الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية لدى تلاميذه
التصنيفات
الوصف المفصل
- الاختيارات
الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية لدى تلاميذه
- كتاب الطهارة
- كتاب
الصلاة
- باب المواقيت
- باب الأذان والإقامة
- باب ستر العورة وأحكام اللباس
- باب اجتناب النجاسة ومواضع الصلاة
- باب النية
- باب صفة الصلاة
- باب سجدتي التلاوة والشكر
- باب سجود السهو
- باب صلاة التطوع
- باب أوقات النهي
- باب صلاة الجماعة
- باب الإمامة
- باب موقف الجماعة
- باب صلاة المريض
- باب صلاة المسافر
- باب الجمع بين الصلاتين
- باب صلاة الجمعة
- باب صلاة العيدين
- باب صلاة الكسوف
- باب الاستسقاء
- كتاب الجنائز
- كتاب الزكاة
- كتاب الصيام
- كتاب المناسك
- كتاب البيع
- كتاب الشركة
- كتاب الوصايا
- كتاب الفرائض
- كتاب العتق
- كتاب النكاح
- كتاب الطلاق
- كتاب العِدد
- كتاب النفقات
- كتاب الجنايات
- كتاب الديات
- كتاب الحدود
- كتاب الجهاد
- كتاب الأيمان
- كتاب القضاء
- كتاب الشهادات
- كتاب الإقرار
الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية لدى تلاميذه
اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية لدى تلاميذه جمع وإعداد سامي بن محمد بن جاد الله
(1/1)
مقدمة الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن من أبرز علماء المسلمين الذين عرفهم التاريخ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تعالى، ومن أهم العلوم التي برز فيها الشيخ علم الفقه, وقد حفظ الله عز وجل لنا الكثير من ثروته الفقهية، وذلك عبر نوعين من المصادر: الأول: المصادر الأصلية، والمقصود بها المؤلفات والرسائل والفتاوى التي كتبها شيخ الإسلام، فقد اعتنى النساخ بكتابتها، واعتنى أهل العلم وطلابه باقتنائها والمحافظة عليها، حتى ظهرت الطباعة فتسابق الناشرون إلى طبعها ونشرها، وهذا أمر معلوم لا يحتاج إلى إسهاب في بيانه. الثاني: المصادر الفرعية، وهي المؤلفات والكتب التي نقلت لنا شيئا من فقه هذا الإمام، وهي كثيرة بحمد الله، ويأتي على رأس هذا النوع كتب تلاميذ الشيخ، فقد حوت هذه الكتب الكثير من فقه الشيخ واختياراته، ولكن لما كانت هذه الأقوال متفرقة مبثوثة في بطون هذه الكتب غفل عنها الكثير من طلبة العلم، وحتى مَن عَلِم بها ربما صعب عليه مراجعتها والبحث فيها عن هذه الاختيارات والفوائد.
(1/5)
ومن هنا نشأت فكرة جمع كل ما وصل إلينا مما نقل عن الشيخ في كتب تلاميذه من اختيارات وفوائد فقهية, وترتيبها حسب أبواب الفقه ليسهل تناولها والوقوف على البغية منها (1). منهج العمل: تم العمل في هذا المشروع وفق المنهج التالي: 1 - جرد الكتب المطبوعة لتلاميذ الشيخ، واستخراج نقولهم الفقهية عن الشيخ، وجل هذه النقول هي اختيارات فقهية للشيخ, وبعضها فوائد فقهية أخرى كتوضيح نص، أو قول، أو حكاية إجماع، أو نفي العلم بالخلاف، أو إثبات الخلاف، أو تخريج قول, ونحو ذلك، وأدرجت هذه الفوائد في هذا المجموع وإن كانت لا تدخل ضمن مسمى الاختيارات تتميما للفائدة. 2 - نسخ النصوص التي تحتوي على نقل عن الشيخ، ويكتفى بالقدر الذي يحصل به فهم النص, وتدوين اسم المصدر بعد نهاية النص. 3 - اعتمدت في بعض المصادر على أكثر من طبعة لمزيد العناية بضبط النص, وفي هذه الحالة أذكر موضع النص في الطبعة الأولى بعد اسم المصدر مباشرة, وبعده بين قوسين الموضع في الطبعة الثانية، مثال: _________ (1) سبق الكلام عن أعمال العلماء في جمع اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة تحقيق «اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية» لابن عبد الهادي (ص 6 - 8) , كما سبق فيه الإشارة إلى السبب في عدم تأليف الشيخ لكتاب يذكر فيه اختياراته الفقهية في سائر الأبواب (ص 6).
(1/6)
[الفروع 6/ 290 (10/ 359)] (1). 4 - أشير إلى حذف الكلام بوضع ثلاث نقاط ( ... ) في مكان الحذف. 5 - ترتيب المسائل حسب الأبواب، وجعلت أبواب كتاب «الفروع» لابن مفلح هي الأصل في تبويب المسائل الفقهية. 6 - وضع عنوان جانبي لكل نص يشير إلى المسألة التي تضمنها. 7 - وضع رقم متسلسل لكل مسألة. 8 - عند وجود أكثر من نص في مسألة واحدة تذكر جميع النصوص تحت عنوان واحد، وترتب النصوص حسب وفيات النقلة، فإن كان الناقل قد ذكر النص في أكثر من موضع فيقدم المختصر ثم المبسوط, حتى يكون شارحا وموضحا له. 9 - عند وجود أكثر من مسألة في نص واحد، توضع عناوين المسائل متتالية ثم ينقل تحتها النص كاملا، هذا إذا كانت المسائل تندرج تحت باب واحد، أما إذا كانت تندرج تحت أكثر من باب، فتذكر في أنسب المواضع سواء كان متقدما أو متأخرا، ويحال على ذلك الموضع في بقية المواضع. _________ (1) تم استخراج نصوص «الفروع» من طبعة الشيخ رشيد رضا, ثم أثناء العمل فيه صدرت طبعة مؤسسة الرسالة بإشراف الشيخ عبد الله التركي حفظه الله, فقمت بمقابلة تلك النصوص على هذه الطبعة, وأشرت إلى ما بينهما من الفروق مع الترجيح عند الحاجة, ورمزت للطبعة الأولى بـ (ط 1) , والثانية بـ (ط 2) , وبقيت بعض المواضع محل إشكال حتى وقفت على نسخة خطية للفروع (النسخة الأزهرية) فقمت بمقابلة المواضع المشكلة عليها, وأشرت إلى ذلك في الحاشية.
(1/7)
10 - مراجعة كل مسألة في المصادر الأصلية المطبوعة من كتب شيخ الإسلام، وما وقف عليه في شيء منها فإنه يشار إلى اسم المصدر مع الجزء والصفحة في الحاشية، وما أهمل عزوه فذلك علامة على عدم الوقوف عليه في شيء من المصادر الأصلية، وإذا كان بعض المنقول موجودا في مصدر ما، أو كان هناك بعض الاختلاف بين المنقول وما هو موجود في المصادر الأصلية، فتصدر الإحالة بكلمة: (انظر). 11 - إذا دعت الحاجة إلى نقل نص كلام شيخ الإسلام في الحاشية فإني أنقله بحروفه. 12 - مراجعة كل مسألة في كتاب «الاختيارات» للبعلي, فما وقف عليه منها فيه ذكر موضعها في الحاشية, والغرض من ذلك أمران: 1. تمييز المسائل الزائدة في هذا الجامع على ما في كتاب البعلي. 2. الاستفادة من هذا الجامع في توثيق المسائل التي نقلها البعلي، حيث أن المصادر الأصلية لهذا الجامع أعلى سندا منه. 13 - إذا وجد في بعض المصادر التي يرجع إليها في تحرير المسائل المنقولة ما يفيد في فهم كلام شيخ الإسلام فإنه ينقل في الحاشية، وجل النقول في ذلك كانت من «حاشيتا الفروع» لابن قندس, وابن نصر الله، ومن «تصحيح الفروع» و «الإنصاف» كلاهما للمرداوي. * * * * *
(1/8)
الموارد: موارد هذا المجموع هي كتب تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية المطبوعة، وقد حرصت على استقصائها حسب الجهد والطاقة, وهذه ترجمة مختصرة لكل واحد من تلاميذ الشيخ الذين لهم كتب مطبوعة، تتضمن نبذة مختصرة عن حياته، وصلته بالشيخ وثناءه عليه, ومؤلفاته التي نقل فيها عن الشيخ, ومنهجه وموارده في النقل عنه، أما التعريف بطبعات هذه الكتب فمحله فهرس المصادر. 1 - الطوفي (ت: 716): هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي، الصرصري، ثم البغدادي, الفقيه، الأصولي، الحنبلي. ولد سنة بضع وسبعين وستمائة. وقد أخذ عن شيخ الإسلام في دمشق، قال ابن رجب: « ... ثم سافر إلى دمشق سنة أربع وسبعمائة، فسمع بها الحديث من القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة وغيره، ولقي الشيخ تقي الدين بن تيمية». وأما عقيدته فيقول عنه ابن رجب: « ... وكان مع ذلك شيعيا منحرفا في الاعتقاد عن السنة حتى إنه قال في نفسه: حنبلي رافضي أشعري ... ظاهري هذه إحدى العبر» وقد أطال ابن رجب - رحمه الله - في بيان انحرافه. وللطوفي شرح لقصيدة شيخ الإسلام ابن تيمية في القدر، وقد حقق
(1/9)
رسالة علمية في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية (1). وله قصيدة في مدح الشيخ وذم أعداءه, ذكر أبياتا منها ابن عبد الهادي في «العقود الدرية» (254 - 255) , ومما قال فيها: يا أهل تيمية العالين مرتبة ... ومنصبا فرع الأفلاك تبيانا جواهر الكون أنتم غير أنكم ... في معشر أشربوا في العقل نقصانا لا يعرفون لكم فضلا ولو عقلوا ... لصيروا لكم الأجفان أوطانا يا من حوى من علوم الخلق ما قصرت ... عنه الأوائل مذ كانوا إلى الآنا إني لأقسم والإسلام معتقدي ... وإنني من ذوي الإيمان أيمانا لم ألق قبلك إنسانا أسر به ... فلا برحت لعين المجد إنسانا ويقال في حق الطوفي كما قال الألوسي في «جلاء العينين» (50) ــ عندما ترجم لجملة من تلاميذ الشيخ، ومنهم الطوفي ــ: «وإنما ذكرته لشهرة أقواله والاطلاع على غريب حاله، وإلا فهو ليس من تلاميذ الشيخ المختصين، بل من جملة الملاقين الآخذين». (تنبيه) جاء في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية من كتاب «ذيل الطبقات» لابن رجب (4/ 494): «قرأ في العربية أياما على سليمان بن عبد القوي» وهذه العبارة فيها خطأ، فكلمة (سليمان) إما أنها مقحمة أو مصحفة. والصواب أن شيخ الإسلام ابن تيمية قرأ على محمد بن عبد القوي بن _________ (1) انظر: «القصيدة التائية في القدر لشيخ الإسلام ابن تيمية» شرح وتحقيق: الشيخ محمد الحمد (ص 63).
(1/10)
بدران المقدسي المرداوي، المتوفى سنة (699)، وهو المقصود في كلام ابن رجب السابق، ويدل على ذلك عدة أمور منها: 1 - أن ابن رجب قال في ترجمة محمد بن عبد القوي (4/ 309): «وممن قرأ عليه العربية الشيخ تقي الدين»، ولم يذكر هذا في ترجمة سليمان بن عبد القوي الطوفي. 2 - أن سياق كلام ابن رجب في نشأة الشيخ العلمية، فبعد أن ذكر تلقي الشيخ للعلوم والمشايخ الذين أخذ عنهم قال: «ومهر في هذه الفضائل، وتأهل للفتوى والتدريس وله دون العشرين سنة». وشيخ الإسلام ولد سنة (661) وهذا يعني أن قراءته على ابن عبد القوي كانت قبل سنة (681)، وسليمان الطوفي إنما ولد سنة بضع وسبعين وستمائة ببلده طوفى، وهي من أعمال صرصر بالقرب من بغداد, ولم يلتق بالشيخ إلا سنة (704) حين ارتحل إلى الشام، وكان عمر شيخ الإسلام ابن تيمية (43) سنة، فلا يتصور أبدا أن يقرأ عليه في العربية وقد بلغ هذه السن! 3 - أن الحافظ ابن عبد الهادي ذكر في كتابه «طبقات الحفاظ» (4/ 282) نشأة الشيخ العلمية، وكان مما قال: «قرأ أياما في العربية على ابن عبد القوي ثم فهمها، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهمه، وبرع في النحو، وأقبل على التفسير إقبالا كليا حتى حاز فيه قصب السبق، وأحكم أصول الفقه، وغير ذلك، هذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة» ا. هـ. 4 - أن جميع المصادر التي ترجمت لشيخ الإسلام ــ مما وقفنا عليه ــ تذكر ضمن شيوخه (ابن عبد القوي) ولا تسميه، وكثير من هذه المصادر إنما تنقل عن «ذيل الطبقات» لابن رجب.
(1/11)
نقوله عن الشيخ: وقد تم تتبع ما وُقف عليه من كتبه المطبوعة فوُجد فيها بعض النقول اليسيرة عن ابن تيمية, منها ما هو في العقيدة كما في «الإشارات الإلهية» (3/ 90) , ومنها ما هو في أصول الفقه كما في «شرح مختصر الروضة» (1/ 218) , (3/ 214) , ومنها نقل في الحديث بواسطة ابن تيمية وذلك في «علم الجذل في علم الجدل» (222)، ولم نجد فيها شيئا يتعلق بالفقه. * وقد بيَّن شيئا من المكانة الفقهية لشيخ الإسلام في كتابه «شرح مختصر الروضة» (3/ 627 - 628) فقال: (ونحن لا يصح لنا أن نجزم بمذهب إمام حتى نعلم أنه آخر ما دونه من تصانيفه ومات عنه، أو أنه نص عليه ساعة موته، ولا سبيل لنا إلى ذلك في مذهب أحمد، والتصحيح الذي فيه، إنما هو من اجتهاد أصحابه بعده، كابن حامد، والقاضي وأصحابه، ومن المتأخرين الشيخ أبو محمد المقدسي رحمة الله عليهم أجمعين. لكن هؤلاء ــ بالغين ما بلغوا ــ لا يحصل الوثوق من تصحيحهم لمذهب أحمد، كما يحصل من تصحيحه هو لمذهبه قطعا، فمن فرضناه جاء بعد هؤلاء، وبلغ من العلم درجتهم أو قاربهم، جاز له أن يتصرف في الأقوال المنقولة عن صاحب المذهب كتصرفهم، ويصحح منها ما أدى اجتهاده إليه، وافقهم أو خالفهم، وعمل بذلك وأفتى. وفي عصرنا من هذا القبيل شيخنا الإمام العالم العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني حرسه الله تعالى، فإنه لا يتوقف في الفتيا على ما صححه الأصحاب من المذهب، بل يعمل ويفتي بما قام عليه الدليل عنده) ا. هـ.
(1/12)
*وقد ذكر كتابا واحدا من كتب الشيخ وهو «بيان الدليل» , فقال: (وقد صنف شيخنا تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية كتابا بناه على بطلان نكاح المحلل, وأدرج فيه جميع قواعد الحيل, وبين بطلانها بأدلته على وجه لا مزيد عليه) ا. هـ. 2 - ابن عبد الهادي (ت: 744): هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي، الجماعيلي الأصل، ثم الصالحي، الحنبلي. ولد سنة (705). وقد كان - رحمه الله - أحد الأذكياء, وكان عالما متفننا, وصاحب مصنفات محررة. قال الحسيني في «ذيل العبر» (ص: 132) ــ تحت ترجمة ابن عبد الهادي ــ: «وتفقه بشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية, وكان من جلة أصحابه». وقال ابن رجب في «ذيل الطبقات» (5/ 116): «ولازم الشيخ تقي الدين مدة». وقال يوسف بن عبد الهادي في «الجوهر المنضد» (ص: 114): (يقال: أفقه أصحاب الشيخ هو (1)، وأعلمهم بالحديث ابن عبد الهادي). ويصف لنا ابن عبد الهادي جانبا من علاقته بشيخ الإسلام ابن تيمية _________ (1) أي ابن مفلح.
(1/13)
فيقول في كتابه المفرد في مناقب الشيخ المسمى «العقود الدرية» (395 - 396) ــ بعد أن ذكر سجن الشيخ بالقلعة سنة (720) ــ: (ثم ورد مرسوم السلطان بإخراجه، فأخرج منها يوم الاثنين، يوم عاشوراء، من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وتوجه إلى داره. ثم لم يزل بعد ذلك يعلم الناس ويلقي الدرس بالحنبلية أحيانا, ويقرأ عليه في مدرسته بالقصاعين في أنواع العلم. وكنت أتردد إليه في هذه المدة أحيانا, وقرأت عليه قطعة من «الأربعين» للرازي, وشرحها لي, وكتب لي على بعضها شيئا, وكان يقرأ عليه في تلك المدة من كتبه, وهو يصلح فيها, ويزيد وينقص. ولقد حضرت معه يوما في بستان الأمير فخر الدين بن الشمس لؤلؤ, وكان قد عمل وليمة, وقرأت على الشيخ في ذلك اليوم أربعين حديثا, وكتب بعض الجماعة أسماء الحاضرين, وأخذ الشيخ بعد ذلك في الكلام في أنواع العلوم, فبهت الحاضرون لكلامه واشتغلوا بذلك عن الأكل). *وقد كان للحافظ ابن عبد الهادي عناية كبيرة بمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، يظهر ذلك من مطالعة كتابيه «العقود الدرية» و «اختيارات شيخ الإسلام «. *وبالإضافة إلى ترجمته المفردة للشيخ التي سبقت الإشارة إليها, فقد ترجم له في آخر كتابه «طبقات الحفاظ» (4/ 279 - 296) , وذكر في ترجمة ابن الجوزي (4/ 121) كثرة مؤلفاته, وقال: (لا أعلم أحدا صنف أكثر من ابن الجوزي إلا شيخنا الإمام الرباني أبا العباس أحمد بن
(1/14)
عبد الحليم الحراني - رضي الله عنه -). وقال في «العقود الدرية» (37): (ولا أعلم أحدا من متقدمي الأمة ولا متأخريها جمع مثل ما جمع, ولا صنف نحو ما صنف, ولا قريبا من ذلك, مع أن أكثر تصانيفه إنما أملاها من حفظه, وكثير منها صنفه في الحبس, وليس عنده ما يحتاج إليه من الكتب). *وكان ابن عبد الهادي في كتبه كثير الثناء على شيخه, ومن ذلك قوله في «الصارم المنكي» (98): (وقد علم الخاص والعام أن كلام شيخ الإسلام في سائر أنواع علوم الإسلام فيه من التحرير، والتحقيق، وغاية البيان والإيضاح، وتقريب المعاني إلى الأفهام، وحسن التعليم والإرشاد إلى الطريق القويم = ما يضيق هذا الموضع عن ذكره) ا. هـ. نقوله عن الشيخ: سبق بحمد الله ــ ضمن هذا المشروع المبارك ــ طبع كتاب «اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية» لابن عبد الهادي، كما تم إدراج الاختيارات التي ذكرها في «العقود الدرية» في رسالة «اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية لدى مترجميه»، فذكرها في هذا المجموع تكرار لا حاجة إليه, لذا لم يتم إدراجها هنا, واكتفي بهذه الإشارة. وأما كتب ابن عبد الهادي الأخرى: فمنها ما أكثر فيه من النقل عن شيخ الإسلام كما تراه في «الصارم المنكي» حتى بلغ مجموع ما نقله عنه (175 صفحة) في (98) موضعًا من الكتاب, وأيضا في «رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة».
(1/15)
وأيضا: قال في «تنقيح التحقيق» تحت مسألة الجد والإخوة: (واعلم أن لشيخنا العلامة أبو العباس في هذه المسألة مصنفا جليلا, فمن أحب الوقوف عليه فليسارع إليه, ثم إني بعد أن كتبت هذا الكلام بمدة جمعت الآثار الواردة في هذه المسألة, وذكرت ما جاء عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الاختلاف فيها في عدة كراريس, ثم حكيت كلام شيخنا بحروفه في آخر ذلك) ا. هـ. وهذه الرسالة لم تصلنا حتى الآن, نسأل الله أن يوفق للوقوف عليها. ومنها ما نقل فيه بعض اختيارات الشيخ ولم يكثر، كـ «تنقيح التحقيق» فقد نقل عنه فيه في (11) موضعا، وكلها مسائل فقهية. وفي «طبقات الحفاظ» المطبوع باسم «طبقات علماء الحديث» نقل عنه في (4) مواضع كلها في تراجم الرجال. وفي رسالته في «الكلام على حديث أرحم أمتي بأمتي أبو بكر» , نقل عنه في موضع واحد كلاما في نقد هذا الحديث سندا ومتنا. وسبب التفاوت في كثرة النقل عن الشيخ عند ابن عبد الهادي هو طبيعة كل كتاب, فكل كتاب له موضوعه وطبيعته الخاصة. وقد سرد الحافظ ابن عبد الهادي قائمة مطولة بأسماء مؤلفات الشيخ في كتابيه «العقود الدرية» (ص 26 وما بعدها)، و «طبقات الحفاظ» (ص 289).
(1/16)
3 - الذهبي (ت: 748): هو الحافظ الشهير، مؤرخ الإسلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، صاحب «سير النبلاء» و «تذكرة الحفاظ» و «تاريخ الإسلام» وغيرها من الكتب الفريدة. ولد سنة (673). وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في «معجم شيوخه» (ص: 25)، وترجم له في أكثر من كتاب من كتبه. وله كتاب «الدرة اليتيمة في سيرة التيمية» ذكر بعضهم أنه في ترجمة ابن تيمية, وذكر آخرون أنه في ترجمة آل تيمية, وقد لخص ابن الوردي في «تاريخه» (2/ 279) ترجمة ابن تيمية منه. وله مؤلف آخر في أصحابه، قال السخاوي في «الإعلان بالتوبيخ» (307) وهو يعدد مؤلفات الذهبي التاريخية: (وورقة في أصحاب التقي ابن تيمية سماها «القبان») ا. هـ. وذكر جملة من أخباره وأحواله في مواضع مفرقة من كتبه (انظر: السير 11/ 364, تاريخ الإسلام 30/ 226, 50/ 69, 51/ 12, 52/ 61, 82, 90, 93, 95, 101, 104, 222, 52/ 426؛ تذكرة الحفاظ 4/ 1499؛ العبر 4/ 11, 20, 52, 56, 59, 75؛ معجم الشيوخ 1/ 36, 48, 324؛ المعجم المختص بالمحدثين 132, 136, 230, 239، ذيل تاريخ الإسلام 27, 65, 86, 93, 127, 156, 157, 195, 278, 306, 309, 333, 341).
(1/17)
وكان الحافظ الذهبي كثيرا ما يثني على شيخ الإسلام ابن تيمية عند ذكره, ومن لطائف ذلك: قوله في «معرفة القراء» (3/ 1296) تحت ترجمة مجد الدين عبد السلام ابن تيمية: (قال لي حفيده الإمام أبو العباس: كان الشيخ جمال الدين بن مالك يقول: ألين للشيخ مجد الدين الفقه كما ألين لداود الحديد. قلت: وألين لابن مالك النحو, كما ألين لداود الحديد, وألين لشيخنا أبي العباس العلم, كما ألين لداود الحديد) ا. هـ. وقال في «الطب النبوي» (228): (ورأيت شيخنا الشيخ إبراهيم الرقي بصيرا بالطب, وكذلك شيخنا الشيخ تقي الدين بن تيمية) ا. هـ. نقوله عن الشيخ: الحافظ الذهبي من المتوسطين في النقل عن شيخ الإسلام, فقد نقل عنه في جملة من كتبه, وقد تجد في كتاب موضعا واحدا, وتجد في آخر خمسة عشر موضعا. وجل هذه النقول تتعلق بالكلام في فن الحافظ الذهبي الأول وهو علم الرجال والتأريخ (انظر: السير 7/ 373, 13/ 15, 21/ 161, 22/ 366, معرفة القراء 3/ 1296، تاريخ الإسلام 17/ 428، 26/ 144, 41/ 156, 46/ 201, 50/ 223, 51/ 71, 362, 425, 52/ 206, 378، معجم الشيوخ 1/ 35, 361, 2/ 114, 121، ذيل تاريخ الإسلام 122, 159). ومنها ما يتعلق بمسائل عقدية (انظر: السير 11/ 363 - 364, 15/ 88, تاريخ الإسلام 30/ 126)، أو فقهية ــ وهي المقصودة هنا ــ (انظر: السير 14/ 279, تاريخ الإسلام 23/ 284 - 285).
(1/18)
ومنها ما يتعلق بالحكم على بعض الأحاديث (انظر: ميزان الاعتدال 2/ 293). وإضافة إلى ذلك فإن الحافظ الذهبي اعتنى باختصار بعض كتب الشيخ, وتحديدا كتابا «منهاج السنة» , و «الإيمان». قال في مقدمة «المنتقى من كتاب منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال» (1): (فهذه فوائد ونفائس اخترتها من كتاب «منهاج الاعتدال ... » تأليف شيخنا الإمام العالم أبي العباس أحمد بن تيمية - رحمه الله - تعالى) ا. هـ وهذا المختصر مطبوع ومتداول. وقال في «السير» (11/ 364): (وهذه مسألة كبيرة جليلة ــ يعني: مسألة الإيمان وأنه يزيد وينقص ــ، قد صنف فيها العلماء كتبا، وجمع فيها الإمام أبو العباس شيخنا (2)، مجلدا حافلا قد اختصرته، نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا حتى نوافيه به) ا. هـ. ولم نقف على هذا المختصر. وبخلاف كتابَي «الإيمان» و «منهاج الاعتدال» فقد صرح الحافظ الذهبي باسم كتاب «الصارم المسلول» في «تاريخ الإسلام» (52/ 223)، و «ميزان الاعتدال» (2/ 293) , و «سير أعلام النبلاء» (7/ 337). _________ (1) «منهاج الاعتدال ... » من أسماء كتاب «منهاج السنة» المطبوع. (2) علق محقق «السير» بقوله: (يقصد ابن تيمية، وكتابه الذي أشار إليه هو «منهاج السنة»، ومختصره الذي اختصره المؤلف أسماه: «المنتقى من منهاج الاعتدال»، وقد طبع بتحقيق محب الدين الخطيب) ا. هـ. أما أن المقصود ابن تيمية فصحيح, وأما أن الكتاب هو «منهاج السنة» فغير صحيح, كما هو ظاهر من سياق الكلام, بل المقصود هو كتاب «الإيمان».
