عام، وللنهي عن الجلوس في حديث أبي قتادة: (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) ([731]).

٨-أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس.

٩-تخصيص النهي عن الكلام يوم الجمعة والإمام يخطب؛ بهذا الحديث.

١٠-كمال نصحه -صلى الله عليه وسلم- لأمته؛ بتعليمهم، وتبليغهم، وتنبيههم على كل خطأ، صغير وكبير.

١٤٤-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ -وَالإِمَامُ يَخْطُبُ- فَقَدْ لَغَوْتَ) ([732]).

الشرح:

هذا الحديث من أدلة تحريم الكلام والإمام يخطب يوم الجمعة.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-وجوب الخطبة قبل الصلاة يوم الجمعة.

٢-وجوب الاستماع لها.

٣-تحريم الكلام حال الخطبة، ولو كان أمرًا بمعروف، أو نهيًا عن منكر، إلا للإمام أو من يكلُّمُه؛ لحديث جابر المتقدم، ولا يدخل في الكلام المنهي عنه: ما يكون متعلق بالخطبة؛ كالتأمين على الدعاء، والصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكالتسبيح، والسؤال، والتعوذ، وكالحمد عن العطاس؛ لأن ذلك كله يباح في الصلاة، ومن المنهي عنه: تشميت العاطس، ورد السلام إلا بالإشارة.

٤-أن من سمع من يتكلم والإمام يخطب لا يأمره بالسكوت بالقول؛ كأن يقول: اسكت، أو أنصت، ومعنى أنصت: استمع واسكت، لكن يأمره بالسكوت بالإشارة؛ كأن يضع أصبعه على فمه.

٥-أن قول الرجل لمن يتكلم أنصت: من لغو الكلام الذي يجب اجتنابه؛ لأنه لا خير فيه بل يضر؛ لأنه يفوِّت فضل صلاة الجمعة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن لغا فلا جمعة له) ([733]).

١٤٥-وعنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ([734]), ثُمَّ رَاحَ في الساعَةِ الأُولى([735]): فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ: حَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ يَسْتمَعُونَ الذِّكْرَ) ([736]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في فضل التبكير إلى صلاة الجمعة.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية الغسل يوم الجمعة قبل الذهاب إلى الصلاة، وتقدم الكلام في حكمه([737]).

٢-فضل التبكير في الذهاب إلى الجمعة بعد الاغتسال.

٣- أن الذهاب يوم الجمعة في الفضل على مراتب.

٤-أن من راح في الساعة الأولى، وهي من طلوع الشمس، فكأنما قرب بدنة.

٥-أن من راح في الساعة الثانية: فكأنما قرب بقرة، وفي الثالثة: كبشًا أقرن، وفي الرابعة: دجاجة، وفي الخامسة: بيضة، وعلى هذا: فالوقت من طلوع الشمس إلى خروج الإمام خمس ساعات، هذا مذهب الجمهور: أن الذهاب إلى الجمعة من طلوع الشمس([738])، وذهب الإمام مالك إلى أن الذهاب إلى الجمعة يكون بعد الزوال([739] لقوله في الحديث: (ثم راح) (ومن راح)، والرواح إنما يكون بعد الزوال.

٦-أن أفضل ما يتقرب به من بهيمة الأنعام هديًا أو أضحية: البدنة من الإبل، ثم البقرة، ثم الكبش الأقرن من الغنم.

٧-استنبط بعضهم: جواز التقرب بذبح دجاجة، والتقرب بالصدقة ببيضة؛ لكنها لا تكون هديًا ولا أضحية، بل الهدي والأضحية لا تكونان إلا من بهيمة الأنعام؛ لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:34].

٨-أن الملائكة يقفون ويكتبون من يأتي إلى الجمعة الأول فالأول؛ فالسابق أفضل ممن يجيء بعده، وإن كانوا في ساعة واحدة من هذه الساعات.

٩-أنه إذا دخل الإمام للمسجد، وصعد على المنبر حضرت الملائكة، وتفرغوا لسماع الذكر، وهو ما يذكر به الخطيب في الخطبة.

١٠-أن الملائكة يحضرون مجالس الذكر، ويستمعون لذكر لله، ولهذا المعنى شواهد من السنة: كقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله.. الحديث، وفيه: (وحفتهم الملائكة)([740]).

١١-أن من الملائكة: ملائكة موكلين بكتابة الرائحين إلى الجمعة، وهم غير الموكلين بحفظ عمل العبد.

١٢-أن ما يتقرب به إلى الله: أوسع مما يُضحَّى به أو يُهدى.

١٤٦- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ - قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم- الْجُمُعَةَ, ثُمَّ نَنْصَرِفُ، وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ([741])

*وَفِي رواية: كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ, ثُمَّ نَرْجِعُ، فَنَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ([742]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في التبكير لصلاة الجمعة بعد الزوال

وفي الحديث فوائد، منها:

١-فضل سلمة بن الأكوع؛ لأنه من أهل بيعة الرضوان التي بايع المؤمنون فيها النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وهو تحت الشجرة، بايعوه على الموت أو ألَّا يفرِّوا؛ ولهذا قيل في سلمة: وكان من أصحاب الشجرة. قال الله في المبايعين: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل النار، إن شاء الله، من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها)([743]).

٢-التبكير بصلاة الجمعة، ولو مع شدة الحر؛ فالحديث على هذا مخصصٌ لحديث الأمر بالإبراد([744] ووجه ذلك: قوله: (ليس للحيطان ظلٌّ يُستظلُّ به)، وقوله: (نتتبَّعُ الفيء) يفهم منه: أن الفيء قصير، والفيء: هو الظل بعد الزوال من جهة المشرق؛ ولهذا سمَّاهُ فيئًا، وسمَّاهُ ظلًا، سُمَّي فيئًا لأنه رجع بعد تقلُّصِهِ من جهة المغرب، فهو مِن فاء بمعنى: رجع([745] وتتبُّعُ الفيء: طلبُهُ اتقاء الرمضاء.

٣-أن وقت الجمعة: وقت الظهر، وأوله: إذا زالت الشمس، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء([746])، وذهب بعضهم إلى أنها تصح قبل الزوال، وهو الرواية المشهورة عن الإمام أحمد([747] وقالوا: وقتها من ارتفاع الشمس، وقول الجمهور أظهر؛ لأن غاية ما استدل به من قال تصح قبل الزوال أن يدل على التبكير، وليس في شيء منها نصٌّ بأنه -صلى الله عليه وسلم- صلى قبل الزوال.

 بابُ صلاةِ العيِديْن

أي: هذا باب بيان حكم صلاة العيدين وصفتها، والمراد بالعيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى، وليس للمسلمين عيدٌ سوى هذين العيدين، وكل ما يعظِّمه الناسُ من الأيام، ويجعلونه عيدًا لمناسبة من المناسبات؛ كمولد النبي -صلى الله عليه وسلم-، واليوم الوطني، كلها أعياد جاهلية بدعية، وفيها مضاهاة الكفار في أعيادهم؛ فلا يجوز تعظيم هذه الأعياد بأي وجه من وجوه التعظيم، وأسوأها: ما يُتعبَّد به، ويُتخذ دينًا؛ كيوم مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنه بدعة، وتشبه بالنصارى في تعظيم مولد المسيح عليه السلام، وأعظم من هذا ضلالًا: تعظيم بعض المسلمين ليوم مولد المسيح؛ فإن في هذا موافقة للنصارى، وتشبه بهم، وفي الحديث: (مَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم)([748]). 

١٤٧-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ([749]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في تقديم صلاة العيد على الخطبة.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية صلاة العيد: عيد الفطر، وعيد الأضحى.

٢-أن السنة تقديم صلاة العيد على الخطبة، وهذا أحد الفروق بين صلاة العيد وصلاة الجمعة، وقد أحدث بعض الولاة تقديم الخطبة على الصلاة؛ فأنكر عليه بعض الناس؛ فقال أبو سعيد -رضي الله عنه-: (أما هذا فقد قضى ما عليه)([750]).

٣-مشروعية الخطبة بعد صلاة العيد.

٤-أن اقتصار ابن عمر على أبي بكر وعمر يشعر بأنه حدث بعد ذلك مَن قدَّم الخطبة على الصلاة. ١٤٨-عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَضْحَى بَعْدَ الصَّلاةِ؛ فَقَالَ: (مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ, وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَلا نُسُكَ لَهُ). فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ -خَالُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلاةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي؛ فَذَبَحْتُ شَاتِي, وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلاةَ. قَالَ: (شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ عِنْدَنَا عَنَاقًا([751]) هِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ أَفَتُجْزِئ عَنِّي؟ قَالَ: (نَعَمْ, وَلَنْ تَجْزِئ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ)([752]).

١٤٩-عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ ذَبَحَ، وَقَالَ: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا, وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ: بِاسْمِ اللَّهِ)([753]).

الشرح:

هذان الحديثان أصلٌ  في اشتراط أن يكون ذبح الأضحية بعد الصلاة.

وفيهما فوائد:

١-مشروعية الصلاة والخطبة في عيد الأضحى.

٢-أن الخطبة في العيدين بعد الصلاة كما تقدم.

٣-تعليم الإمام الناس أحكام الأضحية في الخطبة.

٤-مشروعية الأضحية، وأكثر العلماء على أنها سنة مؤكدة([754] وقال: بعضهم بوجوبها على ذوي اليسار([755]).

٥-أن وقت الأضحية بعد الصلاة.

٦-أن من ذبح قبل الصلاة -ولو خطأ-: لم تكن ذبيحته أضحية بل ذبيحة لحم.

٧-أن العناق -وهي الأنثى من ولد المعز ما لم يتم لها سنة-: لا تجزئ في الأضحية؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بردة: (ولن تجزئ عن أحد بعدك)، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم([756] وقال: بعضهم تجزئ من كانت حاله كحال أبي بردة بأن بطلت أضحيته أو تلفت، ولا يجد بدلًا إلا عناقًا، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([757]).

٨-أن الله يخص من شاء بما شاء من أحكامه الكونية والشرعية، وله في ذلك الحكمة البالغة.

٩-أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو المبلغ عن الله شرعه.

١٠-مشروعية التسمية عند الذبح، وما لم يذكر اسم الله عليه لا يحل.

١١-أن ذبح الضحية يحرم قبل الصلاة، ويباح بعد الصلاة، ويستحب بعد الخطبة.

١٢-أن المأمور به لا يسقط وجوبه إلا بفعله أو بالعجز عنه، و لا يسقط بالخطأ أو النسيان، ومن ذلك: من نام عن صلاة أو نسيها؛ فعليه أن يصليها إذا ذكر أو استيقظ.

١٥٠-عَنْ جَابِرٍ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ, بِلا أَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلالٍ؛ فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عزوجل, وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ, وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ, ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ, وَقَالَ: (تَصَدَّقْنَ فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ حَطَبِ جَهَنَّمَ) فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ([758]), سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ([759]) فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ, وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ). قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ، يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ مِنْ أَقْرَطِتهِنَّ وَخَوَاتِيمِهِنَّ([760]).

الشرح:

هذا حديثٌ عظيمٌ تضمَّن جملةً من هديه وسيرته -صلى الله عليه وسلم- منها:

١-مباشرته الإمامة والخطبة في صلاة العيد كالجمعة، وغيرها من الصلوات الجامعة.

٢-أنه يبدأ بصلاة العيد قبل الخطبة.

٣-أنه كان يخطب قائمًا على رجليه -صلى الله عليه وسلم- وليس على منبر؛ لقوله: (متوكئًا على بلال).

٤-أن خطبته -صلى الله عليه وسلم- في العيد تتضمن الوصية بتقوى الله والأمر بطاعته، وتتضمن الموعظة والتذكير.

٥-أن من هديه -صلى الله عليه وسلم-: قصد النساء في مكانهن من المصلى، وتخصيصهن بموعظة وتذكير وتحذير، وذهاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مكانهن لأنهن لا يسمعنه، أما اليوم فلا يحتاج الإمام إلى الذهاب إلى مكان النساء، بل يخصهن بما يناسب من الموعظة والوصية، وهو في مكانه.

وفي الحديث فوائد سوى ما تقدم:

1-أن السُّنَّة: إقامةُ صلاة العيد في المصلى.

2-أن صلاة العيد لا يشرع لها أذان ولا إقامة بل ولا نداء، ومن قال: ينادى لها؛ فقد خالف السنة، ولا وجه لقياسها على صلاة الكسوف؛ لأن وقت صلاة العيد معلوم.

٣-أنه يشرع للنساء شهود صلاة العيد؛ كما سيأتي في حديث أم عطية.

٤-أن نساء الصحابة كن يشهدن صلاة العيد معتزلات مكان الرجال.

٥-أن الصدقة تكفِّرُ الذنوب.

٦-فضل الصحابيات -رضي الله عنهن- لمبادرتهن إلى الصدقة ببعض حليهن.

٧-جواز تصرف المرأة في مالها دون إذن زوجها.

٨-جواز تحلي المرأة بالخواتم في يديها والأقراط في أذنيها.

٩-تحريم كفر الإحسان، وهو إنكاره وجحده، وأنه من كبائر الذنوب؛ لأنه سبب لدخول النار، وهو يكثر من النساء مع أزواجهن؛ لذلك خصهن -صلى الله عليه وسلم- بالتحذير من ذلك، وذكرهن بالوعيد الشديد عليه، وهو يحرم كذلك من الرجال مع زوجاتهم، وإذا كان هذا في كفر الإحسان بين الزوجين؛ فكيف بعقوق الوالدين! لذلك ورد في الحديث الصحيح معدودًا في أكبر الكبائر، مقرونًا بالشرك! قال -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئًا فقال - ألا وقول الزور)([761]).

١٠-أن سبب كثرة من يدخل النار من النساء: كفرهن الإحسان لا كفرهن بالله، وهذا يدل على أن المراد: المسلمات العاصيات، يعذبن ما شاء الله ثم يخرجن من النار، برحمة الله ومشيئته ومغفرته، وهذا حكم عصاة الموحدين من الرجال والنساء؛ فإنهم في النار لا يخلدون، ويوضح ذلك: أن الحديث خطاب للمسلمات، وأن سبب هذا الوعيد معصية كبيرة لا كفر بالله؛ كما نص على ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في جوابه للتي قالت: (لمَ يا رسول الله؟).

١١-الظاهر من سياق هذا الحديث: أن العيد الذي حضره جابر وأخبر عنه عيد الفطر؛ إذ لو كان عيد الأضحى لذكر بعض ما تضمنته خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أحكام الأضحية.

١٢-مراعاة المخاطبين بالتنبيه إلى ما يحتاجون إلى بيانه.

١٣-جواز سؤال الواعظ والخطيب عما أشكل من كلامه فيوضحه.

١٤-جواز سؤال المرأة العالم بحضرة النساء بل والرجال.

١٥-تحريم الشكاية إلى المخلوق؛ لأن ذلك ينافي الصبر والثقة بالله.

 ١٥١-عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ - نُسَيْبَةَ الأَنْصَارِيَّةِ - قَالَتْ: أَمَرَنَا -تعني: النبي صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ: الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ, وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ([762]).

وَفِي لَفْظٍ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ, حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا, حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّض([763]), فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ, يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ([764]).

الشرح:

هذا الحديث من أدلة وجوب صلاة العيدين حتى على النساء، وخروج الشابات منهن بشرطه. وفي الحديث فوائد، منها:

١-فضل أم عطية -رضي الله عنها-؛ لعنايتها بأمر النساء، وروايتها ما يتعلق بهن من الأحكام.

٢-وجوب صلاة العيدين، وقد اختلف العلماء في حكم صلاة العيد([765]): 

فذهب الجمهور إلى أنها سنة

وقال بعضهم: إنها فرض كفاية، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد([766])

وقال آخرون: إنها فرض عين([767]).

٣-أمر النساء بالخروج إلى صلاة العيد حتى الشواب منهن والأبكار، وعلى الأولياء أمرهن بذلك مع الإلزام بآداب الإسلام.

٤-خروج الحُيِّض إلى المصلى يشهدن الخير، ودعوة المسلمين.

٥-أمر الحُيِّض باعتزال المصلى. قال بعضهم: لأن المصلى في حكم المسجد، وقال بعضهم: ليتميزن عن المصليات؛ إذ لو كن بينهن لقطعن الصفوف وعرفن بأعيانهن، وهذا أظهر؛ لأن المصلى ليس له حكم المسجد، والله أعلم.

6-أن في صلاة العيد أعظم تجمع لأهل البلد في عبادة تشرع في السَّنَةِ مرتين، والسُّنَّةُ فيه: البروز خارج البلد.

7-أن يوم العيد يوم مبارك؛ لما فيه من الذكر والشكر والصلاة والتلاقي بين المسلمين.

8-أن الحيض لا يمنع المرأة من الذكر والدعاء، وهذا بإجماع، واختُلف في قراءتها للقرآن، والراجح الجواز.

9-مشروعية التكبير في العيدين، ومنه التكبيرات الزوائد في صلاة العيد، والتكبير في الخطبة.

10-فيه شاهد لحديث جابر المتقدم، وفيه: (ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ).

11-أن صلاة العيدين يشترك فيها الرجال والنساء مع تميز النساء عن الرجال في المصلى، بخلاف صلاة الجمعة فإنها مختصة بالرجال؛ فإنه لا يسن لهن حضورها، لكن إن حضرنها أجزأتهن.

 بابُ صلاةِ الكُسُوفِ

أي: باب بيان حكم صلاة الكسوف وصفتها، والكسوف والخسوف: طمس ضوء الشمس ونور القمر؛ بأسباب كونية يعرفها أهل الحساب، ولغاية شرعية يعرفها علماء الشريعة، وهي تخويف العباد، ويضاف الكسوف والخسوف إلى الشمس والقمر، ولكن الكسوف أخص بالشمس، والخسوف أخص بالقمر.

١٥٢-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَعَثَ مُنَادِياً يُنَادِي: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ؛ فَاجْتَمَعُوا، وَتَقَدَّمَ؛ فَكَبَّرَ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ, وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ([768]).

١٥٣-عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ - عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو- الأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ -رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ, يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ, وَإِنَّهُمَا لا يَنْكسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا, وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ) ([769]).

١٥٤-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ في عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالنَّاسِ؛ فَأَطَالَ الْقِيَامَ, ثُمَّ رَكَعَ, فَأَطَالَ الرُّكُوعَ, ثُمَّ قَامَ, فَأَطَالَ الْقِيَامَ -وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ- ثُمَّ رَكَعَ, فَأَطَالَ الرُّكُوعَ -وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ- ثُمَّ سَجَدَ, فَأَطَالَ السُّجُودَ, ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُولَى , ثُمَّ انْصَرَفَ, وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ, فَخَطَبَ النَّاسَ؛ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: (إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ, لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ, فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا, وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا). ثُمَّ قَالَ: (يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاَللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ, أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ, يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً) ([770]).

*وَفِي لَفْظٍ: فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ([771]).

١٥٥-وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ في زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ فَزِعاً يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ, حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ؛ فَقَامَ, فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وركوع وَسُجُودٍ, مَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلاة قَطُّ, ثُمَّ قَالَ: (إنَّ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي يُرْسِلُهَا اللَّهُ لا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّه عزوجل  يُرْسِلُهَا يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ, فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ) ([772]).

الشرح:

هذه الأحاديث اشتملت على ما يتعلق بالكسوف مما جاءت به السنة، وأهم ذلك: ما يتعلق بصلاة الكسوف: من حكمها وحكمتها وصفتها.

وفي الأحاديث فوائد، منها:

١-أن الشمس كسفت على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم مات ابنه إبراهيم. قال بعض العلماء: "إنه لم يحدث الكسوف على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا مرة"([773]).

٢-أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يعلم بالكسوف قبل حدوثه؛ فلذلك فزع عندما حدث ذلك، فلو كان العلم بالكسوف خيرًا لأعلم الله به نبيه، ولأوصى النبيُّ أمته بتعلم الأسباب التي يُعرف بها فما يفعله الحاسبون والإعلاميون من الإعلان عن حدوث الكسوف، لا خير للناس فيه في دينهم ولا في دنياهم، ولكن الحامل لهؤلاء على الإعلان عن الكسوف هو الفرح بعلمهم، والذي يفرح بالعلم الذي لا ينفع أو قد يضر هو من جنس من قال الله فيهم: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ} [غافر: 83].

٣-أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر منادٍ ينادي: الصلاة جامعة.

٤-استحباب المبادرة والنداء لصلاة الكسوف بالصيغة الواردة، واستحباب فعلها جماعة.

٥-الحكمة من حدوث الكسوف: وهي تخويف الله للعباد.

٦-مشروعية صلاة الكسوف في كل وقت، لكل أحد، من مقيم ومسافر، ورجل وامرأة.

٧-مشروعية الدعاء والاستغفار والصدقة عند الكسوف، وغيره من الآيات التي يخوف الله بها عباده.

8-أن صلاة الكسوف ركعتان بأربع ركوعات وأربع سجدات، قبل كل ركوع قيام وقراءة.

9-الإطالة في صلاة الكسوف في قيامها وركوعها وسجودها.

10-أن كل قيام وكل ركوع أطول من الذي بعده.

11-أنه يجهر فيها بالقراءة.

12-إبطال اعتقاد أهل الجاهلية في الكسوف.

١3-الخطبة والموعظة بعد صلاة الكسوف.

١4-أن الله يغار إذا انتهكت حرماته.

١5-إثبات صفة الغيرة لله تعالى، ويدخل في معنى الغيرة: الغضب المؤدي للانتقام.

١6-أن من أسباب غيرة لله: الزنا؛ لقوله: (مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ, أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ).

١7-جواز إضافة الأمة إلى اسمه -صلى الله عليه وسلم- العلم: محمد.

١8-أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلم من الغيب مالا يعلمه الصحابة.

١9-أن العلم بما في الغيب من أمور عظيمة: يوجب الخوف الشديد، والبكاء الكثير، وقلة الضحك؛ خوفًا من حلول العذاب.

20-أن من أولاد الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ابنٌ له اسمه إبراهيم، وهو من سُرِّيته مارية القبطية، وقد توفي إبراهيم، وهو صغير، وحزن عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: (وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون)([774]).

٢1-أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وأن الله هو المتصرف بهما؛ فهو المستحق للسجود له دونهما: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ } [غافر: 37]. أي: الليل والنهار، والشمس والقمر.

٢2-أن من نعمة الله، وحفظه لدينه: نقل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  لأقواله وأفعاله في مختلف أحواله. 

٢3-أن ما يشرع من الصلاة والدعاء عند كسوف الشمس يشرع لخسوف القمر؛ خلافًا لمن فرق بينهما.

٢4-أن الخطبة في الكسوف لا تترك لانجلائه.

٢5-جواز الحلف على الفتيا والحلف من غير استحلاف.

٢6-عظم شأن عبادة الصلاة في الإسلام؛ لذلك شرعت فريضة مكتوبة خمس مرات في كل يوم وليلة، وشرعت تطوعًا بأسباب متعددة، وأوقات وأحوال مختلفة، وشرعت لها الجماعة في الصلوات المكتوبة، وفي أنواع من التطوع؛ كصلاة الكسوف والاستسقاء وقيام رمضان.

 بابُ صلاةِ الاستسقاء

أي: هذا باب بيان حكم صلاة الاستسقاء وصفتها وذكر الأحاديث المتعلقة بها، وإضافة الصلاة إلى الاستسقاء من إضافة الشيء إلى مقصوده، والاستسقاء طلب السُّقيا، والمقصود به هنا: طلب السُّقيا من الله تعالى عند الجدب وقحوط المطر، ويكون بالدعاء والصلاة أو بالدعاء وحده، وكلاهما سنة كما سيأتي ذكر الأحاديث الدالة على ذلك، وقد أخبر الله في كتابه أن موسى استسقى لقومه بعد ما استسقوه. قال تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [البقرة: 60]. وقال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [الأعراف: 160].

١٥٦-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَسْقِي, فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو, وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ, ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ, جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ([775]).

*وَفِي لَفْظٍ: إلَى الْمُصَلَّى([776]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في صلاة الاستسقاء، والدعاء قبلها.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-أن الخطبة والدعاء قبل الصلاة، وقد اختلف العلماء في ذلك، وفي ذلك ثلاثة مذاهب([777]):

فقيل: الخطبة قبل الصلاة.

وقيل: بعد الصلاة.

وقيل: يُخيَّر الإمام: إن شاء خطب قبل الصلاة، وإن شاء صلى أولًا ثم خطب.

 وحديث عبد الله بن زيد يدل على القول الأول، ويدل للقول الثاني: حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- عند أبي داود: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- خرج للاستسقاء، وفيه: (فصلى ركعتين كما يصلي في العيد، لم يخطب خطبتكم هذه)([778])، وهذا هو مذهب الجمهور، والمشهور من مذهب الإمام أحمد: أن الصلاة قبل الخطبة([779])، ومن قال بالتخيير ذهب في ذلك إلى الجمع بين الأدلة.

٢-أن السنة الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء.

٣-أن صلاة الاستسقاء ركعتان.

٤-استحباب تحويل الرداء، ونحوه بعد الدعاء.

٥-التفاؤل بالفعل؛ لقوله: (وحوَّل رداءه) تفاؤلًا بتحول القحط.

٦-الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء.

٧-أن الصلاة والاجتماع لها من أسباب الإجابة.

8-فيه الرد على أبي حنفية في قوله: إن الاستسقاء لا تشرع له صلاة([780]).

١٥٧-وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ, وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ, فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمًا, ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ؛ فَادْعُ اللَّهَ يُغِثُنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ أَغِثْنَا, اللَّهُمَّ أَغِثْنَا, اللَّهُمَّ أَغِثْنَا) قَالَ أَنَسٌ: فَلا وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ, وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلا دَارٍ قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ. قَالَ: فَلا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا.

قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ, وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ, فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الأَمْوَالُ, وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ؛ فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكَهَا عَنَّا, قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ) قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ.

قَالَ شَرِيكٌ([781]): فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ قَالَ: لا أَدْرِي([782]).

*الظِّراب: الجَبِال الصِّغار([783]). 

الشرح: 

هذا حديث عظيم، وهو أصل في الدعاء والاستسقاء على المنبر يوم الجمعة.

وفي الحديث فوائد كثيرة، منها:

١-جواز تكليم الإمام وهو يخطب يوم الجمعة.

٢-توسل الصحابة إلى الله بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-.

٣-جواز طلب الدعاء لنفع المسلمين.

٤-أن رفع اليدين في دعاء الاستسقاء سنة.

٥-أن من الدعاء النبوي في الاستسقاء: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)، والغوث والغياث: كشف الشدة؛ ولذا سمي المطر بعد القحط غيثًا: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28].

٦-التوجه إلى الله بالدعاء لكشف الشدة.

٧-الإلحاح في الدعاء، وتكراره ثلاثًا.

٨-سرعة إجابة الله دعاء نبيه؛ فلم يكن في السماء ولا قزعة، وهي القطعة الصغيرة من الغيم([784])؛ فأنشأ الله سحابة صغيرة، فلم تزل تنتشر في سماء المدينة، ثم أمطرت، ودام المطر أسبوعًا، وهو معنى قول أنس: (ما رأينا الشمس سبتًا).

٩-في ذلك عَلَمٌ من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم- وفي ذلك دلالة على كمال قدرته سبحانه.

١٠-أن الإخبار بالحال المؤلمة لطلب دواء أو دعاء ليست من الشكوى إلى المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله.

١١-استحباب رفع اليدين في دعاء الاستسقاء، والاستصحاء.

١٢-أن صيغة دعاء الاستصحاء: (اللهم حوالينا ولا علينا ...) إلى آخره.

١٣-في سرعة إجابة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- المرة الثانية علم من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم- حيث أقلع السحاب عنهم على إثر دعاءه -صلى الله عليه وسلم-.

١٤-ضعف البشر عن الصبر على ما يصيبهم من الأضرار في الشدة والرخاء؛ فقد جاء الرجل يشكو من هلاك الأموال وانقطاع السبل بسبب القحط، ثم جاء هو -أو غيره- يشكو هلاك الأموال وانقطاع السبل بكثرة الأمطار!

١٥-أن من دخل المسجد ولم يرد الجلوس لا يأمر بصلاة ركعتين.

١٦-جواز قطع الخطبة للرد على السائل وصاحب الحاجة.

١٧-أنه كان بمسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- أبواب، والأظهر أن الباب المذكور من الجهة الغربية، ودار القضاء هي التي يجلس فيها القاضي، ولم تكن في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما أُحدثت في عهد بعض الخلفاء، وهي معروفة عند الناس؛ ولهذا حدد بها أنس ناحية الباب الذي دخل منه الرجل، وذكر الشراح أنها دار عمر بن الخطاب اشتراها معاوية -رضي الله عنهما- ([785])

وسلع: جبل بالمدينة([786]).

 بابُ صلاةِ الخوفِ

أي: هذا باب ذكر الأحاديث الواردة في صفة الصلاة المكتوبة حال الخوف من العدو في السفر، وإضافة الصلاة إلى الخوف من إضافة الشيء إلى سببه، وقد دل على مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101]. ومن السُّنَّةِ: الأحاديث المذكورة في الباب وغيرها، وقد تضمَّن الباب ثلاثة أحاديث. 

١٥٨-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنهما- قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الْخَوْفِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ, فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ, وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ, فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً, ثُمَّ ذَهَبُوا, وَجَاءَ الآخَرُونَ, فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً, وَقَضَتِ الطَّائِفَتَانِ رَكْعَةً رَكْعَةً ([787]).

١٥٩-عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ([788]) عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ([789]) عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ, صَلاةَ الْخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً صُفَّتْ مَعَهُ, وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ, فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً, ثُمَّ ثَبَتَ قَائِماً, وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ, ثُمَّ انْصَرَفُوا, فَصُفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ, وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى, فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ, ثُمَّ ثَبَتَ جَالِساً, وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ, ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ([790]). 

* الذي صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- هو سهل بن أبي حَثْمة([791]).

الشرح:

هذان الحديثان قد تضمنا صفتين متقاربتين من صفات صلاة الخوف، وفي كل من الحديثين جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الجيش طائفتين؛ فقامت طائفة معهم، وطائفة إزاء العدو، أي في جهة العدو، فصلى بالطائفة التي معه ركعة، ثم ذهبوا، فجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم -صلى الله عليه وسلم- ركعة، ثم قضى كل واحد من الطائفتين لنفسه ركعة، هذا ما يدل عليه حديث ابن عمر، وليس فيه تعيين وقت القضاء، وأما حديث سهل بن أبي حثمة ففيه أن الطائفة الأولى قضوا الركعة مكانهم قبل أن ينصرفوا، ثم جاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم النبيُّ الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسًا، ثم أتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم، والأقرب أن ما في الحديثين هو صفة واحدة غير أنه لم يبين في حديث ابن عمر صفة قضاء الطائفتين للركعة التي بقيت عليه، والأشبه أنهم قضوها كما جاء في حديث سهل وهو واضح.

وفي الحديثين فوائد:

١-مشروعية صلاة الخوف، والخوف خوفان: خوف من الكفار عند مقاتلتهم، وخوف من غيرهم من عدو وسبع، وصلاة الخوف تشرع في هذا وهذا، ولكن تختلف صفتها باختلاف الأحوال.

٢-عظم شأن الصلاة المكتوبة في الإسلام.

٣-عظم شأن صلاة الجماعة.

٤-وجوب صلاة الجماعة؛ لقوله تعالى: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102]. وقوله: {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}.

٥-كيفية صلاة الخوف إذا كان العدو في غير جهة القبلة.

6-ذكر صفتين من صفات صلاة الخوف، وقد وردت صفات كثيرة([792])، وعلى قائد الجيش أن يختار الصفة المناسبة لحالهم المحققة للقيام بواجب الجهاد وواجب الصلاة، وإذا كان الجيش فِرقًا متفرقة المواقع: فعلى أمير كل فرقة أن يصلي بأصحابه على وجه من وجوه صلاة الخوف.

7-أن صلاة الخوف تخالف صلاة الأمن في كثير من أحكام الإمامة والإتمام؛ منها:

إتمام المأمومين صلاتهم، وانصرافهم قبل إتمام الإمام صلاته وقبل سلامه.

ومنها: انصرافهم قبل إتمام صلاتهم؛ كما في حديث ابن عمر.

8-أن على قائد الجيش أو الإمام الذي يصلي بهم أن يعلمهم كيف سيصلون.

9-أن الحركة الكثيرة لمصلحة الجهاد لا تبطل الصلاة.

10-أن الصلاة لا تؤخر عن وقتها بسبب الخوف، وتأخير الرسول -صلى الله عليه وسلم- صلاة العصر أو صلاة الظهر والعصر يوم الأحزاب كان قبل أن تشرع صلاة الخوف. ١٦٠-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنهما- قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الْخَوْفِ؛ فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ, وَكَبَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا, ثُمَّ رَكَعَ فرَكَعْنَا جَمِيعًا, ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا, ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ, وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ, فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - السُّجُودَ, وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ: انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ, وَقَامُوا, ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ, وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ, ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- وَرَكَعْنَا جَمِيعًا, ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فرَفَعْنَا جَمِيعًا, ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ, وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ - الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى - فَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ, فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ: انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ, فَسَجَدُوا ثُمَّ سَلَّمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم - وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا.

قَالَ جَابِرٌ: كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلاءِ بِأُمَرَائِهِم.

ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بِتَمَامِهِ([793]).

وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ طَرَفاً مِنْهُ، وَأَنَّهُ صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْغَزْوَةِ السَّابِعَةِ, غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ([794]).

الشرح:

هذا الحديث تضمن صفة صلاة الخوف إذا كان العدو جهة القبلة، وخلاصة هذه الصفة: أن الجيش يكون خلف الإمام صفين؛ فيكبرون ويركعون ويرفعون جميعًا، فإذا سجد الإمام سجد معه الصف الأول، وبقي الصف الثاني يحرس، ويرقب العدو، فإذا قام الإمام ومعه الصف الأول من السجود انحدر الصف الثاني للسجود، فإذا قاموا فقد تمت لجميعهم ركعة، ثم يتقدم الصف الثاني ويتأخر الصف الأول، ثم يفعلون في الركعة الثانية نظير ما فعلوا في الركعة الأولى؛ فيقومون ويركعون ويرفعون جميعًا، فإذا انحدر الإمام بالسجود سجد معه الصف الأول وبقي الصف الثاني يرقب العدو، فإذا قعد الإمام للتشهد انحدر الصف الثاني بالسجود، ثم يقعدون للتشهد مع الإمام، ثم يسلم الإمام بهم جميعًا.

وفي هذا الحديث من الفوائد نظير ما في الحديثين الأول والثاني مع بعض الفروق، أهمها:

1-أنهم في الصفة المذكورة في هذا الحديث: يكبرون جميعًا ويسلمون جميعًا، وأن الصف الثاني يتأخر عن الإمام في السجود في الركعة الأولى وفي الثانية بعد التقدم والتأخر

2- ومن فوائد الحديث: الجمع بين أفعال الصلاة، وأعمال الجهاد.

3- ومنها: تحري النبي -صلى الله عليه وسلم- العدل بين الطائفتين.

4- ومنها: أن الحركة المأمور بها لا تبطل الصلاة ولو كثرت.

 كتاب الجنائز

أي: هذا كتاب ذكر الأحاديث المتعلقة بأحكام الجنائز، وقد درج المصنفون في أحاديث ومسائل الأحكام على وضع كتاب الجنائز بعد كتاب الصلاة، وسبب ذلك: أن أهم أحكام الميت وأفضلها وأنفعها له الصلاة عليه، والجنائز: جمع جنازة، وهو بدن الميت، بفتح الجيم وكسرها، وقيل بالكسر: السرير عليه الميت([795])

وهذا الكتاب وما ذكر فيه من الأحاديث والأحكام يذكِّرُ بالموت، وذكر الموت يزهِّدُ في الدنيا، ويذِّكرُ الآخرة، ويوقظ القلب، ويبعث على الاستعداد للرحيل من هذه الدار، وعدة الأحاديث التي ذكرها المؤلف: أربعة عشر حديثًا. 

١٦١-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: نَعَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ, وخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى, فَصَفَّ بِهِمْ, وَكَبَّرَ أَرْبَعًا([796]).

١٦٢-وعَنْ جَابِرِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ؛ فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي, أَوْ الثَّالِثِ([797]).

الشرح: 

هذان الحديثان هما الأصل في الصلاة على الغائب، والنجاشي هو ملك الحبشة الذي آوى المسلمين لما هاجروا إلى الحبشة؛ فكانوا عنده في أمان ومنعة، واسمه: أصحمة([798])، وقد أسلم وراسل النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما مات أطلع اللهُ نبيَّهُ على موته في اليوم الذي مات فيه؛ فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بموته، وهذا معنى قوله: (نعى النجاشي) أي: أخبرهم بموته، وخرج بهم إلى المصلى فصلى عليه، وكبَّر أربع تكبيرات.

وفي الحديثين فوائد:

١-فضل النجاشي -رحمه الله-.

٢-جواز النعي، وهو الإخبار بموت الميت على غير طريقة أهل الجاهلية الذين يقصدون بالنعي الفخر، وتعظيم الميت، وذكر محاسنه، وبهذا يظهر الجمع بين هذا الحديث، وحديث النهي عن النعي([799]).

٣-إخباره بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه: عَلَمٌ من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم-.

٤-مشروعية الصلاة على الغائب، وللعلماء في هذه المسألة مذاهب([800]):

أحدها: أنه لا يُصلَّى على غائب، وقصة الصلاة على النجاشي خاصة به.

وقيل: يُصلَّى على كل غائب استدلالًا بقصة النجاشي([801]).

وهذان القولان ضعيفان.

والقول الثالث: يصلى على خواص الأمة من العلماء والصلحاء وأمراء العدل.

والرابع: أنه يصلى على من علم أنه لم يصل عليه في الموضع الذي مات فيه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([802]). 

٥-مشروعية الصلاة على الميت.

٦-أن التكبيرات في الصلاة على الميت أربع.

٧-الاصطفاف في الصلاة على الجنازة، ويستحب أن يكون المصلون ثلاثة صفوف فأكثر؛ لما ورد في فضل من صلى عليه ثلاثة صفوف([803] ومعنى قوله في الحديث: (فصفَّ بهم) أي: جعلهم صفوفًا، وتقدم  -صلى الله عليه وسلم- للصلاة بهم.

١٦٣-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ مَا دُفِنَ؛ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا([804]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في الصلاة على القبر، وله شواهد صحيحة([805] وقوله: (بَعْدَ مَا دُفِنَ) أي: الميت في القبر.

وفي الحديث فوائد، منها: 

١-مشروعية الصلاة على الميت. 

٢-جواز الصلاة على القبر، وأنها كالصلاة على الميت على الأرض.

٣-أن التكبيرات على الميت أربع.

٤-حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما ينفع المسلمين أحياءً وأمواتًا، ويشهد لهذا: قوله -صلى الله عليه وسلم- في المرأة التي كانت تقمُّ المسجد: (أفلا كنتم آذنتموني؟ دلوني على قبرها؛ فأتى قبرها فصلى عليها)([806]).

* تنبيه: لم يذكر المؤلف في هذا الباب مما يتعلق بصفة صلاة الجنازة إلا ما يدل على التكبيرات الأربع؛ لأن أكثر ما ورد من الأحاديث والآثار في صفة صلاة الجنازة ليست على شرطه، وهي مذكورة في الكتب المصنفة في الفقه وأحاديث الأحكام: كعمدة الفقه([807])، وبلوغ المرام([808]). 

١٦٤-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كُفِّنَ فِي ثلاثة أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ([809]), لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ([810]). 

١٦٥-عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ, فَقَالَ: (اغْسِلْنَهَا ثَلاثاً, أَوْ خَمْساً, أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكِ - بِمَاءٍ وَسِدْرٍ, وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَة كَافُورًا - أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ - فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي).

فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ؛ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ؛ فقَالَ: ©أَشْعِرْنَهَا إيَّاه®([811])  يعْنِي: إزَارَهُ([812]). 

*وَفِي رِوَايَةٍ: «أَوْ سَبْعًا»([813]).

* وَقَالَ: (ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ) ([814]).

*وَأنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: وَجَعَلْنَا رَأْسَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ([815]).

١٦٦-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ, إذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ, فَوَقَصَتْهُ -أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ, وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْه([816])، وَلا تُحَنِّطُوهُ, وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً) ([817]).

*وَفِي رِوَايَةٍ: (وَلا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلا رَأْسَهُ) ([818]).

*الوَقْصُ: كَسْرُ العُنُقِ([819]).

الشرح:

هذه الأحاديث هي الأصل في تغسيل الميت، وتكفينه، وصفة الكفن.

وفيها فوائد:

١-أن حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- حكم أمته: يُغسَّل، ويُكفَّن ويُصلَّى عليه.

٢-أنه -صلى الله عليه وسلم- كُفِّن في ثلاثة أثوابٍ بيض.

٣-استحباب التكفين في الأبيض. 

٤-وجوب تغسيل الميت، وتكفينه.

٥-استحباب ألا ينقص تغسيل الميت عن ثلاث.

٦-البداءة في غسل الميت بميامينه، وأعضاء وضوءه.

7-استحباب الوتر في تغسيل الميت.

8-استحباب جعل شعر المرأة قرونًا؛ أي: ضفائر.

9-استحباب الكافور في الغسلة الأخيرة، وهو نوع من الطيب.

10-احتفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ببنته زينب -رضي الله عنها-.

11-أن من كفنها: حِقْو النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو إزاره([820]).

12-أمره -صلى الله عليه وسلم- أن يكون شعارًا لها، أي: يلي جسدها؛ لقوله: (أشعرنها إياه).

13-أن من فضائله: ما جعل الله في بدنه من البركة.

14-اتصال هذه البركة بثيابه، وفضلات بدنه الطاهرة؛ كعرقه -صلى الله عليه وسلم- والصحيح: أن هذا من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-([821]).

15-فضل أم عطية -رضي الله عنها-.

16-حكم المحرم إذا مات: أنه يغسل ويكفن.

17-أن المحرم إذا مات لا يبطل إحرامه، ويُجنَّبُ ما يجتنبه المحرم؛ فلا يُطيَّبُ، ولا يُغطَّى رأسه إن كان ذكرًا، قيل: ولا وجهه، والرواية في تغطية الوجه مختلف فيها([822]).

18-أن كفن الميت مقدم في ماله على دينه.

19-أن من مات على حال يبعث عليها؛ لقوله: (يبعث يوم القيامة ملبيًا).

20-أنه لا تُؤدى عنه بقية المناسك.

21-أن الأمر المقيد يتقيد به فورًا، وغاية.

22-وجوب تعليم الواجبات الشرعية لمن يجهلها.

23-تخيير المكلف في تعيين ما يحصل به المقصود.

24-استعمال منظف كالسدر مع الماء في تغسيل الميت.

25-أن تغير الماء بالطاهرات لا يسلبه الطهورية.

26-جواز الاقتصار في كفن الميت على لفافة واحدة تستر بدنه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وكفنوه في ثوبيه)، وهما: الإزار والرداء، ومجموعهما: بقدر اللفافة.

27-فيه شاهدٌ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ثم يبعثون على نياتهم)([823]).

١٦٧-عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا([824]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في نهي النساء عن اتباع الجنائز، والأصل في النهي: التحريم، وقولها: (ولم يعزم علينا) هذا فهم لها تريد أنه ليس بمحرم، وقولها: (نهينا) أي: نهانا الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وفي الحديث فوائد، منها:

١-تحريم اتباع النساء للجنائز، ولو للصلاة على الميت؛ لإطلاق الحديث.

٢-الفرق بين النساء والرجال في بعض الأحكام.

٣-أن المرأة لا تخرج للصلاة على الميت.

٤-أن «أُمرنا ونُهينا» في حكم المرفوع.

٥-أن من حكمة الشريعة: التفريق بين المختلفات.

6-أن من مقاصد الشريعة: قرار المرأة في بيتها إلا ما خصه الدليل؛ كخروجها لصلاة العيد.

١٦٨-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ, فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ, وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ)([825]). 

الشرح:

هذا الحديث أصل في مشروعية الإسراع في تجهيز الميت: بتغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه إلى أن يوضع في قبره إلا أن يعرض ما يقتضي التأخير، وتقدر كل حالة بقدرها.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية الإسراع بالجنازة سرعة لا تشق على من يحملها ولا من يتبعها، ولا تضر بالميت.

٢-الإسراع في تجهيزه.

٣-الحكمة من الإسراع بالجنازة.

٤-أن الجنازة إن كانت صالحة فالإسراع لمصلحة الميت، وإن كانت غير صالحة فمصلحة الإسراع لمن يحمل الميت.

٥-من أدب الكلام: الإبهام بذكر الأمر المكروه؛ لقوله: (وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ).

٦-أن الفاجر شرٌّ على أهله أو من يجالسه ويقاربه، وهذا الحديث شبيهٌ بقول -صلى الله عليه وسلم: «مستريح ومستراح منه» وذلك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- مر عليه جنازة؛ فقال: «مستريح ومستراح منه» قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب»([826]).

٧-أن المسلمين فيهم الصالح ودونه.

٨-حسن عاقبة العبد الصالح.

٩-سوء عاقبة الفاجر.

١٠-التنبيه إلى ترك مصاحبة أهل الشر.

١١-الفرق في المعاملة بين التقي والفاجر حتى بعد الموت.

١٢-الترغيب في أسباب الصلاح.

١٣-التحذير من أسباب الشر والفساد.

١٤-أن أحوال القبر من أمور الآخرة؛ فهي من الغيب الذي يجب الإيمان به، ولا طريق لمعرفته إلا بالخبر.

١٥-فيه شاهدٌ لحديث: (القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار) ([827] لقوله: (فخير تقدمونها إليه).

١٦-التنبيه على حقارة الدنيا حيث يحرص أهل الميت على التخلص من جثمانه.

١٧-أن الروح أهم ما في كيان الإنسان، إذا فارقه الجسد لم تؤدي الأعضاء وظائفها.

١٨-فيه شاهد لحديث أبي سعيد عند البخاري([828]) قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا وضعت الجنازة، فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها! أين يذهبون بها؟! يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق).

١٦٩-عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ- رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّيْت وَرَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- عَلَى امْرَأَةٍ([829]) مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا؛ فَقَامَ وَسْطَها([830]). 

الشرح:

هذا الحديث أصل في موقف الإمام في الصلاة على المرأة.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-أن مقام الإمام في الصلاة على الجنازة: حذاء وسط المرأة، وأما الرجل: فحذاء رأسه؛ لحديث أنس عند أبي داود أنه قيل له: "هكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي على الجنازة كصلاتك: يكبر عليها أربعًا، ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال: نعم([831] ولعل من حكمة هذا التفريق: أن يعلم المصلون أن الميت ذكرٌ أو أنثى.

٢-جواز الصلاة على النفساء، وفي حكمها: الحائض.

١٧٠-عَنْ أَبِي مُوسَى -عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ- رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ([832]).

*الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة([833]). 

١٧٣([834])-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ , وَشَقَّ الْجُيُوبَ , وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ)([835]).

الشرح:

هذان الحديثان أصل في تحريم الجزع عند المصبية، ووجوب الصبر.

وفيهما فوائد:

١-تحريم الجزع عند المصبية ومظاهره، ومنها: ما ذكر في الحديثين.

٢-أن هذه المذكورات: رفع الصوت، وشق الجيب، وحلق الشعر، وضرب الخدود، ودعوى الجاهلية عند المصبية: من كبائر الذنوب.

٣-أن من برئ منه الرسول: فهو مذموم، وفعله محرم، ومعنى بريء منه: أي قال: «إني بريءٌ»، أو قال: «ليس مني» أو «منا» كما في الحديث الثاني، ومعنى البراءة من الشيء: قطع الصلة به، وعدم محبته.

٤-أن مظاهر الجزع المذكورات: رفع الصوت، وهو الصراخ، وحلق الشعر، وشق الثوب، وضرب الخدود أو الصدور، ودعوى الجاهلية؛ كقول النائحة: وا عضداه! وا سنداه! وا جبلاه!

٥-ذم الجاهلية، وكل ما يضاف إليها.

١٧١-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَت: لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ, يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ - وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ أَتَتَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ - فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا, فَرَفَعَ رَأْسَهُ فقَالَ: (أُولَئِكَ إذَا مَاتَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً, ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرة، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ) ([836]).

١٧٢-وعَنْها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِد)، قَالَتْ: وَلَوْلا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً([837]).

الشرح:

هذان الحديثان أصلٌ في تحريم بناء المساجد على القبور؛ خصوصًا قبور الأنبياء والصالحين، ومن اتخاذها مساجد: الصلاة عندها.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١-أن بناء المساجد على القبور من سنة الجاهلية.

٢-أن بناء المساجد على قبور الصالحين من طرائق اليهود والنصارى.

٣-أن بناء المساجد على القبور من كبائر الذنوب؛ لترتيب اللعن والذم عليه.

٤-أن ذم أهل الكتاب على عمل هو تحذير لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أن تفعل فعلهم؛ لقولها: (يحذِّر ما صنعوا).

٥-أن دفن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيته، وترك إبراز قبره؛ لئلا يُتخذ قبره -صلى الله عليه وسلم- مسجدا.

٦-أن زخرفة المعابد، ونصب الصور فيها: من عوائد الكفار، من النصارى وغيرهم.

٧-أن تصوير الصالحين، وبناء المساجد على قبورهم: من وسائل الشرك.

8-التحذير من التشبه بالكفار في ذلك.

9-كمال نصح النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته؛ حتى وهو في سياق الموت -صلى الله عليه وسلم-.

10-جواز وصف معابد الكفار، والإعجاب الطبيعي بزخرفتها.

11-جواز لعن الكفار على وجه العموم، ومعنى اللعن: الطرد والإبعاد من رحمة الله([838]).

12-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشر تعرض له العوارض البشرية كالمرض.

13-أن المرض ليس عذرًا في ترك البيان والإنكار إذا اقتضى الحال.

14-أن الاعتبار في المدح والذم بما عند الله؛ لقوله: (أولئك شرار الخلق عند الله).

15-جواز الكلام عند المريض بما لا يؤذيه.

16-أن النهي عن بناء المساجد على القبور لم ينسخ؛ لأن التحذير من ذلك كان في آخر حياته بل وهو في السياق.

١٧٤-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى([839]) عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ) قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: (مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ)([840]).

*وَلِمُسْلِمٍ: (أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ) ([841]).

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في فضل اتباع الجنازة، والصلاة عليها.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-الترغيب في اتباع الجنازة من عند أهلها حتى يُصلَّى عليها؛ لقوله: (فله قيراط) يعني: من الأجر، والقيراط جزءٌ يختلف وزنُه، وأصله: اسمٌ لنقدٍ صغير أو شيءٌ من الفضة يسيرٌ يُعطى للأجير، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرَّبه بقوله: (والقيراطان مثل الجبلين العظيمين)، وفي الرواية الأخرى: (أصغرهما مثل أُحد)، وظاهر الحديث: أن هذا الأجر مرتب على الإتباع والصلاة، ثم إتباعها بعد الصلاة فلا يحصل هذا الثوب لمن صلى فقط.

٢-الترغيب في إتباعها بعد الصلاة عليها إلى أن تدفن.

٣-مشروعية الصلاة على الميت ودفنه، وهما فرض كفاية، وكل ما يفعل بالميت فهو مختص بالمسلم.

٤-فضل الله على الميت بالترغيب في تشييعه والصلاة عليه.

5-فيه شاهد لقوله –صلى الله عليه وسلم-: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ) وفيه: (وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ) ([842]).

6-أن حق المسلم على المسلم يثبت له حيًا وميتًا.

 كتاب الزكاة

أي: هذا كتاب ذكر الأحاديث الواردة في الزكاة، والزكاة قرينة الصلاة في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]. وقال صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس) .. وفيه: (إقام الصلاة وإيتاء الزكاة)([843]) فهي أحد فرائض الإسلام، وهي حق المال: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:70]. وجاحد وجوبها كافر، والممتنع من أدائها عاصي.

وقد درج المصنفون في الفقه وأحاديث الأحكام على ذكر كتاب الزكاة إثر كتاب الصلاة على ترتيب أركان الإسلام.

ويأتي ذكر الزكاة في القرآن على وجهين: يراد بها حق المال؛ لقوله: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [البقرة:277]. ويراد بها زكاة النفس بالإيمان والتوحيد؛ كقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت:5-6]. على أحد التفسيرين([844])

والزكاة في اللغة: الصلاح والنماء([845] ومنه قولهم: زكا الزرع: إذا صلح ونما، وسمي ما يؤخذ من الأغنياء زكاة؛ لأنها سبب لبركة المال ونمائه وتزكية صاحبه؛ كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]. وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14-15].

١٧٥-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ -: (إنَّك سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ: فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ, وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً, تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ؛ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) ([846]).

الشرح:

هذا الحديث من أدلة السُّنَّةِ على الأصول الثلاثة من أصول الإسلام، وهي: التوحيد، والصلوات الخمس، والزكاة؛ ولذا بدأ به المصنف في هذا الباب، ومناسبته ظاهرة.

وفي الحديث فوائد كثيرة، منها:

1-مشروعية بعث الدعاة إلى الله في النواحي، يدعون ويعلِّمون ويحكمون ويأخذون الصدقة والجزية، كما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذًا وغيره لذلك.

2- البداءة في الدعوة بالأهم فالأهم.

3- تنبيه الإمام من يبعثه إلى ما يحتاج إليه، وتعليمه ما يدعو إليه؛ ليستعد لما يواجهه من شبهات.

4- أن الدعوة تختلف باختلاف حال المدعو.

5- أن أهل الكتاب عندهم من الشبهات ما ليس عند غيرهم.

6- أن التوحيد أعظم الواجبات وأولها، فيبدأ به في الدعوة.

7- أن التوحيد هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له؛ ولهذا اختلفت ألفاظ الرواة([847]).

٨-أن الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله استجابةً لدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- يتضمَّنُ الإقرارَ برسالته، ولذا اقتصر في الحديث على ذكر شهادة أن لا إله إلا الله. 

9- أن أوجب الواجبات بعد التوحيد: الصلوات الخمس.

10- أن فرض الصلاة عام لجميع المكلفين.

11- أنه لا يؤمر بالصلوات الخمس إلا من أجاب إلى التوحيد ودخل في الإسلام.

12- أن فرض الصلوات الخمس في كل يوم وليلة.

13- أن أوجب الواجبات بعد الصلوات الخمس: الزكاة.

14- أنه لا يؤمر بأداء الزكاة إلا من التزم وجوب الصلاة، فإن من لم يلتزم بوجوب الصلاة كافر، والزكاة لا تصح من كافر، وكذا لا تصح من تارك الصلاة عند القائلين بكفره.

15- أن الزكاة إنما تجب على الأغنياء، وهم كل من ملك نصابًا، وهو المقدار الذي عُلِّق به في الشرع وجوبُ الزكاة.

16- أن للإمام تولي أخذ الزكاة من الأغنياء وصرفها في مصارفها، وإذا أخذها الإمام برأت ذمة صاحب المال، وإذا قصر الإمام في أخذها وجب على صاحب المال إخراجها ووضعها في مصارفها.

17- وجوب قصر الزكاة على فقراء المسلمين؛ لقوله: (فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِم)، فلا يجوز صرفها في الفقير الكافر.

18- وجوب صرفها في فقراء البلد الذي فيه المال، فلا يجوز نقلها إلى خارجه إلا لمصلحة راجحة؛ لقوله: (فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِم).

19- أن من مصارف الزكاة –بل أهمها-: الفقراء، ولهذا قُدِّموا في الذكر في الآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60]. وهم كل من لا يجد إلا القليل من كفايته أو لا يجد شيئًا، وإن ملك نصابًا كان غنيًا من وجه تُؤخذ منه الزكاة لملكه النصاب، وفقيرًا من وجه تُدفع إليه الزكاة لفقره.

20- جواز الصرف في صنف واحد من أصناف أهل الزكاة؛ لقوله: (فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِم).

21- تحريم ظلم الأغنياء بأخذ ما لا يجب عليهم كمًا وكيفًا؛ لقوله: (فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ).

22- أن الواجب في الزكاة هو الوسط من المال، لا من الرديء ولا من الأجود.

23- أن الزكاة مواساة بين الأغنياء والفقراء، فلا يُظلم الأغنياء لحق الفقراء بالزيادة على الواجب، ولا الفقراء بترك بعض ما وجب لهم.

٢4-وجوب أخذ الزكاة ممن امتنع عنها؛ لقوله: (تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ)

25- التحذير من الظلم.

26- أن دعوة المظلوم مستجابة.

27- وجوب اتقاء دعوة المظلوم بترك الظلم.

28- نصر الله للمظلوم على الظالم.

٢9-جواز دعاء المظلوم على الظالم بدون اعتداء.

30- أن العبادة تكون بدنية؛ كالصلاة والصيام، وتكون مالية؛ كالزكاة، وقد تكون بدنية ومالية؛ كالجهاد.

31- أهمية هذه الأركان الثلاثة من أركان الإسلام، فقد قرن بينها في الكتاب والسنة؛ كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [البينة: 5]، وقوله: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ} [التوبة: 5 و11]. ومن السُّنَّةِ: هذا الحديث.

32- أن القيام بهذه الأصول يستتبع ما عداها من أركان الإسلام وواجباته، ولعله اقتُصر عليها لذلك.

33- فضل معاذ بن جبل -رضي الله عنه-؛ لبعثه -صلى الله عليه وسلم- إياه، مما يدل على كفاءته.

34- أن خبر الواحد حجة يجب العمل به في جميع مسائل الدين.

 35- وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون؛ لقوله: (تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ).

١٧٦-عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ)([848]).

الشرح:

تضمَّن هذا الحديثُ بيانَ نُصُبِ: زكاة الإبل، والفضة، والخارج من الأرض، والنصاب هو القدر الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة، ولم يبين في الحديث القدر الواجب في هذه النصب الثلاثة، فالحديث في ذلك مجمل، وقد جاء في السنة ما يبينه([849] فالواجب في الفضة: ربع العشر، وهو خمسة دراهم من مئتين، والواجب في الخمس من الإبل: شاة، والواجب في الخارج من الأرض: العشر فيما سقي بلا مؤونة، ونصف العشر: فيما سقي بمؤونة.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-وجوب الزكاة في الفضة والإبل والحبوب والثمار.

٢- أن نصاب الإبل خمس؛ لقوله: (ليس فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ). والذود: اسم جمع لا واحد له من لفظة، وهو من الإبل من الثلاثة إلى العشرة([850])، وهو مؤنث؛ فيقال: ثلاث ذود، وخمس ذود؛ كما يقال: ثلاثة أبعرة، وخمسة أبعرة، والبعير: مذكر؛ لذلك أؤنث العدد.

٣-أنه لا زكاة فيما دون الخمس.

٤- أن نصاب الفضة: خمس أواق، والأوقية أربعون درهمًا، فنصاب الفضة مئتا درهم.

٥- أنه لا زكاة فيما دون ذلك.

٦- أن نصاب الحب والثمر: خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعًا، بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنصاب الحب والثمر: ثلاثمائة صاع.

٧- أنه لا زكاة فيما دون خمسة أوسق.

٨- أن الزكاة لا تجب في الثمر إلا فيما يوسق، وهو المكيل؛ لتقدير النصاب بالأصواع.

٩- أن من التيسير في فريضة الزكاة: أنها لا تجب في كل قليل وكثير.

١٠- أن عدم وجوب الزكاة فيما دون النصاب: مستفاد من منطوق الحديث، ووجوب الزكاة فيما بلغ النصاب: مستفاد من المفهوم.

١١-يسر الشريعة في فريضة الزكاة من وجوه:

أ-أن الزكاة لا تجب إلا في أنواع مخصوصة.

ب-أنه لا تجب في أي مقدار بل فيما بلغ النصاب.

ت-أن الواجب إخراجه يسير؛ كشاة من أربعين، وخمسة دراهم من مئتين.

ث-أن النقص اليسير من نصاب الفضة يمنع من وجوب الزكاة.

ج-أن هذا الحديث مبين للإجمال في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].

١٧٧-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ)([851]).  

*وَفِي لَفْظٍ: (إلاَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ) ([852]).

الشرح:

هذا الحديث نصٌّ في أن الخيل والرقيق ليسا من الأموال الزكوية؛ أي: التي تجب فيها الزكاة، وهذا محمول عند جمهور العلماء على ما كان للقنية، فالخيل والرقيق يخالفان في ذلك بهيمة الأنعام، أما إذا كانت الخيل والرقيق للتجارة، أي للبيع وكسب الربح، فهي من العروض، فتجب فيها زكاة العروض بالشروط المعروفة.

وفي الحديث فوائد، منها:

1- أنه ليس في عين الخيل زكاة.

2- انه ليس في عين الرقيق زكاة.

3- أنه ليس في الخيل والرقيق زكاة ولو كان منهما شيء كثير، وفي حكم الخيل والرقيق: جميع المقتنيات من العقار والمنقولات إلا السائمة من بهيمة الأنعام، وفي الحلي المعد للاستعمال خلاف([853]).

4- أن المفرد المضاف من صيغ العموم؛ لقوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [النحل: 18].

5- وجوب زكاة الفطر عن العبد على سيده.

6- وجوب زكاة الفطر على كل أحد؛ فإنها إذا وجبت على العبد فعلى الحر من باب أولى، كما جاء التصريح بذلك في حديث عبد الله بن عمر: (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ)([854]).

7-أن الزكاة لا تجب إلا على المسلم.

8-جواز الاسترقاق وملك الرقيق، وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، وجاحده كافر إذا قامت عليه الحجة.

١٧٨-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ) ([855]). 

*الجبار: الهدر الذي لاشيء فيه([856]).  

*والعجماء: الدابة([857]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في حكم الركاز، وحكم ما تلف بهذه المذكورات: العجماء، والبئر، والمعدن.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-أن ما أتلفته البهيمة لا ضمان فيه إلا أن يكون من صاحبها تفريط أو تعدي.

٢-أن من أتلف شيئًا لغيره بحفر بئر أو معدن، وهو مكلف لم يضمنه إلا إن غرَّه، ومن حفر حفرة في طريق ضمن ما تلف بها؛ لأنه متعد.

٣-أن في الركاز: الخمس صدقة في قليله وكثيره، ومن أي أنواع المال كان، هذا هو الصحيح؛ لعموم الحديث، والركاز: هو المال المدفون في أرض غير مملوكة، أو مملوكة ولم يدعه مالكها، ويتيقن عدم وجود صاحبه([858])

٤-أنه لا يشترط لوجوب الخمس: حولٌ بل يجب في الحال، وهذا بالاتفاق، ومصرف هذا الخمس مصرف الزكاة، وقيل: مصرف خمس الغنيمة؛ فيصرف في المصالح العامة، ويتولى ذلك واجد الركاز إلا إن كان بيت المال منتظمًا؛ فيدفع إلى الإمام.

٥-أن قاعدة الشريعة في مقدار المخرج: بحسب نماء المال، وبحسب المؤنة في تحصليه أو عدمها، ففي الذهب والفضة، وقيمة العروض: ربع العشر، وفي الحبوب والثمار إذا سقي بمؤونة: نصف العشر، وبغير مؤونة: العشر، وفي الركاز: الخمس.

١٧٩-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ - رضي الله عنه - عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ, إلاَّ أَنْ كَانَ فَقِيراً؛ فَأَغْنَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ؛ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِداً، وَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ؛ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا؟). ثُمَّ قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا عُمَرُ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟)([859]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في بعث الإمام العمال لقبض الصدقة من الأغنياء.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-بعث الإمام من يأخذ الصدقات من الأغنياء.

٢-أن عمر -رضي الله عنه- عمل في ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-.

٣-الإنكار على من منع دفع الزكاة من غير عذر.

٤-الاعتذار عن من له عذر في عدم دفع ما طلب منه؛ فقد أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على ابن جميل، واعتذر عن خالد بأنه قد وقف أدرعه وأعتاده، وعن عمه العباس بأنه قد عجَّل صدقته لعامين؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (فهي علي، ومثلها).

٥-أن العم بمنزلة الأب؛ لقوله: (عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ).

٦-الإنكار على من منع الواجب، وقد أغناه الله بعد الفقر.

٧-جواز شكوى عامل الصدقة من منع الزكاة إلى الإمام.

٨-مشروعية جعل السلاح وعتاد الحرب وقفًا في سبيل الله.

١٨٠-عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَسَمَ فِي النَّاسِ، وَفي المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسُ، فَخَطَبَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: (يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ، فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: (مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟)، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: (لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُم: جِئْتَنَا كَذَا وكَذَا، أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بالنَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى رِحَالِكُمْ؟ لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَو سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ)([860])

الشرح:

هذا الحديث تضمن طرفًا من خبر غزوة حنين التي جرت بين المسلمين وكفار هوازن، في السنة الثامنة من الهجرة، في موضع يقال: له حنين بين مكة والطائف، وقد نصر الله فيها رسوله والمؤمنين، وعذب الكافرين، وقد أشير إلى هذه الغزوة في القرآن، في قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} إلى قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 25-26]. وقد غنم المسلمون شيئًا كثيراً من الإبل، وقد قسمها النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعطى المؤلفة قلوبهم من قريش وغيرهم عطايا جزلة؛ فوجد بعض الأنصار من ذلك في نفوسهم بعض الشيء؛ إذ لم يعطوا كما أعطي هؤلاء المؤلفة، قيل: هذه العطايا من أصل الغنيمة، وقيل: من الخمس، وهذا ما تضمنه هذا الحديث، ولا تظهر مناسبة في هذا الحديث لكتاب الزكاة إلا من حيث أعطى المؤلفة، وهم من أصناف أهل الزكاة.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-حل الغنائم، وهذه إحدى خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي له ولأمته، والغنائم: ما يستولي عليه المسلمون من أموال الكفار بالقوة([861] وقد بين الله حلها في كتابه: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69]. وبين قسمها في قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41].

٢-أن قسم الغنيمة للإمام يقسمها على حكم لله ورسوله.

٣-أن للإمام أن يعطي من خمس الغنيمة: المؤلفة قلوبهم، وفي المصالح العامة.

٤-أن على الإمام أن يوضح لرعية ما أشكل عليهم من تصرفه.

٥-تذكير الإمام للرعية بما أنعم الله عليهم.

٦-حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم- إذ لم يعاتب، ولم يعاقب من تكلم فيما أعطي المؤلفة قلوبهم ما أعطوا.

٧-تذكير النبي -صلى الله عليه وسلم- للأنصار بما أنعم الله به عليهم على يده -صلى الله عليه وسلم- من الهداية والألفة والغَناء.

٨-فضل الأنصار، وهم: المؤمنون من الأوس والخزرج.

٩-ذكره -صلى الله عليه وسلم- لفضائلهم؛ كما جاء في رواية: (ما والله؛ لو شئتم لقلتم: فلصدقتم وصُدِّقتُم، أتيتنا مكذَّبًا فصدقناك، ومخذولًا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلًا فآسيناك) ([862]).

١٠-حسن جوابهم في قولهم: (اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ)

١١-تنويهه -صلى الله عليه وسلم- بمنزلتهم عنده، وأن حظهم في ذلك أعظم ممن ينال الكثير من الشاء والبعير؛ لقوله: (الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ)، والشعار: هو ما يلي الجسد من اللباس، والدثار: ما فوقه([863] ولقوله صلى الله عليه وسلم: (وَلَو سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا)

١٢-وصيته -صلى الله عليه وسلم- لهم بالصبر على ما يلقون من الولاة من الأثرة، وقد وقع كما أخبر -صلى الله عليه وسلم- ففيه علم من أعلام النبوة.

١٣-وجوب الصبر على جور الولاة.

١٤-إثبات حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-.

١٥-بشرى الأنصار أنهم يردونه، ويلقون نبيهم هناك؛ لقوله: (فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ)

١٦-أن من وجوه البر: الإنفاق للتأليف على الإسلام.

١٧-أن حب المال جبِّلةٌ لا يُذَّمُ به الإنسان إلا إذا أدى إلى إيثار الدنيا على الآخرة.

١٨-أن للإمام الاجتهاد في قسمة الفيء، ومراعاة المصلحة فيمن يعطى، ومن لا يعطى.

١٩-أن الصبر على استئثار الولاة من أسباب ورود الحوض الكريم.

 بابُ صدقةِ الفِطرِ

أي: هذا باب ذكر الدليل من السنة على صدقة الفطر، ويقال: زكاة الفطر، والمراد بالفطر: الفطر من رمضان عند انقضاء الشهر، ويثبت حكم الفطر بغروب الشمس آخر يوم من رمضان، والفطر: اسم مصدر من الإفطار، وإضافة الصدقة إلى الفطر من إضافة الشيء إلى سببه أو وقته.

وذكر المؤلف في الباب حديثين، وقد فُسِّر قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14-15]. بزكاة الفطر وصلاة العيد([864])، ولا ريب أن الآية تدل على ذلك بعمومها.

١٨١-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: فَرَضَ النبي - صلى الله عليه وسلم - صَدَقَةَ الْفِطْرِ - أَوْ قَالَ رَمَضَانَ - عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ: صَاعاً مِنْ تَمْرٍ, أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، قَالَ: فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ, عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ([865]).

*وَفِي لَفْظٍ: أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلاةِ([866]).

١٨٢-وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النبي - صلى الله عليه وسلم - صَاعاً مِنْ طَعَامٍ, أَوْ صَاعاً مِنْ تمر, أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ, أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ. فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ, وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ, قَالَ: أَرَى مُدَّاً مِنْ هَذا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ([867]).

* قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَلا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ([868]). 

الشرح:

هذان حديثان هما الأصل في مشروعية زكاة الفطر، وقد تضمنا الدلالة على وجوبها ومقدارها.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١-وجوب صدقة الفطر.

٢-وجوبها على كل فرد من المسلمين، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حر أو عبد، وهي عند الفقهاء تابعة للنفقة؛ فيخرج الإنسان عن نفسه، وعن من تجب عليه نفقته، و"على" في الحديث بمعنى: "عن" بدليل ذكر الصغير والعبد، وهما ليس من أهل الوجوب؛ فلا تخرج عن كافر. 

٣-أنها مقدرة بصاع، وفي الحديثين رد على من قال بجواز إخراجها مالًا، أي: نقودًا بقدر قيمة الصاع، وهو المشهور في مذهب أبي حنفية([869])، وذهب الجمهور إلى وجوب إخراجها طعامًا من الأنواع المذكورة في حديث أبي سعيد، أو من غالب قوت البلد([870])، وظاهر الأدلة يؤيد هذا القول. ووجوبها وتقدريها مأخوذ من قول ابن عمر -رضي الله عنهما-: (فَرَضَ النبي - صلى الله عليه وسلم -) قيل: معنى فرض: أوجب، وقيل: قدر، ووجوبها وتقديرها بصاع متفق عليه.

واختلف علماء هذا العصر في تقدير الصاع بالوزن، فقال كثير منهم: إن الصاع ثلاثة كيلوات، وقال بعضهم: إنه كيلوان وأربعون غرامًا، ولو قيل: إنه كيلوان ونصف لكان وسطًا بين القولين.

 ٤-أنها كانت تخرج على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خمسة أنواع: من التمر، والشعير، والبر، والزبيب، والأقط، ففيه الرد على من أنكر إخراجها من الأقط، ولا يلزم من ذلك أنها لا تخرج من غيرها؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: يجوز إخراجها من غالب قوت البلد ولو وجدت هذه الأنواع.

٥-حرص الصحابة على التمسك بالسنة وتقديمها على الرأي.

٦-أنه لا اجتهاد مع النص، فليس لأحد ظهرت له السنة أن يعدل عنها إلى اجتهاد مجتهد.

٧-أن أعياد المسلمين أيام أكل وشرب وذكر وشكر وإحسان؛ لذلك يجب الفطر في العيد، وتجب في عيد الفطر: صدقة الفطر، وتشرع في العيدين: صلاة العيد، والأضحية في عيد الأضحى.

8-وجوب إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، عكس الأضحية فإنه لا يجزئ ذبحها قبل الصلاة، ويجوز تقديمها يومًا أو يومين؛ لقوله في حديث ابن عمر: (وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)، وللناس في تأخيرها مذاهب([871] فقيل: يكره، وقيل: يحرم، وهو الصحيح؛ لقول ابن عمر: (وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)، ولحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عند أبي داود، وفيه: (من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات)([872]).

9-أن ما فعل في عهده -صلى الله عليه وسلم- فهو في حكم المرفوع، من سنة التقرير.

 كتاب الصيام

أي: هذا كتاب ذكر الأحاديث الواردة في أحكام الصيام وفضل شهر رمضان.

والصيام لغة: الإمساك مطلقًا([873]) فيدخل فيه: الإمساك عن الكلام، ومنه قوله تعالى عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26]. ومنه: إمساك الخيل عن الجري والطِراد([874] قال الشاعر:([875])   

خَيْلٌ صِيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ ... تحتَ العَجاجِ، وأُخرى تَعْلُكُ اللُّجُما

والصيام في الشرع: الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات بنية التعبد لله، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس([876] كما قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].

١٨٣-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ, وْلا يَوْمَيْنِ إلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْماً فَلْيَصُمْهُ)([877]).

١٨٤-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ)([878]). 

الشرح:

تضمن الحديثان ما يُؤمر به ويُنهى عنه في أول شهر رمضان وآخره، فقد نهي في الحديث الأول عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، وأمر في الحديث الثاني باعتماد رؤية الهلال في الفطر والصيام، وأمر إذا كان غيمٌ ليلة الثلاثين بالتقدير؛ لقوله: (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ) قيل معناه: ضيقوا عليه بتقدير الهلال موجودًا، وهذا ظاهر قول الإمام أحمد([879] وعليه: يجب صوم يوم الشك([880] وقيل: معنى فاقدروا له: قدروا عدة الشهر ثلاثين، وهذا قول الجمهور([881] ويؤيده عدة روايات: (فاقدروا العدة ثلاثين)([882](فعدوا ثلاثين)([883](فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)([884]).

وفي الحديثين فوائد، منها: 

١-تحريم التطوع بالصيام قرب شهر رمضان إلا أن يوافق عادةً أو نذرًا، وقيل: يكره، والحكمة من ذلك؛ قيل: إن كان الذي يصوم يريد الاحتياط لرمضان كان من التنطع المؤدي إلى الابتداع في الدين، وقيل: ليتميز الفرض عن النفل؛ للفصل بينهما.

٢-وجوب صيام رمضان لرؤية الهلال أو بإكمال شهر شعبان ثلاثين يومًا.

٣-وجوب الفطر من رمضان برؤية هلال شوال أو إكمال رمضان ثلاثين، ويكفي في رؤية هلال رمضان: شاهد واحدٌ عدلٌ، ولابد في رؤية هلال شوال من شاهدين عدلين، وهذا مذهب الشافعي في القديم([885])، وهو المشهور من مذهب أحمد([886]). 

٤-الرد على الرافضة في قولهم بتقدم الصوم على الرؤية، والذي دلت عليه السنة، وأجمع عليه أهل السنة: أن رمضان اسم لما بين الهلالين.

٥-تحريم صوم يوم الشك؛ فإنه من تقدم رمضان بالصيام، ومخالف لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (صوموا لرؤيته)، وقد جاء فيه حديث عمار: (من صام اليوم الذي يشك فيه؛ فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)([887]).

٦-وجوب الصوم والفطر برؤية الهلال على من كان منفردًا بمكان بعيد من الناس، أما من كان ببلاد ورأى الهلال فإنه لا يعمل برؤيته، بل يصوم مع الناس ويفطر مع الناس؛ لحديث: (الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)([888]).

١٨٥-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم: (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) ([889]). 

١٨٦-عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلاةِ. قَالَ أَنَسٌ: قُلْت لِزَيْدٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً([890]).

١٨٧-عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ([891]).

١٨٨-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ) ([892]).

الشرح:

هذه الأحاديث اشتملت على جملة من أحكام الصيام، وهي: مشروعية السحور، وحكم من أصبح جنبًا، ومن أكل أو شرب ناسيًا.

وفيها فوائد:

١-فضل السحور، وهو بضم السين: التسحُّر، وبالفتح: الطعام، كالطُّهور بمعنى: التطهُّر، والطَّهور: ما يتطهر به، والبركة: كثرة الخير ونمائه، وفي السحور خيرٌ عاجلًا وآجلًا؛ ففيه قوة على العبادة، وثواب في الآخرة، وهو سنة مؤكدة.

٢-تسحُّرُ بعض الصحابة مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

٣-فضيلة زيد بن ثابت.

٤-استحباب تأخير السحور.

٥-كثرة تلاوة الصحابة للقرآن.

٦-تقديرهم الزمان بقراءة الآيات.

٧-أن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- تأخير السحور؛ لقربه من الأذان، وهو الإقامة.

8-حرص الصحابة على العلم، والتثبت فيما اشتبه منه.

9-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد يصبح جنبًا؛ فيغتسل ويصوم.

10-صحة صيام من أصبح جنبًا من جماع أو احتلام، وقد استنبط بعض العلماء هذا الحكم من قوله تعالى بعد إحلال الأكل والشرب والمباشرة: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187].؛ فإنه يلزم من إحلال المباشرة إلى التبين أن يصبح الإنسان جنبًا، وحكم المرأة إذا طهرت قبل الفجر حكم الجنب.

١1-فضل عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما-؛ لنقلهما هذه السنة.

12-إباحة الجماع في ليل رمضان.

13-صحة صيام من أكل أو شرب ناسيًا، وكذا من جامع على الصحيح.

14-اليسر في الشريعة، ففيه شاهدٌ لقوله تعالى في آيات الصيام: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].

15-فيه شاهد لقاعدة: (العفو عن الناسي في فعل المحرم والمكروه) ([893]).

١6-التبكير بصلاة الفجر؛ لقربها من السحور.

١٨٩-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ! قَالَ: (مَالَكَ؟) قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ - وَفِي رِوَايَةٍ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟) قَالَ: لا. قَالَ: (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟) قَالَ: لا. قَالَ: (فَهَلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟) قَالَ: لا. قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ - وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ - قَالَ: (أَيْنَ السَّائِلُ؟) قَالَ: أَنَا. قَالَ: (خُذْ هَذَا , فَتَصَدَّق بِهِ) فَقَالَ الرَّجُلُ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَوَ اَللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ- أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي! فَضَحِكَ النبي - صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ. ثُمَّ قَالَ: (أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ)([894]).

*الحرَّة: أرضٌ تركبُها حجارةٌ سُودٌ([895]).

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في وجوب الكفارة بالجماع في نهار رمضان.

وفي الحديث فوائد، منها:

1-تحريم الجماع على الصائم في نهار رمضان، وهو أحد المفطرات المذكورة في القرآن: الأكل، والشرب، والجماع.

2-فضل ذلك الرجل -وإن لم يكن مسمَّى ولا معينًا- فقد أحسن إذ جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- متذمرًا من فعلته، مستفتيًا، طالبًا للمخرج من ذنبه.

3-أن ما حصل منه كان عمدًا؛ لأنه لم يعتذر بجهل ولا نسيان.

4-أنه جاء تائبًا.

5-أن التوبة من الجماع في رمضان لا تسقط الكفارة.

6-وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان، وهو ممن يجب عليه الصوم.

7-أن كفارة الجماع في نهار رمضان أحد ثلاثة أمور مرتبة:

أولاً: عتق رقبة.

ثانيًا: فإن لم تكن؛ فصيام شهرين متتابعين.

ثالثًا: فمن لم يستطع: أطعم ستين مسكينًا، وهذا ظاهر الحديث: أن هذه الكفارة على الترتيب، وفيه خلاف بين العلماء([896])، وما دل عليه ظاهر الحديث هو الراجح.

8-أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن هذه الثلاثة، بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم-  أمره أن يتصدق بالتمر الذي جيء به.

9-إعانة من وجبت عليه الكفارة من بيت المال.

10-حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم- حيث لم يوبخ الرجل، وصدَّقه في خبره عن نفسه أنه لا يستطيع، وأنه فقير.

11-جواز الضحك عند وجود سببه.

12-أن نفقة العيال مقدمة على الكفارات.

13-أن قصة هذا الرجل من العجائب! حيث جاء طالبًا للخلاص من ذنبه، ثم صار يطالب بالصدقة لنفسه! وهذا هو الذي جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يضحك متعجبًا من حاله.

14-أن من أفطر متعمدًا -بجماع أو غيره- لا يجب عليه القضاء، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الروايات الصحيحة لم يأمره بالقضاء، فتكفيه التوبة، وجمهور العلماء على وجوب القضاء([897] وقد جاء في رواية: (وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ)([898])، فأما من لم يتب فلا ينفعه القضاء، ولا الكفارة في سقوط الإثم.

15-وجوب التتابع في صوم الشهرين.

16-وجوب استيفاء عدد المساكين في الإطعام.

17-أنه إذا كَفَّرَ بالصيام؛ فيصوم ستين يومًا إلا أن يصوم في أول الشهر ويثبت عنده نقصانه.

18-أنه لا يجزئ عن الإطعام بذل القيمة.

19-أن مناط الحكم في هذه القصة هي: الجماع في نهار رمضان دون سائر الأوصاف مما لا يصلح لتعليل، والطريق إلى معرفة المناط في مثل هذه القصة هو عند الأصوليين: السَّبْرُ والتقسيم([899])، أو تنقيح المناط([900]).

20-أنه لا يتعرض لحكم المرأة ما لم تسأل هي أو يسأل عنها.

21-أنه يجوز للمستفتي بلا كراهة: التصريح مما يستحى من ذكره، ولو بحضرة الناس.

22-أنه يجوز في الكلام حذف ما يعلم؛ لقوله: (أصبت أهلي في رمضان) ولم يقل: (في النهار).

٢3-جواز أن يقول من وقع في معصية: هلكت؛ لأن المعصية هلاك معنوي؛ ولأنها سبب الهلاك الحسي. قال تعالى:{فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ} [الأنعام: 6].

24-مشروعية سؤال أهل العلم عما أشكل من مسائل الدين.

25-جواز الاعتراف بالذنب لسؤال عما يوجبه في الشرع.

26-أن المدينة تقع بين لابتين: شرقيه وغربيه، واللابت: هي الحرة، وهي أرض مستوية تركبها حجارة سود.

27-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد يضحك حتى تبدو أنيابه أو نواجذه، وإن كان أكثرُ ضحكه تبسمًا([901]).

28-مشروعية إعانة من وجب عليه دين لله؛ كالكفارة.

 بابُ الصوم في السَّفَرِ وغيرِه

أي: هذا باب ذكر الأدلة من السنة على حكم الصوم في السفر، وقوله: (وغيره) أي: وغير الصوم في السفر؛ كصوم القضاء، والصوم عن الميت، وقضاء النذر، والوصال.

١٩٠-عن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أَصُومُ في السَّفرِ؟ -وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيامِ- قَالَ: (إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وإنْ شِئْتَ فَأَفْطِر)([902]).  

١٩١-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-([903])، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ ([904]).

١٩٢-عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في شَهْرِ رَمَضَانَ، في حَرٍّ شَديدٍ، حَتَّى إنْ كَانَ أَحَدُنا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فينا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَة([905]).

١٩٣-وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَاماً وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ, فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) قَالُوا: صَائِمٌ، قَالَ: (لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ: الصَّومُ فِي السَّفَرِ) ([906]).

*وَلِمُسْلِمٍ([907]): (عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ)

١٩٤-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ, وَمِنَّا الْمُفْطِرُ. قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ, وَأَكْثَرُنَا ظِلاً: صَاحِبُ الْكِسَاءِ، فمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ. قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ, وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةَ وَسَقَوْا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: (ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ)([908]).

الشرح:

اشتملت هذه الأحاديث على ذكر هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته في الصوم في السفر.

وفي الأحاديث فوائد، منها:

١-فضل حمزة بن عمرو الأسلمي.

٢-جواز صوم التطوع في السفر لمن لا يلحقه حرج في ذلك.

٣-تخيير المسافر بين الصوم والفطر في رمضان.

٤-الرد على من أوجب الفطر في السفر في رمضان.

٥-أن ما كان الإنسان فيه مخيرًا بين أمرين؛ فلا يعاب عليه اختيار أحدهما.

٦-تحريم الصوم في السفر على من يشق عليه مشقة شديدة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن الرجل الذي كان يُظلَّل: (ليس من البرِّ: الصومُ في السفر).

٧-الحث على الأخذ برخص الله وذم الإعراض عنها.

٨-أن الصوم في السفر أفضل إلا أن يكون في الفطر مصلحةٌ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : (ذهب المفطرون اليوم بالأجر).

9- سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن حال أصحابه، ومن دواعي السؤال: خروج الحال عن المعتاد.

10- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم الغيب؛ لأنه سأل عن هذا الذي يُظلَّل عليه.

11- تقريره -صلى الله عليه وسلم- لمن صام ومن أفطر: شاهدٌ للسنة التقريرية.

12- فضل خدمة الأصحاب والأهل في السفر والحضر.

١٩٥-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ, فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إلاَّ فِي شَعْبَانَ([909]).

١٩٦-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ)([910]). وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد([911]) وَقَالَ: هَذَا فِي النَّذْرِ , وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ -رضي الله عنه-([912]).   

١٩٧-وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: (لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى) ([913]).

*وَفِي رِوَايَةٍ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: (أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ, أَكَانَ يُؤَدِّي ذلك عَنْهَا؟) قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: (فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ)([914]).

الشرح:

تضمنت هذه الأحاديث حكم تأخير قضاء رمضان، وقضاء الصوم عن الميت.

وفي الأحاديث فوائد، منها:

1-أنه يجوز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان.

 2-جواز مراعاة حق الزوج بتأخير قضاء رمضان ما لم يضق الوقت.

3-فضل عائشة -رضي الله عنها- وأنها القدوة في ذلك.

4-مشروعية الصيام الواجب عن الميت من قضاء أو نذر أو كفارة؛ لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: (من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه).

5-إثبات القياس في الأحكام.

6-ذكر الدليل للمستفتي؛ ليطمئن قلبه.

7-تنبيه المستفتي على ما يسلمه للقياس عليه.

8-وجوب قضاء كل دين لله أو للعباد، وأن دين الله أحق بالقضاء.

9-التسوية بين الرجل والمرأة في النيابة عن الغير في العبادة.

١٩٨-عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلَّم- قَالَ: (لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ)([915]). 

١٩٩-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا([916]): فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ)([917]) .

٢٠٠-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْوِصَالِ؛ قَالُوا: إنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: (إنِّي لَسْتُ مثلكم, إنِّي أُطْعَمَ وَأُسْقَى)([918]).  

*روَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ([919])، وَعَائِشَةُ([920])، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ([921]).

٢٠١-وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: (فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ؛ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ)([922]).

الشرح:

هذه الأحاديث تضمنت بيان حكم الفطر ووقته وفضيلته، وحكم الوصال.

وفي الأحاديث فوائد، منها:

١-أن وقت فطر الصائم غروب الشمس، وهذا بإجماع المسلمين، ومعنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (فقد أفطر الصائم) قيل: معناها: حل له الفطر، وقيل: صار مفطرًا، والأول: هو الظاهر.

٢-استحباب تعجيل الفطر، وكراهة تأخيره خلافًا للرافضة.

٣-كراهة الوصال، والوصال هو وصل يومين فأكثر بالصيام؛ وذلك بترك الفطر.

٤-جواز الوصال إلى السحر بحيث يجعل سحوره فطورًا، فيصل الليل بالنهار.

٥-حرص الصحابة على الخير، والقدوة به –صلى الله عليه وسلم-.

٦-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يواصل الصيام.

٧-أن ذلك من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-؛ لذلك نهى -صلى الله عليه وسلم- عن الاقتداء به فيه، وهذا يخصص عموم قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

٨-أن الأصل التأسي بأفعاله -صلى الله عليه وسلم-.

٩-أن الله يمد نبيه من المعاني الإيمانية بما يغنيه عن الطعام والشراب؛ لذلك قال للصحابة: (إني لست مثلكم، إني أُطعم وأُسقى)، وفي رواية: «إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقين» ([923]).

١٠-الفرق بين النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة في الحال وحكم الوصال.

١١-أن صلاح الأمور بلزوم السنة؛ لقوله: (لا يزال الناس بخير).

١٢-في حديث النهي عن الوصال: شاهد لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (يسِّروا ولا تعسِّروا)([924] وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].

١٣-أن العالم المقتدى به إذا أفتى بخلاف ما يفعله؛ فإنه ينبغي له أن يبين سبب المخالفة، ويجوز للمستفتي أن يسأله عن ذلك.

 بابُ أفضلِ الصيام وغيرِه

أي: هذا باب ذكر الأدلة من السنة على أفضل الصيام وغيره من صوم التطوع، وما ينهى عن صيامه من الأيام.

٢٠٢-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- أَنِّي أَقُولُ: وَاَللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ, وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ([925]) فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. قَالَ: (فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ, وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ) قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: (فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ) قُلْتُ: فإني أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: (فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً، فَذَلِكَ صِيَامِ دَاوُد عليه السلام، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ) فَقُلْتُ: فإنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: (لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ)([926])  

* وَفِي رِوَايَةٍ: (لا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُد - شَطْرَ الدَّهْرِ - صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً)([927]).