(1/19)
وذكر أيضا كتاب الشيخ في الرد على السروجي, قال في «ذيل تاريخ الإسلام» (86 - 87): (وله ــ أي السروجي ــ رد على شيخنا ابن تيمية بسكينة وصحة ذهن (1) , ثم رد الشيخ على رده ... الخ) ا. هـ. 4 - ابن القيم (ت: 751): هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، ثم الدمشقي، الحنبلي، الشهير بـ (ابن قيم الجوزية). ولد سنة (691). وابن القيم - رحمه الله - من كبار علماء المسلمين، وصاحب المصنفات البديعة، وكان - رحمه الله - علما في سائر الفنون. وهو أشهر تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، «حتى لا يكاد يذكر الشيخ ابن تيمية إلا ويذكر معه تلميذه ابن القيم» (2)، وقد لزمه فترة طويلة بلغت ستة عشر عاما، وقد بسط الكلام عن علاقة ابن القيم بشيخ الإسلام ابن تيمية الشيخ بكر أبو زيد في كتابه «ابن القيم الجوزية حياته وآثاره» بما لا مزيد عليه (78 - 97). وقد قال يوسف بن عبد الهادي في «الجوهر المنضد» (ص: 114): (يقال: أفقه أصحاب الشيخ هو (3)، وأعلمهم بالحديث ابن عبد الهادي، _________ (1) سيأتي ذكره أيضا في ترجمة ابن كثير, ولكنه قال في وصفه: (وله اعتراضات على الشيخ تقي الدين ابن تيمية في علم الكلام أضحك فيها على نفسه) ا. هـ. (2) «ابن قيم الجوزية حياته وآثاره» للشيخ بكر أبو زيد (ص 78). (3) أي: ابن مفلح.
(1/20)
وأعلمهم بأصول الدين والطرق والمتوسط بين الفقه والحديث وأزهدهم شمس الدين بن القيم). وكان ابن القيم كثير الثناء على شيخه كلما ذكره, ومن ذلك: قوله في «الصواعق المرسلة» (2/ 624): (وأقل درجات اختياراته (1) يكون وجها في المذهب, ومن الممتنع أن يكون اختيار ابن عقيل وأبي الخطاب والشيخ أبي محمد وجها يفتى بها, واختيارات شيخ الإسلام لا تصل إلى هذه المرتبة!). وقال في «إغاثة اللهفان» (1/ 436): (وأسوأ أحواله (2) أن يكون كبعض أصحاب الوجوه في مذهبه, كالقاضي وأبي الخطاب, وهو أجل من ذلك). نقوله عن الشيخ: سبق أن ابن القيم من المكثرين جدا في النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية. وقد قام الشيخ الفاضل (الدكتور) وليد بن محمد بن عبد الله العلي ــ وفقه الله لكل خير ــ بجرد كتب ابن القيم واستخراج ما فيها من نقول عن الشيخ, وهذه قائمة بأسماء الكتب التي قام بجردها وبجوار كل اسم عدد المواضع في ذلك الكتاب: 1 - اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية/18. _________ (1) أي: ابن تيمية. (2) أي: ابن تيمية.
(1/21)
2 - أحكام أهل الذمة/57. 3 - إعلام الموقعين عن رب العالمين/99. 4 - إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان/3. 5 - إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان/52. 6 - بدائع الفوائد/38. 7 - التبيان في أقسام القرآن/3. 8 - تحفة المودود بأحكام المولود/7. 9 - تهذيب السنن/20. 10 - جلاء الأفهام/5. 11 - جواب في صيغ الحمد/3. 12 - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح أو صفة الجنة/10. 13 - الداء والدواء/6. 14 - الروح/11. 15 - روضة المحبين ونزهة المشتاقين/9. 16 - زاد المعاد في هدي خير العباد/110. 17 - شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل/17. 18 - الصلاة وحكم تاركها /1. 19 - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة /21.
(1/22)
20 - وفي «مختصره» (9) مواضع. 21 - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية/40. 22 - طريق الهجرتين وباب السعادتين/11. 23 - عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين/3. 24 - الفروسية/7. 25 - الفوائد/5. 26 - فوائد حديثية/8. 27 - الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية/7. 28 - كشف الغطاء عن حكم سماع الغناء/5. 29 - مدارج السالكين/92. 30 - مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة/8. 31 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف/3. 32 - هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى/2. 33 - الوابل الصيب من الكلم الطيب/15. وأما «الرسالة التبوكية» و «رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه» فلا يوجد فيهما شيء منقول عن الشيخ. وهذه النقول موزعة على أنواع الفنون المختلفة, فمنها مسائل في التفسير، وأخرى في العقيدة والحديث والفقه والكلام في الرجال, ومنها جملة من أخبار شيخ الإسلام ابن تيمية وأحواله.
(1/23)
وكان الشيخ /وليد ــ جزاه الله خيرًا ــ قد رتَّب هذه المسائل حسب كتب ابن القيم ترتيبا أبجديا في مجموع واحد سماه «أقوال وأحوال شيخ الإسلام ابن تيمية التي حكاها عنه تلميذه الإمام ابن قيم الجوزية في كتبه» , فقمت بتجريد المسائل الفقهية من هذا المجموع وترتيبها حسب الموضوعات وتوثيقها. * وكثيرا ما ينقل ابن القيم كلام شيخ الإسلام بنصه (انظر: 53 - 57، 64، 70، 83، 87، وغيرها كثير). وربما نقل كلام الشيخ بالمعنى مع النص على ذلك (انظر: 227). وربما اقتصر على الإشارة إلى اختيار الشيخ فيقول: - وهو اختيار شيخنا (انظر: ص 60، 62، 73، 107، 116، 297 وغيرها). - أو: هذه طريقة شيخنا (انظر: ص 51، 255، 313، 336). - أو: وشيخنا يذهب إلى هذا (انظر: ص 98). - أو: شيخنا يرجح هذا (انظر: ص 162، 260، 326). - أو: كان شيخنا يقوي هذا (انظر: ص 281). - أو: يقوي ذلك وينصره (انظر: ص 282). وينعت الشيخ بعدة ألقاب منها: شيخنا، الشيخ تقي الدين ابن تيمية، شيخ الإسلام ابن تيمية، شيخنا أبو العباس. وفي موضع واحد ذكر كلاما للمجد ابن تيمية، ثم عقبه بكلام للشيخ فصدره بقوله: (قال حفيده).
(1/24)
* ولعل من أهم ما يميز نقول العلامة ابن القيم عن الشيخ أن الكثير منها تلقاه ابن القيم سماعا، فتجده يقول: - سمعت شيخ الإسلام يقرر كذا (انظر: ص 88، 89، 90، 136، 140، 164، 170، 183، 184، 185، 191، 192، 210، 217، 226، 250، 253). - أو: سألت شيخ الإسلام عن كذا (انظر: ص 152، 246). - أو: قال لي شيخنا كذا (انظر: ص 160، 213). وتجده أحيانا يسوق ما يحصل بينه وبين شيخه من المناقشات العلمية حول بعض المسائل (انظر: ص 304، 730 - 733). وأحيانا يجمع فيما ينقله عن الشيخ بين ما وجده في كتبه وما سمعه منه في الدروس (انظر: ص: ح 57 - 58، 132). وأحيانا يذكر أن الشيخ أفتى بكذا فاعترض عليه بعضهم فأجابه بكذا (انظر: ص 307). ولم أره يذكر واسطة بينه وبين شيخه إلا في موضع واحد (ص 163) قال: بلغني عن شيخنا كذا. ومما يميز نقول ابن القيم أيضا عنايته بنقل تقعيدات وتأصيلات الشيخ - رحمه الله -. ومما يميزها أيضا أنه إذا نقل كلام الشيخ بالمعنى فإنه يسوقه بأساليب أدبية جميلة, مع بعض الإضافات الكاشفة من قبله.
(1/25)
* وأما كتب الشيخ التي نص ابن القيم على النقل منها فهي التالية: 1 - اقتضاء الصراط المستقيم (انظر: ص 568). 2 - إبطال التحليل (انظر: ص 707، 736). 3 - التعليق على المحرر (انظر ص 1108). 4 - ضمان الأشجار مطلقا مع الأرض وبدونها (انظر ص 550). 5 - تأجير الشاة أو البقرة مدة معلومة لأخذ لبنها: (انظر ص 557). 6 - مصنف في مسألة الاستواء على العرش والرد على من تأول استوى باستولى. (انظر: الكافية الشافية: ص 104، 157). 7 - درء تعارض العقل والنقل. 8 - منهاج السنة. 9 - نقض التأسيس. 10 - جواب الاعتراضات المصرية. 11 - الجواب الصحيح. 12 - شرح العقيدة الأصبهانية. 13 - النبوات. 14 - حدوث العالم. 15 - قواعد الاستقامة. 16 - نقض أصول الفلاسفة.
(1/26)
17 - التسعينية. 18 - الفتاوى. 19 - الرسائل. 20 - القواعد. 21 - التفسير. 22 - المسائل المفردة. وكل هذه العناوين الستة عشر ذكرها في «النونية» (ص 268 - 269) , فقال: فاقرأ تصانيف الإمام حقيقة ... شيخ الوجود العالم الرباني أعني أبا العباس أحمد ذلك البـ ... حر المحيط بسائر الخلجان واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظير ثان وكذاك منهاج له في رده ... قول الروافض شيعة الشيطان وكذاك أهل الإعتزال فإنه ... أرداهم في حفرة الجبان وكذلك التأسيس أصبح نقضه ... أعجوبة للعالم الرباني وكذاك أجوبة له مصرية ... في ست أسفار كتبن سمان وكذا جواب للنصارى فيه ما ... يشفي الصدور وإنه سفران وكذاك شرح عقيدة للأصبها ... ني شارح المحصول شرح بيان فيها النبوات التي إثباتها ... في غاية التقرير والتبيان والله ما لأولي الكلام نظيره ... أبدا وكتبهم بكل مكان
(1/27)
وكذا حدوث العالم العلوي والسـ ... فلي فيه في أتم بيان وكذا قواعد الاستقامة إنها ... سفران فيما بيننا ضخمان وقرأت أكثرها عليه فزادني ... والله في علم وفي إيمان هذا ولو حدثت نفسي أنه ... قبلي يموت لكان غير الشان وكذاك توحيد الفلاسفة الألى ... توحيدهم هو غاية الكفران سفر لطيف فيه نقض أصولهم ... بحقيقة المعقول والبرهان وكذاك تسعينية فيها له ... رد على من قال بالنفساني تسعون وجها بينت بطلانه ... أعني كلام النفس ذا الوحدان وكذا قواعده الكبار وإنها ... أوفى من المائتين في الحسبان لم يتسع نظمي لها فأسوقها ... فأشرت بعض إشارة لبيان وكذا رسائله إلى البلدان والأ ... طراف والأصحاب والإخوان هي في الورى مبثوثة معلومة ... تبتاع بالغالي من الأثمان وكذا فتاواه فأخبرني الذي ... أضحى عليها دائم الطوفان بلغ الذي ألفاه منها عدة الأ ... يام من شهر بلا نقصان سفر يقابل كل يوم والذي ... قد فاتني منها بلا حسبان هذا وليس يقصر التفسير عن ... عشر كبار ليس ذا نقصان وكذا المفاريد التي في كل مسـ ... ـألة فسفر واضح التبيان ما بين عشر أو تزيد بضعفها ... هي كالنجوم لسالك حيران
(1/28)
5 - مغلطاي (ت: 762): هو العلامة علاء الدين أبو عبد الله مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري، التركي، ثم المصري، الحنفي. ولد سنة (689). ويُعَدُّ - رحمه الله - من كبار علماء الحديث في زمنه، وقد عرف - رحمه الله - بسعة الاطلاع على الكتب. نقوله عن الشيخ: اطلعت على رسالة جامعية قدمت لجامعة أم القرى بعنوان: «الحافظ مغلطاي وآثاره في علوم الحديث» وقد قام الباحث باستقرأ كتبه المطبوعة والمخطوطة استقراء جيدا، وأفاد أنه نقل عن شيخه ابن تيمية في أربعة مواضع: أحدها: في كتاب «الواضح المبين» (ص 92)، وهو الموضع الذي نسب فيه إلى شيخ الإسلام الفتوى المتعلقة بالعشق التي أوردها ابن القيم في «روضة المحبين» وبين بطلان نسبتها للشيخ. الثاني: في كتاب «الإيصال» في أثناء ترجمته للشيخ، والترجمة ضمن «الجامع لسيرة شيخ الإسلام». الثالث: في كتاب «إكمال تهذيب الكمال» في ترجمة زهرة غير منسوب، وهو في المطبوع (5/ 83).
(1/29)
الرابع: في كتاب «التلويح بشرح الجامع الصحيح» (ق: 168 أ) وهو مخطوط، وساق الباحث نص أول كلامه، وهو: وحدثت من غير وجه أن الشيخ نجم الدين بن الرفعة استفتى شيخنا ابن تيمية في مثل هذا فأجاب ... الخ. 6 - ابن مفلح (ت: 763): هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي الحنبلي. ولد قريبا من سنة (710). من كبار علماء الحنابلة، وكتبه من أهم مراجعهم، وخاصة كتابه «الفروع» , حتى قال يوسف بن عبد الهادي في «الجوهر المنضد» (113): (وصنف كتاب «الفروع» في الفقه جمع فيه غالب المذهب, ويقال: هو مكنسة المذهب, سمعت ذلك من شيخنا أبي الفرج) ا. هـ. وكان من أخبر الناس باختيارات شيخه, قال البرهان ابن مفلح في «المقصد الأرشد» (2/ 519): (وحضر عند الشيخ تقي الدين ونقل عنه كثيرا، وكان يقول له: ما أنت ابن مفلح، أنت مفلح، وكان أخبر الناس بمسائله واختياراته حتى إن ابن القيم كان يراجعه في ذلك). وقال يوسف بن عبد الهادي في «الجوهر المنضد» (ص 114) ــ كما سبق ــ: (يقال: أفقه أصحاب الشيخ هو (1) ... ). _________ (1) أي: ابن مفلح.
(1/30)
وقال أيضا (ص 114): (كان معظما لشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية، ينقل اختياراته في كتبه كثيرا، وغالب ما ذكره أبو الحسن بن اللحام في اختياراته فإنه من «الفروع»). وقد جريت في هذه النبذ على ذكر بعض ثناء تلاميذ الشيخ عليه, وإن كنت لم أقف على نص صريح يثني فيه ابن مفلح على شيخه وعلمه, ولكن عنايته الفائقة باختياراته الفقهية وتحريراته العلمية أبلغ من أي كلام, فهي شهادة عملية بالمكانة العلمية العالية لشيخ الإسلام ابن تيمية عنده. نقوله عن الشيخ: * ابن مفلح هو أكثر تلاميذ الشيخ نقلا عنه, وله أربعة كتب مطبوعة، هي: 1 - «الفروع»: وقد ذكر فيه الشيخ في (1360) موضعا (1). 2 - «النكت على المحرر»: وذكر الشيخ فيه في (314) موضعا. 3 - «الآداب الشرعية»: وورد ذكر الشيخ فيه في (229) موضعا. _________ (1) وضع ابن مفلح رموزا خاصة به في كتابه هذا، وقد بين مفاتيحها في مقدمة كتابه، ولوجود بعض هذه الرموز في النصوص المنقولة هنا فسوف أسوق نص كلامه حتى يتسنى للقارئ الوقوف على مفاتيح تلك الرموز بيسر وسهولة، قال رحمه الله: (وأشير إلى ذكر الوفاق والخلاف، فعلامة ما أجمع عليه «ع»، وما وافقنا عليه الأئمة الثلاثة رحمهم الله تعالى أو كان الأصح في مذهبهم «و»، وخلافهم «خ»، وعلامة خلاف أبي حنيفة «هـ»، ومالك «م»، فإن كان لأحدهما روايتان فبعد علامته «ر»، وللشافعي «ش»، ولقوليه «ق»، وعلامة وفاق أحدهم ذلك وقبله «و») ا. هـ.
(1/31)
4 - «أصول الفقه»: ولم أقف فيه على نقل عن الشيخ مع التصريح باسمه، وإنما فيه نقول مبهمة القائل فيقول: (قال بعض أصحابنا) ونحو ذلك ويكون المقصود شيخ الإسلام، وجل هذه النقول من «المسودة»، وقد تتبعها محقق الكتاب، وهي ليست على شرط هذا المجموع. * ويختلف منهج ابن مفلح في النقل عن الشيخ بحسب طبيعة الكتاب الذي يرد فيه النقل: ففي «الفروع» يشير إلى اختيار الشيخ أو كلامه إشارة فيقول مثلا: - واختار شيخنا كذا (انظر: ص 51، 52، 58، 65، 68، وغيرها كثير). - أو: قال شيخنا كذا (انظر: ص 49، 50، 51، 58، 59، 63، 65، وغيرها كثير أيضا). - أو: ذكر شيخنا كذا (انظر: ص 69، 85، 95، 109، 110، 111، وغيرها). - أو: عند شيخنا كذا (انظر: ص 82، 93، 100، 101، 103، 109 وغيرها). - أو: لم ير شيخنا كذا (انظر: ص 229، 231، 260، 327). - أو: مال شيخنا إلى كذا (انظر: ص 63، 110، 290). - أو: كره شيخنا كذا (انظر: ص 92، 169، 218، 314).
(1/32)
- أو: حرم شيخنا كذا (انظر: ص 139، 166، 223، 256). - أو: استحب شيخنا كذا (انظر: ص 143، 153، 189، 241). - أو: لم يستحب شيخنا كذا (انظر: ص 164، 187). - أو: أوجب شيخنا كذا (انظر: ص 224). - أو: لم يجوز شيخنا كذا (انظر: ص 72، 325). - أو: خير شيخنا بين كذا وكذا (انظر: ص 183). - أو: ادعى شيخنا كذا (انظر: ص 194). - أو: استحسن شيخنا كذا (انظر: ص 286). - أو: صوب شيخنا كذا (انظر: ص 273). - أو: صحح شيخنا كذا (انظر: ص 52، 268). - أو: احتج شيخنا بكذا (انظر: ص 148). - أو: غَلَّطَهُ شيخنا (انظر: ص 158). - أو: خالف شيخنا في كذا (انظر: ص 111، 175). - أو: انفرد شيخنا بكذا (انظر: ص 65). - أو: وافق شيخنا في كذا (انظر: ص 175). وربما نقل نص كلام الشيخ باختصار (انظر: ص 49، 69 وغيرها كثير).
(1/33)
وربما ذكر عبارة تشير إلى فهمه من كلام الشيخ ما ينقله عنه فيقول: - ظاهر كلام شيخنا كذا (انظر: ص 65، 94، 150، 161، 211، 240، وغيرها). - أو: كلام شيخنا يعطي كذا (انظر ص 275). - أو: معنى كلام شيخنا كذا (انظر: ص 278). - أو: كلام شيخنا يدل على كذا (انظر: ص 278). - أو: كلام الشيخ يدل على أنه اختياره (انظر: ص 1238). وفي حالات نادرة ينقل نصوصًا طويلة عن الشيخ ولكنه لا يخليها من اختصار أيضا (انظر: ص 271 - 273، 507 - 510). وربما ذكر أن الشيخ سئل عن كذا فأجاب بكذا (انظر: ص 284، 1017)، أو: قيل للشيخ كذا فقال كذا (انظر: ص 622، 921). وفي جميع هذه النقول لا ينعت الشيخ إلا بقوله: «شيخنا». وفي مواضع يسيرة إذا ورد ذكر الشيخ مع المجد ابن تيمية ينعته بـ «حفيده» فيقول: «اختار صاحب المحرر وحفيده» (انظر: ص 64، 102، 140، 161، 701، 1085). وربما اقتصر على اسم كتاب للشيخ فيقول: في «شرح العمدة» (انظر: ص 58، 100)، أو: في «اقتضاء الصراط المستقيم» (انظر: ص 127). وأيضا نجد ابن مفلح ينبه على المسألة التي يكون للشيخ فيها أكثر من قول (انظر: ص 391، 531 - 532، 742 - 743، 756، 929، 1114).
(1/34)
ويشير أيضا إلى المسألة التي يتوقف فيها الشيخ (انظر: ص 1006). كما يشير إلى المسألة التي يتردد فيها (انظر: ص 448). وأما في «النكت على المحرر»: ففي الغالب ينقل كلام الشيخ بنصه، ويشير إلى انتهاء الكلام بقوله: «انتهى كلامه». وجل نقوله عن الشيخ في هذا الكتاب هي من تعليق الشيخ على «المحرر». وربما اقتصر على الإشارة إلى اختيار الشيخ (انظر: ص 152، 159). وينعت الشيخ بـ «الشيخ تقي الدين». وأما في «الآداب الشرعية»: فطريقته فيه مشابهة لطريقته في «النكت على المحرر» فينقل كلام الشيخ كاملا, ويختمه بقوله: «انتهى كلامه». وفي بعض المسائل ينقل عن الشيخ من أكثر من كتاب (انظر: ص 238، 252، 254، 425، 676 - 677، 863، 888 - 897). وينعت الشيخ بقوله: (الشيخ تقي الدين). *ورغم كثرة نقول ابن مفلح عن الشيخ إلا أنه لا يسمي الموارد التي ينقل منها أقوال الشيخ إلا نادرا ــ وهذه جادة العلماء في ذلك الزمن ــ, وأسماء الكتب التي أشار إليها هي التالية: 1 - الأجوبة المصرية الأصولية (انظر: ص 167).
(1/35)
2 - أقسام القرآن (انظر: ص 179). 3 - الاعتصام بالكتاب والسنة (انظر: ص 469، 743، 929). 4 - اقتضاء الصراط المستقيم (انظر: ص 127، 275، 1081). 5 - بطلان التحليل (انظر: ص 976). 6 - التحفة العراقية (انظر: ص 254). 7 - التعليق على المحرر (انظر: ص 134، 426). 8 - تفضيل مذهب أهل المدينة على الكوفة (انظر: ص 881). 9 - الرد على الرافضي (انظر: ص 182، 318، 635، 679، 856، 868، 882، 885، 894، 911، 914، 915، 929، 1021، 1084). 10 - شرح العمدة (انظر: ص 58، 65، 68، 74، 82، 100). 11 - الصارم المسلول (انظر: ص 198). 12 - الفتاوى (انظر: ص 261). 13 - الفتاوى المصرية (انظر: ص 287، 532). 14 - الفرقان (انظر: ص 254). 15 - قاعدة في الأحكام الشرعية التي تعينت بالنص مطلقا، والتي تعينت بحسب المصلحة (انظر: ص 118). 16 - كتاب الإيمان (انظر: ص 252).
(1/36)
17 - مسائل في العقود (انظر: ص 677). 18 - مسألة العبودية (انظر: ص 238). 19 - المظالم المشتركة (انظر: ص 271). 7 - ابن قاضي الجبل (ت: 771): هو شرف الدين أبو العباس أحمد بن الحسن بن الخطيب المقدسي، الصالحي، الحنبلي، قاضي الجبل وابن قاضيه. ولد سنة (693). قال ابن ناصر الدين في «الرد الوافر» (138): «صحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وسمع منه، وتفقه به، وأخذ عنه». وقال البرهان ابن مفلح في «المقصد الأرشد» (1/ 93): «قرأ على الشيخ تقي الدين عدة مصنفات في علوم شتى, وذكر لعمي الشيخ برهان الدين: أنه قرأ عليه «المحصل» للرازي, وأفتى في شبيبته, وأذن له في الإفتاء الشيخ تقي الدين وغيره». وكان يقول: نبيي أحمد وكذا إمامي ... وشيخي أحمد كالبحر طامي نقوله عن الشيخ: لابن قاضي الجبل كتاب واحد مطبوع ــ حسب علمي ــ، وهو «المناقلة بالأوقاف» (جزء)، ولم ينقل فيه شيئا عن الشيخ. وله كتاب آخر مهم وهو «الفائق» ينقل عنه المرداوي في «الإنصاف»
(1/37)
كثيرا، وهو من مصادره في نقل أقوال واختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن هذا الكتاب لم يوقف عليه حتى الآن، يسر الله تعالى ذلك. 8 - ابن كثير (ت: 774): هو العلامة الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، البصري، ثم الدمشقي، الشافعي. ولد سنة (701). وهو من مشاهير علماء المسلمين، وكتابه «التفسير» من أكثر الكتب تداولا بين المسلمين عبر القرون، وقد جمع - رحمه الله - بين العلوم فهو مفسر، ومحدث، وفقيه، ومؤرخ. قال ابن حبيب: (وقد أخذ عن جماعة أجلهم الشيخ ابن تيمية، وقد أكثر عنه). وقال ابن قاضي شهبة في «طبقات الشافعية» (3/ 86): (وقال غير الشيخ (1): كانت له خصوصية بابن تيمية ومناضلة عنه، واتباع له في كثير من آرائه، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق، وامتحن بسبب ذلك وأوذي) ا. هـ. وقد وعد بكتابة مؤلف في مناقب الشيخ, قال في «البداية والنهاية» (14/ 160): (وقد أُفردت له تراجم كثيرة، وصنف في ذلك جماعة من الفضلاء وغيرهم، وسألخص من مجموع ذلك ترجمة وجيزة، في ذكر مناقبه، وفضائله، وشجاعته، وكرمه، ونصحه، وزهادته، وعبادته، وعلومه _________ (1) يعني: ابن حجي.
(1/38)
المتنوعة، الكثيرة، المجودة، وصفاته الكبار والصغار، التي احتوت على غالب العلوم، ومفرداته في الاختيارات التي نصرها بالكتاب والسنة، وأفتى بها. وبالجملة كان - رحمه الله - من كبار العلماء، وممن يخطئ ويصيب، ولكن خطأه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لجي، وخطأه أيضا مغفور له، كما في «صحيح البخاري»: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر» فهو مأجور. وقال الامام مالك بن أنس: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر) ا. هـ. نقوله عن الشيخ: الحافظ ابن كثير من المتوسطين في نقل أقوال الشيخ, وإن كان من المكثرين في نقل أخباره. فنقل عنه في «التفسير» في ثمانية مواضع (1/ 39 ط. دار الفكر (1) , 1/ 659، 712؛ 2/ 252, 362؛ 4/ 62, 395؛ 8/ 508). وذكره في «البداية والنهاية» في (124) موضعا, جلها في ذكر أخباره وأحواله، وبقية المواضع فيها بعض الاختيارات والفوائد العلمية المتعلقة بالعقيدة والرد على المبتدعة (انظر: 2/ 179، 11/ 292، 14/ 41 - 42) , وبالحديث (انظر: 5/ 369؛ 6/ 91، 93، 94، 280، 281؛ 14/ 12)، والفقه (انظر: 14/ 30) , وأخبار الرجال والحكم عليهم (انظر: 9/ 35؛ _________ (1) هذا الموضع يوجد في بعض الطبعات دون بعض.
(1/39)
11/ 216؛ 14/ 6، 92، 217) , وأخبار الأماكن والمواضع (انظر: 9/ 172, 179). وذكره أيضا في كتابه «اختصار علوم الحديث» (1/ 127؛ 2/ 643) , وفي كتابه «الفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -» في موضع واحد (1/ 336). *وقد ذكر - رحمه الله - جملة من مؤلفات شيخ الإسلام - رحمه الله -، هي: 1 - إبطال التحليل: قال في «تفسيره» (1/ 712): (وقد صنف الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية كتابا في إبطال التحليل تضمن النهي عن تعاطي الوسائل المفضية إلى كل باطل, وقد كفى في ذلك وشفى, فرحمه الله ورضي عنه) ا. هـ. 2 - الرد على الرافضة (منهاج السنة): قال في «البداية والنهاية» (14/ 144) تحت وفيات سنة 726: (وممن توفي فيها من الأعيان: ابن المطهر الشيعي، جمال الدين أبو منصور حسن بن يوسف بن مطهر الحلي، العراقي، الشيعي، شيخ الروافض بتلك النواحي ... وله كتاب «منهاج الاستقامة في إثبات الإمامة»، خبط فيه في المعقول والمنقول، ولم يدر كيف يتوجه، إذ خرج عن الاستقامة. وقد انتدب في الرد عليه الشيخ الإمام العلامة شيخ الاسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية في مجلدات، أتى فيها بما يبهر العقول من الأشياء المليحة الحسنة، وهو كتاب حافل) ا. هـ. وذكره أيضا في موضعين آخرين (6/ 94؛ 7/ 281). 3 - الرد على فرق النصارى واليهود (الجواب الصحيح).
(1/40)
قال في «البداية والنهاية» (6/ 78): (وما أحسن ما ذكره شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية - رحمه الله - في كتابه الذي رد فيه على فرق النصارى واليهود وما أشبههم من أهل الكتاب وغيرهم، فإنه ذكر في آخره دلائل النبوة، وسلك فيها مسالك حسنة صحيحة منتجة، بكلام بليغ، يخضع له كل من تأمله وفهمه). 4 - الصارم المسلول على ساب الرسول: قال في «البداية والنهاية» (13/ 396): (وصنف الشيخ تقي الدين بن تيمية في هذه الواقعة (1) كتابه «الصارم المسلول على ساب الرسول»). وقال في «الفصول» (ص 336): (وقد صنف في ذلك الشيخ الإمام أبو العباس بن تيمية كتابه «الصارم المسلول على من سب الرسول - صلى الله عليه وسلم -» وهو من أحسن الكتب المؤلفة في ذلك، والله أعلم). 5 - الرد على اعتراضات السروجي على الشيخ في علم الكلام: قال في «البداية والنهاية» (14/ 67): (وله (2) اعتراضات على الشيخ تقي الدين ابن تيمية في علم الكلام أضحك فيها على نفسه, وقد رد عليه الشيخ تقي الدين في مجلدات وأبطل حجته) ا. هـ. 6 - رسالة في قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52]. قال في «تفسيره» (4/ 395): ({ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} تقول: _________ (1) يقصد واقعة عساف النصراني الذي سب الرسول - صلى الله عليه وسلم -. (2) أي: أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي.
(1/41)
إنما اعترفت بهذا على نفسي، ذلك ليعلم زوجي أني لم أخنه في نفس الأمر ... وهذا القول هو الأشهر، والأليق والأنسب بسياق القصة، ومعاني الكلام، وقد حكاه الماوردي في «تفسيره»، وانتدب لنصره الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - فأفرده بتصنيف على حدة) ا. هـ. 7 - جزء في الطريقة الأحمدية: قال في «البداية والنهاية» (14/ 41): (وصنف الشيخ (1) جزءا في طريقة الأحمدية وبين فيه أحوالهم ومسالكهم وتخيلاتهم, وما في طريقتهم من مقبول ومردود بالكتاب, وأظهر الله السنة على يديه وأخمد بدعتهم, ولله الحمد والمنة) ا. هـ. 8 - فصل فيما وقع في المناظرة حول العقيدة الواسطية. قال في «البداية والنهاية» (14/ 42): (وقد رأيت فصلا من كلام الشيخ تقي الدين في كيفية ما وقع في هذه المجالس الثلاثة من المناظرات (2)) ا. هـ. 9 - مصنف في تحريم إغارة العرب بعضهم على بعض: قال في «البداية والنهاية» (14/ 200) في وفيات سنة: (735): (الأمير سلطان العرب حسام الدين مهنا بن عيسى بن مهنا، أمير العرب بالشام ... وكان يحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية حبا زائدا، هو وذريته وعربه، وله عندهم منزلة وحرمة وإكرام، يسمعون قوله ويمتثلونه، وهو الذي نهاهم أن يغير بعضهم على بعض، وعرفهم أن ذلك حرام، وله في ذلك مصنف جليل) ا. هـ. _________ (1) أي: ابن تيمية. (2) يشير إلى المناظرات التي وقعت حول «العقيدة الواسطية».
(1/42)
خاتمة: بعد هذا العرض المختصر لأصحاب الكتب المطبوعة من تلاميذ الشيخ، أشير إلى بعض الأمور: 1 - أن طلاب الشيخ متفاوتون في كثرة النقل عنه, ويمكن تقسيمهم إلى ثلاث درجات: الأولى: المكثرون، ومنهم: ابن مفلح، وبلغ مجموع المواضع التي ذكر فيها الشيخ (1903). وابن القيم، وبلغ مجموع عدد المواضع التي ذكر فيها الشيخ (702). الثانية: المتوسطون، ومنهم: ابن عبد الهادي، والذهبي، وابن كثير. الثالثة: المقلون، ومنهم: الطوفي، ومغلطاي. 2 - أن طلاب الشيخ كانوا من مذاهب فقهية مختلفة: فمنهم الحنبلي، كالطوفي، وابن عبد الهادي، وابن القيم، وابن مفلح، وابن قاضي الجبل. ومنهم الشافعي، كالذهبي، وابن كثير. ومنهم الحنفي، كمغلطاي. 3 - أن بعض تلاميذ الشيخ كان ينقل عنه في حال حياته كالطوفي ــ الذي توفي قبل الشيخ ــ وغيره, ومنهم من كان ينقل عنه بعد وفاته وهو الغالب. 4 - أن نقول تلاميذ الشيخ عنه كانت متنوعة، فشملت جميع الفنون (التفسير، الحديث، العقيدة، الفقه، اللغة، النحو، والتاريخ والرجال، وغير ذلك).
(1/43)
5 - أن هناك موارد أخرى قد نقلت عن الشيخ ولكنها لم تصل إلينا كما يعلم ذلك من إشارات ابن عبد الهادي السابقة هنا وفي «العقود الدرية» , ومن وصف كتاب «الفائق» لابن قاضي الجبل، وغير ذلك. وقبل الختام: ألفت النظر إلى أن المقصود الأول من هذا المجموع ــ كما سبق ــ هو تقريب اختيارات الشيخ وفوائده المنقولة في كتب تلاميذه لطلبة العلم, ولكن هناك فوائد أخرى حصلت بالتبع, منها: 1 - تصويب لتصحيفات, واستدراك لسقطات وقعت في بعض مطبوعات كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها: (انظر: ص 79، 82، 128 - 129، 585، 704، 819). 2 - تصويب أخطاء مطبعية وقعت في بعض مصادر هذا المجموع: (انظر: ص 76، 82، 251، 256، 286 - 287، 463، 468، 474، 482، 512، 519، 521، 525، 557، 579، 580, 581، 585، 586، 591، 605، 660، 690، 691، 717، 742، 900، 1094). 3 - التنبيه على بعض الإشكالات التي وقعت في بعض الكتب الناقلة لاختيارات الشيخ: (انظر: ص 93، 104، 128، 300، 301، 327، 428، 438، 506، 591). 4 - توثيق نسبة بعض الكتب لشيخ الإسلام ابن تيمية: (انظر: فهرس كتب شيخ الإسلام الواردة في المجموع). 5 - معرفة بعض المسائل التي للشيخ فيها أكثر من قول: (انظر: ح 85، 161، ح 293، 325، ح 331، 391، 470، ح 471، 476، 531 - 532، 592، ح 654، 742 - 743، 758، ح 770، 860، 929، 1114).
(1/44)
6 - معرفة المسائل التي رجع الشيخ فيها عن قوله الأول (انظر: ص 698). 7 - معرفة بعض المسائل التي توقف فيها الشيخ (انظر: ص 689، 692، 1006). وغير ذلك من الفوائد التبعية. وختاما: أحمد الله عز وجل وأشكره أولًا وآخرًا على ما منَّ به من إنجاز هذا العمل, وهو جهد المقل, فما كان فيه من صواب فمن الله, وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان, وأستغفر الله العظيم منه. وأتوجه بالشكر الجزيل والدعاء الوفير لفضيلة الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبوزيد صاحب فكرة هذا المشروع، والمشرف عليه، فأسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته, وأن يجزل له الأجر والمثوبة, كما أشكر جميع الإخوة الذين ساهموا في إنجاز هذا العمل ماديا ومعنويا, وأسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء. كما أسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم, متقبلا بقبول حسن, نافعا لسائر المسلمين, إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم اغفر لي ولوالدي ولمشايخي ولسائر المسلمين. وكتب سامي بن محمد بن جاد الله [email protected]
(1/45)
اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية لدى تلاميذه جمع وإعداد سامي بن محمد بن جاد الله
(1/47)
كتاب الطهارة
باب المياه
1 - الطهارة بالمسكر: - قال ابن مفلح: (ونص أحمد: لا يسوغ الاجتهاد في حل المسكر، فكيف الطهارة به؟ قاله شيخنا) [الفروع: 1/ 72 (1/ 56)]. 2 - الطَّهور من الأسماء المتعدية أم اللازمة؟ - قال ابن عبد الهادي تحت الكلام عن هذه المسألة: (قال شيخنا - رضي الله عنه -: والتحقيق في هذا أن يقال: إن الطَّهور هنا ليس معدولا عن طاهر حتى يشاركه في اللزوم والتعدي بحسب اصطلاح النحاة ــ كما يقال: ضاربٌ وضروبٌ، وآكلٌ وأكولٌ، ونائمٌ ونؤومٌ ــ، ولكن من أسماء الآلات التي تفعل (1) بها. فإنهم يقولون: طَهُورٌ ووَجُورٌ وسَعُوطٌ ولَدُودٌ وفَطُورٌ وسَحُورٌ: لما يتطهَّر به ويُوجَر به ويُلَدُّ به ويُفْطَر عليه ويُتَسحَّر به. ويقولون: طُهُورٌ ووُجُورٌ وسُعُوطٌ ولُدُودٌ وفُطُورٌ وسُحُورٌ ــ بالضمِ ــ: للمصدر الذي هو اسمٌ لنفس الفعل. فيفرقون بين اسم الفعل واسم ما يفعل به: بالضم والفتح، وهذا _________ (1) في «الفروع»: (يفعل).
(1/49)
معروف مشهورٌ عند أهل العلم بالعربية وغيرهم من الفقهاء والمحدِّثين، وإذا كان كذلك فالطَّهُور: اسم لما يتطهَّر به. وكذا قال تعالى في إحدى الآيتين: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]، وفي الأخرى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11]. وأما اسم طاهر: فإنه صفةٌ محضةٌ لازمةٌ، لا يدل على ما يتطهر به أصلًا. فصار الفرق بين الطَّاهر والطَّهور من جهة اللزوم والتَّعدية المعنويَّة الحكميَّة الفقهيَّة، لا من جهة اللزوم والتَّعدية النحوية، وبهذا التحرير يزول الإشكال ويظهر قول من فرَّق بين طاهر وطَهور من هذه الجهة، لا كمن سوَّى بينهما من أصحاب أبي حنيفة، ولا كمن فرَّق بينهما بفرق غير جارٍ على مقاييس كلام العرب من أصحاب مالكٍ والشافعيِّ وأحمد ــ رحمهم الله ــ، والله أعلم) [تنقيح التحقيق: 1/ 14 ــ 15]. - وقال ابن مفلح: (قال شيخنا: التحقيق أنه ليس معدولا عن طاهر حتى يشاركه في اللزوم والتعدي بحسب اصطلاح النحاة، كضارب وضروب، ولكنه من أسماء الآلات التي يفعل بها كوجور، وفطور، وسحور، ونحوه، ويقولون ذلك بالضم للمصدر من نفس الفعل (1)، فأما طاهر فصفة محضة لازمة لا تدل على ما يتطهر به) [الفروع: 1/ 73 (1/ 57)] (2). _________ (1) في ط 2: (للمصدر نفس الفعل). (2) «الاختيارات» للبعلي (5 - 7)، وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (14)، «شرح العمدة» (1/ 60). وانظر ما يأتي (ص 71).
(1/50)
3 - من ثمرات الخلاف في المسألة السابقة: - قال ابن مفلح: (وفائدة المسألة: أن المائعات لا تزيل النجاسة. قاله القاضي وأصحابه، قال شيخنا: وفائدة ثانية: ولا تدفعها عن نفسها، والماء يدفع بكونه مطهرا، كما دل عليه قوله عليه السلام: «خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء». وغيره ليس بطهور، فلا يدفع) [الفروع: 1/ 73 (1/ 58)] (1). 4 - الطهارة بماء زمزم: - قال ابن القيم: (طريقة شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية كراهة الغسل به (2) دون الوضوء، وفرّق بأن غسل الجنابة يجري مجرى إزالة النجاسة من وجه، ولهذا عم البدن كله لما صار كله جنبا، ولأن حدثها أغلظ، ولأن العباس إنما حجرها على المغتسل خاصة) [بدائع الفوائد: 4/ 48]. - وذكر ابن مفلح مسألة التطهر بماء زمزم، ثم قال: (وقيل: يكره الغسل لا الوضوء «و» واختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 77 (1/ 63)] (3). 5 - تغير الماء بما لا يشق صونه عنه: - قال ابن مفلح: (وإن غَيَّره ــ يعني: الماء الطهور ــ ما شق صونه عنه لم يكره (4) في الأصح، فإن وضع قصدا أو خالطه ما لم يشق ــ وقيل: حتى التراب ــ وغَيَّر كثيرا، وقيل: أو قليلا صفةً، وقيل: أو أكثر= فطاهر، اختاره _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (7 - 8)، وانظر: «شرح العمدة» (1/ 60، 61). (2) أي: ماء زمزم. (3) «الاختيارات» للبعلي (9)، وانظر: «الفتاوى» (12/ 600؛ 26/ 144). (4) أقحم في ط 1 حرف (لا)، والتصويب من ط 2.
(1/51)
الأكثر «و: م، ش» لأنه ليس بماء مطلق، لأنه لو حلف لا يشرب ماء فشربه لم يحنث، ولو وكّله في شراء ماء فاشتراه لم يلزم الموكِّل. وأجاب شيخنا وغيره: بأن تناول الاسم لمسمّاه لا فرق بين تغير أصلي وطارئ يمكن الاحتراز منه أو لا، وإنما الفرق من جهة القياس، لحاجة الاستعمال، ولهذا لو حلف لا يشرب ماء، أو وكّله في شراء ماء، أو غير ذلك لم يفرّق بين هذا وهذا. وقال أيضا: لا يتناول ماء البحر، فكذا ما كان مثله في الصفة. وعنه ــ أي أحمد ــ: طهور ... واختاره ... شيخنا) [الفروع: 1/ 77 ــ 78 (1/ 64 ــ 65)] (1). 6 - الماء القليل المستعمل في رفع الحدث: - قال ابن مفلح: (وإن استعمل قليل في رفع حدث فطاهر ... وعنه: طهور ... واختاره ابن عقيل وأبو البقاء وشيخنا) [الفروع: 1/ 79 (1/ 71)] (2). 7 - ما يصيب الثوب من الماء القليل المستعمل في الطهارة: - ذكر ابن مفلح ما يصيب الثوب من الماء القليل المستعمل في الطهارة، ثم قال: (ويستحب غسل ذلك في رواية، وفي رواية: لا، صحّحه الأزجيّ وشيخنا) [الفروع: 1/ 79 (1/ 71)] (3). _________ (1) «الفتاوى» (21/ 24 - 26). (2) «الفتاوى» (19/ 236، 20/ 519، 21/ 48)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (رقم: 73)، «الاختيارات» للبعلي (8). (3) «الاختيارات» للبعلي (9).
(1/52)
8 - تغير الماء وسائر المائعات بالنجاسة: 9 - وتطهير الماء النجس: - قال ابن القيم: (الذي دلّت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآثار أصحابه أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، وإن كان يسيرا، وهذا قول أهل المدينة وجمهور السلف وأكثر أهل الحديث، وبه أفتى عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد والأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الرحمن بن مهدي، واختاره ابن المنذر، وبه قال أهل الظاهر، ونصُّ أحمد في إحدى روايتيه، واختاره جماعة من أصحابنا منهم ابن عقيل في مفرداته وشيخنا أبو العباس وشيخه ابن أبي عمر) [إغاثة اللهفان: 1/ 179] (1). - وقال أيضًا نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (وأما إزالة النجاسة فمن قال: إنها على خلاف القياس، فقوله من أبطل الأقوال وأفسدها، وشبهته أن الماء إذا لاقى نجاسة تنجس بها، ثم لاقى الثاني والثالث كذلك، وهلم جرا، والنجس لا يزيل نجاسة. وهذا غلط، فإنه يقال: فلم قلتم: إن القياس يقتضي أن الماء إذا لاقى نجاسة نَجُس؟ _________ (1) «الفتاوى» (21/ 30 - 35؛ 37 - 40؛ 499 - 502؛ 337 - 338)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (رقم: 14)، «الاختيارات» للبرهان (رقم: 40)، «الاختيارات» للبعلي (10).
(1/53)
فإن قلتم: الحكم في بعض الصور كذلك، قيل: هذا ممنوع عند من يقول: إن الماء لا ينْجُس إلا بالتغير. فإن قيل: فيقاس ما لم يتغير على ما تغير، قيل: هذا من أبطل القياس حسًا وشرعا، وليس جَعلُ الإزالة مخالفةً للقياس بأولى من جعل تنجيس الماء مخالفًا للقياس، بل يقال: إن القياس يقتضي أن الماء إذا لاقى نجاسة لا ينجس، كما أنه إذا لاقاها حال الإزالة لا ينجس، فهذا القياسُ أصحُّ من ذلك القياس؛ لأن النجاسة تزول بالماء حسًا وشرعًا، وذلك معلوم بالضرورة من الدين بالنص والإجماع، وأما تنجيس الماء بالملاقاة فمورد نزاع، فكيف يجعل مورد النزاع حجة على مواقع الإجماع؟ ! والقياسُ يقتضي رد موارد النزاع إلى مواقع الإجماع. وأيضًا فالذي تقتضيه العقولُ أن الماء إذا لم تغيره النجاسة لا ينجس؛ فإنه باقٍ على أصل خلقته، وهو طيب، فيدخل في قوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [لأعراف: 157]، وهذا هو القياس في المائعات جميعها إذا وقع فيها نجاسة فاستحالت بحيث لم يظهر لها لون ولا طعم ولا ريح. وقد تنازع الفقهاء: هل القياس يقتضي نجاسة الماء بملاقاة النجاسة إلا ما استثناه الدليل، أو القياس يقتضي أنه لا ينجس إذا لم يتغير؟ على قولين، الأول قول أهل العراق، والثاني قول أهل الحجاز، وفقهاء الحديث منهم من يختار هذا ومنهم من يختار هذا.
(1/54)
وقول أهل الحجاز هو الصواب الذي تدل عليه الأصول والنصوص والمعقول؛ فإن الله سبحانه أباح الطيبات وحرَّم الخبائث، والطيب والخبث يثبت للمحَلِّ باعتبار صفات قائمة به، فما دامت تلك الصفة فالحكم تابع لها، فإذا زالت وخلَفتها الصفة الأخرى زال الحكم وخلفه ضده، فهذا هو محْضُ القياس والمعقول، فهذا الماء والطعام كان طيبًا لقيام الصفة الموجبة لطيِبه، فإذا زالت تلك الصفة وخلفتها صفة الخبث عاد خبيثًا، فإذا زالت صفة الخبث عاد إلى ما كان عليه، وهذا كالعصير الطيب إذا تخمَّر صار خبيثًا فإذا عاد إلى ما كان عليه عاد طيبًا، والماء الكثير إذا تغير بالنجاسة صار خبيثًا فإذا زال التغير عاد طيبًا، والرجل المسلم إذا ارتدَّ صار خبيثًا فإذا عاد إلى الإسلام عاد طيبًا، والدليل على أنه طيب: الحس والشرع. أمّا الحس فلأن الخبث لم يظهر له فيه أثر بوجه ما، لا في لون ولا طعم ولا رائحة، ومُحال صِدْقُ المشتقِّ بدون المشتق منه. وأمّا الشرع فمن وجوه: أحدها: أنه كان طيبًا قبل ملاقاته لما يتأثر به، والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت رفعه، وهذا يتضمن أنواع الاستصحاب الثلاثة المتقدمة (1): استصحاب براءة الذمة من الإثم بتناوله شربًا أو طبخا أو عجنا، وملابسة استصحاب الحكم الثابت وهو الطهارة، واستصحاب حكم الإجماع في محل النزاع. الثاني: أنه لو شرب هذا الماء الذي قطرت فيه قطرة من خمر مثل _________ (1) انظر: «إعلام الموقعين» (1/ 339).
(1/55)
رأس الذبابة لم يُحَدّ اتفاقا، ولو شربه صبي وقد قطرت فيه قطرة من لبن لم تنشر الحرمة؛ فلا وجه للحكم بنجاسته لا من كتاب ولا من سنة ولا قياس. والذين قالوا: إن الأصل نجاسة الماء بالملاقاة، تناقضوا أعظم تناقض، ولم يمكنهم طرد هذا الأصل: فمنهم من استثنى مقدار القلتين على خلافهم فيها، ومنهم من استثنى ما لا يمكن نزحه، ومنهم من استثنى ما إذا حُرِّكَ أحد طرفيه لم يتحرك الطرف الآخر، ومنهم من استثنى الجاري خاصة. وفرّقوا بين ملاقاة الماء في الإزالة إذا ورد على النجاسة وملاقاتها له إذا وردت عليه بفروق: منها: أنه وارد على النجاسة فهو فاعل وإذا وردت عليه فهو مَوْرود مُنفعل وهو أضعف. ومنها: أنه إذا كان واردا فهو جار والجاري له قوة. ومنها: أنه إذا كان واردا فهو في محل التطهير، ومادام في محل التطهير فله عمل وقوة. والصواب أن مقتضى القياس أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، وأنه إذا تغير في محل التطهير فهو نجس أيضا، وهو في حال تغيره لم يزلها وإنما خففها، ولا تحصل الإزالة المطلوبة إلا إذا كان غير متغير. وهذا هو القياس في المائعات كلها: أن يسير النجاسة إذا استحالت في الماء ولم يظهر لها فيه لون ولا طعم ولا رائحة فهي من الطيبات لا من الخبائث، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الماء لا ينجس»، وصح عنه أنه
(1/56)
قال: «إن الماء لا يجنب»، وهما نصان صريحان في أن الماء لا ينجس بالملاقاة، ولا يسلبه طَهُوريته استعماله في إزالة الحدث، ومَن نجَّسه بالملاقاة أو سَلبَ طَهُوريته بالاستعمال فقد جعله ينجس ويجنب. والنبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه في «صحيح البخاري» أنه سئل عن فأرة وقعت في سَمْن فقال: «ألقُوها وما حوله وكُلُوه»، ولم يفصل بين أن يكون جامدًا أو مائعًا، قليلا أو كثيرا، فالماء بطريق الأوْلى يكون هذا حكمه. وحديث التفريق بين الجامد والمائع حديث معلول، وهو غلط من معمر من عدة وجوه، بيَّنها البخاري في «صحيحه» والترمذي في «جامعه» وغيرهما، ويكفي أن الزهري الذي روى عنه معمر حديث التفصيل قد روى عنه الناسُ كلهم خلاف ما روى عنه معمر، وسئل عن هذه المسألة فأفتى بأنها تُلقَى وما حولها ويؤكل الباقي في الجامد والمائع والقليل والكثير، واستدل بالحديث، فهذه فُتْياه، وهذا استدلاله، وهذه رواية الأئمة عنه. فقد اتفق على ذلك النص والقياس، ولا يصلح للناس سواه، وما عداه من الأقوال فمتناقض لا يمكن صاحبه طرده كما تقدم، فظهر أن مخالفة القياس فيما خالف النص لا فيما جاء به النص) [إعلام الموقعين: 1/ 391 ــ 394] (1). _________ (1) هذا الكلام نقله ابن القيم عن شيخ الإسلام ضمن جواب طويل له حول ما يقول فيه بعض الفقهاء إنه بخلاف القياس، وأضاف عليه بعض الإضافات التي تبين كلام شيخ الإسلام وتوضحه، وقد أشار إلى ذلك في أول النقل، فقال (1/ 383 - 384): (وسألت شيخنا ــ قدس الله روحه عما يقع في كلام كثير من الفقهاء من قولهم: هذا خلاف القياس، لما ثبت بالنص أو قول الصحابة أو بعضهم، وربما كان مجمعا عليه، كقولهم: طهارة الماء إذا وقعت فيه نجاسة على خلاف القياس، وتطهير النجاسة على خلاف القياس، والوضوء من لحم الإبل، والفطر بالحجامة، والسلم، والإجارة، والحوالة، والكتابة، والمضاربة، والمزارعة، والمساقاة، والقرض، وصحة صوم الآكل الناسي، والمضيّ في الحج الفاسد، كل ذلك على خلاف القياس، فهل هذا صواب أم لا؟ فقال: ليس في الشريعة ما يخالف القياس، وأنا أذكر ما حصلته من جوابه بخطه ولفظه، وما فتح الله سبحانه لي بيمن إرشاده وبركة تعليمه وحسن بيانه وتفهيمه) ثم ساق الجواب. وهذا الجواب مطبوع ضمن «مجموع الفتاوى» (20/ 504 - 584)، ويسمى: «رسالة في معنى القياس»، وقد فرقته على الأبواب حسب المسائل الفقهية الواردة فيه، ونص مسألة هذا الباب في «الفتاوى» (20/ 515 - 520) مع اختلاف بينهما في بعض المواضع.
(1/57)
10 - تغير الماء بالنجاسة في محل التطهير: - وقال ابن مفلح: (ولا يؤثر تغيره ــ أي الماء ــ في محل التطهير، وفيه قول، واختاره شيخنا، قال: والتفريق بينهما بوصف غير مؤثر لغة وشرعا) [الفروع: 1/ 84 ــ 85 (1/ 83)] (1). 11 - نجاسة الماء النجس حكمية: - قال ابن مفلح: (وظاهر كلامهم ــ أي: الأصحاب ــ أن نجاسة الماء النجس عينية، وذكر شيخنا في «شرح العمدة»: لا؛ لأنه يطهر غيره، فنفسه أولى، وأنه كالثوب النجس) [الفروع: 1/ 87 (1/ 86)] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (10)، وانظر: «الفتاوى» (20/ 518)، وما نقله ابن القيم في المسألة السابقة. (2) «شرح العمدة» (1/ 64)، «الاختيارات» للبعلي (11). قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (ما قاله الشيخ تقي الدين هو الصواب، وفي قول المصنف [أي: ابن مفلح]: «إنها عينية» نظر؛ لأن الأصحاب قالوا: النجاسة العينية لا يمكن تطهيرها، وهذا يمكن تطهيره، فظاهر كلامهم أنها حكمية، وهو الصواب، وهو ظاهر ما نقله المصنف عن بعض الأصحاب في كتب الخلاف) ا. هـ.
(1/58)
12 - اللبن كالزيت: - قال ابن مفلح: (وينجس كل مائع ــ كزيت وسمن ــ بنجاسة ... وعنه: حكمه كالماء «و: هـ»، وعنه: إن كان الماء أصلا له، وقال شيخنا: ولبن كزيت) [الفروع: 1/ 93] (1). 13 - اشتباه الأواني الطاهرة بغيرها: - قال ابن القيم: (أما مسألة اشتباه الأواني، فكذلك ليست من باب الوسواس، وقد اختلف فيها الفقهاء اختلافا متباينا: فقال أحمد: يتيمم ويتركها، وقال مرة: يريقها ويتيمم، ليكون عادما للماء الطهور بيقين .... ). وذكر الأقوال في ذلك، إلى أن قال: (وقالت طائفة ــ منهم شيخنا ــ يتوضأ من أيها شاء بناء على أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، فتستحيل المسألة) [إغاثة اللهفان: 1/ 202] (2). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (21/ 528 - 531)، «الاختيارات» لابن عبدالهادي (رقم: 14)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (رقم: 40)، «الاختيارات» للبعلي (11)، «اختيارات شيخ الإسلام لدى مترجميه» (رقم: 14). (2) انظر: المسألة التالية.