* وعَنْه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُد، وَأَحَبَّ الصَّلاةِ إلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُد، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ, وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً)([928]) .

الشرح:

تضمن هذا الحديث برواياته بيان أفضل الصيام والحث عليه، وهو صوم يوم وفطر يوم.

وفي الحديث فوائد كثيرة، منها:

١-أن أفضل صوم التطوع: صوم يوم، وفطر يوم.

٢-أنه لا تشرع الزيادة عليه، فليس لصوم الدهر فضلٌ؛ ولذا جاء النهي عنه([929]).

٣-أنه صيام داود نبي الله عليه السلام.

٤-إثبات صفة المحبة لله.

٥-أن الله يحب الأعمال الصالحة.

٦-تفاضل الأعمال في محبة الله.

٧-أن الحسنة بعشر أمثلها.

٨-جواز الحلف على الطاعة؛ لإلزام النفس بها، والأولى ترك ذلك.

٩-تثبت العالم فيما يبلغه عن أصحابه مما لا يليق، ثم إرشاده إلى الصواب.

١٠-مشروعية قيام الليل.

١١-أن أفضل القيام: قيام داود.

١٢-أن من ألزم نفسه عبادة لا يستطيعها؛ فإنها لا تلزمه إلا أن يكون نذرًا.

١٣-الاجتهاد في العبادة بحسب الطاقة مع الاقتصاد والقيام بالحقوق.

١٤-التدرج في التعليم والإرشاد بالأسهل فالأسهل، والأفضل فالأفضل.

١٥-ذكر داود فيه شاهد لقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]. يعني: الأنبياء.

١٦-في قول عبد الله بن عمرو: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله) جواز تفدية الأفاضل بالأب والأم تعبيرًا عن منزلته، وأحق الناس بذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي.

١٧-أن عدم الاستطاعة في الشرع هو حصول المشقة الشديدة.

١٨-أن الجزاء على الأعمال من الله دائر بين الفضل والعدل؛ فالحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها.

٢٠٣-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم – بِثَلاثٍ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ, وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى, وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ([930]).

الشرح:

هذا حديث جامع تضمن ثلاث وصايا نبوية بأنواع من الفضائل والنوافل، خص بها الصحابي الجليل راوية السنة أبا هريرة -رضي الله عنه- وهي عامة للأمة.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-الوصية بالفضائل والأعمال الصالحة.

٢-فضيلة أبي هريرة.

٣-استحباب الوتر قبل النوم، وذلك لمن لم يثق بقيامه آخر الليل؛ كما جاء في صحيح مسلم([931]).

٤-استحباب ركعتي الضحى.

٥-استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر.

٦-محبة أبي هريرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتعبير عن ذلك بالخلة.

7-أن المؤمن إذا اتخذ الرسول خليلًا لا يلزم أن يكون هو خليلًا للرسول؛ فإن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لم يتخذ من أمته خليلًا.

8-فضل أبي هريرة -رضي الله عنه-؛ لتخصيص النبي له بالوصية.

9-فيه شاهد لقوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر: 3]. ومن الحق: نوافل الطاعات.

٢٠٤-عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ([932]).

*وَزَادَ مُسْلِمٌ: (وَرَبِّ الْكَعْبَةِ)([933]).

٢٠٥-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ, إلاَّ أَنْ يَصُومَ يَوْماً قَبْلَهُ, أَوْ يَوْماً بَعْدَهُ)([934]).

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم.

وفي الحدثين فوائد، منها:

١-تحريم إفراد يوم الجمعة بالصيام([935] وقيل: يكره([936] ولعل الحكمة: أنه عيد الأسبوع.

٢-جواز صوم يوم الجمعة لمن صام يومًا قبله أو يصوم يومًا بعده.

٣-جواز الحلف على الفتوى.

٤-في قول جابر: (ورب الكعبة) إضافة اسم الرب للكعبة، ويدل له قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} [قريش: 3]. وفي هذه الإضافة تعظيم للبيت ومدح لله بربوبيته له.

٥-الرجوع إلى أهل العلم في معرفة الأحكام الشرعية.

٦-حصول الجواب من المفتي بـ نعم.

٢٠٦-عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ -وَاسْمُهُ: سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ([937])- قَالَ: شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- فَقَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ, وَالْيَوْمُ الآخَرُ: تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ([938]).

٢٠٧-وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَعَنْ الصَّمَّاءِ, وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَّوْبِ وَاحِدِ, وَعَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ) .

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِتَمَامِهِ([939]).

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ الصَّوْمَ فَقَطْ([940]). 

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، وقد اشتمل حديث أبي سعيد على مسائل أخرى.

وفي الحديثين فوائد:

١-تحريم صيام العيدين: عيد الفطر، وعيد الأضحى.

٢-استحباب تضمين خطبة العيد ما يناسب المقام من الأحكام.

٣-استحباب الأكل من الأضحية والهدي، ويدل له قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28].

٤-تبليغ الإنسان ما سمع من العلم، وهو فرض كفاية.

٥-تحريم الاحتباء إذا أدى لانكشاف العورة، وهو أن يقعد على مقعدته وينصب ساقيه ويشدهما إلى ظهره بثوب ونحوه([941]).

٦-تحريم ألبسة الصماء، وهي أن يلتحف بالثوب ويجعل طرفيه على عاتقه، كهيئة المضطبع، وليس عليه غيره([942])؛ لأن ذلك يؤدي لانكشاف عورته. 

7-النهي عن التطوع بالصلاة بعد الصبح، وبعد العصر.

8-جواز جمع الأخبار المتفرقة في سياق واحد؛ فتكون متفرقة في السماع مجتمعة في الإخبار، وهذا هو ظاهر حديث أبي سعيد، ومعنى ذلك أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لم ينه عن جميع هذه الأمور في مقام واحد، أو مجلس واحد.

٢٠٨-عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً)([943]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث الترغيب في الصيام، والصيام عبادة يحبها الله؛ ولذا خصها من بين الأعمال فأضافه إلى نفسه؛ فقال في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له؛ إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)([944] وقوله في هذا الحديث: (في سبيل الله) قيل: معناه: مخلصًا في صيامه لوجه الله، وقيل: مجاهدًا في سبيل الله([945]).

وفي الحديث فوائد، منها:

١-فضل الصوم تطوعًا في سبيل الله.

٢-فيه إثبات النار.

٣-أن أحق أعضاء الإنسان بالصيانة: الوجه.

٤-أن البعد من النار مطلب الصالحين.

٥-أن بعد المكان يقدر بالسير في الزمان، والمراد بالخريف: السنة.

 بابُ ليلةِ القَدرِ

أي: هذا باب ذكر ما يدل من السنة على فضل ليلة القدر، ووقتها، وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها.

٢٠٩-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا؛ فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ)([946]).

 ٢١٠-وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ) ([947]).

الشرح:

هذان الحديثان تضمَّنا الدلالةَ على الليالي التي تُرجى فيها ليلةُ القدر من العشر الأواخر من رمضان، ويُشرع تحرِّيها فيها.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١-أن في السنة ليلة يقدر الله فيها الأقدار سمَّاها اللهُ ليلة القدر، وهي ذات قدر عند الله.

٢-أنها إحدى ليالي العشر الأواخر من رمضان.

٣-أن الوتر من ليالي العشر أرجى من غيرها أن تكون ليلة القدر.

٤-أن السبعة الأواخر من العشر أرجى من غيرها.

٥-العمل بالرؤية في الترجيح لاسيما إذا تعددت.

٦-بيان هديه -صلى الله عليه وسلم- في العشر الأواخر، وهو إحياء الليل والاعتكاف.

٧-جده واجتهاده -صلى الله عليه وسلم- في العبادة مع أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

٨-مشروعية الاعتكاف في العشر الأواخر، وهو مستحب، ويجب بالنذر.

٩-مشروعية إيقاظ الأهل لأخذ نصيبٍ من قيام الليل.

١٠-فضل قيام ليلة القدر لأمره -صلى الله عليه وسلم-بتحريها، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)([948]).

١١-الترجيح بالكثرة في المسائل الاجتهادية.

٢١١-عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَاعْتَكَفَ عَاماً, حَتَّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ -وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ- قَالَ: (مَنْ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ؛ فَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا, وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا؛ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ)، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ, فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إحْدَى وَعِشْرِينَ([949]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في مشروعية الاعتكاف، وقد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، والاعتكاف: لزومُ مسجدٍ لطاعة الله تعالى([950]).

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية الاعتكاف، وأنه من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان.

٢-أن اعتكافه -صلى الله عليه وسلم- كان طلبًا لليلة القدر؛ وبهذا تظهر مناسبة ذكر هذا الحديث في هذا الباب.

٣-أن ليلة القدر في العشر الأواخر، وأنها في أوتارها أرجى.

٤-أن ليلة القدر قد ترى في المنام؛ كما رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، وكما تقدم في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أرى رؤياكم قد تواطأت).

٥-أن ليلة القدر في تلك السنة التي رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه يسجد في ماء وطين، وقوله: (وكان المسجد على عريش) المراد: أن مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان مسقوفًا بالسعف والجريد، ومعنى (وكف المسجد): يعني نزل الماء من سقف المسجد على إثر المطر؛ فتبلل أرض المسجد؛ فظهر أثر الماء والطين على جبهة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان هذا تصديق لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (رأيتني أسجد في ماء وطين).

٦-أن رطوبة الأرض لا تمنع من السجود، ولا تكون عذرًا في ترك السجود.

٧-أن المصلي لا يمسح ما يعلق في جبهته من التراب، أما في الصلاة: فيكره، وأما بعد الصلاة: فهو خلاف الأولى.

 بابُ الاعتكافِ

أي: هذا باب حكم الاعتكاف، وفضله، وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه، وقد تقدم تعريف الاعتكاف شرعًا، وأما لغة: فهي افتعال، من عكف  على الشيء، أو عكف في المكان، أي: لزمه ولم يبرح عنه([951] كما قال تعالى: {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} [طه: 91]. وقال تعالى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138].

٢١٢-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ, حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ بَعْدَهُ([952]).

* وَفِي لَفْظٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ؛ فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ([953]).

٢١٣-وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ حَائِضٌ, وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ([954]).

* وَفِي رِوَايَةٍ: وَكَانَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ([955]).

* وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: إنْ كُنْتُ لأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ -وَالْمَرِيضُ فِيهِ- فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلاَّ وَأَنَا مَارَّةٌ([956]).

٢١٤-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ  إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً - وَفِي رِوَايَةٍ: يَوْماً - فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ: (فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ)([957]).

* وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُ الرُّوَاةِ: (يَوْماً) ولا: (لَيْلَةً)([958]).

الشرح:

هذه الأحاديث أصل في مشروعية الاعتكاف، والأصل أنه مستحب، ولا يجب إلا بالنذر.

وفي الأحاديث فوائد، منها:

١-أن من هديه -صلى الله عليه وسلم- الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان.

٢-مداومته -صلى الله عليه وسلم- على ذلك حتى توفاه الله.

٣-اعتكاف أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعده.

٤-جواز اعتكاف النساء إذا أمنت الفتنة عليهن.

٥-أن المعتكف لا يخرج من المسجد إلا لما لابد له منه.

٦-أن إخراج المعتكف بعض بدنه لا ينافي الاعتكاف.

٧-ترجيل الرجل شعره.

٨-جواز ترجيل المرأة شعر زوجها وهي حائض.

٩-طهارة بدن الحائض.

١٠-جواز اتخاذ الشعر للرجل، وليس هو سنة يتعبد بها.

11-انعقاد النذر من الكافر؛ لقول عمر: (نذرت في الجاهلية).

١2-وجوب الاعتكاف بالنذر؛ خلافًا لأبي حنفية في قوله: لا يجب بالنذر إلا ما وجب جنسه في أصل الشرع([959]).

١3-أنه ليس من شرط الاعتكاف: الصيام؛ لقول عمر: (نذرت أن أعتكف ليلة).

١4-سؤال من لا يعلم من يعلم عما أشكل.

٢١٥-عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مُعْتَكِفًا؛ فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً؛ فَحَدَّثْتُهُ, ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ؛ فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي - وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - فَمَرَّ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – أَسْرَعَا؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (عَلَى رِسْلِكُمَا إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ)، فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: (إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ([960]) مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرّاً)([961]). أَوْ قَالَ: (شَيْئاً)([962]).  

* وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهَا جَاءَتْ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَعَهَا يَقْلِبُهَا, حَتَّى إذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ([963]). ثُمَّ ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ.   

الشرح:

هذا الحديث أصل في زيارة المعتكف والتحدث معه.

وفيه فوائد:

١-مشروعية الاعتكاف.

٢-جواز زيارة المعتكف والتحدث معه.

٣-جواز زيارة المرأة زوجها وهو معتكف، والتحدث معه.

٤-أن المباشرة التي نهي عنها المعتكف في قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]. هي المباشرة بشهوة.

٥-جواز خروج المرأة ليلًا إذا أمنت الفتنة.

6-فضيلة صفية أم المؤمنين، وذلك من وجوه:

أ-استقباله -صلى الله عليه وسلم- لها وتحدثه معها، ولعل كان ذلك في ليلتها.

ب-إكرام النبي -صلى الله عليه وسلم- لها؛ لقيامه معها إلى باب المسجد.

ت-تنويه الرسول -صلى الله عليه وسلم- باسمها العَلَم: صفية.

٧-حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم- مع أهله وغيرهم.

٨-تجنب ما يدعو إلى سوء الظن.

9-إزالة شبهة التهمة.

10-أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ومعنى ذلك: يحتمل أن "مجرى" ظرف؛ فيكون المعنى: يجري في مجاري الدم، ويحتمل أن المعنى: يجري في مسالك عقله كما يجري الدم في عروق بدنه، والمقصود: الدلالة على أن للشيطان قدرة على الوسوسة.

11-شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- على الرجلين من وسوسة الشيطان بسوء الظن بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.

12-التسبيح عند التعجب، وهذا يأتي على أوجه:

أ-تعظيم الأمر وتهويله، ومن ذلك: تسبيحه -صلى الله عليه وسلم- لما قال له الرجل: إنا نستشفع بالله عليك؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سبحان الله! سبحان الله! فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه([964]).

ب-للحياء من ذكر الشيء، ومنه: تسبيحه -صلى الله عليه وسلم- لما قال للمرأة في الغسل من الحيضة: «خذي فرصةً من مسك، فتطهري بها» قالت: كيف أتطهر؟ قال: «تطهري بها»، قالت: كيف؟ قال: «سبحان الله! تطهري»([965]).

ت-كون الشيء لا يتصور وقوعه، ومنه: تسبيح الرجلين؛ كما في هذا الحديث.

13-حسن أدب الرجلين بإسراعهما لما رأيا النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أهله.

14-من حسن الأدب: الإعراض عن الرجل إذا كان خاليًا بأهله، والإبعاد منهما.

تنبيه: قوله: (وكان مسكنها في بيت أسامة) معناه: أن مسكنها في المكان الذي صار بيتًا لأسامة، وعرف به، وهذا يدل على أن مسكن صفية -رضي الله عنها- ليس متصلًا بالمسجد كبيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-

قال بعض العلماء: لأن صفية تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة السابعة، وبيوت سائر أزواجه -صلى الله عليه وسلم- قد بنيت مع بناء المسجد في أول الهجرة؛ لذلك كان بيت صفية ليس متصلًا بالمسجد([966]).

 كتابُ الحجِّ

الحج إلى بيت الله الحرام: أحد فروض الإسلام ومبانيه العظام، وهو الخامس منها في قوله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس)([967])؛ فلذا درج المصنِّفون في أحاديث الأحكام على ذكره بعد الصيام.

والحج لغة: القصد إلى معظم([968] وفي الشرع: القصد إلى البيت الحرام والمشاعر حوله، وفعل المناسك من الإحرام في الميقات إلى طواف الوداع([969]).

وقد دل على فرض الحج: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]. ومن السُّنَّةِ: قوله –صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناسُ، قد فُرِضَ عليكُم الحجُّ، فَحُجُّوا) فقال رجل: أفي كُلِّ عامٍ يا رسول الله؟ فَسَكَتَ حتى قالها ثَلاثاً، ثم قال: (ذروني ما تركتُكم، ولو قلتُ: نَعمْ؛ لوَجَبتْ، وَلَمَا اسْتَطَعتُم)([970]). 

 بابُ المواقيتِ

المواقيت جمع: ميقات، وهو الزمان أو المكان المقدَّر المحدود لفعل من الأفعال، فالمواقيت زمانية ومكانية، والمراد هنا: مواقيت الحج المكانية، وهي خمسةُ الأربعةِ المذكورةِ في حديثي الباب، وهي: ذو الحليفة والجحفة ويلملم وقرن المنازل، والخامس: ذات عرق. فقيل: الذي وقته الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقيل: عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- والأقرب والله أعلم- أن الذي وقته الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم عمر، وهو لم يعلم بتوقيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان هذا من موافقاته لربه. 

٢١٦-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمَ. (هُنَّ لَهُن وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهن, مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ  والْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ: فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ, حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ)([971]).

٢١٧-وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ, وَأَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ, وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ).

قَالَ عبد الله: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (وَمُهَلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ: مِنْ يَلَمْلَمَ)([972]).

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في حكم المواقيت المكانية للحج والعمرة وتعيينها.

وفي الحديثين فوائد، منها:

١-تعيُّن المواقيت الأربعة المذكورة في الحديثين.

٢-أن الذي وقَّتها: الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-.

3-تعين من هي له من أهل الآفاق.

4-أن ذو الحليفة: ميقات أهل المدينة.

5-أن الجحفة لأهل الشام.

6-أن يلملم لأهل اليمن.

7-أن قرن المنازل لأهل نجد، والميقات الخامس: ذات عرق لأهل العراق، وتقدمت الإشارة إلى من وقته.

8-أن من كان دون هذه المواقيت: يهل من المكان الذي عزم فيه على الحج أو العمرة.

9-أن مكة ميقات لأهل مكة في الحج دون العمرة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (حتى أهلُ مكة من مكة).

10-وجوب الإحرام من هذه المواقيت على من مرَّ بها يريد حجًا أو عمرة؛ لأن معنى (يهل): ليهل، وقوله (يهل): خبر بمعنى الأمر، والإهلال: رفع الصوت بالتلبية([973]).

وقيل: يجب الإحرام على كل من أراد دخول مكة ولو لغير حج وعمرة، كزيارة وتجارة؛ لأثر جاء عن ابن عباس([974] والراجح: ما دل عليه هذا الحديث في قوله: (ممن أراد الحج أو العمرة).

11-أن من تعظيم الله وتعظيمه بيته: الإهلالُ من هذه المواقيت في الحج والعمرة؛ ففيه معنى استعداد الزائر للقاء المزور.

12-فيه فضل الكعبة البيت الحرام، وفضيلة مكة والحرم ومشاعر الحج تبعًا لفضيلة البيت، وأصل هذا الفضل كله: إضافته تعالى البيت إلى نفسه؛ فقال تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].

13-أن تحديد النبي -صلى الله عليه وسلم- مواقيت لأهل بلدان لم يسلموا بعد؛ كالشام ونجد والعراق: عَلَمٌ من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم- وبشارةٌ بظهور الاسلام في تلك البلدان.

 باب ما يلبسُ المُحْرِمُ من الثيابِ

أي: هذا باب ذكر ما جاء في السنة في لباس المحرم، وكان المناسب أن يقول: (باب ما لا يلبس المحرم)؛ ليطابق جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- .

والمحرم من دخل في أحد النسكين: الحج أو العمرة، أو فيهما، وليس هو لبس الإزار والرداء كما يظن العامة، بل لابد من نية الدخول في النسك.

٢١٨-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لا يَلْبَسُ الْقُمُصَ, وَلا الْعَمَائِمَ, وَلا السَّرَاوِيلاتِ, وَلا الْبَرَانِسَ, وَلا الْخِفَافَ, إلاَّ أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ, وَلا يَلْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ)([975]).

* وَلِلْبُخَارِيِّ: (وَلا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ([976]) وَلا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ)([977]).

٢١٩-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: (مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ: فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ, وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَاراً: فَلْيَلْبَسْ سَّرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ)([978]).

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في بيان ما يلبس المحرم وما لايلبس من الثياب، وفيهما فوائد:

١-أن من محظورات الإحرام في حق الرجل: لبس هذه المذكورات: القمص، والعمائم، والبرانس، والسراويلات، والخفاف.

٢-الرخصة في لبس السراويل لمن لم يجد إزارًا، وأنه لا يشقه ليتزر به خلافًا لمن زعم ذلك، وقد حكي عن محمد بن الحسن([979])؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر بشقه كما أمر بقطع الخفين.

٣-الرخصة في لبس الخفين لمن لم يجد نعلين، بشرط قطعهما أسفل من الكعبين؛ كما في حديث ابن عمر، وفي حديث ابن عباس: الرخصة مطلقًا، فبين الحديثين تعارض في الظاهر: فبعض العلماء جمع بينهما: فحمل حديث ابن عباس على حديث ابن عمر حملًا للمطلق على المقيد. ومنهم من قال: حديث ابن عباس ناسخ لحديث ابن عمر؛ لأن حديث ابن عمر كان في المدينة وحديث ابن عباس كان في عرفة.

فعلى القول الأول: يجب قطع الخفين بكل حال، وعلى القول الثاني: لا يجب القطع؛ لأنه قد نسخ. والقول الأول أحوط.

٤-عدم الرخصة في لبس الخفين ولو مقطوعين، لمن كان واجدًا للنعلين.

٥-في حديث ابن عمر شاهد لما يعرف بالأسلوب الحكيم؛ وذلك في جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن سأل عما يلبسه المحرم، فأجاب ببيان ما لا يلبسه المحرم؛ لأن ما لا يلبسه محصورٌ، وما يلبسه غير محصور.

٦-حسن تعليمه -صلى الله عليه وسلم- باستعمال الأسلوب الحكيم في الجواب.

٧-نهي المحرمة عن لبس القفازين في اليدين، وعن النقاب على الوجه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ولا تتنقب المرأة ولا تلبس القفازين) في سياق ما لا يلبسه المحرم.

٨-أن من أهم طرق العلم: سؤال أهل العلم.

٩-أن من أعظم طرق نشر العلم: رواية الحديث.

١٠-أن من أعظم طرق نشر السنة: رواية الحديث، وهكذا فعل الصحابة -رضي الله عنهم- ومنهم: ابن عمر وابن عباس في هذين الحديثين، وغيرهما.

١١-مشروعية الخطبة بعرفة، وبيان أحكام المناسك.

١٢-عظم شأن الحج والعمرة؛ لما شرع فيهما من المأمورات والمنهيات الخاصة بهما.

١٣-تحريم ما فيه ورس أو زعفران من الثياب على المحرم.

١٤-اليسر في شريعة الإسلام.

٢٢٠-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ, إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ). قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَما: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ, وَسَعْدَيْكَ, وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ, وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ([980]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في مشروعية التلبية للمحرم في حج أو عمرة، وهو أصل في نص تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويشهد له ما في حديث جابر الطويل عند مسلم في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- قال جابر رضي الله عنه-: فلما استوت به على البيداء -يعني ناقته صلى الله عليه وسلم- أهلَّ بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك.. إلى آخره)([981]) كما روى ابن عمر رضي الله عنه.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية التلبية في الحج والعمرة.

٢-نص تلبية النبي -صلى الله عليه وسلم-.

٣-أن الحج والعمرة إجابةٌ لأذان إبراهيم الذي أمره الله به في قوله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ .. الآية} [الحج: 27]. كما يدل لذلك التلبية: لبيك اللهم لبيك.

٤-أن التلبية شعار المحرم، وهي ذكر لا يشرع إلا في الحج والعمرة، وبها يكون إعلان الدخول في النسك، ويشرع للرجال رفع الصوت بها؛ ولذا سميت إهلالًا، ومعنى لبيك: إجابة لك بعد إجابة، وإقامة على طاعتك بعد إقامة([982]).

٥-جواز الزيادة على تلبية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بألفاظٍ أخرى؛ كما كان ابن عمر يزيد: (لبيك وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك، والعمل) والاقتصار على تلبية النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل.

٦-أن الحج مبني على التوحيد: توحيد الربوبية وتوحيد العبادة، وقد اشتملت عليهما التلبية صريحًا، وقد دلت السنة على أن التلبية تكون حال السير .

٧-إبطال تلبية المشركين؛ إذ يقولون: " إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك"([983]).

٢٢١-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلاَّ وَمَعَهَا حُرْمَةٌ)([984]).

*وَفِي لَفْظِ للْبُخَارِيِّ: (تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ)([985]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في تحريم سفر المرأة من غير محرم، وتقييده بيوم وليلة لا مفهوم له، وقد ورد مقيدًا بثلاثة أيام([986])، وورد مطلقًا([987])، والمعنى يقتضي تحريم سفر المرأة بلا محرم مطلقًا؛ لأن المقصود من النهي حفظ عرض المرأة، وسد ذريعة الوقوع في الفاحشة.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم سفر المرأة بلا محرم، ومحرم المرأة: كل من تحرم عليه المرأة تحريمًا مؤبدًا بنسب أو سبب مباح، ويشترط في المحرم: أن يكون بالغًا، عاقلًا، ذا غيرة على محرمه، قادرًا على المحافظة عليها.

٢-أنه لا فرق بين الشابة والعجوز؛ لعموم الحديث، والفتنة بالمرأة حاصلة على كل حال، وإن كانت الحالات تختلف، ولكن لا عدول عن ظاهر الحديث.

3-أن الإيمان بالله واليوم الآخر يقتضي اجتناب ما حرم الله.

4-في الحديث دليل على قاعدة سد الذرائع.

5-أن من لم تجد محرمًا لا يجب عليها الحج؛  وبهذا تظهر مناسبة الحديث للباب، وقيل: يجب عليها إن أيست من المحرم أن تستنيب من مالها من يحج عنها، والأول أظهر.

 بابُ الفدية

أي: هذا باب ذكر الدليل من السنة على فدية الأذى، وهي المذكورة في قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].

 والمراد بالفدية: ما يجب على المحرم جبرًا لترك واجبٍ، أو كفارةً لفعل محظور، وسميت فدية؛ لأن المكلف يفدي نفسه بها عن المؤاخذة، وفدية الأذى دل النصُّ على وجوبها لحلق المحرم رأسه، وقاس الفقهاءُ على ذلك بعضَ المحظورات.

٢٢٢-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ([988]) قَالَ: جَلَسْتُ إلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، فَسَأَلَتْهُ عَنِ الْفِدْيَةِ؛ فَقَالَ: نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً. حُمِلْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي؛ فَقَالَ: (مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى) أَوْ: (مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى، أَتَجِدُ شَاةً؟) فَقُلْتُ: لا. قَالَ: (فصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ, أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ, لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ)([989]).

*وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُطْعِمَ فَرَقاً بَيْنَ سِتَّةٍ, أَوْ يُهْدِيَ شَاةً, أَوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ([990]). 

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل من السنة في وجوب الفدية.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-أن قصة كعب هي سبب نزول الآية: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ}.

٢-أن السنة تفسر القرآن.

٣-أن من محظورات الإحرام: حلق الرأس؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196].

٤-أن المحرم إذا احتاج إلى حلق شعره لمرض أو أذى كالقمل: حلق وفدى.

5-أن فدية الأذى وردت على التخيير: بين الصيام والإطعام والنسك.

6-أن الصيام ثلاثة أيام.

7-أن الصدقة إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع.

8-أن النسك ذبح شاة أو ما قام مقامها كسبع البدنة.

9-مشروعية الإحسان بما ينتفع به المسلم من تعليم وإرشاد إلى ما يحتاج إليه.

10-فيه شاهد لقوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].

١1-أن من أصول الطب: الاستفراغ؛ لأن حلق الشعر فيه تخلص من القمل.

12-أن العبرة في حكم الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

١3-جواز حلق المحرم رأسه عند الحاجة مع الفدية.

14-فضيلة كعب بن عجرة؛ لنزول القرآن به، وعناية الرسول به، ولروايته قصته.

 بابُ حُرمةِ مكة

أي: هذا باب ذكر الدليل من السنة على حرمة مكة، والمراد بحرمة مكة: أنها محرَّمة؛ أي: معظَّمة يحرم فيها ما لا يحرم في غيرها، والمعاصي فيها أشد تحريمًا؛ ولذا سميت البلد الحرام والمسجد الحرام، واسم الحرم يشمل مكة وما حولها، ومنها: منى ومزدلفة، ولحدود الحرم أعلام تُعرف بها.

وقد دل على حرمة مكة: الكتاب والسنة والإجماع، وأصل حرمة مكة وما حولها من حرمة البيت الذي هو الكعبة، وأصل هذه الحرمة والعظمة أنه تعالى أضاف البيت إلى نفسه تشريفًا وتكريمًا؛ فقال تعالى لإبراهيم وإسماعيل: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].

٢٢٣-عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ خُوَيْلِدِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ الْعَدَوِيِّ -رضي الله عنه-: أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ([991]) -وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى مَكَّةَ- ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أَنْ أُحَدِّثَكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْح، فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ, حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ, وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ؛ فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ: أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً, وَلا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ؛ فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ).

 فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إنَّ الْحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِياً, وَلا فَارَّاً بِدَمٍ، وَلا فَارَّاً بِخَرْبَةٍ)([992]).

*الخَرْبَة: بالخاء المعجمة والراء المهملة، قيل: الجناية، وقيل: البليَّة، وقيل: التُّهمة، وأصلُها في سرقة الإبل([993] قال الشاعر: 

الخارِبُ اللصُّ يُحِبُّ الخارِبا([994])

٢٢٤-عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ - (لا هِجْرَةَ [بَعْدَ الفَتْحِ([995])], وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا).

وَقَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؛ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي, وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ, وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ, وَلا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ). فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلاَّ الإِذْخِرَ؛ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ. فَقَالَ: (إلاَّ  الإِذْخِرَ)([996]).

 القَينُ: الحَدَّاد([997]).

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل من السنة في حرمة مكة، وبيان ما يحرم فيها.

وفي الحديثين فوائد:

١-أن فتح مكة كان عنوة على يده -صلى الله عليه وسلم- وبقيادته.

٢-أن ذلك كان في الساعة التي أحلت مكة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

٣-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب خطبتين: الأولى يوم الفتح كما في حديث ابن عباس، والثانية: الغد من يوم الفتح، أي: في اليوم الثاني كما في حديث أبي شريح.

٤-أن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض.

٥-أنها أحلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- ساعة من نهار. قيل: من الصبح إلى العصر.

٦-أنها لم تحل لأحد قبله -صلى الله عليه وسلم-.

٧-أن حرمتها قد عادت بانقضاء تلك الساعة.

٨-تحريم القتل والقتال فيها.

٩-بيان ما يحرم فيها من أجل حرمتها.

١0-أنه لا حجة لأحدِ بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تلك الساعة التي أذن الله لنبيه فيها.

١1-التنبيه إلى الفرق بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيره.

١2-تحريم القتل والقتال فيها إلا أن يبدؤونا بالقتال فيها.

١3-تحريم تنفير صيدها، وقتله من باب أولى.

١4-وجوب تبليغ العلم، وهو فرض كفاية.

١5-تحريم قطع الشجر والشوك واختلاء الخلى النابت في أرض الحرم، ومعنى (يعضد): يقطع([998])، ومعنى (يختلى خلاه): أي يحش حشيشه([999] والخلى: العشب الرطب([1000]).

١6-الرخصة في قطع الإذخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إلا الإذخر) وهو نبت معروف إلى اليوم، طيب الرائحة، وسبب الرخصة: أنهم كانوا ينتفعون بالإذخر في أشياء؛ لقول العباس: (فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ) والقين: الحداد، فإنه ينتفع بالإذخر في إشعال النار، وكذلك في البيوت يوضع على الجريد يمنع نزول التراب والطين من بين الجريد.

17-أن قول العباس -رضي الله عنه-: (إلا الإذخر) اقتراح لا استدرك، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إلا الإذخر) موافقة للعباس في طلب الرخصة، وذلك باجتهاد أو بوحي.

18-تحريم لقطتها إلا على من يُعرِّفها.

19-فضيلة أبي شريح -رضي الله عنه- لإنكاره على الأمير عمرو بن سعيد بعثه البعوث إلى مكة لقتال ابن الزبير، واحتجاجه عليه بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتأكيده لروايته بكمال تلقيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وحفظه له، وذلك في قوله للأمير : (فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ, حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ).

21-حكمة أبي شريح في الإنكار على ذي السلطان بقوله: (ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أَنْ أُحَدِّثَكَ)، واكتفى في الإنكار بإبلاغ الحجة، وصبره على عدم القبول منه.

٢2-أن ما قاله عمرو لأبي شريح يتضمن الكبر، وهو رد الحق([1001]).

٢3-أن فضل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عند الله فوق فضل مكة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في رواية في الصحيح: (إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين) ([1002]).

٢4-أن حرمة مكة من شرع الله، وليست عرفًا جاهليًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ)، وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ)([1003]) فالمراد: أنه أظهر تحريمها وبلغ تحريم الله لها.

٢5-استحباب افتتاح الخطبة والحديث بحمد الله والثناء عليه.

26- أن من هديه -صلى الله عليه وسلم-: افتتاح الخطبة بحمد لله والثناء عليه.

٢7-أن الإيمان بالله واليوم الآخر يقتضي فعل المأمورات واجتناب المنهيات.

٢8-أن مكة صارت بالفتح دار إسلام فانقطعت الهجرة منها، ولكن بقي العزم عليها لو حصل موجبها، أما الهجرة من ديار الكفر فلا تنقطع حتى تطلع الشمس من مغربها.

٢9-أن الجهاد مشروع لأهل مكة بعد الفتح كغيرهم.

30-وجوب النفير للجهاد إذا استنفر الإمام الناس.

31-أن التحريم والتحليل إلى الله.

٣2-أن من آثار الإمارة فيمن ضعفت فيه الديانة: الكبر، وهو رد الحق.

٣3-مراعاة الحكمة في دعوة الملوك والأمراء؛ كما يدل له قوله تعالى لموسى وهارون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44].

 بابُ ما يجوزُ قتلُهُ

هذا باب مناسب للباب قبله؛ لأن فيه ذكر ما يجوز قتله في الحل والحرم، وذكر فيه حديث عائشة -رضي الله عنها-.

٢٢٥-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ, يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ, وَالْحِدَأَةُ, وَالْعَقْرَبُ, وَالْفَأْرَةُ, وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ)([1004]).

*وَلِمُسْلِمٍ: (بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ)([1005]).

* الحِدَأَةُ: بكسر الحاء، وفتح الدالِ مهموز.

الشرح:

وفي الحديث فوائد منها:

١-الأمر بقتل هذه المذكورات كما جاء في رواية مسلم، وقوله: (يقتلن) هو خبر بمعنى الأمر؛ أي: اقتلوا.

٢-جواز قتل هذه المذكورات في الحل والحرم، ويجوز ذلك للمحرم.

٣-وقوله: (كلهن فاسق) أي: خارجٌ عن طبع سائر الحيوانات، فطبعهن الأذى والإفساد، وهذه هي علة تحريم أكلهن وعلة الأمر بقتلهن، وفي حكمهن: كلُّ ما أشبههن في الأذى والإفساد، وما كانت العلة فيه أقوى كان بالحكم أولى، وجاء ذكر فاسق مفردًا ومذكرًا؛ مراعاة للفظ (كل)، وفي رواية: (كلهن فواسق) ([1006]). 

٤-تحريم أكل هذه الحيوانات؛ لأن من  القواعد المستنبطة: أن كل ما أمر بقتله أو نهي عن قتله فهو محرمٌ، وهذه الخمس ثلاثة منها تدب على الأرض: وهي الحية والعقرب والكلب، واثنان من الطير، وهما: الغراب والحدأة، وعَدْوهنَّ من الدواب تغليبٌ، وقد جاء في رواية: تقييد الغراب بالغراب الأبقع([1007])؛ فخرج به غراب الزرع، والحدأة على وزن عِنَبة.

بابُ دخولِ مكةَ وغيرِهِ

أي: هذا باب ذكر ما يتعلق بصفة دخول مكة، وما يفعله الداخل في حج أو عمرة، وقد تضمن هذا الباب: ثمانية أحاديث تتعلق في جملة من أبواب أحكام الحج والعمرة، ويتبين هذا بذكر الفوائد المستنبطة من هذه الأحاديث:

٢٢٦-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ, وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ؛ فَقَالَ: (اُقْتُلُوهُ)([1008]).

٢٢٧-وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ, مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ, وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى([1009]).

الشرح:

تضمن هذان الحديثان: هديَهُ  -صلى الله عليه وسلم- في دخول مكة، والخروج منها.

 وفي الحديثين فوائد، منها:

 ١-جواز دخول مكة بغير إحرام لمن دخلها لقتال مباح؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح؛ أي: فتح مكة، وعلى رأسه المغفر، وهو ما يغطي الرأس من الدرع، ويقال له: البيضة، والمحرم لا يغطي رأسه؛ فعلم أنه -صلى الله عليه وسلم- غير محرم.

2-أنه لا يجب الإحرام على كل داخل لمكة.

3-أن ابن خطل -واسمه عبد العزى- ممن أهدر النبي -صلى الله عليه وسلم- دمه؛ ولذا أمر بقتله وإن كان متعلقًا بأستار الكعبة يظن أن ذلك ينجيه! وسبب ذلك: أنه أسلم وارتد عن الإسلام، وكانت له جاريتان تغنيان بهجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان قتله في الساعة التي أحلَّ اللهُ فيها لنبيه مكة.

4-أن التعلق بأستار الكعبة لا يمنع من قتل من وجب قتله.

5-أن فعل الأسباب لا ينافي التوكل.

6-تحتم قتل الساب؛ أي: ساب النبي -صلى الله عليه وسلم-([1010]).

7-استحباب دخول مكة من أعلاها؛ لأن من هديه -صلى الله عليه وسلم-: دخول مكة من كداء، وهي الثنية العليا، وفي الخروج يخرج من أسفلها.

8-فيه شاهد لهديه –صلى الله عليه وسلم- في مخالفة الطريق في العبادة([1011]).

٢٢٨-وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْبَيْتَ, وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ؛ فَلَقِيتُ بِلالاً, فَسَأَلَتْهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ, بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ([1012]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في حكم دخول الكعبة، والصلاة فيها.

وفيه فوائد، منها:

١-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل البيت؛ أي: الكعبة عام الفتح، وصلى فيه بين العموديين اليمانيين، هذا على رواية بلال، وروي عن أسامة أنه لم يصل([1013] وجمع بين الروايتين: بأن المُثبت مقدم على النافي([1014]). 

2-فضيلة أسامة بن زيد وبلال؛ لاختصاصهما بدخول الكعبة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.

3-فضيلة عثمان بن طلحة؛ لدخوله الكعبة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال له: الحجبـي؛ لأنه من بني عبد الدار الذين لهم سدانة البيت؛ ولهذا كان معه مفتاح البيت فأخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- منه ثم رده إليه، على ما جاء في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].

4-حرص ابن عمر على العلم، ومعرفة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

5-قبول خبر الواحد؛ لأن ابن عمر اكتفى بخبر بلال.

6-صحة صلاة الفرض والنفل فيها، وهذا قول الجمهور.

7-جواز دخول الكعبة، واستحباب الصلاة فيها لمن دخلها.

8-أن دخول الكعبة ليس من مناسك الحج ولا العمرة.

٢٢٩-عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ, لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ, وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلَّى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ([1015]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في مشروعية تقبيل الحجر الأسود، وهو من سنن الطواف بالبيت.

وفيه فوائد:

١-فضيلة عمر -رضي الله عنه- لتعظيمه السنة، وبيانها للناس.

٢-فضل الحجر الأسود.

3-أن تقبيله سنة وعباده لله تعالى.

4-أن مبنى العبادة على التشريع.

5-أن تقبيل عمر -رضي الله عنه- للحجر اقتداءٌ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ومضى على هذا الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وللطائف في الحجر ثلاث سنن مرتبة كلها صحت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك بحسب الإمكان: فإن تيسر استلمه وقبله، وإن لم يتيسر تقبيله استلمه بيده أو بشي كعصا وقبله، فإن لم يتيسر أشار إليه بيده وكبر.

6-التنبيه إلى الفرق بين تقبيل المسلمين للحجر الأسود، وتقبيل المشركين لبعض الأشجار والأحجار؛ فالمسلمون أصل فعلهم اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصل المشركين اتباع الظن والهوى، وخطاب عمر للحجر جار على طريقة العرب في خطاب الجماد تخيلًا أنه يسمع ويعقل؛ أي: كأنه يسمع ويعقل، وليبين للناس أن تقبيله سنة.

7-احتراز العالم من الباطل الذي قد يتوهمه بعض الناس من فعله.

8-أن مبنى العبادة على الاتباع، وأنه لا يتوقف العمل بما صح على معرفة الحكمة.

٢٣٠-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ؛ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وفدٌ([1016]) وَهَنَهُم حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ -صلَّى الله عليه وسلم- أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ, وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ, وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا: إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ([1017]).

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في مشروعية الرمل في الطواف الأول في حج أو عمرة.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-مشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف الأول في الحج والعمرة.

2-معرفة سبب مشروعية الرمل، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم هو وأصحابه في عمرة القضاء في السنة السابعة معتمرين، فقال المشركون: يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب؛ أي: أضعفتهم، حمى يثرب: أي: المدينة، وهذا اسمها في الجاهلية، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تسميتها بذلك، وسماها طيبة([1018])، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة؛ لإظهار قوتهم مراغمةً للمشركين، وأمرهم أن يمشوا مابين الركنين اليمانيين؛ لأنهم في ذلك المكان لا يراهم المشركون، لأن المشركين يرقبونهم ويرمقونهم من على جبلٍ شاميِّ الكعبة([1019]).

3-ذكر سبب الاقتصار في الرمل على الأشواط الثلاثة، وهو رفقه -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه، وهو معنى قوله: (ولم يمنعه إلا الإبقاء عليهم).

4-أن من مقاصد الشريعة: إغاظة الكفار بإظهار القوة.

5-فيه شاهد لقوله تعالى في النبي: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].

6-أن بعض الحوادث الكونية تكون سببًا لتشريع الأحكام الشرعية، فسعي هاجر حادثٌ كوني؛ لأنه لم يكن بأمر، وجعله الله سببًا لمشروعية السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة.

7-استحباب إظهار القوة أمام العدو؛ مراغمةً وإرهابًا لهم.

8-رغبة الكفار في ضعف المسلمين، وفرحهم بذلك.

9-فيه شاهد لقوله تعالى: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].

٢٣١-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ  أَوَّلَ مَا يَطُوفُ: يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَشْوَاطٍ([1020]).

٢٣٢-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ, يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ([1021]).

*المحجن: عصا محنية الرأس([1022]).

٢٣٣-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمْ أَرَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُ مِنْ الْبَيْتِ إلاَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ([1023]).

الشرح:

 تضمنت هذه الأحاديث: هديه –صلى الله عليه وسلم- في الطواف.

وفي الأحاديث فوائد، منها:

1-أن الرمل بقي سنة في الطواف الأول؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- خبَّ في طواف القدوم في حجة الوداع، والخبب والرمل: معناهما متقارب، وهو الإسراع مع تقارب الخطى([1024])، ويلاحظ أن في كثير من مناسك الحج والعمرة تذكيرٌ بأسبابها الأولى؛ فالسعي تذكير بسعي هاجر، وفي الرمل تذكير بما جرى للصحابة، وفي الوقوف بالمشاعر تذكير بحج إبراهيم.

2-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طاف في حجة الوداع راكبًا على بعير، والأقرب أن ذلك في طواف الإفاضة.

3-أن من تعسر عليه تقبيل الحجر استلمه بيده أو بشيء معه كعصا، والمحجن: عصا معكوفة الرأس، والركن: هو الحجر الأسود.

4-جواز الطواف راكبًا.

5-فيه طهارة بول البعير وروثه، وفي حكمه: كل ما يؤكل لحمه.

6-جواز إدخال البعير المسجد.

7-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستلم الركنيين اليمانيين في الطواف، ولا يستلم الركنيين الشاميين.

8-مشروعية استلام الركنيين اليمانيين، والمراد بالركنين اليمانيين: الركن الذي فيه الحجر الأسود، والركن المقابل له من جهة الغرب، وعبر باستلام الركن عن استلام الحجر الأسود، وسميا يمانيين؛ لأنهما من جهة اليمن، ويقابلهما من جهة الشمال الركنان المتصلان بالحِجر، ويقال لهما: الشماليان، وقد قيل: إن الحكمة من استلام الركنين اليمانين دون الشاميين: أن الركنين اليمانين على قواعد إبراهيم؛ فهما حدان للبيت، وأما الركنان الشاميان فهما قاصران عن حد البيت، فإن الحِجر كله أو أكثره من البيت، واستلام الركن لمسه بباطن الكف كالمصافحة.

٣-أن الدين ليس بالرأي بل هو اتباع السنة.

 بابُ التَّمتُّعِ

أي: هذا باب ذكر الدليل من السنة على مشروعية التمتع في الحج، ودليله من القرآن: قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]

والتمتع في اللغة: هو الانتفاع بالشيء، مأخوذٌ من المتاع وهو ما ينتفع به من الأعيان أو الأفعال([1025] ومنه: متاع المطلقة، وهو إعطائها ما تنتفع به. قال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241].

والتمتع في الشرع هو أحد الأنساك الثلاثة التي يُخيَّرُ فيها مريدُ الحج، وهي:

الإفراد: وهو الإحرام بالحج مفردًا.

والقِران: الإحرام بالحج والعمرة جميعًا.

والتمتع: هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج، ثم الإحرام بالحج في عامه.

وهذا هو المعروف في اصطلاح الفقهاء، وهو التمتع الخاص، ويقال له: المتعة أو متعة الحج، فإن التمتع في كلام السلف يطلق على القران أيضًا، وهو مراد من قال من الصحابة: تمتع رسول الله بالعمرة إلى الحج([1026])؛ لأن من أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج، أو أحرم بهما جمعيًا، أو أحرم بالعمرة وتحلل منها ثم حج: فقد تمتع؛ لمجيئه بهما في سفرة واحدة، ولكن ظاهر القرآن أدل على الأول؛ لقوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}.

٢٣٤-عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ([1027] قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمُتْعَةِ؟ فَأَمَرَنِي بِهَا, وَسَأَلَتْهُ عَنْ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ: فِيهِا جَزُورٌ, أَوْ بَقَرَةٌ, أَوْ شَاةٌ, أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ. قَالَ: وَكَأنَ نَاسًا كَرِهُوهَا, فَنِمْتُ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: كَأَنَّ إنْسَاناً يُنَادِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ, وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثَتْهُ؛ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -([1028]).

٢٣٥-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى؛ فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ , ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ, فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى, فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ الْحُلَيْفَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِلنَّاسِ: (مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى, فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, وَلْيُقَصِّرْ وَلْيُحْلِلْ, ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ, فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ).

فَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ, ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ, وَمَشَى أَرْبَعَةً, وَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ, ثُمَّ سلَّم فانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا، فطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ, ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ, وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أَهْدَى فسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ  النَّاسِ([1029]).

الشرح:

هذان الحديثان أصل في مشروعية التمتع في الحج وبيان صفته ويسمى المتعة كما تقدم.

وفي الحديثين فوائد:

·       في حديث ابن عباس:

١-أن التمتع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن أريد بالمتعة: التمتع الخاص، فهو من سنته القولية؛ لأنه أمر كل من لم يسق الهدي بأن يطوف ويسعى ويقصر ويحلل، وإن أريد: القران؛ فهو من سنته -صلى الله عليه وسلم- الفعلية؛ لأنه أحرم بالحج والعمرة جميعًا على الصحيح، أو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج.

٢-فضل ابن عباس لرجوع الناس إليه في معرفة السنة والأحكام والتفسير.

٣-الاستبشار بالرؤيا الصالحة.

٤-ترجيح الرأي بالرؤيا الصالحة ومعرفة الصواب.

٥-التكبير عند التعجب.

٦-أن هدي التمتع: إما بعير، وإما بقرة، وإما شاة، وإما شركٌ في دم، وهو سبعٌ من البدنة أو البقرة، وهذا تفسير قوله تعالى في هدي التمتع: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].  

٧-أن الأمر يكون للإباحة، وهو معنى: (فأمرني بها).

٨-أن رفع الجهل بسؤال أهل العلم، وهو تأويل قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

٩-أن من العلم النافع: تأويل الرؤيا.

١٠-التنبيه إلى الخلاف وترجيح ما يوجبه الدليل.

·       وفي حديث ابن عمر:

١-إطلاق التمتع على القران؛ لقوله: "تمتع رسول الله بالعمرة إلى الحج".

٢-مشروعية سوق الهدي إلى البيت من خارج الحرم من الميقات أو قبله أو بعده.

٣-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ساق معه الهدي في حجته.

٤-أن من الصحابة من ساق الهدي وأكثرهم لم يسق الهدي.

٥-أن سوق الهدي مستحب وليس بواجب.

6-أن من ساق الهدي فإنه يبقى على إحرامه وإن طاف وسعى.

7-مشروعية طواف القدوم للمفرد والقارن.

8-أن من ساق الهدي لا يحل إلا يوم النحر.

٩-أن المتمتع عليه هدي.

١٠-أن من لم يجد الهدي يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

١١-في الحديث تفسيرٌ لآية التمتع: { فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].

١٢-أنه يشرع لمن أحرم قارنًا أو مفردًا ولم يسق الهدي: فسخُ إحرامِه إلى عمرة، قبل الطواف أو بعده؛ ليكون متمتعًا، وقد اختلف العلماء في هذا الفسخ([1030]):

فذهب الجمهور إلى تحريمه، وتأولوا فسخ الصحابة على الخصوصية بهم، واعتمدوا في ذلك على بعض الروايات.

وذهب آخرون إلى وجوبه أو لزومه، من الصحابة: ابن عباس -رضي الله عنهما-([1031])، واختار هذا ابن القيم([1032]). قالوا: لأن الرسول أمر كل من لم يسق الهدي أن يطوف ويسعى ويقصر؛ كما في حديث ابن عمر المذكور.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن الفسخ مستحب لا واجب ولا محرم([1033])، وفي هذا توسط بين الأقوال.

١٣-أن على المتمتع ما استيسر من الهدي، وهو شاة أو سبع بدنة أو بقرة.

14-أن المتمتع إذا لم يجد الهدي يصوم ثلاثة أيام في الحج، وأول وقت الأيام الثلاثة: من إحرامه بالعمرة، وقيل: من تحلله منها، وقيل: من إحرامه بالحج، والأول أولى، والثالث أحوط، ويصوم سبعة إذا رجع إلى أهله، وهذا مطابق لما في الآية، وإن صام السبعة في مكة أو في الطريق أجزأه.

١5-مشروعية طواف القدوم للمفرد والقارن.

١6-من السنة: الخبب في الأشواط الثلاثة من هذا الطواف من الحجر إلى الحجر، والمشي في الأربعة.

١7-أن ابتداء الطواف من الركن، وهو الحجر الأسود.

١8-مشروعية صلاة ركعتين عند المقام، وهاتان الركعتان تشرعان بعد كل طواف.

١9-مشروعية السعي بين الصفا والمروة لكل حاج ومعتمر، ويدل له من القرآن قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]. ويجب الابتداء فيه بالصفا.

وقد اختلف العلماء في حكم السعي بين الصفا والمروة([1034]): فذهب الأكثر إلى أنه ركن في الحج والعمرة([1035] وقيل: واجب، وقيل: سنة.

20-استحباب نحر الهدي بمنى.

٢1-مشروعية طواف الإفاضة، وهو من أركان الحج لا يتم الحج إلا به.

٢2-أن القارن ليس عليه إلا سعي واحد: إما بعد طواف القدوم كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإما بعد طواف الإفاضة.

٢٣٦-عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ  مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فَقَالَ: (إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي, وَقَلَّدْتُ هَدْيِي, فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ) ([1036]).

٢٣٧-عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- قَالَ: نْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهَ, وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ([1037]).

* قَالَ الْبُخَارِيُّ: يُقَالُ: إنَّهُ عُمَرُ([1038]).

*وَلِمُسْلِمٍ: نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ - يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ - وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ([1039]).

*وَلَهُمَا بِمَعْنَاهُ([1040]).

الشرح:

هذان الحديثان يدلان على ما دل عليه حديث ابن عمر من أن من ساق الهدي لا يحل حتى ينحر هديه، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد ساق الهدي فلم يحل من عمرته، وأن أكثر الصحابة حلوا من عمرتهم؛ ولذا قالت حفصة -رضي الله عنها- : مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟

وفي الحديثين فوائد:

١-مشروعية إشعار الهدي وهو خاص بالإبل، وصفته: شق سنام البعير ليُعلم أنه هديٌ فيحترم .

٢-فيه شاهد لقاعدة: احتمال أدنى المفسدتين لدرء أعلاهما وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما.

3-مشروعية تقليد الهدي، وهو أن تقلد شيئًا يدل على أنها هدي.

4-مشروعية تلبيد شعر الرأس، وهو أن يجعل عليه ما يمنع انتشار الشعر.

5-أن متعة الحج دل عليها القرآن والسنة.

6-أن آية المتعة محكمة، والسنة فيها محكمة؛ لقول عمران: (لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ).

7-جواز -أي إمكان- نسخ القرآن بالسنة؛ لقوله: (وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ)؛ لأن القرآن والسنة كلاهما وحيٌ، واشتُرط لذلك: أن تكون السنة متواترة.

8-أن آية المتعة محكمة، أي: لم تنسخ، والمتعة في الحج -أو التمتع-: هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج، ثم التحلل منها، ثم الحج في العام نفسه، وهو ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- كل من لم يسق الهدي من الصحابة.

9-أن مقصود عمران بن حصين فيما ذكره من تمتعهم، وأنهم عملوا بذلك بآية المتعة: الرد على من نهى عنها؛ ولهذا قال: (فقَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ) قال البخاري: يُقَالُ: «إنَّهُ عُمَرُ»، ومن المشهور: أن عمر -رضي الله عنه- كان ينهى الناس عن التمتع ويأمرهم بإفراد الحج([1041]). قيل: إنه رأى ذلك لئلا يهجر البيت؛ لأن الناس إذا تمتعوا حصل لهم حجة وعمرة في سفرة واحدة، فلا يحتاجون إلا أن يعتمروا عمرة مفردة؛ فلا يزار البيت إلا في أشهر الحج، وهذا اجتهاد منه -رضي الله عنه-.

والصواب: هو العمل بما فعله -صلى الله عليه وسلم- من التمتع بالجمع بين العمرة والحج، والصواب أيضًا: العمل بما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من التحلل من العمرة، والتمتع بها إلى الحج.

 بابُ الهَدْي

أي: هذا باب ذكر ما جاء في السنة في شأن الهدي، والهدي نوع من القرابين من بهيمة الأنعام يذبح أو ينحر في الحرم، وقد جاء ذكر الهدي في القرآن:

في جزاء الصيد: قال تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95].

وفي شأن المحصر: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].

وفي شأن المتمتع: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].

وهذا الاسم -أعني الهدي-: أخص بما يساق إلى مكة من خارج الحرم، فهو هدي بمعنى: مهدى، فإن سيق مع الحاج: فوقت ذبحه وقت الأضحية، وإن كان مع المعتمر: فوقته بعد التحلل منها.

٢٣٨-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْيِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم –([1042]) ثُمَّ أَشْعَرهَا وَقَلَّدَهَا -أَوْ قَلَّدْتُهَا- ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ, فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلاًّ([1043]).

٢٣٩-وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أَهْدَى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّةً غَنَماً([1044]).

الشرح:

هذان الحديثان نصٌّ في جواز إرسال الهدي إلى الحرم وصاحبه مقيم.

وفي الحديثين فوائد:

١-مشروعية إرسال الهدي إلى الحرم.

٢-أنه لا يلزم أن يكون صاحبه حاجًا أو معتمرًا.

٣-أن من أرسل هديًا وهو مقيم لا يحرم عليه شيء مما كان له حلالًا.

٤-مشروعية إشعار الهدي وتقليده، وتقدم بيان المراد بالإشعار والتقليد.

٥-أن الهدي لا يختص بالإبل، فيصح أن يكون بقرًا أو غنماً؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أهدى مرةً غنمًا.

٦-إعانة المرأة زوجها على بعض شؤونه خصوصًا إذا كان عبادة، وقول عائشة -رضي الله عنها: (فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْيِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم) تريد: فتلت الحبال التي تربط بها القلائد في رقاب الهدي، والفتل: هو الإبرام والشد.

٧-جواز التوكيل في سوق الهدي إلى مكة ونحره وتفريق لحمه، وهذا الذي ذكرت عائشة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أرسله: يحتمل أنه أرسله مع أبي بكر لما بعثه أميرًا على الحج في السنة التاسعة، ويحتمل أنه أرسله مع غيره.

٢40-وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً؛ فَقَالَ: (ارْكَبْهَا) قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ (ارْكَبْهَا) قال: فَرَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا, يُسَايِرُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -([1045]).

*وَفِي لَفْظٍ: قَالَ فِي الثَّانِيَةِ, أَوْ الثَّالِثَةِ: (ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ! أَوْ وَيْحَكَ!)([1046]).

٢٤١-عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَنِي النبي -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ, وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا, وَأَنْ لا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا.

وقال: (نحنُ نُعْطيِه مِن عِنْدِنا)([1047]). 

٢٤٢-عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ([1048]) قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ قد أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ, فَنَحَرَهَا([1049] فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -([1050]).

الشرح:

تضمنت هذه الأحاديث جملةً من أحكام الهدي:

منها: جواز الانتفاع بالهدي بما لا يضره من ركوب وغيره.

ومنها: التوكيل في ذبح الهدي، والتصدق باللحم والجلود والأجلة.

ومنها: أن من السنة نحر الإبل قائمةً معقولةً يدُها اليسرى، ونحرها باركةً خلاف السنة.

وفي الأحاديث فوائد:

١-جواز ركوب الهدي إذا احتاج إليه صاحبها، ولم يضر به؛ كما يشهد له قوله -صلى الله عليه وسلم-: «اركبها بالمعروف، حتى تجد ظهرًا »([1051]).

٢-الإنكار على من تحرج من ذلك.

٣-جواز الدعاء غير المقصود في الإنكار على الجاهل.

٤-فضل علي -رضي الله عنه-.

٥-أن من السنة وضع الأجلة على الهدي.

٦-أن ما وضع عليها من ذلك تبع لها.

٧-تعليم العالم للجاهل بالسنة؛ كما صنع ابن عمر.

8- حرص الصحابة على العمل بالسنة.

9-في حديث أبي هريرة شاهدٌ لقوله تعالى: { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: 32].

10-أن الجزار لا يعطى أجرته من لحم الهدي بل يعطى أجرته من مال آخر، ولا بأس أن يهدى إليه.

١1-جواز استئجار من يقطع لحم الهدي لتمكن قسمته، وهو المراد بالجزار في قوله: "وَأَنْ لا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا". وأما نحر هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد تولاه بنفسه -صلى الله عليه وسلم- فنحر بيده الشريفة ثلاثًا وستين، وترك الباقي لعلي -رضي الله عنه([1052]).

12-أن السنة أن يتولى صاحب الهدي أو الأضحية نحرها بنفسه.

١3-أن حكم جلود الهدي حكم اللحم في الانتفاع به والصدقة وعدم البيع.

 بابُ الغُسْلِ للمُحْرِمِ

يعني: هذا باب ذكر الدليل من السنة على جواز الغسل للمحرم.

٢٤٣-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ([1053]) أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لا يَغْسِلُ المحرم رَأْسَهُ. قَالَ: فَأَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ, وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْت: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ, أَرْسَلَنِي إلَيْكَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْأَلُكَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ, فَطَأْطَأَهُ, حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ: اُصْبُبْ, فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ, فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَفعل([1054]).

*وَفِي رِوَايَةٍ " فَقَالَ الْمِسْوَرُ لابْنِ عَبَّاسٍ: لا أُمَارِيكَ أَبَداً "([1055]).

*القرنانِ: العمودان اللذان تُشَدُّ فيهما الخشبة التي تُعَلَّقُ عليها البكرةُ ([1056]). 

الشرح:

 في هذا الحديث وقصة ابن عباس -رضي الله عنهما- مع المسور بن مخرمة في حكم الغسل للمحرم وإرسال ابن عباس عبد الله بن حنين إلى أبي أيوب يسأله، ومن المصادفات الجملية أنه وجده يغتسل فأراه كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغسل رأسه.

وفي هذه القصة والحديث فوائد:

١-فضل ابن عباس -رضي الله عنهما- وذلك من وجهين:

أحدهما: مذاكرته مع من دونه في العلم؛ أعني المسور بن مخرمة.

الثاني: رجوعه إلى معرفة الحجة إلى الأكابر.

٢-التوكيل في السؤال عن العلم، وإرسال ابن عباس ابن حنين: يحتمل أنه لم تكن عنده رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحتمل أنه كان يعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل وهو محرم، وأرسل ابن حنين إلى أبي أيوب ليحتج بخبره على المسور.

٣-جواز غسل المحرم رأسه وتحريكه بيده.

٤-التعليم بالفعل.

٥-اعتراف المسور بفضل ابن عباس.

٦-جواز التنازع في مسائل الاجتهاد، والرجوع عند ذلك إلى الأعلم بالسنة.

٧-قبول خبر الواحد وأنه عمل الصحابة.

٨-أن الخلاف بين ابن عباس والمسور في كيفية غسل المحرم رأسه، لا في أصل الغسل، يدل له: ما فعله أبو أيوب لما سأله ابن حنين.

٩-من لطائف الإسناد: رواية الصحابي عن التابعي عن صحابي.

١٠-الاستتار عند الغسل.

١١-جواز معاونة المغتسل والمتوضئ.

١٢-جواز الكلام حال الاغتسال، والسلام على المغتسل.

 بابُ فَسْخِ الحجِّ إِلى العُمْرَةِ

أي: هذا باب ذكر ما جاء في السنة في شأن فسخ الحج إلى العمرة، وقد تضمن الباب أحاديث أخرى تتعلق ببعض أحكام الحج.

٢٤٤-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَطَلْحَةَ, وَقَدِمَ عَلِيُّ -رضي الله عنه- مِنْ الْيَمَنِ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً, فَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا, إلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ. فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إلَى «مِنىً» وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ؟! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ, وَلَوْلا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ) وَحَاضَتْ عَائِشَةُ؛ فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا, غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تنْطَلِقُونَ بِحَجٍّة وَعُمْرَةٍ, وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ: أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ([1057]).

٢٤٥-وعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ([1058])؛ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً([1059]).

٢٤٦-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ([1060])، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً([1061] فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: (الْحِلُّ كُلُّهُ)([1062]).

الشرح:

 هذه الأحاديث وما يشهد لها كحديث ابن عمر المتقدم في باب التمتع: هي الأصل في مشروعية فسخ الحج إلى العمرة، وقد اختلفت الروايات فيما أحرم به النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأنساك، وما أحرم به الصحابة([1063]): 

فروي أنه -صلى الله عليه وسلم- أحرم بالحج، وأحرم الناس بالحج كذلك، كما يدل له حديث جابر.

وروي أنه أحرم بحج وعمرة([1064])، وهذا أرجح الروايات.

كما روي أن الناس منهم: من أحرم بحج، ومنهم: من أحرم بحج وعمرة، ومنهم: من أحرم بعمرة([1065]). 

وفي حديث جابر المذكور في الباب: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أهدى مائة بدنة([1066])، وأن من الصحابة من أهدى وهو طلحة بن عبيد الله.

وفي هذين الحديثين: التصريح بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- كل من لم يسق الهدي أن يجعلوا نيتهم عمرة، ويطوفوا ويسعوا ويقصروا ويحلوا.

وفي هذين الحديثين فوائد:

١-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحرم بالحج، وتقدم أن الراجح: رواية من روى أنه أحرم بحج وعمرة؛ كما في حديث ابن عمر المتقدم.

٢-أن الناس مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أحرموا بالحج، وتقدم أن في بعض الروايات: أن منهم من أحرم بحج، ومنهم من أحرم بعمرة، ومنهم من أحرم بحج وعمرة.

٣-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ساق معه الهدي.

٤-أنه أشرك عليًا في هديه.

٥-أن من الصحابة من أهدى.

٦-أن من ساق الهدي لا يحل حتى ينحر هديه.

٧-مشروعية فسخ الحج إلى عمرة، وسبق في باب التمتع الإشارة إلى الخلاف في حكم ذلك.

٨-أن من فسخ الحج إلى العمرة، وطاف وسعى وقصر: حلَّ حِلًا تامًا؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الْحِلُّ كُلُّهُ).

٩-أن التحلل من العمرة يحصل بالطواف والسعي والتقصير.

٩-مشقة هذا الفسخ على نفوس الصحابة؛ حتى قال قائلهم: (نَنْطَلِقُ إلَى «مِنىً» وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ؟!)، وهذا كناية عن قرب العهد بالجماع؛ ولذلك تمنعوا عن التحلل أولًا، ثم تحللوا حتى سطعت المجامر([1067] ولعل سبب هذا التمنع: ظنهم أن استمرارهم على نسك الحج أفضل، ولا ريب أن ما أمرهم به النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الأفضل.

١٠-تسلية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وتأكيده أن ما أمرهم به أفضل؛ وذلك في قوله: (لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ, وَلَوْلا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ).

11-فضيلة علي -رضي الله عنه-؛ لتأسيه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أهل به، ولإشراك النبي -صلى الله عليه وسلم- له في هديه.

12-جواز أن يهل الإنسان بما أهل به فلان من الأنساك وهو لا يعلم ما أهل به، فإذا علم كان حكمُه حكمَه.

13-أن عائشة -رضي الله عنها- حاضت في حجها مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة أولًا كسائر الناس، وفعلت المناسك كلها ولم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى طهرت؛ فقال لها النبي –صلى الله عليه وسلم-: (طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة: يكفيك لحجتك وعمرتك) ([1068]).

14-أن الحيض لا يمنع من شي من المناسك إلا الطواف، وأما عدم سعيها أولًا؛ فلترتبه على الطواف.

15-حرص عائشة -رضي الله عنها- على الخير، ورفق النبي -صلى الله عليه وسلم- بها.

16-جواز العمرة بعد الحج.

17-أن ميقات أهل مكة للعمرة من التنعيم، وهو أدنى الحل، ويجوز الإحرام من أي مكان من الحل.

18-دلت الروايات الواردة في شأن عائشة -رضي الله عنه- أن عائشة حاضت بسرف، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها، وهي تبكي؛ فقال: «لعلك نفست؟» قلت: نعم، قال: «فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري»([1069]).

19-صحة العمرة المكية ولا تستحب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر بها ولم يفعلها من الصحابة غير عائشة؛ للمعنى الذي ذكرته، حتى أن الظاهر أن عبد الرحمن لم يعتمر.

20-جواز قول "لو" التي للتمني والإخبار عما سيفعله لو حصل ما تمناه، بخلاف "لو" التي للتحسر والإخبار عن أمر غيبي لا يد للإنسان فيه؛ كما في خبره تعالى عن الذين: {قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 156]. وقال تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لإخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 186].

21-مشروعية الإهلال عند إرادة الشروع في النسك، والإهلال رفع الصوت بالتلبية.

22-استحباب تسمية النسك في الإهلال؛ كأن يقول: لبيك حجًا، أو لبيك عمرة، أو لبيك عمرة وحجًا.

٢3-التدرج في التعليم.

٢4-جواز ترك الأفضل لمصلحة شرعية.

٢5-أن السنة تعيين النسك عند الإحرام وإعلانه في التلبية.

٢6-أن مرد الأحكام في الحج وغيره إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

٢٤٧-عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - وَأَنَا جَالِسٌ - كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ([1070]).

*العَنَقُ: انبساطُ السَّير، والنَّصُّ: فوق ذلك([1071]). 

٢٤٨-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ؛ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: (اذْبَحْ وَلا حَرَجَ) وَجَاءَ آخَرُ،  فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ  فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: (ارْمِ وَلا حَرَجَ) فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إلاَّ قَالَ: (افْعَلْ وَلا حَرَجَ) ([1072]).

٢٤٩-عنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ([1073])، أنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ فَرَآهُ يرَمَي الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ, وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ - صلى الله عليه وسلم -([1074]). 

الشرح:

هذه الأحاديث اشتملت على جملة من هديه -صلى الله عليه وسلم- في حجته:

·       في حديث أسامة:

صفة سيره حين دفع من عرفة: وأنه كان يسير العنق، وهو السير بين السريع والبطء، والنص: هو الإسراع، والفجوة: هي المتسع.

·       في حديث ابن عمر:

وقوفه -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر ليسأله الناس.

·       في حديث ابن مسعود:

صفة وقوفه لرمي جمرة العقبة.

وفي الأحاديث فوائد:

١-الرفق في السير، ولزوم السكينة في الإفاضة من عرفة؛ ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول للناس: «عليكم بالسكينة؛ فإن البر ليس بالإيضاع» ([1075]) أي: الإسراع.

٢-فضيلة أسامة بن زيد -رضي الله عنه- فقد كان رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسيره من عرفة إلى مزدلفة؛ فلهذا وصف سيره.

٣-استحباب وقوف العالم ليسأله الناس، ويتعلموا المناسك.

٤-أن من مناسك الحج في يوم النحر: رمي  جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وذبح الهدي.

٥-أن السنة ترتيبها: الرمي؛ فالحلق؛ فالذبح.

٦-أن من نحر قبل أن يرمي فلا حرج عليه، أن من حلق قبل أن يذبح فلا حرج عليه، أن من قدم شيئًا من هذه المناسك أو أخر؛ فلا حرج عليه.

٦-أن من قدم شيئًا من هذه المناسك أو أخره فلا حرج عليه؛ لقول ابن عمرو -رضي الله عنهما-: (فَمَا سُئِلَ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلا حَرَجَ).

٧-أن صفة الوقوف لرمي جمرة العقبة: أن يجعل الحاج منى عن يمنيه، والكعبة عن يساره.

٨-أن رمي جمرة العقبة: بسبع حصيات، وهكذا بقية الجمار، وفي حديث جابر الطويل يكبر مع كل حصاة([1076])، وعليه فلا يجزئ رميها دفعة واحدة.

٩-جواز تسمية السورة بسورة البقرة.

١٠-عظم شأن هذه السورة عند الصحابة.

١١-تعيين الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الإخبار عنه ببعض خصائصه؛ لقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: (الذي أُنزلت عليه سورة البقرة)، وخص سورة البقرة بالذكر؛ لفضلها وطولها وعظم شأنها.

١٢-إرشاد ابن مسعود -رضي الله عنه- إلى الأسوة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في مقامه لرمي جمرة العقبة؛ كغيره من المناسك التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لتأخذوا عني مناسككم) ([1077]).

٢٥٠-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ). قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ). قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (وَالْمُقَصِّرِينَ) ([1078]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في مشروعية الحلق أو التقصير في الحج أو العمرة، وهذا يدل على أن الحلق أو التقصير نسكٌ خلافًا لمن قال: إنه إطلاق من محظور؛ فهو مباح لا واجب ولا مستحب([1079])، وقد ثبت الحلق من فعله -صلى الله عليه وسلم-([1080])، فهو سنة قولية وفعلية. وقد اختلف في وقت هذا الدعاء([1081]): فقيل: إنه في عمرة الحديبية حين أُحصروا ثم أُمروا بالتحلل بعد الصلح؛ فتمنَّعوا حتى رأوا الجد من النبي -صلى الله عليه وسلم- حين حلق ونحر هديه. وقيل: إن ذلك في حجة الوداع، والأول أظهر. قال ابن عبد البر: "وهو المحفوظ" ([1082]).

وفي الحديث فوائد:

١-مشروعية الحلق أو التقصير للحاج والمعتمر.

٢-أن الحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ابتدأ الدعاء للمحلقين وكرره ثلاثًا، إلا في عمرة المتمتع فالتقصير له أفضل؛ ليبقى ما يحلقه في الحج، وسبب تفضيل المحلقين على المقصرين: أنهم أكملوا امتثالًا.

٣-جواز سؤال الدعاء من النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك في قولهم: (والمقصرين يا رسول الله؟) أي: قل ورحم المقصرين.

 ٤-حرص الصحابة على الخير.

5-فيه شاهد؛ لقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]. فقدم ذكر المحلقين على المقصرين؛ مما يدل على فضلهم.

٢٥١-وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ؛ فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا حَائِضٌ. قَالَ: (أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؛ قَالَ: (اُخْرُجُوا)([1083]).  

*وَفِي لَفْظٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (عَقْرَى, حَلْقَى([1084]) أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟) قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَانْفِرِي)([1085]) . 

الشرح:

هذا الحديث أصل في منع الحائض الطواف بالبيت؛ كما دل على ذلك حديث عائشة حين حاضت بسرف([1086]).

وفي الحديث فوائد:

١-جواز إتيان الرجل أهله بعد طواف الإفاضة وقبل طواف الوداع؛ لأنه بطواف الإفاضة يحصل التحلل التام.

٢-تحريم إتيان الحائض.

٣-أن طواف الإفاضة لا يسقط عن الحائض.

٤-أن على أهل الحائض إذا لم تطف بالإفاضة أن يحتبسوا عليها؛ أي: ينتظروها، وأن على الركب أن يحتبسوا من أجل الحُيّض إلا أن يكون عليهم ضرر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في شأن صفية: (أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟).

٥-أن الحائض لا يجب عليها طواف الوداع؛ لقوله: (فَانْفِرِي).

٦-جواز الدعاء غير المقصود على من فرط في أمر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : (عَقْرَى, حَلْقَى) فهو دعاء معناه: الزجر والتوبيخ، ولعل ذلك من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لظنه أنها فرطت في طواف الإفاضة إلى يوم رحيله، وليس ذلك في يوم النحر كما يشعر به السياق، والله أعلم.

٢٥٢-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ([1087]). 

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في وجوب طواف الوداع، وسقوطه عن الحائض، والقول بوجوبه هو الصواب، وهو قول الجمهور([1088]).

وفي الحديث فوائد:

١-عظم شأن البيت؛ إذ شرع الابتداء به، والختم به.

٢-أن طواف الوداع لا يجب على الحائض، وأن ذلك من يسر الشريعة في المناسك.

٣-أنه لا يجب عليها الوقف عند باب المسجد والنظر إلى البيت والدعاء، بل ولا يشرع لها ذلك؛ فيكون تحري ذلك بدعة.

٢٥٣-وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنىً؛ مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ([1089]).

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل للقول بوجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق، ووجه الدلالة: أن العباس احتاج إلى الإذن من النبي -صلى الله عليه وسلم- في ترك المبيت بمنى، ولو لم يكن واجبًا لما احتاج إلى ذلك.

وفي الحديث فوائد:

١-أن المبيت بمنى ليالي التشريق نسكٌ.

٢-وجوب المبيت بمنى، وهو قول الجمهور([1090]). وقال: آخرون بل هو سنة؛ فهو مستحب وليس بواجب، والقول الأول أظهر، لكن من لم يتيسر له المبيت فلا شي عليه، وليبت حيث شاء من الحرم، وما كان أقرب لمنازل الحجاج فهو أولى.

٣-جواز ترك المبيت بمنى للقيام بمصلحة من مصالح المسلمين.

٤-أن السقاية مختصة بالعباس وبولده من بعده، والمراد: ولاية السقي من ماء زمزم، وقد تغيرت الأحوال فرجعت ولاية السقاية إلى الولاية العامة، وهي الحكومة.

٢٥٤-وَعَنْهُ قَال: جَمَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ, لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إقَامَةٌ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا, وَلا عَلَى إثْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا([1091]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في سنة الجمع بين المغرب والعشاء للحاج بمزدلفة، وصفة ذلك.

وفي الحديث فوائد:

١-أن من هديه -صلى الله عليه وسلم- في الحج: الجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة، ليلة عرفة.

٢-أن السنة أن يقيم لكل واحدة منهما، ولم يذكر ابن عمر الأذان لهما، ولكن جابرًا ذكر أنه -صلى الله عليه وسلم- جمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، وهذا هو الموافق لهديه -صلى الله عليه وسلم- في الجمع بين الصلاتين في سائر المواضع.

٣-أنه لا يتنفل بينهما ولا بعدهما، وهو معنى قول ابن عمر: (وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا, وَلا عَلَى إثْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا).

بابُ المُحْرِمِ يأْكلُ من صيدِ الحلالِ

أي: هذا باب ذكر الدليل من السنة على جواز أكل المحرم مما يصيده الحلال؛ أي: غير المحرم؛ إلا أن يقصد الصيد للمحرم.

٢٥٥-عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ حَاجَّاً، فَخَرَجُوا مَعَهُ، فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ -فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ- وَقَالَ: (خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى نَلْتَقِيَ) فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ, إلاَّ أَبَا قَتَادَةَ  لَمْ يُحْرِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْحُمُرِ؛ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانَاً، فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا، ثُمَّ قُلْنَا: أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: (مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا, أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟) قَالُوا: لا. قَالَ: (فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا)([1092]).

*وَفِي رِوَايَةٍ: (هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟) فَقُلْت: نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ, فَأَكَلَهَا([1093]).

٢٥٦-عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حِمَاراً وَحْشِيَّاً  وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ- فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِه, قَالَ: (إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلاَّ أَنَّا حُرُمٌ)([1094]).

*وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «رِجْلَ حِمَارٍ».

*وَفِي لَفْظٍ «شِقَّ حِمَارٍ».

*وَفِي لَفْظٍ «عَجُزَ حِمَارٍ»([1095]).

*وجه هذا الحديث: أنه ظنَّ أنَّه صِيدَ لأجلِهِ، والمُحْرِمُ لا يأكُل ما صِيدَ لأجلِه.

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في مسألة أكل المحرم من صيد الحلال، ولكن بين الحديثين تعارض: فإن الحديث الأول يدل على الجواز، والثاني يدل على المنع، وقد جمع بين الحديثين: بأن حديث أبي قتادة في حق المحرم الذي لم يكن صيد الحلال من أجله، ولم يعنه عليه، وحديث الصعب فيما صاده الحلال من أجل المحرم([1096]).

وقد ورد حديثٌ تضمن معنى هذا الجمع: فروى الترمذي وغيره عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلم - يقول: (صيدُ البر لكم حلالٌ وأنتم حرم، ما لم تَصِيدوه أو يُصَدْ لكم)([1097]).

وفي الحديثين فوائد:

١-تحريم صيد البر على المحرم: صاده بنفسه، أو صاده محرم آخر.

٢-تحريم ما صاده المحرم عليه وعلى غيره، وأصل ذلك: في كتاب الله؛ وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} إلى قوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [95-96].

٣-حل صيد الحلال للمحرم إلا في حالين: إذا أعانه على الصيد، أو صاده الحلال من أجل المحرم.

٤-أن عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبول الهدية إلا أن تكون مما لا يحل له.

٥-استحباب الاعتذار إلى المهدي إذا تعذر قبول هديته.

٦-حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم- فقد اعتذر إلى الصعب بن جثامة بقوله: (إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلاَّ أَنَّا حُرُمٌ)، وقال للذين أكلوا من لحم حمار أبي قتادة وهم محرمون: (هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟) تطييبًا لنفوسهم.

٧-حل الحمر الوحشية، وأما الحمر الأهلية فقد صح النهي عنها([1098]).

٨-التثبت فيما اشتبه على العبد حكمه.

٩-أن الأصل حل صيد الحلال للمحرم والحلال.

١٠-أن من استعجل ففعل فعلًا ثم شك في حله؛ فلا يتمادى فيه حتى يتبين له الأمر.

١١-وقوع الاجتهاد والاختلاف في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

١٢-رد الصحابة ما تنازعوا فيه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

١٣-تحريم صيد الحلال على المحرم إن أعانه عليه بقول أو فعل.

 كتابُ البيوعِ

أي: هذا كتاب ذكر الأحاديث المتعلقة بأحكام البيوع، والبيوع جمع بيع، وهو معاوضة بين مالين: عين أو دين أو منفعة([1099])، والبيع أنواع فلذلك عبر عنه بالجمع، وهو حلال بنص القرآن إلا ما خصه الدليل؛ لقوله تعالى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]. فيخرج عنه ما نهي عنه من البيوع. قيل: سميت المعاوضة بالمال بيعًا؛ لأن كلًا من المتبايعين يمد باعه إلى الآخر، وأصل البيع في الحسيات، ويتجوز به في المعنويات؛ كقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كلُّ الناس يغدو، فبائع نَفْسَهُ فمعتقُها، أو مُوبِقها)([1100])، ويأتي الشراء بمعنى البيع، فهو كثير في القرآن؛ كقوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] أي: باعوه، وقوله تعالى:{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 207].

٢٥7-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: (إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلانِ, فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا, أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ([1101])، فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ؛ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ)([1102]).  

٢58-عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا - أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا – فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)([1103]).  

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في خيار المجلس، ومعناه: أن لكل من المتبايعين، البائع والمشتري، إمضاء البيع أو فسخه، مادام في مجلس العقد، والخيار اسم مصدر من اختار، فإما أن يختار إتمام البيع، وإما أن يختار الفسخ.  

وقد ذهب جمهور العلماء إلى إثبات خيار المجلس بهذين الحديثين([1104])، وذهب آخرون إلى أنه لا خيار لواحد من المتبايعين من أجل بقاءهما في المجلس([1105])، وأجابوا عن هذين الحديثين بتأويلات ضعيفة بل ساقطة؛ كقول بعضهم: إن التفرق المذكور في الحديث هو التفرق في الأقوال بالإيجاب والقبول، والصواب: أنه التفرق بالأبدان.

وفي الحديثين فوائد:

١-أن كلاً من البائع والمشتري يسمى: بيّعًا؛ لأن كلًا منهما باذل لما في يده للمعاوضة بما في يد صاحبه، وإن كان الأغلب أن البائع باذل السلعة، والمشتري باذل الثمن.

٢-إثبات خيار المجلس، ومعناه: أن كلًا من البائع والمشتري بعد العقد له الإمضاء أو الفسخ مادام في المجلس، فالعقد حينئذ جائز لا لازم.

٣-أن البيع يجب بأحد أمرين: إما التفرق، وإما أن يقول أحدهما للآخر: اختر أنت فيُسقط خيار نفسه ويجعل الخيار لصاحبه؛ فيلزم العقد في حقه، وإن تفرقا وجب البيع ولزم العقد في حقهما.

٤-وجوب الصدق في البيع والبيان لما له أثر في العقد؛ كالعيب.

5-تحريم الكذب والكتمان.

6-أن الصدق والبيان سبب لحصول البركة في البيع؛ وذلك بالربح ونماء المال والانتفاع به.

7-أن الكذب والكتمان سبب لمحق البركة بالخسارة أو تلف المال أو عدم الانتفاع به.

8-أن من محاسن الشريعة: خيار المجلس؛ لما فيه من التوسعة على المتعاقدين للنظر في أمرهما.

9-أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. مخصوص بخيار المجلس وغيره مما يبيح فسخ العقد.

 بابُ ما نُهِيَ عنْهُ منَ البيوعِ

أي: هذا باب ذكر الأحاديث المتضمنة للنهي عن أنواع من البيوع، وقد ذكر المصنف في الباب: عشرة أحاديث تضمنت النهي عن جملة من البيوع، وهي: المنابذة، والملامسة، وبيع حَبَلِ الحَبَلة، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وعن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، وفيه النهي عن تلقي الجَلَب، وعن بيع حاضر لباد، وعن تصرية الغنم، ويأتي شرحها وعلة النهي عنها.

٢59-عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ الْمُنَابَذَةِ - وَهِيَ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالْبَيْعِ إلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ أَوْ يَنْظُرَ إلَيْهِ - وَنَهَى عَنْ الْمُلامَسَةِ. وَالْمُلامَسَةُ: لَمْسُ الثَّوْبِ وَلا يُنْظَرُ إلَيْهِ([1106]). 

260-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ, وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تُصَرُّوا الْغَنَمَ، وَمَنْ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا: إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا, وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعاً مِنْ تَمْرٍ)([1107]).   

وَفِي لَفْظٍ: (وهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاثَاً)([1108]).

الشرح:

تضمن الحديثان النهي عن هذه البيوع المذكورة، أما المنابذة والملامسة: فهما من البيوع المعروفة في الجاهلية؛ ولذا فسرهما الراوي بما ذكر، وعلة النهي فيهما: الجهالة والغرر.

وأما تلقي الركبان، ويقال لهم: الجلب؛ فالمراد به: تلقي القادمين بالسلع من خارج البلد ليعرضوها في سوق البلد؛ فيتلقاهم في الطريق قبل أن يصلوا إلى السوق؛ فيشتري منهم، وهم لا يعلمون السعر في السوق؛ فيخدعون بذلك([1109] وفي بعض روايات الحديث: (فمن تلقي، ثم أتى سيده السوق؛ فهو بخير النظرين)([1110] وعلة النهي: ما قد يكون من غبن البائع فيثبت به خيار الغبن.

وأما بيع حاضرٍ لباد: فهو أن يطلب الحاضر، وهو المقيم في البلد، من البادي، وهو الوافد في بضاعته، أن يبيع له؛ لأنه أعلم بأسعار السلع([1111] وقد جاء في الرواية: تفسير ابن عباس، وهو قوله: (لا يكون له سمسارًا)([1112]) أي: يبيع له بالوكالة، وجاء في بعض روايات الحديث: (دَعُوا الناس يرزُقُ الله بعضَهم من بعضٍ)([1113]) ففي النهي عن تلقي الجلب: رعاية حق البائع، وفي النهي عن بيع حاضر لباد: رعاية حق المشتري.

وأما البيع على البيع: فهو مثل أن يقول لمن اشترى سلعة مثلًا بعشرة: أنا أعطيك مثلها بتسعة؛ ليفسخ ويعقد معه، وفي حكم البيع على البيع: الشراء على الشراء، وهو أن يقول لمن باع سلعة بتسعة مثلًا: أنا أعطيك فيها عشرة، وعلة النهي عن البيع على البيع: ظلم البائع، وظلم المشتري في الشراء على الشراء.

وأما النجش: فهو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شرائها، بل يريد نفع البائع أو مضرة المشتري.

وأما تصرية الغنم أو غيرها من البهائم: فالمراد به جمع اللبن في ضرعها؛ ليبدوا للناظر أنها غزيرة اللبن، وعلة النهي: أن ذلك غش وتدليس، وفي الحديث: (وَلا تُصَرُّوا الْغَنَمَ، وَمَنْ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا: إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا, وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعاً مِنْ تَمْرٍ) ويقال لهذا الخيار: خيار التدليس.

وفي الأحاديث فوائد:

١-تحريم المنابذة والملامسة، وتقدم تفسيرهما.

٢-أن من شروط البيع: العلم بالمبيع، والعلم بالثمن.

٣-تحريم تلقي الجلب.

4-ثبوت خيار الغبن.

5-تحريم البيع على البيع، والشراء على الشراء.

6-تحريم النجش.

7-تحريم بيع حاضر لباد.

8-تحريم تصرية البهيمة ذات اللبن للبيع.

* وتقدم تفسير ذلك كله، وبيان علة النهي فيه

9-وجوب رعاية حق البائع وحق المشتري بترك الخديعة.

10-تحريم التدليس في البيع وثبوت الخيار فيه.

١1-أن المصراة إذا ردها المشتري رد معها صاعًا من تمر، وهو قيمة اللبن الذي كان موجودًا، وهذا تقويم شرعي لا يجب أكثر منه، ولا ينقص منه.

١٢-أن من اشترى مصراة ورضيها؛ فإنه يمسكها ولا يستحق شيئًا.

١٣-صحة بيع المصراة، ونحوها.

٢٦١-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ -وَكَانَ بَيْعاً يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ- كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا([1114]).  

قِيلَ: إنَّهُ كَانَ يَبِيعُ الشَّارِفَ - وَهِيَ الْكَبِيرَةُ الْمُسِنَّةُ - بِنِتَاجِ الْجَنِينِ الَّذِي فِي بَطْنِ نَاقَتِهِ.

٢٦٢-وعَنْه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا. نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ ([1115]).

٢٦٣-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِي. قِيلَ: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: (حَتَّى تَحْمَرَّ)، قَالَ رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (أَرَأَيْتَ إذا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ , بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟)([1116]).

الشرح:

تضمنت هذه الأحاديث النهي عن نوعين من البيوع: عن بيع حبل الحبلة، وعن بيع الثمر قبل بدو صلاحها. وبدو صلاح ثمر النخل: أن يحمر أو يصفر، وهو معنى حتى تزهى، ومعنى بيع حبل الحبلة: هو ما جاء في الرواية: أن يبيع الجزور -وهي المسنة من الإبل ويقال لها الشارف- يبيعها بنتاج نتاج ناقة صاحبه المشتري، وعلة النهي: الجهالة والغرر والجهل بالأجل؛ لأنه بيع لمعدوم لا يدري هل يوجد أو لا يوجد ومتى يوجد؟

وأما بيع الثمر قبل بدو صلاحه: فالعلة في النهي عنه: أنه معرضٌ للتلف؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ, بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟).