(1/59)
14 - اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة: 15 - والصلاة في الثوب النجس دون علم: - قال ابن القيم: (ولو اشتبه ثوب طاهر بنجس انتقل إلى غيرهما، فإن لم يجد فقيل: يصلي في كل ثوب صلاة ليؤدي الفرض في ثوب متيقن الطهارة، وقيل: بل يجتهد في أحد الثوبين ويصلي، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: لأن اجتناب النجاسة من باب التروك، ولهذا لا تشترط له النية، ولو صلى في ثوب لا يعلم نجاسته، ثم علمها بعد الصلاة لم يعد، فإن اجتهد فقد صلى في ثوب يغلب على ظن (1) طهارته، وهذا هو الواجب عليه لا غير) [بدائع الفوائد: 3/ 258 ــ 259]. - وقال أيضا: (وأما مسألة الثياب التي اشتبه الطاهر منها بالنجس، فهذه مسألة نزاع: فذهب مالك ــ في رواية عنه ــ وأحمد إلى أنه يصلي في ثوب بعد ثوب حتى يتيقن أنه صلى في ثوب طاهر. وقال الجمهور ــ ومنهم أبو حنيفة والشافعي ومالك في الرواية الأخرى ــ: إنه يتحرى فيصلي في واحد منها صلاة واحدة، كما يتحرى في القبلة ... والقول بالتحري هو الراجح الظاهر، سواء كثر عدد الثياب الطاهرة أو قلّ، وهو اختيار شيخنا. _________ (1) كذا، ولعلها: (ظنه).
(1/60)
وابن عقيل يُفصِّل، فيقول: إن كثر عدد الثياب تحرّى دفعا للمشقة، وإن قلّ عمل باليقين. قال شيخنا: اجتناب النجاسة من باب المحظور، فإذا تحرّى وغلب على ظنه طهارة ثوب منها فصلّى فيه، لم يحكم ببطلان صلاته بالشك، فإن الأصل عدم النجاسة، وقد شك فيها في هذا الثوب، فيصلي فيه، كما لو استعار ثوبا أو اشتراه ولا يعلم حاله) [إغاثة اللهفان: 1/ 201] (1). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (11)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 77 - 79).
(1/61)
باب الآنية
16 - ضابط الحاجة التي تبيح استعمال الضبة اليسيرة من الفضة: - ذكر ابن مفلح حكم ضبة الفضة، ثم قال: (والحاجة أن يتعلق به غرض غير الزينة في ظاهر كلام بعضهم، قال شيخنا: مرادهم أن يحتاج إلى تلك الصورة، لا إلى كونها من ذهب وفضة، فإن هذه ضرورة، وهي تبيح المفرد) [الفروع: 1/ 100 (1/ 107)] (1). 17 - الانتفاع بالنجاسات: - قال ابن القيم ــ في شرح حديث: أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: «هو حرام» ــ قال: (وفي قوله: «هو حرام» قولان: أحدهما: أن هذه الأفعال حرام. والثاني: أن البيع حرام، وإن كان المشتري يشتريه لذلك. والقولان مبنيان على: أن السؤال منهم هل وقع عن البيع لهذا الانتفاع المذكور، أو وقع عن الانتفاع المذكور؟ والأول اختيار شيخنا، وهو الأظهر، لأنه لم يخبرهم أولا عن تحريم هذا الانتفاع حتى يذكروا له حاجتهم إليه، وإنما أخبرهم عن تحريم البيع) [إعلام الموقعين: 4/ 324]. - وقال ابن مفلح: (ويجوز الانتفاع بالنجاسات في رواية ... وعنه: _________ (1) «الفتاوى» (21/ 81)، «الاختيارات» للبعلي (15).
(1/62)
وشحم الميتة «و: ش» أومأ إليه في رواية ابن منصور، ومال إليه شيخنا) [الفروع: 1/ 106 (1/ 117)] (1). 18 - جلد الحيوان غير المأكول: - قال ابن مفلح: (ولا يطهر جلد غير مأكول ولو آدميا ــ قلنا ينجس بموته «م ر» قاله القاضي وغيره ــ بذبحه ... فلا يجوز ذبح الحيوان لذلك «هـ» قال شيخنا: ولو في النزع) [الفروع: 1/ 107 (1/ 118)] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (43). (2) انظر: «شرح العمدة» (1/ 126)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (رقم: 20)، «الاختيارات» للبعلي (42 - 43).
(1/63)
باب الاستطابة
19 - لا يكفي الانحراف عن الجهة حال قضاء الحاجة: - ذكر ابن مفلح في حكم استقبال القبلة حال قضاء الحاجة عدة روايات، ثم قال: (ويكفي انحرافه عن الجهة. نقله أبو داود، ومعناه في «الخلاف» ... وظاهر كلام صاحب «المحرر» وحفيده: لا يكفي) [الفروع: 1/ 112 (1/ 112)] (1). 20 - عشرة أشياء يفعلها الموسوسون بعد الفراغ من قضاء الحاجة: - قال ابن القيم ــ في كلامه على الوسوسة ــ: (ومن ذلك ما يفعله كثير من الموسوسين بعد البول، وهو عشرة أشياء: السلت، والنتر، والنحنحة، والمشي، والقفز، والحبل، والتفقد، والوجور، والحشو، والعصابة، والدرجة ... ). ثم شرح هذه الأمور، ثم قال: (قال شيخنا: وذلك كله وسواس وبدعة، فراجعته في السلت والنتر فلم يره، وقال: لم يصح الحديث، قال: والبول كاللبن في الضرع إن تركته قرّ، وإن حلبته درّ. قال: ومن اعتاد ذلك ابتلي منه بما عوفي منه من لها عنه. قال: ولو كان هذا سنة لكان أولى الناس به رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وقد قال اليهودي لسلمان: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخرأة. فقال: أجل. فأين علمنا صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك أو شيئا منه؟! بلى على المستحاضة أن تتلجّم، وعلى قياسها من به سلس البول أن يتحفظ، ويشد عليه خرقة) [إغاثة اللهفان: 1/ 165 ــ 166]. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (15) وانظر: «الفتاوى» (22/ 207 - 208).
(1/64)
- وقال ابن مفلح: (فإذا فرغ (1) مسح بيساره ذكره من أصله، وهو الدرز (2) ــ أي: من حلقة الدبر إلى رأسه ــ، ثم ينتره ثلاثا. نص على ذلك، وظاهره يستحب ذلك كله ثلاثا، وقاله الأصحاب، وذكر جماعة: ويتنحنح. زاد بعضهم: ويمشي خطوات. وعن أحمد - رضي الله عنه - نحو ذلك، وقال شيخنا: ذلك كله بدعة، ولا يجب باتفاق الأئمة. وذكر في «شرح العمدة» قولا: يكره نحنحة ومشي ولو احتاج إليه لأنه وسواس) [الفروع: 1/ 118 (1/ 136)] (3). 21 - الاستجمار في الصفحتين والحشفة: - قال ابن مفلح: (ونص أحمد: لا يستجمر في غير المخرج. وقيل: يستجمر في الصفحتين والحشفة «و: ش» واختار شيخنا وغيره ذلك للعموم) [الفروع: 1/ 119 (1/ 137)] (4). 22 - الاستجمار بما نهي عنه: - قال ابن مفلح: (ولا يجوز بمطعوم ولو طعام بهيمة، صرح به جماعة، منهم أبو الفرج، وروث «هـ، م» وعظم «هـ، م» ... وانفرد شيخنا بإجزائه بروث وعظم، وظاهر كلامه: وبما نهي عنه، قال: لأنه لم ينه عنه لأنه _________ (1) أي: من بوله. (2) في ط 1: (الدبر)، والمثبت من ط 2، وقال في «المطلع» (12): (قال أبو عبد الله السامري: هو الدرز الذي تحت الأنثيين من حلقة الدبر) ا. هـ. (3) انظر: «الفتاوى» (21/ 106 - 107)، «شرح العمدة» (1/ 151)، «الاختيارات» للبعلي (16). (4) «الاختيارات» للبعلي (17).
(1/65)
لا يُنْقي بل لإفساده، فإذا قيل: «يزول بطعامنا مع التحريم» فهذا أولى) [الفروع: 1/ 123 (1/ 141)] (1). 23 - إلزام الصبي بالاستجمار ونحوه: - قال ابن مفلح: (ويجب الوضوء بموجباته (2) «و»، وجعل شيخنا مثل مسألة الغسل إلزامه باستجمار ونحوه) [الفروع: 1/ 199 (1/ 257)]. 24 - استعمال المحتاج إلى الطهارة لمطهرة موقوفة على طائفة معينة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ويحرم منع المحتاج إلى الطهارة ولو وُقِفَت على طائفة معينة ــ كمدرسة ورباط ــ ولو في ملكه، لأنها بموجب الشرع والعرف مبذولة للمحتاج، ولو قدر أن الواقف صرح بالمنع فإنما يسوغ مع الاستغناء، وإلا فيجب بذل المنافع المختصة للمحتاج ــ كسكنى (3) داره، والانتفاع بماعونه ــ ولا أجرة في الأصح) [الفروع: 1/ 125 (1/ 143 ــ 144)] (4). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (17)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 211 - 212، 475). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع» (1/ 257): (أي: إذا وجد من الصبي شيء من موجبات الوضوء وجب عليه الوضوء). (3) في ط 1: (كسكين). ... وقال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (كذا في النسخ، ولعله: كسكين، فإن الدار لا تبذل بلا أجرة في العرف) ا. هـ. ونقل هذا الكلام المرداوي في «تصحيح الفروع» عنه وعن ابن نصر الله، ثم قال: (وهذا محتمل، وليس ببعيد بذل السكنى لمحتاج) ا. هـ. (4) «الاختيارات» للبعلي (17 - 18).
(1/66)
25 - استعمال أهل الذمة لمطهرة المسلمين: - قال ابن مفلح: (قال (1): وإن كان في دخول أهل الذمة مطهرة المسلمين تضييق أو تنجيس أو إفساد ماء ونحوه وجب منعهم. قال: وإن لم يكن ضرر ولهم ما يستغنون به عن مطهرة المسلمين فليس لهم مزاحمتهم) [الفروع: 1/ 125 (1/ 144)] (2). _________ (1) أي: شيخ الإسلام ابن تيمية. (2) «الاختيارات» للبعلي (18).
(1/67)
باب السواك وغيره
26 - السواك للصائم بعد الزوال: - قال ابن مفلح: (ويكره للصائم بعد الزوال «و: ش»، وعنه: يباح، وعنه: يستحب، اختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 125 (1/ 145)] (1). 27 - الاستياك باليسرى: - قال ابن مفلح: (ويستاك بيساره نقله حرب (2)، قال شيخنا: ما علمت إماما خالف فيه، كانتثاره) [الفروع: 1/ 128 (1/ 148)] (3). 28 - توقيت ترجيل الشعر ودهن البدن: - قال ابن مفلح: (ويدهن غِبّا، واحتجوا بأنه عليه السلام نهى عن الترجل إلا غِبّا، ونهى أن يمتشط أحدهم كل يوم، فدل أنه يكره غير غِبٍّ، والترجل: تسريح الشعر ودهنه، وظاهر ذلك أن اللحية كالرأس، وفي «شرح العمدة»: ودهن البدن ... واختار شيخنا فعل الأصلح بالبلد، كالغسل بماء حار ببلد رطب، لأن المقصود ترجيل الشعر، ولأنه فعل الصحابة - رضي الله عنهم -، وأن مثله نوع اللبس والمأكل، وأنهم لما فتحوا الأمصار كان كل منهم يأكل من قوت بلده، ويلبس من لباس بلده من غير أن يقصدوا قوت المدينة ولباسها. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (18)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 266). (2) ونقله شيخ الإسلام عن الكوسج أيضا. (3) «الفتاوى» (21/ 108)، «الاختيارات» للبعلي (18).
(1/68)
قال: ومن هذا أن الغالب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى أصحابه الإزار والرداء، فهل هما أفضل لكل أحد ولو مع القميص، أو الأفضل مع القميص السراويل فقط؟ هذا مما تنازع فيه العلماء، والثاني أظهر، فالاقتداء به تارة يكون في نوع الفعل وتارة في جنسه، فإنه قد يفعل الفعل لمعنى يعم ذلك النوع وغيره، لا لمعنى يخصه، فيكون المشروع هو الأمر العام. قال: وهذا ليس مخصوصا بفعله وفعل أصحابه، بل وبكثير مما أمرهم به ونهاهم عنه) [الفروع: 1/ 128 (1/ 149 ــ 150)] (1). 29 - تحريم حلق اللحية: - قال ابن مفلح: (ويحرم حلقها، ذكره شيخنا) [الفروع: 1/ 129 ــ 130 (1/ 151)] (2). 30 - وقت وجوب الختان: - قال ابن مفلح: (ويجب الختان «هـ»، وعنه: على غير امرأة، وعنه: يستحب، قال شيخنا: يجب إذا وجبت الطهارة والصلاة) [الفروع 1/ 133 (1/ 156)] (3). 31 - وقت الختان: - قال ابن القيم: (قال مكحول: ختن إبراهيم ابنه إسحاق لسبعة أيام، _________ (1) «شرح العمدة» (1/ 227)، «الفتاوى» (22/ 324 ــ 326)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (19). (2) «الاختيارات» للبعلي (19)، وانظر: «شرح العمدة» (1/ 236). (3) «شرح العمدة» (1/ 245)، «الاختيارات» للبعلي (19).
(1/69)
وختن إسماعيل لثلاث عشرة سنة؛ ذكره الخلال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فصار خِتان إسحاق سنّة في ولده، وختان إسماعيل سنّة في ولده) [زاد المعاد: 2/ 333] (1). - وقال أيضا: (قال شيخنا ابن تيمية: ختن إبراهيم إسحاق لسبعة أيام، وختن إسماعيل عند بلوغه، فصار ختان إسحاق سنة في بنيه، وختان إسماعيل سنة في بنيه، والله أعلم) [تحفة المودود: 151]. - وقال ابن مفلح: (وفعله زمن الصغر أفضل «هـ» وقيل: التأخير، وزاد بعضهم على الأول: إلى التمييز، قال شيخنا: هذا المشهور) [الفروع: 1/ 134 (1/ 158)] (2). _________ (1) لم أقف عليه. (2) «شرح العمدة» (1/ 245)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (19).
(1/70)
باب الوضوء
32 - التلفظ بالنية: - قال ابن مفلح: (ومحلها القلب «و»، ويسن نطقه بها سرّا، وقيل: لا «و: م»، قال أبو داود لأحمد: أتقول قبل التكبير شيئا؟ قال: لا. واختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 139 (1/ 165)] (1). 33 - الاقتصار على مسح بعض الرأس للعذر: - قال ابن مفلح في صفة الوضوء: (ثم يمسح رأسه وهو فرض «ع»، ويجب مسح ظاهره «ش» كله «و: م»، وعُفي ــ في «المترجم» و «المبهج» ــ عن يسير للمشقة، وعنه: يجزئ أكثره، وعنه: قدر الناصية «و: هـ، م» ... وعنه: وبعضه «و: ش»، وفي «لانتصار» احتمال في التجديد، وفي «التعليق»: للعذر (2). واختاره شيخنا، وأنه يمسح معه العمامة ويكون كالجبيرة فلا توقيت) [الفروع: 1/ 148 (1/ 178 ــ 179)] (3). 34 - الاقتصار في مسح الرأس على ما فوق الأذنيين: - قال ابن مفلح: (والبياض فوقهما (4) دون الشعر من الرأس كبقيته، _________ (1) «الفتاوى» (22/ 231، 233، 246)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (20). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: يجزئ مسح بعض الرأس للعذر، مثل أن يحصل له ضرر بمسح الكل). (3) «الاختيارات» للبعلي (21)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 125). (4) أي: الأذنين.
(1/71)
بدليل الموضحة، ولم يُجوِّز شيخنا الاقتصار عليه) [الفروع: 1/ 151 (1/ 183)] (1). 35 - حكم وسخ الظفر اليسير ونحوه إذا منع وصول الماء: - قال ابن مفلح: (وإن منع يسير وسخ ظفر ونحوه وصول الماء ففي صحة طهارته «و: هـ» (2) وجهان «و: ش»، وقيل: تصح ممن يشق تحرزه منه، وجعل شيخنا مثله كل يسير منع حيث كان، كدم، وعجين، واختار العفو) [الفروع 1/ 154 (1/ 187)] (3). 36 - إطالة الغرة (غسل ما زاد على المرفقين والكعبين في الوضوء): - قال ابن القيم: (هذه المسألة تُلَقَّب بمسألة إطالة الغُرّة، وإن كانت الغرة في الوجه خاصة. وقد اختلف الفقهاء في ذلك، وفيها روايتان عن الإمام أحمد: إحداهما: يستحب إطالتها، وبها قال أبو حنيفة والشافعي، واختارها _________ (1) لم أقف عليه في كتب الشيخ ولا في كتب «الاختيارات»، ولكن أشار شيخ الإسلام في «شرح العمدة» (1/ 190) إلى أن البياض الذي فوق الأذن هو من رأس، ثم قال: (لأن الموضحة يثبت حكمها فيه، وهي لا تكون إلا في رأس أو وجه، وليس من الوجه فتكون من الرأس) ا. هـ. وهذه المسألة فيها بعض الإشكال وهي بحاجة إلى مزيد تحرير، وقال المرداوي في «الإنصاف» (1/ 351): (وقال الشيخ تقي الدين: يجوز الاقتصار على البياض الذي فوق الأذنين دون الشعر، إذا قلنا يجزي مسح بعض الرأس) ا. هـ. (2) الرمز غير موجود في ط 1، وهو مثبت من ط 2. (3) «الاختيارات» للبعلي (22).
(1/72)
أبو البركات ابن تيمية وغيره. والثانية: لا يستحب، وهي مذهب مالك، وهي اختيار شيخنا أبي العباس) [إغاثة اللهفان: 1/ 278] (1). - وقال أيضا: (وأما قوله: «فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» هذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة، لا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، بيّن ذلك غير واحد من الحفاظ ... وكان شيخنا يقول: هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الغرة لا تكون في اليد، لا تكون إلا في الوجه، وإطالتها غير ممكنة، إذ تدخل في الرأس، فلا يسمى ذلك غرّة) [حادي الأرواح: 263] (2). 37 - الاقتصار على بعض الأعضاء في الوضوء المستحب: - قال ابن مفلح: (واختار في «الانتصار»: لا ترتيب في نفل وضوء، وأنه يصح بالمستعمل مع كونه طاهرا، ومعناه في «الخلاف» في المسألة الأولى، وتوضأ علي فمسح وجهه ويديه ورأسه ورجليه، وقال: هذا وضوء من لم يحدث، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صنع مثله. قال شيخنا: إذا كان مستحبا له أن يقتصر على البعض، كوضوء ابن عمر لنومه جنبا إلا رجليه، وفي «الصحيحين» أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام من الليل فأتى حاجته ــ يعني الحدث ــ، ثم غسل وجهه ويديه، ثم نام) [الفروع: 1/ 154 (1/ 187 ــ 188)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (22). (2) انظر: «الفتاوى» (1/ 279 - 280). (3) «الاختيارات» للبعلي (22).
(1/73)
38 - تجديد الوضوء: - قال ابن مفلح: (ويسن تجديد الوضوء لكل صلاة للأخبار، وعنه: لا، كما لو لم يُصَلّ بينهما، ويتوجه احتمال (1)، كما لو لم يفعل بينهما ما يستحب له الوضوء، وكتيمم وكغسل، خلافا لـ «شرح العمدة» فيه (2)) [الفروع: 1/ 155 (1/ 189 ــ 190)] (3). 39 - غسل الميت في المسجد: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولا يغسل فيه ميت) [الفروع: 1/ 157 (1/ 191)] (4). 40 - اتخاذ مكان للوضوء في المسجد: - قال ابن مفلح: (قال (5): ويجوز عمل مكان فيه للوضوء للمصلحة بلا محظور) [الفروع: 1/ 157 (1/ 191)] (6). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع» (أي: احتمال بأن عدم سنية التجديد لا يختص بما إذا لم يصل بينهما، بل به، وبما إذا لم يفعل بينهما ما يستحب له الوضوء، كالقراءة ونحوها، فإذا لم يفعل بينهما شيئا من ذلك لم يسن بلا خلاف، وإن فعل غير الصلاة كالقراءة جاء الاحتمال المذكور فيسن التجديد عليه لا على الأول ... الخ) ا. هـ المقصود. (2) أي: في الغسل. (3) «شرح العمدة ــ كتاب الطهارة» (1/ 393)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 376) و «الإنصاف» (1/ 314). (4) «الفتاوى» (22/ 204). (5) أي: ابن تيمية. (6) انظر: «الاختيارات» للبعلي (20).
(1/74)
41 - موجِب الوضوء: - قال ابن مفلح: (يجب الوضوء بالحدث، ذكره ابن عقيل وغيره؛ وفي «الانتصار» بإرادة الصلاة بعده، قال ابن الجوزي: لا تجب الطهارة عن حدث ونجس قبل إرادة الصلاة، بل تستحب. ويتوجه قياس المذهب: بدخول الوقت، لوجوب الصلاة إذن، ووجوب الشرط بوجوب المشروط، ويتوجه مثله في غسل، قال شيخنا: وهو لفظي) [الفروع: 1/ 157 (1/ 192)] (1). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (20).
(1/75)
باب مسح الحائل
42 - التفضيل بين المسح والغسل: - قال ابن القيم: (ولم يكن يتكلف ضِدَّ حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف: مسح عليهما، ولم ينزعهما؛ وإن كانتا مكشوفتين: غسل القدمين، ولم يلبس الخف ليمسح عليه، وهذا أعدل الأقوال في مسألة: الأفضل من المسح والغسل، قاله شيخنا، والله أعلم) [زاد المعاد: 1/ 199] (1). 43 - المسح على القدم ونعلها التي يشق نزعها: 44 - والمسح على الخف المخرق: 45 - والمسح على الملبوس دون الكعب: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا مسح القدم ونعلها التي يشق نزعها إلا بيد أو رجل كما جاءت به الآثار، قال: والاكتفاء ههنا بأكثر القدم نفسها أو الظاهر منها غسلا أو مسحا أولى من مسح بعض الخف، ولهذا لا يتوقت، وكمسح عمامة. وأنه يمسح خفا مخرقا إلا أن يتخرق أكثره فكالنعل، وكذا ملبوس دون كعب (2)) [الفروع: 1/ 160 (1/ 196)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (24)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 94). (2) في «الإنصاف» (1/ 412) و «مختصره» (48): (النعل) بدل (الكعب)، ونص كلامه: (وقال ــ أي: ابن تيمية ــ: يجوز المسح على الخف المخرق إلا المخرق أكثره فكالنعل، ويجوز المسح أيضا على ملبوس دون النعل. انتهى) ا. هـ. وقد راجعت نسخة خطية لـ «الفروع» (ص: 11) فوجدتها موافقة للمطبوع. (3) المسألة الثالثة لم أقف عليها في شيء من كتب الشيخ، وأما المسألة الثانية ففي «الفتاوى» (21/ 172 - 176، 212 - 213)، وأما المسألة الأولى فانظر: «الفتاوى» (21/ 128). وأما في كتب الاختيارات فالمسألة الثانية عند ابن عبد الهادي (رقم: 41)، وعند البرهان (رقم: 62)، وعند البعلي مع المسألة الأولى (24). (تنبيه) قال شيخ الإسلام ابن تيمية ــ كما في «الفتاوى» (21/ 192) ــ: ( ... فإن ... الخف المقطوع لا يدخل في مسمى ... الخف عند الإطلاق ... فإنما أمر بالقطع أولا ــ يعني قطع الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين ــ لأن رخصة البدل لم تكن شرعت، فأمرهم بالقطع حينئذ؛ لأن المقطوع يصير كالنعلين، فإنه ليس بخف، ولهذا لا يجوز المسح عليه باتفاق المسلمين، فلم يدخل في إذنه في المسح على الخفين، ودل هذا على أن كل ما يلبس تحت الكعبين من مداس وجمجم وغيرهما كالخف المقطوع تحت الكعبين ... الخ) ا. هـ المقصود. وقال الشيخ ابن قاسم في «حاشيته على الروض» (1/ 220): (وأما الخفان المقطوعان والنعلان وكلما يلبس تحت الكعبين من مداس وجمجم وغيرها فلا يجوز المسح عليه، قال شيخ الإسلام: باتفاق المسلمين) ا. هـ ولم ينقل عن الشيخ غير هذا.
(1/76)
46 - المسح على العمامة الصماء: - قال ابن مفلح: (وفي ذات ذؤابة وجهان، وذكرهما ابن شهاب وجماعة في صمَّاء، وقالوا: لم يفرّق أحمد، وفي «مفردات ابن عقيل»: هو مذهبه، والظاهر ــ إن لم يكن يقينا ــ قد اطّلعوا على كراهة أحمد للبسها، وإنما رأوا أن الكراهة لا تمنع الرخصة ... واختار شيخنا وغيره المسح وقال: هي كالقلانس.
(1/77)
وكره أحمد لبس غير (1) المحنكة، ونقل الحسن بن ثواب: كراهية شديدة، ولم يصرح الأصحاب بإباحة لبسها، بل ذكر بعضهم كراهة أحمد، وقال بعضهم: لا تباح مع النهي، فلا يتعلق بها رخصة، وعلله بعضهم بعدم المشقة، كالكلة، وبأنها تشبه عمائم أهل الذمة، وقد نهي عن التشبه بهم ... وقال شيخنا: المحكي عن أحمد الكراهة، والأقرب أنها كراهة لا ترتقي إلى التحريم، ومثل هذا لا يمنع الترخص، كسفر النزهة. كذا قال. ولعل ظاهر من جوّز المسح إباحة لبسها، وهو متجه، لأنه فعل أبناء المهاجرين والأنصار، وتحمل كراهة السلف على الحاجة إلى ذلك (2)، لجهاد أو غيره، واختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 163 (1/ 202)] (3). 47 - عدم اشتراط كمال الطهارة لجواز المسح: - قال ابن مفلح: (يشترط للمسح اللبس على طهارة، ويعتبر كمالها، وعنه: لا، اختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 165 (1/ 205)] (4). _________ (1) كلمة (غير) استدركت من ط 2 ومخطوطة «الفروع» (ص: 11). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: إنما كرهوا الصماء لأجل الحاجة إلى التحنيك، كالجهاد، فإنه يحتاج فيه إلى التحنيك؛ لأن العمامة تكون به أشد ثبوتا) ا. هـ. (3) «الاختيارات» للبعلي (25 - 26)، وانظر: «شرح العمدة» (1/ 267 - 271)، «الفتاوى» (22/ 186 - 188). (4) «الفتاوى» (21/ 210 - 211)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (رقم: 82)، «الاختيارات» للبعلي (26).