وفي الأحاديث فوائد:

١-تحريم بيع حبل الحبلة، وأنه من بيوع أهل الجاهلية.

٢-اشتراط العلم بالمبيع وبالثمن وبالأجل في المؤجل.

٣-تحريم بيع الثمر قبل بدو صلاحه، وهذا إذا بيع منفردًا، أما إذا بيع مع أصله فيجوز تبعًا لأصله؛ لحديث: (من بائع نخلًا بعد أن تأبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع) ([1117] ومفهومه: أنه قبل التأبير تكون للمشتري.

٤-جواز بيعه بعد بدو صلاحه.

٥-أن بدو صلاح النحل بأن يحمر أو يصفر، وله يعتبر ذلك: في كل نخلة أو في النوع أو في نخل الحائط المعين على خلاف بين العلماء.

٦-جواز بيع الثمر قبل بدو صلاحه بشرط القطع.

٧-حكمة الشريعة بسد ذرائع الشقاق.

٨-شمول أحكام الشريعة للمعاملات المالية.

٢٦٤-عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: نهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ تُتَلَقَّى الرُّكبَانُ، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمسَارًا ([1118]).  

الشرح:

تقدم الكلام على ما تضمنه هذا الحديث في الكلام على حديث أبي هريرة في الباب.

٢٦٥-عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: نهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ المُزَابَنَةِ، والمُزَابَنهُ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إنْ كَانَ نَخْلًا بتَمرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبيبٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، نَهى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ([1119]).

٢٦٦-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: نَهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ المُخَابَرَةِ، والمُحَاقَلَةِ، وعَنِ المُزَابَنَةِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُها، وَأَلَّا تُبَاعَ إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدّرهمِ، إِلَّا العَرَايَا([1120]).

* المُحَاقَلة: بَيْعُ الحِنْطةِ فِي سُنْبِلَها بِحِنْطَةٍ.

الشرح:

تضمن هذان الحديثان النهي عن بعض البيوع: عن المزابنة، والمخابرة، والمحاقلة، وعن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها.

فأما المزابنة؛ ففسرت بثلاثة أمور([1121]):

أن يبيع ثمر حائطه:

1-إن كان نخلًا: بتمر كيلًا.

٢-وإن كان كرمًا: أن يبيعه بزبيب كيلًا.

٣-أو كان زرعًا: أن يبيعه بكيل طعام.

وهذا الأخير هو المحاقلة المذكورة في حديث جابر على ما فسَّرها به المصنف([1122]).

وأما المخابرة: فهي نوع من المزارعة، وهي العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها من زرع على طريقتهم في الجاهلية، وهي أن يكون للعامل ما يخرج على الْمَاذِيَانَاتِ([1123]) وأقبال الجداول([1124])، أو يكون ذلك للمالك والباقي للآخر. وقد جاء تفسير المخابرة وسبب النهي عنها في حديث رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: (إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ, وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ, وَأَشْيَاءَ مِنْ الزَّرْعِ فَيَهْلِكُ هَذَا, وَيَسْلَمُ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إلاَّ هَذَا؛ وَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ: فَلا بَأْسَ بِهِ)([1125])، وسيذكره المؤلف في باب الرهن وغيره.

وأما بيع الثمر قبل بدو صلاحه: فتقدم الكلام فيه قريبًا.

وفي الحديثين فوائد:

١-تحريم المزابنة بأنواعها الثلاثة، وعلة التحريم: أنها تؤول إلى ربا الفضل ببيع الرطب أو العنب أو الحب بجنسه مع الجهل بالتساوي؛ لأن الرطب والعنب والحب في سنبله لا يعلم قدره، ولا يكفي فيه الخرص، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.

٢-تحريم المحاقلة، وقد علم أنها نوع من المزابنة، فعلة التحريم فيهما واحدة.

٣-تحريم المخابرة، وتقدم تفسيرها، وعلة تحريمها: ما تشتمل عليه من الجهالة والغرر، ويأتي توضيح ذلك عند ذكر حديث رافع بن خديج في باب الرهن.

٤-تحريم بيع الثمر قبل بدو صلاحه، وتقدم الكلام فيه قريبًا.

٥-استثناء العرايا من حكم المزابنة، ويأتي الكلام عليه في الباب الذي بعد هذا، ومعنى قول جابر: "وأن لا تباع" يعني الثمرة، إلا بالدينار والدرهم؛ أي: لا بجنسها، فيكون البيع من المزابنة.

٢٦٧-عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ, وَمَهْرِ الْبَغِيِّ, وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ([1126]).

٢٦٨-عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- أَنْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ, وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ)([1127]).  

الشرح:

هذان الحديثان أصل في تحريم هذه المكاسب: ثمن الكلب ومهر البغي، وهو ما تُعطاه عوضًا عن الاستمتاع بها، وحلوان الكاهن: وهو ما يعطاه من العوض عن تكهنه، وكل ما نهي عنه من المكاسب أو المطاعم والمشارب فهو خبيث، أي حرام؛ ولهذا سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمن الكلب ومهر البغي خبيثًا كما في حديث رافع بن خديج.

وهذا خبثٌ شرعي لا خبث كوني خلقي، وليس كل ما سمي خبيثًا يكون حرامًا، بل قد يكون مكروهًا، مثل كسب الحجام؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- أعطى الحجام أجره([1128])؛ فعلم أنه ليس بحرام، واقترانه بثمن الكلب ومهر البغي لا يدل على التحريم؛ لأن دلالة الاقتران ضعيفة عند أهل الأصول، وقد يسمى الشيء في بعض الآيات والأحاديث خبيثًا وهو مباح؛ لأن خبثه خلقي لا شرعي؛ كما في قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]. المراد: الرديء، وهو مقابل للطيب بمعنى الجيد؛ كما في أول الآية: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}، ومما سمي خبيثًا وهو مباح: البصل والثوم والكراث, قال فيها الرسول –صلى الله عليه وسلم-: (من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئًا، فلا يقربنا في المسجد)([1129]).

وفي الحديثين فوائد:

١-تحريم بيع الكلب، وتحريم ثمنه، وهذا الحكم شامل لما يباح اقتناؤه من الكلاب، وهو كلب الصيد والزرعي والماشية، وهذا قول الجمهور([1130]).

٢-تحريم العوض عن الزنا.

٣-تحريم العوض عن الكهانة.

٤-أن هذه المكاسب مكاسب خبيثة، والتنفير عن الشيء بذمه.

٥-كراهة كسب الحجام.

6-أن ما تفرع عن الحرام حرام.

 بابُ العَرايا وغير ذلك

أي: هذا باب ذكر ما جاء في السنة في حكم العرايا وغيرها كالأعيان المحرمة، والعرايا جمع عرية كهدايا جمع هدية. قيل: هي النخلة يعطيها صاحب البستان لجار أو قريب، فيشق عليه تردده على بستانه؛ فيشتريها منه بخرصها بتمرٍ يدفعه له عند الجذاذ، وهذا هو المشهور عن مالك([1131]). وقيل: هي النخلة أو النخلات يهب صاحب البستان ثمرتها لبعض المساكين، فيرغب الموهب له في بيع الثمرة؛ فيجوز له أن يبيعها بخرصها بتمرٍ ممن يشتريها ليأكلها رطبًا([1132]) وهذا يتضمن معنى بيع الرطب بالتمر، والأصل أنه لا يجوز؛ لأنه من المزابنة لكن رخص في بيع العرايا بالتمر؛ لحاجة البائع، وهو الـمُعرى الموهوب له، إلى التمر معجًلا، وحاجة المشتري لأكل الرطب، أو يبيعها بتمرٍ كيلًا لمن لا يجد ثمن يشتري به الرطب؛ فتكون من المزابنة، ورخص فيها للحاجة في خمسة أوسق أو مادون خمسة أوسق.

والمعنى الثاني هو المشهور، والمناسب لذكر الرخصة، وهو مضمون ما نقله أبو بكر الأثرم([1133]) عن الإمام أحمد، وهذا نصه: "قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ- يُسْأَلُ عَنْ تَفْسِيرِ الْعَرَايَا، فَقَالَ: أَنَا لَا أَقُولُ فِيهَا بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَأَقُولُ: إِنَّ الْعَرَايَا أَنْ يُعَرِيَ الرَّجُلُ جَارَهُ أَوْ قَرَابَتَهُ لِلْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَإِذَا أَعْرَاهُ إِيَّاهَا؛ فَلِلْمُعْرَى أَنْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ شَاءَ، إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَأَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا، فَرَخَّصَ فِي شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ، فَنَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ أَنْ تُبَاعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ؛ فَيَبِيعُهَا مِمَّنْ شَاءَ".  ذكر هذا ابن عبد البر في الاستذكار([1134]).   

٢٦٩-عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَخَّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ: أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا([1135]).

* وَلِمُسْلِمٍ: بِخَرْصِهَا تَمْراً, يَأْكُلُونَهَا رُطَباً([1136]).

٢٧٠-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا([1137]) فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ([1138]).

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في الرخصة في بيع العرايا، وهما مخصِّصان لأحاديث النهي عن المزابنة، وهي بيع الرطب بالتمر؛ كما تقدم في حديث ابن عمر وحديث جابر في الباب قبله. وفيهما فوائد:

١-جواز بيع العرايا، واستثناؤها من بيع المزابنة.

٢-تقييد الرخصة في خمسة أوسق أو مادون خمسة أوسق.

٣-يسر الشريعة.

 4-أن الحاجة سبب للتيسر.

5-فيه شاهد لقاعدة: أن المشقة تجلب التيسير.

6-أن تحريم ربا الفضل من باب تحريم الوسائل؛ فلذا دخلت الرخصة في بعض صوره، نبه إلى ذلك ابن القيم في "إعلام الموقعين"([1139]).

7-أن لبيع العرايا شروطًا مستنبطة من هذا الحديث، وهي خمسة:

أ- أن يكون المشتري محتاجًا لرطب.

ب- أن ليس معه نقد؛ أي: دراهم.

ت- أن تخرص النخلات بما تؤول إليه تمرًا.

ث- التقابض قبل التفرق بقبض التمر وتخلية النخل.

ج- ألَّا تزيد على خمسة أوسق، والأحوط أن تكون فيما دون خمسة أوسق.

٢٧١-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا([1140]) لِلْبَائِعِ, إلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَه([1141]) الْمُبْتَاعُ) ([1142]).

*وَلِمُسْلِمٍ: (مَنْ ابْتَاعَ عَبْداً فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إلاَّ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ)([1143]).

٢٧٢-وعَنْه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ)([1144]). 

*وَفِي لَفْظٍ: (حَتَّى يَقْبِضَهُ) ([1145]).

*وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- مِثْلُهُ([1146]).

الشرح:  

تضمنت هذه الأحاديث بعض أحكام البيوع، منها: بيع النخل المؤبَّر؛ أي الملقح، والتأبير: التلقيح([1147] وصفته: أنه إذا بدأ طلع النخل في أكمامه فإنه يتشقق، فيؤتى ببعض ثمر فحل النخل، فيوضع على ثمر النخل؛ فيصلح بإذن الله، وذلك يشبه لقاح الذكر للأنثى من الحيوان. ومنها: بيع العبد الذي له مال.

وفي الأحاديث فوائد:

١-جواز بيع النخل وعليه ثمرٌ قد أوبر.

٢-أن ثمره للبائع إلا أن يشترطه المبتاع لنفسه؛ فيقع البيع على الأصول والثمر.

٣-تخصيص النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، والسر في اختلاف الحكمين: هو الفرق بين ما يباع استقلالًا وما يباع تبعًا.

٤-أن من باع نخلًا قد أوبر: فثمرته للبائع إلا أن يشترطه المبتاع.

٥-أن من باع نخلًا عليه ثمر لم  يؤبر: فثمرته للمشتري بلا شرط.

٦-أن ما لا يجوز بيعه استقلالًا قد يجوز تبعًا؛ كالثمر والحمل.

٧-جواز تأبير النخل؛ لأنه سبب لصلاح الثمرة.

٨-ثبوت الرق في الإسلام.

٩-أن الرقيق مال يتصرف به في البيع وغيره؛ لقوله: (من ابتاع عبدًا).

١٠-أن الرقيق يَملك بالتمليك؛ لقوله: (فمالُهُ). أي: مال العبد.

١١-أن للعبد التصرف فيما ملكه في المال الذي ملَّكه سيِّدُه.

١١-أن من باع عبدًا له مال: فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، ولكن يجب أن يكون معلومًا، والأَمَةُ في حكم العبد في ذلك.

١٣-أنه لا يجوز لمن اشترى طعامًا أن يبيعه حتى يقبضه، وهو معنى: (حتى يستوفيه)، والمراد بالطعام: المأكول والمشروب من مكيل أو موزون.

١٤-جواز الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد.

٢٧٣-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول ([1148]) عَامَ الْفَتْحِ: (إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ)، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؟ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ, وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ. فَقَالَ: (لا، هُوَ حَرَامٌ). ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: (قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إنَّ اللَّهَ تعالى لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا، جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ)([1149]).

* جَمَلُوهُ: أَذَابُوه([1150])

الشرح:

هذا الحديث أصل في النهي عن بيع المحرمات وأكل ثمنها.

وفيه من الفوائد:

١-تأكيد الخبر بذكر زمانه ومكانه.

٢-عظم شأن فتح مكة في تقرير الأحكام، وقد خطب -صلى الله عليه وسلم- غير مرة، وبيّن الأحكام المتعلقة بحرمة مكة، وأحكامًا أخرى كالتي في هذا الحديث.

٣-النهي عن بيع هذه المذكورات.

٤-تأكيد هذا النهي بالتصريح بلفظ التحريم وبإضافة التحريم إلى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

٥-أن ما حرمه الله حرمه رسوله، وما حرمه الرسول فقد حرمه الله.

٦-التلازم بين بعض حقوق الله وحقوق رسوله -صلى الله عليه وسلم-: كالإيمان والطاعة والمحبة والتشريع، مع التفاوت في المرتبة بين الرسول والمرسِل، قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الأعراف: 158]. وقال: {قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ، وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها، وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها، وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 24]. وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: 1]. وقال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 59]. وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]. وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].

٧-جواز عود الضمير إلى أحد المذكورين اللذين عطف أحدهما على الآخر؛ لقوله: (إن الله ورسوله حرم) بإفراد الضمير، راجعًا إلى الله، وله نظائر في اللغة، ومنه في القرآن {وَالَّذِينَ يَكْنزونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: 34]. {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62]. {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11].

٨-تحريم الخمر وتحريم بيعها، وقد «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخمر عشرةَ: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له»([1151]).

٩-تحريم الميتة وتحريم بيعها.

١٠-تحريم الخنزير وتحريم بيعه.

١١-تحريم بيع الأصنام على هيئتها، وفي حكم الأصنام: الصلبان، وصور ذوات الأرواح.

١٢-وجوب تحطيم الأصنام تحطيمًا يزيل صورتها.

١٣-حكم بيع شحوم الميتة، وحكم الانتفاع بها.

١٤-تحريم بيع شحوم الميتة كسائر أجزائها النجسة وإن كان ينتفع بها.

١٥-أن مجرد الانتفاع بالشيء لا يستلزم حله ولا حل بيعه، كالكلب ينتفع به ولا يحل بيعه.

١٦-أن من أساليب الذم والتقبيح: الدعاء بـ (قاتله الله).

١٧-ذم اليهود بالاحتيال على ما حرم الله وأنهم السلف لأهل الحيل؛ كما ذكر في هذا الحديث، وكاحتيالهم على الصيد في السبت وقد حرمه الله عليهم.

١8-قيل: فيه تحريم الانتفاع بشحوم الميتة؛ وذلك للاختلاف في مرجع قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا، هو حرام)([1152]). قيل: الضمير للبيع، وقيل: لما ذُكر من وجوه الانتفاع من طلاء السفن ودهن الجلود والاستصباح، والأظهر رجوعه إلى البيع؛ لأنه موضوع الحديث، فيتعين أنه المسؤول عنه، ويؤيده قوله في اليهود: (ثم باعوه).

٢٠-أن ما حرم أكله أو اقتناؤه والانتفاع به: حرم بيعه وأكل ثمنه.

٢١-جواز استعمال النجاسة على وجه لا يتعدى؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أقرَّهم على الاستصباح وطلاء السفن.

٢٢-تحريم ما مفسدته راجحة على مصلحته، وفي هذا: احتمال أدنى المفسدتين لدفع أعظمها، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما.

٢٣-أن من كمال الشريعة: تحريم كل ما يضر بالإنسان في دينه وعقله ونفسه وماله.

٢٤-جواز الإجمال في الحكم المشترك بين أشياء مع تفاوتها فيه؛ كما تقول: الشرك والقتل والزنا حرام، ومن هذا الحديث تقول: بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام حرام.

٢٥-من حكمة الشريعة: تحريم الخبائث الحسية والمعنوية.

٢٦-تحريم الحيل على ما حرم الله.

٢٧-أن للوسائل حكم الغايات.

٢٨-أن الحيل لإسقاط الواجبات أو تحليل المحرمات لا يصلح بها مقصود فاعليها.

٢٩-تحريم الشحوم على اليهود، ففيه شاهد لقوله تعالى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا.. الآية} [الأنعام: 146]. وقد اختلف العلماء في تحريم الشحوم على اليهود الآن: فقال بعض العلماء: إن أهل الذمة من اليهود يلزمون بما في التوراة من تحريم الشحوم، ويحرم على المسلمين أكل شحوم ما ذبحوه لأنفسهم على حكم التوراة؛ لأنه ليس من طعامهم المذكور في قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5].

وقال بعض أهل العلم: إن تحريم الشحوم على اليهود مما نسخته شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- وكذا كل ما حرم عليهم في التوراة هو منسوخ بقوله تعالى في نبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } [الأعراف: 157]. وعلى هذا؛ فالمراد بطعامهم: ذبائحهم، فيشمل حكم الحل: لحومُها وشحومُها، وخرج بذلك ذبائح غير أهل الكتاب، وهذا هو الصواب.

 بابُ السَّلَمِ

أي: هذا باب ذكر الدليل من السنة على بيع السلم، والسلم نوع من البيوع، وهو بيع موصوف في الذمة مؤجل بثمن معجل يسلم في مجلس العقد، والأصل في بيع السلم حديث ابن عباس المذكور في الباب.

٢٧٤-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَدِمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ, وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ: السَّنة و([1153]) السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاثَ. فَقَالَ: (مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ: فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ , وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ , إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ)([1154]). 

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في إباحة بيع السلم، ولهذا البيع شروطٌ مأخوذة من الحديث يأتي ذكرها.

وفي الحديث فوائد:

١-جواز بيع السلم.

٢-أنه يشترط لصحته شروطًا:

أ-منها: تعجيل الثمن.

ب-ومنها: تأجيل المسّلم فيه.

ت-أن يكون المسّلم فيه: مثليًا؛ كالمكيل والموزون، أو مما ينضبط بالصفة.

ث-أن يكون المسّلم فيه: معلومًا.

ج-أن يكون الأجل: معلومًا.

٣-جواز السلم في الثمار: السنة والسنتين، وهو أن يكون تسليم المبيع بعد سنة أو سنتين أو أكثر بشرط العلم.

٤-أن بيع السلم مستثنى من النهي عن بيع ما ليس عندك

 بابُ الشُّروطِ في البيعِ

أي: هذا باب ذكر ما ورد في السنة في شأن الشروط في البيع، والمراد بالشروط في البيع: ما يشترطه أحد المتبايعين على الآخر مما له فيه غرض صحيح.

والشروط في البيع تنقسم إلى صحيح وفاسد، والأصل فيها الصحة، وكل شرط يخالف حكم الله فهو فاسد؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)([1155]).

ومما ينبغي أن يعلم: الفرق بين الشروط في البيع، وشروط البيع؛ فأما الشروط في البيع: فتقدم بيان المراد بها، وأما شروط البيع: فهي ما تتوقف صحة البيع على وجودها، وهي من أحكام البيع المستمدة من أدلة الكتاب والسنة.

٢٧٥-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ, فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ: إنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ  وَيكون وَلاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا, فَقَالَتْ لَهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- جَالِسٌ. فَقَالَتْ: إنِّي عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيهم, فَأَبَوْا إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْوَلاءُ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: (خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ؛ فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ). فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّاسِ, فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ! ما كان من شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ! قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) ([1156]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في حكم الشروط في العقود، وهو متضمن لطرف من قصة بريرة، وبريرة أَمَةٌ لبعض الأنصار، وقد كاتبت أهلها فاشترتها عائشة وأعتقتها، فاشترط أهلها أن يكون الولاء لهم؛ فأنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك عليهم، وقال: (إنما الولاء لمن أعتق). وفي الحديث فوائد:

١-جواز الكتابة؛ وهي أن يشتري المملوكُ نفسَه من سيده بثمن مؤجل.

٢-جواز عتق الأمة المزوجة، وأنه لا يشترط إذن زوجها.

٢-جواز شراء المكاتب لعتقه.

٣-أن الولاء لمن أعتق.

٤-أن اشتراط البائع أن يكون الولاء له إن أعتقه المشتري: شرط فاسد منكر؛ لكن لا يفسد به البيع.

٥-مشروعية الخطبة في إنكار المنكر وبيان الأحكام.

٦-الإبهام في ذكر فاعل المنكر.

٧-جواز السجع في الخطبة.

٨-أن من السنة في الخطبة قول: (أما بعد).

٨-أن حكم الله أحق بالإتباع، وهو معنى: (قضاء الله أحق)، والمراد بالقضاء: القضاء الشرعي.

٩-أن ما فرض الله من الأحكام آكد من كل حكم سواه، وهو معنى: (وشرط الله أوثق).

١٠-أن الولاء لا يكون إلا للمعتِق، والمراد بالولاء: علاقة بين السيد وعتيقه تشبه النسب؛ ولذا يرث بها المعتِقُ عتيقَهُ إذا لم يكن له عصبة غيره، وسبب هذه العلاقة: إنعام السيد على مملوكه بالعتق، وفي الحديث: (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب)([1157]).

١١-أن من عادته -صلى الله عليه وسلم-: الخطبة في الأمور المهمة.

١٢-أن هديه -صلى الله عليه وسلم-: استفتاح الخطبة بحمد الله والثناء عليه.

١٣-أن كل شرط يخالف حكم الله فهو باطل، وهو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل). وقوله: (ليس في كتاب الله) أي: ليس في حكمه.

١٤-أن كثرة الشروط الفاسدة لا يصححها. وقوله: (وإن كانت مئة شرط) لا مفهوم له، أي هي باطلة، وإن كانت أكثر من مئة.

١٥-أن من شرط شرطًا فاسدًا وهو يعلم: فإنه يقبل منه ولا يوفى له به؛ عقوبةً له.

١٦-جواز تصرف المرأة الرشيدة في مالها من غير استئذان زوجها.

١٧-أن لجائز التصرف: الشراءُ بأكثر من ثمن المثل، والبيع بأقل من ثمن المثل.

١٨-ثبوت ولاء العتق بين المسلم والكافر.

١٩-قبول خبر الواحد، وإن كان عبدًا أو أمة.

٢٧٦-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ فَأَعْيَا، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ. قال:([1158]) فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَعَا لِي، وَضَرَبَهُ فَسَارَ سَيْراً لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ. قَالَ: (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) ، قُلْتُ: لا. ثُمَّ قَالَ: (بِعْنِيهِ). فَبِعْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ([1159]) وَاسْتَثْنَيْتُ حِمْلانَهُ إلَى أَهْلِي، فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ رَجَعْتُ، فَأَرْسَلَ فِي إثْرِي؛ فَقَالَ: (أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ؟! خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ، فَهُوَ لَكَ) ([1160]).

الشرح:

هذا حديث عظيم كثير الفوائد يعرف عند العلماء بحديث جمل جابر، وهو أصل في الاستثناء من المبيع، وقد وقعت قصة جمل جابر في غزوة تبوك وهم قافلون إلى المدينة.

وفي الحديث فوائد كثيرة، منها:

1- جواز الحمل على الحيوان الذي قد أعيا من الضعف.

2- جواز تسييب الحيوان إذا أعيا، وتعذر الانتفاع به.

3- تواضعه -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وحسن رعايته لهم.

4-فضيلة جابر -رضي الله عنه-؛ لدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له، ومحاورته له في شأن جمله.

5- علم من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم- بعود النشاط إلى الجمل بضربة النبي -صلى الله عليه وسلم- له.

6-التبايع بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، كما يتبايعون فيما بينهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بعنيه بوقية)، وقول جابر: قلت: لا.

7- أن الامتناع من البيع من النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس معصية.

8- أنه ينبغي لأمير الجيش أن يكون خلفهم؛ ليتعقبهم ولا يشق عليهم بتقدمه.

9- جواز طلب البيع ممن لم يعرض سلعته.

10-جواز الإلحاح في ذلك، وهي المماكسة.

11- جواز قول: (لا) للكبير فيما لا يجب له إلا أن يكون في العرف ما يقتضي استهجان ذلك.

12- بيع جابر للجمل من النبي -صلى الله عليه وسلم-.

13-في الحديث شاهد لما وُصف به النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن الشراء هو أكثر معاملته عليه الصلاة والسلام بعد البعثة.

14- جواز الاستثناء في البيع.

15-جواز استثناء منفعة المبيع إلى مسافة معلومة أو مدة معلومة.

16- تسليم المبيع قبل تسليم الثمن.

17-المبادرة بتسليم الثمن بعد قبض المبيع.

18-جواز تأخير التقابض في البيع إلا ما خصه الدليل؛ كما في السلم والربويات.

19- أنه ليس للهبة صيغة معينة، بل تصح بكل ما دل عليها، وهكذا سائر العقود.

20- كرم النبي -صلى الله عليه وسلم-.

21-الربح العظيم الذي حصل لجابر بهذه المعاملة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث جمع له بين جمله وثمنه.

22- زيادة شهرة جابر رضي الله عنه، بسبب قصة جمله.    

٢٣-جواز الجمع بين البيع والشرط، وفيه الرد على من أبطلهما أو أبطل الشرط وحده، وحديث (نهى عن بيع وشرط)([1161]): لم يصح.

٢٤-جواز بيع الدار المستأجرة، واستثناء مدة الإجارة.

٢٥-جواز ضرب الدابة لتسرع السير.

٢٦-التعبير بصيغة الأمر؛ لإبداء الرغبة بالشيء.

٢٧-استحباب المبادرة بتسليم المبيع وتسليم الثمن.

٢٨-جواز التبايع بين الإمام والرعية.

٢٧٧-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِيعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَة أخيه، وَلا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفِئَ مَا فِي إنائها([1162]).

الشرح:

هذا الحديث تضمن خمسة من الأمور المنهي عنها في العقود، وقد تقدمت الثلاثة الأولى في باب ما نهي عنه من البيوع.

وأما الرابع: فقوله: (وَلا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَة أخيه) ومعناه: لا يخطب الرجل امرأةً خطبها خاطبٌ قبله فوافقوا له أو ركنوا إليه، فإن ذلك سبب لصرفهم عن الأول، وفي ذلك ظلم له من الخاطب الثاني،  

وأما الخامس من الأمور المنهي عنها في الحديث ففي قوله: (وَلا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفِئَ مَا فِي إنائها) ومن صور ذلك: أن تشترط المرأة على من خطبها وله امرأة أن يطلقها، وبهذا تظهر مناسبة الحديث للباب في الجملة.

 وفي الحديث فوائد:

١-تحريم أن يبيع حاضر لباد.

٢-تحريم النجش.

٣-تحريم بيع المسلم على بيع أخيه.

* وتقدمت الثلاثة في الباب المشار إليه.

٤-تحريم أن يخطب المسلم على خطبة أخيه إذا علم أنهم قد وافق له أو مالوا للموافقة.

٥-فساد العقود المبنية على الأمور المنهي عنها.

٦-تحريم أن تشترط المرأة على خاطبها طلاق امرأته. وقوله: (لِتَكْفِئَ مَا فِي إنائها). وفي رواية: (صحفتها)([1163]) هو كناية عن حرمانها ما تتمتع به من منافع الزوجية، واللام في قوله: (لتكفئ) للعاقبة، فيكون المعنى: فإن ذلك يؤدي إلى الحرمان، وعليه يحرم الاشتراط وإن لم تقصد الحرمان، فإن قصدته كان أقبح.

٧-فساد هذا الشرط، وفساد العقد به.

٨-وجوب رعاية حق الأخوة الإسلامية بترك الظلم في جميع صوره.

٩-تحريم السعي في التفريق بين الزوجين دون موجب شرعي، وإن كان لحسد كان التحريم أشد والإثم أعظم.

١٠-الإرشاد إلى الرضا بقدر الله.

 بابُ الرِّبا والصَّرْفِ

أي: هذا باب ذكر ما ورد من السنة في حكم الربا والصرف، والربا في اللغة: هو الزيادة، من ربا يربو([1164] ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5].

والربا في الشرع نوعان: ربا فضل، وربا نسيئة.

وربا الفضل: هو بيع أحد الربويات المنصوصة، أو ما في حكمها، بجنسه مع زيادة في أحد العوضين؛ كما سيأتي في الأحاديث.

وربا النسيئة: هو بيع أحد ما يجري فيه ربا الفضل بجنسه، أو بغير جنسه مما يشاركه في علة ربا الفضل، بيعه به نسيئة، أي مؤجلًا، كبيع بر ببر أو بشعير نسيئة، وبيع ذهب بذهب أو بفضة نسيئة.

والصرف: بيع أحد النقدين بالآخر، كدينار من الذهب بعشرة دراهم من الفضة، وكذا بيع العملات الورقية بعضها ببعض، كدولار بأربع ريالات، ويجب في الصرف التقابض في المجلس، وإلا كان من ربا النسيئة، ومن ربا النسيئة: تأجيل قضاء الدين في مقابل زيادة في الدين، ويسمى ربا الجاهلية، فقد كان يقول الدائن للمدين: إذا حل الأجل: إما أن تقضي، أو تربي!

٢٧٨-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم : (الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا, إلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِباً, إلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِباً, إلاَّ هَاءَ وَهَاءَ) ([1165]).

٢٧٩-عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلاَّ مِثْلاًّ بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِباً بِنَاجِزٍ)([1166]).

*وَفِي لَفْظٍ: (إلاَّ يَداً بِيَدٍ) ([1167]).

*وَفِي لَفْظٍ: (إلاَّ وَزْناً بِوَزْنٍ, مِثْلاً بِمِثْلٍ،  سَوَاءً بِسَوَاءٍ) ([1168]).

٢٨٠-وعَنْه قَالَ: جَاءَ بِلالٌ إلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرٍ بَرْنِيِّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟) قَالَ بِلالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ, فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ؛ لِيَطْعَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: (أَوَّهْ([1169]) عَيْنُ الرِّبَا, عَيْنُ الرِّبَا, لا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ: فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ)([1170]).

٢٨١-عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ([1171]) قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنْ الصَّرْفِ؟ فَكُلُّ وَاحِدٍ منهما يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي، وَكِلاهُمَا يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْناً ([1172]).

٢٨٢-عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ, وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ, إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ, وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا. قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَدًا بِيَدٍ؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ([1173]).

الشرح:

هذه الأحاديث مدارها كلها على النهي عن ربا الفضل وربا النسيئة في أشياء مخصوصة، وهي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر، وقد وردت هذه الأصناف مع الملح في حديث عبادة بن الصامت الذي رواه مسلم، ولفظه: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواءً بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد)([1174]).

فدلت هذه الأحاديث على أنه لا يباع شيء من هذه الأصناف الستة بجنسه إلا سواء بسواء يدًا بيد، ومعنى سواء بسواء: التماثل في المقدار، وهو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي سعيد: (لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ). ومعنى (ولا تشفوا بعضها على بعض): أي: لا تفضلوا بعضها على بعض بزيادة في أحد العوضين، ومعنى (يدًا بيد): التقابض قبل التفرق، وهو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عمر -رضي الله عنه-: (إلا هاء وهاء). وهو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي سعيد: (ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز). وهو أيضًا معنى حديث البراء وزيد -رضي الله عنهم-: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْناً).

فعلم بذلك: أنه لا يجوز بيع شيء من هذه الأصناف بجنسه إلا بشرطين: التساوي والتقابض، فإن فقد الشرط الأول بأن علم التفاضل أو جهل التساوي: فهو ربا الفضل، وإن فقد الشرط الثاني: فهو من ربا النسيئة.

فإن بيع شيء من هذه الأصناف بغير جنسه كبر بشعير: جاز التفاضل بشرط التقابض؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبادة: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد)، وقوله في حديث عمر: (الذهب بالورق ربًا إلا هاء وهاء).

وفي الأحاديث فوائد:

١-تحريم ربا الفضل في الأصناف الستة، واختلف العلماء في جريان ربا الفضل في غيرها: فذهبت الظاهرية([1175]) ومن وافقهم([1176]) على قصر تحريم ربا الفضل على الأصناف الستة، وذهب الجمهور إلى تعدية الحكم إلى غيرها([1177]).   

ثم اختلفوا بناء على اختلافهم في علة ربا الفضل([1178]):  

فمنهم من علله: بالكيل والوزن([1179])؛ فحرموا ربا الفضل في كل مكيل وموزون بيع بجنسه. ومنهم من علله: بالطعم؛ فحرموا ربا الفضل في كل مطعوم بيع بجنسه.

 ومنهم من علله: بالاقتيات والادخار؛ فحرم ربا الفضل في كل ما يقتات أو يصلح به القوت كالملح، وهذا كله بالقياس على الأصناف الأربعة: البر والشعير والتمر والملح.

وأما الذهب والفضة:

فقيل علة ربا الفضل فيها: الوزن([1180])، فعليه يحرم ربا الفضل في كل موزون بيع بجنسه؛ كالحديد والنحاس ونحوهما.  

وقيل العلة: الثمنية، وعليه يحرم ربا الفضل في بيع الأثمان بعضها ببعض إذا اتحد الجنس؛ كريالات بريالات، والدولارات بالدولارات، والليرات بالليرات، وإذا اختلف الجنس جاز التفاضل، لكن يجب التقابض في المجلس اتحد الجنس أو اختلف.

وأحسن ما قيل في علة ربا الفضل في الذهب والفضة: الثمنية، والعلة في الأربعة الباقية: الاقتيات والادخار.

٢-أنه لا يجوز بيع شي من هذه الأصناف الستة بجنسه أو بغير جنسه نسيئة، ويستثنى من هذا بيع السلم فإن شرطه تعجيل الثمن، وتأجيل المبيع وهو المُسلم فيه ويستثنى البيع إلى أجل فإن صفته تعجيل المبيع وتأجيل الثمن عكس بيع السلم، وذلك إذا كان أحد العوضين من الأثمان ذهبًا أو فضة أو غيرهما فلا يجري ربا الفضل بين الأصناف الأربعة والذهب والفضة لاختلاف الجنس، ولا ربا النسيئة لاختلاف العلة.

٣-أنه لا يجوز بيع شيء من هذه الأصناف بجنسه متفاضلًا، وإن اختلف العوضان في الجودة والرداءة؛ لحديث بلال، وبلال هذا: هو ابن رباح مؤذن النبي –صلى الله عليه وسلم-([1181]). والبرني: نوع من التمر جيد، ويقال: له الجنيب([1182]).

٤-أن الحيلة الشرعية للحصول على التمر الجيد: أن يباع الرديء بدراهم بيعًا مستقلًا، ثم يشترى بدراهم التمر الجيد، ولا يلزم من ذلك: أن يكون اشتروا التمر الجيد من المشتري للتمر الرديء؛ فإنه يؤول إلى بيع تمر بتمر متفاضلًا، فإن كان عن تواطأ كان من الاحتيال على المحرم، والاحتيال على الحرام حرام، وإن كان عن غير تواطأ فقد رخص فيه بعض العلماء، ومنعه آخرون سدًا للذريعة([1183])، فالواجب اشتراء الجيد من غير المشتري للرديء. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أوه) كلمة تقال عند الضجر من حصول مكروه([1184] وهو في الحديث: الربا لبيع صاعين من التمر الرديء بصاع من الجيد؛ ولذا قال رسول الله: (عين الربا، عين الربا).   

٥-أن البر والشعير جنسان، فيجوز التفاضل بينهما؛ كصاع من بر بصاعين شعير.

٦-سؤال أهل العلم عما أشكل.

٧-تواضع العلماء بعضهم لبعضهم عند الاستفتاء، وتراد الفتوى فيما بينهم؛ كما جرى من البراء وزيد -رضي الله عنهما-.

٨-أن البيع الفاسد يجب رده؛ كما جاء في رواية مسلم([1185]).

٩-جواز إيثار الجيد من الطعام، ويشهد لذلك: قوله تعالى عن أصحاب الكهف: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19].

 بابُ الرَّهْنِ وغيرِهِ

أي: هذا باب ذكر ما جاء في السنة في حكم الرهن وغيره: من الحوالة، والتفليس، والشفعة، والوقف، والهبة، والمزارعة، والعُمْرَى، والصلح، والغصب.

فهذه تسعة أبواب إضافة إلى الرهن، فهي عشرة أبواب،  بلغت أحاديثها التي أوردها المؤلف إضافة إلى الرهن: ثلاثة عشر حديثًا.  

والرهن في اللغة: الحبس([1186] وفي الاصطلاح: توثقة دينٍ بعين يمكن استيفاؤه من ثمنها إذا حل الأجل([1187])، ويطلق الرهن على العين المرهونة، والراهن هو المدين مالك العين، والمرتهن هو الدائن.

·       الحديث الأول في الرهن:

٢٨٣-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَاماً, وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَدِيدٍ([1188]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث الخبر عن شيء من هديه –صلى الله عليه وسلم- في المعاملات بيعًا وشراءً، ومعاملة أهل الكتاب في ذلك، وقد جاء في روايات هذا الحديث: أن الرجل الذي اشترى منه النبي –صلى الله عليه وسلم- يهودي، يقال له: أبو الشحم([1189])، وأن النبي –صلى الله عليه وسلم- توفي ودرعه مرهونة عنده([1190])، وأن الطعام آصع من شعير([1191] وفي بعض الروايات: في ثلاثين صاع من شعير([1192]).    

وفي الحديث فوائد:

١-تقلل النبي -صلى الله عليه وسلم- من الدنيا.

٢-جواز الرهن في الحضر.

٣-جواز معاملة الكافر، وجواز رهن عدة الحرب عنده إذا أُمن شرُّه.

٤-مشروعية اقتناء آلة الحرب، وأن ذلك لا يقدح في التوكل.

٥-لؤم اليهود؛ إذ لم يأمن ذلك اليهودي النبي -صلى الله عليه وسلم - في الدين الذي له إلا بالرهن([1193]).

٦-جواز معاهدة الكافر وإقامته بين المسلمين.

٧-جواز البيع إلى أجل.

٨-أن الشعير كان من القوت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة.

٩-أن الشعير يسمى طعامًا، ففيه شاهد لقول معمر بن عبد الله: (وكان طعامنا يومئذ الشعير)([1194]).

١٠-ثبوت الملك لأهل الذمة على ما في أيديهم.

١١-جواز معاملة الظلمة، ومن أكثر ماله حرام بالبيع والشراء.

·       الثاني في الحوالة:

٢٨٤-وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ) ([1195]).

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في حكم الحوالة، وحقيقتها: إحالة المدين غريمه في قضاء الدين الذي له على من عليه دينٌ للمحيل([1196]). فالمدين الأول: محيل، والدائن: محالٌ، والدين الذي له: محال به، والمدين الثاني: محال عليه. وشرطها: رضا المحيل، وغناء المحال عليه.

وفي الحديث فوائد:

١-جواز الحوالة.

٢-وجوب قبول الحوالة إذا كان المحال عليه مليئًا([1197])، كما يدل عليه الأمر، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم –: (فَلْيَتْبَعْ) أي: فليطلب حقه من المحال عليه.

ومعنى: (فإذا أُتبع أحدكم على مليء) أي: أحيل في دينه على مليء. (فليتبع) أي: فليقبل ما لم يكن عليه ضرر في ذلك. وذهب الجمهور إلى أن قبول الحوالة مستحب([1198])، والأول أظهر دليلًا.

٣-أنه ليس من شرط الحوالة: رضا المحال.

٣-وجوب وفاء الدين الحال.

٤-تحريم تأخير الوفاء من غير عذر، وأنه ظلم، وهذا معنى: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ).

٥-تحريم الامتناع من أداء الحق من أي نوع كان، أو تأخيره.

٥-أن الحوالة على مليء لا ينافي حسن القضاء.

٦-أن قبول الحوالة من حسن الاقتضاء.

٧-الحكمة في ورود الشريعة بالحوالة، وهي تيسير القضاء والاقتضاء.

·       الثالث في حكم المفلس:

٢٨٥-وعَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ -: (مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ -أَوْ إنْسَانٍ- قَدْ أَفْلَسَ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ)([1199]).

الشرح:

المفلس: من يكون ماله لا يفي بالديون التي عليه، بل تكون ديونه أكثر من ماله([1200])، والتفليس هو الحكم عليه بالفلس، فيمنع من التصرف في ماله بما يضر بالغرماء؛ كالبيع وأنواع التبرعات.

ومن أحكام المفلس: ما ذكر في هذا الحديث؛ وذلك أنه إذا اشترى سلعة من رجل لا يعلم بفلسه، ثم وجد البائع عين ماله عند المفلس؛ فهو أحق به من سائر الغرماء.

وفي الحديث فوائد:

١-جواز الحجر على المفلس بل وجوبه إذا طلب الغرماء ذلك.

٢-جواز أن يشتري المفلس ما شاء في ذمته.

٣-أن من باع على المفلس شيئًا ثم علم بفلسه، فهو أحق بماله إذا وجده بعينه؛ وذلك بشرطين: أن يكون بحاله لم يتغير، وهو معنى: (بعينه). والثاني: أن لا يكون قد قبض من ثمنه شيئًا.

٤-أنه إذا لم يتحقق الشرطان: فبائع السلعة أسوة الغرماء.

٥-أن غرماء المفلس يقتسمون ماله بالنسبة، فإن كان المال نصف الديون: فلكل غريم نصف دينه، فإن كان الثلث: فالثلث، أو الربع: فالربع.

·       الرابع في الشُّفعة:

٢٨٦-وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: جَعَلَ -وَفِي لَفْظٍ: قَضَى- النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ, وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ: فَلا شُفْعَةَ([1201]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في ثبوت الشفعة، والشفعة: هي استحقاق انتزاع حصة الشريك إذا باعها من يد المشتري بمثل الثمن([1202]). وتثبت الشفعة في كل ما لم يقسم، سواء تمكن قسمته أو لا تمكن، وهذا هو الصحيح([1203]).

وذهب الجمهور إلى أنها مختصة بالعقار، وفيما تمكن قسمته([1204] والقول الثاني: أنها تثبت في كل شيء، من عقار ومنقول، كما جاء في رواية: (قضى بالشفعة في كل شي)([1205]). وممن ذهب إلى ذلك: العلامة ابن القيم، وقد أفاض في توجيهه وترجيحه ذكر ذلك في إعلام الموقعين([1206])، ويحرم الاحتيال لإسقاط الشفعة أو لمنع الشفيع من الأخذ بها؛ لأن ذلك من العدوان، وإذا تعدد الشركاء: ثبتت الشفعة بكل واحد بقدر نصيبه.

وفي الحديث فوائد:

١-ثبوت الشفعة في العقار المشترك ما لم يقسم.

٢-أنه لا شفعة بعد القسمة وتميز الأملاك.

٣-أن من مقاصد الشريعة: إزالة الضرر؛ لأن المقصود من الشفعة إزالة ضرر الشركة.

٤-أنه لا شفعة للجار إلا أن تكون بينهم اشتراك في بعض منافع العقار ومرافقه؛ كالبئر والبالوعة([1207])، والطريق.

٥-ثبوت الشفعة لكل أحد؛ لإطلاق الحديث، فيدخل في ذلك: شفعة الذمي على المسلم، وقد ذهب إلى ذلك الأئمة الثلاثة([1208])، وذهب الإمام أحمد إلى أنه لا شفعة لذمي على مسلم([1209])، وله على ذلك وجوهًا من الاستدلال استوفاها ابن القيم في "أحكام أهل الذمة"([1210])، وهو بحث قيم من ابن القيم. 

·       الخامس في الوقف :

٢٨٧-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْتُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ, لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ, فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ فَقَالَ: (إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا, وَتَصَدَّقْتَ بِهَا) قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عمر؛ غَيْرَ أَنَّهُ لا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلا يُورَثُ، وَلا يُوهَبُ. قَالَ: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ, وَفِي الْقُرْبَى, وَفِي الرِّقَابِ, وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ, وَالضَّيْفِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا: أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ, أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا, غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ.

*وَفِي لَفْظٍ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ([1211]).

الشرح:

الوقف في اللغة: الحبس([1212] ومنه قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24]. وفي الاصطلاح: حبس عين ذات منفعة عن التصرف فيها والتصدق بمنفعتها([1213] ولهذا قيل: الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة([1214]).

وفي الحديث فوائد:

١-هذا الحديث هو الأصل في مشروعية الوقف.

٢-فضل عمر -رضي الله عنه-؛ لتحريه أفضل أمواله للتصدق به.

٣-أن عمر أصاب أرضًا بخيبر: إما أن تكون بالشراء، أو سهمه من الغنيمة.

٤-مصارف وقف عمر التي نص عليها، القدوة به في ذلك.

٥-أن من مصارف الوقف: الفقراء، وذا القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف.

٦-أنه يجوز لناظر الوقف أن يأكل منه بالمعروف، ويطعم صديقه.

٧-أنه ليس للناظر أن يتخذ من الوقف مالًا يتموله، ويختص به لنفسه.

٨-أن الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث.

٩-أن الوقف صدقة، ففيه شاهد لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ... الحديث)([1215])، والصدقة الجارية هي الدائمة، فيدوم أجرها؛ فينتفع بها صاحبها بعد موته.

١٠-أنه لا يجوز صرف غلة الوقف إلا فيما هو قربة؛ أي: فيما يتقرب به إلى الله؛ كالمصارف المذكورة في وقف عمر -رضي الله عنه-.

١١-أنه لا يجوز الوقف على ملاعب الرياضة، ولا بناء الأشكال الجمالية، ولا نشر كتب الأدب وكتب الكلام والفلسفة.

١٢-قصة عمر هذه تشبه قصة أبي طلحة في تصدقه ببيرحاء([1216]).

١٣-فيها مثال عملي لمعنى قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92].

١٤-استشارة أهل العلم والفضل فيما يريد الإنسان التصرف فيه تصرفًا شرعيًا.

١٥-مشروعية تعيين ناظر للوقف؛ ليرعاه ويضعه في مصارفه.

١٦-وجوب الوفاء بشروط الواقف ما لم تخالف حكمًا شرعيًا.

١٧-أن الصدقة تكون على البعيد والقريب لكنها على القريب صدقة وصلة، فالوقف على الأقارب أفضل، لكن منع بعض أهل العلم الوقف على الذرية وسماه وقف الجنف؛ لأنه يتضمن في العادة حرمان أولاد البنات، ولأنه يتضمن الحجر على الأولاد؛ فيحرمهم من التصرف فيه بحكم الميراث.

·       السادس في الهبة:

٢٨٨-وعَنْ عُمَرَ-رضي الله عنه- قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ, فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ, وظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -فَقَالَ: (لا تَشْتَرِهِ، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ, وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ؛ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ) ([1217]).

* وفي لفظ: (فَإنَّ الَّذِي يَعُودُ في صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئهِ) ([1218]).

٢٨٩-وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: (العَائِدُ في هِبَتِهِ كَالعَائِدِ في قَيْئهِ) ([1219]).

الشرح:

هذان الحديثان أصل في تحريم العود في الهبة والصدقة، والهبة: تمليك جائز التصرف لغيره بلا عوض([1220]).

وفي الحديثين فوائد:

١-جواز الهبة ويختلف حكمها باختلاف الغرض منها.

٢-استحباب هبة ما يستعان به على الجهاد؛ كفعل عمر -رضي الله عنه-. وقوله: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ": معناه حملت رجلًا على فرس وهبته له ليجاهد به. وقوله: "فأضاعه" معناه: أهمله، فلم يقم عليه بما يحتاج من العلف فهزل الفرس، فأراد عمر أن يشتريه، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فنهاه.

٣-تحريم شراء المتصدِّق لصدقته والواهب لهبته؛ ممن تصدق عليه أو وهبه، حتى ولو عرضها فضلًا أن يطلب منه بيعها.

٤-أن ذلك من العود في الهبة.

٥-أن من طرق البيان: التشبيه.

٦-تشبيه العائد في هبته بالكلب يعود في قيئه.

٧-التنفير الشديد من العود في الهبة.

٨-قوله -صلى الله عليه وسلم- في الكلب-: (يعود في قيئه) معناه: يأكل قيئه فيعود إلى بطنه.

9-أن من الأمور المذمومة: مشابهة الحيوانات الخسيسة.

١0-التثبت في الأمور، والاستعانة على ذلك بسؤال أهل العلم.

·       السابع في عطية الأولاد ووجوب العدل فيها:

٢٩٠-وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيُشْهِدَ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟) قَالَ: لا. قَالَ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلادِكُمْ) فَرَجَعَ أَبِي, فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ([1221]).  

*وَفِي لَفْظٍ: (فَلا تُشْهِدْنِي إذاً؛ فَإِنِّي لا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ) ([1222]).

*وَفِي لَفْظٍ: (فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي) ([1223]) .

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في عطية الأولاد، ووجوب العدل فيها.

وفي الحديث فوائد:

١-أن البشير بن سعد خص ابنه النعمان بعطيته.

٢-حرص أم النعمان على تثبيت عطيته؛ لقولها: "لا أرضى حتى تشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

٣-أن شهادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أمر من الأمور إقرار له.

٤-أن تخصيص بعض الأولاد بالعطية ضرب من الجور.

٥-تحريم الشهادة على الجور.

٦-تحريم الشهادة على العقود المحرمة.

٧-جواز إظهار الإقرار بصورة الإنكار إذا علم أن المراد خلاف ظاهره؛ وذلك في قوله: (فأشهد على هذا غيري).

٨-وجوب العدل بين الأولاد في العطية، والعدل يكون بالتسوية بين الذكر والأنثى، وذهب الجمهور أن العدل إعطاء الذكر مثلي ما تعطى الأنثى على سنة الميراث([1224])، والقول الأول أظهر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟). والولد اسم للذكر والأنثى، والله أعلم.

٩-استفصال المفتي من المستفتي عن ما له أثرٌ في الجواب.

١٠-وجوب رد العطية الجائرة، وأنه ليس من العود في الهبة.

١١-سرعة الصحابة في الاستجابة لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لقوله: " فردَّ تلك الصدقة"

١٢-أمر الجائر في عطية الأولاد بتقوى الله والعدل بينهم.

13-إطلاق اسم الصدقة على الهبة.

·       الثامن والتاسع في المساقاة والمزارعة:

٢٩١-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَرْعٍ([1225]).

٢٩٢-وعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ الأنْصَارِ حَقْلاً، فكُنَّا نُكْرِي الأرْضَ, عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ, وَلَهُمْ هَذِهِ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ، وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ؛ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا الْوَرِقِ: فَلَمْ يَنْهَنَا([1226]).

*وَلِمُسْلِمٍ: عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَالَ: لا بَأْسَ بِهِ. إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ النبي - صلى الله عليه وسلم - بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ, وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ, وَأَشْيَاءَ مِنْ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا, وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَهْلِكُ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إلاَّ هَذَا؛ فلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ: فَلا بَأْسَ بِهِ([1227]).

* الْمَاذِيَانَات: الأَنْهَارُ الْكِبَارُ. وَالْجَدْوَلُ: النَّهَرُ الصَّغِيرُ.

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في المساقاة والمزارعة. والمساقاة: دفع شجر له ثمرٌ كالنخل إلى من يقوم عليه بالسقي والإصلاح بسهم مشاع كالثلث والربع مما يخرج منها من ثمر([1228]). والمزارعة: دفع أرض أو إعطاء أرض لمن يزرعها بسهم من غلتها كالنصف والثلث([1229]). والصحيح: أن عقد المساقاة والمزارعة من عقود المشاركات لا من عقود الإجارة خلافًا لمن ظن ذلك من العلماء؛ فمنع منهما للجهالة بالأجرة بناء على ما ظنه، وقد قرر ذلك وحرره شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد الفقهية([1230]).

وفي الحديثين فوائد:

١-جواز المساقاة.

٢-جواز المزارعة على الوجه المذكور كما في حديث ابن عمر، وهي أولى من إجارة الأرض بمال معلوم، وأما المزارعة التي ورد النهي عنها كما في حديث رافع بن خديج: فهي مزارعة مشتملة على الغرر؛ لأنهم يجعلون لصاحب الأرض أو العامل ما ينبت على بعض الأرض كالجداول والباقي للآخر، فيهلك هذا ويسلم هذا، فيربح أحدهما ويخسر الآخر.

٣-جواز معاملة الكفار -اليهود أو غيرهم- معاملات مالية؛ كالمساقاة والمزارعة وغيرها.

٤-أن خيبر فتح بعضها عنوة فقسمت بين الغانمين، وبعضها صلحًا فأقر أهلها عليها، وهؤلاء هم الذين عاملهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ليعملوا في أراضي المسلمين بأموالهم بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع؛ يعني: أن لهم النصف وللمسلمين النصف.

٥-جواز تأجير الأرض البيضاء لتزرع بأجرة معلومة تكون لصاحب الأرض.

٦-تحريم المزارعة المفضية إلى الغرر؛ كالمذكورة في حديث رافع بن خديج.

٧-الجمع بين حديث ابن عمر وحديث رافع بن خديج في حكم المزارعة، فالنهي محمول على ما فيه غرر، والجواز على ما لا غرر فيه؛ كمعاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- لليهود.

٨-جواز تأجير الأرض لمن يزرعها، وتأجير الشجر لمن يقوم عليها بالسقي والإصلاح بأجرة معلومة من النقود مدة معلومة؛ لقول رافع لما سأل عن كراء الأرض بالذهب والورق: "لا بأس به". وقوله: "فأما الورق فلم ينهنا".

·       العاشر في العُمْرَى:

٢٩٣-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ([1231]).

* وَفِي لَفْظٍ: مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا، لا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا; لأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ ([1232]).   

* وقَالَ جَابِرٌ: إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -  أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ, فَأَمَّا إذَا قَالَ: هِيَ لَك مَا عِشْتَ: فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا([1233]).

*وفي لفظٍ لمسلم: (أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا تُفْسِدُوهَا، فَإنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى، فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًّا ومَيِّتًا، وَلِعَقِبِه) ([1234]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث حكم العمرى والرقبى، وهي نوع من الهبة قيدت بعمر الموهوب أو الواهب فسميت عمرى، وسميت رقبى؛ لأن الواهب يرتقب عودتها إليه.

وفي الحديث فوائد:

١-جواز هبة العقار كالدار مدة عمر الموهوب.

٢-أن العمرى ترجع إلى المعمري الواهب إذا مات المعمر الموهوب.

٣-أن العمرى لا ترجع إلى المعمري إذا قال: هي لك ما عشتَ ولعقبك.

٤-أن رجوع العمرى إلى الواهب إذا مات الموهوب له ليس من الرجوع في الهبة المحرم، بل من الوفاء بالشرط إذا قال الواهب: "عمرك، أو ما عشت، أو مدة حياتك". وفي الحديث: (المسلمون على شروطهم) ([1235]).

·       الحادي عشر في حق الجار:

٢٩٤-وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (لا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ: أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ) ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِها بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ([1236]).

الشرح:

مضمون هذا الحديث: ذكر حق من حقوق الجار، وهو الانتفاع بجداره إذا لم يكن ضرر عليه. وفي الحديث فوائد:

١-أن للجار حق على جاره.

٢-أن من حق الجار: أن ينتفع بجدار جاره فيما لا ضرر عليه فيه، وشرط الفقهاء في وجوب هذا الحق: أن يكون الجار المنتفع ما له بدٌّ من وضع خشبه على جدار جاره.

٣-ذم بخل الإنسان بما لا يضره.

٤-أنه قد غلب على الناس عدم البذل لهذا الحق؛ لقول أبي هريرة: "ما لي أراكم عنها معرضين؟".

٥-فضل أبي هريرة؛ لصدعه بالسنة؛ لقوله: "والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم".

٦-وجوب قبول حكم الرسول وإن خالف الهوى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

·       الثاني عشر في الغصب:

٢٩٥-وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الأَرْضِ: طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) ([1237]).

الشرح:

الغصب: هو الاستيلاء على حق الغير بالقهر([1238])، وهو نوع من الظلم، والظلم حرام بكل أنواعه في النفس والمال والعرض، ومن الظلم في المال: اقتطاع شيء من الأرض المملوكة لأحد من الناس وإن قل.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم غصب الأرض؛ ولو شبرًا أو أقل من ذلك.

٢-شدة الوعيد على ذلك.

٣-أن مَن ملك أرضًا ملك قرارَها وهواءَها.

٤-أن الأرضين سبع، وقوله: (طُوِّقَه) أي: جعل له طوقًا في رقبته، ويحتمل أن المراد: حمل إثم الغصب من سبع أراضين([1239]).

٥-فيه شاهد لقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12].

 بابُ اللُّقَطَةِ

أي: هذا باب ذكر ما ورد من السنة في حكم اللقطة.

٢٩٦-عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ اللُقَطَةِ الذَّهَبِ, أَوْ الْوَرِقِ، فَقَالَ: (اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا, ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْماً مِنْ الدَّهْرِ: فَأَدِّهَا إلَيْهِ).

وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ، فَقَالَ: (مَا لَك وَلَهَا؟ دَعْهَا؛ فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا, تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ, حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا).

وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاةِ، فَقَالَ: (خُذْهَا؛ فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ, أَوْ لأَخِيك, أَوْ لِلذِّئْبِ) ([1240]).

الشرح:

اللقطة: كل مال من حيوان أو أثمان أو متاع ضل عن صاحبه([1241])، وسمي ذلك المال لقطة؛ لأن الذي يجده يلتقطه ليرده لصاحبه، وهي: ثلاثة أنواع:

الأول: ما يجوز التقاطه ولا يجب تعريفه، وهو الشيء الحقير الذي لا تتعلق به همة أوساط الناس؛ كالتمرة والكسرة من الخبز، أو ما فوق ذلك؛ كالعصا والسوط مما ليس له قيمة.

الثاني: ما يجوز التقاطه ويجب تعريفه؛ كالدراهم والدنانير وغيرهما من أنواع المال، وما لا يمكن تعريفه من ذلك لسبب من الأسباب؛ فإنه يتصدق به.

الثالث: ما لا يجوز التقاطه ولو للتعريف، وهو ضالة الإبل.

وفي الحديث فوائد:

١-أن الواجب على من التقط لقطة أمران:

أ-أن يعرف وعاءها ورباطها.

ب-أن يعرِّفها سنة، والتعريف: يكون بالمناداة عليها عند أبواب المساجد والأسواق.

٢-أنه يجب رد اللقطة على صاحبها إذا جاء ووصفها.

٣-أن للملتقط التصرف في اللقطة بعد تعريفها سنة، ويخص من ذلك: لقطة الحرم؛ فإنها لا تملك بالتعريف، فيجب تعريفها أبدًا، أو دفعها لبيت المال، أو التصدق بها إذا أيس من صاحبها.

٤-جواز التقاط ضالة الغنم وما في حكمها كصغار الإبل والبقر، ثم التصرف فيها بما فيه المصلحة.

٥-الترغيب في التقاطها؛ لقوله: (لَكَ, أَوْ لأَخِيك, أَوْ لِلذِّئْبِ).

٦-تحريم التقاط ضالة الإبل.

٧-تعليل ذلك بأنه لا خطر عليها؛ لقوله: (مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا, تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ, حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا).

٨-جواز إطلاق اسم الرب على المالك لكن بالإضافة؛ كرب الدار، ورب الناقة.

٩-أنه إذا جاء ربُّ اللقطة بعد تصرف الملتقط فيها بعد التعريف وجب دفعُها إليه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- : (فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْماً مِنْ الدَّهْرِ: فَأَدِّهَا إلَيْهِ).

١٠-أن اللقطة تكون أمانة عند الملتقط مدة التعريف، وبعد تصرف الملتقط فيها بعد السنة تكون دينًا في ذمته.

 كتابُ الوَصَايا([1242])

أي: هذا باب ذكر ما جاء في السنة في شأن الوصايا، والوصايا: جمع وصية، كهدايا وهدية وعطايا وعطية، وهي في اللغة: العهد بالشيء أو الحث عليه أو على العناية به([1243] وفي الشرع: تبرُّعٌ من جائز التصرف يكون بعد الموت([1244]).  

وقد جاء ذكر الوصية في القرآن كما في آيات المواريث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]. وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180]. ومن السنة ما أورده المؤلف في هذا الباب.

٢٩٧-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ،  يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) ([1245]).

زَادَ مُسْلِمٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ذَلِكَ, إلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي([1246]).

٢٩٨-عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَني رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ, وَلا يَرِثُنِي إلاَّ ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: (لا)، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لا)، قُلْت: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: (الثُّلُثُ, وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ورَثَتَكَ أَغنياءَ خيرٌ منْ أَنْ تَذَرَهمْ عالَةً يَتَكَفَّفونَ النَّاسَ، وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلاَّ أُجِرْتَ بِهَا, حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ). قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: (إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إلاَّ ازْدَدْت بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً, وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ, وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ. اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ, وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ). لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ([1247]).  

٢٩٩-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنْ الثُّلُثِ إلَى الرُّبْعِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (الثُّلُثُ, وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ)([1248]).   

الشرح:

تضمنت هذه الأحاديث حكم الوصية وبيان مقدارها. وفي الأحاديث فوائد:

·       في حديث ابن عمر:

١-كراهة التراخي في كتابة الوصية لأكثر من ليلتين أو ثلاث.

٢-الإرشاد إلى قصر الأمل.

٣-الاعتماد على الخط في إثبات الوصية.

٤-أن الخط المعروف نوع من البينات.

٥-فضيلة ابن عمر -رضي الله عنه-؛ لمبادرته إلى ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم، لقوله: "ما مرت علي ليلة إلا وعندي وصيتي".

·       في حديث سعد بن أبي وقاص:

1-الندب إلى المبادرة بكتابة الوصية، والوصية: إما واجبة وإما مستحبة، فالواجبة هي الوصية بأداء الحقوق الواجبة التي يتوقف إثباتها على الوصية بها، والمستحبة هي الوصية بشيء من ماله بما دون الثلث ليصرف في القرب والطاعات، وبالثلث جائزة، وبأكثر من الثلث أو لوارث([1249]) محرمة.

 ١-أن من هديه -صلى الله عليه وسلم-: عيادة المريض.

٢-أن من فوائد عيادة المريض: سؤال المريض من يعوده إذا كان من العلماء، وإرشاد العالم له إلى الوصية، وكيف يوصي.

٣-جواز ذكر المريض ما يجد من شدة المرض لا شكوى ولا تسخطًا، بل رجاء موعظة أو وصية أو دعوة.

٤-جواز الثراء؛ لقوله: "وأنا ذو مال".

٥-أن ترتب الأجر على العمل الصالح مشروط بالإخلاص لله.

٦-أن العادة أو الأمر المباح يصير بالنية عبادة يؤجر عليها العبد.

٧-كراهة إقامة المهاجر في البلد التي هاجر منها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم أمضِ لأصحابي هجرتَهُم، ولا ترُدَّهم على أعقابهم).

٨-مراعاة حال الوارث في الوصية من حيث الغنى والفقر، فإن كانوا أغنياء زاد في الوصية إلى الثلث، وإن كانوا فقراء اقتصد في الوصية؛ كالربع والخمس.

٩-فضيلة طول العمر إذا ازداد به العبد من العمل الصالح.

١٠-الترغيب في الإخلاص في كل عمل.

١١-جواز تخصيص عموم القرآن بالسنة، وتقييد المطلق، فإن ظاهر القرآن إنفاذ الوصية مطلقًا.

١٢-فضيلة سعد بن أبي وقاص، وهو أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد دل الحديث على فضيلته من وجوه:

أ-عيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له؛ إكرامًا واحتفاءً به.

ب-رغبته في الخير؛ إذ أراد أن يتبرع بكل ماله.

ت-بشارته بطول حياته حتى ينتفع به أقوامٌ ويضر به آخرون، وفسر ذلك بجهاده في سبيل الله، فانتفع به من اهتدى بسببه وضر به من هلك على يده من الكافرين، وقد قاد -رضي الله عنه- الجيوش في قتال الفرس في العراق، وأعظم ذلك وقعة القادسية([1250]).

* فائدة:

في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ, وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ) علم من أعلام النبوة؛ إذ وقع كما أخبر -صلى الله عليه وسلم-.

 بابُ الفَرَائِضِ

أي: هذا باب ذكر ما جاء في السنة في شأن الفرائض، وهي المواريث المقدرة المبينة في كتاب الله، وأسباب الإرث ثلاثة:  

١-النسب، وهو القرابة.

٢-النكاح.

وهما المذكوران في آيات المواريث.

٣-الولاء: وهو عصوبة سببها إنعام السيد على عبده بالعتق.

والدليل على الإرث بالولاء: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب)([1251]).

٣٠٠-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) ([1252]) .

*وَفِي رِوَايَةٍ: (اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَمَا تَرَكَتْ الفرائض؛ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)([1253]). 

الشرح:

هذا الحديث أصل من أصول علم الفرائض.

وفي الحديث فوائد، منها:

1-أن السنة تفسر القرآن.

2-أن من الأحكام ما ثبت بالسنة.

3-وجوب قسمة التركة على الوارثين؛ وذلك بعد الوصية والدين.

4-أن التركة ملك للورثة بحكم الشرع ملكًا قهريًا.

5-أن الإرث نوعان: فرضٌ وهو الإرث المقدر، وتعصيبٌ وهو الإرث بلا تقدير.

6-تقديم أصحاب الفروض، والفروض المقدرة في كتاب الله ستة: ثلثان وثلث وسدس، ونصف وربع وثمن:

-فالثلثان لأربعة أصناف: للبنتين، وبنتي الابن فأكثر، والأختين الشقيقتين، والأختين لأب فأكثر.

-والثلث لصنفين: للأم، وللأخوين لأم فأكثر؛ ذكورًا أو إناثاً.

-والسدس لسبعة أصناف: للأم، والأب، والجدة مطلقًا، والجد من قبل الأب، والأخ أو الأخت لأم، وبنت الابن مع البنت، والأخت لأب مع الأخت الشقيقة.

-والنصف لخمسة: للبنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب، والزوج.

 -والربع لصنفين: للزوج، ولزوجة فأكثر.

-والثمن لصنف واحد، وهو الزوجة فأكثر.

وشروط استحقاقهم لهذه الفروض مبينة في كتب الفقه والفرائض.

7-أن المسائل التي فيها فروض: تكون عادلة وهي ما استغرقت فروضُها سهامَها، وعائلة وهي ما زادت فروضُها على سهامها، وناقصة وهي ما نقصت فروضُها عن سهامها.

-مثال العادلة : نصف وثلث وسدس؛ كزوج، وأم، وأخ لأم.

-مثال العائلة: نصف وثلثان وثلث وسدس؛ كزوج، وأختين شقيقتين، وأختين لأم، وأم.

-والناقصة: نصف فقط أو ثلث فقط؛ كزوج وعم، وأم وعم.

8-تقديم العصبة بالقرابة على العصبة بالولاء، وهو المعتق والمعتقة.

9-ترتيب العصبة بالقرابة على ترتيبهم في القرب باعتبار الجهات: البنوة، فالأبوة، فالأخوة، فالعمومة.

10-تقديم الأدنى إلى الميت من أهل هذه الجهات على الأبعد؛ كالابن مع ابن الابن، والأب مع الجد.

11-تقديم الأقوى قرابة وهو المدلي بأبوين على المدلي بأب؛ وذلك في جهة الإخوة وبنيهم وجهة العمومة وبنيهم، وهذا التفصيل في ترتيب العصبة مفهوم من قوله : (فلأولى رجل ذكر ).

هذا والبنات وبنات الابن عصبة مع الابن وابن الابن؛ لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].

والأخوات الشقيقات أو لأب عصبة مع إخوتهن؛ لقوله تعالى : {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176].

والأخت الشقيقة أو لأب عصبة مع البنات أو بنات الابن على الصحيح؛ لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : قضى رسول الله في بنت، وبنت ابن، وأخت: أن للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، وما بقي فللأخت([1254]).

12-أن المعصِّب يسقط إذا استغرقت الفروضُ التركة، وخُصَّ من هذا: الأب والابن؛ فإنهما لا يسقطان.

13-أن المعصب يأخذ ما أبقت الفروض.

14-أن المعصب بنفسه يحوز جميع المال إذا انفرد بالميراث عن أصحاب الفروض.

15-أن القرابة من أسباب الإرث.

16-أن الزوج لا يرث بالتعصيب.

17-أن المرأة لا ترث بالتعصيب بنفسها إلا المعتقة.

18-إطلاق اسم الرجل فيما يعم حكمُه الرجلَ والمرأة، ولهذا جاء تأكيد الرجل بالذكر؛ لإخراج المرأة، ومن شواهد ذلك قوله : " من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس.." ([1255]) فإن هذا الحكم لا يختص بالرجل، وهذا أحسن ما وُجِّه به إتباع الرجل بالذَّكر، واختار معناه الحافظ ابن رجب -  رحمه الله - ([1256]).

19-فضل الذكر على الأنثى.

20-تفضيل الذكر وتقديمه على الأنثى في الميراث في الجملة.

21-اشتراك الرجال والنساء في الميراث. قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7]. خلافًا لأهل الجاهلية الأولى الذين يخصون بالميراث الكبار من الرجال دون النساء والصغار، وخلافًا لبعض القوانين المعاصرة التي تخص بالميراث الأكبر من الأولاد، أو تبيح للمورث التصرف في ماله كيف شاء.

22-فيه شاهد لما اختص به النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الكلم.

23-أن من كمال هذا الدين: شموله لأمور العباد في حياتهم وبعد موتهم.

24-أن من مقاصد الشريعة: الاشتراك في المال، وأحكام الميراث مبنية على هذا.

تنبيه: ما رُسم من الفوائد المتعلقة بالفرض والتعصيب مبني على قول الجمهور أن المراد بالفرائض: المواريث المقدرة في كتاب الله، وأما على قول من فسر الفرائض بأنها: كل ما نص الله عليه في القرآن من المواريث، مقدرًا كان أو غير مقدر، فيدخل في ذلك: ميراث العصبة من البنين والبنات والإخوة والأخوات، ويختص قوله في الحديث : (فَمَا تَرَكَتْ الفرائض؛ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) بميراث أبناء الإخوة الأشقاء أو لأب، والعمومة وبنيهم، والمعتق والمعتقة.

25-الإشارة إلى أن الفرائض مبينة في القرآن؛ لقوله في الرواية: (اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ) إن أريد بكتاب الله القرآن، ويحتمل أن يراد بكتاب الله: حكم الله؛ فيشمل بيان السنة.

26-أنه لا يترك أحدٌ من أهل الفرائض دون أن يقسم له، فيلزم من ذلك العول، وبه قال جمهور الصحابة، وأجمع العلماء بعدهم على ذلك([1257])؛ فإذا زادت فروض المسألة على أصلها نقص من نصيب كل واحد بالنسبة، نقص الأصل عن مجموع الفروض.

فمثلًا: زوج، وأختان شقيقتان، وأختان لأم، وأم، مسألتهم من ستة، ومجموع سهامهم عشرة، فنسبة نقص الأصل عن مجموع السهام خُمسان، فينقص من نصيب كل واحد خمساه.

٣٠١-عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْزِلُ غَداً فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: (وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ؟)([1258]) ثُمَّ قَالَ: (لا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَلا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ) ([1259]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في منع التوارث بين المسلم والكافر.

وفيه فوائد:

١-جواز تملك أرض الحرم، وما جاز تملكه جاز بيعه وتأجيره؛ لقوله: (أَتَنْزِلُ غَداً فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟).

٢-أن الكفار المحاربين إذا استولوا على أموال المسلمين ملكوها؛ لقوله: (وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ؟)، والمراد بعقيل: عقيل بن أبي طالب.

٣-أن الكافر لا يرث المسلم، وهو إجماع([1260]).

٤-أن المسلم لا يرث الكافر على الصحيح، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين([1261]).

٥-جواز سؤال الإنسان صاحبه عن بعض أموره الخاصة.

6-أن من موانع الإرث: اختلاف الدين.

٣٠٢-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وَهِبَتِهِ([1262]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في ثبوت الولاء وتقدم تفسيره([1263])، وأنه أحد أسباب الميراث.

وفي الحديث فوائد:

١-النهي عن بيع الولاء وهبته، والأصل في النهي التحريم، ويؤكد هذا النهي: تشبيهه بالنسب في الحديث الآخر: (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب)([1264]). ويؤيده: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الولاء لمن أعتق)([1265]).

٢-تحريم كل تصرف يؤول إلى نقل استحقاق المعتق للولاء من بيع وغيره؛ فيكون باطلًا.

٣٠3-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أنها قَالَتْ: كَانَتْ([1266]) فِي بَرِيرَةَ ثَلاثُ سُنَنٍ: خُيِّرَتْ عَلَى زَوْجِهَا حِينَ عَتَقَتْ, وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ؛ فَقَالَ: (أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟) فقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَكَرِهْنَا أَنْ نُطْعِمَكَ مِنْهُ؛ فَقَالَ: (هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ, وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ). وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا: (إنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) ([1267]).   

الشرح:

هذا الحديث أصل في المسائل الثلاث التي أشارت إليها عائشة -رضي الله عنها-

وفي الحديث فوائد:

١-قصة بريرة وقد تقدم ما يتعلق بالمسألة الثالثة: (إنما الولاء لمن أعتق) في باب الشروط في البيع([1268]). 

٢-تخيير الأمة إذا عتقت تحت عبد؛ أي: وهي زوجة لعبد، فإن بريرة كان زوجها عبدًا على الراجح من الروايات، واسمه مغيث([1269])، فخيرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الفسخ والبقاء معه، وجاء في القصة: أن زوجها كان متعلقًا بها، يحبها حبًا شديدًا؛ فأشار النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها أن تبقى معه، فقالت: (تأمرني بذلك؟ فقال: لا إنما أنا شافع) فاختارت نفسها([1270]). هذا ما يتعلق بالمسألة الأولى من المسائل الثلاثة.

٣-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة.

٤-حل الصدقة لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-.

٥-جواز أن يهدي الفقير ويتصدق مما تُصدِّق به عليه.

٥-تغير حكم الشيء بتغير حكم التصرف فيه.

٦-تواضعه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأكله من هدية بريرة.

٧-أنه -صلى الله عليه وسلم- يأكل اللحم.

٨-أنه لا بأس -إذا رأى الرجل عند أهله طعامًا ولم يأتوا له بشيء منه- أن يسأل عنه، وليس هذا من طلب المفقود، بل من السؤال عن الموجود.

٩-أنه يجوز لأهل الرجل أن يحجبوا عنه ما لا يصلح له من طعامهم على وجه النصح له.

١٠-الفرق بين الهدية والصدقة في الحكم والحقيقة.

١١-إجراء الأمور على الظاهر وغالب الأحوال، وترك التنقيب والسؤال؛ إذ لم يسأل الرسول عن من تصدق بهذا اللحم على بريرة.

١٢-تسمية الأحكام سننًا إذا ثبتت بالسنة.

١٣-اعتبار الكفاءة في النكاح بالحرية والرق.

 كتابُ النِّكاحِ

أي: هذا كتاب ذكر ما جاء في السنة في شأن النكاح وما يتعلق به، والنكاح في اللغة: أصله الضم والجمع، ويطلق على الوطء حقيقة، وعلى العقد مجازًا، أو هو من المشترك([1271] والغالب في إطلاقه في الكتاب والسنة: أن يراد به العقد.

والأصل في حكم النكاح: أنه مباح، ويستحب لمن يحتاج إليه، ويجب على من يخاف بتركه العنت، ويحرم لفقد شرط أو وجود مانع، ويكره لمن يخاف التقصير في حقوق الزوجة؛ فجرت فيه الأحكام التكليفية الخمسة.

٣٠٤-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ, مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَة؛ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ, وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ, وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ: فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)([1272]).

٣٠٥-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا آكُلُ اللَّحْمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -([1273]) فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وكذا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ  وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) ([1274]).

٣٠٦-عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنَا([1275]).

الشرح:

تضمنت هذه الأحاديث الترغيب في النكاح والنهي عن التبتل، وهو الانقطاع  للعبادة وترك المباحات من النكاح وغيره([1276]).

وفي الأحاديث فوائد:

·       في حديث ابن مسعود:

١-مشروعية النكاح وجوبًا أو استحبًابا لمن يجد في نفسه الداعي إليه.

٢-أن الشباب أحوج إلى النكاح من غيرهم؛ لقوة الداعي عندهم، ولذا خصوا بالخطاب والأمر، و معشر الشباب: جماعتهم.

٣-أن الأمر بالنكاح مقيدٌ بالاستطاعة، وهي: القدرة على مؤنة النكاح من المهر والنفقة، وهي الباءة المذكورة في الحديث([1277]).

٤-أن المقصود بالخطاب في الحديث: الشباب من الرجال؛ لأنهم المتحملون لمؤونة النكاح.

٥-أن الحكمة من النكاح: حفظ البصر والفرج.

٦-أن هذه الحكمة ثابت في حق الشابات من النساء.

٧-أن من أسباب غض البصر وحفظ الفرج: الصوم، وقوله: (فإنه له وجاء) أي: مثل الوجاء بكسر الشهوة، والوجاء: رض الخصيتين([1278] والخِصا: قطعهما.

٨-أن الصوم أنجع سبب وأسلمه لحفظ الفرج وغض البصر.

٩-فيه شاهد للقول بتحريم الاستمناء، وهو قول جمهور العلماء([1279]).

·       وفي حديث أنس:

١-حرص الصحابة على الخير واحتقارهم لأعمالهم.

٢-أنه ليس كل من حسنت نيته في عمل يكون مصيبًا، فكم من مريدًا للخير لم يصبه!

٣-أن من البدع في الدين: تحريم الحلال.

٤-وجوب اتباع السنة وتحريم الرغبة عنها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (فمن رغب عن سنتي فليس مني).

٥-أنه ليس من السنة: إحياء الليل دائمًا، ولا الصيام دائمًا، بل أفضل الصيام: صوم يوم، وفطر يوم.

٦-أنه ليس من الدين: العزوبة، وهو ترك النكاح، والتعبد به بدعة، وكذا التعبد بترك أكل اللحم.

٧-أن الاجتهاد في العبادة إذا خالف السنة يكون مذمومًا.

٧-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشر يحتاج إلى ما يحتاج إليه الإنسان من الأكل والشرب والنوم والنكاح.

٨-أن من هديه -صلى الله عليه وسلم-: الخطبة؛ للتنبيه عن خطأ وقع من بعض الناس، ومن هديه: افتتاح الخطبة بحمد لله والثناء عليه، ومن هديه: الإبهام لمن وقع الخطأ منه؛ كقوله: (ما بال رجال، ما بال أقوام!)، وفي هذا يحصل البيان والستر.

٩-أن من رغب عن سنة النبي – صلى الله عليه وسلم- ورأى الفضل في غيرها: فالرسول برأ منه؛ فيكون ذلك من كبائر الذنوب، ومعنى: (ليس مني) أي: ليس من أتباعي وأوليائي.

١٠-قبول رواية المرأة ولاسيما فيما لها اختصاص به؛ كالمرأة مع زوجها.

·       وفي حديث سعد:

١-النهي عن التبتل، وهو الانقطاع للعبادة وترك النكاح والمباح من اللذات، وهو معنى رد النبي -صلى الله عليه وسلم- التبتل على من أراده، ومنهم عثمان بن مظعون -رضي الله عنه- فنهاه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يأذن له.

٢-أن أمره ونهيه -صلى الله عليه وسلم- لواحد يعم حكمه الأمة؛ ولهذا قال سعد -رضي الله عنه-: "لو أذن له لاختصينا"؛ لأن أذنه -صلى الله عليه وسلم- لواحد إذن للجميع.

٣-تحريم الخصا، وهو قطع الخصيتين لإبطال شهوة النكاح، وهذا حرام؛ لأنه معارضٌ لشرع الله وقدره، وفي معناه: تعاطي الدواء الذي يقطع الشهوة دون الذي يخففها.

٣٠٧-عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ  انْكِحْ أُخْتِي ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ. فقَالَ: (أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ؟) فَقُلْتُ: نَعَمْ, لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ([1280]), وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي، فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ ذَلِكَ لا يَحِلُّ لِي). قَالَتْ: فإنَّا نُحَدَّثُ أَنَّك تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ: (بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟) قُلْت: نَعَمْ. قَالَ: (إنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي؛ إنَّهَا لابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ, أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلا تَعْرِضْنَ عَلِيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ) ([1281]).

قَالَ عُرْوَةُ([1282]): وَثُوَيْبَةُ مَوْلاةٌ لأَبِي لَهَبٍ، كان أبو لهب أَعْتَقَهَا([1283]), فَأَرْضَعَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ. قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ له أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ خَيْراً, غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ([1284]).

*الحِيبَةُ: الحالةُ، بكسر الحاء([1285]).

٣٠٨-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا, وَلا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا)([1286]).

الشرح:

هذان الحديثان تضمنا ذكر بعض المحرمات من النساء تحريمًا مؤبدًا: كالربيبة، وبنت الأخ من الرضاع، والمحرمة تحريمًا مؤقتًا: كأخت الزوجة وعمتها وخالتها.

وفي الحديثين فوائد:

·       في حديث أم حبيبة:

١-جواز عرض المرأة على زوجها أن ينكح إحدى قريباتها إلا أن تكون محرمة عليه؛ كأختها، وبنت أخيها، أو بنت أختها، أو عمتها، أو خالتها.

٢-أن عرض أم حبيبة لأختها على النبي -صلى الله عليه وسلم- لقصد البر بها.

٣-أن بعض الشائعات لا أصل له.

٤-تحريم الربيبة على زوج أمها.

٥-تحريم بنت الأخ من الرضاع.

٦-أن الرضاع يحرم كالنسب.

٧-أن زينب بنت أم سلمة محرمة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بسببين: أنها ربيبته، وأيضًا أنها بنت أخيه من الرضاع.

٨-جواز تعليل الحكم بعلتين كل منهما يستقل بإثبات الحكم.

9-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا سلمة رضعا من ثويبة مولاة أبي لهب.

10-جواز استرضاع الأمة.

·       في حديث أبي هريرة:

١-تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، وثبت بالقرآن: تحريم الجمع بين المرأة وأختها([1287])، وكل هذا بالإجماع، والحكمة من ذلك: أنه سببٌ للقطيعة بين القرابة القربى دون القرابة البعيدة كابنتي العم، وكل من يحرم الجمع بينهما في النكاح: يحرم الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين على الصحيح.

٢-أن هذا الحديث مخصص لعموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24].

٣٠٩-عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ: مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ)([1288]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث وجوب الوفاء بالشروط، والمراد: الشروط في العقود، فتدخل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].  وهي كل ما يشترطه أحد المتعاقدين على الآخر.

وفي الحديث فوائد:

١-جواز الشروط في العقود إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا.

٢-أن العقود بعضها آكد من بعض؛ فالوفاء به أوجب.

٣-أن عقد النكاح آكد العقود، والشروط فيه آكد الشروط.

٤-أنها أحق بالوفاء من الشروط في غير عقد النكاح.

٥-أن الأصل تحريم الفروج.

٦-أن لاستحلال الفروج سببين: عقد النكاح، وملك اليمين؛ كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6].

٧-أن الوفاء بالشروط في النكاح شرطٌ لحل الزوجة، فلا تحل مع عدم الوفاء بما شرطت على زوجها.

٣١٠-عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ الشِّغَارِ. وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ([1289]) ابْنَتَهُ, وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَّدَاقُ([1290]).

٣١١-عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ , وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ([1291]).

الشرح:

تضمن هذان الحديثان ذكر نوعين من الأنكحة المحرمة، وهما: الشغار ونكاح المتعة، وهما باطلان.

وفي الحديثين فوائد:

·       في حديث ابن عمر:

١-تحريم نكاح الشغار، وقد فسَّره الراوي بقوله: (أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخر ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَّدَاقُ) ([1292]). وسمي "شغار"؛ لخلوه من الصداق، من قولهم: شغر المكان إذا خلا([1293]).

٢-وجوب الصداق في النكاح.

٣-أنه إذا أعطيت كلُّ واحدة منها الصداق الذي ترضى به؛ فليس بشغار([1294])، وذهب بعض أهل العلم إلى تحريم نكاح الشغار ولو فرض صداقٌ لكل منهما([1295])، واختار ذلك شيخنا ابن باز، وله في هذه المسألة رسالة([1296]). 

·       وفي حديث علي:

١-تحريم نكاح المتعة، وهو أن يتزوج الرجل المرأة مدة معلومة يتفقا عليها([1297])، وقد كانت مباحة في أول الإسلام ثم حرمت يوم خيبر، وقيل: حرمت تحريمًا مؤبدًا في حجة الوداع([1298])، وكان في المتعة خلاف بين السلف ثم استقر الأمر على تحريمها([1299])، وشذت الرافضة، وقالوا: إنها مستحبة؛ ولذا يرغبون فيها، ويكثرون منها.

٢-تحريم لحوم الحمر الأهلية، ويقال لها الإنسية، وهي التي يركبها الناس بخلاف حمر الوحش؛ فإنها حلال.

3-تخصيص قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا... الآية}. [الأنعام: 145].

٣١٢-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ, وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ  كَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: (أَنْ تَسْكُتَ) ([1300]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث شرط رضا المرأة وإذنها في نكاحها، بكرًا  كانت أو ثيبًا.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم نكاح المرأة بغير رضاها وإذنها.

٢-الفرق بين الأيم، وهي الثيب، والبكر.

٣-اعتبار الإذن الصريح من الأيم.

٤-وجوب استئذان البكر.

٥-أنه يكفي في الإذن من البكر صماتها؛ أي: سكوتها، ما لم تدل القرائن على عدم رضاها.

٦-أن البكر لا تجبر.

٧-أن من محاسن الإسلام: رعاية حق المرأة في نفسها وفي مالها، مع المحافظة على الفرق بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ووضع كلٍّ في موضعه اللائق به، خلاف ما يقضي به حكم الطاغوت من التسوية بين الرجل والمرأة؛ كما تضمنته وثيقة السيداو الملعونة([1301]).

٣١٣-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ، فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ: (أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لا, حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ, وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ). قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ, وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ, فَنَادَى: يا أَبَا بَكْرٍ أَلا تَسْمَعُ هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟([1302]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث ما يشترط لحل المطلقة ثلاثًا لمطلقها، وهو أن تنكح نكاحًا صحيحًا ويطؤها الزوج الثاني.

وفي الحديث فوائد:

١-أن غاية الطلاق الطلقة الثالثة، وهو معنى قولها: "فبتَّ طلاقي". أي: طلقني ثلاثًا.

٢-جواز الطلقات الثلاث متفرقات لا مجموعة بلفظ واحد، وهل يشترط أن يكون بين كل طلقتين رجعة؟ ذهب الجمهور إلى أنه لا يشترط، فعليه: يقع الطلاق على المعتدة الرجعية، واختار شيخ الإسلام أنه يشترط لوقوع الطلقة الثانية والثالثة: أن تكون بعد رجعة([1303]).

٣-جواز التصريح من المستفتي والمفتي مما يستحيا من ذكره؛ ليتبين مقصود الطرفين، وقولها: "إنما معه مثل هدبة الثوب" كناية عن عدم انتشار ذكره([1304])، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "حتى تذوقي عُسيلته، ويذوق عُسيلتك" كناية عن الجماع.

٤-أن المطلقة ثلاثًا لا تحل لزوجها الأول حتى يطؤها الثاني؛ كما دل على ذلك القرآن في قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} أي: الطلقة الثالثة {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. ودل هذا الحديث على أنه لا يكفي في النكاح الثاني مجرد العقد، بل لابد من الوطء، وفي الآية دليل على بطلان التحليل؛ لقوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}. لأن المحلل ليس بالزوج.

٣١٤-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ([1305]) الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ: أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً ثُمَّ قَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ: أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثاً ثُمَّ قَسَمَ.

قَالَ أَبُو قِلابَةَ([1306]): وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إنَّ أَنَساً رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -([1307]).