(1/78)
48 - اشتراط لبس العمامة على طهارة للمسح عليها: - قال ابن مفلح: (وإن لبسها (1) محدثا، ثم توضأ ومسح رأسه ورفعها رفعا فاحشا فكذلك، قال شيخنا: كما لو لبس الخف محدثا، فلو غسل رجله رفعها إلى الساق، ثم أعادها (2)، وإن لم يرفعها فاحشا احتمل أنه كما لو غسل رجله في الخف، لأن الرفع اليسير لا يخرجه عن حكم اللبس، ولهذا لا تبطل الطهارة به، ويحتمل أنه كابتداء اللبس، لأنه إنما عفي عنه هناك للمشقة. قال: ويتوجه أن العمامة لا يشترط فيها ابتداء اللبس على طهارة، ويكفي فيها الطهارة المستدامة، لأن العادة أن من توضأ رفع العمامة ومسح رأسه، ثم أعادها، فلا يبقى مكشوف الرأس إلى آخر الوضوء، ولا أنه يخلعها بعد وضوئه ثم يلبسها بخلاف الخف) [الفروع: 1/ 165 ــ 166 (1/ 206 ــ 207)] (3). 49 - مدة المسح في حال الضرورة: - قال ابن مفلح: (ويمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر سفر القصر ثلاثة أيام ولياليهن ثم يخلع «م»: لا توقيت، فإن خاف فوات رفقة أو تضرر _________ (1) أي: العمامة. (2) كذا في ط 1 وط 2، وفي «شرح العمدة»: (كما لو لبس الخف محدثا، فلما غسل رجليه رفعه إلى الساق ثم أعاده)، وفي «الإنصاف»: (كما لو لبس الخف محدثا فلما غسل رجليه رفعها إلى الساق ثم أعادها). (3) «شرح العمدة» (1/ 280)، ووقع في مطبوعة «شرح العمدة» سقط وتحريف يستدرك من هنا.
(1/79)
رفيقه بانتظاره (1) تيمم، فلو مسح وصلى أعاد، نص عليه، وقيل: يمسح كالجبيرة، واختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 167 (1/ 209)] (2). 50 - لا تبطل الطهارة بنزع الحائل: - قال ابن مفلح: (وإن زالت الجبيرة فكالخف «و: م، ش»، وقيل: طهارته باقية قبل البرء «و: هـ»، اختاره شيخنا مطلقا (3)، كإزالة الشعر) [الفروع: 1/ 173 (1/ 218)] (4). _________ (1) في ط 2 والنسخة الخطية (ص: 11): (فإن خاف أو تضرر رفيقه بانتظاره ونحوه). (2) «الفتاوى» (21/ 177 - 178، 215 - 217)، وانظر: «الاختيارات» للبرهان (32)، و «الاختيارات» للبعلي (26). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: في الخف والعمامة والجبيرة، فإن اختيار أبي العباس إذا نزع الجبيرة أو العمامة أو الخف فطهارته باقية، ولا يلزمه غسل شيء بالكلية) ا. هـ. كون هذا اختيار الشيخ صحيح، ولكن الذي يبدو ــ والله أعلم ــ أن المراد بقوله: (مطلقا) هنا أي: قبل البرء وبعده بدليل تعليله ذلك بقوله: «كإزالة الشعر» فهذا خاص بالجبيرة دون العمامة والخف، وهذا الذي يفهم من كلام المرداوي فإنه قال في «الإنصاف» (1/ 432): (لو زالت الجبيرة فهي كالخف مطلقا، على ما تقدم خلافا ومذهبا، وقيل: طهارته باقية قبل البرء، واختار الشيخ تقي الدين بقاءها قبل البرء وبعده، كإزالة الشعر) ا. هـ. (4) «الفتاوى» (21/ 179 - 181، 218)، وانظر: «الاختيارات» للبرهان (51)، وللبعلي (27).
(1/80)
باب نواقض الطهارة الصغرى (1)
51 - خروج النجاسة ــ غير البول والغائط ــ من غير السبيلين لا ينقض الوضوء: - قال ابن مفلح: (الثاني: خروج بول أوغائط من بقية البدن «ش» وخروج نجاسة فاحشة في نفوس أوساط الناس، في رواية اختارها القاضي وجماعة كثيرة، وجزم به في التلخيص وغيره، ونقل الجماعة وذكره الشيخ المذهب: كل أحد بحسبه. وعنه: ينقض اليسير «و: هـ»، وقال شيخنا: لا ينقض مطلقا «و: م، ش») [الفروع: 1/ 171 (1/ 221 ــ 222)] (2). 52 - النوم الذي ينقض الوضوء: - قال ابن مفلح: (وعن أحمد: لا ينقض نوم مطلقا، واختاره شيخنا إن ظن بقاء طهره) [الفروع: 1/ 179 (1/ 225 ــ 226)] (3). 53 - الوضوء من مس الفرج: 54 - والوضوء من مس المرأة: - قال ابن مفلح: (الخامس (4): لمسه أنثى لشهوة «و: م» نص عليه، _________ (1) ذكر ابن مفلح في خاتمة هذا الباب استطرادا بعض المسائل المتعلقة بأحكام المصحف. (2) «الفتاوى» (20/ 526؛ 21/ 222، 242؛ 25/ 238؛ 35/ 358)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (35)، وللبرهان (60)، وللبعلي (28). (3) «الفتاوى» (21/ 230، 394)، «الاختيارات» للبعلي (28). (4) أي من نواقض الوضوء.
(1/81)
وعنه: مطلقا «و: ش»، وعنه: عكسه، اختاره الآجري وشيخنا، ولو باشر مباشرة فاحشة «هـ» وقيل: إن انتشر نقض، وإذا لم ينقض مس فرج [و] (1) أنثى (2) استحب الوضوء، نص عليه، وعند شيخنا لشهوة) [الفروع 1/ 181 (1/ 230)] (3). - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين في «شرح العمدة»: إذا قلنا بالنقض (4) اعتبرنا الشهوة في المشهور، كما نعتبرها في اللامس، حتى ينتقض وضوءه إذا وجدت الشهوة فيه دون اللامس، ولا ينتقض إذا لم توجد فيه، وإن وجدت في اللامس، انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 1/ 14] (5). وانظر ما يأتي في المسألة التالية (ص: 84). _________ (1) استدرك من النسخة الخطية. (2) في ط 1: (وإذا لم ينقض مس فرج أثنى)، وفي ط 2: (وإذا لم ينتقض مس فرج أنثى)، وجاء في حاشية ط 2 أنه وقع في نسخة: (انتقض بمس فرج وأنثى)، ولعل الصواب: (وإذا لم ينقض مس فرج وأنثى) كما وقع في «المبدع» للبرهان ابن مفلح (1/ 166) غير مصرح بنقله عن صاحب «الفروع»، والله أعلم. ثم وجدته في النسخة الخطية من «الفروع» (ص: 13) كما جاء في «المبدع»، والحمد لله. (3) مسألة مس الأنثى في: «الفتاوى» (20/ 222، 526؛ 21/ 222؛ 25/ 238؛ 35/ 357 - 358)، وانظر: (20/ 369؛ 21/ 236). ومسألة مس الفرج في: (20/ 526؛ 21/ 222، 35/ 358). وانظر: «الاختيارات» لابن عبد الهادي (37، 38)، وللبرهان (80، 81)، وللبعلي (28). (4) أي: أن وضوء اللامس ينتقض، والكلام هنا عن الملموس هل ينتقض وضوءه أم لا؟ (5) «شرح العمدة» (1/ 319).
(1/82)
55 - الوضوء من أكل لحم الجزور، وأكل ما مسته النار: - قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ (وأما قولهم: إن الوضوء من لحوم الإبل على خلاف القياس، لأنها لحم، واللحم لا يتوضأ منه، فجوابه أن الشارع فرق بين اللحمين، كما فرق بين المكانين، وكما فرق بين الراعيين: رعاة الإبل ورعاة الغنم، فأمر بالصلاة في مرابض الغنم دون أعطان الإبل، وأمر بالتوضؤ من لحوم الإبل دون الغنم، كما فرق بين الربا والبيع، والمذكى والميتة، فالقياس الذي يتضمن التسوية بين ما فرق الله بينه من أبطل القياس وأفسده، ونحن لا ننكر أن في الشريعة ما يخالف القياس الباطل. هذا مع أن الفرق بينهما ثابت في نفس الأمر، كما فرق بين أصحاب الإبل وأصحاب الغنم، فقال: «الفخرُ والخيلاء في الفدَّادين أصحاب الإبل، والسكينة في أصحاب الغنم»، وقد جاء أن على ذروة كل بعير شيطان، وجاء أنها جنٌّ خلقت من جن، ففيها قوة شيطانية، والغاذي شبيه بالمغتذي، ولهذا حرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، لأنها دواب عادية، فالاغتذاء بها يجعل في طبيعة المغتذي من العُدْوان ما يضره في دينه، فإذا اغتذى من لحوم الإبل وفيها تلك القوة الشيطانية والشيطان خلق من نار، والنار تطفأ بالماء ــ هكذا جاء الحديث، ونظيره الحديث الآخر: «إن الغضب من الشيطان؛ فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» ــ فإذا توضأ العبد من لحوم الإبل كان في وضوئه ما يطفئ تلك القوة الشيطانية فتزول تلك المفسدة.
(1/83)
ولهذا أُمرْنا بالوضوء مما مسَّت النار إما إيجابًا منسوخًا، وإما استحبابًا غير منسوخ، وهذا الثاني أظهر لوجوه: منها: أن النسخ لا يُصار إليه إلا عند تعذر الجمع بين الحديثين، ومنها: أن رُواة أحاديث الوضوء بعضهم متأخر الإسلام كأبي هريرة، ومنها: أن المعنى الذي أمرنا بالوضوء لأجله منها هو اكتسابها من القوة النارية وهي مادة الشيطان التي خلق منها، والنار تطفأ بالماء، وهذا المعنى موجود فيها، وقد ظهر اعتبار نظيره في الأمر بالوضوء من الغضب، ومنها: أن أكثر ما مع من ادعى النسخ أنه ثبت في أحاديث صحيحة كثيرة أنه - صلى الله عليه وسلم - أكل مما مسَّت النار ولم يتوضأ، وهذا إنما يدل على عدم وجوب الوضوء، لا على عدم استحبابه، فلا تنافي بين أمره وفعله، وبالجملة فالنسخ إنما يصار إليه عند التنافي، وتحقق التاريخ، وكلاهما منتفٍ. وقد يكون الوضوء من مس الذكر ومس النساء من هذا الباب، لما في ذلك من تحريك الشهوة، فالأمر بالضوء منهما على وفق القياس. ولما كانت القوة الشيطانية في لحوم الإبل لازمة كان الأمر بالوضوء منها لا مُعارض له من فعل ولا قول، ولما كان في ممسوس النار عارضةً صح فيها الأمر والترك، ويدل على هذا أنه فرّق بينها وبين لحوم الغنم في الوضوء، وفرّق بينها وبين الغنم في مواضع الصلاة؛ فنهى عن الصلاة في أعطان الإبل وأذن في الصلاة في مرابض الغنم، وهذا يدل على أنه ليس ذلك لأجل الطهارة والنجاسة، كما أنه لما أمر بالوضوء من لحوم الإبل دون لحوم الغنم علم أنه ليس ذلك لكونها مما مسَّتْه النار، ولما كانت أعطانُ الإبل مأوى الشيطان لم تكن مواضع للصلاة كالحُشوش، بخلاف مباركها
(1/84)
في السفر؛ فإن الصلاة فيها جائزة؛ لأن الشيطان هناك عارض، وطردُ هذا المنعُ من الصلاة في الحمّام لأنه بيت الشيطان، وفي الوضوء من اللحوم الخبيثة كلحوم السباع إذا أبيحت للضرورة روايتان، والوضوء منها أبلغ من الوضوء من لحوم الإبل؛ فإذا عقل المعنى لم يكن بُدٌّ من تعديته، ما لم يمنع منه مانع، والله أعلم) [إعلام الموقعين: 1/ 396] (1). 56 - إعادة الصلاة لمن لم يتوضأ من أكل لحم الجزور ونحوها من المسائل: - قال ابن مفلح: (السادس (2): أكل لحم الجزور على الأصح، وعنه: إن علم النهي، اختاره الخلال وغيره، قال: وعليه استقر قوله، لخفاء الدليل، وعنه: لا يعيد مع الكثرة، وعنه: متأوّل، وقيل: فيه مطلقا روايتان، ويتوجه مثله فيما اختلف فيه الأثر، بخلاف ترك الطمأنينة، وتوقيت مسح، نص عليه، ومعناه كلام شيخنا، وذكر جماعة: لا يعيد متأوّل مطلقا، وذكره شيخنا وجها في: الماء من الماء، وأن نص أحمد خلافه، قال أحمد: لا أعنف من قال _________ (1) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص: 57 - 58)، وهذا النص في «الفتاوى» (20/ 522 - 525) مع بعض الاختلاف. (فائدة) قال ابن عبد الهادي في «الاختيارات» (39): (وأمَّا لحم الإبل فذهب إلى أنَّه يستحب منه الوضوء أيضًا، ومال في موضعٍ إلى وجوب الوضوء منه، ومرَّةً توقَّف في الوجوب). وقال البعلي في «الاختيارات» (28): (ويستحب الوضوء من أكل لحم الإبل ... وفي المسائل: يجب الوضوء من لحم الإبل، لحديثين صحيحين. لعله آخر ما أفتى به) ا. هـ. (2) أي: من النواقض.
(1/85)
شيئا له وجه وإن خالفناه) [الفروع: 1/ 183 (1/ 233)] (1). 57 - الوضوء من أكل اللحم الخبيث المباح للضرورة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: الخبيث المباح للضرورة، كلحم السباع أبلغ من لحم الإبل، فالوضوء منه أولى. قال: والخلاف فيه بناء على أن لحم الإبل تعبدي، أو عقل معناه) [الفروع 1/ 184 (1/ 236)] (2). 58 - الطهارة للطواف: - قال ابن القيم: (وقد اختلف السلف والخلف في اشتراط الطهارة للطواف على قولين: أحدهما: أنها شرط، كقول الشافعي ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد. والثاني: ليست بشرط، نص عليه في رواية ابنه عبد الله وغيره، بل نصه في رواية عبد الله يدل على أنها ليست بواجبة، فإنه قال: أحب إلي أن يتوضأ، وهذا مذهب أبي حنيفة. قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: وهذا قول أكثر السلف. قال: وهو الصحيح، فإنه لم ينقل أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر المسلمين بالطهارة، لا في عمره ولا حجته، مع كثرة من حج معه واعتمر، ويمتنع أن يكون ذلك واجبا _________ (1) انظر: «شرح العمدة» (1/ 334 - 335)، «الفتاوى» (21/ 10، 161؛ 22/ 100 - 101). (2) «الفتاوى» (20/ 525)، «الاختيارات» للبعلي (28)، وسبق نص كلامه ضمن النقل عن ابن القيم (ص: 84 - 85).
(1/86)
ولا يبينه للأمة، وتأخير البيان عن وقته ممتنع) [تهذيب السنن: 1/ 66] (1). - وقال أيضًا: (وقد نص أحمد ــ في إحدى الروايتين عنه ــ على أن الرجل إذا طاف جنبًا ناسيا صح طوافه ولا دم عليه، وعنه رواية أخرى: عليه دم، وثالثة: أنه لا يجزيه الطواف. وقد ظن بعض أصحابه أن هذا الخلاف عنه إنما هو في المحدِثِ والجُنب، فأما الحائض فلا يصح طوافها قولا واحدا. قال شيخنا: وليس كذلك، بل صرَّح غير واحد من أصحابنا بأن الخلاف عنه في الحيض والجنابة، قال: وكلام أحمد يدل على ذلك، ويبين أنه كان متوقفا في طواف الحائض وفي طواف الجنب. قال عبد الملك الميموني في «مسائله»: قلت لأحمد: من طاف طواف الواجب على غير وضوء وهو ناس ثم واقع أهله، قال: أخبرك مسألة فيها وهم مختلفون، وذكر قول عطاء والحسن، قلت: ما تقول أنت؟ قال: دعها، أو كلمة تشبهها (2). وقال الميموني في «مسائله» أيضًا: قلت له: من سعى وطاف على غير طهارة ثم واقع أهله، فقال لي: مسألة (3) الناس فيها مختلفون، وذكر قول ابن عمر، وما يقول عطاء مما يسهل فيها (4)، وما يقول الحسن، وأن عائشة _________ (1) «الفتاوى» (21/ 273؛ 26/ 199، 205، 212). (2) هذا النص المنقول عن الميموني غير موجود في مطبوعة «الفتاوى». (3) في «الفتاوى»: (هذه مسألة). (4) قال ابن القيم بعد نهاية هذا النص: (وأشار أحمد إلى تسهيل عطاء إلى فتواه أن المرأة إذا حاضت في أثناء الطواف فإنها تتم طوافها، وهذا تصريح منه أن الطهارة ليست شرطا في صحة الطواف) ا. هـ.
(1/87)
قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - حين حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت»، ثم قال لي: إلا أن هذا أمر بليت به نزل عليها ليس من قبلها، قلت: فمن الناس من يقول عليها (1) الحج من قابل؟ فقال لي: نعم كذا أكبر علمي، وقلت: ومنهم من يذهب إلى أن عليها دما؟ فذكر تسهيل عطاء فيها خاصة ــ قال لي أبو عبد الله أولا وآخرا: هي مسألة مشتبهة فيها موضع نظر، فدعني حتى أنظر فيها. قال ذلك غير مرة ــ، ومن الناس من يقول: وإن رجع إلى بلده يرجع حتى يطوف، قلت: والنسيان؟ قال: والنسيان أهون حكما بكثير، يريد أهون ممن يطوف على غير طهارة متعمدا. هذا لفظ الميموني) [إعلام الموقعين: 3/ 36 ــ 37] (2). وانظر: ما يأتي برقم (106). 59 - الوضوء لمس المصحف: - قال ابن القيم ــ في الكلام على قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]ــ: (وسمعت شيخ الإسلام يقرر الاستدلال بالآية على أن المصحف لا يمسه المحدث بوجه آخر، فقال: هذا من باب التنبيه والإشارة، إذا كانت الصحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر) [التبيان: 290 ــ 291]. _________ (1) في «الفتاوى» (عليه) وكذا ما بعدها. (2) «الفتاوى» (26/ 207)، وقد نقل شيخ الإسلام كلام الميموني بواسطة: «الشافي» لأبي بكر عبد العزيز، وأما ابن القيم فيبدو أنه نقله من نفس «مسائل الميموني»، والله أعلم.
(1/88)
- وقال أيضا: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ يقول: الصحيح منها (1) ما يدل عليه اللفظ بإشارته من باب قياس الأولى. قلت: مثاله، قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]. قال: والصحيح في الآية، أن المراد به: الصحف التي بأيدي الملائكة، لوجوه عديدة (2): منها: أنه وصفه بأنه مكنون، والمكنون: المستور عن العيون، وهذا إنما هو في الصحف التي بأيدي الملائكة. ومنها: أنه قال: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وهم الملائكة، ولو أراد المتوضئين لقال: لا يمسه إلا المتطهرون، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] فالملائكة: مطهرون، والمؤمنون: متطهرون. ومنها: أن هذا إخبار، ولو كان نهيًا لقال: لا يمسسه، بالجزم؛ والأصل في الخبر: أن يكون خبرًا، صورة ومعنى. ومنها: أن هذا رد على من قال: إن الشيطان جاء بهذا القرآن، فأخبر تعالى: أنه في كتاب مكنون لا تناله الشياطين، ولا وصول لها إليه، كما قال _________ (1) أي: الإشارات. (2) لست بمتحقق هل هذه الوجوه من كلام ابن تيمية، أم أنها كلام مستأنف لابن القيم؟ فإنه قد ذكر نحو هذه الأوجه مع البسط والبيان في كتابه «التبيان» (287 - 290) ولم ينسبها إلى ابن تيمية، والله أعلم.
(1/89)
تعالى في آية الشعراء: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء: 210 ـ 211] وإنما تناله الأرواح المطهرة، وهم الملائكة. ومنها: أن هذا نظير الآية التي في سورة عبس: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 12 ـ 16] قال مالك في «موطئه»: أحسن ما سمعت في تفسير قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]: أنها مثل هذه الآية التي في سورة عبس. ومنها: أن الآية مكية، من سورة مكية تتضمن: تقرير التوحيد، والنبوة، والمعاد، وإثبات الصانع، والرد على الكفار، وهذا المعنى أليق بالمقصود من فرع عملي، وهو: حكم مس المحدث المصحف. ومنها: أنه لو أريد به: الكتاب الذي بأيدي الناس، لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدة، إذ من المعلوم أن كل كلام: فهو قابل لأن يكون في كتاب، حقًا أو باطلًا، بخلاف ما إذا وقع القسم على أنه في كتاب مصون مستور عن العيون عند الله، لا يصل إليه شيطان، ولا ينال منه، ولا يمسه إلا الأرواح الطاهرة الزكية، فهذا المعنى: أليق وأجل وأخلق بالآية وأولى بلا شك. فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: لكن تدل الآية بإشارتها على أنه: لا يمس المصحف إلا طاهر، لأنه إذا كانت تلك الصحف لا يمسها إلا المطهرون لكرامتها على الله: فهذه الصحف أولى أن لا يمسها إلا طاهر) [مدارج السالكين: 2/ 433 ـ 435] (1). _________ (1) انظر: «شرح العمدة» (1/ 383).
(1/90)
60 - استفتاح الفأل في المصحف: 61 - وتحريم كتابته حيث يهان: - قال ابن مفلح: (واستفتاح الفأل فيه (1)، فعله ابن بطة، ولم يره غيره، وذكره شيخنا، واختاره. ويحرم كتبه حيث يهان ببول حيوان، أو جلوس، ونحوه، وذكره شيخنا إجماعا، فتجب إزالته) [الفروع 1/ 193 (1/ 247)] (2). 62 - القيام للمصحف: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: إذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض فهو أحق) [الفروع 1/ 196 (1/ 251)] (3). _________ (1) أي: المصحف. (2) «الاختيارات» للبعلي (29)، وانظر: «الفتاوى» (23/ 66). (3) «الفتاوى» (23/ 65 - 66)، «الاختيارات» للبعلي (29). ونص كلامه ــ كما في «الفتاوى» ــ: (القيام للمصحف ... لا نعلم فيه شيئا مأثورا عن السلف ... ولكن السلف وإن لم يكن من عادتهم القيام له فلم يكن من عادتهم قيام بعضهم لبعض، اللهم إلا لمثل القادم من مغيبه ونحو ذلك ... والأفضل للناس أن يتبعوا طريق السلف في كل شيء، فلا يقومون إلا حيث كانوا يقومون، فأما إذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض، فقد يقال: لو تركوا القيام للمصحف مع هذه العادة لم يكونوا محسنين في ذلك ولا محمودين، بل هم إلى الذم أقرب، حيث يقوم بعضهم لبعض ولا يقومون للمصحف الذي هو أحق بالقيام، حيث يجب من احترامه وتعظيمه ما لا يجب لغيره، حتى ينهى أن يمس القرآن إلا طاهر، والناس يمس بعضهم بعضا مع الحدث، لاسيَّما وفي ذلك من تعظيم حرمات الله وشعائره ما ليس في غير ذلك، وقد ذكر من ذكر من الفقهاء الكبار قيام الناس للمصحف ذكر مقرر له غير منكر له) ا. هـ.
(1/91)
باب الغسل
63 - انتقال دم الحيض من مكانه بدون خروجه: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: قياس المني انتقال حيض) [الفروع: 1/ 197 (1/ 254)] (1). 64 - إذا وجد من الكافر ما يوجب الغسل قبل إسلامه: - قال ابن مفلح: ( ... فلو اغتسل في كفره أعاد، واختار شيخنا: لا، إن اعتقد وجوبه، قال: بناء على أنه يثاب على طاعته في الكفر إذا أسلم، وأنه كمن تزوج مطلقته ثلاثا معتقدا حلها، وفيه روايتان) [الفروع: 1/ 199 (1/ 258)] (2). 65 - الذِّكْر للجنب والحائض: - قال ابن مفلح: (وكره شيخنا الذكر له، لا لحائض) [الفروع: 1/ 201 (1/ 261)] (3). 66 - الغسل لدخول مكة والوقوف بعرفة والطواف والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار: - قال ابن مفلح: (ويستحب (4) لدخول مكة، قال في «المستوعب»: _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (30)، وعلق الشيخ ابن عثيمين على هذا الموضع من «الاختيارات» بقوله: (يريد أن القياس يقتضي ذلك، وهذه العبارة لا تدل على أن الشيخ - رحمه الله - كان يختار ذلك، أعني ترتب أحكام خروج المني على انتقاله ... الخ) ا. هـ. (2) «الاختيارات» للبعلي (30). (3) «الفتاوى» (21/ 460 - 461؛ 26/ 190 - 191)، «الاختيارات» للبعلي (30). (4) أي: الغسل.
(1/92)
حتى لحائض. وعند شيخنا: لا (1)، ومثله أغسال (2) الحج، والوقوف بعرفة، وطواف زيارة ووداع «و» في الكل، ومبيت بمزدلفة، ورمي جمار، وخالف شيخنا في الثلاثة (3) .... وقيل: ولدخول المدينة، وقال شيخنا: نص عليه (4)) [الفروع: 1/ 203 (1/ 264)] (5). _________ (1) أي: لا يستحب للحائض الغسل لذلك، كما في «الإنصاف» (2/ 124)، ولم أقف على هذا في كتب الشيخ التي بين يدي. (2) في ط 1: (اغتسال)، والمعنى: أنه مثل غسل دخول مكة في الاستحباب، والله أعلم. (3) أي الثلاثة الأخيرة، كما سيأتي في نص كلام الشيخ. (4) لم أقف عليه. (5) «الفتاوى» (26/ 132)، ونصه: (ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه في الحج إلا ثلاثة أغسال: غسل الإحرام، والغسل عند دخول مكة، والغسل يوم عرفة، وما سوى ذلك كالغسل لرمي الجمار وللطواف والمبيت بمزدلفة فلا أصل له، لا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه، ولا استحبه جمهور الأئمة ــ لا مالك ولا أبو حنيفة ولا أحمد ــ، وإن كان قد ذكره طائفة من متأخري أصحابه، بل هو بدعة إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الاستحباب، مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها، فيغتسل لإزالتها) ا. هـ. ... (تنبيه) وقع في «الاختيارات» للبعلي (22): (ولا يستحب الغسل لدخول مكة والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار ولطواف الوداع. ولو قلنا باستحبابه لدخول مكة كان الغسل للطواف بعد ذلك فيه نوع عبث لا معنى له) ا. هـ وقال المرداوي في «الإنصاف» (2/ 124): (واختار الشيخ تقي الدين عدم استحباب الغسل للوقوف بعرفة وطواف الوداع والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار، وقال: ولو قلنا باستحباب الغسل لدخول مكة ... الخ) ا. هـ وعليه فيكون البعلي قد تفرد بذكر أن الشيخ لا يستحب الغسل لدخول مكة، وأخشى أن يكون قد فهم ذلك من عبارة ابن مفلح السابقة (وعند شيخنا: لا)، وقد سبق أن المراد هو غسل الحائض خاصة ــ لا مطلق الغسل ــ كما فهمه المرداوي. وأما ما ذكراه من عدم استحباب الغسل للوقوف بعرفة، فهو مخالف لنص كلامه المنقول من «الفتاوى»، ولم يذكره صاحب «الفروع»، ولكنهما ذكرا زيادة على ما في «الفروع» وهي: (وقال: ولو قلنا باستحبابه ... الخ)، وهي مشعرة بعدم قوله بذلك، فهل للشيخ في هذه المسألة قولان؟ الله أعلم.
(1/93)
67 - إذا نوى بغسله الحدثين أو الأكبر: - قال ابن مفلح: (وإن نوى الحدثين، وقال شيخنا: أو الأكبر، وقاله الأزجي= ارتفعا) [الفروع: 1/ 205 (1/ 269)] (1). 68 - إذا أراد الجنب أن ينام قبل الاغتسال: - قال ابن مفلح: (ويستحب للجنب ــ وعنه: الرجل ــ غسل فرجه ووضوء ... لنوم، وفي كلامه (2) ما ظاهره وجوبه، قاله شيخنا) [الفروع: 1/ 206 (1/ 269)] (3). 69 - إذا أحدث الجنب بعد أن توضأ للنوم: - قال ابن مفلح: (ومن أحدث بعده لم يعده في ظاهر كلامهم، لتعليلهم بخفة الحدث، أو بالنشاط، وظاهر كلام شيخنا: يتوضأ لمبيته على إحدى الطهارتين) [الفروع: 1/ 206 (1/ 270)] (4). _________ (1) «الفتاوى» (21/ 396 - 397)، «الاختيارات» للبعلي (31). (2) أي: الإمام أحمد. (3) «شرح العمدة» (1/ 395)، «الاختيارات» للبعلي (31). (4) «الفتاوى» (21/ 343 - 345؛ 26/ 178 - 179)، «الاختيارات» للبعلي (31).
(1/94)
70 - لا تدخل الملائكة بيتا فيه جنب إلا إذا توضأ: - قال ابن مفلح: (ذكر شيخنا: لا تدخل الملائكة عليه إلا إذا توضأ) [الفروع: 1/ 354 (2/ 76)] (1). 71 - بناء الحمَّام وبيعه وإجارته: - قال ابن مفلح: (وكره أحمد - رحمه الله - بناء الحمَّام وبيعه وإجارته، وحرّمه القاضي، وحمله شيخنا على غير البلاد الباردة) [الفروع: 1/ 206 (1/ 270)] (2). 72 - الاغتسال في المستحم والماء عريانا: - قال ابن مفلح: (ويكره الاغتسال في مستحم وماء عريانا، قال شيخنا: عليه أكثر نصوصه) [الفروع: 1/ 208 (1/ 272)] (3). 73 - الإسراف في استعمال الماء في الغسل والوسوسة في ذلك: - قال ابن القيم: (فهديُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي من رغب عنه فقد رغب عن سنته: جواز الاغتسال من الحياض والآنية، وإن كانت ناقصة غير فائضة؛ ومن انتظر الحوض حتى يفيض ثم استعمله وحده، ولم يمكن أحد أن يشاركه في استعماله: فهو مبتدع مخالف للشريعة. قال شيخنا: ويستحق التعزير البليغ الذي يزجره وأمثاله عن أن يشرعوا _________ (1) «الفتاوى» (21/ 344؛ 26/ 178 - 179)، «الاختيارات» للبعلي (31). (2) «الفتاوى» (21/ 300 - 313)، «الاختيارات» للبعلي (32 - 34). (3) «شرح العمدة» (1/ 403)، «الاختيارات» للبعلي (31)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 338 - 339).
(1/95)
في الدين ما لم يأذن به الله، ويعبدوا الله بالبدع لا بالاتباع) [إغاثة اللهفان: 1/ 199] (1). _________ (1) «الفتاوى» (21/ 55)، «الاختيارات» للبعلي (32).
(1/96)
باب التيمم
74 - قبول عادم الماء له أو لثمنه قرضا: - قال ابن مفلح: (يلزمه قبول الماء قَرْضًا وكذا ثمنه، والمراد: وله ما يُوَفِّيه، وقاله شيخنا) [الفروع: 1/ 213 (1/ 280)] (1). 75 - مراعاة الترتيب للجريح إذا تيمم لبعض الأعضاء وتوضأ للباقي: - قال ابن مفلح: (وهل يلزمه عن حدث أصغر مراعاة ترتيب وموالاة أم لا، فلا يعيد غسل الصحيح ما لم يحدث؟ (2) فيه وجهان، وقال شيخنا: ينبغي أن لا يرتب (3)) [الفروع: 1/ 217 (1/ 287)] (4). 76 - إذا لم يخف من مسح الجرح: - قال ابن القيم: (وسألوه (5) عن الجرح يكون بالإنسان يخاف عليه _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (34)، وانظر: «شرح العمدة» (1/ 432). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (فيتيمم للعضو عند غسله، وللرأس عند مسحه، وموالاة، يعني: لا يؤخر تيمم العضو حتى ينشف ما قبله، أم لا يلزمه ترتيب ولا موالاة؟ فيجوز تأخير التيمم عن غسل العضو ومسحه، وكذلك إذا تيمم ثم خرج الوقت، وبطل التيمم، فإنه يجدد التيمم ولا يبطل الوضوء، إذا قلنا: لا يجب مراعاة ترتيب ولا موالاة، وهذا معنى قوله: «فلا يعيد غسل الصحيح ما لم يحدث» يعني: يكفيه تجديد التيمم، ولا يبطل غسل الصحيح، فلا يعاد غسله، لعدم بطلانه، والله أعلم) ا. هـ. (3) في ط 1: (لا ترتيب). (4) «الفتاوى» (21/ 426، 466 - 467)، «الاختيارات» للبعلي (36). (5) أي: الإمام أحمد.
(1/97)
كيف يمسح عليه؟ قال: ينزع الخرقة ثم يمسح على الجرح نفسه. قلت: هذا النص خلاف المشهور عند الأصحاب فإنهم يقولون: إذا كان مكشوفا لم يمسح عليه حتى يستره، فإن لم يكن مستورا تيمم له، ونص أحمد صريح في أنه يكشف الخرقة ثم يباشر الجرح بالمسح، وهذا يدل على أن مسح الجرح البارز أولى من مسح الجبيرة، وأنه خير من التيمم، وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي العدول عنه، وهو المحفوظ عن السلف من الصحابة والتابعين، ولا ريب أنه بمقتضى القياس فإن مباشرة العضو بالمسح الذي هو بعض الغسل المأمور به أولى من مباشرة غير ذلك العضو بالتراب، ولم أزل أستبعد هذا حتى رأيت نص أحمد هذا بخلافه، ومعلوم أن المسح على الحائل إنما جاء لضرورة المشقة بكشفه، فكيف يكون أولى من المسح على الجرح نفسه بغير حائل؟ ! فالقياس والآثار تشهد بصحة هذا النص، والله أعلم. وقد ذكرت في «الكتاب الكبير الجامع بين السنن والآثار» من قال بذلك من السلف، وذكرت الآثار عنهم بذلك، وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - يذهب إلى هذا ويضعف القول بالتيمم بدل المسح) [بدائع الفوائد: 4/ 67 ــ 68]. - وقال ابن مفلح: (وإن لم يخف من مسحه فهل هو فرضه «و: م» أو التيمم «و: ش»؟ فيه روايتان، وعنه: هما، وظاهر نقل ابن هانئ: مسح البشرة لعذر كجريح، واختاره شيخنا، وأنه أولى) [الفروع: 1/ 218 ــ 219 (1/ 288 ــ 289)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (21/ 178؛ 453 - 454)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (30)، وللبعلي (35).
(1/98)
77 - التيمم لخوف فوت الوقت: - قال ابن مفلح: (ولا يتيمم لخوف فوت الفرض «م» نقله الجماعة، خلافا لشيخنا، إن انتبه أول الوقت (1)، وقال فيمن يمكنه الذهاب إلى الحمَّام لكن لا يمكنه الخروج حتى يفوت الوقت كالغلام، والمرأة التي معها أولادها ولا يمكنها الخروج حتى تغسلهم، ونحو ذلك: فالأظهر يتيمم ويصلي (2) خارج الحمَّام، لأن الصلاة في الحمَّام وبعد الوقت منهي عنها) [الفروع: 1/ 220 (1/ 290)] (3). وانظر ما يأتي برقم (121). 78 - التيمم لخوف فوات الجمعة: - ذكر ابن مفلح الخلاف في من خاف فوات الجنازة وأن فيها قولين: أحدهما: أنه لا يتيمم لها، والثاني: أنه يتيمم ثم قال: (اختار شيخنا: وجمعة (4)، وأنه أولى من الجنازة لأنها لا تعاد) [الفروع: 1/ 220 (1/ 290)] (5). _________ (1) قال في «الإنصاف» (2/ 262): (واختار أيضا ــ أي: ابن تيمية ــ إن استيقظ أول الوقت وخاف إن اشتغل بتحصيل الماء يفوت الوقت أن يتيمم ويصلي) ا. هـ. (2) في ط 2: (تتيمم وتصلي). (3) «الفتاوى» (21/ 431، 446 - 447، 454، 463؛ 22/ 30، 35)، «الاختيارات» للبعلي (35 - 36). (4) أي اختار جواز التيمم لخوف فوات الجمعة. (5) «الفتاوى» (21/ 439، 456، 471)، وانظر: «الاختيارات» للبرهان (76 - 78) وللبعلي (35).
(1/99)
79 - إذا تعذر استعمال الماء والتراب: - قال ابن مفلح: (وإن تعذر استعمال ماء وتراب ــ وهو معنى قولهم: من لم يجد ماء ولا ترابا، وقيل للقاضي في التيمم في حضر عذر نادر وغير متصل فأعاد كما لو منع من الطهارة بالماء والتراب؟ فأجاب بالروايتين في مسألة العدم ــ صلَّى فرضا فقط ولا يزيد على ما يجزئ، وعند شيخنا: يتوجه فعل ما شاء، لأنه لا تحريم مع العجز، ولأن له أن يزيد على ما يجزئ في ظاهر قولهم. كذا قال) [الفروع: 1/ 222 (1/ 292 ــ 293)] (1). 80 - فرض من تعذر عليه استعمال الماء والتراب ــ وقلنا عليه الإعادة ــ: - ذكر ابن مفلح الخلاف في من كان عادما للماء والتراب، وصلى على حاله، فهل عليه الإعادة أم لا؟ ثم قال: (فعليها (2) إن قدر فيها خرج، وإلا فكمتيمم يجد الماء، وكذا متيمم زال عذره فيها، في إعادته خلاف، وفرضه الثانية، وقال أبو المعالي: وقيل: الأولى، وقيل: هما، واختاره شيخنا في «شرح العمدة») [الفروع: 1/ 222 (1/ 293 ــ 294)] (3). _________ (1) «شرح العمدة» (1/ 455). (2) في ط 1: (فعليه). وقال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: على رواية الإعادة إن قدر فيها، أي: الصلاة، وإلا فكمتيمم يجد الماء، أي: وإن لم نقل بالإعادة ثم قدر في الصلاة، فهو كمتيمم يجد الماء) ا. هـ. (3) «شرح العمدة» (1/ 436) ونصه: (ويتوجه أن يكون كل منهما فرضا، وإنما وجب عليه صلاتان لاشتمال كل واحدة على نوع من النقص ينجبر بالأخرى) ا. هـ.
(1/100)
81 - حمل التراب للتيمم: - قال ابن مفلح: (وأعجب أحمد حمل تراب للتيمم، وعند شيخنا وغيره: لا، وهو أظهر) [الفروع: 1/ 224 (1/ 297)]. 82 - إذا نوى بتيممه استباحة واجب بالنذر: - قال ابن مفلح: (ومن نوى شيئا استباحه ومثله ودونه «و: م ش» فالنذر دون ما وجب شرعا. وقال شيخنا: ظاهر كلامهم: لا فرق) [الفروع: 1/ 227 (1/ 302)] (1). 83 - صلاة النافلة بتيمم الجنازة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يتخرّج: لا يصلي نافلة بتيمم جنازة، لأن أحمد جعل الطهارة لها أوكد) [الفروع: 1/ 227 (1/ 302)] (2). 84 - الطواف لمن تيمم بنية النافلة: - قال ابن مفلح: (ويباح الطواف بنية النافلة في الأشهر، كمس المصحف، قال شيخنا: ولو كان الطواف فرضا) [الفروع: 1/ 227 (1/ 302)] (3). 85 - التيمم للجنازة الثانية: - قال ابن مفلح: (وعنه (4): إن تيمم لجنازة ثم جيء بأخرى فإن كان _________ (1) انظر: «شرح العمدة» (1/ 446). (2) «شرح العمدة» (1/ 446). (3) «شرح العمدة» (1/ 446). (4) أي الإمام أحمد.
(1/101)
بينهما وقت يمكنه التيمم لم يصل عليها حتى يتيمم لها، وإلا صلى، قال القاضي: هذا للاستحباب، وقال ابن عقيل: للإيجاب، لأن التيمم إذا تعدد بالوقت فوقت كل صلاة جنازة قدر فعلها، وكذا قال شيخنا، لأن الفعل المتواصل هنا كتواصل الوقت للمكتوبة، قال: وعلى قياسه ما ليس له وقت محدود، كمس المصحف (1)، وطواف) [الفروع: 1/ 229 (1/ 306)] (2). 86 - لا يبطل التيمم بخروج الوقت: - قال ابن مفلح: (وعنه (3): يصلي به (4) إلى حدثه «و: هـ» اختاره أبو محمَّد الجوزي وشيخنا) [الفروع: 1/ 231 (1/ 309)] (5). 87 - إذا بذل الماء للأَولى من حي وميت: 88 - وإذا كان الماء مشتركا: - قال ابن مفلح: (وإن بذل ماء للأولى من حيٍّ وميِّت، فالميِّت أحق «و: ش»، وعنه: الحي، فتقدم الحائض، وقيل: الجنب «و: هـ»، وقيل: الرجل، وقيل: يقسم بينهما، وقيل: يقرع، ومن عليه نجاسة أحق، وقيل: الميت، واختاره صاحب «المحرر» وحفيده «و: ش» (6). _________ (1) في ط 2: (كمس مصحف). (2) «شرح العمدة» (1/ 445). (3) أي: الإمام أحمد. (4) أي: التيمم. (5) «الفتاوى» (21/ 360 - 361، 436)، «الاختيارات» للبعلي (37). (6) الخلاف الأخير فيما إذا اجتمع جنب وحائض وميت ومن عليه نجاسة. قال شيخ الإسلام في «شرح العمدة» (ومن عليه نجاسة أولى منهما ــ أي الحائض والجنب ــ، وهو أولى من الميت في أحد الوجهين، وإن قلنا: الميت أولى من الجنب، والصحيح أن الميت أولى به بكل حال، لأنه لا ترجى له الطهارة بالماء بعد ذلك) ا. هـ والله أعلم.
(1/102)
ويقدم الجنب على محدث، وقيل: سواء، وقيل: المحدث، إلا أن يكفي من تطهَّر به منهما، وإن كفاه فقط قدّم، وقيل: الجنب، وإن تطهر به غير الأولى أساء وأجزأه، وعند شيخنا: أن هذه المسائل في الماء المشترك أيضا، وأنه ظاهر ما نقل عن أحمد، لأنه أولى من التشقيص (1)) [الفروع: 1/ 233 ــ 234 (1/ 313)] (2). _________ (1) قال شيخ الإسلام في «شرح العمدة» (1/ 456): (هذا فيما إذا كان الماء مشتركا لأن نصيب كل واحد لا يكفيه لطهوره ولا يستبيح به شيئا، بل لا بد من تيممه، فكان تخصيص واحد بالماء وآخر بالتيمم أولى من تيمم كل واحد وتشقيص طهارته) ا. هـ. والتشقيص هو: التفصيل والتجزئة، ومنه: تشقيص الذبيحة، أي: تفصيل أعضائها سهاما معتدلة بين الشركاء. انظر: «القاموس» (802). (2) «شرح العمدة» (1/ 455 - 456)، «الاختيارات» للبعلي (37).
(1/103)
باب ذكر النجاسة وإزالتها
89 - نجاسة المذي: - قال ابن القيم ــ ضمن ذكره لبعض الأشياء التي سهل فيها المبعوث بالحنيفية السمحة وشدد فيها بعض الناس ــ: (ومن ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن المذي، فأمر بالوضوء منه؛ فقال: كيف ترى بما أصاب ثوبي منه؟ قال: «تأخذ كفًا من ماء، فتنضح به حيث ترى أنه أصابه» رواه أحمد والترمذي والنسائي، فجوّز نضح ما أصابه المذي، كما أمر بنضح بول الغلام. قال شيخنا: وهذا هو الصواب، لأن هذه النجاسة يشق الاحتراز منها لكثرة ما يصيب ثياب الشاب العزبِ، فهي أولى بالتخفيف من بول الغلام؛ ومن أسفل الخف والحذاء) [إغاثة اللهفان: 1/ 238 ــ 239] (1). 90 - المِدَّة والقيح والصديد: - قال ابن القيم ــ ضمن ذكره لبعض الأشياء التي سهل فيها المبعوث بالحنيفية السمحة وشدد فيها بعض الناس ــ: (ومن ذلك: نص أحمد على أن الودي يعفى عن يسيره كالمذي، وكذلك يعفى عن يسير القيء؛ نص عليه أحمد. وقال شيخنا: لا يجب غسل الثوب ولا الجسد من المِدَّة والقيح والصديد؛ قال: ولم يقم دليل على نجاسته) [إغاثة اللهفان: 1/ 239] (2). _________ (1) «الاختيارات» لابن عبد الهادي (رقم: 74) وللبرهان (رقم: 85) وللبعلي (43). (2) «الاختيارات» للبعلي (43)، ووقع في مطبوعته: (ولا يجب غسل الثوب والبدن من المذي)، وصوابه: (من المِدَّة).
(1/104)
91 - ريق الطفل ولعابه: - قال ابن القيم: (قال شيخنا ابن تيمية وغيره من الأصحاب: بل ريق الطفل يطهّر فمه للحاجة، كما كان ريق الهرة مطهرا لفمها، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها ليست بنجس مع علمه بأكلها الفأر وغيره ... الخ) [تحفة المودود: 176] (1). 92 - يسير أرواث البغال والحمير والسباع: - قال ابن القيم: ــ ضمن ذكره لبعض الأشياء التي سهل فيها المبعوث بالحنيفية السمحة وشدد فيها بعض الناس ــ (ومن ذلك: أنه يعفى عن يسير أرواث البغال والحمير والسباع، في إحدى الروايتين عن أحمد، اختارها شيخنا، لمشقة الاحتراز) [إغاثة اللهفان: 1/ 239] (2). 93 - شعر الكلب والخنزير: - قال ابن مفلح: (المذهب نجاسة كلب وخنزير وما تولد من أحدهما «م»، وعنه: غير شعر، اختاره أبو بكر وشيخنا «و: هـ») [الفروع: 1/ 235 (1/ 314)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (44). (2) انظر: «الفتاوى» (21/ 520 - 521)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (43). (3) «الفتاوى» (21/ 38 - 39، 520، 530، 616)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (رقم: 22) وللبعلي (38). (فائدة) قال شيخ الإسلام ــ كما في «الفتاوى» (21/ 619) ــ: (وكل حيوان قيل بنجاسته فالكلام في شعره وريشه كالكلام في شعر الكلب) ا. هـ.
(1/105)
94 - المنفصل عن المحل النجس: - قال ابن مفلح: (والمنفصل عن محلٍّ طاهرٍ طاهرٌ على الأصح «هـ»، وقيل: طهورٌ، وقيل: بطهارته عن محلٍّ نجس مع عدم تغيره، لأنه وارد، وذكر القاضي: أن كلام أحمد يحتمل روايتين فيما أزيلت به النجاسة: يحتمل أنه طاهر، لأنه قال: إذا غسل ثوبه في إجَّانة طهر، وقال: المنفصل عن محلٍّ نجس من الأرض طاهر، وقال: يغسل ما يصيبه من ماء الاستنجاء، فعلى هذا: إنما حكمنا بنجاسته لأنه ماء قليل حلَّته نجاسة، والمستعمل في رفع الحدث لم يحلَّه غير العضو الذي لاقاه، فلم نحكم بنجاسته. قال شيخنا: هذا من القاضي يقتضي أن الخلاف في نجاسة المزال به النجاسة مطلقا حال اتّصاله وانفصاله قبل طهارة المحل) [الفروع: 1/ 238 (1/ 319)]. 95 - طهارة النجاسات بالشمس والريح والجفاف: - قال ابن القيم: (قال أبو البركات ابن تيمية: وهذا كله يقوي طهارة الأرض بالجفاف، لأن الإنسان في العادة لا يزال يشاهد النجاسات في بقعة طرقاته التي يكثر فيها تردده إلى سوقه ومسجده وغيرهما، فلو لم تطهر إذا أذهب الجفاف أثرها للزمه تجنب ما يشاهده من بقاع النجاسة بعد ذهاب أثرها، ولما جاز له التحفي بعد ذلك. وقد علم: أن السلف الصالح لم يتحرزوا من ذلك، ويعضده: أمره - صلى الله عليه وسلم - بمسح النعلين بالأرض لمن أتى المسجد ورأى فيهما خبثًا، ولو نجست الأرض بذلك نجاسة لا تطهر بالجفاف: لأمر بصيانة طريق المسجد عن ذلك، لأنه يسلكه الحافي وغيره.
(1/106)
قلت: وهذا اختيار شيخنا - رحمه الله -) [إغاثة اللهفان: 1/ 237 ــ 238]. - وقال ابن مفلح: (ولا تطهر أرض بشمس أو ريح أو جفاف، واختار صاحب «المحرر» وغيره: بلى «و: هـ»، وقيل: وغيرها، ونص عليه في حبل غسيل، واختاره شيخنا، وقال: وإحالة التراب لها ونحوه كشمس، وقال: إذا أزالها التراب عن النعل، فعن نفسه إذا خالطها أولى. كذا قال) [الفروع: 1/ 241 (1/ 324)] (1). 96 - إزالة النجاسة بكل مائع طاهر مزيل: - قال ابن مفلح: (ولا يجوز إزالة نجاسة إلا بماء طهور «و: م ش»، وقيل: مباح «خ»، وقيل: أو طاهر، وعنه: بكل مائع طاهر مزيل كخل، اختاره ابن عقيل وشيخنا «و: هـ»، قال: ويحرم استعمال طعام أو شراب في إزالتها، لإفساد المال) [الفروع: 1/ 259 (1/ 351)] (2). 97 - استحالة النجاسة: - قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (وعلى هذا الأصل (3) فطهارة الخمر بالاستحالة على وَفْق القياس، فإنها نجسة لوصف الخبث، فإذا زال الموجِبُ زال الموجَبُ، وهذا أصل الشريعة في مصادرها ومواردها، بل وأصل _________ (1) «الفتاوى» (21/ 322 - 323، 479، 480 - 481، 510 - 511)، «منهاج السنة» (3/ 429)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (16، 17) وللبعلي (39، 41). (2) «الفتاوى» (21/ 475 - 476، 508 - 509)، «الاختيارات» للبعلي (39). (3) يشير إلى ما تقدم في المسألة رقم (8).
(1/107)
الثواب والعقاب، وعلى هذا فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت، وقد نبش النبي - صلى الله عليه وسلم - قبورَ المشركين من موضع مسجده، ولم ينقل التراب، وقد أخبر الله سبحانه عن اللبن أنه يخرج من بين فَرْث ودَمٍ، وقد أجمع المسلمون على أن الدابة إذا عُلفتْ بالنجاسة ثم حُبست وعُلفت بالطاهرات حل لبنها ولحمها، وكذلك الزرع والثمار إذا سقيت بالماء النجس ثم سقيت بالطاهر حلت لاستحالة وصف الخبث وتبدله بالطيب. وعكس هذا أن الطيب إذ استحال خبيثًا صار نجسًا كالماء والطعام إذا استحال بولا وعذرة، فكيف أثّرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثًا ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبًا؟ ! والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب، ولا عبرة بالأصل، بل بوصف الشيء نفسه، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه، والحكم تابع للاسم والوصف دائر معه وجودًا وعدمًا؛ فالنصوص المتناولة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر لا تتناول الزروع والثمار والرماد والملح والتراب والخل لا لفظًا ولا معنى ولا نصًا ولا قياسًا. والمفرقون بين استحالة الخمر وغيرها قالوا: الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة، فيقال لهم: وهكذا الدم والبول والعذرة إنما نجست بالاستحالة فتطهر بالاستحالة، فظهر أن القياس مع النصوص وأن مخالفة القياس في الأقوال التي تخالف النصوص) [إعلام الموقعين: 1/ 394] (1). _________ (1) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 57 - 58)، وبعضه في «الفتاوى» (20/ 522)، ويبدو أن ابن القيم أضاف عليه بعض الإضافات، والله أعلم.
(1/108)
- وقال ابن مفلح: (أطلق جماعة روايتين في نجاسة وجه تنُّور سُجِرَ بنجاسة، ونقل الأكثر: يغسل، ونقل ابن أبي حرب: لا بأس، وعليهما يخرّج عمل زيت نجس صابونا ونحوه، وتراب جبل بروث حمار، فإن لم يستحل عفي عن يسيره في رواية، ذكره شيخنا، وذكر الأزجي: إن تنجس التنور بذلك، طهر بمسحه بيابس، فإن مسح برطب تعيّن الغسل، وكذا قال الشافعية، وحمل القاضي قول أحمد: «يُسْجَرُ التنُّور مرة أخرى» على ذلك، وذكر شيخنا: أن الرواية صريحة في التطهير بالاستحالة، وأن هذا من القاضي يقتضي أن يكتفى بالمسح إذا لم يبق للنجاسة أثر، كقول الحنفية في الجسم الصقيل) [الفروع: 1/ 241 ــ 242 (1/ 325 ــ 326)] (1). 98 - خفاء موضع النجاسة: - قال ابن مفلح: (وإن خفيت نجاسة غسل حتى يتيقَّن غسلها، نص عليه «و» وعنه: يكفي الظن في مَذْي، وعند شيخنا: وفي غيره، ولا يلزم تطهير ما شكّ في نجاسته بالنضح «م») [الفروع: 1/ 245 (1/ 330)] (2). 99 - طهارة أسفل الرِّجْل أو الخف أو النعل بالدلك والحك: 100 - وطهارة ذيل المرأة المتنجس بمروره على طاهر: - قال ابن مفلح: (وعنه: وتطهر به «خ» ... وقيل: يجزئ من اليابسة لا الرطبة، وقيل: وكذا الرِّجْل، ذكره شيخنا واختاره. _________ (1) «الفتاوى «(21/ 70 - 72، 481 - 482، 610 - 611)، «الاختيارات» للبعلي (39 ــ 41). (2) انظر: «الفتاوى» (21/ 78 - 79)، «الاختيارات» للبعلي (41).
(1/109)
وذيل المرأة، قيل: كذلك، وقيل: يغسل «و»، ونقل إسماعيل بن سعيد: يطهر بمروره على طاهر يزيلها، اختاره شيخنا) [الفروع 1/ 245 (1/ 331 ــ 332)] (1). 101 - إذا أصاب رجله أو ذيله بالليل شيء رطب ولا يعلم ما هو: - قال ابن القيم: (قال شيخنا: وكذلك إذا أصاب رجله أو ذيله بالليل شيء رطب، ولا يعلم ما هو: لم يجب عليه أن يشمه، ويتعرف ما هو، واحتج بقصة عمر - رضي الله عنه - في الميزاب؛ وهذا هو الفقه، فإن الأحكام إنما تترتب على المكلف بعد علمه بأسبابها، وقبل ذلك هي على العفو، فما عفا الله عنه فلا ينبغي البحث عنه) [إغاثة اللهفان: 1/ 244] (2). 102 - ما يأكل النجاسة من الطير: - قال ابن مفلح: (وعنه في الطير: لا يعجبني عرقه إن أكل الجيف، فدل أنه كرهه لأكله النجاسة فقط، ذكره شيخنا، ومال إليه) [الفروع: 1/ 246 (1/ 333)] (3). 103 - الدم الذي يبقى في العروق: - قال ابن مفلح: (قال ابن الجوزي: المحرّم من الدم: المسفوح، ثم قال: قال القاضي: فأما الدم الذي يبقى في خلل اللحم بعد الذبح، وما يبقى _________ (1) «الفتاوى» (21/ 18، 510 - 511؛ 22/ 121)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (29) وللبعلي (39). (2) انظر: «الفتاوى» (21/ 607). (3) «الاختيارات» للبعلي (41).