الشرح:

تضمن الحديث حكمًا من أحكام القسم بين الزوجات: وهو كيف يقسم إذا تزوج بكرًا على ثيب، أو تزوج ثيبًا، وقد دل الكتاب والسنة على وجوب العدل المستطاع بين الزوجات، ومنه: القسم بينهن في المبيت والنفقة وحسن العشرة.

وفي الحديث فوائد:

١-أن من تزوج بكرًا ومعه زوجة قبلها: فإنه يقيم عند البكر سبع ليال، ثم يقسم فيبدأ بالأولى، ومن تزوج ثيبًا يقيم عندها ثلاثًا ثم يقسم.

٢-أن ذلك سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لقول أنس: "من السنة". فإن هذه الصيغة لها حكم الرفع.

٣-أن من حكمة الشريعة: التفريق بين المختلفات.

٤-أن البكر تختلف عن الثيب من حيث الدربة على معاشرة الرجل، ومن حيث رغبة الرجل فيها، فجاءت الشريعة  بمراعاة ذلك في حق الزوجة الجديدة.

٣١٥-عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ, وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا؛ فَإِنَّهُ إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ, لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَداً) ([1308]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث ما يستحب من الذكر والدعاء عند ما يريد الرجل أن يأتي أهله، وهو من أحكام عشرة النساء.

وفي الحديث فوائد:

١-استحباب ما جاء في هذا الحديث من الذكر والدعاء.

٢-أن الغاية إبعاد الشيطان.

٣-أن ذكر الله يطرد الشيطان، ويمنعه من التسلط والمشاركة للإنسان في شؤونه.

٤-أن هذا الدعاء من أنواع التعوذ بالله من الشيطان، وتعويذ الذرية.

٥-مشروعية التسبب في صلاح الذرية من قبل وجودها.

٦-أن من يرزق ولدًا -وقد أتى بهذا الدعاء- فإن الشيطان لا يضر هذا الولد أي ضرر، بدنيًا أو عقليًا أو دينيًا، لكن قد يؤذيه؛ لأن نفي الضرر لا يستلزم نفي الأذى، وما في هذا الحديث يشبه قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ نزلَ منزلاً، ثم قال: أعوذ بكلماتِ الله التاماتِ من شرِّ ما خَلَقَ، لم يَضُرَّهُ شيءٌ حتى يَرتَحِلَ من منزله ذلك»([1309]).

٧-إثبات القدر، وأنه شامل للحمل والوضع؛ لقوله: (فَإِنَّهُ إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ). وشواهد هذا في القرآن كثير.

٣١٦-عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ  أَفرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: (الْحَمْوُ الْمَوْتُ)([1310]). 

 * ولِمُسْلِمٍ: عنْ أَبي الطَّاهِرِ([1311]) عنِ ابنِ وَهْبٍ([1312]) قالَ: "سَمِعْتُ اللَّيثَ([1313]) يقولُ: الحَمْوُ: أَخو الزَّوْجِ ومَا أَشْبَهَهُ منْ أَقاربِ الزَّوْجِ، ابنِ العَمِّ ونَحْوِهِ([1314]). 

الشرح:

تضمن هذا الحديث التحذير من الدخول على النساء؛ وذلك إذا كان يؤدي إلى وسيلة من وسائل الوقوع في الفاحشة، كالخلوة والاختلاط بين الرجال والنساء المشتمل على دواعي الزنا، كالتبرج والسفور والنظر والأحاديث المثيرة للغريزة.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم الدخول على النساء على الوجه المذكور.

٢-الحكمة من النهي عن الدخول على النساء؛ وهي سد ذريعة الشر.

٣-فيه شاهد لقاعدة سد الذرائع.

٤-سد الإسلام كل طريق يؤدي إلى الزنا، وهذا من معنى قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].

٤-أن للوسائل حكم الغايات، فما يؤدي إلى الحرام حرام.

٥-أن الأمر في قريب الزوج كأخيه وعمه أشد؛ لما له من الشبهة في الدخول، فلا يستغرب دخوله؛ ولذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (الحمو الموت)، والحمو: أخو الزوج وقريب الزوج، وشبهه بالموت لأنه أخطر.

٦-فيه شاهد لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» ([1315]).

٧-الابتعاد عن مواقف التهم ومواطن الشر.

 بابُ الصَّدَاقِ

أي: باب ذكر ما جاء في السنة من الأحكام المتعلقة بالصداق، والصداق ما يبذله الرجل للمرأة من المال إذا رغب في نكاحها([1316])، وهو عوضٌ عن الاستمتاع بها، ويقال له: مهر، ويقال له: صداق وصدقة وأجر. قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]. وقال تعالى: {ذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5]. وقال تعالى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24]، وقال تعالى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 25].

ولا حد لأقله ولا لأكثره، وقد قدره بعضهم كما سيأتي، ولا يجوز التواطؤ على عدمه قبل العقد أو عند العقد، فإن النكاح بلا صداق هو نكاح الواهبة؛ وذلك من خصائص النبي-صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50].

٣١٧-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَعْتَقَ صَفِيَّةَ, وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا([1317]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث جواز جعل عتق الجارية صداقًا إذا أراد سيدها أن يتخذها زوجة.

وفي الحديث فوائد:

١-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعتق صفية بنت حيي، وهي من سبي يهود خيبر، وجعل عتقها صداقها؛ فكانت بذلك زوجة.

٢-أن صفية إحدى أمهات المؤمنين.

٣-جواز أن يعتق السيد أمته على أن يتزوجها؛ فيجعل عتقها صداقها، وقد اختلف العلماء في ذلك: فذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز؛ لأنه إذا أعتقها صارت حرة، فلا يصح نكاحها إلا برضاها. وقالوا: إن نكاح صفية من خصائص النبي –صلى الله عليه وسلم-([1318]).  

وذهب الإمام أحمد وجماعة إلى جواز ذلك وصحة النكاح([1319])، وهو الصواب؛ لفعله –صلى الله عليه وسلم-.

٤-أن ذلك لا يتوقف على رضاها، فتكون هذه الحال مخصوصة من أدلة اعتبار إذن المرأة ورضاها؛ كما تقدم.

٥-فضيلة أم المؤمنين صفية -رضي الله عنها- باصطفاء الله لها بالتوفيق للإسلام، وجعلها زوجًا لنبيه -صلى الله عليه وسلم-.

٦-استحباب عتق السيد أمته ليتزوج بها أسوة بالنبي –صلى الله عليه وسلم-.

٣١٨-عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَاَلَتْ: إنِّي وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ، فَقَامَتْ طَوِيلًا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ: (هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءَ تُصْدِقُهَا؟) فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِزَارُكَ إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ، جَلَسْتَ وَلَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا) فَقَالَ: مَا أَجِدُ، قَالَ: (فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ) فَالْتَمَسَ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ) ([1320]).

الشرح:

هذا الحديث يعرف بحديث الواهبة، أي المرأة التي وهبت نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم- وجواز هبة المرأة نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم- بلا ولي ولا صداق: هو من خصائصه عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك لم ينكح امرأة بالهبة؛ كما قال تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}. أي وأحللنا لك امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها، فهو عطف على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50].

 وفي الحديث فوائد كثيرة؛ منها:

1-جواز هبة المرأة نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم-.

2-جرأة هذه المرأة في إعلانها هبة نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم- أمام الحضور، وهي قائمة، والذي جرأها على ذلك أمران: 1- ما تعلمه من جواز ما فعلت بنص القرآن. 2- أنه لا غضاضة عليها أن تعلن ذلك؛ لأن الموهوب له الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهو الحظ لها لو قبلها.

3- جواز النظر إلى المخطوبة وتكراره؛ لأن الواهبة كالمخطوبة.

4-جواز رد الهبة قبل قبضها.

5- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقبل من المرأة هبتها نفسها له.

6- الدلالة على الرد بالفعل.

7-  حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم- حيث لم يردها صريحا بالقول.

8- فضل هذه المرأة؛ وذلك بهبة نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم- رغبة في قربه لا طمعًا في الدنيا؛ ولذا رضيت بتزوج الفقير، تولي النبي -صلى الله عليه وسلم- إنكاحها الرجل.

9- كرم النبي -صلى الله عليه- على ربه، حيث أباح له من النكاح ما لم يبح لغيره.

10-الرد على الملحدين الطاعنين في النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر النكاح؛ وذلك أنه لا يعرف أنه تزوج امرأة بطريق الهبة مع أنه مباح له.

11-جواز خطبة المرأة الواهبة.

12-جواز أن يتولى النبي -صلى الله عليه وسلم- تزويج الواهبة من يرضاه لها، فكأنها قد جعلت أمرها إليه، بل يمكن أن يقال:

13-فيه جواز أن يتولى النبي -صلى الله عليه وسلم- تزويج أي امرأة ممن ترضاه ويرضاه لها، فهو أولى بها من وليها؛ لقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6].

14-وجوب الصداق في النكاح، فإن سمي عند العقد وإلا وجب مهر المثل.

15-أنه لا حد لأقله.

16- أن الأصل أن يكون الصداق مالًا، كما قال تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24].

17-جواز أن يكون الصداق منفعة؛ كتعليم العلوم النافعة المباحة، وكالخدمة في رعي الغنم، كما في قصة موسى مع صاحب مدين.

18-جواز أن يكون الصداق تعليم شيء من القرآن.

19-أنه يجب على الزوج تسليم المهر؛ لقوله: (فعلِّمْها)([1321]).

20- أن الإيجاب في النكاح لا يختص بـ "زوجت" و"أنكحت"، بل بأي لفظ يدل عليه، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية([1322])، وقرره؛ لقوله في الحديث: (ملَّكْتُكَهَا)([1323])، كما هو الشأن في سائر العقود، والله أعلم.

21-جواز التختم بالحديد.

22-جواز القسم من غير طلب.

23-جواز أخذ الأجرة على تعليم القران.

٣١٩- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعَلَيْهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَهْيَمْ؟) فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ تَزَوَّجْتُ امْرأَةً؛ فَقَالَ: (مَا أَصْدَقْتَهَا؟) قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: (فَبَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ)([1324]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث مسألتين: إحداهما مقدار الصداق، والثانية مشروعية وليمة العرس. وفي الحديث فوائد:

1-فضل عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.

2-أنه عند النبي –صلى الله عليه وسلم- من خاصة أصحابه؛ لأنه –صلى الله عليه وسلم- سأله عن بعض الأمور التي تخصه –رضي الله عنه-.

3- جواز سؤال الرجل عن بعض شأنه الذي ظهر عليه.

4-كراهة الصبغ بالزعفران للرجل، وجوازه للمرأة، وقوله: "ردع زعفران" أي: أثر زعفران([1325]).

5-جواز سؤال الرجل عن بعض شأنه إذا اقتضته مناسبة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في رواية: (كم أصدقتها؟)([1326]).

6-استحباب تقليل الصداق، فإن نواة الذهب تعدل ثمن أوقية من الفضة، وهو خمسة دراهم.

7-التثبت في الأمر المستنكر من الصاحب؛ لقوله: (مهيم؟) أي: ما أمرك ؟([1327]).

8-الدعاء بالبركة لحديث العهد بعرس.

9-مشروعية وليمة العرس، واختلف العلماء في حكمها: فقيل: واجبة([1328])، وهو ظاهر الأمر، وقيل: مستحبة، وهو قول الجمهور([1329] ويؤيد الأول: قوله: (ولو بشاة)، وأيضًا تأكيد الأمر بإجابة الدعوة إليها في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله)([1330]). 

10-استحباب تكثير الطعام في وليمة العرس من غير سرف؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم: (أولم ولو بشاة)، فإنه يشعر باستحباب الزيادة.

11-حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم- وتبسطه مع أصحابه.

 كتابُ الطَّلاقِ

وفي بعض النسخ: باب الطلاق([1331])، وهو أنسب، والمعنى: هذا باب ذكر ما جاء في السنة من بيان أحكام الطلاق، والطلاق حل عقدة النكاح([1332])، وهو في يد الزوج، وتجري فيه الأحكام الخمسة([1333]): فيجب: لتركها الصلاة، ويستحب: إذا قصر في حقوقها وليس به حاجة إليها، ويحرم: في الحيض والنفاس وفي طهر جامع فيه، ويكره: من غير سبب يقتضيه، ويباح: مع الحاجة.

٣٢٠-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً له وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَغَيَّظَ فيه رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: (لِيُرَاجِعْهَا, ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ, ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ, فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا([1334]) قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ , كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) ([1335]).

* وَفِي لَفْظٍ: (حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً([1336]) مُسْتَقْبَلَةً, سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا) ([1337]). 

* وَفِي لَفْظٍ: فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاقِهَا, وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ كَمَا أَمَرَهُ([1338]) رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -([1339]).

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في حكم طلاق الحائض، وعليه مدار الخلاف في وقوع الطلاق البدعي وعدم وقوعه.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم الطلاق في الحيض؛ لقوله: (فتغيَّظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي: غضب، وقد اختلف العلماء في حكمة ذلك: فقيل: لما فيه من تطويل العدة، وقيل: لتضييق وقت الطلاق.

٢-العذر بالجهل في ذلك.

٣-أن الغضب من طرق إنكار المنكر.

٤-جواز سؤال الوالد عن حكم تصرف ولده، ولو لم يوكلوه.

٥-الوكالة في تبليغ الحكم.

٦-أن من طلق امرأته وهي حائض وجب عليه مراجعتها؛ لقوله: (مروه فليراجعها)، وقد استُدِّل بأمره بالمراجعة على وقوع الطلاق في الحيض؛ كما استُدِّل بتغيُّظه -صلى الله عليه وسلم- على التحريم وعدم الوقوع([1340] ومن أدلة القائلين بوقوع الطلاق في الحيض: قوله في رواية: (حسبت تطليقة) ([1341]). 

٧-أنه يجب على من أراد الطلاق أن يتحرى الوقت الذي يجوز له فيه الطلاق، فلا يطلق في حيض ولا نفاس، ولاطهر جامع فيه.

٨-أن طلاق السنة: أن يطلق واحدة في طهر لم يجامع فيه أو حاملًا بينة الحمل، وخلاف ذلك طلاق البدعة.

٩-أنه يجب على من طلق في الحيض: أن يراجع من طلقها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها قبل أن يمسها.

٣٢١-عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ, وَهُوَ غَائِبٌ.

-وَفِي رِوَايَةٍ: طَلَّقَهَا ثَلاثاً ([1342])- فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ, فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ؛ فَقَالَ: (لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ).

*وَفِي لَفْظٍ: (وَلا سُكْنَى)([1343]).

 فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ, ثُمَّ قَالَ: (تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي, اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى, تَضَعِينَ ثِيَابَكِ, فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي).

قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَمَّا أَبُو جَهْمٍ: فَلا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ: فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ لَهُ, انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ)، فَكَرِهَتْهُ ثُمَّ قَالَ: (انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ)، فَنَكَحَتْهُ.

فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً, وَاغْتَبَطَتْ([1344]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في أن المطلقة ثلاثًا لا سكنى لها ولا نفقة.

وفي الحديث فوائد:

١-مشروعية الاستشارة في الأمور المهمة.

٢-جواز الخطبة على الخطبة إذا لم يحصل ركون إلى الخطيب السابق.

٣-جواز ذكر الإنسان بما يكره وهو غائب في مقام المشورة؛ نصحًا للمستشير مما يتعلق بمقصود الاستشارة.

٤-جواز إقامة المرأة في بيت الرجل الأجنبي منها إذا كان لا يخلوا بها.

٥-جواز كشف المرأة وجهها عند الرجل الأعمى.

٦-أن قليل المال مما يُرغب عن نكاحه؛ لأنه قد يعجز عن النفقة.

٧-أن كثير الأسفار ممن لا يُرغب في نكاحه لكثرة غيبته عن امرأته، كذلك الضرَّاب للنساء لا يرغب فيه.

٨-فضيلة أسامة بن زيد حب النبي -صلى الله عليه وسلم- وابن حبه.

٩-أن المطلقة ثلاثًا لا سكنى لها ولا نفقة؛ لأنها بائنة من زوجها بينونة كبرى.

١٠-أنه ينبغي لمن استشار خبيرًا ناصحًا أن يقبل مشورته، وأن ذلك سببٌ لحسن العاقبة.

١١-أنه ينبغي للمرأة المسلمة تجنب المكان الذي تتعرض فيه لمشاهدتها الرجال ومشاهدتهم لها.

١٢-جواز دخول الرجال على المرأة الكبيرة التي لا تشتهى.

١٣-أن المطلقة ثلاثًا عليها العدة؛ لقوله: (اعتدِّي في بيت ابن أم مكتوم).

١٤-جواز تزويج القرشية بغير قرشي، فدل على أن الكفاءة في النسب ليست شرطًا في النكاح.

١٥-فيه شاهد لقوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216].

١٦-تبدل أحوال الدنيا إلى أضدادها، فهذا الصعلوك الذي لا مال له قد صار بعد ذلك ملكًا!

١٧-جواز استعمال الكناية في الكلام.

١٨-كراهة ضرب الرجل امرأته.

 بابُ العِدَّةِ

أي: هذا باب ذكر ماجاء في السنة في عِدد المفارقات لأزواجهن، وهن: المتوفى عنها، والمطلقة حاملًا أو حائلًا، ولم يذكر المؤلف إلا ما يتعلق بالمتوفى عنها الحامل وغير الحامل، وذلك في الأحاديث الأربعة التي أوردها المؤلف في الباب، وأما المطلقات فعددهن مفصلة في القرآن على اختلاف أحوالهن من حائض وحاملٍ وحائل، وذلك في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. وقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ..} إلى قوله: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].

٣٢٢-عَنْ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ -وَهُوَ في بَنِي عَامِرِ ابْنِ لُؤَيٍّ, وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً([1345])- فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ، فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ, فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ, فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ ابْنُ بَعْكَكٍ -رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ([1346])- فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاك مُتَجَمِّلَةً؟ لَعَلَّكِ تُرَجِّينَ النِّكَاحِ! وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تمُرَّ عَلَيْك أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. 

 قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ: جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ, فَأَتَيْتُ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي, وَأَمَرَنِي بِالتَّزْوِيجِ إنْ بَدَا لِي.

قالَ ابنُ شِهابٍ([1347]): ولا أَرى بَأْساً أَنْ تَتَزَوَّجَ حينَ وضَعَتْ، وإِنْ كَانَتْ في دَمِها، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَقْرَبُها زَوْجُها حتَّى تَطْهُرَ([1348]). 

الشرح:

 هذا الحديث هو الأصل من السنة في انقضاء عدة الحامل المتوفى عنها بوضع الحمل.

وفي الحديث فوائد:

١-أن سعد بن خولة -رضي الله عنه- وهو زوج سبيعة، توفي في حجة الوداع وكانت حاملًا، فوضعت بُعيد وفاته، فأفتاها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها انقضت عدتها حين وضعت، وأنها تتزوج إن بدا لها.

٢-أن عدة الحامل المتوفى عنها تنقضي بوضع الحمل، ففيه الرد على من قال: إن المتوفى عنها الحامل تعتد بأبعد الأجلين من مدة الحمل، أو الأشهر الأربعة.

٣-أن الحامل المتوفى عنها إذا وضعت جاز لها أن تتزوج ولو في نفاسها؛ كما فهمه الزهري -رحمه الله- من فتوى النبي -صلى الله عليه وسلم- لسبيعة.

٤-وفيه أن قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} يعم المتوفى عنها، فتكون الآية مخصصة؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. فتخرج الحامل من عمومها.

٥-أنه يجوز للمرأة التي ترغب في النكاح أن تتجمل للخطاب، والمراد لمن يرغب النظر إليها، أو يكون المراد بتجملها لبس الثياب الجميلة الظاهرة التي تدعوا إلى خطبتها.

٦-أن سبيعة على فقه في عدة الحامل المتوفى عنها.

٧-أن أبا السنابل قد أخطأ في زعمه.

٨-أن الحامل المتوفى عنها لا بد أن تعتد بالأشهر، ولو وضعت الحمل.

٩-أن الكذب يطلق على الخبر الذي أخطأ فيه المخبر؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (كذب أبو السنابل !) ([1349]) أي: أخطأ.

١٠-حسن تصرف سبيعة حين أنكر عليها أبو السنابل؛ فلم ترد عليه رأيه فلعل لديه علمٌ لم تعلمه، بل ذهبت إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسألته عن قول أبي السنابل؛ فأفتاها النبي -صلى الله عليه وسلم- بما تقدم.

١١-أن مضمون هذا الحديث من تفسير السنة للقرآن.

٣٢٣-عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَ حَمِيمٌ لأُمِّ حَبِيبَةَ, فَدَعَتْ بِصُفْرَةٍ, فَمَسَحَتْ بِذِرَاعَيْهَا, فَقَالَتْ: إنَّمَا أَصْنَعُ هَذَا; لأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ([1350]) فَوْقَ ثَلاثٍ, إلاَّ عَلَى زَوْجٍ: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) ([1351]).

*الحَمِيمُ: القَرَابَةُ.

٣٢٤-عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (لا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتِ فَوْقَ ثَلاثٍ, إلا عَلَى زَوْجٍ: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً, وَلا تَلْبَسُ ثَوْباً مَصْبُوغاً إلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلا تَكْتَحِلُ، وَلا تَمَسُّ طِيباً, إلاَّ إذَا طَهُرَتْ: نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ) ([1352]).

* العَصْبُ: ثِيابٌ مِنَ اليَمَنِ، فِيها بَيَاضٌ وَسَوَادٌ ([1353]).

٣٢٥-عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا, وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَنُكَحِّلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لا) - مَرَّتَيْنِ, أَوْ ثَلاثَاً - كل ذلك يقول: (لا).

ثُمَّ قَالَ: (إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ).

فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا: دَخَلَتْ حِفْشاً, وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا, وَلَمْ تَمَسَّ طِيباً وَلا شَيْئاً حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ, ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ - حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ- فَتَفْتَضَّ بِهِ، فَقَلَّ ما تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إلاَّ مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً, فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ([1354]).

*  الحِفْشُ: البيتُ الصَّغيرُ ([1355]).

* وتَفْتَضُّ: تدْلكُ به جَسدَها([1356]).

الشرح:

هذه الأحاديث هي الأصل من السنة في وجوب العدة على المتوفى عنها زوجها، ووجوب الإحداد عليها في مدة العدة، والإحداد: ترك جميع الزينة؛ من اللباس والطيب والأصباغ والحلي([1357]).  

وفي الأحاديث فوائد:

١-وجوب العدة على المتوفى عنها زوجها.

٢-أن عدتها أربعة أشهر وعشرا.

٣-أن السنة قد دلت على ما دل عليه القرآن في عدة المتوفى عنها.

٤-تحريم الإحداد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوج.

٥-جواز الإحداد على الميت ثلاثة أيام.

٦-أن قطع الإحداد يكون بتعاطي ما تمنع منه المحدة؛ كالطيب أو شي من أنواع الزينة، يدل له فعل أم حبيبة.

٧-أن الكحل من الزينة التي تمنع منها المحدة.

٨-أن الثوب المصبوغ مما تمنع منه المحدة إلا ثوب عصب، وهو ما صبغ لغير الزينة.

٩-أن الله رفع بشريعة الإسلام آصار الجاهلية.

١٠-تحريم عوائد الجاهلية التي أبطلها الإسلام؛ كالأمور المذكورة في حديث أم سلمة المتعلقة بعدة المتوفى عنها وإحدادها.

١١-أن عوائد أهل الجاهلية في ذلك ضربٌ من السفه وتلاعب الشيطان بهم.

١٢-التباين بين الإحداد في الشريعة البريء من الحرج، والإحداد الفاحش في الجاهلية المشتمل على السفه والحرج؛ كما وصفته زينب بنت أم سلمة -رضي الله عنهما-.

١٣-وجوب الإحداد على المرأة المتوفى عنها في مدة عدتها.

١٤-أن وجع العين لا يبيح الكحل للمحدة، وتجوز مداواتها بغير الكحل.

 كتابُ اللِّعانِ

أي: هذا كتاب ذكر ما ورد في السنة في شأن اللعان، وفي بعض النسخ: باب([1358])، وهو المناسب، واللعان مصدر من لاعن يلاعن لعانًا وملاعنة([1359] واللعان في الاصطلاح: دعاء كلٍّ من الزوجين على الكاذب منهما، وذلك إذا رمى الرجل زوجته بالزنا، ولم يأت بأربعة شهود ترضى شهادتهم([1360]). 

٣٢٦-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ فُلانَ بْنَ فُلانٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ  أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ, كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ, وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدْ اُبْتُلِيتُ بِهِ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلاءِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَتَلاهُنَّ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ. فَقَالَ: لا، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا, فَوَعَظَهَا, وذَكَّرَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ. قَالَتْ: لا, وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إنَّهُ لَكَاذِبٌ! فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ {أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ: إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ}. {وَالْخَامِسَةَ: أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ}. ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ {أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ: إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ}. {وَالْخَامِسَةَ: أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ} ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا([1361]).  

ثُمَّ قَالَ: (إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟) ثَلاثاً([1362]).  

* وَفِي لَفْظٍ: (لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي؟ قَالَ: (لا مَالَ لَكَ. إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عليها فَهُوَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا)([1363]).

٣٢٧-وعَنْه: أَنَّ رَجُلاً رَمَى امْرَأَتَهُ, وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زَمَان رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَلاعَنَا, كَمَا قَالَ اللَّه عز وجل, ثُمَّ قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْمَرْأَةِ, وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاعِنَيْنِ([1364]). 

الشرح:

هذان الحديثان قد تضمنا ذكر سبب نزول آيات اللعان، وصفة اللعان بين الزوجين.

وفي الحديثين فوائد:

١-كراهة فرض المسائل التي لم تقع ولاسيما الشنيعة.

٢-فيه شاهدٌ لقول بعضهم: إن البلاء موكلٌ بالمنطق، فمن قدَّر وقوع ما لم يقع قد يُبتلى به؛ كما وقع لذلك الرجل.

٣-أن من القرآن ما ينزل لسبب، ومن علوم القرآن: العلم بأسباب النزول، وهو مما يعين على فهم معاني الآيات.

٤-أن شهادة الزوج على امرأته بالزنا أربع مرات ثم الخامسة.

٥-أنه يبرأ بهذه الشهادات من حد القذف، ويجب بها حد الزنا على المرأة إلا أن تدفعه لأربع شهادات وخامسة.

6-أن شهادة المرأة أربع مرات بكذبه ثم الخامسة يدرأ عنها حد الزنا كما جاء في الآيات.

7-البداءة بالرجل في إجراء اللعان.

8-أن تمام اللعان يوجب التفريق بين الزوجين، وبه تحرم الزوجة على الملاعن.

9-أن الزوج بعد اللعان لا يستحق استرداد المهر على تقدير صدقه أو كذبه.

10-موعظة الإمام لكل من المتلاعنين؛ لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة؛ ليتق الكذب في الشهادات.

١1-أنه لا بد أن يكون أحد المتلاعنين كاذبًا؛ لأن الإثبات والنفي للشيء لا يجتمعان؛ ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يعلم أن أحدكما كاذب).

١2-أن قذف الرجل امرأته عظيم ولو كان صادقًا؛ لأن فيه فضيحة وعار.

١3-أن سكوت الرجل على زنا امرأته إثم عظيم؛ لأن فيه السكوت على المنكر، وهو نوع من الدياثة التي هي إقرار الخنا([1365]) في الأهل.

١4-أن اللعان ينتفي به الولد إذا نفاه الزوج.

١5-سؤال أهل العلم فيما ينزل بالإنسان مما له تعلق بالدين.

١6-الدعوة إلى التوبة.

١7-نفي الولد عن الزوج باللعان إلا أن يعلم أنه منه؛ كأن تكون حاملًا قبل زناها، وإذا انتفى الولد عن الزوج كان نسبه وميراثه لأمه.

٣٢٨-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (هَلْ لَكَ من إِبِلٌ؟)، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَمَا أَلْوَانُهَا؟) قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: (فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟) قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا. قَالَ: (فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟) قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قَالَ: (وَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ)([1366]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث قصة ذلك الرجل الذي ولدت امرأتُه غلامًا أسودًا؛ أي على خلاف لون أبيه وأمه، فذكر ذلك للنبي ﷺ كأنه يعرِّض بأن الولد ليس منه، فأجابه النبي ﷺ بجواب مقنع، وذلك بقياس ما أنكره الرجل من خلاف لون الولد على ما أقر به من وجود نظير ذلك في إبله، فهي حمرٌ وحدث فيها ما هو بخلاف لونها، وهي الورق جمع أورق، وهو الأسود الذي فيه غبرة([1367])

وفي الحديث فوائد:

١-أن مخالفة لون الولد للون أبيه لا يبيح نفيه.

٢-تحريم اتهام أمه بمجرد ذلك.

٣-تأثر النسل بالعروق البعيدة في أصوله.

٤-مشابهة الإنسان للحيوان في مشابهة الفروع للأصول، وإن كانت بعيدة.

٥-أن هذا الحديث أصلٌ في جواز القياس([1368]).

٦-أن للشيء حكم نظيره شرعًا وقدرًا.

٧-حسن تعليمه ﷺ، فقد مهد الرسول ﷺ لذلك الرجل ثم احتج عليه بما اعترف به، ومعنى: (نَزَعَهُ عرقٌ) يعني: جذبه أحد أصوله من قبل الأب أو الأم.

٨-أنه ينبغي للمفتي أن يعرف مراد المستفتي؛ ليبن الجواب عليه.

٩-أن القذف بالتعريض لشبهة اقتضته لا يؤخذ به الإنسان.

١٠-التأني بترك التصريح بالقبيح والاكتفاء بالتعريض؛ لحصول المقصود به.

١١-الاحتياط للأنساب وعدم الالتفات بشبهة توجب شكًا.

١٢-تنظير الشيء المشكل بنظير غير مشكل.

٣٢٩-عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا ابنُ أَخِي عُتْبَةَ بن أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللهِ، وُلِدَ عَلَى فَرِاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بعُتْبَةَ، فَقَالَ: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ)، فَلَمْ تَرَهُ سَوْدةُ قَطُّ([1369]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث قصة اختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلامٍ ولدته أَمةٌ لزمعة، وكان قد وقع عليها عتبة بن أبي وقاص في الجاهلية، وكان الغلام يشبه عتبة؛ فتنازع فيه سعد وعبد عند النبي ﷺ فسعد يقول: ولد أخي أوصى إلي به، وعبد يقول: أخي ولد على فراش أبي، فحكم به النبي ﷺ لعبد بن زمعة، وقال ﷺ: (الولد للفراش) أي: لصاحب الفراش وهو الزوج أو السيد. قال ﷺ: (وللعاهر الحجر) والعاهر: الزاني.

فرأى النبي ﷺ بالغلام شبه بين بعتبة أخي سعد؛ فقال: (هو لك يا عبد، واحتجبي منه يا سودة)، وسودة أم المؤمنين بنت زمعة، فالغلام أخوها لأنه من أَمةٍ لأبيها، ومع ذلك قال لها النبي ﷺ: (احتجبي منه -أي: الغلام- يا سودة) لما رأى من شبهٍ بعتبة، فراعى النبي ﷺ السببين، فأثبت النسب للغلام دون المحرمية.

وفي الحديث فوائد، منها:

١-أن الولد للفراش، والفراش هي المرأة التي توطئ، زوجةً أو سُرِّيَّة([1370])، ومعنى (للفراش) أي: لصاحب الفراش، وهو الزوج أو السيد، ولو قدر أن المولد من ماء غيرهما.

٢-صحة أنساب أهل الجاهلية بنكاح أو ملك يمين.

٣-أن ولد الزاني لا يلحق به ولاسيما إن عارضه فراشٌ.

٤-مراعاة السببين المختلفين في الحكم وإعمالهما جميعًا، هذا من وجه، وهذا من وجه.

٣٣٠-وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُوراً, تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ؛ فَقَالَ: (أَلَمْ تَرَيْ؟ أَنَّ مُجَزِّزًا([1371]) نَظَرَ آنِفًا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ؛ فَقَالَ: إنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ)([1372]). 

* وَفِي لَفْظٍ: (كَانَ مُجَزِّزٌ قَائِفًا)([1373]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في الاستدلال بالقيافة([1374]) في إثبات النسب وغيره.

وفي الحديث فوائد:

١-فضيلة زيد بن حارثة، وابنه أسامة؛ لمحبة النبي ﷺ لهما، ولذا يعرف أسامة بن زيد بحب رسول الله وابن حبه.

٢-بطلان الطعن في النسب؛ لاختلاف اللون.

٣-أن الشبه نوعان: بيِّنٌ يعرفه كل من رآه، وشبهٌ خفيٌّ لا يدركه إلا بعض الخواص؛ كأهل القيافة.

٤-الفرح ببراءة المسلم مما طعن به فيه.

٥-أن الوجه مظهر لانفعالات الإنسان الباطنة؛ كالغضب والرضا.

٦-أن استنارة الوجه دليل على السرور، وهكذا "كان رسول الله ﷺ إِذَا سُرَّ اسْتَنار وَجْهُهُ حتَّى كَأنَّه قِطْعَةُ قَمَر" كما جاء في حديث كعب بن مالك([1375] ولذا قالت عائشة في هذا الحديث: (دخل عليَّ رسول الله ﷺ تبرق أسارير وجهه) سرورًا بقول مجزز المدلجي: (إن هذه الأقدام بعضها من بعض) أي: أقدام أسامة وزيد مع اختلاف لونهما، وقد التحفا بقطيفة على رؤوسهما وبدت أقداهما؛ لأن في قول مجزز ردًا على طعن بعض الناس في نسب أسامة، ومع ذلك حكم بالشبه بينهما، والأسارير جمع أسرار، وهي الخطوط التي تكون في الجبهة([1376])، يكون لها لامعانٌ عند السرور.

٧-الحكم بقول القائف في لحوق النسب، وهو قول الجمهور، وخالف في ذلك الحنفية([1377])، والحديث ردٌّ عليهم([1378]). 

٣٣١-عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: ذُكِرَ الْعَزْلُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (وَلِمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ؟ -وَلَمْ يَقُلْ: فَلا يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ- فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إلاَّ اللَّهُ خَالِقُهَا)([1379]).

٣٣٢-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ([1380]). لَوْ كَانَ شَيْئاً يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ([1381]).

الشرح:

تضمن هذان الحديثان ما جاء في السنة في شأن العزل؛ وهو الإنزال خارج الفرج لمنع الحمل([1382]).

وفي الحديثين فوائد:

١-جواز ذكر ما يستحيا منه في الاستفتاء؛ كما فعلت أم سليم حين قالت: "هل على المرأة من غسلٍ إذا احتلمت ؟"([1383]).

٢-إثبات القدر، وأن الأسباب لا تمنع من وقوع ما كتب الله.

٣-أن العزل لا يمنع ما قدر الله أن يخلقه، ولا يمنع من لحقوق النسب.

٤-جواز العزل، وهو قول الجمهور من الصحابة ومن بعدهم([1384])، لكن لا يجوز عن الحرة إلا بإذنها([1385]). وقيل: بالجواز مطلقًا، وهو قول الشافعي. وقيل: بالتحريم مطلقًا، وهو مذهب أبي محمد ابن حزم([1386]). وقيل: بالكراهة، جمعًا بين الأدلة، وقد استوفى الكلام في المسألة الإمام ابن القيم في "زاد المعاد"([1387]).

والراجح: الأول، ودليل الجواز: حديث جابر هذا، ومن قال بالتحريم استدل بقوله –صلى الله عليه وسلم- في العزل: «ذلك الوأد الخفي» ([1388]).

٥-أنه كان يفعل على عهد رسول الله ﷺ. 

٦-الاستدلال بإقرار الله لهم، فالتقرير يكون من الله، ويكون من الرسول ﷺ.

٧-أن مرد الأحكام إلى الكتاب والسنة في كل دقيق وجليل.

٣٣٣-عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبيهِ -وَهُوَ يَعْلَمُهُ- إلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ: فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتبوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالكُفْرِ -أَوْ قَالَ: عَدُوَّ اللهِ- وَلَيْسَ كَذَلكَ إلَّا حارَ عَلَيْهِ).

كذا عند مسلم([1389]).

وللبخاريِّ نحوُه([1390]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث تحريم ثلاثة أمور، وهي:

١-أن ينكر الإنسان نسبه بالانتساب إلى غير أبيه.

٢-أو يدعي ما ليس له من علم أو مال أو شرف.

٣-أو يرمي أخاه بالكفر.

وفي الحديث فوائد:

١-عظم شأن النسب.

٢-تحريم جحده مع العلم به.

٣-اشتراط العلم بالنسب في التحريم والوعيد.

٤-أن ادعاء الإنسان لغير أبيه كبيرة من كبائر الذنوب؛ بل إنه كفرٌ. وقوله: (إلا كفر) يحتمل أن يراد به الكفر بالله، ويحتمل أن يراد به كفر النعمة([1391]).

٥-أن ادعاء الإنسان ما ليس له كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله: (فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار).

ومعنى (ليس منا) أي: نحن المسلمين بريؤون منه، لا نتولاه.

وقوله: (وليتبوأ مقعده من النار) إنشاء بمعنى الخبر؛ أي: له مقعد من النار يتبوؤه يوم القيامة؛ أي: ينزل فيه.

٦-فيه شاهدٌ لقوله -ﷺ-: «المتشبِّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور»([1392]).

٧-تحريم رمي المسلم بالكفر، رجلًا كان أو امرأة، فلا مفهوم لذكر الرجل.

٨-أن الكافر عدو الله.

٩-أن من رمى غيره بالكفر ولم يكن كذلك رجع عليه حكمُ قوله، أي: يصير هو الكافر، وهو كفرٌ دون كفر، وهذا معنى: إلا حار عليه؛ أي: رجع.

 كتابُ الرَّضاعِ

أي: هذا كتاب ذكر ما ورد في السنة في شأن الرضاع، وهو مصدر من رضع، أو اسم مصدر من أرضع([1393])، وقد تضمن الكتاب ستة أحاديث اشتملت على بعض أحكام الرضاع المحرم، ولم يذكر المصنف بعض أحاديث الرضاع؛ لأنها ليست على شرطه، كالمتعلقة بعدد الرضعات.

٣٣٤-عَنْ عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: (لا تَحِلُّ لِي, يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ, وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ) ([1394]).

٣٣٥-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلادَةِ) ([1395]).

الشرح:

هذان الحديثان أصل في أنه يحرم من النساء بالرضاعة مثل ما يحرم بالنسب، وهن سبعٌ: الأم، والبنت، والأخت، والعمة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت. وقد نص عليهن في القرآن. قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء: 23]. وقد دل الحديثان على أنه يحرم مثلهن من الرضاع، ونص في الآية على الأم والأخت. قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}. وكل هذه المحرمات يحرم نكاحهن تحريمًا مؤبدًا، وبهذا التحريم تثبت المحرمية، وتباح الخلوة والنظر، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أي: يحرم من جهة الرضاع من النساء مثل ما يحرم من النساء من جهة النسب. وفي الحديثين فوائد:

١-أن حمزة عم النبي -صلى الله عليه وسلم- أخ له من الرضاع.

٢-أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحرم عليه من النساء ما يحرم على أمته.

٣-أن الرضاع يوجب تحريمًا بين الرضيع والمرضعة، وزوجها وأقاربها، فأولادهما أخوته، وإخوانهما أخواله وأعمامه حتى كأنها ولدته؛ كما في حديث عائشة، ويسري هذا التحريم إلى فروع المرتضع، وهم أولاده وأولاد أولاده، دون أصوله وهم آباؤه وأمهاته، ودون حواشيه وهم أخوته وأعمامه، فلا يسري فيهم هذا التحريم.

٤-أن مطلق الرضاع يُحرِّم دون تقييد بعدد أو زمن، وهو مذهب كثير من العلماء([1396])؛ عملًا بإطلاق القرآن، والإطلاق في هذا الحديث. وقيل: لا يحرم إلا ثلاث رضعات؛ لمفهوم حديث: (لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان)([1397]) وقيل: لا يحرم إلا خمس رضعات؛ لحديث سالم مولى أبي حذيفة، وفيه: قال ﷺ لسهلة بنت سهيل -امرأة أبي حذيفة-: (أرضيعه خمس رضعات تحرمي عليه)([1398]). وهذه الأقوال كلها جاءت روايات عن الإمام أحمد([1399] والمشهور من مذهبه: أنه لا يحرم إلا خمس رضعات([1400]).    

٥-أن النسب هو الأصل في تحريم النكاح، والرضاع ملحق به.

٦-فيه شاهد لما خص به ﷺ من جوامع الكلم.

٧-تحريم بنت الأخ من الرضاع، ومثلها بنت الأخت من الرضاع.

٣٣٦-وَعَنْهَا: قَالَتْ: إنَّ أَفْلَحَ - أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ([1401])- اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ؟ فَقُلْت: وَاَللَّهِ لا آذَنُ لَهُ, حَتَّى أَسْتَأْذِنَ  رسول  -صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي, وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ, فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي, وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ. فَقَالَ: (ائْذَنِي لَهُ, فَإِنَّهُ عَمُّك, تَرِبَتْ يَمِينُك).

قَالَ عُرْوَةُ " فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: «حَرِّمُوا مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»([1402]).

* وَفِي لَفْظٍ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ, فَلَمْ آذَنْ لَهُ؛ فَقَالَ: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي, وَأَنَا عَمُّك؟ فَقُلْت: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي, قَالَتْ: فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: (صَدَقَ أَفْلَحُ, ائْذَنِي لَهُ) ([1403]). 

الشرح:

هذا الحديث أصل في أن لبن الفحل يحرم في الرضاعة، والمراد بالفحل: زوج المرأة أو سيد الأمة، والمراد بلبن الفحل: هو لبن المرأة الناشئ عن حمل من زوجها أو سيدها؛ فالمرتضع من هذا اللبن يصير ابنًا لصاحب اللبن، فصاحب اللبن أبوه من الرضاع؛ كما أن المرضعة أمه من الرضاع، وينشر الحرمة في أقاربه كما ينشر الحرمة في أقارب المرضعة؛ فأولاده من المرضعة وغيرها أخوته، وإخوان الأب من الرضاع أعمام الرضيع كما تقدم.

ووجه الدلالة من هذا الحديث على التحريم بلبن الفحل: أن عائشة -رضي الله عنها- رضعت من امرأة أبي القعيس؛ فجاء أفلح -أخو أبي القعيس- يستأذن على عائشة ليدخل عليها فلم تأذن له، وقالت: إنما أرضعتني المرأة؛ فقال النبي ﷺ: (ائذني له؛ فإنه عمك) فعلم بذلك: أن الرضاع ينشر الحرمة من جهة الأم والأب، فامرأة أبي القعيس: أم عائشة من الرضاع، وأبو القعيس: أبوها، وأفلح: عمها.

وفي الحديث فوائد:

١-أن لبن الفحل يحرِّم؛ أي: ينشر حرمة الرضاع من جهة الزوج وأقاربه، أصوله وفروعه وحواشيه، فأولاد الزوج: أخوة المرتضع، وأخوته: أعمامه، وآبائه وأمهاته: أجداده وجداته.

٢-أن أخ الزوج عمٌّ لابنة أخيه من الرضاع.

٣-ثبوت المحرمية بالرضاع، وإباحة النظر والخلوة؛ لقوله ﷺ: (ائْذَنِي لَهُ, فَإِنَّهُ عَمُّك) أي: بالدخول عليها.

٤-خفاء هذه المسألة على عائشة -رضي الله عنها- حتى بين لها النبي ﷺ.

٥-احتياط عائشة -رضي الله عنها- بعدم الإذن لأفلح وإن زعم أنه عمها؛ حتى قال لها الرسول: (ائْذَنِي لَهُ , فَإِنَّهُ عَمُّك).

٦-أن العم من الرضاع محرم؛ فكيف بالعم من النسب!

٧-جواز دخول المحرم على المرأة وإباحة الخلوة بها والنظر إليها، وهذا بالإجماع إلا أن تكون منه ريبة أو يعرف بالفجور، ولو كان أبًا؛ فإنه لا يُمكَّن من الخلوة بها أو السفر بها، وعليها أن تحتجب منه إن كان ينظر إليها نظرًا مريبًا.

٨-جواز الدعاء على المخاطب بما لا تقصد حقيقته بل لتأكيد الأمر أو النهي؛ لقوله: (تربت يمينك) أي: ما نالت إلا التراب، وهو كناية عن الدعاء بالفقر([1404])، وهو دعاء لم تقصد حقيقته.

٩-أن من شك في حكم أو جهله سأل أهل العلم.

١٠-أن المستقر عن الصحابة: أن غير المحرم لا يدخل على المرأة، ولا يخلوا بها، وعليها أن تحتجب منه.

١١-جواز التسمية بأفلح، وما ورد من النهي([1405]): للكراهة أو التنزيه([1406]).

٣٣٧-وَعَنْهَا: قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدِي رَجُلٌ؛ فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ مَنْ هَذَا؟) قُلْت: أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ. فَقَالَ:(يَا عَائِشَةُ: اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ؟ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ) ([1407]).

الشرح:

هذا الحديث من أدلة أن الرضاع المحرِّم: ما كان في الصغر وقت اعتماد الطفل في غذائه على الرضاع؛ كما جاء في الحديث: لا يحرم من الرضاع إلا ماكان في الحولين، وكان قبل الفطام([1408]). وهذا معنى قوله ﷺ: (إنما الرضاعة من المجاعة).

وفي الحديث فوائد، منها:

١-التثبت في الأمر إذا اشتبه.

٢-أن من رأى عند أهله رجلًا غريبًا لا يبادر بالإنكار بل يسأل عن علاقته بهم.

٣-أن الأخ من الرضاع محرم.

٤-أن الرضاع المحرِّم ما كان في الصغر لسد جوعة الطفل.

٥-التثبت في صلة الرضاع بين الرضاع المحرِّم وغيره؛ لقوله ﷺ: (اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ ... الحديث).

٣٣٨-عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ([1409]) أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ([1410]), فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا, فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَعْرَضَ عَنِّي. قَالَ: فَتَنَحَّيْت, فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ. قَالَ: (وكَيْفَ؟ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا)([1411]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في اجتناب الشبهات والاحتياط للفروج.

وفي الحديث فوائد:

١-أن الرضاع المحرِّم إذا ثبت بين الزوجين يفرق به بينهما.

٢-قبول شهادة المرأة في الرضاع إذا لم تكن متهمة، وقد اختلف العلماء في ذلك([1412]): فقال بعضهم: تقبل وتحلف. وقال بعضهم: لا تقبل منفردة. والراجح: أنها تقبل إذا لم تكن متهمة، وكانت عدلًا([1413]).

 3-وجوب اجتناب المشتبهات.

٤-إعراض المفتي عمن سأل عن أمر بين.

٣٣٩-عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ -يَعْنِي مِنْ مَكَّةَ- فَتَبِعَتْهُمْ ابْنَةُ حَمْزَةَ, تُنَادِي: يَا عَمُّ, فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّك, فَاحْتَمَلْتُهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي. وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي. وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي. فَقَضَى بِهَا النَّبيُّ ﷺ لِخَالَتِهَا.

وَقَالَ: (الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ) وَقَالَ لِعَلِيٍّ: (أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْك) وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: (أَشْبَهَتَ خَلْقِي وَخُلُقِي) وَقَالَ لِزَيْدٍ: (أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا)([1414]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث قصة ابنة حمزة عندما تبعت النبي ﷺ بعدما خرج من مكة في السنة السابعة من الهجرة بعد عمرة القضية، فتنازع في حضانتها علي وجعفر وزيد؛ فحكم النبي ﷺ بها لخالتها، وهي تحت جعفر، ثم طيب نفوس الثلاثة بكلمات فيها التكريم والثناء كما هو مذكور في القصة.

لكن يبقى سؤال وهو ما مناسبة هذا الحديث لباب الرضاع؟

والجواب: أن يقال: تظهر مناسبته مما تقدم في الحديث الأول، وهو قول النبي ﷺ في ابنة حمزة: (إنها لا تحل لي؛ إنها ابنة أخي من الرضاعة) فالشاهد إذًا من الحديث: قوله: (فَتَبِعَتْهُمْ ابْنَةُ حَمْزَةَ) كما أن الحديث أصل في باب الحضانة.

وفي الحديث فوائد:

١-أن علي وجعفر وزيد -رضي الله عنهم- ممن كان مع النبي ﷺ في عمرة القضية.

٢-أن ابنة حمزة كانت بمكة عند أمها سلمى بنت عميس.

٣-حسن خلقه ﷺ.

٤-فضل هؤلاء الثلاثة علي وجعفر وزيد بثناء النبي ﷺ على كل واحد منهم بما يختص به من صلة بالنبي ﷺ.

٥-أن الخالة أولى بحضانة الطفل من ابن العم ولاسيما إذا كان المحضون أنثى.

٦-أن الخالة بمنزلة الأم مع فقدها.

٧-احتفاء علي ببنت حمزة؛ لقوله لفاطمة: (دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّك، فَاحْتَمَلْتُهَا).

٨-إرشاد العالم إلى حسن الخلق مع المستفتين والمتعلمين والمتخاصمين: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

٩-أن زيد بن حارثة وحمزة ممن آخى بينهم النبي ﷺ من المهاجرين في المدينة.

 كتابُ القِصاصِ

أي: هذا كتابٌ يذكر فيه ما جاء في السنة في شأن القصاص، والقصاص: هو أن يفعل بالجاني نظير ما فعله بالمجني عليه([1415]) مأخوذٌ من قص الأثر، وهو تتبُّعُه([1416] وقد جاء ذكر القصاص في القرآن في ثلاث آيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]. {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]. {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45].

٣٤٠-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّه إلاَّ بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي, وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ, وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ)([1417]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في حرمة المسلم وعصمة دمه إلا بسبب كالأسباب المذكورة في الحديث، وقصْرُ حِلِّ الدم على الأسباب الثلاثة هو من القصر الذي يُسمَّى عند البلاغيين قصر ادعائي؛ أي: ليس قصرًا حقيقيًا ينفي كل ما سوى المذكور، لكن يدل على أن المذكور أهم ما يتعلق به الحكم([1418] يوضحه: أن لحل دم المسلم أسبابًا سوى الثلاثة؛ كالبغي، والزنا بالمحارم.  

وفي الحديث فوائد:

١-عظم حرمة المسلم عند الله.

٢-أن المسلم معصوم الدم.

٣-فضل دين الإسلام، وفضل المسلم على الكافر.

٣-فيه شاهد لقوله ﷺ: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) ([1419]).

٤-أن الزنا بعد الإحصان يحل به دم المسلم؛ وذلك بإقامة حد الرجم عليه، والثيب الزاني: هو الذي قد وطء في نكاح صحيح.

٥-فيه شاهد لقوله ﷺ: (الثيب بالثيب جلد مئة والرجم) ([1420]).

٦-أن مما يحل به دم المسلم: القتل الموجب للقصاص، وهو المراد بقوله: (النفس بالنفس).

٧-أن المرتد عن الإسلام يحل دمه، وهو المراد بقوله في هذا الحديث: (والتارك لدينه المفارق للجماعة). والمرتد: مفارق لجماعة المسلمين، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة على الصحيح.

٨-فيه شاهد لقوله ﷺ: (من بدل دينه فاقتلوه) ([1421]).

٣٤١-وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ) ([1422]).

الشرح:

هذا الحديث خبر من النبي ﷺ عن نوع من القضاء الذي يكون يوم القيامة، والقضاء هو الحكم، والمراد به هنا: الفصل بين الناس في المظالم التي وقعت بينهم في الدنيا، وأول ذلك: القضاء في الدماء وما جرى بينهم من قتل وقتال؛ فيقضى بين القاتل والمقتول بغير حق.

وفي الحديث فوائد:

١-أن الله يفصل بين العباد يوم القيامة فيما اختلفوا فيه، وفي الحقوق التي بينهم؛ ولذا سمي يوم القيامة يوم الفصل.

٢-أن أول ما يقضى بين الناس في الدماء؛ يعني: المظالم المتعلقة بالدماء؛ كالقتل وما دونه من الجراح، وهذه الأولية لا تنافي الأولية في حديث: (أول ما يحاسب عليه العبد صلاته) ([1423]) فإن حديث ابن مسعود في الحقوق التي بين العباد، والحديث الآخر في الحقوق التي بين العبد وربه، وبهذا يندفع التعارض بين الحديثين.

٣-عظم شأن الدماء من الحقوق التي بين الناس.

٤-أن الظلم في النفس أعظم من الظلم في المال، وأما تقديم النهي عن أكل المال بالباطل على النهي عن قتل النفس في آية النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ.. الآية} [النساء: 29]؛ لأن الظلم بأكل الأموال هو الأكثر والأغلب.

٥-أنه لا يقضى بين الناس يوم القيامة في المظالم جملة بل يبدأ بالأهم والأعظم منها.

٦-التحذير من الظلم في النفس.

٣٤٢-وعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ -رضي الله عنه([1424])- قَالَ: انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ([1425]) وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى خَيْبَرَ, وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ, فَتَفَرَّقَا, فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ - وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلاً- فَدَفَنَهُ, ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ, فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ([1426]) وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ([1427]) ابْنَا مَسْعُودٍ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ, فَقَالَ: (كَبِّرْ, كَبِّرْ) -وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ- فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا, فَقَالَ: (أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ, أَوْ صَاحِبَكُمْ؟) قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ؟ قَالَ: (فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِيناً) فقَالُوا: كَيْفَ نأخذ بِأَيْمَانِ قَوْمِ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ عِنْدِهِ([1428]).

* وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ([1429]): فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ, فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ). قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْ كَيْفَ نَحْلِفُ؟ قَالُ: (فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ ([1430]).  

* وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ([1431]): فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ, فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ([1432]). 

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في سنة الحكم بالقسامة، وهي حكمٌ في قتيلٍ بينه وبين المتهم لوث عداوة([1433])، وسمي الحكم قسامة لأنه يطلب من المتَّهَمين أن يحلفوا خمسين يمينًا فيبرؤون، وإلا رُدَّ الأيمان إلى المدَّعين -وهم أولياء المقتول- فيحلفون خمسين يمينًا فيستحقون القَوَد من المتهم، وقد كانت القسامة معمولاً بها في الجاهلية وأقرها الإسلام؛ كما في حديث ابن عباس عند البخاري([1434]).

 وفي الحديث فوائد:

١-أن الأيمان تقوم مقام البينة في القسامة.

٢-أن أيمان القسامة خمسون؛ فإن كان المدعي واحدًا حلف خمسين يمينًا، وإن كانوا اثنين حلف كل واحد خمسة وعشرين، وإن كانوا أكثر من ذلك اقتسموها فيما بينهم.

٣-أن المدعين إذا امتنعوا من الحلف ردت الأيمان على المدعى عليهم.

٤-أنه إذا لم يحلف هؤلاء ولا هؤلاء، وداه الإمام من بيت المال.

٥-أن الدية مئة من الإبل.

٦-أنه كان بين النبي ﷺ ويهود خيبر صلحٌ، وقد تم ذلك في غزوة خيبر.

٧-تقديم الكبير في الكلام وفي الإكرام؛ لقوله ﷺ: (كبِّر؛ كبِّر).

٨-أن من جهل قاتلُه يُديهِ الإمام من بيت المال.

٩-أن من وجد مسلمًا قتيلًا أو ميتًا -وليس عنده أهله- فإنه يتولى تجهيزه ودفنه.

١٠-أن الحكم بين المسلم والكافر بحكم الشريعة.

٣٤٣-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا مَرْضُوضًا بَيْنَ حَجَرَيْنِ, فَقِيلَ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِك: فُلانٌ , فُلانٌ؟ حَتَّى ذُكِرَ يَهُودِيٌّ, فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا, فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ, فَأَمَرَ رسول - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرَضَّ رَأْسَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ([1435]).

* وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيَّ عَنْ أَنَسٍ بن مالك: أَنَّ يَهُودِيّاً قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ([1436]), فَأَقَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بها([1437]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في القصاص ممن قتل بالمثقل، وقتل الرجل بالمرأة.

وفي الحديث فوائد:

١-أن القتل بالمثقل كالقتل بالمحدد في ثبوت القصاص من القاتل.

٢-أن الرجل يقتل بالمرأة.

٣-شدة عداوة اليهود للمسلمين.

٤-فرط حب اليهود للمال؛ لقوله: "قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ" وهي: خواتم من فضة([1438]).

٥-فيه شاهد؛ لقوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].

٦-اعتبار كلام من به رمق.

٧-عرض المتهمين على المقتول الذي به رمق.

٨-أنه إذا عيَّن أحدًا عُمل بقوله وأُخذ المتهم.

٩-أنه لا يقتل بمجرد تعيين المقتول، بل لابد من الاعتراف.

١٠-العمل بالإشارة.

١١-أنه يفعل بالجاني نظير ما فعله بالمجني عليه من صفة القتل، وهذه حقيقة القصاص.

٣٤٤-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قَتَلَتْ هُذَيْلٌ رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, فَقَامَ النبي- صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ, وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ, وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي, وَلا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي, وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ, وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ: حَرَامٌ, لا يُعْضَدُ شَجَرُهَا, وَلا يُخْتَلَى شَوْكُهَا, وَلا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إلاَّ لِمُنْشِدٍ. وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ: فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقْتُلَ, وَإِمَّا أَنْ يُفدَى), فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ - يُقَالُ لَهُ: أَبُو شَاهٍ([1439])- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ  اُكْتُبُوا لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (اُكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ) ثُمَّ قَامَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إلاَّ الاَّذْخِرَ؛ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إلاَّ الإِذْخِرَ) ([1440]).

الشرح:

هذا الحديث المقصود من ذكره في كتاب القصاص: هو قوله ﷺ: (وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ: فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقْتُلَ, وَإِمَّا أَنْ يُفدَى)، وقد تقدم أكثر فوائد هذا الحديث في الكلام على حديث ابن عباس وأبي شريح في بابُ حرمة مكة([1441]).

وأما الفوائد المتعلقة بالقصاص؛ فمنها:

١-أن الواجب في قتل العمد العدوان أحد أمرين: القصاص أو الدية.

٢-أن ولي المقتول يخير بين الأمرين.

٣-فيه شاهد لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلى قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178].

٤-أن للولي أن يستوفي القصاص بنفسه إذا لم تترتب على ذلك مفسدة؛ لقوله: (قَتَلَتْ هُذَيْلٌ رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ).

٥-جواز كتابة السنة، وهذا ناسخ للنهي عن كتابتها([1442]).

٦-أن كتابة العلم سببٌ لحفظه، ومن نوعه: التسجيل.

٧-إعانة من لا يحسن الكتابة بالكتابة له.

٣٤٥-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي إمْلاصِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: شَهِدْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ -عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ- فَقَالَ: لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَك؛ فَشَهِدَ له مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ)([1443]).

٣٤٦-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ  هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ؛ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ - عَبْدٌ  أَوْ وَلِيدَةٌ - وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا, وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ, فَقَامَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ([1444]), فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لا شَرِبَ وَلا أَكَلَ, وَلا نَطَقَ وَلا اسْتَهَلَّ, فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: (إنَّمَا هُوَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ) مِن أجْلِ سَجَعِهِ الَّذي سَجَع([1445]).

الشرح:

هذان الحديثان أصل في دية الخطأ وشبه العمد ودية الجنين إذا جُني على أمه فأسقطت، وهو معنى الإملاص([1446])، وحديث أبي هريرة يفسر ما أجمل في حديث المغيرة.

وفي الحديثين فوائد:

١-وجوب دية الخطأ على عاقلة الجاني.

٢-أن دية الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجاني.

٣-وفي الحديثين شاهد وتفسير لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92].

٤-أن دية الجنين إذا جني عليه في بطن أمه غُرَّةٌ، عبدٌ أو وليدة، ويتحملها الجاني لا العاقلة، وقوله: (عبد أو وليدة) تفسير للغرة؛ فإن الغرة تطلق على المملوك ذكرًا كان أو أنثى([1447]).  

٥-شدة عمر -رضي الله عنه- في رواية الحديث، وقول عمر للمغيرة: "من يشهد لك؟" ليس تكذيبًا له بل طلبًا لتقوية الرواية، ومزيد الطمأنينة.

٦-أن الدية تكون ميراثًا مستحقًا لورثة المقتول.

٧-رفع الخصومات في الحقوق والجنايات إلى الإمام أو نائبه من حاكم وأمير.

٨-ذم البيان الذي يعارض به الحق، ففيه شاهد لقوله ﷺ: (إن من البيان لسحرا) ([1448]).

٩-أن البيان منه محمودٌ ومذموم.  

10-أن الأحكام الشرعية لا تجوز معارضتها بنظر العقل.

٣٤٧-عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ, فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِمه, فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُاه, فَاخْتَصَمَوا إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ! لا دِيَةَ لَك) ([1449]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في أنه لا ضمان على من أتلف غيره دفعًا عن نفسه.

وفي الحديث فوائد:

١-جواز دفع الصائل ولو أدى ذلك إلى تلف نفسه أو طرفه.

٢-أنه لا قصاص على من قتل من صال على نفسه أو حرمته أو ماله.

٣-أن من أنواع العدوان: العض بالأسنان.

٤-أن مثل ذلك لا يليق بالإنسان؛ لأنه تشبه بالحيوان، ولذلك قال ﷺ: (يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ!).

٥-أن للمعضوض أن يتخلص ولو أتلف أسنان العاض.

٣٤٨-عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ([1450]) قَالَ: حَدَّثَنَا جُنْدُبٌ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -وَمَا نَسِينَا مِنْهُ حَدِيثًا([1451]), وَمَا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ, وأَخَذَ سِكِّيناً فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ, فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ! قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَبْدِي بَادَرَنِي بِنَفْسِهِ؛ فحَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) ([1452]). 

الشرح:

هذا الحديث أصل في تحريم قتل الإنسان نفسه، ولو لضرورة.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم قتل الإنسان نفسه، ولو لتخلص من شدة.

٢-وجوب الصبر على ما يصيب الإنسان من شدة أو ألم.

٣-أن شدة ألم الجراحة لا يكون عذرًا في قتل الإنسان نفسه.

٤-أن قتل الإنسان نفسه من أكبر الكبائر.

٥-أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأت شرعنا بخلافه.

٦-أن هذه القصة من أخبار بني إسرائيل التي يرويها النبي ﷺ ومثل هذه القصة يقال فيها: إسرائيلية من حيث الأمة التي جرت فيها، وليست من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب؛ لأن المخبر بهذه القصة هو الرسول ﷺ. وقوله: (فيمن كان قبلكم) أغلب الظن أن المراد بهم: بنو إسرائيل.

٧-إثبات القول من الله.

٨-إثبات التحريم الجزائي؛ لقوله: (حرَّمتُ عليه الجنة).

٩-تحريم الجزع والتسخط من قضاء الله.

١٠-أن أبشع صور الجزع: قتل الإنسان نفسه؛ للتخلص من المصبية.

١١-أن جهل الإنسان بشريعة الإسلام يوقعه في أقبح التصرفات، فالقاتل نفسه طلبًا للراحة من ألم الجراح أو أي مصيبة  يفرُّ من ألمٍ إلى أشدِّ الألم، وهو عذابه بالنار!

١٢-تأكيد الرواية بتعيين مكان الحديث؛ لقوله: "في هذا المسجد".

 كتابُ الحُدودِ

أي: هذا كتاب ذكر ما جاءت به السنة من بيان الحدود وأحكامها، والحدود: جمع حد، وأصل معناه: المنع([1453] والحدود في الشرع نوعان: حدود نهى الله عن قربانها وهي الحرمات، وحدود نهى الله عن تعديها وهي المباحات مما أمر الله به أو أذن فيه.  

والحدود في اصطلاح الفقهاء هي: العقوبات المقدرة كحد الزنا والقذف([1454]).

٣٤٩-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُكْلٍ -أَوْ عُرَيْنَةَ- فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ, فَأَمَرَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلِقَاحٍ, وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ, فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ, فَأَمَرَ فَقُطِّعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ, وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ, وَتُرِكُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ, فَلا يُسْقَوْنَ.

 قَالَ أَبُو قِلابَةَ([1455]): فَهَؤُلاءِ سَرَقُوا، وَقَتَلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ, وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ([1456]).  

الشرح:

هذا الحديث أصل في حد المحاربة، وهي التعرض للناس في طرقاتهم في أسفارهم للقتل والنهب([1457]).

وفي الحديث فوائد:

١-أن أهل الحرابة يجب طلبهم والقبض عليهم، فإن كانوا مرتدين قُتلوا لردتهم، وإن كانوا قَتلوا وجب قتلُهم، وتفصيل حكمهم في آية المائدة: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33]. و "أو" في الآية قيل: للتخيير، وقيل: للتنويع، وهو أظهر([1458]).

٢-عناية النبي ﷺ بالمهاجرين.

٣-العلاج بأبوال الإبل وألبانها. 

٤-طهارة أبوال الإبل، وفي حكمه: سائر ما يؤكل لحمه، وهو مذهب مالك، وأحمد([1459]) -رحمهما الله- وهو الصواب، والمشهور من مذهب الشافعي: نجاسة الأبوال والأرواث كلها([1460]).

5-لؤم هؤلاء الذين قابلوا إحسان الرسول ﷺ بمحاربة الله ورسوله، والسعي في الفساد.

6-أن من ارتكب عدة جرائم يعاقب بأنواع العقوبات المناسبة.

7-غلظة النبي ﷺ على المفسدين عملًا بقوله تعالى: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]. وهو الرءوف الرحيم بالمؤمنين ﷺ.

8-أن من أسباب الصحة: الخروج إلى البر طلبًا للهواء النقي.

9-قتل الجماعة بالواحد.

٣٥٠-عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ([1461]) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رضي الله عنهما- أَنَّهُمَا قَالا: إنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُك اللَّهَ إلاَّ قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ - وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ – نَعَمْ؛ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ, وَائذَنْ لِي.

فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ).

 فَقَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَى هَذَا, فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ, وَإِنِّي أُخْبِرْت أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ, فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ, فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ؛ فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ, وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ, الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْك، وَعَلَى ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. اغْدُ يَا أُنَيْسُ([1462]) - لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ - إلى امْرَأَةِ هَذَا, فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا) قال: فَغَدَا عَلَيْهَا, فَاعْتَرَفَتْ, فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَتْ([1463]). 

* العَسِيفُ: الأَجِيرُ([1464]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في حد الزنا، وهو جلد البكر مئة وتغريب عام ورجم الثيب.

وفي الحديث فوائد:

١-أن حد الزاني البكر جلد مئة وتغريب عام؛ فالجلد بالكتاب والسنة، والتغريب بالسنة.

٢-أن حد الزاني المحصن الرجم بالحجارة.

٣-أن الحدود الشرعية لا يفتدى منها بالمال.

٤-أن الفتوى بجهل تؤدي إلى تغيير الأحكام الشرعية.

٥-فضل سؤال أهل العلم، وأنه الطريق إلى معرفة الحق.

٦-أن الواجب إذا اختلفت الفتوى الرجوع إلى الأعلم؛ ليفصل في المسألة.

٧-أن المرجع في معرفة الأحكام الشرعية الرسول ﷺ.

٨-أنه ﷺ كان يتولى بنفسه منصب القضاء في الخصومات.

٩-جواز الحلف من غير استحلاف، وجواز الحلف ممن لا يتهم؛ لقوله ﷺ: (لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّه).

١٠-أن من الجهل: خطاب النبي ﷺ بما لا يليق بجنابه.

١١-أن من أُفتي فتوى غير ثبت وجب ردها، وبيان الصواب.

١٢-التوكيل في إثبات الحد وإقامته.

١٣-خطر العمال والخدم في البيوت.

١٤-حسن خلقه ﷺ وصبره على جفاء الجهال.

١٥-استحباب صبر الحاكم والمفتي على جفاء الناس.

١٦-أن قول القائل للعالم: احكم بيننا بالحق أو بكتاب الله لا يستلزم اتهامه بخلاف ذلك.

١٧-أن كتاب الله قد يُطلق ويُراد به حكم الله.

١٨-حسن أدب الخصم الآخر؛ لقوله: (وَائذَنْ لِي)، ولهذا قال الراوي: "وكان أفقه منه"؛ أي: من الخصم الأول.

١٩-جواز استفتاء غير النبي ﷺ في حياته في غيبته لا في حضرته؛ لقوله: "فسألتُ أهلَ العلم".

٢٠-جواز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل، وعند الاختلاف يرجع إلى الأفضل.

٢٢-ثبوت الحد بالاعتراف بموجبه.

٢٣-ثبوت حد الزنا بالاعتراف مرة واحدة، وفي ذلك خلاف سيأتي.

٢٤-أن ما يستحى من ذكره من الألفاظ يتسامح فيه في مجلس الإفتاء والحكم.

٢٥-أنا زنا المرأة تحت زوجها لا يوجب فسخ النكاح.

٣٥١-وعَنْه: عنهما قَالا: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ: إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا, ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا, ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا, ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ).

* قالَ ابنُ شِهابٍ([1465]): ولا أَدري، أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعةِ([1466]).

*والضَّفيرُ: الحَبْلُ([1467]). 

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل من السنة في حد الأمة إذا زنت.

وفي الحديث فوائد:

١-وجوب إقامة الحد على الأمة إذا زنت، وفي حكمها: العبد، وحدُّها خمسون جلدة نصف حد الحرة؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25].

٢-أن الذي يقيم الحد على الأمة سيدها؛ فلا ترفع إلى الإمام.

٣-أنه لا يعتبر في ثبوت زنا الأمة أربعة شهود، بل يكفي علم السيد باعتراف أو غيره.

٤-تكرار الحد بتكرار الفعل بعد إقامة الحد.

٥-مشروعية بيع الأمة إذا تكرر زناها مع بيان عيبها؛ لقوله: (ولو بضفير).

٦-حكمة الشريعة بتخفيف حد الزنا عن الرقيق.

٧-وجوب تزويج الرقيق أو التسرِّي بالإماء؛ سدًا لذريعة الزنا.

٨-أنه لا يضم إلى الحد التوبيخ والتعيير؛ لقوله في رواية: (ولا يثرِّب عليها) ([1468]).

٩-أنه لا فرق بين المزوجة وغيرها.

٣٥٢-وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ، فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْتُ, فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَقَالَ له: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْت, فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَقَالَ له: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْت, فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى ثَنَّى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ: دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  فَقَالَ: (أَبِكَ جُنُونٌ؟) قَالَ: لا. قَالَ: (فَهَلْ أُحْصِنْت؟) قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: (اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ).

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «كُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُ, فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى, فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ([1469]) الْحِجَارَةُ هَرَبَ, فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ؛ فَرَجَمْنَاهُ» ([1470]).

* الرَّجُلُ: هو ماعزُ بنُ مالِكٍ([1471]). ورَوَى قِصَّتَهُ جابرُ بنُ سَمُرة([1472])، وعَبْدُ اللهِ بنُ عَباسٍ([1473])، وأَبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ([1474])، وبُرَيْدَةُ بنُ الحُصَيْبِ الأَسْلَمِيُّ([1475]). 

٣٥٣-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْيَهُودَ جَاؤوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرُوا لَهُ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَرَجُلاً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟) فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ([1476]): كَذَبْتُمْ، إن فِيهَا الرَّجْمِ, فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا, فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: ارْفَعْ يَدَك، فَرَفَعَ يَدَهُ, فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ, فَقَالَ: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ, فَأَمَرَ بِهِمَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَرُجِمَا. قَالَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ: يَجْنَأُ ([1477]) عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ([1478]). 

*الرَّجُلُ الَّذي وَضَعَ يدَهُ على آيةِ الرَّجْمِ: عبدُ اللهِ بنُ صُوريا([1479]).

الشرح:

هذان الحديثان هما من أدلة حد الزاني المحصن وهو الرجم، وقد أجمع أهل السنة على ذلك([1480])، وخالف في ذلك الخوارج([1481])، وقد تواترت به السنة عن النبي ﷺ القولية والفعلية؛ فروى الرجم عن النبي ﷺ جمع من الصحابة؛ كما في قصة ماعز والغامدية([1482]) واليهوديين، وقد أشار المؤلف إلى بعض أولئك، فذكر من روى قصة ماعز من الصحابة.

وفي الحديثين فوائد:

١-ثبوت الزنا بالاعتراف. فقيل: يكفي مرة كما حديث العسيف، وقيل: لا بد من أربع مرات؛ كما في حديث ماعز([1483]).

٢-التثبت من حال المعترف.

٣-أن من ثبت زناه بالاعتراف يقبل رجوعه إذا رجع.

٤-جواز الإقرار بالزنا عند الحاكم، وستر الزاني على نفسه أفضل.

٥-إعراض الإمام عمن أقر بحد عليه؛ ليرجع أو يثبت.

6-فضيلة ماعز بن مالك -رضي الله عنه- بصدق توبته وصبره لله.

7-أن أهل الكتاب إذا تحاكموا إلينا حكمنا عليهم بشريعة الإسلام.

8-أنه يجوز أن نحليهم في الحكم بينهم إلى كتابهم إذا كان موافقًا لشريعتنا.

9-في الحديث شاهد لقوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42].

10-أن رجم الزاني المحصن هو في شرع من قبلنا، وقد جاء به شرعنا.

11-تعطيل اليهود حد الرجم، وجحد وجوده في التوراة، وتبديلهم شرع الله.

١٢-سؤال المقر بالزنا عما له أثرٌ في وجوب الحد.

١٣-اشتراط سلامة العقل لصحة الإقرار.

١٤-جواز التعريض للمقر بالزنا بالرجوع.

١٥-اعتبار تكرار الإقرار بالزنا أربع مرات في وجوب الحد.

١٦-أن حد الزاني المحصن الرجم بلا جلد.

١٧-أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.

١٨-فضيلة عبد الله بن سلام.

١٩-الاحتجاج على أهل الكتاب بما عندهم في التوراة والإنجيل.

٣٥٤-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (لَوْ أَنَّ امْرَئً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنِ, فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ, فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ: مَا كَانَ عَلَيْك جُنَاحٌ) ([1484]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في جواز دفع الصائل ببصره.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم الاطلاع على حرمات الناس في بيوتهم.

٢-أن من اطلع على أحد بغير إذنه؛ فهو صائل يجوز دفعه إلا أن تكون له شبهة.

٣-أنه لو حذفه ففقأ عينه فلا قصاص عليه، لكن ينبغي نهيه أولًا، وإن دفعه فبشيء خفيف.

٤-أن العدوان على الغير يكون بالعين وبالإذن كما يكون باليد.

٥-أن النظر إلى العورات في البيوت سببٌ للوقوع في فاحشة الزنا، وعقوبة الناظر بحذفه بحجر ونحوه؛ وبهذا تظهر مناسبته لذكره في باب حد الزنا.

٦-فيه شاهد لقوله ﷺ: « إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» ([1485]).

 بابُ حَدِّ السَّرِقةِ

أي: هذا باب ذكر الدليل من السنة على حد السرقة، وهو قطع يد السارق اليمنى من مفصل الكف، وقد دل على حد السرقة: الكتاب والسنة والإجماع؛ فهو من الأحكام القطعية، والسرقة هي: أخذ المال من حرزه على وجه الخفية([1486]).

٣٥٥-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله تعالى عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ - وَفِي لَفْظٍ: ثَمَنُهُ - ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ([1487]).

٣٥٦-وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً) ([1488]).

٣٥٧-وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ, فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ, فَقَالَ: (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟!) ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، فَقَالَ: (إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ, وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ, وَأَيْمُ اللَّهِ: لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) ([1489]).

* وَفِي لَفْظٍ قالت: كَانَتْ امْرَأَةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ, فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَطْعِ يَدِهَا([1490]).

الشرح:

هذه الأحاديث هي الأصل في نصاب السرقة، وهو القدر الذي تقطع به يد السارق.

وفي الأحاديث فوائد:

١-أن حد السارق قطع يده، رجلًا كان أو امرأة؛ كما قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38].

٢-أن نصاب السرقة ثلاثة دراهم من الفضة، أو ما قيمته ثلاثة دراهم، أو ربع دينار من الذهب، ولا قطع فيما دون ذلك، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء([1491] وخالف في ذلك الظاهرية فقالوا: بوجوب القطع في كل قليل وكثير([1492] والصواب: قول الجمهور؛ لهذه الأحاديث. 

٣-الرد على من يعترض على قطع يد السارق في ربع دينار؛ كالمعرِّي الشاعر([1493]) في قوله:

يدٌ بِخَمْسِ مِئِين عَسْجَدٍ وديت ** ما بالُهَا قُطعت في رُبْعِ دينارِ؟!([1494])

فمما قيل في الرد عليه:

لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت([1495])

وقيل نظماً:  

عِزُّ الْأَمَانَةِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا ** ذُلُّ الْخِيَانَةِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي([1496])

٤-أن جحد العارية يوجب القطع؛ لقوله: "كانت تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ , فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَطْعِ يَدِهَا". وقد اختلف العلماء في ذلك: فذهب الإمام أحمد وجمع من العلماء إلى العمل بظاهر الحديث([1497])، وذهب الجمهور إلى أنه لا قطع في جحد العارية([1498])، وتأولوا الحديث بأن المرأة سرقت فأمر النبي ﷺ بقطع يدها، ومن عادة هذه المرأة أنها تستعير المتاع وتجحده، وليس المراد أن جحد العارية هو السبب لقطع يدها بل السرقة.

٥-أن بني مخزوم من قريش؛ ولذا أهمهم أمر المخزومية.

6-تحريم الشفاعة في الحدود، وتحريم قبولها، والإنكار على من فعلها.

7-فضيلة أسامة -رضي الله عنه-.

8-أنه مع فضله ليس بمعصوم.

9-قوة النبي ﷺ في الحق، وغضبه لله.

10-أن من عادة الأمم السابقة: أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.

١1-نهي هذه الأمة عن التشبه بالأمم الماضية في ذلك.

١2-فضل فاطمة بنت محمد -رضي الله عنها- وعلو منزلتها في نفس الرسول ﷺ ومع ذلك لو سرقت –وحاشاها- لقطع النبي ﷺ يدها.

١3-الحلف على الحكم تعظيمًا له.

١4-تحريم محاباة الأشراف في الحدود.

 بَابُ حَدِّ الْخَمْرِ

أي: هذا باب ذكر الدليل على حد شارب الخمر، والخمر كل ما أسكر من الأطعمة والأشربة مما صنع ليكون مسكرًا، أو صار بنفسه مسكرًا، من أي الحبوب والثمار كان، وسمي خمرًا من الخمار؛ لأنه يغطي العقل([1499] وفي الحديث: (والخمُر: ما خَامرَ العقلَ)([1500]) وليس من الخمر ما يسكر خلقة كالعنبر، ولكن يحرم تعاطيه أكلًا أو شربًا على وجه يؤدي إلى السكر به.

وقد دل على تحريم الخمر: الكتاب والسنة والإجماع، فتحريمه قطعي معلوم من دين الإسلام بالضرورة، وقد كان الخمر حلالًا في أول الإسلام وبعد الهجرة، ثم حرم تحريمًا قاطعًا؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}  إلى قوله: {أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 90]. وقد اختلف العلماء: هل جلد الشارب حدٌّ لا يجوز الزيادة فيه ولا النقص، أو هو تعزيرٌ يختلف باختلاف الأحوال؟([1501]) وهذا هو الصواب بدليل أن الصحابة في عهد عمر زادوا في عقوبة الشارب على ما فعله الرسول ﷺ وأبو بكر، وهو أربعون جلدة، فجعلوه ثمانين([1502])، فلو كان حدًا لما زيد عليه كحد الزنا وحد القذف، والله أعلم. 

٣٥٨-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ, فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَةٍ نَحوَ أَرْبَعِينَ.

قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَخَفُّ الحُدُودِ ثَمَانُونَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ([1503]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في جلد شارب الخمر وبيان مقداره.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم شرب الخمر، وهو إجماع.

٢-أن شارب الخمر يجلد أربعين جلدة.

٣-أن هذا فعل النبي ﷺ وفعل أبي بكر.

٤-أنه لما تساهل الناس في شرب الخمر في عهد عمر شاور الصحابة -رضي الله عنهم- في شأن عقوبة الشارب، فأشار عبد الرحمن بن عوف بجعل عقوبته ثمانين جلدة، ووجه ذلك: أن الثمانين أخف الحدود، وهو حد القذف، وأن من شرب هذى، ومن هذى افترى([1504]).

٥-أن جلد الشارب تعزير لا حد.

٦-أن الأمر استقر على ما أجمع عليه الصحابة من أن حد الشارب ثمانون.

٧-التشاور بين العلماء في المسائل الاجتهادية.

٨-فضيلة عمر بتعظيمه أمر الشورى في سياسة الرعية.

٩-أنه ينبغي للإمام أن لا يستبد برأيه عن الأعيان والعلماء.

٣٥٩-عَنْ أَبِي بُرْدَةَ هَانِئِ بْنِ نِيَارٍ الْبَلَوِيِّ([1505]): أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (لا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ) ([1506]). 

الشرح:

هذا الحديث أصل في تقدير جلد التأديب بعشر جلدات.

وفي الحديث فوائد:

١-أنه لا يجوز الزيادة على عشر جلدات في جلد التأديب للتقصير في حق من الحقوق مما ليس بمعصية لله؛ كتأديب السيد عبده، والرجل امرأته، والوالد ولده، والأستاذ تلميذه.

٢-أنه تجوز الزيادة إذا كان الجلد تعزيرًا في معصية، والمراد بالحد في الحديث: واحد الحدود التي نهى الله عن قربانها وهي المحرمات، فمعنى قوله: (إلا في حد) أي: في عقوبة حد، ويحتمل أن يراد بالحد: العقوبة المقدرة كجلد الزاني وجلد القاذف؛ كما قال ﷺ للقاذف: «البينة وإلا حدٌّ في ظهرك» ([1507]) والأول أولى.

 كِتَابُ الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ

أي: هذا كتاب ما جاء في السنة من الأحاديث المتعلقة بالأيمان والنذور، والأيمان: جمع يمين، وهو القسم أو الحلف([1508] ومن أحكام الأيمان: أنها لا يجوز الحلف فيها بغير لله أو صفة من صفاته، فإن الحلف بغير لله شرك.

والنذور: جمع نذر، وهو إلزام العبد نفسه قولًا أو فعلًا مما لا يلزمه في الشرع([1509])، والمناسبة بين الأيمان والنذور أن في كل منهما إلزام. 

٣٦٠-عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ, لا تَسْأَلْ الإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِّلْتَ إلَيْهَا, وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا, وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا: فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ, وَائتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ)([1510]).

٣٦١-عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إنِّي وَاَللَّهِ -إنْ شَاءَ اللَّهُ- لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا إلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ, وَتَحَلَّلْتُهَا) ([1511]) .

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل من السنة في كفارة اليمين، واليمين المكفرة هي المعقودة على مستقبل من فعل أو ترك على وجه الحض والمنع([1512])، وهذه اليمين من قبيل الإنشاء؛ كقولك "والله لأفعلنَّ كذا" أو "لا أفعل كذا". وأما اليمين التي يقصد بها الخبر فلا تتعلق بها الكفارة؛ لأن الخبر إما صدق وإما كذب، والحلف على الكذب من كبائر الذنوب؛ فلهذا لا ترفع الكفارةُ حكمَ اليمين الكاذبة وإنما ترفعها التوبة. وفي الحديثين فوائد:

١-النهي عن سؤال الإمارة وذم الحرص عليها، وفي حكمها: سائر الوظائف والولايات، وقد فصل الفقهاء حكم طلب الولاية([1513] وبينوا أنها تجري فيها أحكام التكليف الخمسة: من وجوب واستحباب وتحريم وكراهية وإباحة، فطلب الولاية يختلف باختلاف الأحوال والمقاصد والآثار، وقد طلب يوسف -عليه السلام- من الملك جعله على خزائن الأرض، وليس هذا من طلب أصل الولاية، ولكنه اختيار لما هو أقدر عليه وأصلح للناس لما خيره الملك بقوله: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: 54].

٢-أن من أعطيها من غير مسألة أعانه الله عليها.

٣-أن من أعطيها عن مسألة لم يعن عليها.

٤-ذم الحرص على الولايات.

٥-مشروعية ترك المحلوف عليه إذا كان غيره خيرًا منه؛ فيترك المحلوف على فعله ويفعل المحلوف على تركه؛ فيأتي الذي هو خير من فعل أو ترك.

٦-أن حل اليمين يكون بالكفارة، وهي ما ذكره الله تعالى في قوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89]. وهذا معنى قوله ﷺ: (فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ, وَائتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ).

٧-أن هدي النبي ﷺ هو ما أمر به عبد الرحمن بن سمرة، وهو قوله ﷺ في حديث أبي موسى: (إنِّي وَاَللَّهِ -إنْ شَاءَ اللَّهُ- لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا إلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ, وَتَحَلَّلْتُهَا) فتطابق منه ﷺ في ذلك القول والفعل.

٨-أنه يصح فعل الكفارة قبل الحنث وبعده، ولا يصلح فعلها قبل اليمين.

٩-فيه شاهد لقاعدة "تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما، واحتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما".

١٠-أن من تيسير الله للعباد أن شرع لهم كفارة اليمين إذا احتاجوا إلى الحنث فيها.

١١-جواز الحلف من غير استحلاف.

١٢-مشروعية الاستثناء في اليمين بـ "إن شاء الله" تبركًا باسم الله، أو لحل اليمين.

٣٦٢-وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم : (إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ) ([1514]).

*وَلِمُسْلِمٍ: (فَمَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت) ([1515]).

*وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ عُمَرُ: «فَوَاَللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْهَا, ذَاكِرًا وَلا آثِرًا»([1516]).

* آثِرًا: يعني: حَاكِيًا عَنْ غَيْرِي أَنَّهُ حَلَفَ بِها.

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في تحريم الحلف بغير الله.

وفي الحديث فوائد:

١-النهي عن الحلف بالآباء.

٢-تعظيم العرب للآباء؛ لأن الأنساب تعرف بهم.

٣-وجوب قصر الحلف على الحلف بالله.

٤-فيه شاهد لقوله ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» ([1517]).

٥-فضل عمر -رضي الله عنه- في صدق الطاعة للرسول ﷺ فحق له أن يقتدى به؛ ولذا قال ﷺ: (اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر) ([1518]).

٦-أن اليمين المحترمة هي اليمين بالله، وكل ما كان من أيمان المسلمين.

٧-أن الحلف بغير الله لا حرمة له؛ لأنه شرك، فلا تجب بالحنث فيه كفارةٌ.

٣٦٣-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عليهما السلام: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, فَقِيلَ لَهُ: قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ, فَلَمْ يَقُلْ, فَأطَافَ بِهِنَّ, فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إلاَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ: نِصْفَ إنْسَانٍ). قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ, وَكَانَ دَرَكاً لِحَاجَتِهِ) ([1519]).  

* قولُهُ: (فَقِيلَ لَهُ: قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ) يعني قالَ لهُ المَلَكُ ([1520]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في مشروعية الاستثناء باليمين بإن شاء الله.

وفي الحديث فوائد:

١-فيه شاهد لحديث أبي هريرة: (من حلف فقال: إن شاء الله لم يحنث) ([1521]).

٢-أن الاستثناء في اليمين كان في شرع من قبلنا.

٣-إباحة تعدد الزوجات في شريعة سليمان -عليه السلام- أكثر من أربع بل إلى مئة.

٤-رغبة سليمان -عليه السلام- في الخير والجهاد في سبيل الله.

٥-حسن ظنه بالله؛ لأن ما قاله هو من باب الإقسام على الله.

٦-فضل الاستثناء في اليمين برد الأمر إلى مشيئة الله؛ لأنه سبب لدرك الحاجة.

٧-وجوب ذلك فيما يرجع إلى فعل الله دون ما يرجع إلى فعل العبد، ولعل نبي الله سليمان لم يقل إن شاء الله بعزمه على الفعل، وهو الطواف على نسائه.

٨-الكناية عن التصريح بما يستحى من التصريح به؛ لقوله: (لأطوفن) كناية عن الجماع.

٩-ما فضل به سليمان -عليه السلام- من القوة على الجماع، وهذا مناسب لما أوتيه من الملك وكثرة النساء.

١٠-جواز الحلف على ما عزم عليه الإنسان من الفعل.

١١-فيه شاهد لما يذكر أنه ﷺ أعطي قوة ثلاثين رجلًا([1522]).

٣٦٤-عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم– (مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطعُ بهَا مَالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ -هُوَ فِيَها فَاجِرٌ- لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، ونَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية"([1523]).

٣٦٥-عَنْ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ([1524]) -رضي الله عنه- قَالَ: (كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ).  

 قُلْت: إذاً يَحْلِفُ وَلا يُبَالِي! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْر،ٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ -هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ- لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) ([1525]).

الشرح:

هذان الحديثان أصل في تغليظ تحريم اليمين الكاذبة في الخصومة؛ لاقتطاع شيء من مال المسلم.

وفي الحديثين فوائد:

١-شدة تحريم الحلف في الخصومة كذبًا، ويقال لها: اليمين الغموس.

٢-شدة وعيد من فعل ذلك.

٣-أن اليمين الفاجرة من كبائر الذنوب؛ لترتيب الوعيد عليها.

٤-فيه إثبات لقاء الله، وهو من أدلة إثبات الرؤية.

٥-إثبات الغضب لله.

٦-حرمة مال المسلم.

٧-أن مال المسلم لا يحله حكم الحاكم باليمين الفاجرة أو شهود الزور.

٨-أن خصومة الأشعث في بئره مع الرجل سبب نزول قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا .. الآية} [آل عمران: 77].

٩-أنه ليس للمدعي على خصمه المنكر إلا يمنيه.

١٠-موعظة الحاكم من توجهت عليه اليمين؛ ليحذر من الفجور في يمينه.

١١-بناء الأحكام على الظواهر، والله يتولى السرائر.

١٢-أن الخصم إذا طعن في خصمه في مجلس الحكم لا يقرره الحاكم بل يذكر الوعيد الوارد فيما طعنه به.

٣٦٦-عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ الأَنْصَارِيِّ([1526]) -رضي الله عنه- أَنَّهُ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَحْتَ الشَّجَرَةِ, وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلامِ, كَاذِباً مُتَعَمِّداً, فَهُوَ كَمَا قَالَ, وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لا يَمْلِكُ) ([1527]). 

* وَفِي رِوَايَةٍ: (وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ) ([1528]).  

* وَفِي رِوَايَةٍ: (مَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا, لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلاَّ قِلَّةً) ([1529]).

الشرح:

هذا حديثٌ عظيم؛ لأنه اشتمل على عدة مسائل، لذلك فهو بمنزلة عدة أحاديث، فيدخل باعتبار ما تضمنه في ستة أبواب.

وفي الحديث فوائد:

١-فضيلة ثابت بن الضحاك؛ لأنه من أهل بيعة الرضوان، وهم أصحاب الشجرة.

٢-تحريم الحلف بملة غير الإسلام؛ كأن يقول: هو يهودي إن فعل كذا، أو لا يفعل كذا.

٣-أن الحلف بملة غير الإسلام كذبًا من كبائر الذنوب، وقوله: (فهو كما قال) معناه: يصير كافرًا، يهوديًا أو نصرانيًا، وهذا من نوع كفر دون كفر، وليس معناه: أنه يصير مرتدًا خارجًا عن ملة الإسلام.

٤-أن شرط الوعيد: تعمُّد الذنب؛ لقوله: (كاذبًا متعمِّداً).

٥-أن من قتل نفسه بشيء، حديدة أو سم، عذب به يوم القيامة في نار جهنم خالدًا مخلدًا؛ كما جاء في الحديث الآخر المتفق عليه([1530]).

٦-أن نذر الإنسان فيما لا يملك لا يلزمه؛ كمن نذر أن يعتق عبد فلان.

٧-أن لعن المؤمن كبيرة كقتله.

٨-تحريم تكثر الإنسان بما لم يعط، وهو أن يدعي شيئًا لم يحصل له.

٩-فيه شاهد لقوله ﷺ: «المتشبِّعُ بما لم يُعطَ كلابِس ثوبيْ زُور» ([1531]).

١٠-أن المتكثر بما لم يعط يعاقب بنقيض مقصوده.

١١-أن جناية الإنسان على نفسه بالقتل وما دونه كجنايته على غيره في الإثم؛ لأن نفسه ليست ملكًا له.

 بابُ النَّذْرِ

أي: هذا باب ذكر ما جاء في النذر من السنة. والنذر لغة: أن يلتزم الإنسان أمرًا، فعلًا أو تركًا([1532]). وفي الشرع: أن يوجب الإنسان على نفسه من أنواع الطاعة ما لم يوجبه الله من صلاة أو صدقة أو صيام أو اعتكاف أو نحو ذلك([1533]).

وعقد النذر منهيٌّ عنه، فهو إما محرم أو مكروه، وحكم الوفاء بالنذر: إن كان النذر طاعة وجب، وإن كان معصية حرم الوفاء بل وحرم عقده، وعقد النذر ليس بعبادة إلا باعتبار ما يتضمنه من تعظيم المنذور له.

٣٦٧-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً -وَفِي رِوَايَةٍ: يَوْمًا- فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: (فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ)([1534]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في صحة عقود أهل الجاهلية، فعمر نذر وهو في الجاهلية قبل الإسلام؛ فأمره النبي ﷺ أن يوفي بنذره.

وفي الحديث فوائد:

١-أن أهل الجاهلية يتعبدون لله مع شركهم.

٢-تعظيمهم المسجد الحرام.

٣-التعبد لله بالاعتكاف في المسجد الحرام.

٤-فضيلة عمر -رضي الله عنه- وأنه كان من أهل التعبد في الجاهلية.

٥-وجوب الوفاء بالنذر.

٦-صحة عقد النذر في الجاهلية، ووجوب الوفاء به في الإسلام.

٧-أنه ليس من شرط الاعتكاف الصوم؛ لقوله: (أن أعتكف ليلة).

٨-أن الاعتكاف من العبادات الشرعية التي تجب بالنذر على الصحيح، ولا تجب بأصل الشرع.

٩-سؤال المسلم أهل العلم عما يجهل من دينه.

٣٦٨-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ , وَقَالَ: (إنَّه لا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) ([1535]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في كراهة النذر؛ لأن أقل ما يقتضيه النهي الكراهة.

وفي الحديث فوائد:

١-النهي عن النذر.

٢-كراهة النذر.

٣-أن النذر لا يكون سببًا في جلب خير أو دفع شر.

٤-أنه إذا حصل مطلوب الناذر: فيُعلم أنه ليس بسبب النذر وإنما صادف قدرًا؛ لقوله ﷺ: (لا يأتي بخير).

٥-أن من لا يفعل القربة إلا إذا نذر وحصل له مطلوبه، فهو بخيل؛ لقوله ﷺ: (وإنما يستخرج به من البخيل).

٦-فيه شاهد لقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75]. وفي الآية دليل على أن النذر المعلق على حصول مطلوب من الله عهد بين العبد وربه يجب الوفاء به، وفيها دليل على خطر إخلاف ذلك الوعد؛ لقوله: {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة 76-77].

٧-رحمه الله بعباده بنهيهم عن النذر.

٨-فيه شاهد لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. فالنذر مخالف لمراد الله في هذه الآية.

٩-أن نذر الطاعة المعلق على حصول أمر ينافي كمال الإخلاص.

١٠-ذم البخل وهو منع ما يجب بذله.

٣٦٩-عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ حَافِيَةً؛ فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ: (لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ)([1536]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في عدم وجوب الوفاء بنذر المباح.

وفي الحديث فوائد:

١-أن المشي إلى البيت في الحج ليس بواجب ولا مستحب، بل الواجب هو القصد إلى البيت راكبًا أو ماشيًا.

٢-أن من نذر المشي إلى البيت: يُخيَّر بين المشي والركوب؛ لكن إن ركب فعليه كفارة يمين.

3-جواز الوكالة في السؤال عن العلم ونقل الجواب.

4-أن التعبد بما لم يشرعه الله ابتداع في الدين.

5-أن من التنطع في العبادة: تعريض الإنسان نفسه للحرج والمشقة، وهذا خلاف مراد الله بالعباد: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ } [المائدة: 6].

6-أن حسن النية لا يسوغ العمل ولا يوجب العذر.

٣٧٠-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ  تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (فَاقْضِهِ عَنْهَا)([1537]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في قضاء النذر عن الميت، ولهذا الحديث شواهد في قضاء النذر([1538])

وفي الحديث فوائد:

١-استحباب قضاء النذر عن الميت.

٢-فضيلة سعد بن عبادة سيد الخزرج؛ لاهتمامه بنذر أمه.

٣-استحباب السؤال عما أشكل من مسائل الدين.

٤-أنه يستحب لولي الميت قضاء ما عليه من نذر وغيره.

٥-فيه شاهد لقوله ﷺ: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ([1539]).

٣٧١-عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي: أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) ([1540]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في حكم التصدق بجميع المال، وهذا الحديث طرفٌ من حديث كعب بن مالك الطويل في قصة تخلفه عن غزوة تبوك وتوبة الله عليه وعلى صاحبيه، وفيما ذكر المؤلف من قول كعب، وجواب النبي ﷺ له فوائد:

١-فضيلة كعب بن مالك -رضي الله عنه-؛ لصدق توبته وبذله في ذلك جميع ماله.

٢-كراهة التصدق بجميع المال؛ لقوله ﷺ: (أمسك عليك بعض مالك) إلا لمن يكون له كسب يقوم بكفايته وكفاية من تجب عليه نفقته.

٣-الإرشاد إلى تيسير المسلم على نفسه في العبادة.

٤-فيه شاهد لقوله ﷺ: «اكْلَفُوا من الْعَمَلِ ما تُطيقون»([1541]) فإن التصدق بجميع المال يعرض المسلم للحرج.

٥-أن الصدقة من أسباب مغفرة الذنوب.

 كتابُ الْقَضَاءِ([1542])

أي: هذا كتاب يذكر فيه ما جاء في السنة مما يتعلق بالقضاء، والقضاء هو الحكم والفصل بين المتخاصمين([1543] وقد جاء مضافًا إلى الله بلفظ: القضاء، والحكم، والفصل: قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 93]. وقال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النحل: 124]. وقال تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [السجدة: 25].

٣٧٢-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) ([1544]) .

* وَفِي لَفْظٍ: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) ([1545]).

الشرح:

هذا الحديث أصل من أصول الدين تضمن تحريم الابتداع في الدين، وهو ميزان الأعمال الظاهرة؛ كما أن حديث "النيات"([1546]) ميزان الأعمال الباطنة.

وفي الحديث فوائد:

١-أن التدين بما لم يشرعه الله ولا رسوله هو الإحداث في الدين.

٢-أن الدين الحق ما أمر الله به ورسوله.

٣-أن المحدث في الدين هو البدعة قولًا أو فعلًا أو اعتقادًا.

٤-الرد على جميع طوائف المبتدعة الاعتقادية والعملية: كالجهمية([1547])، والمعتزلة([1548])، والجبرية([1549])، والقدرية([1550])، والمرجئة([1551])، والخوارج([1552])، والصوفية([1553])، وشرُّهم الرافضة([1554])([1555]).

5-أن المحدث في الدين: من الدين الباطل المردود؛ لأن معنى (فهو رد): أي مردود، أي غير مقبول.

6-أن الحكم بغير ما أنزل الله باطل، ومن ذلك: الحكم بالقوانين الوضعية بدلًا عن أحكام الشريعة.

7-أن القضاء بغير الطريقة الشرعية لا يصح كنظام المرافعات؛ وبهذا تظهر مناسبة الحديث لكتاب القضاء.

8-أن الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه.

9-أن كل عقد أو شرط يخالف حكم الله فهو باطل، ومن ذلك: كل شرط أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا.

10-فيه شاهد لقوله ﷺ: (وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة) ([1556]).

٣٧٣-وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: دَخَلَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ - امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ, لا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ, إلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: (خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ) ([1557]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في وجوب نفقة الزوجة والولد.

وفي الحديث فوائد:

١-أن نفقة المرأة تجب على زوجها.

٢-أن نفقة الولد تجب على والده.

٣-أنه تجوز الفتوى في حقٍّ على غائبٍ بخلاف الحكم.

٤-جواز الغيبة لغرض الاستفتاء؛ لقولها: (رجل شحيح).

٥-أن من تجب عليه النفقة إذا قصَّر جاز لمن تجب له النفقة أن يأخذ من ماله بغير إذنه بالمعروف.

٦-أن ما لا تقدير له في الشرع يرجع فيه إلى العرف والعادة، ومن ذلك النفقة، وهو معنى قوله ﷺ: (خذي من ماله بالمعروف).

٧-فضل هند بنت عتبة -رضي الله عنها- إذ لم تتصرف حتى سألت النبي ﷺ، وهي إحدى المبايعات([1558] وهي التي قالت لما ذكر الزنا في البيعة: (أو تزني الحرة!؟) ([1559]). 

٨-فيه شاهد لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233].

٣٧٤-عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ, فَخَرَجَ إلَيْهِمْ, فَقَالَ: (أَلا إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ, وَإِنَّمَا يَأْتِينِي الْخَصْمُ, فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ, فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ, فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ: فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَارٍ؛ فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا)([1560]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في الحكم بالظاهر، وبناء الحاكم الحكم على ما يسمعه من حجج الخصمين.

وفي الحديث فوائد:

١-أن النبي ﷺ لا يعلم الغيب، وهو المراد من قوله: (إنما أنا بشر)

٢-أنه ﷺ لا يحكم بين الخصوم بوحي خاص بالقضية بل بما تقتضيه أصول الحكم في الشريعة، كالحكم بالبينة واليمين، فهو ﷺ في الحكم بالظاهر كغيره، فمقامه في الحكم في الخصومات مقام القاضي.

 ٣-أن البيان له أثر في تقوية الحجة وكسب القضية.

٤-أن حكم الحاكم بناء على الظاهر لا يبيح للمحكوم له ما ليس له، فإذا استباحه كان ظالمًا.

٥-أن ما يأخذه الإنسان من مال الغير -بغير حق- سبب في عذاب النار.

٦-ورود المجاز في السنة، ومنه: التعبير بالمسبب عن السبب.

٧-أن التهديد يأتي بلفظ التخيير؛ كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]. والشاهد في الحديث: قوله: (فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا).

٨-استحباب موعظة الحاكم للخصوم.

٩-سهولة القضاء والتقاضي في عهد النبوة، وكذا ما أشبهه من الزمان في حال الناس في أمر دينهم ودنياهم.

٣٧٥-عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ([1561])-رضي الله عنه- قَالَ: كَتَبَ أَبِي -وكَتَبْتُ لَهُ إلَى ابْنِهِ عُبْيدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ([1562]) وَهُوَ قَاضٍ بِسِجِسْتَانَ-: أَنْ لا تَحْكُمْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (لا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ)([1563]).

* وَفِي رِوَايَةٍ: (لا يَقْضِيَنَّ حَكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ) ([1564]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في تحريم حكم الحاكم بين اثنين وذهنه مشوَّشٌ بسبب غضب أو غيره. وفي الحديث فوائد:

١-تحريم الحكم بين خصمين مع شدة الغضب.

٢-أن شدة الغضب تمنع من النظر والاجتهاد في فهم القضية والحجج وتطبيق الأدلة عليها.

٣-أن هذا هو علة نهي الحاكم أن يحكم وهو غضبان.

٤-أن في حكم الغضب: كل ما يشوش الذهن ويمنع الفهم؛ كشدة الجوع والعطش والحزن والخوف والحر والبرد، وهذا راجع إلى قياس العلة.

٥-أن حكم الحاكم -وهو في هذه الحال- لا ينفذ؛ لأنه منهي عن الحكم وهو على تلك الحال؛ إلا إن وافق الصواب.

٦-أن الشريعة مبنية على الحكمة، وهي وضع الأمور في مواضعها، ومراعاة اختلاف الأحوال.

٧-أن الغضب الذي ينهى عن الحكم معه: هو الغضب الشديد الذي يمنع من الفهم والاجتهاد في الحكم؛ فليس منه غضب النبي ﷺ حين سأل عن ضالة الإبل([1565]).

٨-فيه شاهد لقاعدة سد الذرائع؛ لأن الحكم حال الغضب الشديد يؤدي إلى الخطأ في الحكم.

٩-العمل برواية الواحد.

١٠-الكتابة بالعلم، وقيام الحجة بها.

٣٧٦-عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟) -ثَلاثَاً- قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (الإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) وَكَانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ, وَقَالَ: (أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ, وَشَهَادَةُ الزُّورِ) فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ([1566]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في تحريم شهادة الزور، وأنها من كبائر الذنوب.

وفي الحديث فوائد:

١-أن الذنوب منها كبائر ومنها صغائر.

٢-أن الكبائر بعضها أكبر من بعض.

٣-أن الشرك أكبر الكبائر.

٤-أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر.

٥-أن شهادة الزور من أكبر الكبائر.

٦-تحريم العمل بشهادة الزور؛ وبهذا تظهر مناسبة الحديث لكتاب القضاء.

7-أن من طرق تغليظ التحريم: تكرار النهي.

8-فضل الصحابة -رضي الله عنهم-؛ لشدة خوفهم من الله لما سمعوا من تغليظ النهي، ولإشفاقهم على النبي ﷺ لما رأوه من غضبه.

9-حسن تعليمه ﷺ بافتتاح الكلام بالتنبيه مع التكرار، وتكرار التحذير من شهادة الزور.

10-بيان المراد بالغضب الذي نهي عن الحكم حاله، وهو الغضب الشديد المانع من الفهم، وليس منه غضب النبي ﷺ المذكور في الحديث.

٣٧٧-عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ, وَلَكِنْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ)([1567]).

الشرح:

هذا الحديث أصل من أصول القضاء يجب على من ولي القضاء أن يعلمه ويعمل به.

وفي الحديث فوائد:

١-أن الغالب على الناس الدعاوى الكاذبة.

٢-أن تصديق الكاذب يجرأه على الكذب.

٣-أن أكثر ما تكون الدعاوى من قبل الرجال.

٤-أن الظلم في الدماء أعظم من الظلم في الأموال؛ ولذا قدمها.

٥-أن قبول الدعوى موقوف على البينة.

٦-أنه لا فرق في ذلك بين العدل وغيره.

7-أنه إذا لم تكن للمدعي بينة توجهت اليمين للمدعى عليه.

8-البداءة بسماع الدعوى، ثم المطالبة بالبينة.

9-أن على المدعي قبول يمين المدعى عليه.

10-أن المدعى عليه إذا لم يحلف حكم عليه بالنكول.

١1-أن الأصل براءة المعصوم؛ فلا يستحل دمه أو ماله بمجرد الدعوى.

١2-أن البينة عامة في كل ما يبين الحق من شاهد وغيره.

١3-أن القاضي لا يحكم بعلمه.

١4-أن الدعوى تكون في الدماء والأموال وغيرهما من الحقوق، وذكرهما خرج مخرج الغالب.

١5-صيانة الشريعة للحقوق من ظلم الظالمين.

 كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

أي: هذا كتاب ذكر ما جاء في السنة في حكم الأطعمة، والأطعمة: جمع طعام، وهو كل ما ينتفع به أكلًا أو شربًا، وإطلاقه على المأكول أغلب، وهذا هو الذي قصده المؤلف؛ ولذا ذكر فيما بعد كتاب الأشربة، وقد ذكر المصنف عشرة أحاديث، أولها حديث النعمان بن بشير في الحلال والحرام والمشتبهات.

٣٧٨-عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ -وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَى أُذُنَيْهِ -: (إنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ, وَإن الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ, لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ, فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ: اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ, وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: وَقَعَ فِي الْحَرَامِ , كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ, أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى, أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ, أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ)([1568]).

الشرح:

هذا حديث عظيم من جوامع الكلم التي أوتيها رسول الله ﷺ تضمن تقسيم الأشياء من الأقوال والأفعال والأعيان:  ثلاثة أقسام، وهي:

١- حلالٌ بيَّنٌ، وهو ما دلَّ دليلٌ على حلِّه أو لم يدل دليلٌ على تحريمه، والأصل فيه الحل.

٢-وحرامٌ بيِّنٌ، وهو ما دلَّ دليلٌ على تحريمه.

٣-والمشتبَه، وهو ما اختلفت فيه الأدلة، وتنازع فيه العلماء، والواجب العمل بما ترجح، وأما المشتبه بسبب اختلاط الحلال بالحرام: فيجب اجتناب كل منهما؛ كاختلاط الميتة والمذكاة، والأخت والأجنبية.

وهذا الانقسام يجري في المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والمكاسب، والأقوال والأفعال.

وفي الحديث فوائد:

١-تأكيد رواية الحديث بتحقيق سماعه من النبي ﷺ؛ لقوله: (وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَى أُذُنَيْهِ).

٢-أن الأشياء تنقسم من حيث الحل والحرمة: إلى حلال بين، وحرام بين، ومشتبه.

٣-أن هذه الأحكام تجري في كل الأشياء من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، والأقوال والأفعال.

٤-الترغيب في طلب الحلال والاقتصار عليه.

٥-التحذير من المحرمات والمشتبهات.

٦-الترغيب في اجتناب المشتبهات، وأن ذلك سبب لسلامة الدين والعرض.

٧-أن الإقدام على الشبهات يفضي إلى الوقوع في الحرام: إما خطئًا، وإما تهاونًا.

٨-أن كثيرًا من الناس لا يعلم حكم الله في المشتبهات، ومنهم من يعلم حكمها إما من الحلال البين، وإما من الحرام البين.

٩-تفاضل الناس في معرفة الحلال والحرام.

10-أن من طرق البيان والتعليم: تمثيل المعقول بالمحسوس.

١1-فيه شاهد لقاعدة سد الذرائع.

١2-أن من رعى ماشيته حول زروع الناس وحوارثهم يضمن ما أتلفته؛ لأنه متسبب ومفرط.

١3-أن للملوك في العادة حمى يحمونه بحق أو بغير حق.

١4-أن حمى الله هو ما حرمه على العباد؛ كالفواحش ما ظهر منها وما بطن.

١5-أن القلب ملك البدن والأعضاء تابعة له.

١6-أن القلوب منها الصالح والفاسد.

١7-أن الأعضاء تابعة للقلب صلاحًا وفسادًا.

١8-أن اتقاء المحرمات والمشتبهات من صلاح القلب، والإقدام عليها من فساده.

١9-أنه لا يجب على الإنسان حماية عرضه من طعن الطاعنين؛ كالغيبة إلا أن يكون الطعن بحق.

20-فيه دليل لمن يقول بأن العقل في القلب.

٢1-أن أعمال القلب أفضل من أعمال البدن، وأن أعمال البدن تابعة لأعمال القلب؛ فلا تصلح إلا بصلاحها، ولابد منهما -عمل القلب والبدن- فيما له تعلق بهما؛ أي: القلب والبدن.

٣٧٩-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنَباً بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا, وَأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ, فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَرِكِهَا وَفَخِذَيْهَا([1569])، فَقَبِلَهُ)([1570]).   

* لَغَبُوا: أَعيَوْا ([1571]).  

الشرح:

هذا الحديث أصل في إباحة لحم الأرنب، والأرنب حيوانٌ بريٌّ وحشيٌّ وقد يتأنَّس، ذو أذنين طويلتين وذنب قصير، وهو قصير اليدين طويل الرجلين وعلى جلده شعر ناعم حتى إنه ينسج مع الحرير، ومن شأن الأرنب أنها تحفر لها مخبأ في الأرض، وإذا قتلها المحرم ففيها عناق، وهي الأنثى من المعز ما لم تتم سنة.

وفي الحديث فوائد:

١-جواز صيد الأرنب.

٢-إباحة لحمها.

٣-تشرف الصحابة بالإهداء إلى رسول الله، وقبوله هديتهم.

٤-أن الرسول أكل من لحم الأرنب.

٥-أن من تواضعه ﷺ قبول الهدية، وإن كانت يسيرة.

٦-أن مرَّ الظهران ليس من الحرم، وهو قريب منه، ويعرف الآن بالجموم أو وادي فاطمة، وفيه مزارع ونخيل على طريق المدينة.

٧-جواز استثارة الصيد، والعدو في طلبه، ومعنى: " أَنْفَجْنَا" استثرنا ونفرنا([1572]).

٨-أنه يملك بأخذه.

٣٨٠-عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ ([1573]).

* وَفِي رِوَايَةٍ: وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ ([1574]).

٣٨١-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ([1575]) .

* وَلِمُسْلِمٍ وَحْدَهُ: قَالَ: أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ: الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ, وَنَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم - عَنْ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ([1576]).

٣٨٢- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ, فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ: وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ, فَانْتَحَرْنَاهَا، فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ: نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - (أَنْ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ, وَلا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئاً) ([1577]).

٣٨٣-عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ([1578]). 

الشرح: 

هذه الأحاديث هي الأصل في حل لحوم الخيل، وتحريم لحوم الحمر الأهلية، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء([1579])، والمشهور عن أبي حنفية تحريم لحوم الخيل([1580])،  والمشهور عن مالك حل الحمر الأهلية([1581])، وأجابوا عن أدلة المخالفين بما لا تقوم به حجتهم، والصواب: ما ذهب إليه الجمهور؛ فحديث أسماء وجابر صحيحان صريحان في حل لحوم الخيل، وحديث جابر وعبد الله بن أبي أوفى وأبي ثعلبة أحاديث صحيحة صريحة في تحريم لحوم الحمر الأهلية، وليس لهذه الأحاديث معارضٌ يصلح للمعارضة.

وأهم ما استدل به على تحريم لحوم الخيل: قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8]. قالوا: فقد قرنها بالبغال والحمير، وقصر الامتنان على الركوب والزينة، فيقال: لو صح هذا الاستدلال لكان التحريم منسوخًا؛ بحديثي أسماء وجابر؛ لأن الآية مكية، وأهم ما استدل به على حل لحوم الحمر الأهلية: قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً.. الآية} [الأنعام: 145]. قالوا: فالآية نص على أن الله لم يحرم إلا الأربعة المذكورة في الآية، وأجيب عن هذا الاستدلال: بأن الآية مكية، وليس فيها إلا الإخبار بأن الله لم يحرم وقت نزول الآية إلا الأربعة المذكورة، وهذا لا يمنع أن يحرم الله بعد ذلك ما شاء، ومما حرمه الله بعد ذلك في القرآن: الخمر، وحرم الرسول ﷺ لحوم الحمر، و «كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير» ([1582])، وما حرمه الرسول فقد حرمه الله.

وفي الأحاديث فوائد:

١-حل لحوم الخيل، والحمر الوحشية.

٢-تحريم لحوم الحمر الأهلية.

٣-أن تحريم الحمر كان في غزوة خيبر.

٤-أن حل لحوم الحمر منسوخ.

٥-أن العلة في تحريم لحوم الحمر أنها رجس؛ أي: قذرة.

٦-تبليغ العلم بصوت مرتفع إذا اقتضى الأمر؛ لقوله: "نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم –".

٧-جواز الإخبار عن الله والرسول بضمير التثنية؛ لقوله في رواية: (إنَّ الله ورسولَهُ يَنْهَيَانكم)([1583]).

٣٨٤-عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ مَيْمُونَةَ, فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَأَهْوَى إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ, فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ, فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لا, وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي؛ فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ).

 قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ, فَأَكَلْتُهُ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- يَنْظُرُ([1584]).

* المَحْنوذُ: المَشْويُّ بالرَّصْفِ وهِيَ الحِجارةُ المُحْمَاة([1585]).  

الشرح:

هذا الحديث أصل في إباحة لحم الضب، وقد دل عليه الحديث بقوله ﷺ وتقريره، والضَّبُّ حيوانٌ بريٌّ يتخذ له جُحرًا في الصحراء، ويرعى النبات، وله يدان ورجلان وذيلٌ خشنٌ طويل.

وفي الحديث فوائد:

١-حل أكل الضب.

٢-أن النبي ﷺ لم يأكل لحم الضب -لا تحريمًا له بل لأنه لا يشتهيه- وأقر من يأكله بين يديه، ولما سأل أحرام هو؟ قال: لا، فلا يقال: ترك أكله سنة.

٣-جواز دخول الرجل الأجنبي بيت الرجل الذي فيه أهله وهو معهم.

٤-أن صوت المرأة ليس بعورة، فيجوز للمرأة أن تكلم الرجل الأجنبي بالقول المعروف الذي لا خضوع فيه، ولا مع خلوة؛ لقول إحدى النساء: (أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ).

٥-استحباب إخبار من عُرف بأنه لا يأكل نوعًا من الطعام أن ما قُدِّم له هو من ذلك النوع؛ ليتركه إن شاء.

٦-فيه شاهد لحديث: «ما عاب النبي -صلى الله عليه وسلم- طعامًا قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه»([1586]).

٧-أن من قدم له طعام فامتنع من الأكل منه استحب له أن يذكر السبب؛ لإزالة الوحشة كما فعل النبي ﷺ كما جاء في هذا الحديث.

٨-فيه شاهد لما ورد في قصة ضيف إبراهيم من حيث الامتناع عن الطعام.

٣٨٥-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَبْعَ غَزَوَاتٍ, نَأْكُلُ الْجَرَادَ([1587]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في حل أكل الجراد، والجراد معروف، والله يرسله تارة رزقًا يرزق به من يشاء، وتارة يرسله عذابًا، كما أرسله على فرعون وقومه، كما قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ ... الآية} [الأعراف: 133].

وفي الحديث فوائد:

١-حل الجراد.

٢-الرد على من يكره أكل الجراد.

٣-الاستدلال على الحكم بتقرير الرسول ﷺ؛ لأنه كان معهم ولم ينكر عليهم أكل الجراد، ولكن لم يذكر الراوي أن الرسول ﷺ أكل الجراد معهم، فالله أعلم.

٤-أنه لا تجب تذكيته؛ لأنه لا دم له، والعادة في قتله: أن يلقى في ماء يغلي فيموت.

٣٨٦-عَنْ زَهْدَمِ بْنِ مُضَرِّبٍ الْجَرْمِيِّ([1588]) قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- فَدَعَا بِمَائِدَته -وَعَلَيْهَا لَحْمُ دَجَاجٍ- فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ, أَحْمَرُ, شَبِيهٌ بِالْمَوَالِي؛ فَقَالَ له: هَلُمَّ، فَتَلَكَّأَ، فَقَالَ: هَلُمَّ؛ فَإِنِّي قد رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ مِنْهُ([1589]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في حل أكل الدجاج، ويدل لذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]. ويدل له أيضًا أن الأصل في الأعيان الحل؛ لهذه الآية، وفي الحديث فوائد:

١-أن الدجاج من الحلال البين، وهو إجماع.

٢-أن النبي ﷺ أكل من لحم الدجاج.

٣-الرد على من كره أكل الدجاج.

٤-أن المرجع في الأحكام كلها إلى الله والرسول: {إِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].

٥-جواز الأكل على الخوان، وهو السفرة عليها الطعام([1590]).

٣٨٧-عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا: فَلا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا) ([1591]).

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في مشروعية لعق اليد بعد الأكل، وهو لحس ما بقي عليها من الطعام باللسان.

وفيه فوائد:

١-كراهة مسح اليد بعد الأكل قبل لعقها.

٢-استحباب لعق الإنسان يده بعد الأكل؛ أي: عند الفراغ من الأكل لا في أثناءه، أو يُلعِقها غيره ممن لا يجد حرجًا في ذلك، أو يعجبه ذلك، كزوجة وجارية.

٣-أن لعق اليد بعد الأكل من أدب الطعام.

٤-فيه شاهد لحديث جابر عند مسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: «إنكم لا تدرون في أيِّه البركة»([1592]) وفيه بيان الحكمة من لعق الأصابع والصحفة، وهي تحصيل البركة التي قد تكون في باقي الطعام على اليد أو في الصحفة.

٥-فساد رأي من يكره لعق الأصابع.

٦-أن لعق الأصابع سنة ثابتة.

٧-الترغيب في لعق الأصابع والصحفة.

٨-عدم إهمال شيء من الطعام الذي أنعم الله به.

٩-جواز الأكل بأكثر من ثلاثة أصابع.

 بَابُ الصَّيْدِ

أي: هذا باب ذكر ما جاء في السنة في شأن الصيد، والصيد أصله مصدر صاد يصيد صيدًا، ويطلق: بمعنى المصيد اسم مفعول، ويطلق بهذا المعنى على ما صيد بالفعل وعلى الحيوان الذي من شأنه أن يصاد([1593] ومنه قوله تعالى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} [المائدة: 94]. {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]. وذكر المؤلف في الباب أربعة أحاديث.

٣٨٨-عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ([1594]) قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَفِي أَرْضِ (صَيْدٍ)([1595]) أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟

 قَالَ: (أَمَّا مَا ذَكَرْتَ -يَعْنِي: مِنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ-: فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا, وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا, وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ, فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ, وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ, فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ, وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ) ([1596]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث حكم الأكل في آنية الكفار، وحكم الصيد بالقوس والكلب، وما يحل من ذلك وما يحرم.

وفي الحديث فوائد:

١-النهي عن الأكل في آنية الكفار مع وجود غيرها.

٢-جواز الأكل فيها عند عدم غيرها بشرط غسلها، وما في هذا الحديث من النهي والإذن خاص بآنية الكفار التي يطبخون فيها الخنزير ويشربون فيها الخمر؛ لأنها هي المسؤول عنها كما قيده بذلك في رواية أبي داود([1597])، وعليه فالنهي -مع وجود غيرها- للكراهة، والأمر بالغسل للوجوب؛ لأن المقصود تطهيرها من أثر الخنزير والخمر، وأما سائر أوانيهم فالأصل فيها الإباحة، ويدل له: إباحة طعامهم؛ كما ثبت بالكتاب والسنة.

٣-حل ما صيد بالقوس بشرط ذكر اسم الله.

٤-حل صيد الكلب المعلم بشرط ذكر اسم الله.

٥-تحريم صيد الكلب غير المعلم إلا أن يدرك حيًا فيذكى.

٦-جواز اقتناء الكلب المعلم للصيد.

٧-فيه شاهد لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118]. وقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121].

٨-سؤال أهل العلم عما يشكل من أمر الدين.

٩-جواز جمع مسائل عدة في سؤال واحد، ثم تفصيل الجواب: بـ "أما" و" ما" كما تضمنه جواب النبي ﷺ.

١٠-أن المقصود من الصيد الأكل، وإن كان المقصود اللهو واللعب -ولم يقصد ذكاة الصيد- فلا يحل؛ لأنه إفسادٌ لا صلاح فيه.

١١-إباحة الصيد بالكلب المعلم مطلقًا؛ أي: وإن كان أسودًا؛ فإنه مختلف في جواز الصيد به([1598]).

٣٨٩-عَنْ هَمَّامِ بْنِ الحَارِثِ([1599])، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أُرْسِلُ الكِلَابَ المُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ، وَأَذْكُرُ اسْمَ اللهِ، فَقَالَ: (إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ). قُلْتُ: وَإنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: (وَإنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ منها). قُلْتُ لَهُ: فَإنِّي أَرْمِي بالمِعْرَاضِ الصَّيْد، فَأصيبُ، فَقَالَ: (إذَا رَمَيْتَ بِالمِعْرَاضِ، فَخَزَقَ، فَكُلْهُ، وإنْ أَصَابَهُ بعَرْضِه([1600])، فَلَا تَأْكُلْهُ) ([1601]).

* وحديثُ الشَّعبيِّ عن عديٍّ نحوُه، وفيه: (إِلا أَنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ، فَإنْ أَكَلَ، فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ  مِنْ غَيْرِهَا، فَلا تَأْكُلْ) ([1602])

* فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ([1603]). 

* وَفِيهِ: (إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُكَلَّبَ، فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإنْ أَمْسَكَ عَلَيْهِ، فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا، فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكتَهُ قَدْ قَتَلَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، فَكُلْهُ) ([1604])

* فَإِنَّ أَخْذَ الكَلْب ذَكَاتُهُ([1605]).

* وَفِيهِ أَيْضًا: (إذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ، فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) ([1606])

* وَفِيهِ أَيْضًا: (فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ -وَفِي رِوَايَةٍ-: اليَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلا أَثَرَ سَهْمِكَ، فَكُلْ إنْ شِئْتَ، فَإنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي المَاءِ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِي المَاءُ قَتَلَهُ، أَوْ سَهْمُك)([1607]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في إباحة الاصطياد، وحكم الصيد بالسهم والمعارض والكلب.

وفي الحديث فوائد:

١-جواز الصيد بالقوس.

٢-جواز الصيد بالمعارض، وهو نوع من الرماح([1608]).

٣-أنه يشترط في المعارض أن يخرق جسم الحيوان.

٤-أنه ما أصابه بعرضه لا يأكل؛ لأنه وقيذٌ، كما جاء في رواية عند مسلم([1609] والوقيذ: هو الموقوذة، وهي التي تقتل بالمثقل([1610])؛ فهي نوع من الميتة فلا تحل. 

٥-اشتراط ذكر اسم الله في حل الصيد بأي وسيلة كان: بالقوس، أو بالمعراض، أو بإرسال الكلب المعلم.

٦-أن الكلب إذا أكل من الصيد لم يحل؛ لأنه لم يمسك على صاحبه.

٧-أن الصيد إذا وجد غريقًا لم يحل ولو وجد فيه أثر السهم.

٨-أن ما صاده الكلب ووجد حيًا وجبت تذكيته.

٩-أنه إذا غاب الصيد يومًا أو يومين –أي: بعد رميه- ولم يوجد فيه إلا أثر سهم الذي رماه: حل أكله، فإن وجد فيه أثر سهم غيره فلا يحل؛ للجهل بالسبب الحقيقي في قتل الصيد.

١٠-أن الكلب المعلم إذا شاركه كلب آخر لم يحل الصيد لوجود الشبهة؛ لأن مرسِل الكلب لم يسم إلا على كلبه. 

١١-حل صيد الكلب ولو قتل، واشترط كثير من أهل العلم في هذه الحال أن يجرحه الكلب([1611])، وذهبت الظاهرية إلى أنه لا يشترط ذلك، بل يحل وإن قتله بالخنق أو الغم أو بصدمته([1612])، وهو مذهب الشافعي([1613] واحتجوا بقوله ﷺ: (أخذ الكلب ذكاته)([1614])، والقول الأول أظهر؛ لأن الجرح يحصل به إنهار الدم، وما قتل بالخنق أو الصدمة فهو مخنوقة أو موقوذة، وقوله ﷺ: (أخذ الكلب ذكاته) لو أخذ بظاهره: لكان الصيد مذكى بأخذ الكلب -ولو لم يقتله- وهذا لم يقل به أحد.

٣٩٠-عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ([1615] عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا - إلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ, أَوْ مَاشِيَةٍ - فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ)([1616]).  

* قَالَ سَالِمٌ ([1617]): وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: (أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ) وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ([1618]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في حكم اقتناء الكلب.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم اقتناء الكلب.

٢-وعيد من اقتنى كلبًا، وهو النقص من ثواب عمله مقدار قيراطين.

٣-الرخصة في اقتناء كلب الصيد.

٤-الرخصة في اقتناء كلب الماشية، وهو ما يتخذ لحراسة الغنم.

٥-الرخصة في اقتناء كلب الحرث، وهو ما يتخذ لحراسة الزرع من السُّرَّاق والماشية.

٦-أن الذين يقتنون الكلاب تقليدًا للكفار يجمعون بين معصيتين، وهما: اقتناء الكلب المنهي عنه، والتشبه بالكفار.

٧-النهي عما يكون سببًا في نقص ثواب الأعمال الصالحة.

٨-رحمه الله بالعباد بالتيسير فيما شرع لهم.

٣٩١-عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ, فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَابُوا إبِلاً وَغَنَماً، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ، فَعَجِلُوا وَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ, ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ, فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ, وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ؛ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: (إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غلَبكمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا).

قال: قُلْتُ: يَا رَسُولُ اللَّهِ إنَّا لاقُو الْعَدُوِّ غَداً, وَلَيْسَ مَعَنَا مُدىً، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ قَالَ: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ -وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ- فَكُلُوهُ, لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ, وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ, أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ, وَأَمَّا الظُّفْرُ: فَمُدَى الْحَبَشَةِ) ([1619]).   

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في اعتبار إنهار الدم في الذكاة، واعتبار التسمية، وإنهار الدم إسالته.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم الافتيات على أمير الجيش في الذبح من الغنائم؛ أي: قبل أن يأذن.

٢-أن من يستعجل بشيء قبل أوانه يعاقب بحرمانه.

3-أن ما تعذرت تذكيته يفعل به ما يمكن من رمي بسهم أو طعنة بحربة.

4-أن ما شرد من البهائم وتعذر الاستيلاء عليه وتذكيته: يرمى بسهم؛ ليثبت مكانه، فإن ظفر به حيًا: ذُكي.

5-أن من أحكام قسمة الغنائم: أن العشر من الغنم تعدل ببعير.

6-جواز التذكية بكل ما أنهر الدم من قصب وحجر وغير ذلك، "والمدى" جمع مدية، وهي: السكين([1620]).

7-تحريم الذبح بالسن والظفر، وبيان علة ذلك.

8-تحريم الذبح بالعظم وبالظفر.

9-تحريم التشبه بالكفار؛ لقوله: (أما الظفر فَمُدى الحبشة).

10-أن ما توحش من الحيوانات الإنسية فحكمه حكم الوحش.

 بَابُ الأَضَاحِيّ

أي: هذا باب ذكر ما جاء في السنة في شأن الأضاحي، والأضاحي جمع أضحية، ويقال لها: ضحية، وتجمع على ضحايا، واسمها مأخوذ من وقتها، وهو الضُحى([1621]).

والأضحية نوع من النسك، وهو التقرب إلى الله بذبح شيء من بهيمة الأنعام([1622])، والتضحية سنة مؤكدة، وقال بعض أهل العلم: إنها واجبة([1623] والنسك جاء في القرآن مقرونًا بالصلاة: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام: 162]. {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]. وللأضحية أحكام جاءت في الشريعة من شروط وواجبات ومستحبات. 

٣٩٢-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ, وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا([1624]).

*الأَمْلَحُ: الأَغبَرُ، وهو الذي فيهِ سوادٌ وبياضٌ([1625]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في مشروعية الأضحية، وقد دل على مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع.

وفي الحديث فوائد:

١-مشروعية الأضحية.

٢-أن التضحية بالغنم أفضل.

٣-استحباب تولي الإنسان ذبح أضحيته.

٤-استحباب حسن هيئة الأضحية وكمال خلقها.

٥-مشروعية التسمية على الذبيحة، وهي شرط لحلها كما تقدم.

٦-استحباب التكبير بعد التسمية.

٧-استحباب التضحية بأكثر من واحدة لمن أراد أن يضحي عن غيره وأهله.

٨-استحباب إضجاع الأضحية من الغنم على شقها الأيسر ووضع الرجل على صفحتها اليمنى.

 بابُ الأَشْرِبَةِ([1626])

أي: هذا باب يذكر فيه ما ورد في السنة في شأن الأشربة ما يسكر منها وما لا يسكر، وما يحرم منها وما لا يحرم، والمقصود: بيان حكم المسكر من الأشربة، والأشربة: جمع شراب بمعنى مشروب([1627])؛ كطعام بمعنى مطعوم، وجمعه: أطعمة.

٣٩٣-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ -عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ -: أَمَّا بَعْدُ؛ أَيُّهَا النَّاسُ: إنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنْ الْعِنَبِ, وَالتَّمْرِ, وَالْعَسَلِ, وَالْحِنْطَةِ, وَالشَّعِيرِ.  

وَالْخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ.

ثَلاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ عَهِدَ إلَيْنَا فِيهَنَّ عَهْداً نَنْتَهِي إلَيْهِ: الْجَدُّ, وَالْكَلالَةُ, وَأَبْوَابٌ مِنْ أبواب الرِّبَا([1628]).

الشرح:

هذا الحديث من كلام عمر -رضي الله عنه- وليس مرفوعًا إلى النبي ﷺ، ولكنه من المحَدَّث([1629]) الذي أمرنا بالاقتداء به والعمل بسنته.

وفي الحديث فوائد:

١-أنه كان للرسول منبرٌ يخطب عليه.

٢-أن الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- كانوا بعد النبي يخطبون على منبره.

٣-أن الخمر اسم لكل ما يغطي العقل.

٤-أن اسم الخمر لا يختص بعصير العنب.

٥-أن الخمر اسم لكل مسكر.

٦-أن الخمر تكون من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير.

٧-الرد على من زعم أن الخمر مختصة بعصير العنب([1630]).  

٨-فيه تحريم الخمر، وتحريمه معلوم بالكتاب والسنة والإجماع، وقول عمر -رضي الله عنه: "نزل تحريم الخمر" يشير إلى ما في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ... الآية} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90-91]

٩-أن الإنسان مهما بلغ في العلم والفضل قد تشكل عليه بعض المسائل؛ كما أشكل على عمر ثلاث مسائل:

الأولى: مسألة ميراث الجد والإخوة، ومذهبه: توريث الإخوة مع الجد، ومذهب الصدِّيق: أن الجدَّ أبٌ فيسقط الإخوة([1631]).

الثانية: مسألة الكلالة، وهو الرجل الذي لا يرثه إلا إخوته؛ لأنه لا ولد له ولا والد.

الثالثة: مسائل من أبواب الربا.

لذلك قال عمر: "وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ عَهِدَ إلَيْنَا فِيهَا عَهْدًا نَنْتَهِي إلَيْهِ". فأما مسألة الجد والإخوة فالخلاف فيها باق، وكذلك مسائل الربا، وأما مسألة الكلالة فلا خلاف فيها؛ لأن الآية الأخيرة من سورة النساء واضحة الدلالة على مسألة الكلالة، وهي آية الصيف التي قال النبيُّ فيها لعمر: «يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟»([1632]) وهي قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ... الآية} [النساء: 176].

٣٩٤-عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه سُئِلَ عَنْ الْبِتْعِ؟ فَقَالَ: (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ؛ فَهُوَ حَرَامٌ) ([1633]).

* البِتْعُ: نَبيذُ العَسَلِ([1634]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في تحريم المسكر، وهو نص في تحريم البتع إذا كان مسكرًا، وهو نبيذ العسل.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم كل مسكر من مأكول أو مشروب.

٢-أن علة تحريم الخمر الإسكار.

٣-أن من مقاصد الإسلام: حفظ العقل، وهو أحد الضروريات الخمسة: الدين، والنفس، والمال، والعرض، والعقل.

٤-أن العقل من أجل نعم الله على الإنسان؛ فلا يحل له أن يتعاطى ما يزيله.

٥-أن مقاصد الشريعة دائرة على جلب المصالح ودرء المفاسد.

٣٩٥-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ -رضي الله عنه- أَنَّ فُلاناً بَاعَ خَمْراً، فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلانًا! أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ, حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ؛ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا)؟! ([1635]). 

الشرح:

هذا الحديث أصل في تحريم بيع الخمر وأكل ثمنه، وهكذا كل ما حرمه الله من المآكل والمشارب، يحرم بيعه وأكل ثمنه.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم الخمر، وتحريم بيعها وأكل ثمنها.

٢-أن هذا حكم كل مأكول ومشروب حرمه الله.

٣-تحريم الاحتيال لاستحلال ما حرم الله.

٤-أن ذلك سبيل اليهود، كما فعلوا بالشحوم التي حرمها الله عليهم، وكما فعلوا بالسبت حين احتالوا على الصيد فيه، وقد حرم عليهم ذلك.

٥-تحريم الحيل التي يتوصل بها إلى إسقاط الواجبات، واستحلال المحرمات.

٦-أن الله حرم على اليهود الشحوم عقوبة لهم على بغيهم وظلمهم؛ كما فصل في سورة الإنعام([1636] وذكر في سورة النساء: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ.. الآية} [النساء: 160]. ومعنى (جملوه): أذابوه ([1637]).

٧-فضيلة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لغيرته على حرمات الله.

٨-أن الدعاء بقاتله الله: قد يراد به حقيقته، وهو الإهلاك؛ كقول الرسول: (قاتل الله اليهود)، وقد لا تراد حقيقته بل يكون المقصود به الزجر عن الفعل وتوبيخ الفاعل؛ كقول عمر للذي باع الخمر: "قاتله الله"([1638]).

٩-فيه إثبات القياس؛ لأن عمر قاس بيع الخمر على بيع اليهود الشحوم.

 بابُ اللِّباس([1639])

أي: هذا باب ذكر ما جاء في السنة في شأن اللباس، واللباس: أصله مصدر: لبس يلبس لُبسًا ولباسًا، ويطلق على الملبوس([1640])، ويكون سترًا للعورة وجمالًا؛ كما قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف: 26]. والأصل فيه الحل فلا يحرم إلا ما حرمه الله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]. والمحرَّم من اللباس: تارة لهيئته كالذي فيه تشبُّه، وتارة لمادته كثياب الحرير، وتارة لحق الغير كالثوب المغصوب.

٣٩٦-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ) ([1641]).

٣٩٧-وعَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا ([1642])؛ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ) ([1643]).

الشرح:

هذان الحديثان أصل في تحريم لبس الحرير على الرجال، والدبياج هو الغليظ منه([1644]).

وفي الحديثين فوائد:

١-تحريم الحرير على الرجال، وخص من عمومه: النساء فلا يحرم عليهن الحرير؛ لحديث: «أُحِلَّ الذهبُ والحرير لإناثِ أُمَّتي، وحُرِّم على ذكورها»([1645]).

٢-تحريم افتراش الحرير والجلوس عليه؛ لأنهما في معنى اللبس.

٣-تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء، وتحريم الأكل في صحافهما، وتخصيص الأكل والشرب بالذكر؛ لأنهما الأغلب في الاستعمال لا لتخصيص الحكم بهما، وهذا الحكم شاملٌ لما كان ذهبًا أو فضة: خالصًا، وما كان مموَّهًا بهما، أو مضبَّبًا بهما إلا ضبة يسيرة من فضة([1646]).  

٤-تحريم آنية الذهب والفضة في سائر وجوه الاستعمال.

5-أن لبس الحرير والشرب في آنية الذهب والفضة من الكبائر؛ لورود الوعيد على ذلك: قال ﷺ في الحرير: (لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ) ومعنى هذا الوعيد: قيل: لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة([1647] وقيل: من دخل الجنة لا يمنع من شيء من نعيمها، وهذا أولى([1648]). وقال ﷺ: «الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» ([1649])، ولكن من تاب تاب الله عليه.   

6-أن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة نوع من التشبه بالكفار.

7-قوله: (لهم في الدنيا) يعني الكفار، وهذا إخبار بالواقع لا إخبار بحلها لهم.

8-أن المؤمنين في الآخرة يأكلون ويشربون في صحاف الذهب وآنية الفضة، وهذا معنى: (ولكم في الآخرة). قال تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: 71]. وقال تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 15].

9-أن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه؛ لقوله: (ولكم في الآخرة).

٣٩٨-عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَهُ شَعَرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ, بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلا بِالطَّوِيلِ([1650]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في جواز الأحمر من اللباس؛ لقوله: "من ذي لمة في حلة حمراء". والحلة: إزار ورداء، وتضمن شيئًا من صفته الخلقية، وشيئًا من هديه ﷺ في الشعر واللباس.

 وفي الحديث فوائد:

١-جواز ذكر صفة الرسول ﷺ.

٢-أنه ﷺ كان يطيل شعره وينتهي إلى المنكب، وتارة إلى شحمة أذنه([1651]).  

٣-أنه ﷺ كان يلبس الحلة الحمراء. قال ابن القيم: إنها ليست حمرة قانية ولا خالصة بل فيها خطوط بيض، وعلى هذا تحمل أحاديث النهي عن لبس الأحمر والمعصفر([1652]).  

٤-جواز إطالة شعر الرأس، والأظهر: أنه من العادات لا من السنن التي يتعبد بها، وكذا العمامة والخاتم، واللمة: شعر الرأس إذا بلغ المنكبين([1653]).  

٥-أن من صفاته ﷺ الخَلقية: أنه بعيد ما بين المنكبين، وأنه ليس بالطويل ولا بالقصير.

٦-فضيلة البراء بن عازب؛ لروايته من صفاته ﷺ الخلقية، وهيئته العادية حتى كأننا نراه.

٣٩٩-عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما - قَالَ: أَمَرْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرْنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ, وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ, وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ, وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ -أَوْ الْمُقْسِمِ-، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ, وَإِجَابَةِ الدَّاعِي, وَإِفْشَاءِ السَّلامِ.

وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ -أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ- الذَّهَبِ, وَعَنْ الشُّرْبِ بِالْفِضَّةِ، وَعَنْ الْمَيَاثِرِ([1654])، وَعَنْ الْقَسِّيِّ([1655]), وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ, وَالإِسْتَبْرَقِ, وَالدِّيبَاجِ([1656]).   

الشرح:

هذا الحديثُ حديثٌ جامعٌ لمسائل كثيرة من المأمورات والمنهيات، وهو دليل على كل واحدة منها، ويدخل في أبوابها، وقد أورده المؤلف في باب اللباس؛ لما ورد فيه من النهي عن لبس الحرير والديباج والقسي والتختم بالذهب.

وفي الحديث فوائد:

١-مشروعية عيادة المريض المسلم، وقد ورد الترغيب في ذلك في أحاديث كثيرة([1657]).

٢-مشروعية اتباع جنازة المسلم حتى يصلى عليه، وحتى يدفن، وقد ورد الترغيب في ذلك بذكر الأجر العظيم([1658]). 

٣-شرعية إفشاء السلام ابتداء وردًا.

٤-وجوب نصر المظلوم.

٥-وجوب تشميت العاطس.

٦-وجوب إجابة الدعوة.

٧-مشروعية إبرار المقسم.

٨-تحريم التختم بالذهب على الرجال.

٩-تحريم الحرير والدبياج والقسي والإستبرق على الرجال كما تقدم، وكلها أنواع من الحرير.

١٠-تحريم الشرب بآنية الفضة على الرجال والنساء؛ كما تقدم.

١١-تحريم استعمال المياثر، وهي: جمع ميثرة، وهي كساء أحمر يوضع على الرحل.  

١٢-فيه شاهد لحديث: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس» ([1659]).

٤٠٠-عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اصْطَنَعَ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ إذَا لَبِسَهُ، فَصَنَعَ النَّاسُ، ثُمَّ إنَّهُ جَلَسَ فَنَزَعَهُ وقَالَ: (إنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هَذَا الْخَاتَمَ, وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ)  فَرَمَى بِهِ ثُمَّ قَالَ: (وَاَللَّهِ لا أَلْبَسُهُ أَبَداً) فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ([1660]).

* وَفِي لَفْظٍ: جَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى([1661]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في حكم اتخاذ خاتم من ذهب، وقد تقدم في حديث البراء النهي عن التختم بالذهب.

وفي الحديث فوائد:

١-أن اتخاذ خاتم من ذهب كان جائزًا ثم نسخ.

٢-بيان حكم الشيء بالقول والفعل.

٣-حرص الصحابة على الاقتداء بهدي النبي ﷺ فعلًا وتركًا، فلما اتخذ النبي ﷺ خاتمًا من ذهب اتخذوا خواتم من ذهب، فلما طرحه طرح الناس خواتمهم؛ فتأسوا به في الفعل والترك، وقد ثبت أنه ﷺ اتخذ خاتمًا من فضة، نقشه: محمد رسول الله ([1662]).

٤-جواز اتخاذ الخاتم وأن السنة جعله في اليمين، وجعل فصه في باطن الكف.

5-ثبوت النسخ في الشريعة الواحدة، وهو مجمع عليه.

6-جواز تأكيد الحكم باليمين.

7-فيه شاهد لقوله ﷺ: «أُحِلَّ الذهبُ والحرير لإناثِ أُمَّتي، وحُرِّم على ذكورها» ([1663]) وهذا الحديث في اللباس خاصة لا في الآنية؛ كما تقدم.  

٤٠١-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ لُبُوسِ الْحَرِيرِ إلاَّ هَكَذَا, وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إصْبُعَيْهِ: السَّبَّابَةَ, وَالْوُسْطَى([1664]).

* وَلِمُسْلِمٍ: نَهَى نبي اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلاَّ مَوْضِعَ إصْبُعَيْنِ, أَوْ ثَلاثٍ, أَوْ أَرْبَعٍ([1665]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في الرخصة بقدر أربع أصابع فأقل من الحرير.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم لبس الحرير، والمراد على الرجال.

٢-الرخصة في موضع أربع أصابع فأقل، وذلك فيما يزين به الجيب أو الكم أو طرف الجبة، والمقصود إذا كان تابعًا.

 كتابُ الجِهَاد

أي: هذا كتاب ما ورد في السنة من الأحاديث في شأن الجهاد، والجهاد: لغة: مصدر جاهد يجاهد جهادًا، وحقيقته: بذل الجهد للوصول إلى المطلوب([1666] وفي الشرع يأتي على وجهين: عام وخاص، فالعام هو بذل الوسع في دفع كل ما يدعو إلى مخالفة هدى الله من الكفر والمعاصي؛ فيشمل جهاد النفس والهوى والشيطان، ويدخل فيه: رد الشبهات المعارضة لخبر الله، ودفع الشهوات المعارضة لأمر الله، وجهاد الكفار والمنافقين بالحجج والبينات([1667])

وأما الجهاد بالمعنى الخاص: فهو بذل الجهد في قتال الكفار من المشركين وأهل الكتاب حتى يدخلوا في الاسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون([1668])

وقتالهم يكون على وجهين:  

الأول: قتال طلب؛ وهو أن يبدأهم المسلمون بالقتال لإحدى الغايتين: الإسلام أو الجزية. والثاني: قتال دفع؛ وذلك إذا غزى الكفار بلاد المسلمين وجب على المسلمين جهادهم دفعًا لشرهم، وكفًا لعدوانهم، وحمايةً لديار الإسلام، وحكم هذا الجهاد فرض كفاية على كل قادر إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، والأول واجبٌ على دولة المسلمين بعث الجيوش لنشر الإسلام، وفرض سلطانه على بلاد الكافرين([1669]).

وقد دلت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة على فضل الجهاد والمجاهدين، وحسبك قوله تعالى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95]. وقوله ﷺ: «إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض»([1670]) وقوله ﷺ: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد»([1671]) ومع هذا فقد فرَّط كثيرٌ من المسلمين في الماضي والحاضر في هذه الشريعة والشعيرة التي هي عنوان عز الإسلام والمسلمين وسبب هيبتهم؛ فلذا تسلط عليهم الكفار وجاسوا خلال الديار في كثير من الأعصار؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، وكل هذا بقدر الله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

٤٠٢-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا (الْعَدُوَّ)([1672]) انْتَظَرَ  حَتَّى إذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِم؛ فَقَالَ: (يا أَيُّهَا النَّاسُ: لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ, وَسْلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُم فَاصْبِرُوا, وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ).

 ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ, وَمُجْرِيَ السَّحَابِ, وَهَازِمَ الأَحْزَابِ: اهْزِمْهُمْ, وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ)([1673]).

الشرح:

تضمن هذا الحديث جملة من آداب الجهاد القولية والعملية التي أرشد إليها النبي ﷺ بقوله وفعله.

وفي الحديث فوائد:

١-أن من سياسة لقاء العدو: تحري الوقت المناسب من الليل والنهار، ومن ذلك: الإغارة صبحًا، فإن لم تكن: فبعد زوال الشمس، وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأزمان ووسائل القتال.

٢-استحباب خطبة الإمام الجيش قبل بدء المعركة؛ ليستعدوا.

٣-استحباب الدعاء بنصر المؤمنين وهزيمة الكافرين.

٤-التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته كما في هذا الدعاء.

٥-اشتقاق بعض أسماء الله من أفعاله: منزل الكتاب، مجري السحاب، هازم الأحزاب.

٦-أن الله هو الذي أنزل الكتاب؛ أي القرآن، وشواهد هذا من الآيات كثيرة.

٧-أن الله هو الذي يجري السحاب؛ أي: يسوقها بما يشاء من الرياح. قال تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} [فاطر: 9]

٨-أن الله هو الذي هزم الأحزاب يوم الخندق بما أرسل عليهم من الريح والجنود، وهو الذي يهزم أحزاب الكفر كلما تقابلوا مع حزب الرحمن. قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].

٩-أن القرآن منزَّل غير مخلوق.

١٠-نهي المجاهدين عن تمني لقاء العدو، وإرشادهم إلى سؤال العافية؛ لأن هذا التمني يشعر بالإعجاب بالقوة، وهذا ينافي كمال التوكل على الله تعالى، ويشبه تمني لقاء العدو: طلب المبارزة بل هو أبلغ في الاعتماد على القوة، وليس من تمني لقاء العدو: القصد لقتال الكفار ابتداء، فهذا قد أمر الله به؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ } [التوبة: 123]. {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5]. وقال ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله»([1674]).

١١-وجوب الصبر عند لقاء العدو، ووجوب الثبات للعدو إلا أن يكون أكثر من ضعفي المسلمين.

١٢-فيه شاهد لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45-46].

١٣-أن من مظاهر الصبر: الالتحام بالعدو؛ لقوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ)؛ لأن ذلك سبب لنيل الشهادة.

١٤-الترغيب في الشهادة، فمن نال الشهادة فاز بالجنة.

١٥-أن من أدب الجهاد: التوكل على الله، وترك الاعتماد على القوة والأسباب.

١٦-إطلاق اسم العدو على الكفار المحاربين.

٤٠٣-عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الساعدي -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا, وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ من الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا, وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أوَ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عليها) ([1675]).

الشرح:

هذا الحديث تضمن الترغيب في الرباط والجهاد، والرباط هو من أعمال الجهاد، وأصل الرباط في اللغة: مصدر رابط في المكان إذا لزمه([1676] والرباط في الشرع: لزوم المواقع التي يخشى من استيلاء العدو عليها ودخوله ديار المسلمين من طريقها([1677])، وهي الثغور التي هي حدود ديار المسلمين مما يلي العدو، ومن المرابطة: حراسة عسكر المسلمين في الغزو، والغدوة: المرة من الغدو، وهو السير في أول النهار، والروحة: المرة من الرواح، وهو السير آخر النهار([1678]).

وفي الحديث فوائد:

١-فضل رباط يوم واحد؛ لأن ثوابه خير من الدنيا وما فيها، فكيف برباط أيام وشهور! بل أعوام!

٢-التنبيه على الإخلاص؛ لقوله: (في سبيل الله).

٣-فضل الجهاد في سبيل الله.

٤-أن المجاهد يؤجر على سيره وانتقاله في الغداة والعشي؛ فيؤجر على كل غدوة وروحة.

٥-حقارة الدنيا مهما بلغت في جنب ثواب الآخرة. وقوله: (يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يحتمل: أن المراد يروحها مجاهدًا في سبيل الله لقتال الكفار، ويحتمل أن يكون عامًا فيدخل فيه كل روحة وغدوة يقصد بها التقرب إلى الله في أي باب من أبواب الخير، ففيه شاهد لقوله ﷺ : «من غدا إلى المسجد وراح، أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح» ([1679]).

٦-أن أصغر بقعة في الجنة خير من الدنيا وما عليها؛ لأن من المعلوم أن موضع السوط يسير، والسوط معروف، وهو ما يتخذ للضرب به.

٤٠٤-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (انْتَدَبَ اللَّهُ -وَلِمُسْلِمٍ: تَضَمُّنَ اللَّهُ- لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إلاَّ جِهَادٌ فِي سَبِيلِي, وَإِيمَانٌ بِي, وَتَصْدِيقُ رَسُولِي([1680]) فَهُوَ عَلِيّ ضَامِنٌ: أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ, أَوْ أُرْجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ) ([1681]). 

*وَلِمُسْلِمٍ: (مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يجَاهَدَ فِي سَبِيلِ الله- كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ , وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بإنْ تَوَفَّاهُ: أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ, أَوْ يُرْجِعَهُ سَالِماً مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ) ([1682]).

٤٠٥-وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَكَلْمُهُ يَدْمَي: اللَّوْنُ لَوْنُ دَّمِ , وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكِ([1683]).

الشرح:

هذان الحديثان من أظهر الأدلة من السنة على عِظَم فضل الجهاد والمجاهد، والأول حديث قدسي، وقوله: (انْتَدَبَ اللَّهُ)، و(تَضَمُّنَ اللَّهُ)، و(تَوَكَّلَ اللَّهُ) معناها متقارب، وهي تتضمن عهدًا ووعدًا من الله للمجاهد المخلص في خروجه للجهاد بالثواب العاجل والأجل، والكلم: الجرح، والمكلوم: المجروح([1684])، ومعنى (يَدْمَي): يسيل([1685]).

وفي الحديثين فوائد:

١-فضل الجهاد والترغيب فيه.  

٢-أن الله يوجب على نفسه ما شاء فضلًا منه وكرما.

٣-أن الله أوجب على نفسه ثواب المجاهد الصادق المخلص بأن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلًا ما نال من أجر أو غنيمة.  

٤-فيه شاهد لقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100].

5-التنبيه على الإخلاص في الجهاد؛ لقوله: (لا يُخْرِجُهُ إلاَّ جِهَادٌ فِي سَبِيلِي, وَإِيمَانٌ بِي، وتصديقُ رَسُولي).

6-أن الإخلاص في القلب لا يعلمه إلا الله؛ لقوله: (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يجَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ).

7-أن المجاهد في سبيل الله هو في عبادة يؤجر بأفعاله وأحواله وانتقالاته، ويكتب له عمل صالح بما يصيبه من ظمأ ونصب ومخمصة، بل يكتب له بأحوال فرسه وحركاتها حسنات؛ كما جاء في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: " الخيل لثلاثة: لرجلٍ أجر، ولرجلٍ ستر، وعلى رجلٍ وزر، فأما الذي له أجر: فرجلٌ ربطَهَا في سبيل الله، فأطال في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلِها([1686]) ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنَّت([1687]) شَرَفًا أو شرفين([1688])، كانت أرواثها وآثارها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها، كان ذلك حسنات له" ([1689]).

ولهذا مثَّل الرسول ﷺ المجاهد: بالصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يفتر([1690] ويدل له أيضًا ما تقدم من قوله ﷺ : (والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خيرٌ من الدنيا وما عليها). وكذلك حديث أبي أيوب وحديث أنس الآتيان. 

8-أن الله يظهر للناس يوم القيامة فضل المجاهد الذي يُكلم -أي: يجرح في سبيل الله- بأن يجيء -وجرحه يسيل منه- لونُهُ لونَ الدم، وريحُهُ ريحَ المسك.

9-فضل الجراحة في سبيل الله.

10-طهارة دم المجروح والمقتول في سبيل الله؛ ولذا لا يُغسَّل الشهيد.

11-أن أحوال الآخرة وصفاتها وأحكامها تخالف أحكام الدنيا.

٤٠٦-عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, أَوْ رَوْحَةٌ: خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ).

 أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ([1691]).

٤٠٧-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, أَوْ رَوْحَةٌ: خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا).

و([1692]) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ([1693]). 

الشرح:

هذان الحديثان تقدم معناهما والكلام عليه في حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه-([1694]).

٤٠٨-عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ-رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- إلَى حُنَيْنٍ - وَذَكَرَ قِصَّةً - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ) قَالَهَا ثَلاثاً ([1695]).

٤٠٩-وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَيْنٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ -وَهُوَ فِي سَفَرِ- فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ, ثُمَّ انْفَتَلَ, فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (اُطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ) فَقَتَلْتُهُ, فَنَفَّلَنِي([1696]) سَلَبَهُ([1697]). 

* وفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: (مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟) فَقَالُوا: ابْنُ الأَكْوَعِ، فَقَالَ: (لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ) ([1698]).

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في إعطاء القاتل سلب المقتول، والسلب: هو ما على المقتول من الثياب والسلاح وما معه من المركوب([1699] واختلف العلماء في استحقاق القاتل سلب المقتول: فقيل: إنه حكم شرعي لا يتوقف على إعلان الإمام: أن من قتل قتيلًا فله سلبه، وقيل: لا يستحق إلا بقول الإمام أو أمير الجيش، والجمهور على القول الأول([1700])، وهو الصحيح.

وفي الحديثين فوائد:

١-أن للقاتل سلب المقتول.

٢-جواز مكافأة من تكون له نكاية في العدو.

٣-جواز أن يعلن الأمير للمجاهدين أن من قتل قتيلًا فله سلبه.

٤-أن أخذ القاتل لسلب المقتول حلالٌ، ولا يقدح في نية المجاهد كالغنيمة، إذا كان القصد من الجهاد إعلاء كلمة الله.

٥-فضيلة سلمة بن الأكوع؛ بما آتاه الله من شجاعة وقوة.

٦-جواز السجع غير المتكلف.

٧-أن السلب لا يخمس؛ لقوله ﷺ: (لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ)، وقوله: (مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ). والحديثان مخصصان لعموم الآية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41].

٨-أن من هديه ﷺ: إعادة الكلام والسلام ثلاثًا؛ للإبلاغ والإفهام.

٩-أن من هديه ﷺ التضحي([1701]) مع أصحابه في السفر والجلوس معهم.

١٠-وجوب طلب الجاسوس الكافر وقتله.

١١-أن السلب كل ما على القتيل لا يستثنى منه شيء.

٤١٠-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَرِيَّةً إلَى نَجْدٍ فَخَرَجَت فِيهَا, فَأَصَبْنَا إبِلاً وَغَنَماً, فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيراً, وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعِيراً بَعِيراً ([1702]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في تنفيل الإمام السرية بعض ما غنمته، والباقي يقسم بين الجيش كله، ومضمون الحديث: أن السرية غنموا إبلًا كثيرة؛ فقسمها النبي ﷺ بين الجيش جميعًا، وكان سهم الواحد اثني عشر بعيرًا، ونفل النبي ﷺ أفراد السرية بعيرًا بعيرا، وهذا التنفيل بعد القسمة وبعد التخميس.

وفي الحديث فوائد:

١-جواز الغنيمة، وأنها تقسم بين المقاتلين.

٢-مشروعية بعث الإمام السرايا من الجيش.

٣-أن ما تغنمه السرية يشاركهم بقية الجيش فيها.

٤-مشروعية تنفيل الإمام السرية بعض ما غنمته زيادة على بقية الجيش، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وغيره: أن النبي ﷺ كان ينفل السرية الربع في البداءة، والثلث في الرجعة([1703] والنفل: هو مكافأة لمن يكون به غناءٌ للمسلمين.

٤١١-وعَنْه: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخَرِينَ([1704]): يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ, فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ بْنِ فُلانٍ) ([1705]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في تحريم الغدر، وهو نكث العهد، وهو نوع من الخيانة، ومعنى: (يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ) أي: ينصب عند إسته ([1706]) راية تكون علمًا عليه وعلى غدرته؛ فضيحةً له.

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم الغدر في العهد.

٢-أنه من كبائر الذنوب.

3-وجوب الوفاء بالعهد.

4-أن من عقوبة الغادر: أنه يفضح يوم القيامة على رؤوس الأشهاد باللواء الذي ينصب له، والنداء عليه: هذه غدرة فلان!

5-أن الناس يوم القيامة ينسبون إلى آبائهم خلافًا لمن يزعم أنهم ينسبون إلى أمهاتهم.

٤١٢-وعَنْه: أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ -صلى الله عليه وسلم - قَتْلَ النِّسَاءِ, وَالصِّبْيَانِ([1707]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في تحريم قتل النساء والصبيان في الجهاد، وذلك أن المشروع قتال وقتل المقاتلة من الكفار، وليس النساء والصبيان كذلك، وهذا أحد وجوه التفسير لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]. ومن الاعتداء: قتل النساء والصبيان([1708]).  

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم قتل النساء والصبيان في الجهاد، ويستثنى من هذا: حالتان([1709]): إذا قاتلوا قُتلوا، وإذا كانوا مجتمعين مع المقاتلة لا يمكن تميزهم قُتلوا تبعًا؛ لقوله ﷺ -لما سأل عن أهل الدار يبيتون وفيهم النساء والذرية-: «هم منهم»([1710]).

٢-أن قتال الكفار ليس لمجرد الكفر بل الكفر أحد سببي القتال.

٣-أن دين الإسلام دين الرحمة والرفق بالضعفاء.

٤-أن الأصل في النساء: الضعف؛ ولذلك كان حكمهن حكم الصبيان في أمر الجهاد.

٤١٣-عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ, وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ, شَكَيا الْقَمْلَ إلَى النبي -صلى الله عليه وسلم- فِي غَزَاةٍ لَهُمَا؛ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ، وَرَأَيْته عَلَيْهِمَا([1711]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في الرخصة في لبس قميص الحرير من أجل الحكة والقمل، ولو ذكر المؤلف هذا الحديث في باب اللباس كان أولى([1712]).

وفي الحديث فوائد:

١-تحريم لبس الحرير على الرجال، وقد تقدم ذلك في باب اللباس.

٢-جواز لبس الحرير من أجل الحكة أو من أجل مراغمة الكفار.

٣-جواز لبس الحرير لدفع ضررٍ من حَرٍّ أو بردٍ أو غيرهما.

٤١٤-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ، وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَالِصًا, فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْزِلُ نَفَقَةَ أَهْلِهِ سَنَةً([1713]), ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي الْكُرَاعِ([1714]) وَالسِّلاحِ؛ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ([1715]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في حكم الفيء، ويدخل في تفسير قوله تعالى في بني النضير: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ.. الآيتان} [الحشر: 6-7]. ويتضمن الحديث: هدي رسول الله ﷺ في فيء بني النضير، والفيء: ما صار إلى المسلمين من أموال الكفار بغير قتال([1716]).

 وفي الحديث فوائد:

١-أن المسلمين لم يقاتلوا بني النضير، وإنما حاصروهم حتى اضطروهم إلى الجلاء.

٢-أن أموال بني النضير كانت فيئًا لا غنيمة.

٣-أن أموال بني النضير كانت خالصة للرسول ﷺ.

٤-ذكر هديه ﷺ في أموال بني النضير.

٥-جواز ادخار النفقة، وأن ذلك لا ينافي التوكل.

٦-البداءة بالإنفاق على العيال؛ كما قال ﷺ: «وابدأ بمن تعول»([1717]).

٧-عنايته ﷺ بالإعداد للجهاد؛ لقوله: (ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاحِ؛ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ). وهكذا ينبغي للإمام.

٨-أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل.

٤١٥-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَجْرَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَا ضُمِّرَ مِنْ الْخَيْلِ: مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ, وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ: مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ. 

 قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرَى([1718]).

* قَالَ سُفْيَانُ([1719]): مِنَ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ: خَمْسَةُ أَمْيَالٍ, أَوْ سِتَّةٌ. وَمَنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ: مِيلٌ([1720]). 

الشرح:

هذا الحديث أصلٌ في مشروعية السباق بالخيل، وهذا من الإعداد للجهاد في سبيل الله؛ وذلك يوم كانت الخيل من أهم وسائل الحرب، وكذلك إذا عادت الأمور إلى ما كانت عليه. قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ... الآية} [الأنفال: 60]. ومما يفعل بالخيل: التضمير؛ لتكون أقوى على الجري والعدو، وهو أن تعلف حتى تسمن، ثم يمسك عنها حتى تضمر؛ فيخف وزنها وتشتد عضلتها؛ فيقال لها: الخيل المضمرة وفرسٌ مضمرة. والخيل المضمرة أقوى في السباق على قطع المدى البعيد؛ ولهذا أجرى النبي ﷺ الخيل المضمرة في مدى خمسة أميال، وغير المضمرة في ميل واحد، وقدر علماء المساحة الميل بكيلوين إلا ثلث تقريبًا ([1721])، وعليه فخمسة أميال قريبٌ من سبع كيلوات.

وفي الحديث فوائد:  

١-مشروعية السباق على الخيل.

٢-أن السبق معتبر بالمركوب لا بالراكب، وفي المناضلة([1722]) بالرامي لا بل الآلة.

٣-أن شرط السباق بين الخيل أو الإبل: أن يكون كلًا من المركوبين لا يأمن أن يسبق.

٤-جواز تجويع البهائم للمصلحة.

٥-اشتراط معرفة الغاية التي يتسابق إليها، ومقدار الأمد.

٦-جواز إسناد الفعل إلى الآمر به.

٤١٦-وعَنْه: قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أُحُدٍ  -وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ- فَلَمْ يُجِزْنِي, وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ -وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ- فَأَجَازَنِي([1723]).

الشرح:

هذا الحديث هو الأصل في ثبوت البلوغ بالسن، وهو بلوغ خمسة عشر سنة.

وفي الحديث فوائد:

١-أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يعرضون أولادهم على النبي ﷺ من أجل الخروج للجهاد.

٢-أن النبي ﷺ لا يجيز الصبيان.

٣-أن من أجازه ﷺ عُلم بذلك بلوغُه.

٤-أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان عمره يوم أحد أربعة عشر سنة، ويوم الخندق خمسة عشر سنة.

٥-أن ابن عمر ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة.

٦-أنه ينبغي للإمام استعراض الجند قبل الخروج للغزو.

٤١٧-وَعَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَسَمَ فِي النَّفَلِ: لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ, وَلِلرَّجُلِ سَهْماً([1724]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في صفة قسم الغنيمة بين الغانمين.

وفي الحديث فوائد:

١-أن للفارس ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه.

٢-أن الغنيمة تسمى نفلًا؛ كما قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1]. قيل: هي: الغنائم([1725]).

٣-أن سهمي الفرس لصاحبها.

٤-أن غير الفارس له سهم واحد.

٤١٨-وَعَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُنَفِّلُ بعض مَنْ يَبْعَثُ من السَّرَايَا لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً، سِوَى قَسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ([1726]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في جواز تنفيل الإمام للسرايا التي يبعثها بعض ما غنمته زيادة على سهامهم أسوة بباقي الجيش، وقد تقدم هذا المعنى في التعليق على حديث ابن عمر([1727])

٤١٩-عَنْ أَبِي مُوسَى -عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه- أن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا) ([1728]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في تحريم قتال المسلم للمسلم إلا إن بغى، وأدلة ذلك في الكتاب والسنة كثيرة؛ كقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]. وقوله ﷺ: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه»([1729] وقال تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9].

وفي الحديث فوائد:

١-فيه شاهد لقوله ﷺ: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» ([1730]).

٢-أن قتال المسلم كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله: (فَلَيْسَ مِنَّا). ومعنى: (ليس منا) أي نحن بريئون منه، فهو بعيد عنا.  

٣-التحذير من قتال المسلمين بعضهم لبعضهم.

٤-أن من فنون الكلام: الكناية؛ وذلك في قوله: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ) كناية عن القتل والقتال.

٥-أن المسلمين شيء واحد، فالاعتداء على بعضهم اعتداء على جماعتهم؛ لقوله: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا) أي: نحن المسلمين.

٤٢٠-عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ الرَّجُلِ: يُقَاتِلُ شَجَاعَةً, وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عزوجل؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ([1731]).

الشرح:

هذا الحديث من فصل الخطاب الذي أوتيه النبي ﷺ.  بين فيه ﷺ تحديدًا متى يكون القتال في سبيل الله؛ وذلك بأن تكون غاية المقاتل إعلاء كلمة الله، وكلمة الله هي دينه الذي أنزل به كتابه، وبعث به رسوله.

وفي الحديث فوائد:

١-أن من يقاتل حمية؛ أي عصبية لقبيلة أو وطن؛ أو يقاتل شجاعة؛ أي محبة للقتال، أو يقاتل رياء: أن ذلك كله باطل؛ لأنه خال عن الغاية التي أمر الله أن يكون القتال لها.

٢-أن المعول في صلاح العمل على الإخلاص: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].

٣-أن من بديع الكلام: ما يعرف بالأسلوب الحكيم؛ وذلك في جواب النبي ﷺ بقوله: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّه) حيث عدل عن الجواب المطابق إلى جواب هو أوفى منه.  

٤-أنه ليس شيء من الأحوال المذكورة في سبيل الله، ولو كان القتال للكفار.

٥-أن غاية الجهاد في سبيل الله: هي أن تكون كلمة الله هي العليا؛ وذلك بأن يكون دينه هو الظاهر على جميع الأديان، وينبغي أن يعلم أن كلمة الله هي العليا في نفسها -جاهد العباد أو لم يجاهدوا- ولكن بالجهاد تكون هي العليا في واقع الناس، ويرشد إلى هذا قوله تعالى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: 40]. وليراجع التفسير في ذلك([1732]).

بابُ العِتْقِ([1733])

أي: هذا باب ذكر الأحاديث المتعلقة بالعتق، والمراد بالعتق: تحرير المماليك برفع الرق عنهم؛ كقول السيد لعبده: أنت حر، فيصير حرًا بعد أن كان مملوكًا، ويعبر عن العتق: بتحرير الرقبة وفك الرقبة، وأصل الرق: سبي نساء الكفار وأولادهم، فهو أثر من آثار الجهاد؛ وبهذا تظهر مناسبة ذكر باب العتق بعد كتاب الجهاد.

وعتق الرقيق مشروع لكن تارة يكون واجبًا كما في الكفارات، وتارة يكون مستحبًا وذلك في غير الكفارات والنذر، وقد ورد التكفير بالعتق: في كفارة الظهار([1734])، وقتل الخطأ([1735])، والجماع في نهار رمضان([1736])، وفي كفارة اليمين([1737])، وورد الترغيب فيه، ومن ذلك: قوله ﷺ: «من أعتق رقبة، أعتق الله بكل عضو منها عضوًا من أعضائه من النار» ([1738]).

وللرقيق أحكام في جميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات، ويعبر عن الرق بملك اليمين، وحكم الاسترقاق ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ومنكره كافر، ولم يكن ينكره أحد من المسلمين إلا بعدما احتل النصارى كثيرًا من البلاد الإسلامية، فطعنوا على الإسلام في شريعة الجهاد وفي الرق، ولـمَّا كان لهيئة الأمم سلطان على الحكومات الإسلامية فرضت عليهم إلغاء الرق، وحكمت بتحريم الاسترقاق؛ لذلك حصل عند بعض المسلمين شبهات في حكم الاسترقاق، فضلوا عن السبيل واتبعوا غير سبيل المؤمنين.

٤٢١-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ, فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ: قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ, فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ, وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) ([1739]).

٤٢٢-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنْ أَعْتَقَ شِقْصَاً([1740]) مِنْ مَمْلُوكٍ, فَعَلَيْهِ خَلاصُهُ فِي مَالِهِ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، قُوِّمَ الْمَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ, ثُمَّ اُسْتُسْعِيَ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ) ([1741]).

الشرح:

هذان الحديثان هما الأصل في حكم من أعتق شركًا له في عبد، وله مال يبلغ قيمة العبد أو ليس له مال.

وفي الحديثين فوائد:

١-جواز عتق الشقص([1742]) من المملوك عبدًا كان أو أمة.

٢-إن كان له مال يبلغ قيمة العبد أعطى شركائه حصصهم، وعتق عليه العبد كله.

٣-إن لم يكن له مال يبلغ قيمة العبد المملوك عتق منه ما عتق، وصار العبد مبعضًا، إن بقي العبد مبعضًا فإن العبد يُستسعى؛ أي: طلب منه التكسب إن كانت له صنعة، أو يأجر نفسه؛ ليعطي ملاكه قيمة حصصهم فيعتق.

٤-أن العبد إذا استسعي فإنه لا يكلف فوق طاقته؛ لقوله ﷺ: (غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ).

٥-تشوف الاسلام للحرية؛ ولهذا رغب في العتق وأوجبه لبعض الأسباب.

٦-أنه إذا قُوِّم العبد على معتق الشقص: فإنه يقوم قيمة عدل؛ أي: لا وكس ولا شطط؛ فالوكس: النقص عن قيمة المثل، وهذا يضر الشركاء، والشطط: الزيادة على قيمة المثل، وهذا يجحف بمعتق الشقص.

٧-وجوب التسعير على من وجب عليه البيع.

٤٢٣-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: دَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ غُلاماً لَهُ([1743]).

* وَفِي لَفْظٍ: بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ أَعْتَقَ غُلاماً عنْ دُبُرٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ؛ فَبَاعَهُ (رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-)([1744]) بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ, ثُمَّ أَرْسَلَ ثَمَنَهُ إلَيْهِ([1745]).

الشرح:

هذا الحديث أصل في جواز التدبير، وجواز بيع المدبر، والتدبير: هو تعليق عتق العبد على موت السيد([1746] كأن يقول: إذا متُّ فأنت حر، ويقال للعبد: مدبر، إذا علق عتقه على الموت.

وفي الحديث فوائد:

١-جواز التدبير.

٢-جواز بيع المدبر.

٣-جواز تصرف الإمام في مال رعيته لمصلحتهم.

٤-أن المدبر إذا مات سيده عتق.

٥-أن حكم التدبير حكم الوصية؛ فيخرج من الثلث.

٦-أن المملوك إذا علق عتقه على شرط فهو على أصل الرق حتى يقع الشرط فيعتق.

هذا ما تيسر تدوينه من فوائد أحاديث عمدة الأحكام؛ وذلك بتوفيق لله تعالى في يوم السبت الأول، من شهر ذي الحجة، من عام سبع وثلاثين وأربعمائة وألف، فله الحمد أولًا وآخرًا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.



([1]) ينظر: "القاموس المحيط" (ص432).

([2]) ينظر: "المنتهى" (1/9-10)، و"الإقناع" (1/5).

([3]) أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907) 

([4]) أخرجه البخاري (6954) واللفظ له، ومسلم (225) ولفظه: «لا تُقبل صلاة أحدكم.. ».

([5]) أخرجه مسلم (224) من حديث ابن عمر.

([6]) أخرجه مسلم (2230) عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

([7]) ينظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص33، رقم 1).

([8]) ينظر: "شرح المنتهى" (1/20)، "كشاف القناع" (1/32-33).

([9]) أخرجه البخاري (135)، ومسلم (225).

([10]) ينظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص33، رقم 2).

([11]) حديث عبد الله بن عمرو: أخرجه البخاري (60)، ومسلم (241)، وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه البخاري (165)، ومسلم (242)، وفي روايةٍ لمسلم (242) (29): (ويلٌ للعراقيب من النار) وأما حديث عائشة: فرواه مسلم (240).

([12]) في روايةٍ لمسلم (241) (26): "تعجَّل قومٌ عند العصر، فتوضؤوا وهم عجال، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر الحديث.

([13]) ورد ذلك: من حديث عبد الله بن عمرو المتقدم.

([14]) ينظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" (3/269).

([15]) أخرجه أحمد (17710)، من طريق ابن لهيعة، وابن خزيمة (163)، والدارقطني (316)، والحاكم (580) من طريق الليث بن سعد، كلاهما عن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، قال: سمعت عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر الحديث.

قال ابن أبي عاصم: "ولا يعلم أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمع منه غيره"

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح"

([16]) أخرجه البخاري (162)، ولفظه عنده: «فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه» وليس فيه لفظ: «الإناء ثلاثًا» وهما حديثان ساقهما البخاري سوقًا واحدًا. قال الحافظ في الفتح (1/263):  "قوله: «وإذا استيقظ» هكذا عطفه المصنف، واقتضى سياقه: أنه حديث واحد، وليس هو كذلك في الموطأ.. فكأن البخاري كان يرى جواز جمع الحديثين إذا اتحد سندهما في سياق واحد؛ كما يرى جواز تفريق الحديث الواحد إذا اشتمل على حكمين مستقلين". وقد فرّقهما مسلم، فأخرج الحديث الأول: «إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترًا.. » برقم (237) (20)، والحديث الثاني: «إذا استيقظ أحدكم من نومه.. » برقم (278) (87)

([17]) أخرجه مسلم (237) (21)

([18]) أخرجه البخاري (161)، ومسلم (237) (22)

([19]) هذه الزيادة هي من كلام شيخنا على أصل المتن، وهي موجودة في بعض – أو غالب- النسخ المطبوعة، ولم أجدها بهذا اللفظ في الصحيحين، أو أحدهما.

([20]) أخرجه مسلم (262) (57) من حديث سلمان، قال: قيل له: قد علمكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كل شيء حتى الخراءة! قال: فقال: أجل «لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط، أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم».

([21]) أخرجه مسلم (278) (87).

([22]) ينظر: "المغني" (1/140).

([23]) وهذا هو المذهب. ينظر المصدر السابق.

([24]) وهذا هو المذهب. ينظر: " شرح المنتهى" (1/32)، "كشاف القناع" (1/54).

([25]) وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد، اختارها الموفق وابن أبي عمر وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من الأصحاب، كما في "الإنصاف" (1/38). وينظر: "مجموع الفتاوى" (21/43-46)، و"المختارات الجلية" (8/201)، و"الشرح الممتع" (1/49).

([26]) أخرجه البخاري (6410)، ومسلم (2677) (5) واللفظ له، من حديث أبي هريرة.

([27]) أخرجه البخاري (239) واللفظ له، ومسلم (282) (95) ولفظه عنده:  «منه» بدل: «فيه» وليس عنده قوله: «الذي لا يجري».

([28]) أخرجه مسلم (283) (97) وتمامه عنده: فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: «يتناوله تناولًا».

([29]) وفي رواية للنسائي (57): "ثم يتوضأ منه" وله أيضًا (397): "ثم يغتسل فيه أو يتوضأ" ولابن خزيمة (94) وابن حبان (1256): "ثم يتوضأ منه أو يشرب".

([30]) أخرجه أحمد (9596)، وأبو  (70)، وابن حبان (1257) من طريق يحيى بن سعيد القطان، وابن ماجه (344) من طريق خالد الأحمر، وأبو عبيد في "الطهور" (161) من طريق بكر بن مضر، ثلاثتهم عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، به. وأخرجه البيهقي (1129) من طريق الليث، عن ابن عجلان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه " نهى أن يبال في الماء الدائم وأن يغتسل فيه من الجنابة ". وينظر: "نصب الراية" (1/112)، و"البدر المنير" (2/317)، و"التلخيص الحبير" (1/309، رقم 133)، و"الدراية" (1/56، رقم 44)، و"صحيح أبي داود" (1/121، رقم 63).