(1/110)
في العروق فمباح. ولم يذكر جماعة إلا دم العروق، قال شيخنا: لا أعلم خلافا في العفو عنه، وأنه لا ينجس المرقة، بل يؤكل معها) [الفروع: 1/ 254 - 255 (1/ 245)] (1). 104 - العفو عن يسير النجاسة في الأطعمة: - قال ابن مفلح: (ولا يعفى عن يسير نجاسة في الأطعمة، ولا غير ما تقدم (2) «و: م، ش»، وخالف شيخنا وغيره فيها، وذكره قولا في المذهب، لأن الله تعالى إنما حرم الدم المسفوح، وما الفرق بين كونه في مرقة القدر أو مائع آخر، أو في السكين أو غيرها؟ وكانت أيدي الصحابة تتلوث بالجرح والدمل، ولم ينقل عنهم التحرز من المائع حتى يغسلوه (3)، ولعموم البلوى ببعر الفأر وغيره. وقال أيضا (4): نص عليه أحمد في الدم، وهو نص القرآن) [الفروع: 1/ 275 ــ 258 (1/ 249 - 250)] (5). 105 - غسل اللحم الذي يشترى من القصاب: - ذكر ابن مفلح حكم آنية وثياب لابس النجاسة كثيرا، ثم قال: _________ (1) «الفتاوى» (21/ 522 - 523). (2) يشير إلى قوله 1/ 253 (1/ 242): (ويعفى على الأصح عن يسير دم وما تولد منه ... إلخ). (3) في ط 2: (يغسلوها). (4) لم أقف عليه. (5) «الفتاوى» (21/ 523 - 524، 534)، «الاختيارات» للبعلي (43).
(1/111)
(وسأله (1) أبو الحارث: اللحم يشترى من القصاب؟ قال: يغسل. وقال شيخنا: بدعة) [الفروع: 1/ 101 (1/ 108)] (2). _________ (1) أي: أحمد. (2) «الفتاوى» (21/ 521).
(1/112)
باب الحيض
106 - طواف الحائض: - قال ابن القيم: (قال شيخنا: فإذا طافت حائضا مع عدم العذر توجه القول بوجوب الدم عليها، وأما مع العجز فهنا غاية ما يقال عليها دم، والأشبه أنه لا يجب الدم؛ لأن الطهارة واجب تؤمر به مع القدرة لا مع العجز، فإن لزوم الدم إنما يكون مع ترك المأمور أو مع فعل المحظور، وهذه لم تترك مأمورا في هذه الحال ولا فعلت محظورًا، فإنها إذا رمَتِ الجمرة وقصرت حل لها ما كان محظورا عليها بالإحرام غير النكاح، فلم يبق بعد التحلل الأول محظور يجب بفعله دم، وليست الطهارة مأمورا بها مع العجز فيجب بتركها دم. فإن قيل: لو كان طوافها مع الحيض ممكنا أمرت بطواف القدوم وطواف الوداع، فلما سقط عنها طواف القدوم والوداع علم أن طوافها مع الحيض غير ممكن. قيل: لا ريب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقط طواف القدوم عن الحائض، وأمر عائشة لما قدمت وهي متمتعة فحاضت أن تدع أفعال العمرة وتحرم بالحج، فعلم أن الطواف مع الحيض محظور لحرمة المسجد أو للطواف أو لهما، والمحظورات لا تباح إلا في حالة الضرورة، ولا ضرورة بها إلى طواف القدوم، لأنه سنة بمنزلة تحية المسجد، ولا إلى طواف الوداع فإنه ليس من تمام الحج، ولهذا لا يودع المقيم بمكة، وإنما يودع المسافر عنها فيكون آخر عهده بالبيت، فهذان الطوافان أمر بهما القادر عليهما ــ إما أمر إيجاب
(1/113)
فيهما، أو في أحدهما، أو استحباب، كما هي أقوال معروفة ــ وليس واحد منهما ركنا يقف صحة الحج عليه، بخلاف طواف الفرض فإنها مضطرة إليه، وهذا كما يباح لها الدخول إلى المسجد واللبث فيه للضرورة، ولا يباح لها الصلاة ولا الاعتكاف فيه وإن كان منذورا، ولو حاضت المعتكفة خرجت من المسجد إلى فنائه فأتمت اعتكافها ولم يبطل، وهذا يدل على أن منع الحائض من الطواف كمنعها من الاعتكاف، وإنما هو لحرمة المسجد لا لمنافاة الحيض لعبادة الطواف والاعتكاف، ولما كان الاعتكاف يمكن أن يفعل في رحبة المسجد وفنائه جوّز لها إتمامه فيها لحاجتها، والطواف لا يمكن إلا في المسجد، وحاجتها في هذه الصورة إليه أعظم من حاجتها إلى الاعتكاف، بل لعل حاجتها إلى ذلك أعظم من حاجتها إلى دخول المسجد واللبث فيه لبرد أو مطر ونحوه). [إعلام الموقعين: 3/ 40 ــ 41] (1). - وقال ابن مفلح: (ويمنع الحيض الطواف «و»، وعند شيخنا: بلا عذر (2)) [الفروع: 1/ 260 ــ 261 (1/ 354)] (3). وانظر: ما تقدم برقم (58) وما يأتي برقم (520). _________ (1) «الفتاوى» (26/ 214 - 216). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (العذر الذي لا يمنع الحائض الطواف: هو أن يفوتها الطواف بالتأخير إذا سافرت مع الرفقة، بخلاف من لا تضرر بالإقامة حتى تطهر ثم تطوف، هذا هو المعروف في كلام الشيخ، وظاهر كلام المصنف يدخل فيه هذا العذر وغيره من الأعذار) ا. هـ. (3) «الفتاوى» (26/ 127، 205 ــ 206، 224 - 225، 242 - 245)، «الاختيارات» للبرهان (15) وللبعلي (45).
(1/114)
107 - قراءة القرآن للحائض: - قال ابن مفلح: (ويمنع الحيض الطواف ... ومس المصحف «و» [والقراءة] (1)، وقيل: لا، وحكي رواية [«و: م ر»] (2)، اختاره شيخنا، قال (3): إن ظنت نسيانه وجبت) [الفروع: 1/ 261 (1/ 355)] (4). 108 - كفارة وطء الحائض: - قال ابن مفلح: (وله أن يستمتع من الحائض بغير الوطء في الفرج ... وإن وطئ فيه بحائل أو لا= لزمه دينار أو نصفه، نقله الجماعة، [وعنه: نصفه] (5)، وعنه: نصفه في إدباره، وعنه: بل في أصفر، وذكر أبو الفرج: بل لعذر، واعتبر شيخنا كونه مضروبا (6)) [الفروع: 1/ 262 (1/ 358)] (7). 109 - الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج: - قال ابن مفلح: (لا إشكال أن المذهب عدم الكراهة، وقد صرح في رواية أبي طالب أنه لا بأس أن يأتيها دون الفرج، وصرح قاطعا صاحب «النهاية» وغيرها، قال الشيخ تقي الدين: ومع هذا فالمستحب تركه) [النكت _________ (1) استدرك من ط 2. (2) استدرك من ط 2. (3) لم أقف عليه. (4) «الفتاوى» (21/ 460 - 461؛ 26/ 179 - 180، 191)، «الاختيارات» للبرهان (65)، وللبعلي (45). (5) استدرك من ط 2. (6) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: الدينار الذي يكفر به) ا. هـ. (7) «شرح العمدة» (1/ 469)، «الاختيارات» للبعلي (44).
(1/115)
على المحرر: 1/ 25 (1/ 66)] (1). 110 - أقل الطهر زمن الحيض: - قال ابن مفلح: (وأقلُّه (2) زَمَنَ الحيض أن يكون النقاء خالصا لا تتغيّر معه القطنة إذا احتشت بها في ظاهر المذهب، ذكره صاحب «المحرر»، وجزم به القاضي وغيره، نقل أبو بكر: هي طاهر إذا رأت البياض، وذكر شيخنا: أنه قول أكثر أصحابنا إن كان الطهر ساعة) [الفروع: 1/ 267 (1/ 365)]. 111 - الحيض مع الحمل: - قال ابن القيم: ( ... ومن ها هنا لم تحض الحامل، بل ما تراه من الدم يكون دم فساد ليس دم الحيض المعتاد، هذه إحدى الروايتين عن عائشة - رضي الله عنها -، وهو المشهور من مذهب أحمد، الذي لا يعرف أصحابه سواه، وهو مذهب أبي حنيفة، وذهب الشافعي في رواية عن عائشة (3)، والإمام أحمد في رواية عنه، اختارها شيخنا إلى أن ما تراه من الدم في وقت عادتها يكون حيضا) [تحفة المودود 167]. - وقال ابن مفلح: (ولا حيض مع الحمل نص عليه «و: هـ»، وعنه: بلى، ذكرها أبو القاسم التميمي والبيهقي وشيخنا واختارها) [الفروع: 1/ 267 (1/ 365)]. _________ (1) انظر: «شرح العمدة» (1/ 463). (2) أي: الطهر. (3) كذا، ثم وجدته في طبعة أخرى هكذا: (وعائشة في رواية عنها).
(1/116)
- وقال أيضا: (واختار شيخنا أنها تحيض، رواه البيهقي عن إمامنا أحمد - رضي الله عنه -) [النكت على المحرر: 1/ 26] (1). 112 - أقل سن تحيض له المرأة وأكثره: 113 - وأقل الحيض وأكثره: - قال ابن القيم: (قال شيخنا: وليس للنساء في ذلك عادة مستمرة، بل فيهن من لا تحيض وإن بلغت، وفيهن من تحيض حيضًا يسيرًا يتباعد ما بين أقرائها حتى تحيض في السنة مرة، ولهذا اتفق العلماء على أن أكثر الطهر بين الحيضتين لا حدّ له، وغالب النساء يحضن كل شهر مرة، ويحضن ربع الشهر، ويكون طهرهن ثلاثة أرباعه، ومنهن من تطهر الشهور المتعددة لقلة رطوبتها، ومنهن من يسرع إليها الجفاف فينقطع حيضها وتيأس منه وإن كان لها دون الخمسين، بل والأربعين، ومنهن من لا يسرع إليها الجفاف فتجاوز الخمسين وهي تحيض. قال: وليس في الكتاب ولا السنة تحديد اليأس بوقت، ولو كان المراد بالآيسة من المحيض من لها خمسون سنة أو ستون سنة، أو غير ذلك، لقيل: واللائي يبلغن من السن كذا وكذا، ولم يقل: يئسن) [زاد المعاد: 5/ 662]. - وقال ابن مفلح: (وعند شيخنا: ما أطلقه الشارع عمل بمطلق مسمَّاه ووجوده، ولم يجز تقديره وتحديده بعدَه، فلهذا عنده الماء قسمان: طاهر طهور ونجس، ولا حد لأقل الحيض وأكثره ما لم تصر مستحاضة، ولا لأقل سنِّه وأكثره، ولا لأقل السفر، لكن خروجه إلى بعض عمل أرضه وخروجه _________ (1) «الفتاوى» (19/ 239)، «الاختيارات» للبرهان (66)، وللبعلي (47).
(1/117)
عليه السلام إلى قباء لا يسمى سفرا ولو كان بريدا، ولهذا لا يتزوّد ولا يتأهّب له أهبته، هذا مع قصر المدة، فالمسافة القريبة في المدة الطويلة سفر، لا البعيدة في المدة القليلة، ولا حد للدرهم والدينار، فلو كان أربعة دوانق أو ثمانية خالصا أو مغشوشا لا درهما أسود عُمل به في الزكاة والسرقة وغيرهما، ولا تأجيل في الدية وأنه نص أحمد فيها (1)، والخلع فسخ مطلقا، والكفارة في كل أيمان المسلمين، وله في ذلك قاعدة معروفة (2). وقال في «قاعدة في الأحكام الشرعية التي تعينت بالنص مطلقا، والتي تعينت بحسب المصلحة» (3): وينبغي أن يقال تأجيل الدية على العاقلة من هذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤجلها، وعمر أجلها، فأيهما رأى الإمام فعل، وإلا فإيجاب أحدهما لا يسوغ. وله في تقدير الديات وأنواعها كلام يناسب هذا: فإن حكمه عليه السلام في القضية المعينة تارة يكون عاما في أمثالها، وتارة يكون مقيدا بقيد يتعلق بالأئمة والاجتهاد، كحكمه في السلب هل هو مطلق أم معين في تلك الغزاة استُحق بشَرْطه؟ ) [الفروع: 1/ 267 ــ 268 (1/ 366 ــ 367)] (4). _________ (1) نص شيخ الإسلام ــ كما في «الفتاوى» (19/ 256) ــ: (والصحيح أن تعجيلها وتأجيلها بحسب الحال والمصلحة، فإن كانوا مياسير ولا ضرر عليهم في التعجيل أخذت حالة، وإن كان في ذلك مشقة جعلت مؤجلة، وهذا هو المنصوص عن أحمد: أن التأجيل ليس بواجب) ا. هـ، وسينقل عنه ابن مفلح نحو هذا في الفقرة التالية. (2) وهي مطبوعة ضمن «مجموع الفتاوى» (19/ 235 - 259)، وقد اختصر ابن مفلح أهم المسائل التي تضمنتها. (3) لم أقف عليها. (4) المسائل المتعلقة بالحيض عند البرهان في «الاختيارات» (43، 44)، والبعلي (45)، والمسائل الأخرى تأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى.
(1/118)
114 - كيفية ثبوت العادة في حق المبتدأة: 115 - ولا تعيد ما أدته من العبادات قبل انقطاع الدم: - قال ابن القيم: (قال شيخنا: لم يسبق أحمد بن حنبل إلى الحكم بإسلام أولاد أهل الذمة الصغار بموت آبائهم أحدٌ، ولم يسبقه إلى إقعاد المرأة أول ما ترى الدم يومًا وليلة، ثم تصلي وهي ترى الدم أحدٌ) [الصواعق المرسلة: 2/ 618] (1). - وقال ابن مفلح: (وإن جاوز أقله (2) اغتسلت (3) عند انقطاعه في مدة الحيض، ولم تجلس ما جاوزه حتى يتكرر ثلاثا، فتجلس في الرابع، نص على ذلك، وقيل: في الثالث، وعنه: حتى يتكرر مرتين، فتجلس في الثالث، وقيل: في الثاني، واختاره شيخنا، وأن كلام أحمد يقتضيه، ويصير عادة (4). وتعيد واجب صوم ونحوه، نص عليه، وعنه: قبل تكراره، احتياطا، واختار شيخنا: لا يجب إعادة) [الفروع: 1/ 269 (1/ 368)] (5). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (19/ 238 - 239). (2) أي أقل الحيض. (3) أي المبتدأة. (4) قال في «شرح العمدة» (1/ 486): (قال القاضي وابن عقيل: إذا أثبتنا العادة بثلاث مرات فإنا نتبعها في الثالثة، وإن أثبتناها بمرتين عملت بها في المرة الثالثة، وكلام أحمد يقتضي هذا، وهو أشبه، لأن العادة في المرة الثالثة كأقل الحيض في أول مرة فوجب العمل به من أول زمنه) ا. هـ. (5) «الفتاوى» (21/ 632).
(1/119)
116 - تناول الدواء لحصول الحيض: - قال ابن مفلح: (ويجوز (1) لحصول حيض، ذكره شيخنا، إلا قرب رمضان لتفطره، ذكره أبو يعلى الصغير) [الفروع: 1/ 281 (1/ 393)] (2). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي يجوز شرب دواء مباح). (2) «الفتاوى» (34/ 23 - 24)، وفي مطبوعة «الاختيارات» للبعلي (47): (ويجوز التداوي لحصول الحيض إلا في رمضان لئلا تفطر) وذكر المحقق أنه في نسخة: (إلا قرب رمضان لتفطر)، وما في النسخة هو الموافق لما في «الفروع» وهو الصواب.
(1/120)
كتاب الصلاة
117 - لا قضاء على من ترك الصلاة قبل بلوغ الشرع: - قال ابن مفلح: (ويقضيها مسلم قبل بلوغ الشرع (1) «و: ش»، وقيل: لا، ذكره القاضي، واختاره شيخنا بناء على أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم، وقيل: حربي «و: هـ». وقال شيخنا: والوجهان في كل من ترك واجبا قبل بلوغ الشرع، كمن لم يتيمم لعدم الماء لظنه عدم الصحة به، أو لم يُزَكِّ، أو أكل حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود لظنِّه ذلك (2)، أو لم تُصلِّ مستحاضة ونحوه، والأصح لا قضاء. قال: ولا إثم (3) اتفاقا، للعفو عن الخطأ والنسيان. ومراده (4) ولم يُقَصِّر، وإلا أثم، وكذا لو عامل بربا، أو أنكح فاسدا، ثم تبين له التحريم ونحوه) [الفروع 1/ 287 ــ 288 (1/ 405 ــ 406] (5). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: المسلم إذا لم يبلغه أحكام الشرع ففاتته صلوات، ثم علم أحكام الشرع، فإنه يقضي الصلاة التي فاتته، وهذا يتصور فيمن أسلم ببادية بعيدة، أو بدار الحرب) ا. هـ. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: إذا ظن أن المراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود، الخيط المعروف عند الناس، ولم يعرف أن المراد سواد الليل وبياض النهار، كالقصة المذكورة في الحديث الصحيح) ا. هـ. (3) في «الاختيارات» للبعلي (ولا إثم إذا لم يقصّر). (4) في ط 1: (ومعناه)، والمثبت من ط 2. (5) «الفتاوى» (11/ 406 - 407؛ 22/ 100 - 103)، «منهاج السنة» (5/ 122 - 125)، «الاختيارات» للبعلي (48 - 49)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 430 - 431).
(1/121)
118 - قضاء من زال عقله بمحرم للصلاة الفائتة: - قال ابن مفلح: (وتلزم (1) من زال عقله بمحرم «و» خلافا لشيخنا) [الفروع 1/ 289 (1/ 409)] (2). 119 - ثواب عمل الصبي المميز له: - قال ابن مفلح: (وثواب فعله له، ذكره الشيخ في غير موضع، وذكره شيخنا) [الفروع 1/ 291 (1/ 411)] (3). 120 - إذا بلغ الصبي في الوقت، وكان قد صلى الصلاة: - قال ابن مفلح: (اختار الشيخ تقي الدين عدم وجوب إعادتها، وذكر أن بعضهم حكاه وجها لنا، وهو مذهب الشافعي. وقاس أبو الخطاب على الحج، فقيل له: الحج لو بلغ في أثنائه أجزأه، فيجب إذا بلغ في أثناء الصلاة أن تجزئه. فأجاب: بأن كل وقت من عرفة وقوفُه يجزئ في الحج، وليس كل ركعة من الصلاة تجزئ عن بقية الصلاة، فنظيره: أن ينصرف من عرفة قبل البلوغ، ثم يبلغ، فإنه لا يجزئه حتى يعود فيقف بعرفة. قال: والصحيح أن الحج مثل الصلاة، فعلى الرواية التي تقول: لا تجزئ الصلاة= نقول: لا يجزئ الحج إذا بلغ بعد إحرامه. _________ (1) في ط 1: (ويلزم)، والمثبت من ط 2. (2) «الاختيارات» للبعلي (50). (3) «الاختيارات» للبعلي (50)، وانظر: «شرح العمدة» (2/ 42).
(1/122)
قال الشيخ تقي الدين: هذا قول منه بروايتين في الصلاة قبل وجوبها. قال الشيخ تقي الدين: فيصير لنا في الصلاة والحج جميعا ثلاثة أقوال، وفي الصوم روايتان، أعني إذا بلغ في نفس الفعل، فأما إذا بلغ بعد الفعل وبقاء الوقت فلا خلاف في وجوب الحج، ويمتنع مثل ذلك في الصوم. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 30 ــ 31] (1). 121 - تقديم الوقت على الشرط: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: «أو شرط قريب» ليس مذهبا لأحمد وأصحابه، وأن الوقت يقدّم، واختار تقديم الشرط إن انتبه قرب طلوعها) [الفروع 1/ 293 (1/ 415)] (2). وانظر ما سبق (رقم: 77). 122 - المصر على ترك الصلاة: - قال ابن مفلح: (وإن تركها تهاونا وكسلا، دعاه إمام أو من في حكمه، فإن أبى حتى ضاق وقت الثانية، اختاره الأكثر، وعنه: الأولى، اختاره صاحب «المحرر» وغيره، وهي أظهر «و: م ش»، وقال أبو أسحاق: إن لم يجمع، وحسّنه الشيخ، وعنه: إن ترك ثلاثا، وعنه: ويضيق وقت الرابعة، قدّمه في «التلخيص»، وفي «المبهج» و «الواضح» و «تبصرة» الحلواني رواية: ثلاثة أيام= قتل (3) (هـ) وجوبا بضرب عنقه. نص عليه «و: م ش» كفرا، _________ (1) انظر: «منهاج السنة» (5/ 180). (2) «الفتاوى» (22/ 56 - 60)، «الاختيارات» للبعلي (51 - 52). (3) هذا جواب: فإن أبى حتى ضاق وقت الثانية.
(1/123)
اختاره الأكثر فحكمه كالكفار ... وعنه: حدا «و: م ش» فحكمه كأهل الكبائر، قال شيخنا: كذا فرض الفقهاء، ويمتنع أن يعتقد أن الله تعالى فرضها ولا يفعلها ويصبر على القتل، هذا لا يفعله أحد قط) [الفروع 1/ 294 (1/ 417)] (1). 123 - الإشاعة عن تارك الصلاة بتركها وهجره: - قال ابن مفلح: (وينبغي الإشاعة عنه بتركها حتى يصلي. قاله شيخنا، قال: ولا ينبغي السلام عليه، ولا إجابة دعوته) [الفروع 1/ 294 (1/ 417)] (2). 124 - المرتد بترك الصلاة يصير مسلما بفعل الصلاة: - قال ابن مفلح: (قال ابن عقيل في «الفنون» فيمن ترك الصلاة تهاونا ــ وقيل: بكفره ــ: إذا كان كافرا، فبماذا يكون مسلما: بالشهادتين، أم بفعل الصلاة؟ ... ) وساق كلام ابن عقيل، ثم قال: (قال الشيخ تقي الدين: الأصوب: أنه يصير مسلما بنفس الصلاة، من غير احتياج إلى إعادة الشهادتين، لأن هذا كفره بالامتناع من العمل، ككفر إبليس بترك السجود، وكفر تارك الزكاة بمنعها والمقاتلة عليها، لا بكفره بسكوت، فإذا عمل صار مسلما، كما أن المكذّب إذا صدّق صار مسلما، ومثل هذا الكافر تصحّ صلاته، كما أن المكذّب تصحّ شهادته، فإن صلاته هي توبته من الكفر، أما تصييره مسلما على أصلنا بالصلاة فظاهر، فإن الكافر _________ (1) «الفتاوى» (7/ 219)، «الاختيارات» للبعلي (50). (2) «الاختيارات» للبعلي (50)، وانظر: «الفتاوى» (23/ 252؛ 28/ 220 - 221؛ 34/ 217).
(1/124)
الأصلي والمرتد بالتكذيب لو صلى: حكم بإسلامه، وإنما الكلام في صحة صلاته قبل تجديد الشهادتين، والمسألة مذكورة في المرتد، لا سيما والكافر يصير مسلما بالشهادة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة، لتضمن ذلك الشهادة بالتوحيد. وأيضًا فلو قال: أنا مسلم، صار مسلما. وما ذكره في الزنديق فالأشبه أيضا: أن الزنديق إذا قبلت توبته فلابد من أن يذكر: أنه تائب منها في الباطن. وإن لم يقل فلعل باطنه تغير. انتهى كلامه. وكلام ابن عقيل يقتضي الحكم بإسلامه بالشهادتين فقط، كما يكتفى بهما في الزنديق، فيكون كالبينة أولا. فظهر من هذا ثلاثة أقوال: بالصلاة، أم بالشهاديتن، أم بهما؟ وقول الشيخ تقي الدين: والمسألة مذكورة في المرتد، قال في المرتد الأصلي، وهل صلاته صحيحة؟ : قال القاضي: الصلاة باطلة، ويحكم بإسلامه بها، كالشهادتين إذا وجدتا حكمنا بإسلامه بهما، ولا يستدل بهما على إسلام سابق. وقال أبو الخطاب: هي صلاة صحيحة مجزئة في الظاهر ... قال الشيخ تقي الدين: شرط الصلاة تقدم الشهادة مسبوقة بالإسلام، فإذا تقرّب بالصلاة يكون بها مسلما، وإن كان محدثا، ولا يصح الإئتمام لفقد شرطه، لا لفقد الإسلام، وعلى هذا عليه أن يعيدها. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 34 ــ 36] (1). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (50).
(1/125)
- واختصر ابن مفلح هذا الكلام في «الفروع» فقال: (قال شيخنا: الأصوب أنه يصير مسلما بالصلاة، لأن كفره بالامتناع، كإبليس وتارك الزكاة، وصحتها قبل الشهادتين كمرتدّ (1)، قال: والأشبه أيضا أن الزنديق لا بدّأن يذكر أنه تائب باطنا، وإن لم يقل، فلعل باطنه قد تغير) [الفروع (1/ 419 ــ 421)]. 125 - المحافظ على الصلاة أقرب إلى الرحمة: - قال ابن مفلح: (والمحافظ عليها أقرب إلى الرحمة ممن لا يصليها، ولو فعل ما فعل، ذكره شيخنا) [الفروع (1/ 421)] (2). _________ (1) في ط 1: (مرتد)، والمثبت من ط 2. (2) «الاختيارات» للبعلي (51).
(1/126)
باب المواقيت
126 - أسماء الصلوات وما يكره منها: - قال ابن مفلح: (ولا تكره تسميتها (1) عتمة، والفجر بصلاة الغداة في الأصح فيهما «ش»، وقيل: يكره في الأخيرة، وقيل: في الأوّلة، وفيها في «اقتضاء الصراط المستقيم»: أن الأشهر عندنا إنما يكره الإكثار حتى يغلب على الاسم الآخر، وأن مثلها في الخلاف المغرب بالعشاء) [الفروع (1/ 424)] (2). 127 - التأخير الشديد للصلاة من المحدثات: انظر ما يأتي في باب صفة الصلاة برقم (193). 128 - اختلاف وقت الفجر ووقت العشاء في الشتاء والصيف: - قال ابن مفلح: (ووقت العشاء في الطول والقصر يتبع النهار، فيكون في الصيف أطول، كما أن وقت الفجر يتبع الليل، فيكون في الشتاء أطول، قال شيخنا: ومن زعم أن وقت العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء وفي الصيف فقد غلط غلطا بينا باتفاق الناس، وسبب غلطه أن الأنوار تتبع الأبخرة، ففي الشتاء يكثر البخار في الليل فيظهر النور فيه (3)، وفي الصيف تقلّ الأبخرة بالليل، وفي الصيف يتكدّر الجوّ بالنهار بالأغبرة (4)، ويصفو _________ (1) أي العشاء. (2) «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 408 - 409). (3) في «الفتاوى»: (فيه أولا). (4) في «الفتاوى»: (بالأبخرة).