([31]) ينظر: المغني" (1/35).

([32]) وهذا هو المذهب. ينظر: "شرح المنتهى" (1/30)، و"كشاف القناع" (1/52).

([33]) وهي الرواية الثانية في المذهب، اختارها ابن عقيل، وأبو البقاء، وابن عبدوس، وشيخ الإسلام، وغيرهم. قال في "الإنصاف" (1/36): "وهو أقوى في النظر".  ينظر: "الاختيارت" (ص8)، و"مجموع الفتاوى" (19/236-237)، و"المختارات الجلية" (8/200)، و"الاختيارات الفقهية" لابن باز (ص11)، و"الشرح الممتع" (1/54).

([34]) أخرجه  البخاري (172) واللفظ له، ومسلم (279) (90) ولفظه: «سبع مرات».

([35]) أخرجه مسلم (279) (91).

([36]) أي لمسلم برقم (280) (93).

([37]) لفظ مسلم: «سبع مرات».

([38]) لفظ مسلم: «في التراب».

([39]) أخرجه مسلم (279) (91)

([40]) ينظر: "المغني" (1/64)

([41]) ينظر: "المصدر السابق" و"التمهيد" لابن عبد البر (18/ 269).

([42]) ينظر: "نصب الراية" (1/132)، و"البدر المنير" (1/544)، و"التلخيص الحبير" (1/148، رقم 9)، و"فتح الباري" (1/ 275)، و"صحيح أبي داود " (1/123، رقم 64) و(1/126، رقم 66)، و"إرواء الغليل" (1/60، رقم 24).

([43]) قال الحافظ في "الفتح" (1/276): "ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حيث المعنى أيضًا؛ لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه".

([44]) ينظر: "شرح مسلم" للنووي (3/ 185)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 277).

([45]) حمُران -بضم أوله- بن أبان، مولى عثمان بن عفان، اشتراه في زمن أبي بكر الصديق، ثقة من الثانية، مات سنة خمس وسبعين، وقيل غير ذلك، روى له الجماعة. "التقريب" (1513).

([46]) قال الحافظ في "الفتح" (1/266): "قوله: « ثم غسل كل رجل» كذا للأصيلي والكشميهني، ولابن عساكر: «كلتا رجليه» وهي التي اعتمدها صاحب العمدة، وللمستملي والحموي: «كل رجله» وهي تفيد تعميم كل رجل بالغسل، وفي نسخة: «رجليه» بالتثنية، وهي بمعنى الأولى".

([47]) أخرجه البخاري (159)، ومسلم (226) (3).

([48]) عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني، ثقة من السادسة، مات بعد الثلاثين، روى له الجماعة. "التقريب" (رقم 5139).

([49]) يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري المدني، ثقة من الثالثة، روى له الجماعة. "التقريب" (رقم 7612).

([50]) عمروٌ هذا هو أخو عمارة، فيكون يحيى روى عن عمه: عمرو بن أبي الحسن الأنصاري المازني، وقد ذكره أبو موسى المديني عن سعيد ابن يعقوب:  أنه ذكره في الصحابة. ينظر: "الإصابة" (4/512، رقم 5829)

([51]) أخرجه البخاري (186) و(192)، ومسلم (235) (18) وزادا: "إلى الكعبين"

([52]) أخرجه البخاري (185)، ومسلم (235)

([53]) أخرجه البخاري (197) ولفظه عنده: «أتى رسول الله .. ». وهذا اللفظ: «أتانا» لرواية الكشميهني وأبي الوقت، كما قال الحافظ في "الفتح" (1/291).

([54]) ينظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/199)

([55]) ينظر: (ص7)

([56]) أخرجه أبو داود (144) من طريق محمد بن يحيي الذهلي، عن أبي عاصم الضحاك، عن ابن جريج، عن إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه، عن عائشة، به. وصحح بعضهم هذه الزيادة، والصحيح أنها شاذة لمخالفتها رواية جماعة الحفاظ الذين لم يذكروا المضمضة فيه، والله أعلم.  ينظر: "التحجيل" للطريفي (ص19-21).

([57]) الأول هو: عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاريّ المازني، أبو محمد. والثاني هو: عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج الأنصاري.

ينظر: "الإصابة" (4/85، رقم 4704)، و (4/84، رقم 4706)

([58]) قال الحافظ في "الفتح" (1/269): "قوله: «في شأنه كله» كذا للأكثر من الرواة، بغير واو، وفي رواية أبي الوقت: بإثبات الواو، وهي التي اعتمدها صاحب العمدة".

([59]) أخرجه البخاري (168) واللفظ له، ومسلم (268).

([60]) قال في "النهاية" (2/203): "والترجيل: تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه".

([61]) نُعيم بن عبد الله المدني، مولى آل عمر، يُعرف بالمُجْمِر، بسكون الجيم وضم الميم الأولى وكسر الثانية، [وقيل له المُجْمِر: لأنه كان يجمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي يبخِّرُه]، وكذا كان أبوه، ثقة من الثالثة، روى له الجماعة. "التقريب" (7172)

([62]) هذه رواية البخاري برقم (136)

([63]) هذه رواية مسلم (246) (35)

([64]) رواه مسلم (250) (40) بسنده عن أبي حازم، قال: كنت خلف أبي هريرة، وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه، فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ أنتم هاهنا؟ لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.

([65]) أصل الغرة: البياض الذي يكون في وجه الفرس، وسمي غرة لبياضه، والغر: جمع الأغر، من الغرة: بياض الوجه، يريد بياض وجوههم بنور الوضوء يوم القيامة. "النهاية في غريب الحديث والأثر" (3/353)  

([66]) البياض الذي في قوائم الفرس،  و"الغر المحجلون" أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والوجه والأقدام، استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه. "المصدر السابق" (1/346)

([67]) أخرجه مسلم (247-249) من حديث أبي هريرة وحذيفة بألفاظ متقاربة. قالوا يا نبي الله أتعرفنا؟ قال: " نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركم، تردون علي غرًا محجلين من آثار الوضوء"

([68]) ينظر: "المصادر السابقة"

([69]) قال ابن بطال في "شرح البخاري" (1/221): "وهذا شيء لم يتابع عليه أبو هريرة، والمسلمون مجمعون على أنه لا يتعدى بالوضوء ما حد الله ورسوله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أبدر الناس إلى الفضائل، وأرغبهم فيها، لم يجاوز قط موضع الوضوء فيما بلغنا"

([70]) "وهو أن يقع في المتن كلام ليس منه، فتارة يكون في أوله، وتارة يكون في أثنائه، وتارة يكون في آخره - وهو الأكثر- لأنه يقع بعطف جملة على جملة، أو بدمج موقوف من كلام الصحابة أو من بعدهم بمرفوع من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير فصل، فهذا هو مدرج المتن". "نزهة النظر" (ص94).  

([71]) ينظر " النونية مع شرح ابن عيسى" (2/541)

([72]) "النونية مع شرح ابن عيسى" (2/540-542)

([73]) أخرجه الترمذي (594) من طريق عامر بن صالح الزبيري، وابن ماجه (758) من طريق مالك بن سعير، وأبو داود (455) وابن ماجه (759) من طريق زائدة بن قدامة، ثلاثتهم  عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به=

وخالفهم وكيع وعبدة بن سليمان وابن عيينة، فروه عن هشام بن عروة، عن أبيه مرسلًا. أخرجه الترمذي (595) و (596).

قال الترمذي: "وهذا أصح من الحديث الأول".

وقال العقيلي في "الضعفاء" (3/309): "هذا أولى".

وقال الدارقطني في "العلل" (14/155، رقم 3493): "والصحيح عن جميع من ذكرنا وعن غيرهم، عن هشام، عن أبيه، مرسلًا" ورجح المرسل أيضًا: أبو حاتم في "العلل" (2/414، رقم 481).

([74]) كذا في النسخة المطبوعة التي اعتنى بها محمود الأرناؤوط، بمراجعة وتقديم: عبد القادر الأرناؤوط وهو ما رجحه شيخنا، وفي نسخة ابن الملقن: باب الاستطابة.

([75]) ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 74).

([76]) أخرجه مسلم (262) وتمامه: «لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط، أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم».

([77]) أخرجه البخاري (142)، ومسلم (375).

([78]) هذا التفسير موجود في بعض النسخ، كنسخة الإحكام وابن الملقن وغيرهما، وساقط في بعضها كمتن العمدة المطبوع.

([79]) ينظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (2/192)، "شرح النووي على مسلم" (4/71)، "فتح الباري" (1/243).

([80]) {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[النور: 26].

([81]) لفظهما: "قِبل"

([82]) لفظهما: "القبلة"

([83]) أخرجه البخاري (394)، ومسلم (264)

([84]) ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/395)

([85]) ينظر: المصدر نفسه (2/208)

([86]) أخرجه البخاري (148)، ومسلم (266) وعندهما: «القبلة» بدل: «الكعبة».

[87])) هذه الزيادة من النسخة المطبوعة التي اعتنى بها محمود الأرناؤوط، وهو ما رجحه شيخنا. أخرجه البخاري (145)، ومسلم (266) (61).

([88]) ينظر: المغني (1/220)، والمحلى (1/189)، وشرح النووي مسلم (3/ 154)، وفتح الباري (1/ 245).

([89]) ينظر:  المحلى (1/189)

([90] ) وهي الرواية الثانية في المذهب. قال في "الإنصاف" (1/101): " جزم به في الوجيز، والمنتخب، وقدمه في الرعايتين، واختاره: أبو بكر عبد العزيز، والشيخ تقي الدين، وصاحب الهدي – يعني ابن القيم-، والفائق، وغيرهم".  ينظر: "الاختيارات" (ص15)، "زاد المعاد" (2/350).

([91]) قال في "الإنصاف" (1/100): " وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. قال الشيخ تقي الدين: هذا المنصور عند الأصحاب". وينظر: "المنتهى" (1/36)، و"الإقناع" (1/26).

([92]) جمع كنيف، وهو الخلاء. ينظر: لسان العرب (9/310).

([93]) أخرجه البخاري (152)، ومسلم (271) واللفظ له.

([94]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (3/308).

([95]) ينظر: البخاري: باب الصلاة إلى العنزة (رقم 499 و500)، ومسلم: باب الصلاة إلى الحربة والعنزة (رقم 501 و502).

([96]) ينظر: تفسير الطبري (23/405)، وابن كثير (8/262).

([97]) أخرجه  البخاري (153)، ومسلم (267) واللفظ له.

([98]) قال شيخنا في "شرح الزاد": " النهي مقيد بحال البول، فينبغي الاقتصار على ما ورد فيه الدليل, فيقال: يُكره, أو يحرم أن يمسَّ الإنسانُ ذكرَه بيمينه, وهو يبول, وإذا احتاج لِمسِّه, فليمسَّه بيده اليسرى, فاليسرى هي المناسبة لذلك".

([99]) سبق تخريجه (ص16).

([100]) قال النووي في "شرح مسلم" (3/201): "وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يستتر من بوله" فروي ثلاث روايات: "يستتر" بتائين مثناتين، و"يستنزه" بالزاي والهاء، و"يستبرئ" بالباء الموحدة والهمزة، وهذه الثالثة في البخاري وغيره، وكلها صحيحة، ومعناها: لا يتجنبه ويتحرز منه"

([101]) أي جريدة من النخل، وجمعها جريد، وهي السعفة مما لا ينبت عليه الخوص. النهاية في غريب الحديث (3/ 234).

([102]) هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: غرس.

([103]) في نسخة: «ما لم تيبسا». قال الحافظ في الفتح (1/320): " كذا في أكثر الروايات: بالمثناة الفوقانية، أي الكسرتان، وللكشميهني: «إلا أن تيبسا» بحرف الاستثناء، وللمستملي: «إلى أن ييبسا» بإلى التي للغاية والياء التحتانية، أي العودان"

([104]) أخرجه البخاري (218) واللفظ له، وتمامه عنده: وقال محمد بن المثنى، وحدثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش، قال: سمعت مجاهدًا مثله: «يستتر من بوله»، ومسلم (292).

([105]) ينظر: توضيح مقاصد العقيدة الواسطية لشيخنا (ص168).

([106]) ينظر: مجموع الفتاوى (11/65).

([107]) أخرجه البخاري (6010) و(6128) من حديث أبي هريرة،  والبخاري (6025) ومسلم (284) من حديث أنس أن أعرابيًا بال في المسجد، فقام إليه بعض القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه ولا تزرموه» قال: فلما فرغ دعا بدلو من ماء فصبه عليه.

([108]) أخرجه الدارقطني (464) من طريق محمد بن الصباح السمان، عن أزهر بن سعد السمان، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا. وهذا إسناد ضعيف، محمد بن الصباح السمان، قال الذهبي في "الميزان" (3/583، رقم 7692): "لا يُعرف وخبره منكر". وقال الدارقطني: "الصواب مرسل". 

وله طريق آخر: أخرجه أحمد (9033)، وابن ماجه (348)، والدارقطني (465)، والحاكم (653)، كلهم من طريق أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكثر عذاب القبر من البول "

قال الترمذي في "العلل الكبير" (رقم 37): سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: "حديث صحيح"

وقال الدارقطني: "صحيح"

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولا أعرف له علة ولم يخرجاه"

وأعلَّه أبو حاتم بالوقف، وقال: "هذا حديث باطل؛ يعني: مرفوع" كما في "العلل" لابنه (3/558، رقم 1081). وذكر الدارقطني في "علله" (8/208، رقم 1518): رواية أبي عوانة هذه، ثم قال: "وخالفه ابن فضيل فوقفه، ويشبه أن يكون الموقوف أصح"

وله شاهد من حديث أنس، وابن عباس. ينظر: نصب الراية (1/128)، والبدر المنير (2/323)، والتلخيص الحبير (1/311، رقم 136)، وإرواء الغليل (1/310، رقم 280).

([109]) هذا لفظ مسلم، وذكره البخاري عقب رواية الباب عن مجاهد، به. وسبق تخريجه.

([110]) ينظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي (1/207) و(2/ 34).

([111]) قال النووي في "شرح مسلم" (3/201): "وقد ذكر العلماء فيه تأويلين، أحدهما: أنه ليس بكبير في زعمهما، والثاني: أنه ليس بكبير ترْكُهُ عليهما، وحكى القاضي عياض -رحمه الله تعالى- تأويلًا ثالثًا: أي ليس بأكبر الكبائر. قلت: فعلى هذا يكون المراد بهذا الزجر والتحذير لغيرهما، أي لا يتوهم أحد أن التعذيب لا يكون إلا في أكبر الكبائر الموبقات؛ فإنه يكون في غيرها، والله أعلم"  

([112]) أخرجه البخاري (216) ولفظه: «يعذبان، وما يعذبان في كبير» ثم قال: «بلى، كان أحدهما.. الحديث»، وأخرجه في "الأدب" (6055) بلفظ: «يعذبان، وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير». وينظر: "فتح الباري" (1/317)

([113]) ينظر: معالم السنن للخطابي (1/19)، وتعليق الشيخ أحمد شاكر على الترمذي (1 / 103).

([114]) قال النووي في "شرح مسلم" (3/202): " وقد أنكر الخطابي ما يفعله الناس على القبور من الأخواص ونحوها متعلقين بهذا الحديث، وقال: لا أصل له، ولا وجه له، والله أعلم".

([115]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (2/425).

([116])  ذكره البخاري معلقًا "باب سواك الرطب واليابس للصائم"  (3/31، قبل حديث 1934) عن عائشة بصيغة الجزم، ووصله: الشافعي في "مسنده" (ص14، ورقم 71 بترتيب السندي) وعنه البيهقي (136) والبغوي (199)، وأحمد (24203)، من طريق ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي عتيق، عن عائشة، به.

وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث عند أحمد، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه أحمد (24925)، والنسائي (1116)، من طريق يزيد بن زريع، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق، عن أبيه، أنه سمع عائشة، تحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره.

وأخرجه ابن أبي شيبة (1792)، والدارمي (711)، وأبو يعلى (4569) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي، عن  بن الحصين، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، به.

وأخرجه ابن خزيمة (135)، ومن طريقه البيهقي (140) من طريق ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن عبيد بن عمير، عن عائشة، به. وللحديث طرق وشواهد: انظرها في البدر المنير (1/ 684)، والتلخيص الحبير (1/225، رقم 63)، وإرواء الغليل (1/105، رقم 66).

([117]) أخرجه البخاري (887)، ومسلم (252).

([118]) أخرجه البخاري (245)، ومسلم (255) (47).

([119]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (2/509)

([120]) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص27)

([121]) ورد في تأكيده، والحث عليه، والترغيب فيه: أكثر من ثلاثين حديثًا، وذكره السيوطي في "قطف الأزهار" (رقم 20)، والكتاني في "النظم المتناثر" (رقم 26) من جملة الأحاديث المتواترة.

([122]) أخرجه البخاري (3743)، ومسلم (824) من حديث علقمة أنه ذهب إلى الشام، فلما دخل المسجد، قال: اللهم يسِّر لي جليسًا صالحًا، فجلس إلى أبي الدرداء، فقال أبو الدرداء: ممن أنت؟ قال: من أهل الكوفة، قال: أليس فيكم، أو منكم، صاحب السر الذي لا يعلمه غيره، يعني حذيفة، قال: قلت: بلى.. الحديث". وأخرج مسلم (2891) (22) بإسناده عن حذيفة قال: «والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة، فيما بيني وبين الساعة، وما بي إلا أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسرَّ إلي في ذلك شيئًا، لم يحدثه غيري». وبإسناده (2891) (24) عنه قال: «أخبرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة» .

[123])) عند البخاري زيادة: ونفضتُّه

[124])) عند البخاري زيادة: قط

([125])  أخرجه البخاري (4438)

([126])  برقم (4449)

([127])  ليس فيه قصة استياكه صلى الله عليه وسلم، ولعله يشير  إلى حديث عائشة (2443) (84) الذي قالت فيه: إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليتفقد، يقول: «أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟» استبطاء ليوم عائشة، قالت: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري.

([128]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (1/105).

([129]) ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد  (4/ 321)، و النهاية (1/416)، ولسان العرب (3/ 126).

([130]) ينظر: لسان العرب (13/ 173).

([131]) خَتَنُ الرجلِ: المتزوِّجُ بابنته أو بأخته، والجمع أختان، والأنثى: خَتَنَة، وخاتنَ الرجلُ الرَّجلَ إِذا تزوَّج إليه، وفي الحديث:

عليٌّ خَتَنُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي زوج ابنته. لسان العرب (13/138).

([132]) لفظ البخاري: "فوجدتُّهُ يستنُّ بسواكٍ بيده"

[133])) قوله: "رطب" زيادة من النسخة المطبوعة التي اعتنى بها محمود الأرناؤوط، والإحكام. وليست في الصحيحين.

([134]) هذا لفظ مسلم، مع أن السياق للبخاري! فكأن المصنف رحمه الله  أدخل السياقين في بعض! وقد جمع بينهما: النسائي (رقم3)

[135])) قوله: "وهو" زيادة من النسخة المطبوعة، والإحكام. وليست في الصحيحين.

[136])) أخرجه البخاري (244) واللفظ له، ومسلم (254) (45).

([137])  ينظر: النهاية في غريب الحديث (5/282)

([138]) المصدر السابق.

([139]) قال الإمام أحمد: "سبعة وثلاثون نفسًا يروون المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم" .

وقال: "ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".  المغني (1/359)

وأخرج ابن المنذر في "الأوسط" (1/433، رقم 457) عن الحسن قال: "حدثني سبعون من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مسح على الخفين". وينظر: "قطف الأزهار" للسيوطي (رقم 13)، و"نظم المتناثر" للكتاني (رقم 32).

([140]) وهي قراءة: ابن كثير، وأبي عمرو، وحمزة. ينظر: تفسير الطبري (8/188)، وابن كثير (3/51)، والمحرر الوجيز (3/118)، وأضواء البيان (1/330). ووجه استدلال بعض العلماء بهذه القراءة على المسح على الخفين: أنهم نزَّلوا كلَّ واحدةٍ من القراءتين على حالٍ من أحوال الرجل، وللرجل حالان:

الأولى: أن تكون مكشوفة، وهنا يجب غسلها؛ عملًا بقراءة النصب

الثانية: أن تكون مستورة بالخف ونحوه فيجب مسحها؛ عملًا بقراءة الجر.

"فتُنزَّل القراءتان على حالي الرجل، والسُّنَّةُ بينت ذلك، وهذا أصح الأوجه وأقلها تكلفًا، وهو متمش على القواعد، وعلى ما يعرف من كتاب الله تعالى حيث تنزل كل قراءة على معنى يناسبها، ويكون في الآية إشارة إلى المسح على الخفين". "الشرح الممتع" (1/ 216). وينظر: اختيارات شيخ الإسلام (ص23).

([141]) ينظر: الإجماع (ص35، رقم 15)، لابن المنذر، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (1/88، رقم 383 – 385)، والمغني لابن قدامة (1/359)، والاختيارات (ص22)، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (1/551)، وفتح الباري (1/ 305).

([142]) وهذا هو المذهب. قال في "الإنصاف" (1/169): "المسح أفضل من الغسل على الصحيح من المذهب، نص عليه، وهو من المفردات" وينظر: كشاف القناع (1/255-256)، وشرح المنتهى (1/119). واختار شيخ الإسلام أن الأفضل هو الموافق لحال قدمه، فالأفضل لمن قدماه مكشوفتان: غسلهما، ولا يتحرى لبس الخف ليمسح عليه، كما كان -عليه الصلاة والسلام- يغسل قدميه إذا كانتا مكشّفتين، ويمسح قدميه إذا كان لابسًا للخف. ينظر: الاختيارات (ص24).

([143]) أخرجه البخاري (206)، ومسلم (274) (79).

([144]) أخرجه مسلم (273) (73) وقد اختصره المؤلف كما أشار إلى ذلك، وتمامه: قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سباطة قوم، فبال قائمًا» فتنحيت فقال: «ادنه» فدنوت حتى قمت عند عقبيه «فتوضأ فمسح على خفيه». والحديث أخرجه البخاري أيضًا (225)، ولكن ليس فيه محل الشاهد.

([145]) وهو حديث صفوان بن عسال: أخرجه أحمد (18091) و(18095)، وابن ماجه (478)، والترمذي (96)، والنسائي (126)، وغيرهم، من طرق، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم» وبعضهم يرويه مطولًا وبعضهم مختصرًا.

قال الترمذي: "حسن صحيح" ثم قال: "قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب: حديث صفوان بن عسال المرادي"

وقال البيهقي في "خلافياته" (1/138): " عاصم بن بهدلة، قارئ أهل الكوفة، وإن لم يخرج البخاري ومسلم حديثه في الصحيح لسوء حفظه، فليس بساقط إذا وافق فيما يرويه الثقات ولم يخالف الأثبات"

وقد تابع عاصمًا في روايته عن زر:

زُبيد بن الحارث اليامي، وطلحة بن مُصَرِّف، وحبيب بن أبي ثابت: أخرجها الطبراني في "الكبير" (7348) و(7349)، و (7350). وعبد الرحمن بن مرزوق الدمشقي: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/304، رقم 2921). وينظر: "التلخيص الحبير" (1/314، رقم 216)، و"إرواء الغليل" (1/140، رقم 104).

([146]) وهو حديث علي بن أبي طالب: أخرجه مسلم (276) من طريق  عبد الرزاق، أخبرنا الثوري، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب، فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه فقال: «جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم».

([147]) وهذا هو المذهب. ينظر: الإنصاف (1/172)، والمنتهى (1/61)، والإقناع (1/52). واختار شيخ الإسلام " أن من غسل إحدى رجليه، ثم أدخلها قبل غسل الأخرى؛ فإنه يجوز له المسح عليها، من غير اشتراط خلع ما لبسه قبل إكمال الطهارة كلبسه بعدها". الاختيارات (ص26).

([148]) قال في "المطلع" (ص54): "في المذي، ثلاث لغات: مَذْيٌ، كظَبْي وهي فصحاهُنَّ، ومَذِيٌّ، كَشقِيٍّ، ومَذٍ، كعَمٍ، وحكى كُراع [النمل] في "المجرّد": أنه يقال: مَدْي "بدال مهملة". وينظر: غريب الحديث لأبي عبيد (2/263)، ولسان العرب (15/274)، والنهاية لابن الأثير (4/312).

([149]) مثل: مضى يمضي ثلاثيًا. فتح الباري (1/379) 

([150]) بوزن أعطى يعطي رباعيًا. نفس المصدر.  

([151]) ينظر: المطلع (ص54) والمصادر السابقة.

([152]) ينظر: المطلع (ص42-43).

([153]) قوله: «مِنِّي» هذه زيادة من النسخة المطبوعة بعناية محمود الأرناؤوط. وليست في الصحيحين.

([154]) أخرجه مسلم (303) (17)

([155]) لفظ البخاري (269): "توضأ، واغسل ذكرك". قال الحافظ في "الفتح" (1/ 380): "هكذا وقع في البخاري: تقديم الأمر بالوضوء على غسله، ووقع في "العمدة" نسبة ذلك إلى البخاري بالعكس، لكن الواو لا ترتب فالمعنى واحد، وهي رواية الإسماعيلي".

([156]) أخرجه مسلم برقم (303) (19) من حديث ابن وهب، عن مخرمة، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس قال: قال علي أرسلت المقداد.. فذكره. وقد أعلَّه الدارقطني في "الإلزامات والتتبع" (ص283، رقم 136) بعلتين: عدم سماع مخرمة من أبيه كما أقر هو بنفسه، ومخالفة الليث له، فقد رواه عن بكير – والد مخرمة- عن سليمان بن يسار ولم يذكر ابن عباس، وتابعه مالك عن أبي النضر أيضًا. وينظر: بين الإمامين مسلم والدارقطني (ص93-99).

([157]) أخرجه عبد الله في "زوائد المسند" (16725)، والطبراني في "الكبير" (20/ رقم 564) من طريق يزيد بن هارون، عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المقداد بن الأسود، قال: قال لي علي: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يلاعب امرأته، فيخرج منه المذي من غير ماء الحياة؟ قال: " يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة "

وأخرجه البيهقي (4130) من طريق حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، به. وقال: رواه الثوري وابن عيينة وجماعة، عن هشام، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

([158]) كما في رواية الباب

([159]) كما عند مسلم في رواية الباب

([160]) ينظر: النهاية (5/69).

([161]) أخرجه أحمد (15973)، وابن ماجه (506)، وأبو داود (210)، والترمذي (115)، من طرق، عن ابن إسحاق قال: حدثني سعيد بن عبيد بن السباق، عن أبيه، عن سهل بن حنيف، قال: كنت ألقى من المذي شدة، فكنت أكثر الاغتسال منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: فذكره.

ومحمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن عبيد بن السباق، فقد روى له أصحاب السنن خلا النسائي، ووثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات (6/353، رقم 8074)، وقال الحافظ في "التقريب" (2360)، والذهبي في "الكاشف" (1928): "ثقة".

قال الترمذي: " هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا"

([162]) عباد بن تميم بن غزية الأنصاري المازني المدني، ثقة، من الثالثة، وقد قيل: إن له رؤية، روى له الجماعة. التقريب (رقم 3123).

([163]) وقع عند البخاري: " أنه شكا" أي الراوي نفسه. قال الحافظ في "الفتح" (1/237): "كذا في روايتنا: «شكا» بألف، ومقتضاه: أن الراوي هو الشاكي، وصرح بذلك ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان، ولفظه: عن عمه عبد الله بن زيد قال: سألتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل، ووقع في بعض الروايات: «شُكي» بضم أوله على البناء للمفعول، وعلى هذا: فالهاء في "أنه" ضمير الشأن، ووقع في مسلم "شُكي بالضم أيضًا كما ضبطه النووي، وقال: لم يُسم الشاكي، قال: وجاء في رواية البخاري أنه الراوي، قال: ولا ينبغي أن يتوهم من هذا: أن شَكى بالفتح، أي في رواية مسلم، وإنما نبهت على هذا لأن بعض الناس قال: إنه لم يظهر له كلام النووي"

([164]) وقع عند البخاري: «لا ينفتل، أو لا ينصرف .. » بالشك، وفي روايات أخرى عنده: «لا ينصرف» بلا شك. قال الحافظ في "الفتح" (1/238): "هو شك من الراوي، وكأنه من علي [أي: المديني]؛ لأن الرواة غيره رووه عن سفيان بلفظ: لا ينصرف من غير شك"

([165]) أخرجه البخاري (137)، ومسلم (361).

([166]) أخرجه البخاري (135)، ومسلم (225).

([167]) ينظر: المنثور في القواعد الفقهية للزركشي (2/ 288)، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص 50)، والقواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة لمحمد الزحيلي (1/ 96).

([168]) كما في حديث أبي هريرة: «إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان، فلبَّس عليه حتى لا يدري كم صلى.. الحديث » أخرجه البخاري (1232)، ومسلم (389) (82).

[169])) قوله: «على ثوبه»  هذه زيادة من النسخة المطبوعة، وليست في الصحيحين.

[170])) أخرجه البخاري (223)، ومسلم (287).

[171])) أخرجه البخاري (222)

[172])) أخرجه مسلم (286)

[173])) كما في حديث الباب عن عائشة عند مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُؤتى بالصبيان؛ فيبرِّك عليهم ويحنِّكهم، فأتي بصبي .. فذكرته. قال النووي في "شرح مسلم" (3/ 194): " قولها: فيبرِّك عليهم، أي يدعو لهم ويمسح عليهم، وأصل البركة: ثبوت الخير وكثرته. وقولها: فيحنِّكهم، قال أهل اللغة: التحنيك أن يمضغ التمر أو نحوه، ثم يدلك به حنك الصغير، وفيه لغتان مشهورتان: حنَّكتُهُ وحَنَكْتُهُ بالتخفيف والتشديد، والرواية هنا: فيحنِّكهم بالتشديد، وهي أشهر اللغتين"

[174])) قال الحافظ في "الفتح" (1/325): "وفي الفرق: أحاديث ليست على شرط المصنف:

منها: حديث علي مرفوعًا في بول الرضيع: «ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية» أخرجه أحمد [563] وأصحاب السنن [ ابن ماجه (525)، وأبو داود (377)، والترمذي (610)] إلا النسائي، من طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عنه. قال قتادة: هذا ما لم يطعما الطعام، وإسناده صحيح، ورواه سعيد عن قتادة فوقفه، وليس ذلك بعلة قادحة.

ومنها: حديث لبابة بنت الحارث مرفوعًا: «إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر» أخرجه أحمد [26878] وابن ماجه [522] وصححه ابن خزيمة،وغيره.

ومنها: حديث أبي السمح نحوه بلفظ «يرش» رواه أبو  [376] والنسائي [304] وصححه بن خزيمة أيضًا" اهـ وللحديث شواهد أخرى: ينظر: نصب الراية (1/125)، والبدر المنير (1/530)، والتلخيص الحبير (1/185، رقم 33)، والدراية (1/93، رقم 87)، وصحيح أبي داود (2/220، رقم 400 – 405).

[175])) ينظر: المغني (2/495).

([176]) وهذا هو المذهب. ينظر: شرح المنتهى (1/206)، وكشاف القناع (1/446).

[177])) ينظر: نصب الراية (1/125)، والبدر المنير (1/530)، والتلخيص الحبير (1/185، رقم 33)، والدراية (1/93، رقم 87)، وصحيح أبي داود (2/220، رقم 400 – 405).

[178])) أخرجه البخاري (221)، ومسلم (284)

[179])) ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (1/78، رقم 318).

[180])) ينظر: مجموع الفتاوى (1/ 265)، والأمر بالمعروف لشيخ الإسلام (ص12)، وإعلام الموقعين (3/ 12).

[181])) ينظر:  الأمر بالمعروف لشيخ الإسلام (12-13)، مع المصادر السابقة.

([182]) إلا أن يتغير. وهو اختيار شيخ الإسلام وبعض الأصحاب. ينظر: "الاختيارات" (ص10)، و"الإنصاف" (1/22). والمذهب – وهو مذهب الجمهور-: إذا كان الماء دون القلتين ولاقته النجاسة؛ فإنه ينجس ولو لم يتغير. ينظر: المغني (1/36-43)، والإنصاف (1/55)، والمنتهى (1/18)، والإقناع (1/11).

([183]) أخرجه البخاري (5889)، ومسلم (257)

([184]) ينظر: "المطلع على ألفاظ المقنع (ص29)

([185]) وللخاتنة: خافضة، من الخفض، وهو عدم المبالغة في القطع. ينظر: النهاية في غريب الحديث (2/54).

([186]) أخرجه أحمد (25281)، وابن ماجه (608)، والترمذي (108)، والنسائي في "الكبرى" (194)، من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: فذكره. وتمامه: "فعلته أنا ورسول الله، فاغتسلنا"

وأخرجه مسلم بإسناده (349) عن عائشة مرفوعًا –وسيأتي-: " إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل"

وقد روي عنها موقوفًا، وللحديث طرق أخرى وشواهد عن جماعة من الصحابة انظرها في نصب الراية (1/84)، والبدر المنير (2/ 517)، والتلخيص الحبير (1/365، رقم 180)، والدراية (1/49، رقم 35)، وإرواء الغليل (1/121، رقم 80).

([187]) وهي الرواية الثانية في المذهب، اختارها الموفّق، وابن أبي عمر. ينظر: المغني (1/115)، والشرح الكبير (1/266)، والإنصاف (1/124). والمذهب: أنه واجب مطلقًا، على الرجال والنساء. ينظر: الإنصاف (1/123-124)، والمنتهى (1/41)، والإقناع (1/35).

([188]) أخرجه مسلم (258)

([189]) قال النووي في "شرح مسلم" (3/150): "البراجم بفتح الباء وبالجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم، وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها، قال العلماء ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن، وهو الصماخ، فيزيله بالمسح؛ لأنه ربما أضرت كثرته بالسمع، وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف، وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن بالعرق والغبار ونحوهما، والله أعلم".

([190]) قال وكيع: " انتقاص الماء: يعني الاستنجاء "

([191]) أخرجه مسلم (261). قال زكريا: قال مصعب: "ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة"

([192]) ينظر: النهاية 2/302.

([193]) أخرجه البخاري (283)، ومسلم (371)  من طريق حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، به. وأسقط مسلمٌ بكر بين حميد وأبي رافع. قال الزركشي في النكت (ص46): "في رواية مسلم: في أوله انقطاع". وقال المازري في المعلم (1/385): "وهذا منقطع، وإنما يرويه حميد، عن بكر بن عبد الله المزني، عن أبي رافع، وهكذا أخرجه البخاري، وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنده". وقال النووي في شرح مسلم (4/68): "وأما قوله: «عن حميد عن أبي رافع» فهكذا هو في صحيح مسلم في جميع النسخ"ونقل كلام المازري، ثم قال: "وكما أخرجه البخاري عن حميد، عن بكر، عن أبي رافع: كذلك أخرجه أبو  [231] والترمذي [121] والنسائي [269] وابن ماجه [534] وغيرهم من الأئمة، ولا يقدح هذا في أصل متن الحديث؛ فإن المتن ثابت على كل حال من رواية أبي هريرة، ومن رواية حذيفة، والله أعلم"

([194]) أخرجه مسلم (372) بإسناده عن حذيفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب، فحاد عنه فاغتسل، ثم جاء فقال: كنت جنبًا. قال: «إن المسلم لا ينجس».

([195]) ينظر: تفسير الطبري (11/ 397).

([196]) لفظ البخاري: بيده، وهي كذلك في بعض نسخة العمدة.

([197]) أخرجه البخاري (272) واللفظ له، ومسلم (316)

([198]) أخرجه البخاري (273)، ومسلم (321)

([199]) عند البخاري: "وضوءًا لجنابة"

([200]) قال الحافظ في "الفتح" (1/383): "قوله: على يساره، كذا للأكثر، وللمستملي وكريمة: على شماله" وهو الموافق لما في البخاري.

([201]) عند البخاري: مضمض

([202]) عند البخاري في هذا الموضع زيادة: قالت

([203]) أخرجه  البخاري (274) واللفظ له، ومسلم (317)

([204]) أخرجه البخاري (259)، ومسلم (317) واللفظ له.

([205]) عند البخاري: "سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيرقد.."

([206]) أخرجه البخاري (287) واللفظ له وزاد: وهو جنب، ومسلم (306).

([207]) ينظر: المغني (1/303)، وشرح النووي على مسلم (3/ 217)، وفتح الباري (1/394)

([208]) نسبه النووي إلى حبيب من أصحاب مالك، قال: وهو مذهب داود الظاهري.  قلت: وفي المحلى (1/ 100) خلاف ما نسبه إليهم النووي وقبله ابن عبد البر في التمهيد (17/44). قال ابن حزم: " ويستحب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل أو النوم ولرد السلام ولذكر الله تعالى، وليس ذلك بواجب"

([209]) أخرجه البخاري (130) واللفظ، ومسلم (313) وتمامه  عندهما– واللفظ للبخاري-: فغطت أم سلمة، تعني وجهها، وقالت: يا رسول الله أوتحتلم المرأة؟ قال: «نعم، تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها»

([210]) ينظر: الإصابة (8/408، رقم 12077).

([211]) أخرجه مسلم (332) (61)

([212]) أخرجه البخاري (229) واللفظ له، ومسلم (289).

([213]) أخرجه مسلم (288) (105).

([214]) وهذا هو المذهب. ينظر: شرح المنتهى (1/213)، وكشاف القناع (1/458).

([215]) ينظر: المغني (2/497)،  ومجموع الفتاوى (21/587-607)، وشرح النووي على مسلم (3/ 197)، وفتح الباري (1/ 332).

([216]) أخرجه البخاري (291) واللفظ له، ومسلم (348) (87) وزاد: «عليه».

([217]) أخرجه مسلم (348) (87) قال: وفي حديث مطر: وإن لم ينزل.

([218]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (2/477).

([219]) ينظر: النهاية (1/320).

([220]) أخرجه البخاري (180)، ومسلم (343) واللفظ له.

([221]) أخرجه مسلم (349).

([222]) أخرجه أحمد (25037)، والترمذي (109) من طريق وكيع، عن الثوري، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، به. قال الترمذي: " حديث عائشة حديث حسن صحيح". وللحديث شواهد بألفاظ متقاربة عن جملة من الصحابة. ينظر:  نصب الراية (1/84)، والبدر المنير (2/ 517)، والتلخيص الحبير (1/365، رقم 180)، والدراية (1/49، رقم 35)، وإرواء الغليل (1/121، رقم 80).

([223]) سبق تخريجه (ص51).

([224]) ينظر: شرح مختصر الروضة (1/265)، ومختصر التحرير (1/345).

([225]) أخرجه البخاري (879)، ومسلم (846) من حديث أبي سعيد.

([226]) أبو جعفر: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، السجاد أبو جعفر الباقر، ثقة فاضل، من الرابعة، روى له الجماعة.

وأبوه: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، زين العابدين، ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور، قال ابن عيينة عن الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه، من الثالثة، روى له الجماعة. التقريب (رقم 6150) و(4715).

([227]) عند البخاري: «عنده قومٌ». قال الحافظ في الفتح (1/366): " كذا في النسخ التي وقفت عليها من البخاري، ووقع في العمدة: «وعنده قومه» بزيادة الهاء، وجعلها شرَّاحها ضميرًا يعود على جابر، وفيه ما فيه، وليست هذه الرواية في مسلم أصلًا، وذلك وارد أيضًا على قوله: إنه يخرج المتفق عليه"

([228]) قوله: «يريد النبي» ليست في البخاري

([229]) أخرجه البخاري (252)

([230]) أخرجه البخاري (255)

([231]) جاء مصرحًا به في البخاري (256) فقال لي الحسن: إني رجل كثير الشعر .. الحديث.  وقال الحافظ في الفتح (1/366): "هذا القائل هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب الذي يُعرف أبوه بابن الحنفية كما جزم به صاحب العمدة، وليس هو من قوم جابر؛ لأنه هاشمي وجابر أنصاري"

([232]) الحسن بن محمد: هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد المدني، وأبوه ابن الحنفية، ثقة فقيه، يقال: إنه أول من تكلم في الإرجاء، من الثالثة، روى له الجماعة. وأبوه ابن الحنفية: هو محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو القاسم، ابن الحنفية المدني، ثقة عالم، من الثانية، روى له الجماعة. التقريب (رقم 1284) و(6157).

([233]) أخرجه البخاري (201)، ومسلم (325)

([234]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (5/300)

([235]) ينظر: المطلع (ص48)، وشرح المنتهى (1/177)

([236]) أخرجه البخاري (348) عن عمران مختصرًا، وأخرجه مطولًا: البخاري (344)، ومسلم (682)

([237]) أخرجه البخاري (347) وينظر (338)، ومسلم (368) (110) واللفظ له.

([238]) أخرجه مسلم (684) (315)، والبخاري (597) بنحوه.

([239]) وهذا هو المذهب. ينظر: "الإنصاف" (1/301)، و"المنتهى" مع شرحه (1/199)، و"الإقناع" مع الكشاف (1/411). وينظر تعقيب شيخنا على صفة التيمم في المذهب في "شرح زاد المستقنع" (درس رقم 18).

([240]) وهذا هو المذهب. ينظر: المصادر السابقة.

([241]) فرائض التيمم في المذهب: تعيين نية ما يُتيمم له، ومسح جميع الوجه، والترتيب والموالاة في غير الحدث الأكبر، والتسمية. ينظر: شرح المنتهى (1/192). واختار شيخنا: أن الترتيب والموالاة فرضٌ في الحدثين الأصغر والأكبر، وأن التسمية سنة لا واجب. ينظر: شرح زاد المستقنع لشيخنا (درس رقم 18).

([242]) انظر كلامًا جامعًا وتحريرًا نفيسًا عن القياس وأنواعه وما يحتج به منه وما يُرد في "إعلام الموقعين" (1/101) وما بعده.

([243]) لحديث عمرو: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب: فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ: فله أجر». أخرجه البخاري (7352)، ومسلم (1716)

([244]) أخرجه البخاري (335 واللفظ له، ومسلم (521)

([245]) لحديث أبي سعيد: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» أخرجه أحمد (11784) من طريق ابن إسحاق، والترمذي (317) –من طريق عبد العزيز الدراوردي،  وابن ماجه (745) من طريق حماد بن سلمة، وأبو داود (492)، من طريق عبد الواحد بن زياد، أربعتهم: (ابن إسحاق، والدراوردي، وحماد بن سلمة، وعبد الواحد بن زياد) عن عمرو بن يحيى الأنصاري، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا.

وتابع عمرو بن يحيى في روايته عن أبيه: عمارةُ ابن غزية. أخرجه ابن خزيمة (792) -ومن طريقه الحاكم (920) والبيهقي (4275)- عن عمارة بن غزية، عن يحيى بن عمارة، به مرفوعًا.

ورواه سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى الأنصاري، عن أبيه مرسلًا: أخرجه  ابن ماجه (745)، وأبو يعلى (1350)، والبيهقي (4272) وغيرهم. وإرسال الثوري أصح من وصله، كما قال البيهقي: " حديث الثوري مرسل، وقد روي موصولًا وليس بشيء"

والحديث أعله الترمذي بالإرسال، وقال: "هذا حديث فيه اضطراب" وقال في "العلل الكبير" (رقم 113): "والصحيح رواية الثوري وغيره عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، مرسل"

وقال الدارمي: "الحديث أكثرهم أرسلوه"

وقال الدارقطني في "العلل" (11/320، رقم 2310): المرسل المحفوظ". وينظر:  نصب الراية (2/324)، والبدر المنير (4/119)، والتلخيص الحبير (1/658، رقم 433)، والدراية (1/246)، وإرواء الغليل (1/ 320 ، رقم 287)، وصحيح أبي داود (2/394، رقم 507).

([246]) لحديث سمرة عند مسلم (360) قال: قال: أُصَلي في مَرَابِضِ الغنم؟ قال: «نعم» قال: أُصلِّي في مَبَارِك الإبل؟ قال: «لا». وروي النهي بلفظ: "معاطن الإبل" من حديث  ابن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يصلى في سبعة مواطن: «في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله». أخرجه الترمذي (346)، وابن ماجه (746 ) من طريق زيد بن جبيرة، عن  بن الحصين، عن نافع، عن ابن عمر، به. وزيد بن جبيرة مجمع على ضعفه! ينظر: الإرواء (1/318، رقم 287).

([247]) ينظر: "المغني" (1/324).

([248]) وهذا هو المذهب. ينظر: "الإنصاف" (1/284)، و"المنتهى" (1/104)، و"الإقناع" (1/82).  

([249]) أخرجه مسلم (522)

([250]) أخرجه أحمد (763)، وابن أبي شيبة (31647)، والبزار (656)، والبيهقي (1024) من طريق زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد علي ابن الحنفية، عن علي، به.

تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مختلفٌ فيه والأكثر على تضعيفه!

وأورده الهيثمي في "المجمع" (1/260،  رقم 1406) وقال: " رواه أحمد، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو سيئ الحفظ، قال الترمذي: صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - يقول: كان أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل. قلت: فالحديث حسن، والله أعلم".  وحسَّن إسناده: ابن كثير في "تفسيره" (2/94)، والعراقي في "طرح التثريب" (2/108)، والحافظ في "الفتح" (1/438).

([251]) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص255)

([252]) ينظر: لسان العرب (7/142).

([253]) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص57).

([254]) ينظر: المصدر السابق، والروض المربع (1/423).

([255]) ينظر: المطلع (ص 58).

([256]) ينظر: نفس المصدر (ص 57).

([257]) أخرجه البخاري (325).

([258]) أخرجه البخاري (306) ولمسلم (333) بنحوه.

([259]) زاد البخاري: «فقال هذا عرق».

([260]) أخرجه البخاري (327) واللفظ له، ومسلم (334).

([261]) ينظر: المصادر السابقة

([262]) قال الحافظ في الفتح (1/427): "وأما ما وقع عند أبي  [رقم 292] من رواية سليمان بن كثير وابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث: « فأمرها بالغسل لكل صلاة» فقد طعن الحفاظ في هذه الزيادة؛ لأن الأثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها، وقد صرح الليث كما تقدم عند مسلم [334] بأن الزهري لم يذكرها. لكن روى أبو  [293] من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أبي سلمة في هذه القصة: «فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة» فيحمل الأمر على الندب جمعًا بين الروايتين: هذه ورواية عكرمة، وقد حمله الخطابي على أنها كانت متحيرة، وفيه نظر؛ لما تقدم من رواية عكرمة: أنه أمرها أن تنتظر أيام أقرائها، ولمسلم [334] من طريق عراك ابن مالك عن عروة في هذه القصة، فقال لها: «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك» ولأبي  [290] وغيره من طريق  الأوزاعي وابن عيينة عن الزهري في حديث الباب نحوه، لكن استنكر أبو  هذه الزيادة في حديث الزهري، وأجاب بعض من زعم أنها كانت غير مميزة: بأن قوله: «فأمرها أن تغتسل لكل صلاة» أي من الدم الذي أصابها؛ لأنه من إزالة النجاسة، وهي شرط في صحة الصلاة، وقال الطحاوي: حديث أم حبيبة منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش، أي لأن فيه الأمر بالوضوء لكل صلاة لا الغسل، والجمع بين الحديثين بحمل الأمر في حديث أم حبيبة على الندب أولى، والله أعلم".

([263]) ينظر: شرح النووي على مسلم (4/20)، وفتح الباري لابن رجب (2/167)، ولابن حجر (1/427).

([264]) أخرجه البخاري (299) واللفظ له، ومسلم (321) (43).

([265]) لفظ البخاري: وكان

([266]) أخرجه البخاري (300) واللفظ له، ومسلم (293)

([267]) أخرجه البخاري (301) واللفظ له، ومسلم (297)

([268]) أخرجه البخاري (297)، ومسلم (301) واللفظ له.

([269]) معاذة  بنت عبد الله العدوية، أم الصهباء، البصرية، ثقة، من الثالثة، روى لها الجماعة. التقريب (رقم 8684)

([270]) بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى، وهي نسبة إلى حَرُوراء، وهي قرية بقرب الكوفة، قال السمعاني: هو موضع على ميلين من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج به. قال الهروي: تعاقدوا في هذه القرية فنُسبوا إليها. فمعنى قول عائشة -رضي الله عنها-: إن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحيض! وهو خلاف إجماع المسلمين، وهذا الاستفهام الذي استفهمته عائشة هو استفهام إنكار، أي هذه طريقة الحرورية، وبئست الطريقة!. شرح النووي على مسلم (4/27).

([271]) أخرجه البخاري (321)، ومسلم (335) (67) واللفظ له. قال الحافظ في التلخيص (1/ 426، رقم 224): "جعله عبد الغني في «العمدة» متفقًا عليه، وهو كذلك، إلا أنه ليس في رواية البخاري تعرض لقضاء الصوم".

([272]) ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (1/103، رقم 481)

([273]) ينظر: سير أعلام النبلاء (4/508، رقم 200)

([274]) الإقناع (1/103، رقم 482)

([275]) الإقناع (1/103، رقم 483)

([276]) أخرجه البخاري (304) واللفظ له، ومسلم (79 و80)

([277]) ينظر: لسان العرب (14/464).

([278]) ينظر: المنتهى (1/135)، والإقناع (1/113).

([279]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (5/212)

([280]) سعد بن إياس، أبو عمرو الشيباني، الكوفي، ثقة، مخضرم، من الثانية، مات سنة: خمس أو ست وتسعين، وهو ابن عشرين ومائة سنة، روى له الجماعة. التقريب (رقم 2233).

([281]) أخرجه البخاري (527)، ومسلم (85) (139)

([282]) ينظر تحريرٌ نفيسٌ للمفاضلة بين جنس الأعمال في: مجموع الفتاوى (10/ 427) و(24/ 198)

([283]) ينظر: شرح النووي على مسلم (2/77)، وفتح الباري (2/9)

([284]) الذروة بالكسر والضم: أعلى السنام، وسنام الإبل بالفتح معروف" حاشية السندي على ابن ماجه (2/33).  وينظر: النهاية (2/409).

([285]) أخرجه عبد الرزاق – ومن طريقه: أحمد (22016) والطبراني في "الكبير" (20/ رقم 266)-، وابن ماجه (3973) والترمذي (2616) من طريق عبد الله بن معاذ الصنعاني، والنسائي في "الكبرى" (11330) من طريق محمد بن ثور، ثلاثتهم (عبد الرزاق وعبد الله بن معاذ ومحمد بن ثور) عن معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن معاذ بن جبل، به.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

 وتعقبه الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم" (2/135) بقوله: "وفيما قاله -رحمه الله- نظر من وجهين:

 أحدهما: أنه لم يثبت سماع أبي وائل من معاذ، وإن كان قد أدركه بالسنِّ، وكان معاذ بالشام وأبو وائل بالكوفة، وما زال الأئمة - كأحمد وغيره- يستدلون على انتفاء السماع بمثل هذا، وقد قال أبو حاتم الرازي في سماع أبي وائل من أبي الدرداء: قد أدركه، وكان بالكوفة وأبو الدرداء بالشام، يعني: أنه لم يصح له سماع منه. وقد حكى أبو زرعة الدمشقي عن قوم أنهم توقفوا في سماع أبي وائل من عمر، أو نفوه، فسماعه من معاذ أبعد.

والثاني: أنه قد رواه حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النجود، عن شهر بن حوشب، عن معاذ، خرجه الإمام أحمد مختصرًا [22022]، قال الدارقطني [في العلل (6/ 78]: وهو أشبه بالصواب؛ لأن الحديث معروف من رواية شهر على اختلاف عليه فيه.

قلت – أي الحافظ ابن رجب-: رواية شهر عن معاذ مرسلة يقينًا، وشهر مختلف في توثيقه وتضعيفه، وقد خرجه الإمام أحمد [22051] من رواية شهر، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ، وخرجه الإمام أحمد أيضًا [22068] من رواية عروة بن النزال -أو النزال بن عروة- ، وميمون بن أبي شبيب، كلاهما عن معاذ، ولم يسمع عروة ولا ميمون من معاذ، وله طرق أخرى عن معاذ:كلها ضعيفة" اهـ. وينظر هذه الطرق في: علل الدارقطني (6/988، رقم 988)، وإرواء الغليل (2/138، رقم 413)، وتعليق الشيخ شعيب على المسند (12/345).

([286]) أخرجه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة. وينظر: جامع العلوم لابن رجب (2/330)، وفتح الباري لابن حجر (11/341).

([287]) أخرجه البخاري (372) واللفظ له، وليس فيه – في هذا الموضع-: «من الغلس» وقد زادها في «المواقيت» (578)، ومسلم (645).

([288]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (4/ 319)

([289]) ينظر: المصدر السابق (4/ 260)

([290]) المصدر السابق: (3/ 377)

([291]) ينظر: المغني (2/41)، وهذا هو المذهب. ينظر: الإنصاف (1/438)، و المنتهى (1/152)، والإقناع (1/128).

([292]) أسفر الصبح: إذ انكشف وأضاء. النهاية (2/372)

([293]) وهو مذهب الحنفية. ينظر: المغني، وحاشية ابن عابدين (1/366).

([294]) هذا لفظ البخاري، وعند مسلم: «والعشاء أحيانًا يؤخرها، وأحيانًا يعجِّل»

([295]) أخرجه البخاري (560)، ومسلم (646)

([296]) لحديث أبي ذر – وغيره-: «إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة» أخرجه البخاري (535)، ومسلم (616)

([297]) الهجير والهاجرة: اشتداد الحر نصف النهار، سُمِّيت هاجرة: من الهجر، وهو الترك؛ لأن الناس يتركون التصرف حينئذ بشدة الحر، ويقيلون. ينظر: النهاية (5/246)

([298]) ينظر: شرح المنتهى (1/278)، وكشاف القناع (2/84)

([299]) ينظر: شرح المنتهى (1/281)، وكشاف القناع (2/89)

([300]) ينظر: النهاية (5/154)

([301]) ينظر: شرح المنتهى (1/282)، وكشاف القناع (2/92)

([302]) ينظر: شرح المنتهى (1/284)، وكشاف القناع (2/95)

([303]) سيار بن سلامة الرياحي، أبو المنهال البصري، ثقة من الرابعة، روى له الجماعة. التقريب (رقم 2715)

([304]) سلامة الرياحي: قال الحافظ في الفتح (2/26): "سلامة والد سيار حكى عنه ولدُهُ هنا، ولم أجد َمن ترجمه، وقد وقعتْ لابنه عنه رواية في الطبراني الكبير في ذكر الحوض"

([305]) أخرجه البخاري (547) واللفظ له، ومسلم (647) (235).

([306]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (2/ 104)

([307]) كما في حديث ابن عباس:  أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- قال: «أمَّني جبريلُ -صلوات الله عليه- عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما .. الحديث» أخرجه أحمد (3081)، وأبو داود (393)، والترمذي (149)، وابن خزيمة (325)، والحاكم (694) وغيرهم، من طرق عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش، عن حكيم بن حكيم، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس، به.

قال الحافظ في التلخيص (1/445): " عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة: مختلف فيه، لكنه توبع: أخرجه عبد الرزاق [2029] عن العمري، عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن ابن عباس نحوه. قال ابن دقيق العيد: هي متابعة حسنة، وصححه: أبو بكر بن العربي، وابن عبد البر"

وأخرجه الدارقطني (1016) من طريق زياد بن أبي زياد، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا.

وللحديث شاهد من حديث جابر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وأبي مسعود الأنصاري وغيرهم. ينظر: نصب الراية (1/ 221)، والبدر المنير (3/ 149)، والتلخيص الحبير (1/444، رقم 242)، والدراية (1/98، رقم 93)، وإرواء الغليل (1/268، رقم 249)، وصحيح أبي داود (2/247، رقم 417).

([308]) لسان العرب (11/514).

([309]) أخرجه مسلم (880) من حديث أبي هريرة.

([310]) أخرجه الطيالسي (1925)، وأحمد (4989)، وأبو يعلى (5445)، وابن حبان (1817) من طريق يزيد بن هارون، كلاهما (الطيالسي ويزيد) عن ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: «إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليأمرنا بالتخفيف في الصلاة، وإن كان ليؤمنا في الصبح بالصافات». قال الشيخ شعيب: إسناده حسن. الحارث بن عبد الرحمن خال ابن أبي ذئب: صدوق، روى له الأربعة، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح.

([311]) أخرجه مسلم (457) من حديث قطبة بن مالك

([312]) أخرجه البخاري (2931)، ومسلم (627)

([313]) عند مسلم زيادة: «ثم صلاها بين العشاءين»

([314]) أخرجه مسلم (627) (205)

([315]) عند مسلم زيادة: «قال »

([316]) أخرجه مسلم (628)

([317]) أخرجه مالك في "موطئه" (2/257، رقم 635) عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب مرسلًا: «ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر، يوم الخندق حتى غابت الشمس». قال النووي في شرح مسلم (5/130): " واعلم أنه وقع في هذا الحديث هنا، وفي البخاري: أن الصلاة الفائتة كانت صلاة العصر، وظاهره: أنه لم يفت غيرها، وفي الموطأ: أنها الظهر والعصر، وفي غيره: أنه أخَّر أربع صلوات: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء حتى ذهب هوي من الليل، وطريق الجمع بين هذه الروايات: أن وقعة الخندق بقيت أيامًا: فكان هذا في بعض الأيام، وهذا في بعضها".

([318]) ينظر: سيرة ابن هشام (2/ 214)، وزاد المعاد (3/240).

([319]) قال الترمذي: "هو قول أكثر علماء الصحابة".  وينظر:  المغني (2/18)، وشرح النووي على مسلم (5/ 128)، وفتح الباري (8/ 196).

([320]) أخرجه البخاري (596)، ومسلم (631)

([321]) نفسه. وسيأتي

([322]) ينظر: معجم البلدان (1/446)

([323]) حديث رقم 63

([324]) ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص213)، ونزهة النظر (ص97).

([325]) أخرجه البخاري (7239) واللفظ له، ومسلم (642)

([326]) كما في حديث جابر. سبق برقم (٥٣)

([327]) ينظر: شرح المنتهى (1/284)، وكشاف القناع (2/95)

([328]) كما في حديث ابن عمر عند مسلم (644): «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء، فإنها في كتاب الله العشاء، وإنها تعتم بحلاب الإبل». وينظر: شرح النووي على مسلم (5/143).

([329]) أخرجه البخاري (5465) واللفظ له، ومسلم (558)

([330]) أخرجه البخاري (673)، ومسلم (559) ولفظه: «إذا وضع طعام أحدكم، وأقيمت الصلاة؛ فابدءوا بالعَشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه». وقال البخاري: وكان ابن عمر: «يوضع له الطعام، وتقام الصلاة، فلا يأتيها حتى يفرغ، وإنه ليسمع قراءة الإمام».

([331]) أخرجه مسلم (560)

([332]) أخرجه البخاري (672)، ومسلم (557)

([333]) أخرجه البخاري (581) واللفظ له، ومسلم (826) وزاد: «الشمس»

([334]) أخرجه البخاري (586) واللفظ له، ومسلم (827) ولفظه: «لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس». قال الزركشي في "النكت" (ص67): "ورواية البخاري محمولة على هذه، فلو ذكر المصنف رواية مسلم لكان أولى"

([335]) قال الزركشي في النكت (ص68): " هذا تابع فيه الترمذي، لكن المصنف قد توهم أن ذلك كله متفق عليه، وليس كذلك، وإنما اتفقا على: حديث ابن عمر، وأبي هريرة، وانفرد مسلم: بحديث عائشة، وابن عبسة، وأخرج أبو داود والنسائي: حديث علي، وأخرج ابن ماجه: حديث الصنابحي، وأخرج الطبراني: حديث ابن العاص، وزيد بن ثابت، وابن مرة، وأخرج الطحاوي: حديث سمرة"

([336]) أخرجه أحمد (1012)، وأبو داود (1275)، والنسائي في "الكبرى" (341)، وأبو يعلى (617)، وابن خزيمة (1196) وغيرهم، من طرق، عن الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين، إلا الفجر والعصر». ورجاله رجال الشيخين غير عاصم بن ضمرة، فقد روى له الأربعة، وهو صدوق كما قال الحافظ في "التقريب" (رقم 3063).

([337]) أخرجه الطبراني في "الكبير" (10/ رقم 10238) من طريق أبي نعيم ضرار بن صرد، ثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: «نهينا عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها». أورده الهيثمي في "المجمع" (2/227، رقم 3366) وقال: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه ضرار بن صرد أبو نعيم، وهو ضعيف جدًا". وضرار هذا: كذّبه ابن معين وغيره. ينظر: "ميزان الاعتدال" (2/327، رقم 3951).

([338]) أخرجه البخاري (585)، ومسلم (828) من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتحرى أحدكم، فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها».

([339]) أخرجه أحمد (6970) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن خليفة بن خياط، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبهم -وهو مسند ظهره إلى الكعبة-، فقال: «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الغداة حتى تطلع الشمس». أورده الهيثمي في "المجمع" (2/226، رقم 3355) وقال: "رواه أحمد ورجاله ثقات" وحسنه الشيخ شعيب.

([340]) أخرجه البخاري (588)، ومسلم (825) من طريق حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاتين: بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس»

([341]) أخرجه أحمد (20169) – ومن طريقه الطبراني في "الكبير" (6973)-، وابن خزيمة (1274) من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن سماك بن حرب، عن المهلب بن أبي صفرة، قال: قال سمرة بن جندب: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تصلوا حين تطلع الشمس، ولا حين تسقط، فإنها تطلع بين قرني الشيطان، وتغرب بين قرني الشيطان». أورده الهيثمي في "المجمع" (2/225، رقم 3350) وقال: "ورجال أحمد ثقات" وحسنه الشيخ شعيب في المسند.

([342]) أخرجه أحمد (16535) من طريق زهير بن محمد، والطبراني في "الأوسط" (7508) من طريق سعيد بن سلمة، كلاهما عن يزيد بن خصيفة، عن سلمة بن الأكوع قال: «كنت أسافر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فما رأيته صلى بعد العصر، ولا بعد الصبح قط». أورده الهيثمي في "المجمع" (2/226، رقم 3351) وقال: "رواه أحمد والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح"

([343]) أخرجه أحمد (21612)، والطبراني في "الكبير" (4900) من طريق ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن  قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر» وفيه قصة. أورده الهيثمي في "المجمع" (2/224، رقم 3244) وقال: "رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام، وروى الطبراني طرفًا من آخره في الكبير"

[344])) هذه زيادة من النسخة المطبوعة التي اعتنى بها محمود الأرناؤوط.

([345]) أخرجه أحمد (17926)، والنسائي (518)، والطبراني في "الكبير" (20/ رقم 378) من طرق، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن نصر بن عبد الرحمن، عن جده معاذ القرشي، أنه طاف مع معاذ ابن عفراء فلم يصل، فقلت: ألا تصلي؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس، ولا بعد الصبح حتى تطلع الشمس». قال الشيخ شعيب: "وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة نصر بن عبد الرحمن، وجده معاذ القرشي لا يعرف. وقد اختلف فيه على نصر"

([346]) أخرجه أحمد (18059) من طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مرة بن كعب، أو كعب بن مرة السلمي - قال شعبة: قد حدثني به منصور وذكر ثلاثة بينه وبين مرة بن كعب، ثم قال بعد: عن منصور عن سالم عن مرة أو، عن كعب - قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الليل أسمع؟ قال: " جوف الليل الآخر " ثم قال: " الصلاة مقبولة حتى تصلي الصبح، ثم لا صلاة حتى تطلع الشمس، وتكون قيد رمح أو رمحين، ثم الصلاة مقبولة حتى يقوم الظل قيام الرمح، ثم لا صلاة حتى تزول الشمس، ثم الصلاة مقبولة حتى تصلي العصر، ثم لا صلاة حتى تغيب الشمس .. الحديث" أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 225، رقم 3348)، وقال: "ورواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح إلَّا أن الإِسناد الثاني فيه رجل لم يسمّ".

([347]) أخرجه عبد الرزاق (3948) -ومن طريقه الطبراني (8108)- عن ابن جريج، عن عبد الرحمن بن سابط، أن أبا أمامة سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي حين تكره الصلاة؟ قال: «من حين تصلي الصبح حتى ترتفع الشمس قيد رمح، ومن حين تصفر الشمس إلى غروبها». أورده الهيثمي في المجمع (2/225، رقم3349 ) وقال: "ورجاله ثقات غير أنه مرسل"

([348]) أخرجه مسلم (832) في قصة إسلام عمرو بن عبسة، وشاهده قوله عليه السلام: «صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار»

([349]) أخرجه أبو داود (1280) من طريق عبيد الله بن سعد، حدثنا عمي [هو يعقوب بن إبراهيم]، حدثنا أبي [هو إبراهيم بن سعد]، عن ابن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد العصر، وينهى عنها، ويواصل، وينهى عن الوصال". وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (3899) من طريق عبد الرحمن بن مغراء، عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد. دون ذكر الوصال.

وأخرج النهي عن الوصال: البخاري (1964)، ومسلم (1105) من طريق عروة عن عائشة.

([350]) عبد الرحمن بن عسيلة، بمهملتين مصغر، المرادي، أبو عبد الله الصنابحي، ثقة، من كبار التابعين، قدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه سلم بخمسة أيام، مات في خلافة عبد الملك، روى له الجماعة. التقريب (رقم 3952)

([351]) أخرجه مالك (2/306، رقم 741) من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي [قال البخاري: وهم مالك في قوله: عبد الله الصنابحي، إنما هو أبو عبد الله، واسمه عبد الرحمن ابن عسيلة، ولم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذا قال غير واحد والله أعلم]؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان: فإذا ارتفعت فارقها، ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها». ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة في تلك الساعات».

وأخرجه عبد الرزاق (3950) – ومن طريقه أحمد (19063) وابن ماجه (1253)- عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي عبد الله الصنابحي نحوه.

([352]) ينظر: المراسيل لابن أبي حاتم (رقم 207)، وتهذيب التهذيب (6/229، رقم 468).

([353]) ينظر: المغني (2/523)، وشرح المنتهى (1/529)، وكشاف القناع (3/131)

([354]) ينظر: النهاية (3/108)

([355]) أخرجه مسلم (831) بإسناده عن عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: «حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب»

([356]) ينظر: المغني (2/523)

([357]) وهذا هو المذهب. ينظر: المغني (2/، والإنصاف (2/204)، وشرح المنتهى (1/531)، وكشاف القناع (3/134).

([358]) أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684) من حديث أنس بن مالك بنحوه.

([359]) يجوز في المذهب: ركعتا الطواف، وإعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد في جميع أوقات النهي، وتجوز صلاة الجنازة أيضًا لكن بعد الفجر والعصر فقط، وما سوى ذلك فلا يجوز في المشهور من المذهب.  ينظر: المغني (2/517)، والإنصاف (2/205)، وشرح المنتهى (1/531)، وكشاف القناع (3/134)

([360]) ينظر: المجموع (4/170)، وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من الأصحاب، والمذهب: لا تجوز صلاة ما له سبب في أوقات النهي غير ما ذُكر. ينظر: المغني (2/533)، والإنصاف (2/208)، والاختيارات (ص101)، وشرح المنتهى (1/532)، وكشاف القناع (3/137)

([361]) ينظر: الاختيارات (ص101)

([362]) أخرجه البخاري (596)، ومسلم (631)

([363]) حديث رقم (55) و(56)

[364])) قوله: «صلاة» هذه الزيادة وردت في بعض النسخ: كنسخة ابن الملقن، والفاكهاني، والسفاريني، وهي التي اعتمدها شيخنا

[365])) ينظر: النهاية في غريب الحديث (3/422)

[366])) أخرجه البخاري (645) واللفظ له، ومسلم (650)

[367])) قوله: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ»  هذه زيادة من النسخة المطبوعة، وليست في الصحيح

[368])) أخرجه البخاري (647) واللفظ له، و مسلم (649)

([369]) أخرجه أحمد (21265)، وأبو داود (554)، والنسائي (843)، وابن خزيمة (1476) و(2477)، وابن حبان (2056) و(2057)، والحاكم (904- 912) من طرق، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن أبي بصير، عن أُبي بن كعب، به.

وعبد الله بن أبي بصير لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، لكنه توبع. قال شعبة: وقال أبو إسحاق: وقد سمعته منه ومن أبيه" وأبوه هو أبو بصير العبدي الكوفي، لم يوثقه غير ابن حبان أيضًا؛ لذلك قال عبد الحق في "الأحكام الوسطى" (1/279): " وليس بالمشهور فيما أعلم؛ لا هو، ولا أبوه"

وقد اختلف فيه على أبي إسحاق على أربعة أوجه بسطها الحاكم وقال: "كلها محفوظة". ونقل تصحيح الحديث: عن يحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومحمد بن يحيى الذهلي، وغيرهم.  وينظر: "خلاصة الأحكام" (2/649، رقم 2242)، و"نصب الراية" (2/24)، و"البدر المنير" (4/382)، و"التلخيص الحبير" (2/64، رقم 554)، و"صحيح أبي داود" (3/74، رقم 563).

[370])) رقم (654) (257)

[371])) أخرجه البخاري (644)، ومسلم (651) واللفظ له بزيادة «إن» في أولها

[372]))  ينظر: الأوسط لابن المنذر (4/131)، والمغني (3/5).

([373]) ينظر: "المغني" (3/5)، والصلاة لابن القيم (ص98)

([374]) وهذا هو المذهب، نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب. ينظر: "الإنصاف" (2/210)، و"المنتهى" (1/282)، و"الإقناع" (1/245).

[375])) قال في "الإنصاف" (2/210): " ذكره الشيخ تقي الدين وغيره" وهو مذهب الشافعية. ينظر: "المجموع" (4/182).

([376]) وهي رواية عن الإمام أحمد، اختارها ابن أبي موسى وابن عقيل، ونقله في "الاختيارات" (ص103)، وفي "الفروع" (2/420)، وفي "الإنصاف" (2/210) عن شيخ الإسلام ابن تيمية. لكنه رجَّح في "مجموع الفتاوى" (23/239): أن الجماعة واجبة وليست شرطًا.  وينظر: "المغني" (3/6). والقول بالشرطية: مذهب الظاهرية كما في "المحلى" (3/104)

([377]) قال ابن كثير في تفسيره (1/246): "وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة"

([378]) قال ابن كثير في تفسيره (2/400): "وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة، حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة، فلولا أنها واجبة لما ساغ ذلك"

([379]) أخرجه مسلم (653) من حديث أبي هريرة. قال ابن المنذر في الأوسط (4/134): "فإذا كان الأعمى كذلك، لا رخصة له، فالبصير أولى بأن لا تكون له رخصة"

([380]) قال ابن المنذر في الأوسط (4/134): و"في اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم: أبينُ البيانِ على وجوب فرض الجماعة؛ إذ غير جائز أن يحرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَن تخلف على ندب، وعما ليس بفرض!"

([381]) الأوسط (4/134)

([382]) العرْق بالسكون: العظم إذا أُخذ عنه معظم اللحم، وجمعه: عراق، وهو جمع نادر، يقال: عرقت العظم، واعترقته، وتعرقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك. النهاية  (3/220)

([383]) المرماة: ظلف الشاة. وقيل: ما بين ظلفيها، وتكسر ميمه وتفتح. النهاية (2/269)

([384]) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (2643) -ومن طريقه أخرجه أحمد (16034) وأبو داود (2673)-، والطبراني في "الكبير" (2990) من طرق، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، قال: حدثني محمد بن حمزة الأسلمي، عن أبيه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمَّره على سرية، فخرجت فيها؛ فقال: " إن أخذتم فلانًا فأحرقوه بالنار "، فلما ولَّيتُ ناداني، فقال: " إن أخذتموه فاقتلوه، فإنه لا يعذب بالنار، إلا رب النار "

وأخرجه عبد الرزاق (9418) – ومن طريقه أخرجه أحمد (16036) والطبراني في الكبير (2996)- من طريق ابن جريج، عن أبي الزناد قال: أخبرني حنظلة بن علي الأسلمي: أن حمزة بن عمرو الأسلمي صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثه... فذكره.

وله شاهد من حديث أبي هريرة: «إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا بالنار، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن أخذتموهما فاقتلوهما» أخرجه البخاري (2954).

([385]) أخرجه أحمد (8796) من طريق أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، به.  وأبو معشر ضعيف، كما في التقريب (رقم 7100) وضعفه إسناده الشيخ شعيب.

([386]) أخرجه البخاري (5238)، ومسلم (442) (134)

([387]) بلال بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، ثقة، من الثالثة، روى له مسلم. التقريب (781)

([388]) قصة بلال: أخرجها مسلم (442)  دون البخاري؛ لذلك تعقب الحافظُ صنيع الحافظ عبد الغني هنا؛ فقال في الفتح (2/ 348): "لم أر لهذه القصة ذكراً في شيء من الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث، وقد أوهم صنيع صاحب العمدة خلاف ذلك، ولم يتعرض لبيان ذلك أحدٌ من شُرَّاحِه".

([389]) أخرجه البخاري (900)، ومسلم (442) وفيه عند البخاري قصة: عن ابن عمر، قال: كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

([390]) حديث رقم (٥٢)

([391]) أخرجه البخاري (869)، ومسلم (445) واللفظ له.

([392]) أخرجه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة

([393]) أخرجه البخاري  (1165) واللفظ له، ومسلم (729)

([394]) أخرجه البخاري (1172)، ومسلم (729) وليس عند البخاري لفظ: «الجمعة»

([395]) في بعض النسخ: ركعتين، وهو الموافق للصحيح.

([396]) أخرجه البخاري (1173)

([397]) أخرجه البخاري (1169) واللفظ له، ومسلم (724)

([398]) أخرجه مسلم (725)

([399]) أخرجه البخاري (1182)، ومسلم (730)

([400]) ينظر: النهاية (1/133)، ولسان العرب (13/12).

([401]) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص65)

([402]) أخرجه مسلم (653) من حديث أبي هريرة. 

([403]) أخرجه ابن ماجه (793)، وابن حبان (2064)، والدارقطني (1555)، والحاكم (893)، والبيهقي (4940) من طريق هشيم، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فذكره.

وتابع هشيمًا في روايته عن شعبة مرفوعًا:

 قراد أبو نوح، واسمه عبد الرحمن بن غزوان. أخرجه الدارقطني (1556)، والحاكم (893)، والبيهقي (4940).

وسعيد بن عامر، وداود بن الحكم : أخرجه الحاكم (894)، و(895).

وخالفهم أكثر أصحاب شعبة: فرووه موقوفًا، منهم: وكيع، وابن مهدي، وغندر، وعلي بن الجعد، وغيرهم.

قال الحاكم: "هذا حديث قد أوقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة، وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"

وصحَّح وقفه: الإمام أحمد كما نقل عنه ابن رجب في "فتح الباري" (5/449)، وعبد الحق الإشبيلي، والدارقطني، والبيهقي، ومال إليه الحافظ ابن حجر. ينظر: " الوهم والإيهام" (2/277)، "وتنقيح التحقيق" (2/456)، و"الجوهر النقي" (3/56)، و"نصب الراية" (2/23)، و"البدر المنير" (4/414)، و"التلخيص الحبير" (2/72، رقم 564)، و"إرواء الغليل" (2/336، رقم 551)، و"صحيح أبي داود" (3/66، رقم 560).

([404]) سبقت ترجمته في الحديث رقم (9)

([405]) أخرجه أحمد (16478) – ومن طريقه أخرجه الدارقطني (935) والبيهقي (1836)-، والبخاري في "خلق أفعال العباد" (ص54)، وأبو داود (499)، والترمذي (189)، وابن ماجه (706)،  وابن خزيمة (371)، وابن حبان (1679) وغيرهم،  مطولًا ومختصرًا، من طرق، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، حدثني أبي عبد الله بن زيد قال: فذكره.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وحكى في "علله" عن البخاري أنه قال: "هو عندي صحيح"، كما نقل البيهقي في خلافياته، والحافظ في التلخيص، ولم نجده في المطبوع!

وقال ابن خزيمة: "سمعت محمد بن يحيى يقول: ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الأذان خبر أصح من هذا؛ لأن محمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه، وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمعه من عبد الله بن زيد"

وقال ابن المنذر في "الأوسط" (1162): "وليس في أسانيد أخبار عبد الله بن زيد إسناد أصح من هذا الإسناد، وسائر الأسانيد فيها مقال". وكذا قال الخطابي في "معالم السنن" (1/ 152).

وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن زيد من طرق، ينظر:  نصب الراية (1/259)، والبدر المنير (3/334)، والتلخيص الحبير (1/495، رقم 291 )، والدراية (1/110، رقم 112)، وإرواء الغليل (1/164، رقم 246)، وصحيح أبي داود (2/406، رقم 512).

([406]) أخرجه البخاري (603) و(605- 607) ، ومسلم (378) وزادا: «إلا الإقامة»

([407]) وهذا هو المذهب؛ لكنهم فرّقوا بين الحضر والسفر: ففي الحضر قالوا: إنهما فرض كفاية في القرى والأمصار وغيرهما، وهو من المفردات، أما في السفر فقالوا: إن فعلهما سنة. ينظر: الإنصاف (1/407)، وشرح المنتهى (1/258)، وكشاف القناع (2/36).  واختار شيخنا في شرح زاد المستقنع: أن الأذان والإقامة واجبان على الرجال مطلقًا, حضرًا وسفرًا.

قال في الإنصاف: ومفهوم قوله :"الصلوات الخمس" أنه لا يشرع لغيرها من الصلوات، وهو صحيح، وهو المذهب.

وظاهر قوله: "للرجال" أنه يشرع لكل مصل منهم، سواء صلى في جماعة أو منفردًا، سفرًا أو حضرًا، وهو صحيح".

([408]) كحديث أبي محذورة، وعبد الله بن زيد، وبلال وغيرهم. ينظر: نصب الراية (1/257)، والبدر المنير (3/331)، والتلخيص الحبير (1/494)، والدراية (1/114)، وإرواء الغليل (1/164)

([409]) تربيع التكبير في أوله: أخرجه أصحاب السنن: أبو داود (502)، والترمذي (192)، والنسائي (630)،  وابن ماجه (709) من طرق، عن عامر الأحول، عن مكحول، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة» ثم عدها أبو محذورة، وفيه: تربيع التكبير في أوله. ورواية الترمذي والنسائي مختصرتان بقوله: علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة.

ورواه مسلم (379) بهذا الإسناد  بتثنية التكبير. قال النووي في شرح مسلم (4/81): "وبالتربيع: قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء، وبالتثنية: قال مالك، واحتج بهذا الحديث، وبأنه عمل أهل المدينة، وهم أعرف بالسنن، واحتج الجمهور: بأن الزيادة من الثقة مقبولة، وبالتربيع عمل أهل مكة، وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم، والله أعلم"

([410]) الترجيع في الأذان: تكرير الشهادتين. المطلع (ص66). وهو مذهب مالك والشافعي أخذًا بحديث أبي محذورة. والمذهب: اختيار أذان بلال وليس فيه ترجيع، وهو مذهب أبي حنيفة. ينظر: المغني (2/56)، والإنصاف (1/412)، وشرح المنتهى (1/264)، وكشاف القناع (2/47).

([411]) وهذا هو المذهب. ينظر: المصادر السابقة

([412]) أخرجه البخاري (187)، ومسلم (503) واللفظ له.

([413]) أخرجه البخاري (631)، ومسلم (674).

([414]) أخرجه البخاري (2731) من حديث عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان.

([415]) ينظر: الاعتصام للشاطبي (482-485)، والحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب (ص46)، والتعقيبات على المخالفات العقدية في فتح الباري، لشيخنا (ص63، 93)، والتبرك: أنواعه أحكامه للجديع (161-168).

([416]) ينظر: زاد المعاد (1/463)

([417]) أخرجه مالك (5/1341، رقم 3390)، وأحمد (11010)، وابن ماجه (3573)، وأبو داود (4093)، والنسائي في الكبرى (9631- 9634)، وابن حبان (5446)، والبيهقي (3317) وغيرهم، من طرق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: سألت أبا سعيد الخدري، عن الإزار: فذكره. وإسناده على شرط مسلم

([418]) ينظر: زاد المعاد (1/ 447)

([419]) أخرجه مسلم (1218)

([420]) أخرجه البخاري (617)، ومسلم (1092) (37) واللفظ له.

([421]) أخرجه ابن خزيمة (356) – ومن طريقه أخرجه الحاكم (687)- ، والدارقطني (2185)، والبيهقي (1767) من طريق أبي أحمد الزبيري، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فذكره.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين في عدالة الرواة ولم يخرجاه، وأظن أني قد رأيته من حديث عبد الله بن الوليد، عن الثوري موقوفًا، والله أعلم، وله شاهد بلفظ مفسر، وإسناده صحيح ".

و قال الدارقطني: "لم يرفعه غير أبي أحمد الزبيري عن الثوري, ووقفه الفريابي  وغيره عن الثوري, ووقفه أصحاب ابن جريج عنه أيضًا"

وقال البيهقي: "والموقوف أصح"

وله شاهد من حديث جابر: أخرجه الحاكم (688) – ومن طريقه أخرجه البيهقي (1765)- من طريق يزيد بن هارون، أنبأ ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا تحل الصلاة فيه ولا يحرم الطعام، وأما الذي يذهب مستطيلًا في الأفق فإنه يحل الصلاة، ويحرم الطعام ". قال البيهقي: "هكذا روي بهذا الإسناد موصولًا، وروي مرسلًا وهو أصح".

([422]) لفظ الصحيحين: «النداء» بدل «المؤذن»

([423]) أخرجه البخاري (611)، ومسلم (383) وزادا: «المؤذن». قال الحافظ في "الفتح" (2/91): "ادعى ابن وضاح أن قول: «المؤذن» مدرج، وأن الحديث انتهى عند قوله: «مثل ما يقول». وتعُقِّب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى، وقد اتفقت الروايات في "الصحيحين" و"الموطأ" على إثباتها، ولم يصب صاحب العمدة في حذفها".

([424])  ينظر: المغني (2/85)

([425]) حكاه الطحاوي عن قوم من السلف، وبه قال: الحنفية، وأهل الظاهر، وابن وهب. فتح الباري (2/93).

([426]) برقم (385)

([427]) ينظر: المغني (2/53)، والإنصاف (1/405)، وشرح المنتهى (1/256)، وكشاف القناع (2/31).

([428])  ينظر: تفسير ابن جرير (2/682)، وابن كثير (1/460)

([429]) أخرجه البخاري (1105) واللفظ له، ومسلم (700) (31)

([430]) أخرجه البخاري (999)، ومسلم (700) (36) وعندهما: «البعير» بدون الإضافة

([431]) برقم (700) (39)، وهي للبخاري أيضًا (1098)

([432]) أخرجه البخاري (1000)

([433]) وهذا هو المذهب. ينظر: الإنصاف (2/4)، والمنتهى (1/187)، والإقناع (1/153)

([434]) ينظر: مختصر التحرير (3/359)، وشرح مختصر الروضة (2/557)، والمهذب في علم أصول الفقه المقارن (4/1612).

([435]) في الصحيحن: «الكعبة»

([436]) قال النووي في شرح مسلم (5/10): " روي «فاستقبلوها» بكسر الباء وفتحها، والكسر أصح وأشهر، وهو الذي يقتضيه تمام الكلام بعده"

([437]) أخرجه البخاري (403)، ومسلم (526) (13)

([438]) أخرجه البخاري (40)، ومسلم (525)

([439]) أنس بن سيرين: الأنصاري، أبو موسى، وقيل: أبو حمزة، وقيل: أبو عبد الله البصري، أخو محمد، ثقة، من الثالثة، مات سنة ثماني عشرة، وقيل: سنة عشرين، روى له الجماعة. التقريب (رقم 563)

([440]) هذه رواية البخاري، ورواية مسلم: «حين قدم الشام» بإسقاط من. قال الحافظ في "الفتح" (2/576) "وغلَّطوه؛ لأن أنس بن سيرين إنما تلقاه لما رجع من الشام؛ فخرج ابن سيرين من البصرة ليتلقاه، ويمكن توجيهه: بأن يكون المراد بقوله: «حين قدم الشام» مجرد ذكر الوقت الذي وقع له فيه ذلك كما تقول: فعلت كذا لما حججت".  وقال النووي في شرح مسلم (5/ 212): "رواية مسلم صحيحة، ومعناها: تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام، وإنما حذف ذكر رجوعه للعلم به. والله أعلم".

([441]) بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة .. وهي قديمة، افتتحها المسلمون في أيام أبي بكر على يد خالد بن الوليد في سنة 12 للهجرة، وكان فتحها عنوة؛ فسبى نساءها وقتل رجالها، فمن ذلك السبي: والدة محمد بن سيرين، وسيرين اسم أمه، وحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان. معجم البلدان (4/176)

([442]) أخرجه البخاري (1100)، ومسلم (702)

([443]) أخرجه البخاري (1597)، ومسلم (1270)

([444]) أخرجه البخاري (723) ولفظه: «من إقامة الصلاة »، ومسلم (433) واللفظ له

([445]) اختلف في الوعيد المذكور على أقوال. ينظر: شرح النووي على مسلم (4/156)، وفتح الباري (2/207).

([446]) أخرجه البخاري (717)، ومسلم (436) (127)

([447]) أخرجه مسلم (436) (128)

([448]) وهو مذهب الظاهرية كما في المحلى (2/372)، وظاهر كلام شيخ الإسلام كما في الاختيارات (ص75). والمذهب: أن تسوية الصفوف سنة. ينظر: المغني (2/126)، والإنصاف (2/39)، وشرح المنتهى (1/370)، وكشاف القناع (2/279).

([449]) واحدها: قِدح بكسر القاف، معناه: يبالغ في تسويتها حتى تصير كأنما يقوِّم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها. شرح النووي (4/157). قال ابن الملقن في الإعلام (2/520): " وهو تمثيل حسن جدًّا، فإن السهام يُطلب في تسويتها: التحذير، وحسن الاستقامة؛ كيلا يطيش عند الرمي، فلا يصيب الغرض" وينظر: النهاية (4/20).

([450]) قال الحافظ في الفتح (1/489): " مُليْكة هي بضم الميم: تصغير ملكة، والضمير في جدته يعود على إسحاق [بن أبي طلحة] جزم به: ابن عبد البر، وعبد الحق، وعياض، وصححه النووي. وجزم ابن سعد، وابن منده، وابن الحصار: بأنها جدة أنس، والدة أمه أم سليم، وهو مقتضى كلام إمام الحرمين في النهاية ومن تبعه، وكلام عبد الغني في العمدة، وهو ظاهر السياق، ويؤيده: ما رُوِّيناه في "فوائد العراقيين" لأبي الشيخ من طريق القاسم بن يحيى المقدمي، عن عبيد الله بن عمر، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس قال: أرسلتني جدتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم واسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة. الحديث"

([451]) أخرجه البخاري (380)، ومسلم (658) ولفظهما في الجملة الأخيرة: «فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم انصرف»

([452]) عند مسلم زيادة: «أو خالته. قال: .. »

([453]) نقله الحافظ في الفتح (1/490) عن المصنف وزاد: " قال ابن الحذاء: كذا سماه عبد الملك بن حبيب ولم يذكره غيره، وأظنه سمعه من حسين بن عبد الله، أو من غيره من أهل المدينة، قال: وضميرة هو بن أبي ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف في اسم أبي ضميرة، فقيل: روح، وقيل: غير ذلك"

([454]) أخرجه البخاري (699)، ومسلم (763) (181) ضمن حديث طويل.

([455]) ينظر: المغني (3/51)

([456]) وهذا هو المذهب، نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب، وهو من المفردات. الإنصاف (2/282). وينظر: المغني (3/51)، وشرح المنتهى (1/574)، وكشاف القناع (2/220)

([457]) وهو اختيار بعض الأصحاب. ينظر:  الإنصاف (2/282)، وكشاف القناع (2/220)

([458]) واختاره بعض الأصحاب أيضًا. ينظر: المصادر السابقة

([459]) ينظر: المغني (3/53)

([460]) عند البخاري: «يجعل» في الموضعين. قال الزركشي في النكت (ص85): " وكذا ذكره الحميدي في جميعه بين الصحيحين [رقم 2430]، وذكره المجد ابن تيمية في المنتقى [رقم 1377] بلفظ «يحوّل» فيهما، وعزاه لرواية الجماعة، والمصنف ذكره في الأولى دون الثانية"

([461]) أخرجه البخاري (7316) واللفظ له، ومسلم (763)

([462]) أخرجه البخاري (722)، ومسلم (414) وزاد البخاري: «وأقيموا الصف في الصلاة؛ فإن إقامة الصف من حُسن الصلاة».

([463]) ما بين المعقوفتين: أخرجه مسلم (411) (77) من حديث أم المؤمنين عائشة، ولم يخرجه البخاري

([464]) أخرجه البخاري (688)، واللفظ له سوى ما تقدم، ومسلم (412) وزاد: «أجمعون» كما بين المعقوفتين.

([465]) ينظر: المغني (3/60). والمذهب: يصلون وراءه جلوسًا، وهو من المفردات، فإن صلوا قيامًا صحت صلاتهم. ينظر: الإنصاف (2/261)، وشرح المنتهى (1/563)، وكشاف الإقناع (1/200)

([466]) أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418) من حديث أم المؤمنين عائشة

([467]) ينظر: المغني (3/61)

([468]) ينظر: المغني (3/62)، وشرح المنتهى (1/564)، وكشاف القناع (3/202)

([469]) عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصين الأنصاري الخطمي بفتح المعجمة وسكون المهملة، صحابي صغير، ولي الكوفة لابن الزبير، روى له الجماعة. التقريب (رقم 3704)

([470]) قال الحافظ في الفتح (2/181): " الظاهر أنه من كلام عبد الله بن يزيد، وعلى ذلك: جرى الحميدي في جمعه [ بين الصحيحن: رقم 846] وصاحب العمدة؛ لكن روى عباس الدوري في تاريخه [3/518، رقم 2534] عن يحيى ابن معين أنه قال: قوله: «هو غير كذوب» إنما يريد عبد الله بن يزيد الراوي عن البراء، لا البراء، ولا يقال لرجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير كذوب! يعني: أن هذه العبارة إنما تحسن في مشكوك في عدالته، والصحابة كلهم عدول لا يحتاجون إلى تزكية، وقد تعقبه الخطابي؛ فقال: هذا القول لا يوجب تهمة في الراوي، إنما يوجب حقيقة الصدق له. قال: وهذه عادتهم إذا أرادوا تأكيد العلم بالراوي والعمل بما روى، كان أبو هريرة يقول: سمعت خليلي الصادق المصدوق، وقال ابن مسعود: حدثني الصادق المصدوق، وقال عياض -وتبعه النووي-: لا وصم في هذا على الصحابة؛ لأنه لم يرد به التعديل وإنما أراد به تقوية الحديث؛ إذ حدث به البراء وهو غير متهم، ومثل هذا: قول أبي مسلم الخولاني: حدثني الحبيب الأمين، وقد قال تبن مسعود وأبو هريرة –فذكرهما- قال: وهذا قالوه تنبيها على صحة الحديث، لا أن قائله قصد به تعديل راويه، وأيضًا: فتنزيه ابن معين للبراء عن التعديل لأجل صحبته ولم ينزه عن ذلك عبد الله بن يزيد = لا وجه له؛ فإن عبد الله بن يزيد معدود في الصحابة. انتهى كلامه".

([471]) أخرجه البخاري (690)، ومسلم (474) (198)

([472]) أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410)

([473]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (1/72)

([474]) تقدم من حديث أبي هريرة رقم (83)

([475]) أخرجه البخاري (703)، ومسلم (467)

([476]) ورد في بعض النسخ: «الصغير» بدل «الضعيف»، والمثبت هو لفظ الصحيحين.

([477]) أخرجه البخاري (7159)، ومسلم (466)

([478]) أخرجه البخاري (631)

([479]) أخرجه البخاري (744)، ومسلم (598) واللفظ له

([480]) وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنواعًا من الاستفتاح في أسانيدها مقال: انظرها في زاد المعاد لابن القيم (1/195-199)، وصفة صلاة النبي للألباني (1/238-269)

([481]) أخرجه أحمد (11473)، وابن ماجه (804)، وأبو داود (775)، والترمذي (242)، والنسائي (899)، وابن خزيمة (467)، وغيرهم، من طرق، عن  جعفر بن سليمان الضبعي، عن علي بن علي اليشكري، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل كبَّر، ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك»، ثم يقول: «لا إله إلا الله» ثلاثًا، ثم يقول: «الله أكبر كبيرًا» ثلاثًا، «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه»، ثم يقرأ". وهذا لفظ أبي داود، ورواه غيره بألفاظ متقاربة.

قال الترمذي: "وقد تُكلِّم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي الرفاعي، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث"

وقال أبو داود: وهذا الحديث، يقولون هو عن علي بن علي، عن الحسن مرسلًا، الوهم من جعفر"

وقال ابن خزيمة: "لا نعلم في هذا خبرًا ثابتًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عند أهل المعرفة بالحديث، ولا استعمل هذا الخبر على وجهه"

ورواية الحسن المرسلة التي أشار إليها أبو داود: أخرجها في «المراسيل» (رقم 32) عن أبي كامل، أنَّ خالد بن الحارث حدَّثهم، حدثنا عمران بن مسلم، عن الحسن: أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قام من الليل قال قبلَ أن يُكبِّر: «لا إلهَ إلا اللهُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ كبيرًا، أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ، من همزِهِ، ونفثِهِ، ونفخِهِ»، قال: ثم يقول: «اللهُ أكبرُ». وإسناده إلى الحسن على شرط مسلم.

وبالجملة؛ فالموصول معلولٌ بتفرد جعفر بن سليمان الضبعي وعلي بن علي الرفاعي اليشكري به، وقد اختُلف فيهما، وتكلم فيهما بعض أئمة النقاد بما يحط درجتهما عن الاحتجاج بما تفردا به، وقد عورض هذا الموصول بمرسل أصح منه؛ وبذلك أعلّه الأئمة النقاد. وينظر: "نصب الراية" (1/321)، والبدر المنير (3/532)، والتلخيص الحبير (1/562)، والدراية (1/129)، وصحيح أبي داوود (3/ 361، رقم 748)، وإرواء الغليل (2/50، رقم 341).

([482]) أخرجه ابن أبي شيبة (2387 – 2390)، والطحاوي في شرح المعاني (1175 - 1180)، والدارقطني (1143 – 1147)، والحاكم (860)، والبيهقي (2350) من طرق عن عمر. وقال البيهقي: وأصح ما روي فيه الأثر الموقوف على عمر.

وأخرجه الدارقطني (1142)  عن عبد الرحمن بن عمر بن شيبة, عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر مرفوعًا.

وهذا إسناد واه، فيه عبد الله بن شبيب، وهو مجمع على ضعفه؛ لذلك قال الحاكم عقب حديث (860 ): "وقد أُسند هذا الحديث عن عمر ولا يصح"

وقال الدارقطني عقبه: "رفعه هذا الشيخ عن أبيه, عن نافع, عن ابن عمر, عن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والمحفوظ: عن عمر من قوله، كذلك رواه إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن عمر. وكذلك رواه يحيى بن أيوب , عن عمر بن شيبة , عن نافع , عن ابن عمر , عن عمر من قوله. وهو الصواب".

([483]) النهاية في غريب الحديث (5/279)

([484]) ينظر: أبو هريرة راوية الإسلام للدكتور محمد عجاج الخطيب.

([485]) أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (1877) –ومن طريقه البيهقي في المدخل إلى السنن (427)- حدثنا جرير [بن عبد الحميد]، عن مغيرة [بن مقسم الضبي] قال: قيل لابن عباس كيف أصبت هذا العلم؟ قال: فذكره. وإسناده منقطع، ومغيرة بن مقسم الضبي ثقة مدلس!

([486]) أخرجه مسلم (498) من طريق أبي الجوزاء عن عائشة به. قال ابن الملقن في الإعلام (3/19): "هذا الحديث سها المصنف في إيراده في كتابه؛ فإنه من أفراد مسلم، وشرطه: إخراج ما اتفقا عليه، وفي إسناده علة ذكرتها في تخريج أحاديث الرافعي فسارع إليه".  والعلة التي أشار إليها ابن الملقن هي الانقطاع بين أبي الجوزاء وعائشة؛ فقد تكلموا في سماعه من عائشة، قال البخاري في التاريخ الكبير (2/16، رقم 1540): "فيه نظر".  قال ابن عدي في الكامل (2/107، رقم 225): "يريد أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة وغيرهما".  وقال ابن عبد البر في التمهيد (20/205): " لم يسمع من عائشة وحديثه عنها مرسل".  وأعله الحافظ في التلخيص (1/559) بالانقطاع، وقال في البلوغ (رقم 272): "أخرجه مسلم, وله علة"

ومما يؤيد أنه لم يسمع من عائشة: ما رواه جعفر الفريابي في كتاب الصلاة: ثنا مزاحم بن سعيد، ثنا ابن المبارك، ثنا إبراهيم بن طهمان، ثنا بديل العقيلي، عن أبي الجوزاء قال: أرسلت رسولًا إلى عائشة يسألها: فذكر الحديث. قال الحافظ في التهذيب (1/384): "فهذا ظاهره أنه لم يشافهها؛ لكن لا مانع من جواز كونه توجه إليها بعد ذلك فشافهها على مذهب مسلم في إمكان اللقاء، والله أعلم". وينظر: إرواء الغليل (2/20، رقم 316).

([487]) ينظر: شرح المنتهى (1/443)، وكشاف القناع (2/447)

([488]) ينظر: شرح المنتهى (1/443)، وكشاف القناع (2/447)

([489]) الحذو والحذاء: الإزاء والمقابل. النهاية (1/358)

([490]) أخرجه البخاري (757)، ومسلم (397)

([491]) ينظر: شرح المنتهى (1/444)، وكشاف القناع (2/450)

([492]) ينظر: شرح المنتهى (1/448)، وكشاف القناع (455) والواجب في المذهب: أنه إن تركها عمدًا بطلت صلاته، وإن تركها سهوًا وجب عليه سجود السهو. ينظر: المصادر السابقة.

([493]) ينظر: شرح المنتهى (1/444)، وكشاف القناع (2/451)

([494]) ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد (1/210)، والنهاية لابن الأثير (3/ 268)

([495]) ينظر: شرح المنتهى (1/445)، وكشاف القناع (2/453)

([496]) أخرجه أحمد (1006)، وأبو داود (61) و (618)، والترمذي (3)، وابن ماجه (275)، وغيرهم، من طريق وكيع، حدثنا سفيان [هو الثوري]، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد ابن الحنفية، عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مفتاح الصلاة الطهور.." وذكره.

قال الترمذي: " هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، والحميدي، يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل، قال محمد: وهو مقارب الحديث"

وقال الحاكم عقب حديث (457): " وأشهر إسناد فيه: حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن الحنفية، عن علي، والشيخان قد أعرضا عن حديث ابن عقيل أصلًا"

والحديث تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل؛ كما قال البزار وأبو نعيم، وقد اختلف فيه، والأكثر على تضعيفه؛ لذلك قال العقيلي في "الضعفاء" (2/229): " فيه لين، وهو أصلح من حديث جابر".

وللحديث شواهد عن جابر، وأبي سعيد، وعبد الله بن زيد، وابن عباس، وابن مسعود موقوفًا؛ فانظرها في نصب الراية (1/307)، والبدر المنير (3/447)، والتلخيص الحبير (1/534، رقم 323)، والدراية (1/126، رقم 139)، والهداية (3/17)،  وإرواء الغليل (2/8، رقم 301).

([497]) أخرجه البخاري (735) واللفظ له، ومسلم (390)

([498]) أخرجه البخاري (739) بإسناده عن ابن عمر ، كان "إذا دخل في الصلاة كبَّر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه "، ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، رواه حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

([499]) أخرجه أحمد (23599)، والبخاري في رفع اليدين (3) و(4)، وأبو داود (730) و(963)، وابن ماجه (862)، والترمذي (304)، والنسائي (1039)، وابن خزيمة (685)، وابن حبان (1865) و(1867)، وغيرهم، من طرق، مطولًا ومختصرًا، عن عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد الساعدي وهو في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -أحدهم أبو قتادة بن ربعي- يقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. فذكر الحديث وفيه: "حتى إذا قام من السجدتين كبَّر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما صنع حين افتتح الصلاة"

قال الترمذي: "ومعنى قوله: إذا قام من السجدتين رفع يديه، يعني: إذا قام من الركعتين". وقال: "هذا حديث حسن صحيح"

وأعلَّه أبو حاتم في العلل (2/389، رقم 461) بالإرسال؛ لعدم سماع محمد بن عمرو بن عطاء للحديث من أبي حميد عنده، وخالفه البخاري فصحح سماعه. قال ابن رجب في الفتح (5/156) : «وأنكر آخرون سماع محمد بن عمرو بن عطاء لهذا الحديث من أبي حميد أيضًا، وقالوا: بينهما رجل، وممن قال ذلك: أبو حاتم الرازي، والطحاوي، وغيرهما.. وقد صرح البخاري في "تاريخه" بسماع محمد بن عمرو بن عطاء من أبي حميد كذلك». والحديث أصله صحيح كما قال أبو حاتم؛ لأن فليح بن سليمان قد رواه عن العباس بن سهل، عن أبي حميد الساعدي؛ لكن الكلام على خصوص هذه الرواية. وينظر مناقشة هذه العلة وردها وتصحيح الحديث في: تهذيب السنن لابن القيم (1/355)، وفتح الباري لابن رجب (5/155).

([500]) ينظر: شرح المنتهى (1/450)، وكشاف القناع (2/456)

([501]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (2/401)

([502]) ينظر فتح الباري لابن حجر (2/282)، وصفة صلاة النبي للألباني (2/682)

([503]) لفظ الصحيحين: «على». قال الحافظ في الفتح (2/296): "وقع في العمدة بلفظ «إلى» وهي في بعض النسخ من رواية كريمة".

([504]) أخرجه البخاري (812) واللفظ له، ومسلم (490) (230) وزادا: «ولا نكفت الثياب ولا الشعر».

([505]) أخرجه البخاري (789) واللفظ له، ومسلم (392)

([506]) مطرِّف بن عبد الله بن الشِخّير، بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم راء، العامري الحَرَشي بمهملتين مفتوحتين ثم معجمة، أبو عبد الله البصري، ثقة عابد فاضل، من الثانية، مات سنة خمس وتسعين، روى له الجماعة. التقريب (رقم 6706)

([507]) أخرجه البخاري (787)، ومسلم (393)

([508]) أخرجه البخاري (792)، ومسلم (471) واللفظ له

([509]) ثابت ابن أسلم البُناني، بضم الموحدة ونونين مخففين، أبو محمد البصري، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين وله ست وثمانون، روى له الجماعة. التقريب (رقم 810)

([510]) أخرجه  البخاري (821)، ومسلم (472) واللفظ له

([511]) أخرجه البخاري (708) واللفظ له، ومسلم (469) (190) وزاد البخاري: «وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف؛ مخافة أن تفتن أمه».

([512]) عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر الجرمي، أبو قلابة البصري، ثقة فاضل، كثير الإرسال، قال العجلي: فيه نصب يسير، من الثالثة، مات بالشام هاربًا من القضاء سنة أربع ومائة وقيل بعدها، روى له الجماعة. التقريب (رقم 3333)

 ([513])في النسخة المطبوعة زيادة: أَرادَ بشيخِهمْ: أَبا يزيدَ، عَمرَو بنَ سَلَمَة الجَرْميَّ، وقد صرح به عند البخاري في رواية برقم (824)

([514]) أخرجه البخاري (677) وزاد: «في الركعة الأولى»، وهو من أفراده. قال الحافظ في الفتح (2/ 164): "أخرج صاحب العمدة هذا الحديث، وليس هو عند مسلم من حديث مالك بن الحويرث".

([515]) تقدم في مناقشة الحديث رقم (٩١)

([516]) ينظر: المغني (2/212). والمذهب: لا يقعد للاستراحة إلا أن يشق عليه، نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب. ينظر: الإنصاف (2/71)، وشرح المنتهى (1/402)، وكشاف القناع (2/351).

([517]) وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد واختارها بعض الأصحاب، وقيل: إن الإمام رجع إليها. ينظر: الإنصاف (2/72)

([518]) وهو قول بعض الأصحاب. ينظر: المصادر السابقة

([519]) سبق تخريجه

([520]) أخرجه البخاري (917)، ومسلم (544) من حديث سهل بن سعد الساعدي

([521]) أخرجه البخاري (390)، ومسلم (495)

([522]) سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي ثم الطاحي [التاحي] أبو مسلمة البصري القصير، ثقة، من الرابعة، روى له الجماعة. التقريب (رقم 2419)

([523]) أخرجه البخاري (386)، ومسلم (555)

([524]) أخرجه أحمد (11153)، وأبو داود (650)، وابن خزيمة (1017)، وابن حبان (2185)، والحاكم (955)، والبيهقي (4087) وغيرهم، من طرق، عن حماد بن سلمة، عن أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاته، قال: «ما حملكم على إلقاء نعالكم؟»، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا - أو قال: أذى» وقال: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر: فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى؛ فليمسحه وليصل فيهما». وإسناده على شرط مسلم.

([525]) أخرجه أبو داود (652)، والبزار (3480)، وابن حبان (2186)، والطبراني (7164) و (7165)، والحاكم (956) من طرق، عن مروان بن معاوية الفزاري، عن هلال بن ميمون الرملي، عن يعلي بن شداد بن أوس، عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خالفوا اليهود وصلوا في نعالكم» ولفظ ابن حبان: «خالفوا اليهود والنصارى».  

قال الحاكم: "صحيح الإسناد".

قلنا: هلال بن ميمون وثقه ابن معين وغيره، وليَّنه أبو حاتم، وقال الذهبي في الكاشف (6006) والحافظ في التقريب (7347): "صدوق". والباقون ثقات.

وله شاهد من حديث أنس: أخرجه البزار (7230) من طريق عمر بن نبهان، عن قتادة، عن أنس؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فذكره. قال الهيثمي في المجمع (2/254، رقم 2246): "مداره على عمر بن نبهان [العبدي ويقال: الغبري] وهو ضعيف".

([526]) تقدم من حديث أبي سعيد في خلع النبي نعليه.

([527]) تقدم من حديث شداد بن أوس، وهذا لفظ أبي داود.

([528]) أخرجه البخاري (516) واللفظ له، ومسلم (543)

([529]) أخرجه البخاري (822)، ومسلم (493)

([530]) تقدم في حديث رقم (90)

([531]) شرح عمدة الأحكام للسعدي (1/299)

([532]) عند البخاري ومسلم زيادة: «فردَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السلام» وورد كذلك في صحيح البخاري (6251) من طريق عبد الله بن نمير: «قال: وعليك السلام»

([533]) أخرجه البخاري (757)، ومسلم (397)

([534]) ينظر تخريجه في الحديث القادم

([535]) وهي زيادة شاذة: يرويها علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن رفاعة بن رافع، به. واختلف عنه في ذكر "أبيه"، فرواه بدون ذكر أبيه: محمد بن عمرو بن علقمة الليثي: عند أحمد (18995)، وشريك بن أبي نمر: عند الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2243)، وعبد الله بن عون: عند الطبراني في "الكبير" (4530).

ورواه بالشك: ابن حبان (1787) فقال: عن علي بن يحيى بن خلاد، أحسبه عن أبيه، عن رفاعة بن رافع، به. فزاد في الإسناد: عن أبيه.

ورواه محمد بن عجلان: عند أحمد (18997) وابن حبان (1787). وداود بن قيس: عند عبد الرزاق (3739)  والبخاري "خلف الإمام" (109) و (110). وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: عند أبي داود (858) والنسائي (1136) وابن ماجه (460). ومحمد بن إسحاق: عند أبي داود (860)، وابن خزيمة (597) و (638)، والحاكم (881) أربعتهم: عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة، به. فزادوا في الإسناد: عن أبيه، وهو الصحيح الذي رجحه أبو حاتم في العلل (2/67، رقم 221).

([536]) في كتاب الاستئذان رقم (6251)

([537]) فتح الباري (2/278)

([538]) أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394) (34)

([539]) أخرجه البخاري (759)، ومسلم (451) 

([540]) أخرجه البخاري (765)، ومسلم (463)

([541]) أخرجه البخاري (767)، ومسلم (464)

([542]) ينظر: المغني (2/146)

([543]) ينظر: حاشية ابن عابدين (1/458)

([544]) ينظر: المغني (2/259)

([545]) وهذا هو المذهب. ينظر: شرح المنتهى (1/542)، وكشاف القناع (3/164)

([546]) ينظر: مجموع الفتاوى (18/20) و(22/ 341) و(23/287)، والفتاوى الكبرى (2/292)، والاختيارات (ص81)

([547]) المصادر السابقة

([548]) أخرجه ابن أبي شيبة (3799)، وعبد الله بن أحمد في زوائده (9438)، وابن ماجه (846)، وأبو داود (604)، والنسائي (921)، والدارقطني (1243) من طريق أبي خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قال أبو داود: "وهذه الزيادة «وإذا قرأ فأنصتوا» ليست بمحفوظة، الوهم عندنا من أبي خالد"

قلنا: تابعه عليها محمد بن سعد الأنصاري – وغيره- عند النسائي (922)، والبزار (8898).

لذلك أعله الأئمة بتفرد ابن عجلان به:

قال النسائي في "الكبرى" (994) : "لا نعلم أحدًا تابع ابن عجلان على قوله: «وإذا قرأ فأنصتوا» "

وقال أبو حاتم في "العلل" (2/395، رقم 465): "ليس هذه الكلمة  بالمحفوظ، وهو من تخاليط ابن عجلان"

وذكر الدارقطني في "العلل" (8/187، رقم 1501) اختلاف الرواة على محمد بن عجلان في إسناد هذا الحديث، وأنهم كلهم ذكروا: «وإذا قرأ فأنصتوا»، ثم قال الدارقطني: "وهذا الكلام ليس بمحفوظ في هذا الحديث"

وقال البيهقي في "سننه" (2/223، بإثر حديث 2891) : "وهو وهم من ابن عجلان" .

وقال في "المعرفة" (3/74) : "وقد أجمع الحفاظ على خطأ هذه اللفظة في الحديث، وأنها ليست بمحفوظة: يحيى بن معين، وأبو داود السجستاني، وأبو حاتم الرازي، وأبو علي الحافظ، وعلي بن عمر الحافظ، وأبو عبد الله الحافظ".

وأعله البخاري في جزء "القراءة خلف الإمام" بإثر حديث (163).

و صحح هذه الزيادة: الإمام أحمد، كما ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" (11/33) بإسناده إليه، والإمام مسلم  في صحيحه - وإن لم يخرجها فيه- بإثر حديث أبي موسى (404) (63)، والحافظ في "الفتح" (2/ 242) وغيرهم. وينظر علل الدارقطني (7/252، رقم 1333)، ونصب الراية (2/14)، والبدر المنير (4/480)، والدراية (1/164، رقم 199)، والهداية (3/242، رقم 437)، وصحيح أبي داود (3/159، رقم 617)، وإرواء الغليل (2/120، رقم 394).

([549]) ينظر فتوى رقم (١٧٥٤٩) تاريخ  ٨ / ١ / ١٤١٦هـ؛ من فتاوى اللجنة.

([550]) أخرجه مسلم (452) (156)

([551]) أخرجه البخاري (760) من حديث خباب

([552]) أخرجه البخاري (7375)، ومسلم (813) واللفظ له

([553]) أخرجه البخاري (705)، ومسلم (465) (179)

([554]) أخرجه البخاري (1183) من حديث عبد الله المزني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا قبل صلاة المغرب»، قال: «في الثالثة لمن شاء؛ كراهية أن يتخذها الناس سنة»

([555]) ينظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/ 95)، وابن حزم وموقفه من الإلهيات (ص189).

([556]) ينظر حديث رقم (87) و(88)

([557]) ينظر: المغني (2/149)

([558]) ينظر: المغني (2/151)

([559]) وهذا هو المذهب، نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب. ينظر: المغني (2/149)، والإنصاف (2/48)، وشرح المنتهى (1/379)، وكشاف القناع (2/298)

([560]) أخرجه البخاري (743)

([561]) أخرجه مسلم (399) وعنده زيادة: «مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم-»

([562]) أخرجه مسلم (399)

([563]) أخرجه أحمد (23276)، وابن ماجه (97)، والترمذي بإثر حديث (3662) من طريق الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن هلال مولى ربعي، عن ربعي، عن حذيفة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- به. وهلال مولى ربعي مجهول، لم يحدث عنه غير عبد الملك بن عمير كما قال الذهبي في "الميزان" (4/317، رقم 9283)، ولم يوثقه غير ابن حبان.

 وأخرجه الحميدي (449) – ومن طريقه الطحاوي في "شرح المشكل" (1227) والحاكم (4454) وزاد فيه هلال مولى ربعي-، وأحمد (23245)، والترمذي (3662)، من طريق  ابن عيينة، عن زائدة بن قدامة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، به. وهو منقطع، عبد الملك لم يسمعه من ربعي، وإنما سمعه من هلال مولى ربعي.

وقد اختلف فيه على عبد الملك بن عمير على أوجه، وأصحها: رواية الثوري عن عبد الملك, عن مولى ربعي به؛ كما رجحه الترمذي في "العلل الكبير" (689)، وأبو حاتم في "العلل" (6/444، رقم 2655). وينظر: البدر المنير (9/578)، والتلخيص الحبير (4/460، رقم 2096)، والصحيحة (3/233، رقم 233).

([564]) أخرجه مسلم (395) من حديث أبي هريرة

([565]) أخرجه مسلم (571) من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثًا أم أربعًا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان»

([566]) أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572) من طريق علقمة، قال: قال عبد الله: صلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص - فلما سلم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ قال: «وما ذاك»، قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجليه، واستقبل القبلة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فلما أقبل علينا بوجهه، قال: «إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين»

([567]) محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة، مات سنة عشر ومائة، روى له الجماعة. التقريب (رقم 5947)

([568]) عند البخاري زيادة «ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى»

([569]) عند البخاري زيادة «فيقول»

([570]) أخرجه البخاري (482)، ومسلم (573)

([571]) أخرجه البخاري (829)، ومسلم (570)

([572]) من حديث ابن مسعود المتقدم

([573]) من حديث ابن مسعود المتقدم

([574]) أخرجه بهذا اللفظ: البخاري (1229)

([575]) ينظر: شرح المنتهى (1/448)، وكشاف القناع (2/455)

([576]) ينظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي (1/235)

([577]) قوله «من الإثم» هذا اللفظ ليس من الحديث، وهو من أوهام المصنف رحمه الله؛ لذلك قال الحافظ في الفتح (1/585): "عيب ذلك على صاحب العمدة في إيهامه أنها في الصحيحين".

([578]) سالم ابن أبي أمية، أبو النضر، مولى عمر بن عبيد الله التيمي المدني، ثقة ثبت، وكان يرسل، من الخامسة، روى له الجماعة. التقريب (رقم 2169)

([579]) أخرجه البخاري (510)، ومسلم (507)

([580]) أخرجه البخاري (509) واللفظ له، ومسلم (505)

([581]) أخرجه البخاري (76)، ومسلم (504)

([582]) أخرجه البخاري (382)، ومسلم (512)

([583]) ينظر: المغني (3/97)

([584]) المصدر السابق

([585]) أخرجه مسلم (510)

([586]) ينظر: شرح المنتهى (1/440)، وكشاف القناع (2/440)

([587]) ينظر: المغني (3/97)، والاختيارات (ص89)، والإنصاف (2/106).

([588]) ينظر: الاختيارات (ص89)، والإنصاف (2/106)

([589]) ينظر: النهاية (1/21)

([590]) وهذا هو المذهب. ينظر: الإقناع (1/59)، والمنتهى (1/72).

([591])  أخرجه  البخاري (1163) واللفظ له، ومسلم (714)

([592]) أخرجه البخاري (931) واللفظ له، ومسلم (875) وسيأتي.

([593]) وحكى بعضهم الإجماع على استحبابه. قال النووي في المجموع (4/ 52): " أجمع العلماء على استحباب تحية المسجد، ويكره أن يجلس من غير تحية بلا عذر". وقال الحافظ في الفتح (1/537): " واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب، ونقل ابن بطال عن أهل الظاهر الوجوب، والذي صرح به ابن حزم عدمه".  وينظر : "المحلى"(2/7)

([594]) أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11)

([595]) نسبه في الفروع (3/183) إلى داود الظاهري، وفي محلى ابن حزم (2/7) خلافه.. وتقدم رد الحافظ ابن حجر على ابن بطال. وقال ابن عثيمين: " القول بوجوب تحية المسجد قول قوي، ولكن الأقرب القول بأنها سنة مؤكدة ، والعلم عند الله تعالى" مجموع الفتاوى (14/354)

([596]) وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد، اختارها أبو الخطاب في الهداية، وابن عقيل، وابن الجوزي، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم من الأصحاب. والمشهور من المذهب وعليه أكثر الأصحاب: أنه لا يجوز فعلها في أوقات النهي باستثناء خطبة الجمعة؛ فيركعهما -إذا دخل والإمام يخطب- ولو كان وقت قيام الشمس قبل الزوال. ينظر: الاختيارات (ص101)، والإنصاف (2/207)، وشرح المنتهى (1/532)، وكشاف القناع (3/137)

([597]) ينظر: فتح الباري (1/538)

([598]) أخرجه البخاري (1200)، ومسلم (539) واللفظ له، وليس عند البخاري قوله: «ونهينا عن الكلام»؛ لذلك قال الحافظ في "الفتح" (3/75): "ولم تقع في البخاري، وذكرها صاحب "العمدة"، ولم ينبه أحد من شُرَّاحها عليها".

([599]) أخرجه مسلم (537) من حديث معاوية بن الحكم السلمي

([600]) ينظر: النهاية (4/111)

([601]) وهذه الرواية الثانية عن الإمام أحمد: اختارها ابن الجوزي وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من الأصحاب. والمشهور من المذهب: بطلان الصلاة بالكلام مطلقًا. ينظر: الاختيارات (ص90)، والإنصاف (2/134)، وشرح المنتهى (1/461)، وكشاف القناع (2/477)

([602]) قوله: «بالصلاة» هكذا في النسخة المطبوعة وهي التي اعتمدها شيخنا. وهذا لفظ مسلم (615)، ورواية في البخاري برقم (536)

([603]) أخرجه البخاري (533 و535) ولفظه «عن الصلاة»، ومسلم (615)

([604]) ينظر: النهاية (1/114)

([605]) أخرجه مسلم (619)

([606]) شرح النووي على مسلم (5/121)

([607]) ينظر: شرح النووي (5/ 117)

([608]) النهاية في غريب الحديث (3/484)

([609]) كما في حديث أنس، وجابر، وسلمة بن الأكوع وغيرهم. ينظر: البخاري «باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس» (2/7) حديث رقم (903) وما بعده، و مسلم «باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس» (2/588) حديث رقم (858) وما بعده

([610]) أخرجه البخاري (537)، ومسلم (617) من حديث أبي هريرة

([611]) هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري: «فليصل». قال الحافظ في الفتح (2/71): "كذا وقع في جميع الروايات: بحذف المفعول، ورواه مسلم عن هداب بن خالد عن همام بلفظ: «فليصلها» وهو أبين للمراد"

([612]) أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684)

([613]) أخرجه مسلم (684) (315)

([614]) ينظر: شرح المنتهى (1/290)، وكشاف القناع (2/108)

([615]) وهي رواية عن الإمام أحمد اختارها أكثر الأصحاب. قال في مختصر التحرير (4/409): "وهذا الصحيح من المذهب، اختاره الأكثر من أصحابنا" وينظر: روضة الناظر (1/457)، وشرح مختصر الروضة (3/169)

([616]) أخرجه البخاري (344)، ومسلم (682) في قصة طويلة

([617]) أخرجه البخاري (700)، ومسلم (465) (180) واللفظ له

([618]) ينظر: حديث رقم (87) و(88)

([619]) أخرجه البخاري (1208)، ومسلم (620)

([620]) أخرجه البخاري (359) ،ومسلم (516) وليس عند البخاري «منه» وعندهما: «عاتقيه» بدل «عاتقه»

([621]) ينظر:  المطلع على ألفاظ المقنع (ص80)

([622]) ينظر: المغني (2/289).

([623]) وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد. والمذهب: أن ستر جميع أحد عاتقيه شرطٌ في الفرض، وهو من المفردات. ينظر: الإنصاف (1/454)، وشرح المنتهى (1/302)، وكشاف القناع (2/132)

([624]) أخرجه البخاري (361)، ومسلم (3010)

([625]) ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (1/120، رقم 586)

([626]) لفظ الصحيحين: «أو» بدل «الواو»

([627]) أخرجه البخاري (855)، ومسلم (564) (73)

([628]) أخرجه مسلم (564) (74)

([629]) وهو تغير رائحة الفم. ينظر: النهاية (1/101)

([630]) أخرجه البخاري (6265)، ومسلم (402) وزاد البخاري: «وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام؛ يعني: على النبي - صلى الله عليه وسلم - »

([631]) أخرجه  البخاري (6328)

([632]) أخرجه البخاري (1202)

([633]) أخرجه البخاري (6328)، ومسلم (402) (55) واللفظ له، وفيه: «ثم يتخير» بدل «فليتخير»

([634]) قال في الإنصاف (2/ 77): " وهو أفضل التشهدات الواردة عن الإمام أحمد والأصحاب"

([635]) أخرجه مسلم (403) (60) بإسناده عن ابن عباس قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن؛ فكان يقول: «التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله».

([636]) أخرجه مسلم (404) (62) بإسناده عن أبي موسى مرفوعًا: ".. وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"

([637]) أخرجه مالك (2/125، رقم 302) – ومن طريقه البيهقي (2840)- من طريق عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كانت تقول، إذا تشهدت: "التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبد الله ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم". 

وتابعه يحيى بن سعيد، عن القاسم، به. أخرجه مالك (2/126، 303) – ومن طريقه البيهقي (2841)- وابن أبي شيبة (2993).

وخالفهما محمد بن صالح بن دينار، فرواه عن  القاسم بن محمد مرفوعًا. أخرجه البيهقي (2843) وقال: "والصحيح الموقوف"

([638]) أخرجه أبو داود (971) – ومن طريقه الدارقطني (1329) والبيهقي (2821)- والترمذي في "العلل الكبير" (104)، والطحاوي في "شرح المعاني" (1570) من طريق نصر بن علي الجهضمي عن أبيه، والفاكهي في "أخبار مكة" (343) من طريق ابن أبي عدي، كلاهما عن شعبة، عن أبي بشر، سمعت مجاهدًا يحدث عن ابن عمر، عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في التشهد: "التحيات لله، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته- قال: قال ابن عمر: زدت فيها: وبركاته- السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله- قال ابن عمر: زدت فيها: وحده لا شريك له- وأشهد أن محمدا عبده ورسوله "

قال الدارقطني: "هذا إسناد صحيح، وقد تابعه على رفعه ابن أبي عدي, عن شعبة, ووقفه غيرهما"

وقد تكلم شعبة في رواية أبي بشر الواسطي عن مجاهد. ففي "التهذيب" (2/83، رقم 129): قال أحمد: "كان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد. قال: لم يسمع منه شيئًا" وقال ابن معين: "طعن عليه شعبة في حديثه عن مجاهد. قال: من صحيفة". لذلك نقل الترمذي في "العلل الكبير" (ص71، رقم 104) عن البخاري أنه كان يرى رواية سيف عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود هي المحفوظة، دون رواية أبي بشر هذه.  وينظر: "أحاديث معلة ظاهرها الصحة" (رقم 254)

([639]) أخرجه مالك (2/124، رقم 300)، وابن وهب (411)، وعبد الرزاق (3067)، وابن أبي شيبة (2992) من طريق  الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري؛ أنه سمع عمر بن الخطاب، وهو على المنبر، يعلم الناس التشهد. يقول: "قولوا: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله؛ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله"

([640]) وهذا هو المذهب، وعليه الأصحاب. ينظر: الإنصاف (2/113)، وشرح المنتهى (1/444)، وكشاف القناع (2/451)

([641]) أخرجه النسائي (1277)، والطحاوي في "شرح المشكل" (5614)، والدارقطني (1327) ومن طريقه البيهقي (2819) من طريق سفيان بن عيينة، عن الأعمش، ومنصور، عن شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود، به.

قال عبد الله في"العلل ومعرفة الرجال" (3/193، رقم 4609 و4610): "حدثني أبي قال: حدثنا بن عيينة قال: لم أسمعه، يعني حديث التشهد، وقرىء عليه: منصور والأعمش عن أبي وائل، ولكنهم كانوا يحدثونه ولم أسمعه منهم" وقال: "قال أبي: لم يسمع سفيان حديث عبد الله في التشهد"

وقال الطحاوي: "ولا نعلم أحدًا روى هذا الحديث، فيذكر فيه: «فلما فرض التشهد»، غير ابن عيينة، وقد رواه من سواه، وكلهم لا يذكر فيه هذا الحرف"

وقال الدارقطني: "هذا إسناد صحيح" ووافقه البيهقي. وينظر: نصب الراية (1/ 428)، والدراية (1/158، رقم 190)، والإرواء (2/23، رقم 319).

([642]) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص 100)

([643]) سيأتي تخريجه عند الحديث رقم (١٢٧)

([644]) عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني ثم الكوفي، ثقة، من الثانية، اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم سنة ثلاث وثمانين، قيل: إنه غرق، روى له الجماعة. التقريب (3993)

([645]) أخرجه البخاري (6357)، ومسلم (406)

([646]) ينظر: جلاء الأفهام (ص327)

([647]) ينظر: المصدر السابق (ص 292)

([648]) المصدر السابق (ص216)

([649]) أخرجه البخاري (6360)

([650]) جلاء الأفهام (ص220)

([651]) المصدر السابق (ص155)

([652]) النهاية في غريب الحديث (1/120)

([653]) ينظر: المغني (2/228)

([654]) وهذا هو المذهب، والركن منه: «اللهم على صل على محمد» ينظر: الإنصاف (2/116)، وشرح المنتهى (1/445)، وكشاف القناع (2/452). وقد اختلف الأصحاب: هل الصلاة على النبي ركن مستقل، أو من جملة التشهد الأخير؟ مشى صاحب الإقناع على الأول، ومشى على الثاني صاحب المنتهى.

([655]) وهذه إحدى الروايات عن الإمام أحمد واختارها جماعة من الأصحاب. قال الموفق: "هذا ظاهر المذهب". ينظر: الإنصاف (2/ 116)

([656]) ينظر: المغني (2/228)

([657]) {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود:73].

([658]) أخرجه البخاري (1377)، ومسلم (588)

([659]) أخرجه  مسلم (588) (128)

([660]) أخرجه  البخاري (834)، ومسلم (2705)

([661]) ينظر: المغني (2/233)

([662]) ينظر: المحلى (2/301)

([663]) أخرجه  البخاري (4967)، ومسلم (484) (219)

([664])البخاري (817) و (4968)، ومسلم (484) (217) وزادا: "يتأول القرآن».

([665]) أخرجه مسلم (479) من حديث ابن عباس.

([666]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (5/147)

([667]) أخرجه البخاري (6410)، ومسلم (2677) (5) من حديث أبي هريرة

([668]) أخرجه  البخاري (472)، ومسلم (749) واللفظ للبخاري وزاد في آخره:  «فإن النبي – صلى الله عليه وسلم- أمر به»

([669]) أخرجه البخاري (996)، ومسلم (745) واللفظ له

([670]) انفرد به مسلم (737)

([671]) لحديث عائشة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين» أخرجه البخاري (994)، ومسلم (736) (121) واللفظ له.

([672]) لحديث عائشة: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا؛ فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا؛ فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا» أخرجه البخاري  (1147)، ومسلم (738) (125)

([673]) لحديث عائشة: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها» أخرجه مسلم (737) (123)

([674]) لحديث عائشة: « ... فلما سن نبي الله وأخذه اللحم، أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول ... »  أخرجه مسلم (746) (139)

([675]) لحديث عائشة: «... ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة» أخرجه مسلم (746) (139)

([676]) ينظر: "المغني" (2/591).

([677]) وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وجوبه على من يتهجد بالليل.  ينظر: الاختيارات (ص96)، والإنصاف (2/166)

([678]) سبق تخريجه عند حديث رقم (٧٥)

([679]) أخرجه أبو داود (1422)، والنسائي (1710) و(1711)، وابن ماجه (1190)، وابن حبان (2407)، والحاكم (1130 – 1134) من طرق، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري، به.

وأخرجه النسائي (1712) و(1713) من طريقين عن الزهري، به موقوفا.

قال النسائي في "الكبرى" (1406): " الموقوف أولى بالصواب" وصحح وقفه: أبو حاتم، والدارقطني، وغير واحد. وقال الحاكم: "لست أشك أن الشيخين تركا هذا الحديث لتوقيف بعض أصحاب الزهري إياه، هذا مما لا يعلل مثل هذا الحديث، والله أعلم". ينظر: العلل لابن أبي حاتم (2/428، رقم 490)، وللدارقطني (6/98، رقم 1005)، والتلخيص الحبير (2/36، رقم 507)، وصحيح أبي داود (5/164، رقم 1278)، وأحاديث معلة (128)

([680]) سبق من حديث عائشة

([681]) نفسه

([682]) سبق تخريجه

[683]))  كذا في النسخة المطبوعة، وورد في بعض النسخ: "عقيب"

([684]) أخرجه البخاري (841)، ومسلم (583) (122)

([685]) مسلم (583) (121)

([686]) ورَّاد: بتشديد الراء، الثقفي، أبو سعيد، أو أبو الورد، الكوفي، كاتب المغيرة ومولاه، ثقة، من الثالثة، روى له الجماعة. التقريب (7401)

([687]) أخرجه البخاري (844)، ومسلم (583)

([688]) أخرجه البخاري (6615)، وزاد في آخره: «القول»

([689]) أخرجه البخاري (6473)، ومسلم (593) (14)

([690]) أخرجه البخاري (7292)، ومسلم (593) (12)

([691]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (1/244)

([692]) أخرجه البخاري (2654)، ومسلم (87)

([693]) أخرجه البخاري (4477)، ومسلم (86)

([694]) سُمي، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ثقة، من السادسة، مات سنة ثلاثين مقتولًا بقديد، روى له الجماعة. التقريب (2635)

([695]) ذكوان، أبو صالح السمان الزيات المدني، ثقة ثبت، وكان يجلب الزيت إلى الكوفة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومائة، روى له الجماعة. التقريب (1841)

([696]) عند مسلم: "وزاد غير قتيبة في هذا الحديث عن الليث، عن ابن عجلان: قال سمي .."

([697]) أخرجه البخاري (843)، ومسلم (595) واللفظ له

([698]) أخرجه مسلم (2137) من حديث سمرة بن جندب

([699]) أخرجه مسلم (2695) من حديث أبي هريرة

([700]) أخرجه البخاري (373)، ومسلم (556)

([701]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (2/80)

([702]) ينظر: المصدر السابق (1/73)

([703]) ذكره البخاري تعليقًا (1107)، وليس الحديث عند مسلم بهذا اللفظ. قال ابن دقيق العيد في "الإحكام" (1/311): "هذا اللفظ في الحديث ليس في كتاب مسلم، وإنما هو في كتاب البخاري، وأما رواية ابن عباس في الجمع بين الصلاتين في الجملة من غير اعتبار لفظ بعينه: فمتفق عليه".

([704]) ينظر: المغني (3/127)

([705]) ذكره الحافظ في الفتح (2/583) قال: "وقد وقع نظيره في "الأربعين" للحاكم قال: حدثنا محمد بن يعقوب -هو الأصم- حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني -هو أحد شيوخ مسلم- قال حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي، فذكر الحديث، وفيه: (فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب). قال الحافظ صلاح الدين العلائي: هكذا وجدته بعد التتبع في نسخ كثيرة من "الأربعين" بزيادة العصر، وسند هذه الزيادة جيد، انتهى. قلت – أي الحافظ ابن حجر-: وهي متابعة قوية لرواية إسحاق بن راهويه إن كانت ثابتة، لكن في ثبوتها نظر".

 ورواية إسحاق بن راهويه التي أشار إليها الحافظ: أخرجها البيهقي (5523) من طريق أبي بكر الإسماعيلي، عن جعفر الفريابي، عن إسحاق بن راهويه، عن شبابة بن سوار، عن ليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان في سفر فزالت الشمس: صلى الظهر والعصر جميعًا، ثم ارتحل ". وأُعلت هذه الرواية بتفرد إسحاق عن شبابة، ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق.

والحديث: أخرجه مسلم (704) (47) من طريق عمرو بن محمد الناقد، وأخرجه غير مسلم عن جماعة من الثقات أيضًا، عن شبابة بن سوار، عن الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، به. من دون ذكر جمع التقديم. ونقل الحافظ في التلخيص (2/123) عن أبي داود أنه أنكره. وللحديث طرق أخرى، وشواهد عن معاذ وابن عباس، انظرها في التلخيص الحبير (2/123)، وإرواء الغليل (3/32، رقم 579).

([706]) أخرجه  البخاري (1112) ، ومسلم (704) (46) من طريق قتيبة بن سعيد، حدثنا المفضل يعني ابن فضالة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس: أخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل: صلى الظهر، ثم ركب»

([707]) أخرجه البخاري (1102) واللفظ له، ومسلم (689) (8) مطولًا

([708]) أخرجه البخاري (350)، ومسلم (685)

([709]) ينظر: المغني (3/122)

([710]) وهذا هو المذهب، نص عليه، ولا يكره الإتمام. ينظر: الإنصاف (2/321)، وشرح المنتهى (1/604)، وكشاف القناع (3/273).

([711]) ينظر: المغني (3/113)

([712]) وهو اختيار الموفق وشيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: المغني (3/108)، والاختيارات (ص110)، والإنصاف (2/318)

([713]) وهذا هو المذهب. ينظر: المغني (3/147)، وشرح المنتهى (1/607)، وكشاف القناع (3/280)

([714]) أخرجه مسلم (865) من حديث ابن عمر وأبي هريرة

([715]) أخرجه  البخاري (917)، ومسلم (544) واللفظ له

([716]) أخرجه  البخاري (917) وفيه: "وكبَّر وهو عليها"

([717]) أخرجه أبو داود (598) – ومن طريقه البيهقي (5235) والبغوي في "شرح السنة" (830)- من طريق ابن جريج، أخبرني أبو خالد، عن عدي بن ثابت الأنصاري، حدثني رجل، أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن.. وفيه قصة. قال الألباني في الإرواء (2/331، رقم 544): "وهذا سند ضعيف من أجل الرجل الذي لم يسم، ومن أجل أبي خالد هذا؛ فإنه لا يعرف كما قال الذهبي.. لكن للحديث أصل بنحوه، يرويه همام: «أن حذيفة أمَّ الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى، قد ذكرت حين مددتني». أخرجه الشافعي في الأم (1 /152)، وأبو داود (597) والحاكم (1 /210)، وعنه البيهقي (108) من طرق، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام به. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا" انتهى كلام الألباني.

([718]) أخرجه البخاري (891)، ومسلم (879) واللفظ له

([719]) ينظر: زاد المعاد (1/203)

([720]) أخرجه البخاري (894)، ومسلم (844)

([721]) وهذا مذهب الظاهرية، ورواية عن الإمام أحمد لمن تلزمه الجمعة، وأوجبه شيخ الإسلام ابن تيمية على من له عرق أو ريح يتأذى به الناس. ينظر: المحلى (1/255)، والإنصاف (2/407)

([722]) أخرجه البخاري (858)، ومسلم (846) من حديث أبي سعيد

([723]) وحكى بعضهم الإجماع على ذلك! ينظر: المغني (3/224)

([724]) أخرجه أحمد (20089)، وأبو داود (354) من طريق همام بن يحيى، والنسائي (1380)، والترمذي (497) من طريق شعبة، كلاهما عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

وأخرجه عبد الرزاق (5311) من طريق معمر، والبيهقي (1411) من طريق سعيد ابن أبي عروبة، كلاهما عن قتادة، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

قال أبو حاتم في العلل (2/540، رقم 575): "جميعًا صحيحين؛ همام ثقة وصله، وأبان لم يوصله"

وفي سماع الحسن من سمرة نزاع مشهور، وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة؛ لكن المحفوظ حديث سمرة كما الدارقطني في العلل (10/263، رقم 2000) و( 12/145، رقم 2544). وينظر: "العلل الكبير" للترمذي (141)، ونصب الراية (1/88)، والبدر المنير (4/650)، التلخيص الحبير (2/163، رقم 655).

([725]) ينظر: المحلى (1/266)

([726]) الحديث بهذا اللفظ ليس في الصحيحين، ولا في أحدهما، وإنما هو للنسائي (1416)، ولفظ الصحيحين هو من حديث ابن عمر: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة قائمًا، ثم يجلس، ثم يقوم كما تفعلون اليوم" أخرجه البخاري (920) ومسلم واللفظ (861). وفي لفظ للبخاري (928): "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب خطبتين، يقعد بينهما". لذلك قال ابن دقيق العيد في "شرح العمدة" (1/319): لم أقف عليه بهذا اللفظ في "الصحيحين"، فمن أراد تصحيحه، فعليه إبرازه". وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/ 406)، وغفل صاحب "العمدة"، فعزا هذا اللفظ للصحيحين".

([727]) أخرجه البخاري (930)، ومسلم (875)

([728]) أخرجه البخاري (931)، ومسلم (875) (55).

([729]) وحكى بعضهم الإجماع على ذلك. قال النووي في المجموع (4/ 52): " أجمع العلماء على استحباب تحية المسجد، ويكره أن يجلس من غير تحية بلا عذر". وقال الحافظ في الفتح (1/537): " واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب، ونقل ابن بطال عن أهل الظاهر الوجوب، والذي صرح به ابن حزم عدمه".  وينظر : "المحلى"(2/7)

([730]) أخرجه مسلم (875) (59)

([731]) سبق تخريجه برقم (١١٧)

([732]) أخرجه البخاري (934)، ومسلم (851)

([733]) أخرجه  أحمد (719)، وأبو داود (1051) من طريق عطاء الخراساني، عن مولى امرأته، عن علي بن أبي طالب، به. قال الشيخ شعيب: "إسناده ضعيف لجهالة مولى امرأة عطاء"

([734]) زاد البخاري ومسلم: "غسل الجنابة"

([735]) قوله في "الساعة الأولى" ليست في الصحيحين، وإنما زادها "أصحاب الموطأ عن مالك" كما قال الحافظ في الفتح (2/366)؛ ولذلك لم ترد في بعض نسخ العمدة ، وهو الصواب.

([736]) أخرجه البخاري (881)، ومسلم (850)

([737]) عند الحديث رقم (١٤١)

([738]) ينظر: المغني (3/164)

([739]) ينظر: المصدر السابق، ومواهب الجليل شرح مختصر خليل (2/169)

([740]) أخرجه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة.

([741]) أخرجه البخاري (4168)، ومسلم (860) (32).

([742]) أخرجه مسلم (860) (31).

([743]) أخرجه مسلم (2496) من حديث جابر

([744]) سبق تخريجه برقم (١١٩)

([745]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (3/482)

([746]) ينظر: المغني (3/159)

([747]) ينظر: الإنصاف (2/375)، وشرح المنتهى (2/11)، وكشاف القناع (3/332).

([748]) أخرجه أحمد (5114)، وأبو داود (4031) من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –: فذكره. قال الحافظ في الفتح (6/98): "وأبو منيب لا يعرف اسمه، وفي الإسناد: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، مختلف في توثيقه، وله شاهد مرسل بإسناد حسن: أخرجه ابن أبي شيبة [19437] من طريق الأوزاعي، عن سعيد بن جبلة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمامه". وحسَّن إسناده في الفتح (10/271)، وصححه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (2/676 رقم 797)، وشيخ الإسلام ابن تيمية في الاقتضاء (1/ 269) ونقل احتجاج الإمام أحمد به، وقال الذهبي في السير (15/509): "صالح الإسناد". وللحديث شاهد من حديث حذيفة، وأبي هريرة، وأنس، وكلها فيها مقال. ينظر: نصب الراية (4/347)، والمقاصد الحسنة (رقم 1101)، وإرواء الغليل (5/109، رقم 1269).

([749]) أخرجه البخاري (963)، ومسلم (888)

([750]) أخرجه مسلم (49) (78)

([751]) عند البخاري زيادة: "لنا جذعة"

([752]) أخرجه  البخاري (955)، ومسلم (1961)

([753]) أخرجه البخاري (985)، ومسلم (1960)

([754]) ينظر: المغني (13/360)

([755]) وهو قول أبي حنيفة ومالك. المصدر السابق.

([756]) ينظر: المغني (13/367)

([757]) ينظر: الاختيارات (ص177)

([758]) أي من أوساطهن حسًبا ونسبًا. وأصل الكلمة: الواو وهو بابها، والهاء فيها عوض من الواو كعدة وزنة، من الوعد والوزن. النهاية (2/366)

([759]) السفعة: نوع من السواد ليس بالكثير. وقيل: هو سواد مع لون آخر. المصدر السابق (2/374)

([760]) أخرجه البخاري (958)، ومسلم (885) (4) واللفظ له.

([761]) أخرجه البخاري (2654)، ومسلم (87) من حديث أبي بكرة.

([762]) أخرجه  البخاري (324)، ومسلم (890).

([763]) زاد البخاري ومسلم: "فيكن خلف الناس"

([764]) أخرجه البخاري (971) واللفظ له، ومسلم (890) (11)

([765]) ينظر: المغني (3/253)

([766]) ينظر: الإنصاف (2/420)، وشرح المنتهى (2/36)، وكشاف القناع (3/393)

([767]) وهو مذهب أبي حنفية ورواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: الاختيارات (ص123)، والإنصاف (2/420).

([768]) أخرجه البخاري (1066)، ومسلم (901) (4).

([769]) أخرجه  البخاري (1041)، ومسلم (911) واللفظ له.

([770]) أخرجه البخاري (1044)، ومسلم (901) (1)

([771]) أخرجه البخاري (1046)، ومسلم (901) (3).

([772]) أخرجه البخاري (1059)، ومسلم (912).

([773]) وقال جماعة من العلماء -منهم إسحاق بن راهويه وابن جرير وابن المنذر- جرت صلاة الكسوف في أوقات، واختلاف صفاتها محمول على بيان جواز جميع ذلك؛ فتجوز صلاتها على كل واحد من الأنواع الثابتة، وهذا قوي، والله أعلم. شرح النووي على مسلم (6/199). وينظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن (4/268).

([774]) أخرجه البخاري (1303)، ومسلم (2315) من حديث أنس.

([775]) أخرجه البخاري (1024) واللفظ له، ومسلم (894). وليس عند مسلم قوله: "جهر فيهما بالقراءة"

([776]) أخرجه البخاري (1012)، ومسلم (894).

([777]) ينظر: المغني (3/338)

([778]) أخرجه أحمد (2039)، وأبو داود (1165)، والترمذي (566) و (567)، والنسائي (1521)، وابن ماجه (1266) من طريق هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة، عن أبيه، قال: أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس أسأله عن الاستسقاء، فقال ابن عباس: ما منعه أن يسألني؟ «خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متواضعًا متبذلًا، متخشعًا، متضرعًا.. فذكره.

قال الترمذي: "حسن صحيح"

([779]) ينظر: الإنصاف (2/457)، وشرح المنتهى (2/59)، وكشاف القناع (3/446)

([780]) ينظر: المغني (3/336)

([781]) شريك بن عبد الله بن أبي نمر، أبو عبد الله المدني، صدوق يخطىء، من الخامسة، مات في حدود أربعين ومائة، روى له الجماعة. التقريب (2788)

([782]) أخرجه  البخاري (1014)، ومسلم (897).

([783]) النهاية في غريب الحديث (3/156)

([784]) النهاية في غريب الحديث (4/59)

([785]) ينظر: شرح النووي على مسلم (6/191)، وفتح الباري لابن حجر (2/502).

([786]) معجم البلدان (3/236)

([787]) أخرجه البخاري (942)، ومسلم (839) (306) واللفظ له، وزاد: قال ابن  عمر: "فإذا كان خوف أكثر من ذلك، فصل راكبًا، أو قائمًا، تومىء إيماءً".

([788]) يزيد بن رومان المدني، أبو روح، مولى آل الزبير، ثقة، من الخامسة، مات سنة ثلاثين، وروايته عن أبي هريرة مرسلة، روى له الجماعة. التقريب (7712)

([789]) صالح بن خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري المدني، ثقة، من الرابعة، وخوات بفتح المعجمة وتشديد الواو وآخره مثناة، روى له الجماعة. التقريب (2852)

([790]) أخرجه البخاري (4129)، ومسلم (842).

([791]) ينظر: فتح الباري (7/422)

([792]) ينظر: المغني (3/311)

([793]) أخرجه  مسلم (840). ينظر تعقيب الزركشي على المصنف في النكت (ص155).

([794]) أخرجه  البخاري (4125).

([795]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (1/306)، والمطلع على ألفاظ المقنع (ص145).

([796]) أخرجه البخاري (1245)، ومسلم (951)

([797]) أخرجه البخاري (1317)، وليس هو عند مسلم.

([798]) ينظر: الإصابة (1/347، رقم 473)

([799]) ينظر: شرح النووي على مسلم (7/21)، وفتح الباري (3/116)

([800]) ينظر: المغني (3/446)

([801]) وهذا هو المذهب. ينظر: الإنصاف (2/533)، وشرح المنتهى (2/117)، وكشاف القناع (4/154)

([802]) ينظر: الاختيارات (ص130)، والإنصاف (2/533)

([803]) ورد من حديث مالك بن هبيرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين، إلا أوجب»، فكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف؛ للحديث. أخرجه أبو داود (3166)، والترمذي (1028)، وابن ماجه (1490) من طريق محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد اليزني، عن مالك بن هبيرة به. قال الترمذي: "حديث مالك بن هبيرة حديث حسن، هكذا رواه غير واحد عن محمد بن إسحاق، وروى إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق هذا الحديث، وأدخل بين مرثد، ومالك بن هبيرة رجلًا، ورواية هؤلاء أصح عندنا".

([804]) أخرجه مسلم (954)، وليس هو عند البخاري بهذا اللفظ.

([805]) عن أبي هريرة: في المرأة التي كانت تقم المسجد عند البخاري (458)، ومسلم (956)، ويزيد بن ثابت: عند النسائي (2022)، وعامر بن ربيعة: عند ابن ماجه (1529)، وأبي سعيد: عند ابن ماجه (1533).

وعن جابر عند النسائي 4/85.

([806]) تقدم تخريجه قريبًا.

([807]) ينظر: العدة شرح العمدة (ص129)

([808]) حدث رقم (561 – 563)

([809]) زاد البخاري ومسلم: "سَحُوليةٍ من كرسف".

([810]) أخرجه  البخاري (1264)، ومسلم (941)

([811]) هكذا أثبته شيخنا، وهذا لفظ البخاري ومسلم. وفي بعض النسخ: " أَشْعِرْنَهَا بهِ"

([812]) أخرجه  البخاري (1253)، ومسلم (939) (36)

([813]) أخرجه البخاري (1259)، ومسلم (939) (39)

([814]) أخرجه البخاري (1255)، ومسلم (939) (42 و43) وزادا: "منها".

([815]) أخرجه البخاري (1259)، ومسلم (939) (39)

([816]) هكذا أثبته شيخنا "بالهاء" كما في النسخة المطبوعة، وهذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري: "ثوبين"

([817]) أخرجه البخاري (1265)، ومسلم (1206)

([818]) أخرجه  مسلم (1206) (98)

([819]) النهاية في غريب الحديث (5/214)

([820]) ينظر: النهاية (1/417)

([821]) ينظر: حديث رقم (٧٢)

([822]) ينظر: فتح الباري (4/54)

([823]) أخرجه البخاري (2118)، ومسلم (2884) من حديث عائشة

([824]) أخرجه البخاري (1278)، ومسلم (938) (35)

([825]) أخرجه البخاري واللفظ له (1315)، ومسلم (944)

([826]) أخرجه البخاري (6512)، ومسلم (950)

([827]) أخرجه الترمذي (2460) من طريق عبيد الله بن الوليد الوصابي، عن عطية، عن أبي سعيد، به. وقال: "هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه". وينظر: ضعيف الترمذي (437).

([828]) رقم (1380)

([829]) هي أم كعب كما عند مسلم.

([830]) أخرجه  البخاري (332)، ومسلم (964)

([831]) أخرجه أبو داود (3194) واللفظ له، والترمذي (1034)، وابن ماجه (1494) من طريق نافع أبي غالب، عن أنس، به.

([832]) ذكره البخاري (1296) معلقًا، ووصله مسلم (104). ينظر: فتح الباري (3/165)

([833]) النهاية في غريب الحديث (3/48)

([834]) هذا الحديث ليس هذا موضعه بحسب ترتيب العمدة، وإنما قدمه شيخنا؛  لمناسبته للحديث الذي قبله؛ لذلك لم نعدِّل رقمه التسلسلي وأبقيناه كما هو؛ ليوافق ترتيب الأصل.

([835]) أخرجه البخاري (1294)، ومسلم (103)

([836]) أخرجه البخاري (1341) واللفظ له، ومسلم (528)

([837]) أخرجه البخاري (1330)، ومسلم (529) واللفظ له

([838]) ينظر: (النهاية في غريب الحديث) (4/255).

([839]) قال الحافظ في الفتح (3/197): واللام للأكثر مفتوحة، وفي بعض الروايات بكسرها، ورواية الفتح محمولة عليها؛ فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة من الذي يحصل له كما تقدم تقريره، وللبيهقي من طريق محمد بن علي الصائغ عن أحمد بن شبيب شيخ البخاري فيه بلفظ: حتى يصلى عليها، وكذا هو عند مسلم من طريق بن وهب عن يونس".

([840]) أخرجه  البخاري (1325)، ومسلم (945)

([841]) أخرجه  مسلم (945) (53)

([842]) أخرجه البخاري (1240)، ومسلم (2162) (5) واللفظ له، من حديث أبي هريرة

([843]) أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16) من حديث ابن عمر

([844]) ينظر: تفسير ابن كثير (7/164)

([845]) ينظر: مختار الصحاح (ص136)

([846]) أخرجه البخاري (1496)، ومسلم (19) (29)

([847]) من الألفاظ التي رويت: "فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله.. الحديث" أخرجه البخاري (1458)، ومسلم (19) (31). وأيضًا: "فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك .." أخرجه البخاري (7372).

([848]) أخرجه البخاري (1405)، ومسلم (979)

([849]) في بيان القدر الواجب من زكاة بهيمة الأنعام: ورد من حديث أنس في كتاب أبي بكر إلى البحرين عند البخاري (1454)، وفي زكاة الذهب والفضة: ورد من حديث علي عند أبي داود (1573)، وفي زكاة الخارج من الأرض: ورد من حديث ابن عمر عند البخاري (1483).

([850]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (2/171)

([851]) أخرجه البخاري (1464)، ومسلم (982)

([852]) قال ابن دقيق العيد في "الإحكام" (1/368): "هذه الزيادة ليست متفقًا عليها، وإنما هي عند مسلم فيما أعلم، والله أعلم". ولفظ مسلم (982) (10): "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر". وهذا اللفظ الذي ذكره الذي ذكره المصنف أخرجه أبو داود (1594) من طريق رجل، عن مكحول، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة، به. قال الشيخ شعيب: "وهذا إسناد ضعيف؛ لإبهام الراوي عن مكحول، ومكحول وإن أدرك عراك بن مالك، لكنه لم يسمع منه هذا الحديث بعينه".

([853]) ينظر: المغني (4/220). والمذهب: لا زكاة فيه. ينظر: الإنصاف (3/138).

([854]) ينظر تخريجه حديث رقم (١٨١).

([855]) أخرجه البخاري (1499)، ومسلم (1710)

([856]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (1/236)

([857]) المصدر السابق الموضع نفسه.

([858]) شرح العمدة للسعدي (ص568)

([859]) أخرجه البخاري (1468)، ومسلم (983). وينظر: النكت للزركشي (ص169)

([860]) أخرجه البخاري (4330) واللفظ له، ومسلم (1061)

([861]) ينظر: المطلع (ص255)

([862]) أخرجه بهذا اللفظ: أحمد (11730) وغيره، من طريق ابن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن أبي سعيد الخدري، به. قال الشيخ شعيب: "إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق، وقد صرح بالتحديث هنا، فانتفت شبهة تدليسه، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح".

([863]) النهاية في غريب الحديث (2/100)

([864]) ينظر: تفسير ابن كثير (8/381)

([865]) أخرجه البخاري (1511) واللفظ له، ومسلم (984) (14) وقوله: "على الصغير والكبير" ليس في الرواية نفسها.

([866]) أخرجه  البخاري (1503)

([867]) أخرجه البخاري (1508) واللفظ له، ومسلم (985)

([868]) أخرجه مسلم (985) (18) وزاد: "أبدًا ما عشت". وعنده في رواية (985) (21): "أنكر ذلك أبو سعيد، وقال: لا أخرج فيها إلا الذي كنت أخرج في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" فذكره.

([869]) ينظر: حاشية ابن عابدين على الدر المختار للحصفكي (2/366)

([870]) ينظر: المغني (4/295)

([871]) ينظر: المغني (4/298)

([872]) أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827) من طريق مروان بن محمد، عن أبي يزيد الخولاني، عن سيار بن عبد الرحمن، عن عكرمة، عن ابن عباس، به. قال الدارقطني في سننه (2067): "ليس فيهم مجروح". وحسنه الألباني في الإرواء (3/332، رقم 843).

([873]) ينظر: لسان العرب (12/ 350)

([874]) من طراد الخيل وهو عدوها وتتابعها، يقال: طردتُّ كلاب الصيد طردًا: نحته وأرهقته. قال سيبويه: يقال طردته فذهب، لا مضارع له من لفظه. والطريدة: ما طردت من صيد وغيره. لسان العرب (3/267). وينظر: النهاية (3/117)

([875]) هو النابغة الذبياني. ينظر: المصدر السابق

([876]) ينظر: المطلع (ص 182)

([877]) أخرجه البخاري (1914)، ومسلم (1082) واللفظ له.

([878]) أخرجه البخاري (1900)، ومسلم (1080) (8).

([879]) ينظر: المغني (4/330)

([880]) ينظر: شرح المنتهى (2/338)

([881]) ينظر: المغني (4/330)

([882]) أخرجه البخاري (1907)، ومسلم (1080) (5) من حديث ابن عمر

([883]) أخرجه مسلم (1081) (19) و(20) من حديث أبي هريرة

([884]) أخرجه البخاري (1909) ومسلم (1081) (18) من حديث أبي هريرة

([885]) ينظر: المجموع (6/275)

([886]) ينظر: شرح المنتهى (2/343)

([887]) أخرجه أبو داود (2334)، والترمذي (694)، والنسائي(2188)، وابن ماجه (1645)، وابن خزيمة (1914)، وابن حبان (3585)، والحاكم (1542) والدارقطني (2150)، من طريق أبي خالد الأحمر،  عن عمرو بن قيس، عن أبي إسحاق السبيعي، عن صلة بن زفر، قال: كنا عند عمار بن ياسر، فأتي بشاة مصلية، فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم، وقال: إني صائم، فقال عمار بن ياسر: فذكره.

قال الترمذي: "حديث عمار حديث حسن صحيح". وقال الدارقطني: "هذا إسناد حسن صحيح، ورواته كلهم ثقات". وصححه الحاكم على شرط الشيخين. وليس كذلك، فإن عمرو بن قيس لم يحتج به البخاري. وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة، فانظرها في: نصب الراية (2/ 442)، والتلخيص الحبير (2/431، رقم 894)، وإرواء الغليل (4/125، رقم 961).

([888]) أخرجه الترمذي (697) عن محمد بن إسماعيل، عن إبراهيم بن المنذر، عن إسحاق بن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن جعفر، عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، به. وقال: "هذا حديث حسن غريب".

ورواه ابن المنكدر عن أبي هريرة، ولم يسمع منه، واختلف عليه في رفعه ووقفه، وجعله بعض الضعفاء من مسند عائشة -رضي الله عنها- وبعضهم جعله من حديث محمد بن سيرين عن أبى هريرة، وكل ذلك وهم.  ينظر: علل الدارقطني (10/62، رقم 1867)، ونصب الراية (3/ 163)، والتلخيص الحبير (2/ 552)، وإرواء الغليل (4/11، رقم 905).

([889]) أخرجه البخاري (1923)، ومسلم (1095)

([890]) أخرجه البخاري (1921) واللفظ له، ومسلم (1097)

([891]) أخرجه البخاري (1926) واللفظ له، ومسلم (1109)

([892]) أخرجه البخاري (1933)، ومسلم (1155)

([893]) ينظر: شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي (ص134)

([894]) أخرجه البخاري (1936) واللفظ له، ومسلم (1111)

([895]) النهاية في غريب الحديث (1/365)

([896]) ينظر: المغني (4/380)

([897]) ينظر: المغني (4/349)

([898]) أخرجه أبو داود (2393) وابن خزيمة (1954)، والدارقطني (2305) من طريق هشام بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، بنحوه. وهذا الإسناد خالف فيه هشام بن سعد أصحاب الزهري الذين اتفقوا على روايته عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وليس هو من حديث أبي سلمة، وهشام لم يكن بالحافظ وقد أنكروا عليه هذا الحديث.

وأخرجه البيهقي (8055) من طريق إبراهيم بن سعد، قال: وأخبرني الليث بن سعد، عن الزهري، عن حميد، عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: فذكره. وأعله البيهقي بأن إبراهيم سمع الحديث عن الزهري ولم يذكر عنه هذه اللفظة، فذكرها عن الليث بن سعد عن الزهري.

وأخرجه ابن ماجه (1671) من طريق عبد الجبار بن عمر قال: حدثني يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، به بنحوه. وعبد الجبار ضعيف!

ولهذه الزيادة طرق مرسلة وشواهد لم تثبت، وقد صححها بعضهم بمجوع طرقه. ينظر: التلخيص الحبير (2/451)، وفتح الباري (4/172)، وإرواء الغليل (4/88، رقم 939).

([899]) السبر: الاختبار، والتقسيم: جعل الشيء أقسامًا. قال القرافي: والأصل أن يقال: التقسيم والسبر؛ لأنا نقسِّم أولًا، فنقول: العلة إما كذا، أو كذا، ثم نسبر، أي: نختبر تلك الأوصاف أيها يصلح علة، لكن لما كان التقسيم وسيلة السبر الذي هو الاختبار = أُخِّر عنه تأخير الوسائل، وقُدِّم السبر تقديم المقاصد، على عادة العرب في تقديم الأهم فالأهم. شرح مختصر الروضة (3/410).

([900]) التنقيح في اللغة: التخليص والتهذيب، يقال: نقحت العظم، إذا استخرجت مخه. وأما تنقيح المناط في الاصطلاح: فهو إلغاء بعض الأوصاف التي أضاف الشارع الحكم إليها؛ لعدم صلاحيتها للاعتبار في العلة. المصدر السابق (3/237).

([901]) كما في حديث جابر بن سمرة: "وكان لا يضحك إلا تبسما" أخرجه الترمذي  (3645) وقال: " حديث حسن غريب"

([902]) أخرجه البخاري (1943) واللفظ له، ومسلم (1121)

([903]) زاد مسلم: "في رمضان".

([904]) أخرجه البخاري (1947)، ومسلم (1118)

([905]) أخرجه البخاري (1945)، ومسلم  (1122)

([906]) أخرجه البخاري (1946) واللفظ له، ومسلم (1115)

([907]) (2/786) (1115) وفيه: "الذي" بدل "التي". قال الحافظ في الفتح (4/186): " تنبيه: أوهم كلام صاحب العمدة أن قوله -صلى الله عليه وسلم- "عليكم برخصة الله التي رخص لكم" مما أخرجه مسلم بشرطه، وليس كذلك، وإنما هي بقية في الحديث لم يوصل إسنادها كما تقدم بيانه، نعم وقعت عند النسائي [رقم 2258] موصولة في حديث يحيى بن أبي كثير بسنده، وعند الطبراني [19/رقم 385] من حديث كعب بن عاصم الأشعري، كما تقدم"

([908]) أخرجه البخاري (2890)، ومسلم (1119) واللفظ له

([909]) أخرجه  البخاري (1950)، ومسلم (1146)

([910]) أخرجه البخاري (1952)، ومسلم (1147)

([911]) (2400)

([912]) ينظر: المغني (4/398-399)

([913]) أخرجه البخاري (1953)، ومسلم (1148) (155)

([914]) أخرجه  مسلم (1148) (156)

([915]) أخرجه  البخاري (1957)، ومسلم (1098)

([916]) زاد البخاري: "وغربت الشمس".

([917]) أخرجه البخاري (1954) واللفظ له، ومسلم (1100)

([918]) أخرجه البخاري (1962)، ومسلم (1102)

([919]) أخرجه البخاري (1965)، ومسلم (1103)

([920]) أخرجه البخاري (1994)، ومسلم (1105)

([921]) أخرجه البخاري (1961)، ومسلم (1104)

([922]) الحديث للبخاري (1963) وليس لمسلم، وعنده: "حتى" بدل: "إلى". وينظر: النكت للزركشي (ص183).

([923]) أخرجه البخاري (1965)، ومسلم (1103) من حديث عائشة

([924]) أخرجه البخاري (69)، ومسلم (1734) من حديث أنس

([925]) في النسخة المطبوعة زيادة: " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنت الذي قلت ذلك؟)". وهي رواية مسلم، وعنده "تقول" بدل "قلت".

([926]) أخرجه البخاري (1976) واللفظ له، ومسلم (1159) (181)

([927]) أخرجه البخاري (6277) واللفظ له، ومسلم (1159) (191)، وعندهما: "صيام يوم، وإفطار يوم".

([928]) أخرجه البخاري (1131)، ومسلم (1159) (189)

([929]) كما في حديث أنس في الرهط الثلاثة الذين جاؤوا  إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال أحدهم: "أنا أصوم الدهر ولا أفطر". أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401).

([930]) أخرجه البخاري (1981)، ومسلم (721)

([931]) (755) (162) من حديث جابر: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل"

([932]) أخرجه البخاري (1984)، ومسلم (1143)

([933]) لفظ مسلم: "ورب هذا البيت".  قال الحافظ في "الفتح" (4/ 233): "وعزاها صاحب العمدة لمسلم فوهم". وأما الرواية المذكورة هنا، فهي للنسائي في "الكبرى" (2760).

([934]) أخرجه البخاري (1985)، ومسلم (1144) بنحوه.

([935]) حكاه في "الرعاية" وجهًا في المذهب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: الاختيارات (ص164)، والإنصاف (3/347).

([936]) وهذا  هو المذهب، نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب. الإنصاف (3/347). وينظر: المغني (4/426)

([937]) سعد بن عبيد الزهري، مولى عبد الرحمن بن أزهر، يكنى أبا عبيد، ثقة، من الثانية، وقيل: له إدراك، روى له الجماعة. التقريب (2248).

([938]) أخرجه البخاري (1990)، ومسلم (1137)

([939]) أخرجه مسلم مقتصرًا على الصوم فقط (1137) (138)

([940]) أخرجه البخاري بتمامه (1991). وينظر: النكت للزركشي (ص188).

([941]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (1/335)

([942]) ينظر: نفس المصدر (2/501)

([943]) أخرجه البخاري (2840)، ومسلم (1153)

([944]) أخرجه البخاري (5927)، ومسلم (1151) (163) من حديث أبي هريرة

([945]) ينظر: فتح الباري (6/48)

([946]) أخرجه البخاري (2015)، ومسلم (1165)

([947]) أخرجه البخاري (2017)، ومسلم (1169) وزادا: "من رمضان". وعند مسلم: "في العشر" دون لفظ: "الوتر". وينظر: النكت للزركشي (ص189).

([948]) أخرجه البخاري (1901)، ومسلم (760) (175) من حديث أبي هريرة

([949]) أخرجه  البخاري (2027) واللفظ له، ومسلم (1167). وينظر: النكت للزركشي (ص190)

([950]) المطلع (ص194)

([951]) ينظر: لسان العرب (9/255)

([952]) أخرجه البخاري (2026)، ومسلم (1172) (5)

([953]) أخرجه البخاري (2045)

([954]) أخرجه البخاري (2046) واللفظ له، ومسلم (297) (9)

([955]) أخرجه مسلم (297) (6)

([956]) أخرجه  مسلم (297) (7)

([957]) أخرجه البخاري (2032)، ومسلم (1656)

([958]) قال مسلم (1656): " أما أبو أسامة والثقفي، ففي حديثهما اعتكاف ليلة، وأما في حديث شعبة، فقال: جعل عليه يوما يعتكفه، وليس في حديث حفص ذكر يوم ولا ليلة".

([959]) ينظر: حاشية ابن عابدين (3/736)

([960]) في الصحيحن: "من الإنسان" وفي رواية للبخاري (2039) بلفظ: ابن آدم"

([961]) في البخاري: "سوءًا". بدل: "شرًا".

([962]) أخرجه البخاري (3281)، ومسلم (2175) (24)

([963]) أخرجه البخاري (2035)، ومسلم (2175) (25)

([964]) أخرجه أبو داوود (7426) من طريق وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن جبير بن محمد بن جبير، عن أبيه، عن جدِّه، به.

وهذا الإسناد تفرد به جبير بن محمد – وهو ابن جبير بن مطعم بن عدي- ولم يوثقه أحد غير ابن حبان، وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ولم يصرح بالسماع؛ لذلك قال البزار: " وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجه من الوجوه إلا من هذا الوجه، ولم يقل فيه محمد بن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة".   إضافة إلى اختلاف إسناده كما  في علل الدارقطني (13/423، رقم 3320). وينظر: الضعيفة (6/145، رقم 2639).

([965]) أخرجه البخاري (314)، ومسلم (332) من حديث عائشة

([966]) ينظر: فتح الباري (4/279).

([967]) أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16) من حديث ابن عمر

([968]) ينظر: لسان العرب (2/226)

([969]) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص226)

([970]) أخرجه مسلم (1337) من حديث أبي هريرة

([971]) أخرجه البخاري (1524)، ومسلم (1181)

([972]) أخرجه البخاري (1525)، ومسلم (1182)

([973]) المطلع على ألفاظ المقنع (ص373)

([974]) أخرجه البيهقي (9839) من طريق عبد الملك , عن عطاء , عن ابن عباس , أنه قال: " ما يدخل مكة  أحد من أهلها ولا من غير أهلها إلا بإحرام ". قال الحافظ في التلخيص (2/528): "وإسناده جيد، ورواه ابن عدي مرفوعًا  من وجهين ضعيفين، ولابن أبي شيبة من طريق طلحة عن عطاء عن ابن عباس قال: "لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين والعمالين وأصحاب منافعها". وفيه طلحة بن عمرو وفيه ضعف، وروى الشافعي عن ابن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز الميقات غير محرم".

([975]) أخرجه البخاري (1542)، ومسلم (1177)

([976]) زاد البخاري: "المحرمة".

([977]) أخرجه البخاري (1838)

([978]) أخرجه البخاري (1841) واللفظ له، ومسلم (1178)

([979]) هو أبو عبد الله الشيباني من قرية تسمى حرستا من أعمال دمشق، قدم أبوه العراق فولد محمد بواسط سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ونشأ بالكوفة وسمع العلم من الإمام الأعظم [أبو حنيفة] والأوزاعي والإمام مالك والثوري ومسعر بن كدام، وروى عنه الإمام الشافعي وغيره من العلماء الكرام والمشائخ العظام. الجواهر المضية في طبقات الحنفية  (1/526).

([980]) أخرجه مسلم (1184) واللفظ له، والبخاري (1549) وليس عنده زيادة ابن عمر.

([981]) أخرجه مسلم (1218) (147)

([982]) المطلع على ألفاظ المقنع (ص205)

([983]) أخرجه مسلم (1185) من حديث ابن عباس

([984]) أخرجه  البخاري (1088) واللفظ له، وعنده: "وليس معها" بدل: "إلا ومعها"، ومسلم (1339)

([985]) هذا اللفظ ليس للبخاري، وإنما هو لمسلم (1339) (420). ينظر: النكت للزركشي (ص200)

([986]) أخرجه البخاري (1087)، ومسلم (1338) (413) من حديث ابن عمر

([987]) أخرجه البخاري (1862)، ومسلم (1341) من حديث ابن عباس

([988]) عبد الله بن معقل، بفتح أوله وسكون المهملة بعدها قاف، ابن مقرن المزني، أبو الوليد الكوفي، ثقة، من كبار الثالثة، مات دون المائة، سنة ثمان وثمانين، روى له الجماعة. التقريب (3634).

([989]) أخرجه  البخاري (1816)، ومسلم (1201) (85)

([990]) أخرجه البخاري (1817)

([991]) عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي المعروف بالأشدق، تابعي ولي إمرة المدينة لمعاوية ولابنه، قتله عبد الملك بن مروان سنة سبعين، وهم من زعم أن له صحبة وإنما لأبيه رؤية، وكان عمرو مسرفًا على نفسه، من الثالثة، وليست له في مسلم رواية إلا في حديث واحد. التقريب (5034).

([992]) أخرجه البخاري (104)، ومسلم (1354)

([993]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (2/17)

([994]) ذكره المبرد في الكامل (3/33) ولم ينسبه، قال: وفي الخرابة يقول الراجز:

والخارِبُ اللصُّ يحبُّ الخاربا ... وتلك قربى مثل أن تناسبا

                         أن تشبه الضرائبُ الضرائبا

(([995] ما بين المعكوفتين زيادة من النسخة المطبوعة، واختارها شيخنا، وهي في رواية عند البخاري (2825).

([996]) أخرجه البخاري (1834)، ومسلم (1353)

([997]) النهاية في غريب الحديث (4/135)

([998]) النهاية في غريب الحديث (3/251)

([999]) ينظر: المصدر السابق (2/75)

([1000]) المصدر السابق، والإحالة نفسها

([1001]) كما في حديث ابن مسعود عند مسلم (91): "الكبر: بطر الحق، وغمط الناس".

([1002]) أخرجه البخاري (112)، ومسلم (1355) من حديث أبي هريرة

([1003]) أخرجه البخاري (2129)، ومسلم (1360) من حديث عبد اله بن زيد

([1004]) أخرجه واه البخاري (1829)، ومسلم (1198).

([1005]) أخرجه مسلم (1198) (67) بنحوه. وينظر: النكت للزركشي (ص206)

([1006]) أخرجه مسلم (1198) (67)

([1007]) أخرجه مسلم (1198) (67)

([1008]) أخرجه البخاري (1846)، ومسلم (1357)

([1009]) أخرجه البخاري (1576)، ومسلم (1257)

([1010]) ينظر: الصارم المسلول (2/13)

([1011]) كما في حديث جابر بن عبد الله عند البخاري (986) قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق».

([1012]) أخرجه البخاري (1598)، ومسلم (1329) (393).

([1013]) أخرجه مسلم (1330) (395) من حديث ابن عباس قال: أخبرني أسامة بن زيد، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما دخل البيت، دعا في نواحيه كلها، ولم يصل فيه حتى خرج .. ".

([1014]) ينظر: فتح الباري (3/465)

([1015]) أخرجه البخاري (1597)، ومسلم (1270)

([1016]) ورد في نسخة ابن الملقن "الإعلام" (6/201): (قوم قد وَهَنتَهُمْ) وهي رواية عند مسلم (1266) (240) وهي التي اعتمدها شيخنا.

([1017]) أخرجه البخاري (1602) واللفظ له، ومسلم (1266).

([1018]) أخرجه  البخاري (1871)، ومسلم (1382)

([1019]) سمي بذلك؛ لأنه من جهة الشام.

([1020]) أخرجه البخاري (1603)، ومسلم (1261)، وعندهما: "أطواف" بدل: "أشواط" وزادا: "من السبع".

([1021]) أخرجه البخاري (1607)، ومسلم (1272)

([1022]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (1/347)

([1023]) أخرجه البخاري (1609)، ومسلم (1267)

([1024]) ينظر: النهاية (2/3)

([1025]) ينظر: لسان العرب (8/328)

([1026]) سيأتي من حديث ابن عمر رقم (٢٣٥)

([1027]) نصر بن عمران بن عصام الضُّبعي، بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها مهملة، أبو جمرة بالجيم، البصري نزيل خراسان،  مشهور بكنيته، ثقة ثبت، من الثالثة، روى له الجماعة. التقريب (7122)

([1028]) أخرجه البخاري (1688) واللفظ له، ومسلم (1242).

([1029]) أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227)

([1030]) ينظر: المغني (5/251)، ومجموع الفتاوى (26/49)

([1031]) أخرجه البخاري (1085)، ومسلم (1240)

([1032]) ينظر: زاد المعاد (2/165)

([1033]) ينظر: مجموع الفتاوى (26/54). وهذا هو المذهب. ينظر: شرح المنتهى (2/451)، وكشاف القناع (6/104).

([1034]) ينظر: المغني (5/238)

([1035]) وهذا هو المذهب. ينظر: كشاف القناع (6/268).

([1036]) أخرجه البخاري (1566)، ومسلم (1229)

([1037]) أخرجه البخاري (4518)

([1038]) ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين (1/349، رقم 548). قال الحافظ في الفتح (3/ 422): "لم أر هذا في شيء من الطرق التي اتصلت لنا من البخاري، لكن نقله الإسماعيلي عن البخاري كذلك، فهو عمدة الحميدي في ذلك".

([1039]) أخرجه مسلم (1226) (172) وزاد: "قال رجل برأيه بعدُ ما شاء".

([1040]) أخرجه البخاري (1571)، ومسلم (1226) (170) ولفظه -كما عند البخاري-: "تمتعنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزل القرآن، قال رجل برأيه ما شاء".

([1041]) ينظر: صحيح مسلم (1217)

([1042]) زاد مسلم: "بيدي" وهي رواية للبخاري أيضًا (1696)

([1043]) أخرجه البخاري (1699)، ومسلم (1321) (362)

([1044]) أخرجه البخاري (1701)، ومسلم (1321) (367)

([1045]) أخرجه  البخاري (1706) وزاد: "والنعل في عنقها".

([1046]) أخرجه البخاري (1689)، ومسلم (1322) وليس عندهما: "أو ويحك" وإنما الحديث بهذه اللفظة عند البخاري (2754) من حديث أنس.

([1047]) أخرجه البخاري (1707)، ومسلم  (1317) واللفظ له.

([1048]) زياد بن جبير بن حية بن مسعود بن معتب الثقفي البصري، ثقة، وكان يرسل، من الثالثة، روى له الجماعة. التقريب (2060).

([1049]) كذا في النسخة المطبوعة، وفي البخاري "ينحرها".  وأما مسلم فلفظه: "وهو ينحر بدنته باركة".

([1050]) أخرجه البخاري (1713)، ومسلم (1320)

([1051]) أخرجه مسلم (1324) من حديث جابر

([1052]) أخرجه مسلم (1218) من حديث جابر الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم.

([1053]) عبد الله بن حنين الهاشمي مولاهم، مدني ثقة، من الثالثة، مات في أول خلافة يزيد بن عبد الملك في أوائل المائة الثانية، روى له الجماعة. التقريب (3286)

([1054]) أخرجه البخاري (1840)، ومسلم (1205) (91)

([1055]) أخرجه مسلم (1205) (92)

([1056]) ينظر: فتح الباري (1/172)

([1057]) أخرجه البخاري (1651) واللفظ له، وهو لمسلم (1216) بمعناه.

([1058]) هذا لفظ مسلم، وعند البخاري: "لبيك اللهم لبيك بالحج".

([1059]) أخرجه البخاري (1570)، ومسلم (1216)

([1060]) عندهما زيادة: "مهلين بالحج"

([1061]) عندهما زيادة: "فتعاظم الناس عندهم"

([1062]) أخرجه البخاري (1564)، ومسلم (1240)

([1063]) ينظر: مجموع الفتاوى (26/62)، وزاد المعاد (2/101)

([1064]) كما في حديث ابن عمر المتقدم

([1065]) كما في حديث عائشة عند البخاري (1562)، ومسلم (1211) (118).

([1066]) هذا العدد هو مجموع ما أهدى النبي في تلك السنة بالشراكة مع علي. قال الحافظ في الفتح (5/138): " ساق النبي -صلى الله عليه وسلم- الهدي من المدينة، وهي ثلاث وستون بدنة، وجاء علي من اليمن إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه سبع وثلاثون بدنة، فصار جميع ما ساقه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الهدي مائة بدنة، وأشرك عليًا معه فيها". وينظر: شرح النووي على مسلم (8/192)، وفتح الباري (3/555).

([1067])  كناية عن  استعمال الطيب. وهذه الرواية أخرجها أحمد (2641) من طريق أيوب السختياني، عن رجل، عن ابن عباس، به. قال الشيخ شعيب: "وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة الرجل الذي روى عنه أيوب".

([1068]) أخرجه أبو داود (1897) من طريق ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عائشة، به. وهو في مسلم (1211) بمعناه، من طريق إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عائشة -رضي الله عنها- أنها حاضت بسرف؛ فتطهرت بعرفة؛ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة، عن حجك وعمرتك».

([1069]) أخرجه البخاري (305)، ومسلم (1211)

([1070]) أخرجه البخاري (1666)، ومسلم (1286) (283)

([1071]) هكذا فسره راويه هشام بن عروة، كما ورد في البخاري ومسلم. ينظر: فتح الباري (3/518).

([1072]) أخرجه البخاري (83)، ومسلم (1036).

([1073]) عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي، أبو بكر الكوفي، ثقة، من كبار الثالثة،مات دون المائة سنة ثلاث وثمانين، روى له الجماعة. التقريب (4043)

([1074]) أخرجه البخاري (1749)، ومسلم (1296) (307).

([1075]) أخرجه البخاري (1671) من حديث ابن عباس

([1076]) تقدم تخريجه

([1077]) أخرجه مسلم (1297) من حديث جابر

([1078]) أخرجه  البخاري (1727)، ومسلم (1301) (317)

([1079]) ينظر: المغني (5/244)

([1080]) كما في حديث أنس عند مسلم (1305) «ثم قال للحلاق: خذ، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس».

([1081]) ينظر: فتح الباري (3/563)

([1082]) التمهيد (15/234)

([1083]) أخرجه البخاري (1733)، ومسلم (1211)

([1084]) أي: عقرها الله وحلقها، يعني أصابها وجع في حلقها خاصة. النهاية (1/428). قال أبو عبيد في غريب الحديث (4/212): "إنما هي كلمة جارية على ألسنتهم يقولونها من غير نية الدعاء".

([1085]) أخرجه البخاري (1771) واللفظ له، ومسلم (1211) (387)

([1086]) أخرجه البخاري (305)، ومسلم (1211)

([1087]) أخرجه البخاري (1755)، ومسلم (1328) واللفظ له.

([1088]) ينظر: المغني (5/336) وهذا هو المذهب. ينظر: شرح المنتهى (2/585)

([1089]) أخرجه البخاري (1634)، ومسلم (1315)

([1090]) ينظر: المغني (5/324) وهذا هو المذهب. ينظر: شرح المنتهى (2/585)

([1091]) أخرجه البخاري (1673) واللفظ له، ومسلم بألفاظ (1288) (287 -291). ينظر: النكت للزركشي (ص223)

([1092]) أخرجه البخاري (1824) اللفظ له، ومسلم (1196) (60)

([1093]) أخرجه البخاري (2570)

([1094]) أخرجه البخاري (1825)، ومسلم (1193) (50)

([1095]) هذه الروايات الثلاث عند مسلم برقم (1193) (54)

([1096]) ينظر: فتح الباري (4/ 33)

([1097]) أخرجه أبو داود (1851)، والترمذي (846)، والنسائي (2827)، والحاكم (1659) من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن مولاه المطلب، عن جابر قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قال النسائي: " عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث، وإن كان قد روى عنه مالك".

وقال الترمذي: والمطلب لا نعرف له سماعًا من جابر ". وينظر: التلخيص الحبير (2/585، رقم 1096)

([1098]) روى ذلك جماعة من الصحابة: ينظر: البخاري " باب غزوة خيبر" (4198) وما بعده، ومسلم  " باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية " (1407) وما بعده.

([1099]) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص 270)

([1100]) أخرجه مسلم (223) من حديث أبي مالك الأشعري

([1101]) زاد مسلم: "فإن خير أحدهما الآخر".

([1102]) أخرجه البخاري (2112)، ومسلم (1531) (44) وزادا: "وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع؛ فقد وجب البيع".

([1103]) أخرجه البخاري (2079)، ومسلم (1532).

([1104]) ينظر: المغني (6/10). وهذا هو المذهب. ينظر: كشاف القناع (7/410)

([1105]) وهذا مذهب مالك وأصحاب الرأي. المصدر السابق

([1106]) أخرجه البخاري (2144) واللفظ له، ومسلم (1512).

([1107]) أخرجه البخاري (2150)، ومسلم (1515) (11)

([1108]) أخرجه البخاري (2148). ورواه مسلم (1524) بلفظ: "ثلاثة أيام".

([1109]) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص281)

([1110]) أخرجه مسلم (1519) (17) بنحوه.

([1111]) ينظر: المطلع (ص277)

([1112]) ينظر تخريجه حديث رقم (٢٦٤)

([1113]) أخرجه مسلم (1522) (20) من حديث جابر

([1114]) أخرجه البخاري (2143)، ومسلم (1514)

([1115]) أخرجه البخاري (2194)، ومسلم (1534) ولفظهما: "المبتاع" بدل "المشتري". ووردت بلفظ "المشتري" في نسخة الحافظ ابن حجر من "الصحيح" كما في "الفتح" (4/ 396). لكن الذي في الصحيحين بلفظ: "المبتاع" وهما بمعنى واحد. وهذه الراوية أخرجها أبو داود (3367)، وهي عند مسلم من حديث ابن عمر (1535).

([1116]) أخرجه البخاري (2198)، ومسلم (1555) وعند البخاري: "يأخذ" بدل"يستحل".

([1117]) ينظر تخريجه حديث رقم (٢٧١)

([1118]) أخرجه  البخاري (2274)، ومسلم (1521) واللفظ له

([1119]) أخرجه البخاري (2205)، ومسلم (1542) (76)

([1120]) أخرجه البخاري (2381)، ومسلم (1536) (81)

([1121]) ينظر: المطلع (ص288)

([1122]) ينظر: المطلع (ص287)

([1123]) فسرها المصنف بالأنهار الكبيرة، كما سيأتي في حديث رقم (292)

([1124]) فسرها المصنف بالنهر الصغير، كما سيأتي في الموضع نفسه.

([1125]) سيأتي تخريجه برقم (٢٩٢)

([1126]) أخرجه البخاري (2237)، ومسلم (1567)

([1127]) أخرجه مسلم (1568) وهو من أفراده.  ينظر: النكت للزركشي (ص236)

([1128]) أخرجه البخاري (5696)، ومسلم (1577) (62) من حديث أنس أنه سئل عن أجر الحجام؛ فقال: احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجمه أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام..".

([1129]) أخرجه البخاري (853) من حديث ابن عمر، ومسلم (565) من حديث أبي سعيد، واللفظ له.

([1130]) ينظر: المغني (6/352)

([1131]) ينظر: منح الجليل شرح مختصر خليل (5/ 297)

([1132]) ينظر: المغني (6/119)

([1133]) أحمد بن محمد بن هانىء الطائي، ويقال الكلبي، الأثرم الإسكافي، أبو بكر، جليل القدر، حافظ إمام، سمع حرمي بن حفص، وعفان بن مسلم، وأبا بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن مسلم القعنبي، والإمام أحمد في آخرين. نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة وصنفها ورتبها أبوابًا. طبقات الحنابلة (1/66).

([1134]) (6/ 317). وينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح (3/ 195)

([1135]) أخرجه البخاري (2188)، ومسلم (1539) (60) وزاد: "من التمر".

([1136]) أخرجه مسلم (1539) (61)

([1137]) زاد مسلم: "بخرصها"، وللبخاري (2382): "بخرصها من التمر".

([1138]) أخرجه البخاري (2190)، ومسلم (1541)

([1139]) (2/ 107)

([1140]) لفظ الصحيحين: "فثمرتها". واللفظ الذي ساقه المصنف ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين (1277).

([1141]) بإثبات الهاء. هكذا اعتمده شيخنا كما في شرح ابن الملقن (7/150). ولفظ الصحيحين: "يشترط" بدون هاء. 

([1142]) أخرجه البخاري (2204)، ومسلم (1543) (77).

([1143]) أخرجه  البخاري (2379)، ومسلم (1543) (80)، وليس هو من أفراد مسلم كما قال المصنف. ينظر: النكت للزركشي (ص238)، والفتح لابن حجر (5/51)

([1144]) أخرجه البخاري (2126)، ومسلم (1526)

([1145]) أخرجه البخاري (2133)، ومسلم (1526) (36)

([1146]) أخرجه البخاري (2132)، ومسلم (1525)

([1147]) ينظر: لسان العرب (4/4)

([1148]) زاد البخاري ومسلم: "وهو بمكة".

([1149]) أخرجه البخاري (2236)، ومسلم (1581)

([1150]) النهاية في غريب الحديث (1/298)

([1151]) أخرجه الترمذي (1295)، وابن ماجه (3381) من طريق أبي عاصم الضحاك، عن شبيب بن بشر، عن أنس بن مالك قال: فذكره.  قال الترمذي: "هذا حديث غريب من حديث أنس. وقد روي نحو هذا عن ابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم".  وينظر: نصب الراية (4/263).

([1152]) ينظر: شرح النووي على مسلم (6/11)، وفتح الباري (4/425)

[1153])) هكذا أثبتاها شيخنا: "السنة والسنتين .." كما في النسخة المطبوعة، وعند مسلم: "السنة والسنتين".  وللبخاري في رواية (2239): "العام والعامين -أو قال-: عامين أو ثلاثة".

[1154])) أخرجه البخاري (2240)، ومسلم (1604)

[1155])) سيأتي في أول حديث من هذا الباب.

[1156])) أخرجه البخاري (2168) واللفظ له، ومسلم (1504)

[1157])) أخرجه الشافعي في مسنده (ص338) – ومن طريقه: أخرجه الحاكم (7990 ) والبيهقي (21433)- من طريق محمد بن الحسن، عن يعقوب بن إبراهيم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فذكره.

وخالف بشر بن الوليد محمد بن الحسن، فرواه عن  يعقوب بن إبراهيم، عن عبيد الله بن عمر، به. أخرجه ابن حبان (4950) من طريق أبي يعلى، به.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه !". ورده الذهبي.

وقال البيهقي: " قال أبو بكر بن زياد النيسابوري عقيب هذا الحديث: هذا خطأ؛ لأن الثقات لم يرووه هكذا, وإنما رواه الحسن مرسلا".

وحديث الحسن مرسلًا: أخرجه البيهقي (12381) وقال عقبه: "وروي هذا موصولًا من وجه آخر عن ابن عمر، وليس بصحيح".  وينظر: التلخيص الحبير (4/510، رقم 2151)، وإرواء الغليل (6/109، رقم 1668).

([1158]) "قال" زيادة من نسخ بعض العمدة، وهو الذي اعتمده شيخنا. 

([1159]) عند مسلم: "بوقية" في الموضعين.

([1160]) أخرجه البخاري (2718)، ومسلم (715) (109)، (3/1221) واللفظ له

([1161]) أخرجه الحاكم في علوم الحديث (ص128)، والطبراني في الأوسط (4361)، وابن حزم في المحلى (7/324) من طريق عبد الوارث بن سعيد، عن أبي حنيفة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، به. وينظر: التلخيص الحبير (3/32، رقم 1150).

([1162]) أخرجه البخاري (2140)، ومسلم (1413).

([1163])  أخرجه البخاري (5152)، ومسلم (1408) (38)

([1164]) ينظر: مختار الصحاح (ص117)

([1165])  أخرجه البخاري (2134)، ومسلم (1586)، وزادا: "والتمر بالتمر ربًا إلا هاء وهاء".

([1166])  أخرجه البخاري (2177)، ومسلم (1584) (75)

([1167])  أخرجه  مسلم (1584) (76)

([1168])  أخرجه مسلم (1584) (77)

([1169])  هذه رواية مسلم، وعند البخاري بالتكرار مرتين، ولم يكرر مسلم قوله: "عين الربا".

([1170])  أخرجه  البخاري (2312)، ومسلم (1594)

([1171]) أبو المنهال: عبد الرحمن بن مطعم البُناني، بضم الموحدة ونونين الأولى خفيفة، أبو المنهال البصري، نزل مكة، ثقة، من الثالثة، مات سنة ست ومائة، روى له الجماعة. التقريب (4007). قال الحافظ في الفتح (4/297): "تنبيه: أبو المنهال المذكور في هذا الإسناد غير أبي المنهال صاحب أبي برزة الأسلمي في حديث المواقيت، واسم هذا: عبد الرحمن بن مطعم، واسم صاحب أبي برزة سيار بن سلامة". وقد تقدمت ترجمة أبي المنهال سيار بن سلامة – صاحب أبي بردة- في كتاب الصلاة حديث رقم (54).

([1172])  أخرجه البخاري (2180، 2181)، ومسلم (1589) (87)

([1173])  أخرجه  البخاري (2182)، ومسلم (1590) واللفظ له

([1174])  أخرجه مسلم (1587) (81)

([1175])  ينظر: المحلى (7/401)

([1176])  ينظر: سبل السلام (2/51)

([1177])  ينظر: المغني (6/54)

([1178])  ينظر: المغني، الموضع نفسه.

([1179])  وهذا هو المذهب. ينظر: الإنصاف (5/11)، وشرح المنتهى (3/245).

([1180])  وهذا هو المذهب. المصدران السابقان، الموضع نفسه.

([1181])  ينظر: الإصابة (1/455، رقم 736)

([1182]) ينظر: فتح الباري (4/490)

([1183])  ينظر: إعلام الموقعين (3/182)

([1184])  ينظر: النهاية في غريب الحديث (1/82)

([1185](1587) (80)

([1186])  ينظر: لسان العرب (13/188)

([1187])  ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص296)

([1188])  أخرجه البخاري (2068)، ومسلم (1603) (125)

([1189])  أخرجه الشافعي في مسنده (ص139)، والبيهقي (11196) من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا. وينظر: فتح الباري (1/279)

([1190])  أخرجه البخاري (2916)

([1191]) وقد ورد في تقدير الطعام: ثلاثين صاعًا كما في الحديث الآتي، وعشرين كما عند الترمذي (1214) من طريق هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس. ووقع لابن حبان (5937) من طريق شيبان، عن قتادة، عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارًا. وينظر: فتح الباري (5/141).

([1192])  أخرجه البخاري (2916)

([1193]) قال الحافظ في الفتح (5/141): "قال العلماء: الحكمة في عدوله -صلى الله عليه وسلم- عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود: إما لبيان الجواز، أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجة غيرهم، أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمنًا أو عوضًا فلم يرد التضييق عليهم، فإنه لا يبعد أن يكون فيهم إذ ذاك من يقدر على ذلك وأكثر منه، فلعله لم يطلعهم على ذلك، وإنما أطلع عليه من لم يكن موسرًا به ممن نقل ذلك، والله أعلم".

([1194])  أخرجه مسلم (1592)

([1195])  أخرجه  البخاري (2287)، ومسلم (1564)

([1196])  ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص299)

([1197])  وهذا هو المذهب، وهو من المفردات. ينظر: الإنصاف (5/ 227)، وشرح المنتهى (3/400)

([1198])  ينظر: المغني (7/62).

([1199])  أخرجه البخاري (2402)، ومسلم (1559)

([1200])  ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص 304)

([1201])  أخرجه البخاري (2213) واللفظ له، ومسلم  (1608) بلفظ آخر.

([1202])  ينظر: المطلع (ص335)

([1203]) وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد اختارها ابن عقيل، وشيخ الإسلام ابن تيمية. والمذهب: لا شفعة فيما لا يمكن تقسيمه. ينظر: المغني (7/441)، والاختيارات (ص243)، والإنصاف (6/256)، وشرح المنتهى (4/198).

([1204]) ينظر:  المغني (7/441)

([1205])  أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (6015) من طريق يوسف بن عدي قال: حدثنا ابن إدريس، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر، به.  وقد رواه جماعة من الثقات الأثبات عن عبد الله بن إدريس، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر بلفظ: «قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل شركة لم تقسم.. الحديث». أخرجه مسلم (1608) (134) وغيره.

وللحديث شاهد من حديث ابن عباس: أخرجه الترمذي (1371)، والدارقطني (4525) من طريق أبي حمزة السكري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء ". لكنه أعل بالإرسال. قال الترمذي: " هذا حديث لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث أبي حمزة السكري، وقد روى غير واحد، عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهذا أصح".

وقال الدارقطني عقبه: "خالفه شعبة , وإسرائيل , وعمرو بن أبي قيس , وأبو بكر بن عياش، فرووه  عن عبد العزيز بن رفيع, عن ابن أبي مليكة  مرسلا، وهو الصواب , ووهم أبو حمزة في إسناده".  وينظر: الضعيفة (3/60، رقم 1009).

([1206])  ينظر: (2/ 92).

([1207]) البالُوعة والبَلُّوعةُ، لغتان: بئر تحفر في وسط الدار ويضيق رأسها يجري فيها المطر، وفي الصحاح: ثقب في وسط الدار، والجمع البلاليع، وبالوعة لغة أهل البصرة. لسان العرب (8/20)

([1208])  ينظر: المغني (7/524)

([1209])  ينظر: المصدر السابق، والإنصاف (6/312)، وشرح المنتهى (4/230)

([1210](1/ 586) وما بعدها.

([1211])  أخرجه البخاري (2737)، ومسلم (1632).

([1212])  ينظر: لسان العرب (9/ 359)

([1213])  ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص 344)

([1214])  وهي عبارة الموفق في المقنع. ينظر: الإنصاف (7/3)

([1215])  أخرجه مسلم (1631) من حديث أبي هريرة

([1216])  أخرجه البخاري (1461)، ومسلم (998) من حديث أنس

([1217])  أخرجه البخاري (1490)، ومسلم (1620)

([1218])  أخرجه البخاري (2623)، ومسلم (1620) بنحوه

([1219])  أخرجه البخاري (2621)، ومسلم (1622)

([1220])  ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص 352)

([1221])  أخرجه البخاري (2587)، ومسلم (1623) (13) واللفظ له

([1222])  أخرجه مسلم (1623) (14)

([1223])  أخرجه مسلم (1623) (17)

([1224])  ينظر: المغني (8/256)

([1225])  أخرجه البخاري (2329)، ومسلم (1551)

([1226])  أخرجه البخاري (2327)، ومسلم (1547) (117) واللفظ له

([1227])  أخرجه مسلم (1547) (116)

([1228])  ينظر: المطلع (ص 314)

([1229])  ينظر: المطلع (ص 315)

([1230])  ينظر: القواعد النورانية (ص 197)

([1231])  أخرجه البخاري (2625) واللفظ له، ومسلم (1625) (25)

([1232])  أخرجه مسلم (1625) (20)

([1233])  أخرجه مسلم (1625) (23)

([1234])  أخرجه مسلم (1625) (26)

([1235]) أخرجه أحمد (8784)، وأبو داود (3594)، وابن حبان (5091)، والحاكم (2309) من طريق سليمان بن بلال، عن كثير بن زيد الأسلمي، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة، به.

قال الذهبي: " كثير ضعفه النسائي ومشاه غيره".

 وأخرجه الترمذي (1352) وابن ماجه (2353) من طريق  كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده مرفوعًا.

قال الترمذي: " هذا حديث حسن صحيح". وتعقب بأن كثير بن عبد الله المزني ضعيف جدًا، بل نسبه الأئمة النقاد إلى الكذب كما الميزان (3/406، رقم 6943). وللحديث شواهد. ينظر: التلخيص الحبير (3/63، رقم 1195)، وإرواء الغليل (5/142، رقم 1303).

([1236])  أخرجه البخاري (2463)، ومسلم (1609)

([1237])  أخرجه البخاري (2453)، ومسلم (1612)

([1238])  ينظر: المطلع (ص 330)

([1239])  ينظر: فتح الباري (5/ 105)

([1240])  أخرجه البخاري (91)، ومسلم (1722) (5) واللفظ له

([1241])  ينظر: المطلع (ص 340)

([1242]) في النسخة المطبوعة: "باب الوصايا"، وأدرجت في كتاب البيوع مع باب الفرائض، وجعلها شيخنا كتابًا مستقلًا وضمنها باب الفرائض، وكذا في نسخة ابن الملقن "الإعلام" (8/7) غير أنه ألحق بكتاب الوصايا أبوابَ النكاح والطلاق.

([1243])  ينظر: القاموس المحيط (ص 1343)

([1244])  ينظر: المطلع (ص 356)

([1245])  أخرجه البخاري (2738)، ومسلم (1627)

([1246])  أخرجه مسلم (1627) (4)

([1247])  أخرجه البخاري (1295)، ومسلم (1628)

([1248])  أخرجه البخاري (2743)، ومسلم (1629)

([1249]) لحديث: "لا وصية لوارث" وقد روي عن جماعة من الصحابة، ساق الزيلعي في " نصب الراية " (4/ 403) أسانيده عن أبي أمامة، وعمرو بن خارجة، وأنس، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وجابر، وزيد بن أرقم، والبراء، وعلي بن أبي طالب، وخارجة بن عمرو -رضي الله عنهم- وقد توسع في الكلام على طرقه؛ فارجع إليه.

([1250])  ينظر: الإصابة (3/61، رقم 3201)

([1251])  سبق تخريجه في كتاب البيوع، باب الشروط في البيع.

([1252])  أخرجه البخاري (6732)، ومسلم (1615) (2)

([1253])  أخرجه مسلم (1615) (4)

([1254])  أخرجه البخاري (6736)

([1255])  سبق تخريجه في كتاب البيوع، باب الرهن وغيره، حديث رقم (٢٨٥)

([1256])  ينظر: جامع العلوم (2/437)

([1257]) ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان الفاسي (2/106)

([1258])الربع: المنزل ودار الإقامة، وربع القوم محلتهم، والرباع جمعه. النهاية (2/189).

([1259]) أخرجه البخاري في مواضع مفرقًا ومجموعًا. ينظر: (1588) و(3058) و(4282)، ومسلم (1614)، وليس الحديث عندهما بهذا السياق الذي ذكره المصنف. ينظر: الإعلام لابن الملقن (8/63).

([1260]) ينظر: الإقناع لابن القطان (2/109)

([1261]) ينظر: المغني (9/154)، والإقناع لابن القطان، الإحالة نفسها.

([1262]) أخرجه البخاري (2535)، ومسلم (1506)

([1263]) في كتاب البيوع، باب الشروط في البيع، حديث رقم (٢٧٥)

([1264]) سبق تخريجه.

([1265]) سبق من حديث أم المؤمنين عائشة برقم  (٢٧٥)، وسيأتي.

([1266]) هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: "كانت".

([1267]) أخرجه البخاري (5097)، ومسلم (1504) (14) واللفظ له.

([1268]) حديث رقم (275)

([1269]) ينظر: البخاري (5280-5282)، ومسلم (1504) (13)

([1270]) أخرجه البخاري (5283) بنحوه

([1271]) ينظر: لسان العرب (2/625)

([1272]) أخرجه البخاري (1905)، ومسلم (1400)

([1273]) قوله: "فبلغ ذلك النبي.." هكذا أثبتها شيخنا كما  في شرح ابن دقيق العيد (2/182)، وهي ليست في الصحيحين، أخرجها أحمد في مسنده (13534).

([1274]) أخرجه البخاري (5063) بمعناه، ومسلم (1401) واللفظ له، دون قوله " فبلغ ذلك النبي". وينظر: النكت للزركشي (ص271).

([1275]) أخرجه  البخاري (5073)، وسلم (1402)

([1276]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (1/94)

([1277]) ينظر: النهاية (1/160)

[1278])) النهاية (5/152)

[1279])) ينظر: مجموع الفتاوى (34/229)

([1280]) أي لم أجدك خاليًا من الزوجات غيري. وليس من قولهم: امرأة مخلية إذا خلت من الزوج. النهاية (2/74).

[1281])) أخرجه البخاري (5101)، ومسلم (1449)

[1282])) عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه مشهور، من الثالثة، مات قبل المائة، سنة أربع وتسعين على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عثمان، روى له الجماعة. التقريب (4561)

[1283])) قال الحافظ في الفتح (9/145): "ذكرها بن منده في الصحابة، وقال: اختلف في إسلامها. وقال أبو نعيم: لا نعلم أحدًا ذكر إسلامها غيره. والذي في السير: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكرمها، وكانت تدخل عليه بعد ما تزوج خديجة، وكان يرسل إليها الصلة من المدينة إلى أن كان بعد فتح خيبر ماتت ومات ابنها مسروح".

[1284])) قول عروة هذا: تفرد به البخاري دون مسلم. وينظر: النكت للزركشي (ص272)

[1285])) النهاية في غريب الحديث (1/466)

[1286])) أخرجه البخاري (5109)، ومسلم (1408)

([1287]) في قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23].

([1288]) أخرجه البخاري (2721) واللفظ له، ومسلم (1418)

([1289]) زاد البخاري: "الآخر"

([1290]) أخرجه البخاري (5112)، ومسلم (1415)

([1291]) أخرجه البخاري (5115)، ومسلم (1407) (30) واللفظ له

([1292]) اختلف في جملة تفسير الشغار، هل هي من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أم من كلام الرواة؟  ينظر: فتح الباري (9/ 162).

([1293]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (2/482)

([1294]) وهذا هو المذهب، نص عليه. ينظر: الإنصاف (8/ 160)، وشرح المنتهى (5/184). وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن علة بطلان نكاح الشغار من اشتراط عدم المهر، فإن سموا مهرًا صح. ينظر: الاختيارات (ص315).

([1295]) ينظر: المغني (10/42)

([1296]) ينظر: مجموع فتاوى ابن باز (20/278)

([1297]) المطلع (ص 392)

([1298]) ينظر: شرح مسلم للنووي (9/179)، وفتح الباري لابن حجر (9/167).

([1299]) ينظر: ما سبق، والإقناع لابن القطان (2/16)

([1300]) أخرجه البخاري (5136)، ومسلم (1419)

([1301]) سيدا و (CEDAW) اختصار لكلمات  (Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination Against Women)  وتعني "اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة". وهي اتفاقية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1979، ودخلت حيز التنفيذ كاتفاقية دولية في 3 سبتمبر 1981، وفي عام 1989 وافقت على الالتزام بها مئة دولة، أي بعد عشر سنوات من اعتمادها. تضمنت 30 مادة، تدور حول ما يسمونه بالدفاع عن حقوق المرأة ضد التمييز الديني والعرقي، ووجوب تسويتها بالرجل في جميع المستويات.  ينظر نص بنود الاتفاقية في الرابط التالي:   http://www.un.org/womenwatch/daw/cedaw/text/0360793A.pdf

([1302]) أخرجه البخاري (2639)، ومسلم (1433)

([1303]) ينظر: الاختيارات (ص368)

([1304]) ينظر: النهاية (5/249)

([1305]) عند البخاري زيادة: "الرجل"

([1306]) سبقت ترجمته في كتاب الصلاة عند الحديث رقم (٩٨).

([1307]) أخرجه البخاري (5214)، ومسلم (1461)

([1308]) أخرجه  البخاري (6388)، ومسلم (1434)

([1309]) أخرجه مسلم (2708) من حديث خولة بنت حكيم.

([1310]) أخرجه البخاري (5232)، ومسلم (2172) (20)

([1311]) أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح، أبو الطاهر المصري، ثقة، من العاشرة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. التقريب (85)

([1312]) عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري الفقيه، ثقة حافظ عابد، من التاسعة، روى له الجماعة. التقريب (3694)

([1313]) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من السابعة، روى له الجماعة (5684).

([1314]) أخرجه مسلم (2172) (21)

([1315]) أخرجه مسلم (2740) من حديث أسامة بن زيد

([1316]) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص396)

([1317]) أخرجه البخاري (5086)، ومسلم في النكاح (1365) (85).

([1318]) ينظر: المغني (9/452)

([1319]) نص عليه أحمد في رواية الجماعة؛ كما في المغني. وينظر: الإنصاف (8/99).

([1320]) أخرجه البخاري (2310)، ومسلم (1425) بنحوه.

([1321]) أخرجه مسلم (1425) (77) من طريق زائدة  قال: «انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن»

([1322]) ينظر: الاختيارات (ص293)

([1323]) ورد بهذا اللفظ عند البخاري (5030)، ومسلم (1425) (76).

([1324]) أخرجه البخاري (2049)، ومسلم (1427) بنحوه.

([1325]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (2/215)

([1326]) أخرجه البخاري (5167)، ومسلم (1427) (82)

([1327]) وهي كلمة يمانية. النهاية (4/378)

([1328]) وهي قول بعض أصحاب الشافعي. المغني (10/193)

([1329]) ينظر: المغني (10/192)

([1330]) أخرجه البخاري (5177)، ومسلم (1432) من حديث أبي هريرة

([1331]) كما في نسخة ابن الملقن: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (8/335)

([1332]) المطلع (ص405)

([1333]) ينظر: المغني (10/323)

([1334]) زاد البخاري ومسلم: "طاهرًا"

([1335]) أخرجه البخاري (4908) واللفظ له، ومسلم (1471).

([1336]) زاد مسلم: "أخرى".

([1337]) أخرجه مسلم (1471) (4)

([1338]) لفظ مسلم: "أمر" بدون هاء.

([1339]) أخرجه مسلم (1471) (4)

([1340]) ينظر: المغني (10/327)

([1341]) أخرجه البخاري (5253)، ومسلم (1471) (2/1095)

([1342]) هذه الرواية لمسلم: (1480) (38).

([1343]) هذه الرواية لمسلم (1480) (37)

([1344]) أخرجه مسلم (1480) وهو من أفراده. ينظر: النكت للزركشي (ص282).

([1345]) ينظر: الإصابة (3/45، رقم 3152)

([1346]) ينظر ترجمته في الإصابة (7/161، رقم 10060)

([1347]) هو الزهري، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، وكنيته أبو بكر، الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه وثبته، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، روى له الجماعة. التقريب (6296).

([1348]) الحديث بهذا اللفظ لمسلم (1484)، وأخرجه البخاري مختصرًا (5319-5320).

([1349]) أخرجه أحمد (4273) من طريق غندر محمد بن جعفر، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاس، وعن أبي حسان، عن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن مسعود، به. وأعله أحمد بالإرسال، فقال في كتاب "العلل " لعبد الله (4795): " أخطأ فيه غندر، فقال: عن عبد الله (يعني ابن مسعود) ، وخالفوه، ليس هو عن عبد الله، يعني مرسلًا".

([1350]) قوله: "على ميت" هذه الزيادة اعتمدها شيخنا كما في نسخة ابن الملقن (8/388)، وهي رواية البخاري (1280)

([1351]) أخرجه البخاري (1280)، ومسلم (1486) (59) واللفظ له.

([1352]) أخرجه البخاري (5342 -5343)، ومسلم في كتاب الطلاق (938) (66) واللفظ له.

([1353]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 245)

([1354]) أخرجه  البخاري (5336 - 5337)، ومسلم (1488 - 1489) واللفظ له.

([1355]) ينظر: النهاية في غريب الحديث (1/407)

([1356]) المصدر السابق (3/454)

([1357]) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص 423)

[1358])) كما في نسخة ابن الملقن "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (8/419).

[1359])) ينظر: لسان العرب (13/388)

[1360])) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص420)

[1361])) إلى هنا اللفظ لمسلم (1493) (4).

[1362])) هذه الجملة للبخاري (5312)، وهي لمسلم أيضًا (1493) (6) دون قوله: ثلاثاً.

[1363])) أخرجه البخاري (5350)، ومسلم (1493) (5)

[1364])) أخرجه البخاري (5748) واللفظ له، ومسلم (1494)

[1365])) الخنا: الفحش. ينظر: النهاية (2/86).

[1366])) أخرجه  البخاري (5305)، ومسلم (1500).

[1367])) ينظر: النهاية في غريب الحديث (5/175)

[1368])) ينظر: إعلام الموقعين (1/152)

[1369])) أخرجه  البخاري (2218)، ومسلم (1457).

[1370])) قال الجوهري: السرية: الأمة التي بوأتها بيتًا، وهي: فعلية، منسوبة إلى السر، وهو الجماع والإخفاء؛ لأن الإنسان كثيرًا ما يسرُّ بها ويسترها عن حرَّتِه،  وإنما ضمت سينه؛ لأن الأبنية قد تغير في النسبة خاصة، كما قالوا في النسبة إلى الدهر: دُهْرِيٌّ، وإلى الأرض السهلة: سُهْلِيٌّ، والجمع السراري. المطلع (ص146)

[1371])) مجزّز المدلجي، وهو ابن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج الكناني، ذكره ابن يونس في «تاريخ مصر» قال: وذكروه في كتبهم- يعني كتب من شهد فتح مصر-  واحتمال أن يكون قال ما قال في حقّ زيد وأسامة قبل أن يسلم، واعتبر قوله لعدم معرفته بالقافة، لكن قرينة رضا النبيّ -صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وقربه يدلّ على أنه اعتمد خبره، ولو كان كافرًا لما أعتمده في حكم شرعي. الإصابة (5/575، رقم 7747).

[1372])) أخرجه البخاري (6770)، ومسلم (1459).

[1373])) أخرجه مسلم (1459) (40).

[1374])) القائف: الذي يتتبع الآثار ويعرفها، ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه، والجمع: القافة. يقال: فلان يقوف الأثر ويقتافه قيافة، مثل: قفا الأثر واقتفاه. النهاية (4/121). وينظر: المطلع (ص343).

[1375])) أخرجه البخاري (3556)، ومسلم (2769) (53)

[1376])) النهاية (2/359)

[1377])) ينظر: المغني (8/371)

([1378]) وينظر: زاد المعاد (5/374)

[1379])) أخرجه البخاري (2229)، ومسلم  (1438) (132) واللفظ له.

[1380])) أخرجه البخاري (5208)، ومسلم (1440). والشطر الأخير ليس عند البخاري.

[1381])) هذه الجملة لمسلم فقط. قال بعد كلام جابر السابق: "زاد إسحاق، قال سفيان.. ثم ذكره. قال الحافظ في "الفتح" (9/ 305): "هذا ظاهر في أن سفيان قاله استنباطاً، وأوهم كلام صاحب "العمدة" ومن تبعه أن هذه الزيادة من نفس الحديث فأدرجها، وليس الأمر كذلك؛ فإني تتبعته من المسانيد فوجدت أكثر رواته عن سفيان لا يذكرون هذه الزيادة، وشرحه ابن دقيق العيد على ما وقع في العمدة".

[1382])) المطلع (ص 401)

[1383])) سبق تخريجه في كتاب الطهارة برقم (٣٦)

[1384])) ينظر: المغني (10/228)

[1385]))  وهذا هو المذهب، نص عليه. ينظر: الإنصاف (8/348)، وشرح المنتهى (5/309)

[1386])) ينظر: المحلى (9/222)

[1387])) (5/ 128)

[1388])) أخرجه مسلم (1442) (141) من حديث جدامة بنت وهب.

[1389])) أخرجه مسلم (61)

[1390])) أخرجه البخاري برقم (3508) ولفظه: "ليس من رجل ادعى لغير أبيه -وهو يعلمه- إلا كفر بالله، ومن ادعى قومًا ليس له فيهم نسب، فليتبوأ مقعده من النار".

[1391])) ينظر: شرح مسلم للنووي (2/ 49)، وفتح الباري (6/ 540)

[1392])) أخرجه البخاري (5219)، ومسلم (2130) من حديث أسماء.

([1393]) ينظر: لسان العرب (8/125)

([1394]) أخرجه البخاري (2645)، ومسلم (1447). وعنده "من الرحم" بدل: "من النسب".

([1395]) أخرجه البخاري (5099)، ومسلم (1444) بنحوه.

([1396]) ينظر: المغني (11/310)

([1397]) أخرجه مسلم (1451) (20) بنحوه من حديث أم الفضل زوجة العباس. وروى عنها برقم (1451) (18) بلفظ: «لا تحرم الإملاجة والإملاجتان». وعن عائشة برقم (1451) (17) بلفظ: «لا تحرم المصة والمصتان».

([1398]) أخرجه البخاري (5088)، ومسلم (1453) من حديث عائشة وليس فيهما عدد الرضعات. وزاد أبو داود بإسناد ضعيف: فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أرضعيه) فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة؛ فبذلك كانت عائشة تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها، وإن كان كبيرًا، خمس رضعات، ثم يدخل عليها".  

وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (13887) ومن طريقه أحمد (25650) عن ابن جريج، قال: أخبرنا ابن شهاب، أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة، به. وفيه: (ارضعيه خمس رضعات، فكان بمنزلة ولده من الرضاعة). قال الشيخ شعيب: "إسناده صحيح على شرط الشيخين، ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز، وقد صرح بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه".

([1399]) ينظر: الفروع مع التصحيح (9/281)، والإنصاف (9/334)

([1400]) ينظر: المغني (11/309)، والإنصاف (9/334)، وشرح المنتهى (5/632)

([1401]) عم عائشة من الرضاعة. قال ابن منده: عداده في بني سليم، وقال أبو عمر: يقال: إنه من الأشعريين. الإصابة (1/250، رقم 227)

([1402]) أخرجه البخاري (4796)، ومسلم (1445)

([1403]) أخرجه البخاري (2644)

([1404]) ينظر: النهاية (1/184)

([1405]) أخرجه مسلم (2136) من حديث سمرة بن جندب

([1406]) ينظر: تحفة المودود (ص115)

([1407]) أخرجه البخاري (2647)، ومسلم (1455)

([1408]) روي هذا المعنى بألفاظ متقاربة، وأقربها لهذا اللفظ: ما أخرجه ابن عدي في الكامل (8/399)، والدارقطني (4364) والبيهقي (15669) من طريق الهيثم بن جميل، عن ابن عيينة , عن عمرو بن دينار , عن ابن عباس , قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  «لا رضاع إلا ما كان في الحولين».

قال ابن عدي: "وهذا يعرف بالهيثم بن جميل، عن ابن عيينة مسندًا، وغير الهيثم يوقفه على بن عباس، والهيثم بن جميل يلغط كثيرًا على الثقات كما يغلط غيره، وأرجو أنه لا يتعمد الكذب".

وقال الدارقطني: "لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ".

وقال ابن عبد الهادي في التنقيح (4/453): "والهيثم بن جميل: وثقه الإمام أحمد والعجلي وابن حبان  وغير واحد، وكان من الحفاظ، إلا أنه واهم في رفع هذا الحديث، فإن الصحيح وقفه على ابن عباس، رواه سعيد بن منصور عن سفيان موقوفا". وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة انظرها في تحقيق "المسند" للشيخ شعيب (7/185، رقم 4114).

([1409]) عقبة بن الحارث: بن عامر بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، أبو سِرْوَعة في قول أهل الحديث. ويقال: إن أبا سروعة أخوه، وهو قول أهل النسب، وصوّبه العسكري. وقيل: إن أبا سروعة أخو عقبة لأمه، وجزم به مصعب الزبيري. من مسلمة الفتح، مات في خلافة ابن الزبير. ينظر: الإصابة (4/427، رقم 5608)

([1410]) أم يحيى بنت أبي إهاب: واسمها غَنِيَّةُ، بفتح الغين المعجمة ثم نون ثم مثناة تحت ثم هاء، بنت أبي إهاب بن عزيز بن قيس بن سويد بن ربيعة بن زيد بن عبد الله بن دارم. حكى ذلك الدارقطني عن الزبير بن بكار. وهي امرأة جبير بن مطعم، وأم ولده نافع ومحمد. ينظر: غوامض الأسماء المبهمة لابن بشكوال (ص 454).

([1411]) أخرجه البخاري (2659) وزاد: "فنهاه عنها". وهو من أفراده، ولم يخرجه مسلم بل لم يخرج شيئًا لعقبة بن الحارث أصلًا. ينظر: النكت للزركشي (ص298).

([1412]) ينظر: المغني (11/340)

([1413]) وهذا هو المذهب، وهو من المفردات. ينظر: الإنصاف (9/348)، وشرح المنتهى (5/643).

([1414]) أخرجه البخاري (2699) ورواه أيضًا برقم (4251) وزاد: "قال عليٌّ: ألا تتزوج بنت حمزة؟ قال: إنها بنت أخي من الرضاعة". وليس هذا الحديث في مسلم بهذا السياق، ومراد من جعله متفقًا عليه كالحميدي في "الجمع بين الصحيحين" (858) وغيره: قصة صلح الحديبية، وهي عند مسلم (1783)، والمذكور هنا طرف منه اختصره هنا المصنف. وينظر: النكت للزركشي (ص299).

([1415]) المطلع (ص437)

([1416]) لسان العرب (7/76)

([1417]) أخرجه  البخاري (6878)، ومسلم (1676)

([1418]) ينظر: بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح (2/221)

([1419]) أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22) من حديث ابن عمر

([1420]) أخرجه مسلم (1690) من حديث عبادة

([1421]) أخرجه البخاري (3017) من حديث ابن عباس

([1422]) أخرجه البخاري (6533)، ومسلم (1678)، واللفظ له

([1423]) أخرجه أحمد (9494 )، والبخاري في "التاريخ الكبير" (2/33)، وأبو داود (864)، والحاكم (965) من طريق الحسن البصري، عن أنس بن حكيم الضبي، عن أبي هريرة، به.

وأخرجه البخاري في تاريخه (2/34) من طرق، عن الحسن موقوفًا.

وأخرجه الترمذي (413)، والنسائي (465) من طريق الحسن، عن حريث بن قبيصة، عن أبي هريرة، به.

وروي غير ذلك، وقد اختلف في إسناده على الحسن اختلافًا كثيرًا فيما بينه الدارقطني في "العلل" (8/244، رقم 1551) ثم قال: "وأشبهها بالصواب قول من قال: عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبي، عن أبي هريرة.

وأنس بن حكيم جهَّله علي ابن المديني وغيره، لكن تابعه علي بن زيد بن جدعان: أخرجه أحمد (7902)، وابن ماجه (1425) وعلي بن زبد ضعيف!

والحاصل أن الحديث كما قال المزي في "تهذيب الكمال" 3/346 : "حديث مضطرب، منهم من رفعه، ومنهم من شك في رفعه، ومنهم من وقفه، ومنهم من قال: عن الحسن، عن رجل من بني سليط، عن أبي هريرة، ومنهم من قال: عن الحسن عن أبي هريرة".

([1424]) سهل بن أبي حثمة: بن ساعدة بن عامر بن عدي بن مجدعة الأنصاريّ الأوسيّ. اختلف في اسم أبيه، فقيل عبد اللَّه، وقيل عامر. وأمّه أم الرّبيع بنت سالم بن عدي بن مجدعة. قيل: كان لسهل عند موت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سبع سنين أو ثمان سنين، وقد حدّث عنه بأحاديث، وحدّث أيضا عن زيد بن ثابت، ومحمد بن مسلمة. روى عنه ابنه محمد، وابن أخيه محمد بن سليمان بن أبي حثمة، وبشير بن يسار، وصالح بن خوّات، ونافع بن جبير، وعروة، وغيرهم. الإصابة (3/163، رقم 3536).

([1425]) عبد الله بن سهل بن زيد بن حارثة الأنصاري الحارثي، قتل بخيبر، ووقع في رواية ابن إسحاق أنه خرج مع أصحابه إلى خيبر يمتارون تمرًا؛ فوجد في عين قد كسرت عنقه ثم طرح فيها. الإصابة (4/106، رقم 4751)

([1426]) عبد الرحمن بن سهل بن زيد بن حارثة الأنصاري الحارثي، أخو عبد اللَّه ابن عمّ حويصّة ومحيّصة. الإصابة (4/265، رقم 5153)

([1427]) حويّصة ومحيّصة: ابنا مسعود  بن كعب بن عامر بن عديّ بن مجدعة الأوسي الأنصاريّ، وكان محيصة أصغر من حويصة، وأسلم قبله، روى ابن إسحاق من حديث محيّصة أن النبي -صلّى اللَّه عليه وسلّم- قال بعد قتل كعب بن الأشرف: «من ظفرتم به من يهود فاقتلوه» . فوثب محيّصة على تاجر يهودي فقتله، فجعل حويّصة يضربه، وكان أسنّ منه، وذلك قبل أن يسلم حويّصة. الإصابة (2/124، رقم 1886)، و(6/37، رقم 7842).

([1428]) أخرجه البخاري (3173)، ومسلم (1669)

([1429]) حماد ابن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت فقيه، قيل: إنه كان ضريرًا ولعله طرأ عليه؛ لأنه صح أنه كان يكتب، من كبار الثامنة، روى له الجماعة. التقريب (1498).

([1430]) أخرجه البخاري (6143)، ومسلم (1669) (2)

([1431]) سعيد بن عبيد الطائي، أبو الهذيل الكوفي، ثقة من السادسة، روى له الستة عد ابن ماجه. التقريب (2361)

([1432]) أخرجه البخاري (6898)، ومسلم (1669) (5)

([1433]) ينظر: المطلع (ص450)، والمنتهى (5/106)

([1434]) برقم (3845)

([1435]) أخرجه البخاري (2413)، ومسلم (1672) (17)

([1436]) زاد النسائي: "لها"

([1437]) أخرجه بهذا اللفظ: النسائي (4740) فقط. وليست في مسلم، وإنما لفظة مسلم (1672): "فقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين حجرين". وهي بهذا اللفظ في البخاري (6879) أيضًا. وينظر: النكت للزركشي (ص303).

([1438]) ينظر: النهاية (5/196)

([1439]) أبو شاه اليماني: يقال: إنه كلبي، ويقال: إنه فارسي من الأبناء الذين قدموا اليمن في نصرة سيف بن ذي يزن، كذا رأيت بخط السلفي، وقيل: إن هاءه أصلية، وهو بالفارسي معناه: الملك، قال: ومن ظنّ أنه باسم أحد الشياه فقد وهم. انتهى. وقد ثبت ذكره في الصحيحين في حديث أبي هريرة في خطبة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلّم- يوم الفتح.. الإصابة (7/171، رقم 10096).

([1440]) أخرجه  البخاري (112)، ومسلم (1355) واللفظ له. وينظر: النكت للزركشي (ص304)

([1441]) حديث رقم (٢٢٣) و(٢٢٤)

([1442]) ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص181)

([1443]) أخرجه البخاري (6905)، ومسلم في كتاب القسامة (1689) (39)

([1444]) حمل بن مالك بن النابغة الهذلي، أبو نضلة، نزل البصرة وله بها دار، جاء ذكره في حديث أبي هريرة في الصحيح في قصة الجنين. ورواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح أيضا من حديث ابن عباس أنّ عمر أنشد  الناس عن حديث النبي -صلّى اللَّه عليه وسلّم- في دية الجنين، فقام حمل بن مالك فقال ... فذكر الحديث. وهو دالّ على أنه عاش إلى خلافة عمر. الإصابة (2/108، رقم 1836).

([1445]) أخرجه البخاري (5758)، ومسلم (1681) (36) واللفظ له

([1446]) ينظر: النهاية (4/ 356)

([1447]) ينظر: النهاية (3/ 353)

([1448]) أخرجه البخاري (5767) من حديث ابن عمر، ومسلم (869) من حديث عمار.

([1449]) أخرجه البخاري (6892)، ومسلم (1673)

([1450]) الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه يسار بالتحتانية والمهملة، الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلس. قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم؛ فيتجوز ويقول: حدثنا وخطبنا. يعني قومه الذين حُدِّثوا وخُطبوا بالبصرة، هو رأس أهل الطبقة الثالثة، روى له الجماعة. التقريب (1227).

([1451]) عند البخاري: "منذ حدثنا".

([1452]) أخرجه البخاري واللفظ له (3463)، ومسلم (113).

([1453]) لسان العرب (3/140)

([1454]) المطلع على ألفاظ المقنع (ص452)

([1455]) سبقت ترجمته في كتاب الصلاة حديث رقم (٩٨)

([1456]) قال ابن الملقن في "الإعلام" (9/133) "ومراد المصنف بالجماعة: أصحاب الكتب الستة". البخاري (233)، ومسلم (1671)، أبو داود (4364)، والترمذي (72)، والنسائي (4025)، وابن ماجه (2578).

([1457]) ينظر: المطلع (ص 460)

([1458]) ينظر: تفسير القرطبي (6/ 151)، وابن كثير (3/ 100).

([1459]) ينظر: الإنصاف (1/ 339)، وشرح المنتهى (1/214)

([1460]) ينظر: المغني (2/492)

([1461]) عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه ثبت، من الثالثة، روى له الجماعة. التقريب (4309).

([1462]) أنيس الأسلمي، قال ابن السّكن: لست أدري من أنيس المذكور في هذا الحديث، ولم أجد له رواية، غير ما ذكر في هذا الحديث. ويقال: هو أنيس بن الضحاك الأسلميّ، وقال غيره: يقال هو أنيس بن أبي مرثد، وهو خطأ؛ لأن ابن أبي مرثد غنويّ، وهذا ثبت في هذا الحديث أنه أسلمي. الإصابة (1/287، رقم 296)

([1463]) أخرجه البخاري (2695-2696) ومسلم (1697-1698).

([1464]) النهاية في غريب الحديث (3/ 236)

([1465]) سبقت ترجمته في باب العدة حديث رقم (٣٢٢)

([1466]) أخرجه البخاري (6837-6838) واللفظ له، ومسلم (1704) وأحال في لفظه على حديث آخر لأبي هريرة (1703) (32)

([1467]) النهاية (3/92)

([1468]) أخرجه البخاري (2234)، ومسلم (1703) (30)

([1469]) أي بلغت منه الجهد حتى قلق. النهاية (2/165)

([1470]) أخرجه البخاري (5271-5272)، ومسلم (1691) (16). وعندهما: "أخبرني من سمع جابر بن عبد الله" بدل: "أخبرني أبو سلمة". وينظر: فتح الباري (9/394).

([1471]) ماعز بن مالك الأسلمي: قال ابن حبّان: له صحبة. وهو الّذي رجم في عهد النبي -صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- سماه بعضهم، وأبهمه بعضهم، وفي بعض طرقه: أن النبيّ -صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لأجزأت عنهم. وفي صحيح أبي عوانة وابن حبان وغيرهما من طريق أبي الزبير، عن جابر أن النبيّ -صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لما رجم ماعز بن مالك قال: لقد رأيته يتحضحض  في أنهار الجنة.. الإصابة (5/521، رقم 7603)

([1472]) أخرجه مسلم (1692)

([1473]) أخرجه البخاري (6824)، ومسلم (1693)

([1474]) أخرجه مسلم (1694)

([1475]) أخرجه مسلم (1695)

([1476]) عبد الله بن سلام بن الحارث، أبو يوسف، من ذرية يوسف النبي عليه السّلام، حليف القوافل من الخزرج، الإسرائيلي ثم الأنصاري. كان حليفًا لهم، وكان من بني قينقاع، يقال: كان اسمه الحصين، فغيّره النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلّم-. أسلم أول ما قدم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلّم- المدينة. وقد أخرج أحمد وأصحاب السّنن من طريق زرارة بن أبي أوفى عن عبد اللَّه بن سلام، قال: لما قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلّم- المدينة كنت ممن انجفل، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذّاب. وفي «الصّحيح» عن سعد بن أبي وقاص، قال: ما سمعت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلّم- يقول لأحد يمشي على الأرض: «إنّه من أهل الجنّة إلّا لعبد اللَّه بن سلام». الإصابة (4/102، رقم 4743)

([1477]) أي يكب ويميل عليها ليقيها الحجارة. النهاية (1/302)

([1478]) أخرجه البخاري (3635) واللفظ له، ومسلم (1699)

([1479]) عبد الله بن صوريا، يقال: ابن صور الإسرائيلي، وكان من أحبار اليهود، يقال: إنه أسلم، وخبره في قصّة الزانيين والرّجم مشهور من حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما، ولكن ليس فيه ما يدلّ على أنه أسلم. وقد ذكر مكيّ في تفسيره أن قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة: 41]. نزلت في عبد اللَّه بن صوريا، وهذا إن صحّ أنه أسلم لا ينافيه، لكن في التاريخ المظفري عن مكي أنه قال: ارتد ابن صوريا بعد أن أسلم. فاللَّه أعلم. ينظر: الإصابة (4/115، رقم 4782).

([1480]) ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (2/255)

([1481]) الخوارج: هم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وكفّروه والحكمين وأصحاب الجمل، وهم فرق كثيرة، يجمعهم: التكفير بالكبيرة، والخروج على أئمة الجور. ينظر: مقالات الإسلاميين (86)، ومجموع الفتاوى (3/279، 349-350، 355، 381-383).

([1482]) أخرجه مسلم (1695) من حديث بريدة. وقد أشار إليه المصنف فيما تقدم.

([1483]) ينظر: المغني (12/354)

([1484]) أخرجه البخاري (6902)، ومسلم (2158)

([1485]) أخرجه البخاري (6241)، ومسلم (2156) من حديث سهل بن سعد

([1486]) ينظر: المطلع (ص 458)، والمنتهى (5/ 145)

([1487]) أخرجه البخاري (6795)، ومسلم (1686)

([1488]) أخرجه البخاري (6789) واللفظ له، ومسلم (1684)

([1489]) أخرجه البخاري (3475)، ومسلم (1688)

([1490]) أخرجه مسلم (1688) (10) وزاد: "مخزومية" بعد "امرأة". وعنده: "أن تقطع يدها" بدل: "بقطع يدها".

([1491]) ينظر: المغني (12/416)

([1492]) ينظر: المحلى (12/344)

([1493]) أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة، أبو العلاء التنوخي المعري اللغوي، من أهل معرة النعمان من بلاد الشام، المتوفى: 449 هـ. الشاعر المشهور، كان عجبًا في الذكاء المفرط والإطلاع الباهر على اللغة وشواهدها، وكان متهماً في دينه يرى رأي البراهمة لا يرى إفساد الصورة، ولا يأكل لحمًا، ولا يؤمن بالرسل والبعث والنشور، وقد ورد من شعره ما يستدلّ به على سوء معتقده، ويخبر بنحلته ومستنده. ينظر: السير للذهبي (18/23)، ومعجم الأدباء لياقوت (1/ 295).

([1494]) وتمامه: تناقضٌ ما لنا إلا السكوتُ له ** وأن نعوذ بمولانا من النار.  اللزوم  للمعري (1/ 544) وينظر ما سبق.

([1495]) وهذا جواب القاضي عبد الوهاب المالكي، كما نقل  ابن كثير في تفسيره  (3/ 110).

([1496]) نسبها الشنقيطي في الأضواء (3/34) للقاضي عبد الوهاب نفسه.

([1497]) ينظر: المغني (12/416)، والإنصاف (10/ 253).

([1498]) ينظر: المغني (12/416)

([1499]) لسان العرب (4/ 254)

([1500]) أخرجه البخاري (5588)، ومسلم (3032) من حديث ابن عمر

([1501]) ينظر: المغني (12/498)

([1502]) سيأتي في الحديث الآتي.

([1503]) أخرجه البخاري (6773)، ومسلم (1706) واللفظ له. وينظر: النكت للزركشي (ص322).

([1504]) كما ورد عن عمر بن الخطاب أنه استشار في الخمر يشربها الرجل. فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن نجلده ثمانين؛ فإنه  إذا شرب سكر، وإذا سكر هذي، وإذا هذي افترى، أو كما قال، فجلد عمر في الحد ثمانين. رواه مالك في الموطأ (5/1234، رقم 3117) عن ثور بن زيد الديلي، به. وثور لم يدرك عمر؛ فالإسناد منقطع.

([1505]) أبو بردة بن نيار الأنصاري، خال البراء بن عازب، اسمه هانئ، وقيل: الحارث بن عمرو، وكان سبب من سماه الحارث بن عمرو قول البراء: لقيت خالي الحارث بن عمرو، ولكن يحتمل أن يكون له خال آخر، وهو الأشبه. شهد أبو بردة بدرًا وما بعدها، وروى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلّم- قال أبو عمر: مات في أول خلافة معاوية بعد أن شهد مع علي -رضي اللَّه تعالى عنه- حروبه كلها، ثم قيل: إنه مات سنة إحدى، وقيل: اثنتين، وقيل: خمس وأربعين. الإصابة (7/31، رقم 9612).

([1506]) أخرجه البخاري (6848)، ومسلم  (1708) واللفظ له.

([1507]) أخرجه البخاري (2671) من حديث ابن عباس.

([1508]) لسان العرب (13/463)

([1509]) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص477)

([1510]) أخرجه البخاري (6622)، ومسلم (1652)

([1511]) أخرجه البخاري (3133)، ومسلم (1649) (9)

([1512]) ينظر: المطلع (ص470)

([1513]) ينظر: المغني (14/7)

([1514]) أخرجه البخاري (6647)، ومسلم (1646) (1)

([1515]) أخرجه مسلم (1646) (3) من حديث ابن عمر، وهي للبخاري أيضًا (6647). وينظر: النكت للزركشي (ص326).

([1516]) أخرجه البخاري (6647)، ومسلم (1646) (1)

([1517]) أخرجه البخاري (6018)، ومسلم (47) من حديث أبي هريرة.

([1518]) أخرجه أحمد (23245)، والترمذي (3662) من طريق سفيان بن عيينة، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، به. وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، لكنه منقطع، بين عبد الملك بن عمير وربعي بن حراش: مولى لربعي. أخرجه أحمد (23276)، وابن ماجه (97)، والترمذي بإثر حديث (3662) من طريق سفيان الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، به.

ومولى ربعي ابن حراش -واسمه: هلال كما ورد عند الحاكم (4454)- تفرد بالرواية عنه عبد الملك بن عمير، ولم يوثقه غير ابن حبان، وذكره الذهبي في "الميزان" (4/317، رقم 9283) لجهالته.

وللحديث شاهد عند مسلم (681) ضمن حديث طويل من حديث أبي قتادة مرفوعا:(إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا).

([1519]) أخرجه البخاري (5242)، ومسلم (1654) (24) واللفظ له.

([1520]) هذا الذي قاله المصنف جاء صريحًا في رواية البخاري. وفي رواية له (3424) ولمسلم (1654) (25): "فقال له صاحبه".

([1521]) أخرجه عبد الرزاق (16118) ومن طريقه أخرجه: أحمد (8088)، والترمذي (1532)، والنسائي (3855)، وابن ماجه (2104) عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.

قال الترمذي: "سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث خطأ, أخطأ فيه عبد الرزاق، اختصره من حديث معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن سليمان بن داود قال: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة.. الحديث.

([1522]) أخرجه البخاري (268) من حديث أنس.

([1523]) أخرجه البخاري (2356)، ومسلم (138)

([1524]) الأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي، يكنى أبا محمد. قال ابن سعد: وفد على النبي -صلّى اللَّه عليه وسلم- سنة عشر، في سبعين راكبًا من كندة، وكان من ملوك كندة، وكان اسمه معديكرب، وإنما لقب بالأشعث. وكان الأشعث قد ارتد فيمن ارتدّ من الكنديين، وأسر، فأحضر إلى أبي بكر فأسلم، فأطلقه وزوّجه أخته أم فروة في قصة طويلة. ثم شهد الأشعث اليرموك بـ «الشام» و «القادسية» وغيرها بـ «العراق» ، وسكن الكوفة. وشهد مع علي صفين، وله معه أخبار. ينظر: الإصابة (1/239، رقم 205).

([1525]) أخرجه البخاري (2669-2670)، ومسلم (138) (221) و(138) (222)

([1526]) ثابت بن الضّحّاك الأنصاريّ الأشهليّ. شهد بيعة الرضوان، كما ثبت في صحيح مسلم من رواية أبي قلابة أنه حدثه بذلك، وكان رديف رسول اللَّه -صلّى اللَّه عليه وسلم- يوم الخندق ودليله إلى حمراء الأسد ، وكان ممن بايع تحت الشّجرة. مات في أيام ابن الزبير، كذا أرّخه الطّبريّ، وابن سعد، وأبو أحمد الحاكم، وزاد بعضهم سنة أربع وستين. الإصابة (1/507، رقم 896).

([1527]) أخرجه  البخاري (6047)، ومسلم (110)

([1528]) أخرجه البخاري (6105)، ومسلم بعد حديث (110) (176).

([1529]) أخرجه مسلم بعد حديث (110) (176)

([1530]) أخرجه البخاري (5778)، ومسلم (109) من حديث أبي هريرة.

([1531]) أخرجه مسلم (2130) من حديث أم المؤمنين عائشة.

([1532]) ينظر: لسان العرب (5/200)

([1533]) ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص477)

([1534]) تقدم برقم (214)

([1535]) أخرجه  البخاري (6608)، ومسلم  (1639) (4) واللفظ له.

([1536]) أخرجه البخاري (1866)، ومسلم (1644)، وليس عند البخاري قوله: "حافية".

([1537]) أخرجه البخاري (2761)، ومسلم (1638)

([1538]) منها: حديث ابن عباس عند  البخاري (1852)، ومسلم (1148) (156).

ومنها: حديث بريدة عند مسلم (1149) (157).

([1539]) أخرجه البخاري (1952)، ومسلم (1147) من حديث أم المؤمنين عائشة.

([1540]) أخرجه البخاري (6690)، ومسلم (2769).

([1541]) أخرجه البخاري (1966)، ومسلم (1103) (58) من حديث أبي هريرة.

([1542]) هكذا اعتمده شيخنا، وورد في بعض النسخة الخطية كذلك، وفي النسخة المطبوعة: "باب" وألحقت بكتاب الأيمان والنذور.

([1543]) المطلع على ألفاظ المقنع (ص478)

([1544]) أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718) (17)

([1545]) هذا اللفظ لمسلم (1718) (18)

([1546]) تقدم في كتاب الطهارة رقم (1)

([1547]) الجهمية: هي طائفةٌ من المتكلمين، تُنسب إلى الجهم بن صفوان، نفت عن الله تعالى الأسماء والصفات وضلت في أبواب أخرى: كالقول بالجبر في القدر، والقول بفناء الجنة والنار، والزعم بأن الإيمان هو المعرفة فقط.. واشتهر إطلاق هذا الاسم على كل من عطّل صفات الرب سبحانه.  ينظر: مجموع الفتاوى (3/354)، وبيان تلبيس الجهمية (3/684) و(5/365)، و"تاريخ الجهمية والمعتزلة" (ص9).

([1548]) المعتزلة: فرقة كلامية ظهرت في البصرة أول القرن الثاني على يد واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس الحسن البصري؛ لابتداعه القول بأن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر، مخالفًا بذلك قول الحسن وأهل السنة أنه مؤمن لكنه فاسق، وهم طوائف شتى يجمعهم: القول بنفي الصفات، والقول بخلق القرآن، وأن العبد يخلق فعل نفسه، لهم أصول خمسة وهي: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شرح هذه الأصول شيخهم القاضي عبد الجبار في كتابه: (شرح الأصول الخمسة). ينظر: مجموع الفتاوى (6/339)، و"تاريخ الجهمية والمعتزلة" (56-58) و"المعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السنة منها" (14-19).

([1549]) الجبرية: سموا بذلك؛ لقولهم أن العبد مجبور على أفعاله، مقهور عليها، لا تأثير له في وجودها البتة، وهذه هي الجبرية الخالصة التي يقول بها جهم وأصحابه، وهي المراد بالجبرية عند الإطلاق، وأما الجبرية المتوسطة: فهذه تثبت للعبد قدرة لكنها غير مؤثرة في إيجاد الفعل، وتنسب الفعل إليها من جهة الكسب والمباشرة، وهذا مذهب الأشعرية. ينظر: مجموع الفتاوى  (8/437 ) و(8/386)، ومنهاج السنة (1/358)، وشفاء العليل (ص49).

([1550]) سُمَّوا بذلك؛ لقولهم في القدر، وهم الذي يقولون بأن العبد يخلق أفعاله استقلالًا، وينفون القدر ويقولون: الأمر أنف لم يسبق به قدر ولا علم، والمعتزلة قدرية؛ لقولهم إن العباد يستقلون بخلق أفعالهم، ونفيهم علم الله السابق للأشياء. ينظر: كتاب القدر لشيخ الإسلام ضمن (مجموع الفتاوى) (8/287).

([1551]) المرجئة: اسم فاعل، من الإرجاء، ويدل في العربية على معنيين، أحدهما: التأخير، {قالوا: أرجه وأخاه..}  أي: أخِّره وأمهله، ثانيهما: إعطاء الرجاء، فيكون إطلاق هذا الاسم باعتبار المعنى الأول: تأخير العمل عن مسمى الإيمان، وبالاعتبار الثاني قولهم: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة. والإيمان عندهم: شيء واحد، لا يزيد ولا ينقص، ولا يتفاضل أهله فيه، وهم أصناف، يجمعهم القول بإخراج العمل عن مسمى الإيمان. ينظر: "مقالات الإسلاميين" (1/213-234)،  و"مجموع الفتاوى" (7/195)، و"النبوات" (1/577، 580).

([1552]) سبق التعريف بهم في كتاب الحدود الحديث رقم (٣٥٣).

([1553]) الصوفية: هو نسبة إلى لباس الصوف، هذا هو الصحيح، كما قال شيخ الإسلام في الفرقان (ص51). وقد عرفوا في بادئ الأمر بالزهد والعبادة، وكانت لهم أحوال أنكرها عليهم الأئمة، ثم تطور الأمر إلى أن دخل في التصوف فلاسفة الصوفية والزنادقة؛ فأدخلوا فيه القول بالحلول والاتحاد، والقول بالظاهر والباطن، وغيرها من البدع المكفرة. ينظر: مجموع الفتاوى (11/5-20)، والنبوات (1/280-284)، وبيان تلبيس الجهمية (2/169)، وبيان حقيقة مذهب الاتحاديين أو وحدة الوجود وهو في مجموع الفتاوى (2/134-285).

([1554]) سبق التعريف بهم في كتاب الطهارة الحديث رقم (9).

([1555]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ليس في جميع الطوائف المنتسبة إلى الإسلام مع بدعة وضلالة شرٌّ منهم: لا أجهل، ولا أكذب، ولا أظلم، ولا أقرب إلى الكفر والفسوق والعصيان، وأبعد عن حقائق الإيمان منهم". منهاج السنة (160-161). وينظر المصدر نفسه: (2/46)، (3/377-378)، (5/160-165)، (7/219-220)،  ومجموع الفتاوى (3/356-357).

([1556]) أخرجه مسلم (867) (43) من حديث جابر بنحوه.

([1557]) أخرجه البخاري (2211)، ومسلم (1714) (7) واللفظ له.

([1558]) ينظر: الإصابة (8/346، رقم 11860)

([1559]) أخرجه أبو يعلى (4754) من طريق غبطة أم عمرو - عجوز من بني مجاشع- حدثتني عمتي، عن جدتي، عن عائشة قالت: " جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتبايعه، فنظر إلى يديها فقال لها: «اذهبي فغيري يدك». قال: فذهبت فغيرتها بحناء، ثم جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئًا ولا تسرقي ولا تزني». قالت: فذكرته. وهذا إسناد ضعيف، عمة غبطة، وجدتها مجهولتان؛ لذلك قال الهيثمي في المجمع (6/37): "رواه أبو يعلى، وفيه من لم أعرفهن". وينظر: التلخيص الحبير (4/151، رقم 1748).

([1560]) أخرجه البخاري (2458)، ومسلم  (1713) (5) واللفظ له.

([1561]) عبد الرحمن بن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي البصري، ثقة، من الثانية، روى له الجماعة. التقريب (3816)

([1562]) عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي يروي عن أبيه، وكان والي زياد، عداده في أهل البصرة، روى عنه أهلها. الثقات لابن حبان (5/64، رقم 3869). ووثقه العجلي (رقم 1051).

([1563]) أخرجه مسلم (1717) وليس عنده لفظ: "ابنه". قال الحافظ في "الفتح" (13/ 137): "وقع في العمدة: كتب أبي وكتبت له إلى ابنه عبيد الله.. وهو موافق لسياق مسلم، إلا أنه زاد لفظ: ابنه".

([1564]) أخرجه  البخاري (7158)

([1565]) سبق تخريجه في باب اللقطة رقم (٢٩٦)

([1566]) أخرجه البخاري (2654)، ومسلم (87)

([1567]) أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711) واللفظ له.  قال ابن الملقن في الإعلام (10/52): " اللفظ الذي ساقه المصنف هو لفظ مسلم، ولفظ البخاري في تفسيره سورة آل عمران من صحيحه: "لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم"، وفي آخره قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "اليمين على المدعى عليه"؛ ولهذا لما ساقه المصنف في "عمدته الكبرى" باللفظ المذكور قال: رواه مسلم, والبخاري نحوه".

([1568]) أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599)

([1569]) هذا لفظ مسلم، وعند البخاري: "أو" بدل "و".

([1570]) أخرجه البخاري (2572)، ومسلم (1953).

([1571]) النهاية في غريب الحديث (4/256)

([1572]) النهاية (5/88)

([1573]) أخرجه البخاري (5519)، ومسلم (1942)

([1574]) أخرجه البخاري (5511)

([1575]) أخرجه البخاري (5524)، ومسلم (1941) واللفظ له، وعندهما أن النهي كان يوم خيبر.

([1576]) أخرجه مسلم (1941) (37) وعنده: "ونهانا" بدل: "ونهى".

([1577]) أخرجه  البخاري (3155)، ومسلم (1937)

([1578]) أخرجه البخاري (5527)، ومسلم (1936)

([1579]) ينظر: المغني (13/317)

([1580]) ينظر: حاشية ابن عابدين (6/305)

([1581]) ينظر: التمهيد (10/123)، وشرح مسلم (13/91)، وفتح الباري (9/ 656)

([1582]) أخرجه مسلم (1934) (16) من حديث ابن عباس. وأخرج الشطر الأول منه: البخاري (5530)، ومسلم (1932) من حديث أبي ثعلبة.

([1583]) أخرجه البخاري (5528)، ومسلم (1940) (34)

([1584]) أخرجه البخاري (5537)، ومسلم (1945) واللفظ له.

([1585]) النهاية (1/ 450)

([1586]) أخرجه البخاري (3563)، ومسلم (2064) من حديث أبي هريرة

([1587]) أخرجه البخاري (5495)، ومسلم (1952) واللفظ له.

([1588]) زهدم بوزن جعفر، بن مضرب الجرمي بفتح الجيم، أبو مسلم البصري، ثقة من الثالثة، روى له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. التقريب (2039).

([1589]) أخرجه البخاري (6721)، ومسلم (1649) (9) ضمن حديث طويل، وهو طرف من الحديث الذي تقدم برقم (361)

([1590]) النهاية في غريب الحديث (1/30)

([1591]) أخرجه البخاري (5456)، ومسلم (2031)

([1592]) أخرجه مسلم (2033) (133)

([1593]) ينظر: لسان العرب (3/ 260)

([1594]) أبو ثعلبة الخشنيّ: صحابي مشهور، معروف بكنيته واختلف في اسمه اختلافا كثيرً، وكذا في اسم أبيه، وهو منسوب إلى بني خشين واسمه وائل بن النمر بن وبرة بن تغلب بن قضاعة. روى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلّم- عدة أحاديث، سكن الشام، وقيل حمص. مات سنة خمس وسبعين. الإصابة (7/50، رقم 9672).

([1595]) ما بين قوسين زيادة من النسخة المطبوعة، وهي رواية الشيخين؛ لذلك اعتمده شيخنا.

([1596]) أخرجه البخاري (5496)، ومسلم (1930)

([1597]) برقم (2857) من طريق حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن أبي ثعلبة قال: أفتني في آنية المجوس إذا اضطررت إليها. قال: (اغسلها وكل فيها). وهو بهذا الإسناد عند أحمد (6725)، والدارقطني (4797)، والبيهقي (18912). وجاء عند البخاري (5496)، ومسلم (1930) من حديث أبي ثعلبة كذلك، لكنه قال: "آنية أهل الكتاب" فذكر أهل الكتاب، ولم يذكر المجوس، لكن أورده البخاري وترجم له بقوله: باب آنية المجوس والميتة.

([1598]) ينظر: المغني (13/267)

([1599]) همام بن الحارث بن قيس بن عمرو النخعي الكوفي، ثقة عابد، من الثانية، روى له الجماعة. التقريب (7316)

([1600]) هكذا أثبته شيخنا : "بعرضه" بزيادة الهاء، كما في النسخة المطبوعة، وهي كذلك في الصحيحين، وورد في بعض النسخ: "بعَرْضٍ" وهو موافق لما في الجمع بين الصحيحين للحميدي (رقم 514).

([1601]) أخرجه البخاري (5477) و(7397) مختصراً، ومسلم (1929) (1) واللفظ له.

([1602]) أخرجه البخاري (5483) و (5487)، ومسلم (1929) (2)

([1603]) أخرجه البخاري (5486) ومسلم (1929) (3)

([1604]) هذه الرواية لمسلم (1929) (6)، بدون لفظ: "المكلب". وهي لأحمد في مسنده (17737)

([1605]) هذا الرواية لمسلم أيضًا (1929) (4) لكنه بلفظ: "فإن ذكاته أخذه".

([1606]) أخرجه مسلم (1929) (6).

([1607]) هذه الرواية ملفقة من روايتين في مسلم (1929) (6) و(7) بلفظ: "فإن غاب عنك يومًا فلم تجد فيه. . . ".

([1608]) قال في النهاية (3/215): "المعراض بالكسر: سهم بلا ريش ولا نصل، وإنما يصيب بعرضه دون حده".

([1609]) برقم (1929) (3)

([1610]) ينظر: النهاية (5/212)

([1611]) ينظر: المغني (13/264). وهذا هو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. الإنصاف (10/432-433).

([1612]) ينظر: المحلى (6/ 163)

([1613]) ينظر: مغني المحتاج (6/112)

([1614]) سبق تخريجه ضمن أحاديث الباب.

([1615]) ورد في بعض النسخ: عن سالم، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه. والمثبت – وهو الذي اعتمده شيخنا- هو الموافق للصحيحين.

([1616]) أخرجه البخاري (5481)، ومسلم (1574) (51)

([1617]) سالم بن عبد الله بن عمر ابن الخطاب القرشي العدوي، أبو عمر أو أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتًا عابدًا فاضلًا، كان يشبه بأبيه في الهدي والسمت، من كبار الثالثة، روى له الجماعة. التقريب (2176)

([1618]) أخرجه مسلم (1574) (54).

([1619]) أخرجه  البخاري (2488)، مسلم (1968) بنحوه.

([1620]) النهاية (4/310)

([1621]) لسان العرب (14/475)

([1622]) منتهى الإرادات (2/182)

([1623]) وهذا قول أبي حنيفة ومالك. ينظر: المغني (13/360)

([1624]) أخرجه البخاري (5564)، ومسلم (1966)

([1625]) ينظر: النهاية (4/354)

([1626]) كذا في نسخة ابن الملقن: "باب"، وهو الذي اعتمده شيخنا، وفي النسخة المطبوعة: " كتاب".

([1627]) لسان العرب (1/488)

([1628]) أخرجه  البخاري (5588)، ومسلم (3032)

([1629]) أخرجه مسلم (2398) من حديث أم المؤمنين عائشة قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-:  «قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم». قال ابن وهب: تفسير محدثون: ملهمون.

([1630]) وهذا هو المشهور عن أبي حنيفة. ينظر: المغني (12/495)

([1631]) ينظر: المغني (9/66)

([1632]) أخرجه البخاري (567) مختصرًا من حديث جويرية بن قدامة، ومسلم (567) من حديث معدان بن أبي طلحة، واللفظ له.

([1633]) أخرجه  البخاري (242)، ومسلم (2001)

([1634]) النهاية (1/94). وقد جاء مفسرًا عند البخاري (4344) بلفظ: " وشراب من العسل: البتع"

([1635]) أخرجه البخاري (2223)، ومسلم (1582)

([1636]) في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146].

([1637]) النهاية (1/298)

([1638]) وقد جاء مصرحًا عند مسلم: "أن سمرة باع خمراً،  فقال: قاتل الله سمرة"

([1639]) كذا في نسخة ابن الملقن (10/207): "باب اللباس"، وهو الذي اختاره شيخنا، وفي المطبوعة: كتاب.

([1640]) ينظر: لسان العرب (6/203)

([1641])  أخرجه البخاري (5834)، ومسلم (2069) (11) واللفظ له.

([1642]) بزيادة الميم، هكذا اختاره شيخنا؛ كما في النسخة المطبوعة، وفي النسخ الأخرى: "صحافها" وهو الموافق للفظ الصحيحن.

([1643]) أخرجه البخاري (5426)، ومسلم (2067) (5)

([1644]) ينظر: النهاية (2/97)

([1645]) أخرجه الترمذي (1720) من طريق عبيد الله بن عمر، والنسائي (5148) من طريق أيوب السختياني، كلاهما عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري، به. وقد اختلف فيه على أيوب، كما اختلف فيه على نافع. وقد ذكر الدارقطني هذا الاختلاف في علله (7/241، رقم 1320) ورجح رواية عبد الله العمري، عن نافع، عن سعيد، عن رجل، عن أبي موسى. وقال: "وهو أشبه بالصواب؛ لأن سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى شيئًا، وقال أسامة بن زيد، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي مرة مولى عقيل، عن أبي موسى في حديث النهي، عن اللعب بالنرد، وهو الصحيح. وهذا يقوي قول العمري، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن رجل، والله أعلم".

وقال الترمذي: "وفي الباب عن عمر، وعلي، وعقبة بن عامر، وأنس، وحذيفة، وأم هانئ، وعبد الله بن عمرو، وعمران بن حصين، وعبد الله بن الزبير، وجابر، وأبي ريحانة، وابن عمر، والبراء. وحديث أبي موسى حديث حسن صحيح".

([1646]) لحديث أنس عند البخاري (3109): «أن قدح النبي -صلى الله عليه وسلم- انكسر؛ فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة».

([1647]) ويؤيده حديث أبي سعيد مرفوعًا: (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الدار الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة, ولم يلبسه هو). أخرجه ابن حبان (5437)، والحاكم (7404) من طريق قتادة، عن داود السراج، عن أبي سعيد الخدري, به. وداود السراج لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يرو عنه غير قتادة، وقال ابن المديني: مجهول لا أعرفه. ينظر: الميزان (2/22).

([1648]) ينظر: فتح الباري (10/32)

([1649]) أخرجه البخاري (5634)، ومسلم (2065) من حديث أم سلمة

([1650]) أخرجه  البخاري (3551)، ومسلم (2337) (93) واللفظ له.

([1651]) كما في حديث الباء عند مسلم (2337). وينظر:  الشمائل المحمدية للترمذي (ص34)، ومختصره للألباني (ص33).

([1652]) ينظر: زاد المعاد (1/132)

([1653]) ينظر: النهاية (4/273)

([1654]) جمع ميثرة، والميثرة بالكسر: مفعلة، من الوثارة. يقال: وثر وثارة فهو وثير: أي وطيء لين. وأصلها: موثرة، فقلبت الواو ياء لكسرة الميم. وهي من مراكب العجم، تعمل من حرير أو ديباج. النهاية (5/150)

([1655]) هي ثياب من كتان مخلوط بحرير يؤتى بها من مصر، نسبت إلى قرية على شاطئ البحر قريبًا من تنيس، يقال لها: القس بفتح القاف، وبعض أهل الحديث يكسرها. وقيل: أصل القسي: القزي بالزاي، منسوب إلى القز، وهو ضرب من الإبريسم، فأبدل من الزاي سينا. وقيل: منسوب إلى القس، وهو الصقيع؛ لبياضه. النهاية (4/59)

([1656]) أخرجه البخاري (1239)، ومسلم (2066) واللفظ له.

([1657]) ينظر: صحيح الترغيب (3/355)

([1658]) ينظر: صحيح الترغيب (3/369)

([1659]) أخرجه البخاري (1240)، ومسلم (2162) (4) من حديث أبي هريرة.  وفي رواية لمسلم (2162) (5): «حق المسلم على المسلم ست» قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: «إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه»

([1660]) أخرجه البخاري (6651)، ومسلم (2091).

([1661]) أخرجه البخاري (5876)، ومسلم (2091) بعد حديث (53)

([1662]) أخرجه البخاري (65)، ومسلم (2092) من حديث أنس

([1663]) تقدم تخريجه قريبًا عند الحديث (397)

([1664]) أخرجه البخاري (5828-5829)، ومسلم (2569) (12) واللفظ له.

([1665]) أخرجه  مسلم (2069) (15)

([1666]) ينظر: لسان العرب (3/135)

([1667]) ينظر: زاد المعاد (3/9)

([1668]) ينظر: المطلع (ص247)

([1669]) ينظر: المغني (13/6-8)

([1670]) أخرجه البخاري (2790) من حديث أبي هريرة

([1671]) أخرجه الترمذي (2616)، والنسائي في "الكبرى" (11330)، وابن ماجه (3973) من طرق، عن معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن معاذ بن جبل، به.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وتعقبه ابن رجب في جامع العلوم (2/135) بقوله: "وفيما قاله- رحمه الله- نظر من وجهين:

أحدهما: أنه لم يثبت سماع أبي وائل من معاذ، وإن كان قد أدركه بالسن، وكان معاذ بالشام وأبو وائل بالكوفة، وما زال الأئمة - كأحمد وغيره - يستدلون على انتفاء السماع بمثل هذا، وقد قال أبو حاتم الرازي في سماع أبي وائل من أبي الدرداء: قد أدركه، وكان بالكوفة وأبو الدرداء بالشام، يعني: أنه لم يصح له سماع منه. وقد حكى أبو زرعة الدمشقي عن قوم أنهم توقفوا في سماع أبي وائل من عمر، أو نفوه، فسماعه من معاذ أبعد.

والثاني: أنه قد رواه حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النجود، عن شهر بن حوشب، عن معاذ، خرجه الإمام أحمد مختصرًا، قال الدارقطني : وهو أشبه بالصواب؛ لأن الحديث معروف من رواية شهر على اختلاف عليه فيه.

قلت: رواية شهر عن معاذ مرسلة يقينًا، وشهر مختلف في توثيقه وتضعيفه، وقد خرجه الإمام أحمد من رواية شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، وخرجه الإمام أحمد أيضًا من رواية عروة بن النزال أو النزال بن عروة، وميمون بن أبي شبيب، كلاهما عن معاذ، ولم يسمع عروة ولا ميمون من معاذ، وله طرق أخرى عن معاذ كلها ضعيفة". اهـ  وينظر: إرواء الغليل (2/138، رقم 413).

([1672]) مابين قوسين زيادة من النسخة المطبوعة، واختارها شيخنا، وهي رواية مسلم.

([1673]) أخرجه  البخاري (2965 - 2966) واللفظ له، ومسلم (1742)

([1674]) أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22) من حديث ابن عمر

([1675]) أخرجه البخاري (2892) واللفظ له، ومسلم (1881) مختصرًا.

([1676]) ينظر: لسان العرب (7/303)

([1677]) ينظر: المطلع (ص248)

([1678]) ينظر: النهاية (3/346)

([1679]) أخرجه البخاري (662)، ومسلم (669) من حديث أبي هريرة

([1680]) لفظ الصحيحين: "برسلي".

([1681]) أخرجه البخاري (36)، ومسلم (1876)

([1682]) هذا اللفظ للبخاري (2787) وليس لمسلم، وإنما رواه مسلم (1878) بلفظ: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى". وينظر: النكت للزركشي (ص354).

([1683]) أخرجه البخاري (5533) واللفظ له، ومسلم (1876) (104)

([1684]) النهاية (4/ 199)

([1685]) المصدر السابق (2/ 135)

([1686]) الطول والطيل بالكسر: الحبل الطويل يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره والطرف الآخر في يد الفرس؛ ليدور فيه ويرعى ولا يذهب لوجهه. وطول وأطال بمعنى: أي شدها في الحبل. النهاية (3/145)

([1687]) استن الفرس يستن استنانًا: أي عدا لمرحه ونشاطه شوطًا أو شوطين ولا راكب عليه. النهاية (2/410)

([1688]) أي عدت شوطًا أو شوطين. نفس المصدر (2/463)

([1689]) أخرجه البخاري (2860)، ومسلم (987) من حديث أبي هريرة

([1690]) كما في حديث أبي هريرة عند البخاري (2785)، ومسلم (1878): قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: «لا أجده» قال: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟» قال: ومن يستطيع ذلك؟!.

([1691]) برقم (1883).

([1692]) زيادة الواو من نسخة ابن الملقن (10/ 306). وقال: " هذا الحديث متفق عليه في الصحيحين، فقوله: وأخرجه البخاري يعني مع مسلم، ويقع في بعض الشروح:  أخرجه البخاري بحذف "الواو" فيوهم أنه من أفراده؛ فأحببت ذلك، وقد علَّم  له في "عمدته الكبرى" بعلامة البخاري فقط؛ فأوهم أنه من أفراده، وليس كذلك".

([1693]) برقم  (6568)، ومسلم (1880).

([1694]) برقم (403)

([1695]) أخرجه البخاري (3142)، ومسلم (1751)

([1696]) لفظ البخاري: "فنفله". قال الحافظ في الفتح (6/169): " وفيه التفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة، وكان السياق يقتضي أن يقول: "فنفلني" وهي رواية أبي داود" [2653].

([1697]) أخرجه البخاري (3051)

([1698]) أخرجه مسلم (1754)

([1699]) ينظر: النهاية (2/387)

([1700]) وهو المذهب. ينظر: المغني (13/70)، والإنصاف (4/148)

([1701]) أي يتغدى. والأصل فيه: أن العرب كانوا يسيرون في ظعنهم، فإذا مروا ببقعة من الأرض فيها كلأ وعشب قال قائلهم: ألا ضحوا رويدا، أي ارفقوا بالإبل، حتى تتضحى، أي تنال من هذا المرعى، ثم وضعت التضحية مكان الرفق لتصل الإبل إلى المنزل وقد شبعت، ثم اتسع فيه حتى قيل لكل من أكل في وقت الضحى: هو يتضحى، أي يأكل في هذا الوقت. كما يقال يتغدى ويتعشى في الغداء والعشاء. النهاية (3/76).

([1702]) أخرجه البخاري (4338)، ومسلم (1749) (37) واللفظ له.

([1703]) أخرجه أحمد (17462)، وأبو داود (2748) و (2749) و (2750)، وابن ماجه (2851)، وابن حبان (4835) من طريق مكحول، عن زيد بن جارية، عن حبيب بن مسلمة، به. وصححه الشيخ شعيب في المسند.

([1704]) عند مسلم زيادة: "يوم القيامة".

([1705]) أخرجه  البخاري (6177) مختصراً، ومسلم (1735) (9) واللفظ له.

([1706]) كما في حديث أبي سعيد عند مسلم (1738) (15)

([1707]) أخرجه البخاري (3014)، ومسلم (1744) (24)

([1708]) ينظر: تفسير القرطبي (2/348)،  وابن كثير (1/524).

([1709]) ينظر: المغني (13/141)

([1710]) أخرجه البخاري (3012)، ومسلم (1745) من حديث الصعب بن جثامة.

([1711]) أخرجه البخاري (2920)، ومسلم (2076)

([1712]) وكذا قال ابن الملقن في الإعلام (10/341)

([1713]) لفظ الصحيحين: "ينفق على أهله نفقة سنة".

([1714]) الكراع: اسم لجميع الخيل. النهاية (4/165)

([1715]) أخرجه البخاري (2904 و4885)، ومسلم (1757) (48)

([1716]) منتهى الإرادات (2/231)

([1717]) أخرجه البخاري (1427)، ومسلم (1034) من حديث حكيم بن حزام

([1718]) أخرجه البخاري (2868) واللفظ، ومسلم (1870)

([1719]) هو ابن عيينة، سبقت ترجمته.

([1720]) أخرجه البخاري بعد حديث (2868) ولم يخرجه مسلم.

([1721]) ينظر: الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (1/142) و(2/1343).

([1722]) أي: الرمي بالسهام. يقال: انتضل القوم وتناضلوا: أي رموا للسبق. وناضله، إذا راماه. النهاية (5/72)

([1723]) أخرجه البخاري (4097)، ومسلم (1868)

([1724]) أخرجه البخاري (2863)، ومسلم (1762)

([1725]) ينظر: تفسير ابن كثير (4/5).

([1726]) أخرجه البخاري (3135)، ومسلم (1750) (40) وزاد: "والخمس في ذلك واجب، كُلِّه".

([1727]) رقم (410).

([1728]) أخرجه البخاري (7071)، ومسلم (100)

([1729]) أخرجه البخاري (6066)، مسلم (2563) (32) واللفظ له من حديث أبي هريرة.

([1730]) أخرجه البخاري (31)، ومسلم (2888) من حديث أبي بكرة

([1731]) أخرجه البخاري (7458)، ومسلم (1904) (150)

([1732]) ينظر: تفسير الطبري (11/467)، وابن كثير (3/155)

([1733]) كذا في نسخة ابن الملقن (10/387): "باب العتق" لكنه عنون قبله  بـ "كتاب العتق" ثم أورده باسم: باب العتق، وهو اختيار شيخنا.

([1734]) في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3].

([1735]) في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92].

([1736]) في حديث الرجل الذي وقع على أهله وهو صائم، تقدم في كتاب الصيام حديث رقم (١٨٩)

([1737]) في قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89].

([1738]) أخرجه البخاري (2517)، ومسلم (1509) (22) واللفظ له، من حديث أبي هريرة

([1739]) أخرجه البخاري (2522)، ومسلم (1501)

([1740]) كذا في النسخة المطبوعة: شقصًا،  واختاره شيخنا، وهي رواية مسلم وأيضًا رواية للبخاري، وفي النسخ الأخرى: شقيصًا، وهي رواية البخاري.

([1741]) أخرجه البخاري (2527)، ومسلم (1503)

([1742]) الشقص والشقيص: النصيب في العين المشتركة من كل شيء. النهاية (2/490)

([1743]) هذا اللفظ لمسلم في كتاب الأيمان (3/1289) رقم (997) (59)

([1744]) ما بين القوسين زيادة من النسخة المطبوعة، وهي التي اختارها شيخنا.

([1745]) أخرجه البخاري (7186)

([1746]) منتهى الإرادات (4/20)