(1/127)
في الشتاء (1)، ولأنّ النورين تابعان للشمس، هذا يتقدّمها، وهذا يتأخر عنها (2)، فإذا كان في الشتاء طال زمن مغيبها فيطول زمن الضوء التابع لها، وإذا كان في الصيف طال زمن ظهورها فيطول زمن الضوء التابع لها (3)، وأمّا جعل هذه الحصّة بقدر هذه، وأن الفجر في الصيف (4) أطول، والعشاء في الشتاء أطول، وجعل الفجر تابعا للنهار يطول في الصيف، ويقصر في الشتاء، وجعل الشفق تابعا لليل، يطول في الشتاء ويقصر في الصيف، فهو قلب للحسِّ والعقل والشرع) [الفروع 1/ 304 ــ 305 (1/ 435 ــ 436)] (5). 129 - العمل بقول المؤذن مع إمكان العلم بالوقت: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: قال بعض أصحابنا: لا يعمل بقول المؤذن مع إمكان العلم بالوقت، وهو خلاف مذهب أحمد وسائر العلماء المعتبرين، وخلاف ما شهدت به النصوص. كذا قال) [الفروع 1/ 306 (1/ 437)] (6). _________ (1) في «الفتاوى» زيادة: (لأن الشمس مزقت البخار، والمطر لبد الغبار). (2) في «الفتاوى»: (فيجب أن يكونا تابعين للشمس). (3) من قوله: (وإذا كان في الصيف) إلى هنا سقط من مطبوعة «الفتاوى». (4) في ط 1: (وأن الفجرين). (5) «الفتاوى» (22/ 93 - 94)، «الاختيارات» للبعلي (52). (6) «الاختيارات» للبعلي (52)، وانظر: «شرح العمدة» (2/ 251 - 252). تنبيه: وقع في طبعتي «الإنصاف» ــ طبعة الفقي، وطبعة التركي ــ: (قال الشيخ تقي الدين: لا يعمل بقول المؤذن في دخول الوقت، مع إمكان العلم بالوقت، وهو مذهب أحمد، وسائر العلماء المعتبرين، كما شهدت بذلك النصوص، خلافا لبعض أصحابنا. انتهى) ا. هـ وهذا عكس ما جاء هنا، وما وقع في «شرح العمدة»، والذي يبدو ــ والله أعلم ــ أن كلمة (لا) مقحمة في مطبوعة «الإنصاف»، وأن الصواب: (يعمل بقول المؤذن)، والمرداوي فيما يظهر قد نقل هذا النص من «الاختيارات» للبعلي، والنص فيه على الصواب: (ويعمل بقول المؤذن ... الخ).
(1/128)
130 - من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس: - قال ابن القيم: (المثال الثامن والعشرون (1): رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في أن من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح= بكونها خلاف الأصول وبالمتشابه من نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة وقت طلوع الشمس، قالوا: والعام عندنا يعارض الخاص، فقد تعارض حاظر ومُبيح، فقدمنا الحاظر احتياطًا، فإنه يوجب عليه إعادة الصلاة، وحديث الإتمام يجوِّز له المُضيّ فيها، وإذا تعارضا صرنا إلى النص الذي يوجب الإعادة لتتيقن براءة الذمة. فيقال: لا ريب أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته» حديث واحد، قاله - صلى الله عليه وسلم - في وقت واحد، وقد وجبت طاعته في شطره، فتجب طاعته في الشطر الآخر، وهو مُحْكم خاص لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، لا يحتمل غيره ألبته، وحديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي عام مجمل قد خُصّ منه عصر يومه بالإجماع، وخُصّ منه قضاء الفائتة والمنسية بالنصّ، وخُصَّ منه ذوات الأسباب بالسنة كما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - سُنة الظهر بعد العصر، وأقر من قضى سنة الفجر بعد صلاة الفجر، وقد أعلمه أنها _________ (1) أي من أمثلة رد بعض الناس للنص بنص آخر.
(1/129)
سنة الفجر، وأمر من صلّى في رَحْله ثم جاء مسجد جماعة أن يصلي معهم وتكون له نافلة، وقاله في صلاة الفجر، وهي سبب الحديث، وأمر الداخلَ والإمام يخطب أن يصلي تحية المسجد قبل أن يجلس. وأيضا فإن الأمر بإتمام الصلاة وقد طلعت الشمس فيها أمر بإتمام لا بابتداء، والنهي عن الصلاة في ذلك الوقت نهيٌ عن ابتدائها لا عن استدامتها، فإنه لم يقل: لا تتموا الصلاة في ذلك الوقت، وإنما قال: لا تصلوا، وأين أحكام الابتداء من الدوام وقد فرق النص والإجماع والقياس بينهما؟ ! فلا تؤخذ أحكام الدوام من أحكام الابتداء، ولا أحكام الابتداء من أحكام الدوام في عامة مسائل الشريعة، فالإحرام ينافي ابتداء النكاح والطيب دون استدامتهما، والنكاح ينافي قيام العدة والردة دون استدامتهما، والحدث ينافي ابتداء المسح على الخفين دون استدامته، وزوال خوف العَنَت ينافي ابتداء النكاح على الأمة دون استدامته عند الجمهور، والزنا من المرأة ينافي ابتداء عقد النكاح دون استدامته عند الإمام أحمد ومن وافقه، والذهول عن نية العبادة ينافي ابتداءها دون استدامتها، وفقد الكفاءة ينافي لزوم النكاح في الابتداء دون الدوام، وحصول الغنى ينافي جواز الأخذ من الزكاة ابتداء ولا ينافيه دواما، وحصول الحَجْر بالسفه والجنون ينافي ابتداء العقد من المحجور عليه ولا ينافي دوامه، وطَريَان ما يمنع الشهادة من الفسق والكفر والعداوة بعد الحكم بها لا يمنع العمل بها على الدوام ويمنعه في الابتداء، والقدرة على التكفير بالمال تمنع التكفير بالصوم ابتداء لا دوامًا، والقدرة على هدي التمتع تمنع الانتقال إلى الصوم ابتداء لا دوامًا، والقدرة على الماء تمنع ابتداء التيمم اتفاقًا، وفي منعه لاستدامة الصلاة بالتيمم خلاف بين أهل العلم، ولا يجوز إجارة العين المغصوبة ممن لا يقدر على تخليصها،
(1/130)
ولو غَصَبَها بعد العقد مَن لا يقدر المستأجر على تخليصها منه لم تنفسخ الإجارة وخير المستأجر بين فسخ العقد وإمضائه، ويمنع أهل الذمة من ابتداء إحداث كنيسة في دار الإسلام ولا يمنعون من استدامتها، ولو حلف لا يتزوج ولا يتطيب أو لا يتطهر فاستدام ذلك لم يحنث وإن ابتدأه حنث، وأضعاف أضعاف ذلك من الأحكام التي يفرق فيها بين الابتداء والدوام، فيحتاج في ابتدائها إلى ما لا يحتاج إليه في دوامها، وذلك لقوة الدوام وثبوته واستقرار حكمه، وأيضًا فهو مستصحب بالأصل، وأيضا فالدافع أسهل من الرافع، وأيضًا فأحكام التّبَع يثبت فيها ما لا يثبت في المتبوعات، والمستدام تابع لأصله الثابت. فلو لم يكن في المسألة نصّ لكان القياس يقتضي صحة ما ورد به النص، فكيف وقد توارد عليه النص والقياس! ؟ فقد تبين أنه لم يتعارض في هذه المسألة عام وخاص، ولا نص وقياس، بل النص فيها والقياس متفقان، والنص العام لا يتناول مورد الخاص ولا هو داخل تحت لفظه، ولو قدر صلاحية لفظه له فالخاص بيان لعدم إرادته، فلا يجوز تعطيل حكمه وإبطاله، بل يتعين إعماله واعتباره، ولا تضرب أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضها ببعض، وهذه القاعدة أولى من القاعدة التي تتضمن إبطال إحدى السنتين وإلغاء أحد الدليلين، والله الموفق. ثم نقول: الصورة التي أبطلتم فيها الصلاة ــ وهي حالة طلوع الشمس ــ وخالفتم السنة أولى بالصحة من الصورة التي وافقتم فيها السنة، فإنه إذا ابتدأ العصر قبل الغروب فقد ابتدأها في وقت نهي، وهو وقت
(1/131)
ناقص، بل هو أولى الأوقات بالنقصان، كما جعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت صلاة المنافقين حين تصير الشمس بين قَرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، وإنما كان النهي عن الصلاة قبل ذلك الوقت حريما له وسدًّا للذريعة، وهذا بخلاف من ابتدأ الصلاة قبل طلوع الشمس، فإن الكفار حينئذ لا يسجدون لها، بل ينتظرون بسجودهم طلوعها فكيف يقال: تبطل صلاة من ابتدأها في وقت تام لا يسجد فيه الكفار للشمس، وتصح صلاة من ابتدأها وقت سجود الكفار للشمس سواء، وهو الوقت الذي تكون فيه بين قَرْنَي الشيطان فإنه حينئذ يقارنها ليقع السجود له كما يقارنها وقت الطلوع ليقع السجود له؟ فإذا كان ابتداؤها وقت مقارنة الشيطان لها غير مانع من صحتها فلأن تكون استدامتها وقت مقارنة الشيطان غير مانع من الصحة بطريق الأولى والأحرى، فإن كان في الدنيا قياس صحيح فهذا من أصحه، فقد تبين أن الصورة التي خالفتم فيها النص أولى بالجواز قياسًا من الصورة التي وافقتموه فيها. وهذا مما حصلته عن شيخ الإسلام ــ قدس الله روحه ــ وقت القراءة عليه، وهذه كانت طريقته، وإنما يقرر أن القياس الصحيح هو ما دل عليه النص، وأن من خالف النص للقياس فقد وقع في مخالفة القياس والنص معًا، وبالله التوفيق) [إعلام الموقعين 2/ 341 ــ 344 (2/ 322 ــ 323)] (1). 131 - إذا طرأ المانع بعد دخول الوقت: - قال ابن مفلح: (وإن دخل الوقت بقدر تكبيرة، وأطلقه أحمد، فلهذا قيل: بجزء، وعنه: وأمكنه الأداء، اختاره جماعة «و: ش»، واختار شيخنا: أن _________ (1) انظر: «الفتاوى» (22/ 297؛ 23/ 178 ــ 217).
(1/132)
يضيق «و: م» ثم طرأ جنون أو حيض= وجب القضاء «هـ») [الفروع 1/ 306 (1/ 438)] (1). 132 - إذا طرأ التكليف آخر الوقت: - قال ابن مفلح: (ذكر شيخنا الخلاف عندنا فيما إذا طرأ مانع أو تكليف، هل يعتبر بتكبيرة أو ركعة، واختار بركعة في التكليف «و: م») [الفروع 1/ 306 (1/ 438)] (2). 133 - إذا عجز من عليه فوائت قد تاب من تركها عن قضائها قبل موته: 134 - وعدم سقوط الفوائت بحج وغيره: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: إن عجز فمات بعد التوبة غفر له. قال: ولا تسقط بحج، ولا تضعيف صلاة في المساجد الثلاثة، ولا غير ذلك «ع») [الفروع 1/ 308 (1/ 441)] (3). _________ (1) «الفتاوى» (23/ 334؛ 20/ 363)، «الاختيارات» للبعلي (53). (2) «الفتاوى» (23/ 255 - 256). (3) «الاختيارات» للبعلي (53).
(1/133)
باب الأذان والإقامة
135 - أخذ الأجرة على الأذن: انظر ما يأتي برقم (781). 136 - أذان الصبي المميز للبالغين: - قال ابن مفلح: (ولا يصح من مميّز لبالغ في رواية اختارها جماعة «و: م» لأنه فرض كفاية، وفعله نفل، وعلّله صاحب «المغني» و «المحرّر» بأنه لا يقبل خبره، كذا قالا، وذكره جماعة في أصول الفقه، وقال شيخنا: يتخرج فيه روايتان كشهادته وولايته، كذا قال (1)) [الفروع 1/ 319 (2/ 18)] (2). 137 - أذان الفاسق: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين بن تيمية في «تعليق المحرر»: وفي أذان الفاسق روايتان، أي (3) في الإجزاء، فأما ترتيب الفاسق مؤذنا فلا ينبغي أن يجوز قولا واحدا، كما قيل في نفوذ حكم الفاسق إذا حكم بالحق وجهان وإن لم تجز توليته قولا واحدا .... ورأيت في كلام الشيخ تقي الدين ما يدل على أن ولاية الفاسق مبنية على صحة إمامته، وقال: لم يتنازعوا فإنه (4) لا ينبغي توليته) [النكت على _________ (1) بعدها في ط 1: (وولايته). (2) «الاختيارات» للبعلي (57). (3) هذا البيان لا أدري هل هو للشيخ تقي الدين أو لابن مفلح؟ (4) كذا، ولعلها: (في أنه) كما في «الاختيارات» للبعلي (107 - 108).
(1/134)
المحرر 1/ 108 (1/ 182 - 183] (1). 138 - إجابة المؤذن الثاني فأكثر: - قال ابن مفلح: (ظاهر كلامهم: يجيب مؤذنا ثانيا فأكثر، ومرادهم حيث يستحب، واختاره شيخنا) [الفروع 1/ 324 (2/ 26)] (2). 139 - إجابة المصلي للمؤذن: - قال ابن مفلح: (ويجيبه (3) إذا فرغ، وكذا المتخلِّي، قاله أبو المعالي وغيره، وعند شيخنا: يجيبه فيها) [الفروع 1/ 325 (2/ 28)] (4). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (57، 107 - 108) ونصه: (وفي إجزاء الأذان من الفاسق روايتان أقواهما عدمه). (2) «الاختيارات» للبعلي (60). (3) أي المصلي. (4) «الاختيارات» للبعلي (60). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في موضع آخر ــ كما في «الفتاوى» (22/ 72) ــ: (إذا سمع المؤذن يؤذن وهو في صلاة فإنه يتمها، ولا يقول مثل ما يقول عند جمهور العلماء) ا. هـ.
(1/135)
باب ستر العورة وأحكام اللباس
140 - الأمر بأخذ الزينة في الصلاة: - قال ابن القيم: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: أمر الله بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة، وهو أخذ الزينة، فقال تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] فعلق الأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة: إيذانا بأن العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة. وكان لبعض السلف حلة بمبلغ عظيم من المال، وكان يلبسها وقت الصلاة، ويقول: ربي أحق من تجملت له في صلاتي؛ ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، لا سيما إذا وقف بين يديه، فأحسن ما وقف بين يديه: بملابسه ونعمته التي ألبسه إياها، ظاهرًا وباطنًا) [مدارج السالكين 2/ 400 ـ 401] (1). 141 - عورة المرأة الحرة في الصلاة: - قال ابن مفلح: (والحرة البالغة كلها عورة حتى ظفرها، نصّ عليه، إلا الوجه، اختاره الأكثر، وعنه: والكفين «و: م ش» وقال شيخنا: والقدمين «و: هـ») [الفروع 1/ 330 (1/ 35)] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (65)، وانظر: «الفتاوى» (22/ 113 - 120)، «شرح العمدة» (2/ 258 - 260). (2) «الفتاوى» (22/ 114).
(1/136)
142 - حكم صلاة العبد الآبق: - قال ابن مفلح: (ولا يصح نفل آبق، ذكره ابن عقيل وغيره، لأنّ زمن فرضه مستثنى شرعا فلم يغصبه، وقال شيخنا: وبطلان فرضه قويٌّ) [الفروع 1/ 333 (2/ 42)]. - وقال أيضاً: (فرع: هل تصح صلاة من غصب نفسه، وهو العبد الآبق؟ .... ذكر ــ أي ابن عقيل ــ في كتابه «الواضح» هذه المسألة، وقال آخر كلامه: والذي يتحقق غصبه لنفسه فيها من الصلاة تكون عندنا باطلة، وهي النافلة ... وقال الشيخ تقي الدين ــ بعد ذكره لكلام ابن عقيل في «الواضح» ــ: لكنه غاصب للمكان الذي حلّ فيه، مقامه فيه يحرم كمقام الغاصب في ملك المغصوب، فبطلان الصلاة أقوى. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 48] (1). 143 - إذا غصب مسجدا ومنع الناس من الصلاة فيه، ثم تلف في يده: - قال ابن مفلح: (ولا يضمنه بمنعه (2) كجزء، وقال شيخنا: قياس المذهب يضمنه) [الفروع 1/ 334 (2/ 44)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (65). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الضمير في قوله: «بمنعه» يعود إلى المسجد الذي منعه غيره ولم يغيّر هيئته، وإنما وجد منه المنع فقط، ولهذا قال: «بمنعه» احترز به عمّا إذا غيّر هيئته، والمعنى: أنه لو منع غيره من المسجد لم يضمنه بذلك، أشبه ما لو غصب جزءا، فإنه لا يضمنه، وقوله «كجزء» يحتمل أنه أراد به إذا منع جزءا من المسجد) ا. هـ. (3) «الاختيارات» للبعلي (64)، وانظر: «الآداب الشرعية» (3/ 394).
(1/137)
144 - لباس الشهرة: - قال ابن مفلح: (ويكره شهرة، وخلاف زي بلده، وقيل: يحرم، ونصه: لا، قال شيخنا: تحرم شهرة، وهو ما قصد به الارتفاع، وإظهار التواضع، كما كان السلف يكرهون الشهرتين من اللباس (1) المرتفع والمنخفض، ولهذا في الخبر: «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة»، فعاقبه بنقيض قصده) [الفروع 1/ 345 (2/ 61 ــ 62)]. - وقال أيضا: (قال في «الرعاية الكبرى»: يكره في غير حرب إسبال بعض لباسه فخرا وخيلاء وبطرا وشهرة، وخلاف زي بلده بلا عذر، وقيل: يحرم ذلك، وهو أظهر، وقيل: ثوب الشهرة ما خالف زي بلده وأزرى به ونقص مروءته. انتهى كلامه. والقول بتحريم ذلك خيلاء هو ظاهر كلام الإمام أحمد، وقطع به في «المستوعب» و «الشرح»، وهو الذي وجدته في كلام الشيخ تقي الدين) [الآداب الشرعية 3/ 496] (2). 145 - الامتناع من فعل المباحات مطلقًا: - قال ابن مفلح: (قيل لأحمد: يؤجر في ترك الشهوات؟ قال: نعم. ومراده: لا أن يمتنع منها مطلقا. قال شيخنا: من فعل هذا، فجاهل ضال) _________ (1) في ط 1: (يكرهون الشهرة من اللين)، والمثبت من ط 2. (2) لم أقف عليه، وفي «الفتاوى» (22/ 138): (وتكره الشهرة من الثياب، وهو المترفع الخارج عن العادة، والمتخفض الخارج عن العادة، فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين: المترفع والمتخفض، وفي الحديث: «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة»، وخيار الأمور أوسطها) ا. هـ
(1/138)
[الفروع 1/ 346 (2/ 63)] (1). 146 - الإسراف في المباحات: - قال ابن مفلح: (فأما الإسراف في المباح فالأشهر لا يحرم ... وحرّمه شيخنا) [الفروع 1/ 347 (2/ 64 ــ 65)] (2). 147 - الشكر على نعمة اللباس ونحوها: - قال ابن مفلح: (فأما شكر الله على ذلك فمستحب، ويأتي في الوليمة (3) خلاف في الحمد على الطعام، فيتوجه مثله في اللباس، ثم إن وجب فعدمه لا يمنع الحل على ما يأتي في الأطعمة (4). وقال شيخنا ــ بعد أن ذكر: من امتنع من فعل المباحات، كأكل ولبس، ويظن أن هذا مستحب جاهل ضال ــ قال: أمر الله بالأكل من الطيب والشكر له، وهو العمل بطاعته بفعل المأمور، وترك المحظور، فمن أكل ولم يشكر، كان معاقبا على ما تركه من فعل الواجبات، ولم تحل له الطيبات، فإن الله إنما أحلّها لمن يستعين بها على طاعته، كما قال: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا _________ (1) «الفتاوى» (22/ 134) ونص كلامه: (الإسراف في المباحات هو مجاوزة الحد، وهو من العدوان المحرم، وترك فضولها هو من الزهد المباح، وأما الامتناع من فعل المباحات مطلقا كالذي يمتنع من أكل اللحم، وأكل الخبز، أو شرب الماء، أو لبس الكتان والقطن، ولا يلبس إلا الصوف، ويمتنع من نكاح النساء، ويظن أن هذا من الزهد المستحب، فهذا جاهل ضال من جنس زهاد النصارى) ا. هـ. (2) «الفتاوى» (22/ 134). (3) «الفروع» (8/ 321. ط 2). (4) «الفروع» (10/ 331. ط 2).
(1/139)
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة: 93]، ولهذا لا يجوز أن يعان الإنسان بالمباحات على المعاصي، وقوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] أي: عن الشكر، فطالب العبد بأداء شكر الله عليه، فإنّ الله لا يعاقب إلا على ترك مأمور وفعل محظور) [الفروع 1/ 347 (2/ 65)] (1). 148 - لبس الرجل للذهب اليسير تبعا: 149 - وبيع الحرير للكافر ليلبسه، وبيع آنية الذهب والفضة له: - قال ابن القيم: (وسمعت شيخ الإسلام يقول: حديث معاوية في إباحة الذهب مقطعًا (2): هو في التابع غير المفرد، كالزر والعلم ونحوه، وحديث الخريصة (3): هو في الفرد، كالخاتم وغيره، فلا تعارض بينهما. والله أعلم) [تهذيب السنن 6/ 202]. - وقال ابن مفلح: (ويحرم يسير ذهب تبعا، نص عليه، كالمفرد «و»، وعنه: لا «و: هـ م» (4) اختاره أبو بكر وصاحب «المحرر» وحفيده. وقال: يجوز بيع حرير لكافر، ولبسه له، لأن عمر بعث بما أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أخ له مشرك. رواه أحمد والبخاري ومسلم ... _________ (1) «الفتاوى» (22/ 135 - 137) باختصار. (2) أي: حديث: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ركوب النمار وعن لبس الذهب إلا مقطعا». (3) أي: حديث: «من تحلى بخريصة كوي بها يوم القيامة». (4) في ط 1: (و: هـ)، والمثبت من ط 2.
(1/140)
وقال شيخنا: وعلى قياسه بيع آنية الذهب والفضة للكفار، وإذا جاز بيعها لهم جاز صنعها (1) لبيعها منهم، وعملها لهم بالأجرة. كذا قال) [الفروع 1/ 352 (2/ 73)] (2). 150 - لبس الفضة والتحلي بها: - قال ابن مفلح: (ولم أجد أحدا احتج لتحريم لباس الفضة على الرجال في الجملة، ودليل ذلك فيه إشكال، وحكي عن الشيخ تقي الدين أنه كان يستشكل هذه المسألة، وربما توقف فيها، وكلامه في موضع يدل على إباحة لبس الفضة للرجال إلا ما دلّ دليل شرعي على تحريمه. وقال في موضع آخر: لباس الذهب والفضة يباح للنساء بالاتفاق .. إلى أن قال: فلما كانت ألفاظه صلوات الله وسلامه عليه عامة في آنية الذهب والفضة، وفي لباس الذهب والحرير= استثني من ذلك ما خصته الأدلة الشرعية، كيسير الحرير ويسير الفضة في الآنية للحاجة، ونحو ذلك. فأما لباس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا جاءت السنة بإباحة خاتم الفضة كان هذا دليلا على إباحة ذلك، وما هو في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة، وما لم يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 139 ــ 140] (3). _________ (1) في ط 1: (صبغها)، والمثبت من ط 2. (2) انظر: «الفتاوى» (21/ 82، 87؛ 25/ 64)، «الاختيارات» للبعلي (116). (3) «الفتاوى» (25/ 64 - 65)، «الاختيارات» للبعلي (115 - 116)، وما يأتي برقم (401).
(1/141)
151 - صلاة المسبل ومن لبس المزعفر والمعصفر ونحوها: - قال ابن مفلح: (نقل صالح: ويكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر والأحمر المصمت، وقيل: لا، ونقله الأكثر في المزعفر، وهو مذهب ابن عمر وغيره «و: م» وذكر الآجري والقاضي وغيرهما تحريم التزعفر له «و: هـ ش»، وقيل: يعيد من صلى به أو بمعصفر أو مسبلا، ونحوه، واختار أبو بكر هذا المعنى ... وحمل الخلال النهي عن التزعفر على بدنه في صلاته، وحمله صاحب «المحرر» على التطيب به، والتخلق به، لأن خير طيب الرجال ما خفي لونه وظهر ريحه. قال شيخنا: بناء على أنه هل يلزم من عدم القبول عدم الصحة أو عدم الثواب فقط؟) [الفروع 1/ 354 ــ 355 (2/ 77 ــ 78)] (1). 152 - الحكمة من ذؤابة العمامة: - قال ابن القيم: (وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية ــ قدس الله روحه في الجنة ــ: يذكر في سبب الذؤابة شيئًا بديعًا، وهو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما اتخذها صبيحة المنام الذي رآه في المدينة، لما رأى رب العزة تبارك وتعالى، فقال: «يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، فوضع يده بين كتفي، فعلمت ما بين السماء والأرض ... » الحديث. وهو في الترمذي، وسئل عنه البخاري فقال: صحيح. _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (ويحتمل أن يكون كلام شيخنا ــ كذا ــ عائدا إلى قوله: وقيل: يعيد من صلى به، أو بمعصفر، أو مسبلا) ا. هـ.
(1/142)
قال: فمن تلك الحال أرخى الذؤابة بين كتفيه. وهذا من العلم الذي تنكره ألسنة الجهال وقلوبهم، ولم أر هذه الفائدة في إثبات الذؤابة لغيره) [زاد المعاد 1/ 136 ـ 137]. 153 - إطالة ذؤابة العمامة: - قال ابن مفلح: (ويسن إرخاء ذؤابة خلفه، نص عليه، قال شيخنا: إطالتها كثيرا من الإسبال) [الفروع 1/ 356 (2/ 79)]. 154 - لبس السراويل مع القميص: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: الأفضل مع القميص السراويل من غير حاجته إلى الإزار والرداء، وسبق كلامه في باب السواك (1)) [الفروع 1/ 356 (2/ 80)]. 155 - حكم إلباس الدابة الحرير ونحوه: - قال ابن مفلح: (ويحرم إلباسها (2) ذهبا وفضة، وقال شيخنا: وحريرا) [الفروع 1/ 356 (2/ 82)]. 156 - الصلاة في النعل: - قال ابن مفلح: (واستحب شيخنا وغيره الصلاة في النعل) [الفروع 1/ 358 (2/ 83)] (3). _________ (1) انظر: رقم (28). (2) أي الدابة. (3) «الفتاوى» (22/ 121).
(1/143)
157 - التشبه بالكفار: - قال ابن مفلح: (وقال (1) في مكان آخر: يكره لبس ما يشبه زي الكفار دون العرب، وقاله أيضا غيره، وعن ابن عمر مرفوعا: «من تشبه بقوم فهو منهم» رواه أحمد وأبو داود، وإسناده صحيح. قال شيخنا: وقد احتج أحمد وغيره بهذا الحديث (2). قال شيخنا: أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]). [الفروع 1/ 360 (2/ 85)] (3). وانظر ما يأتي برقم: (1049). _________ (1) إما ابن عقيل أو القاضي أبو يعلى. (2) من قوله: (قال شيخنا) إلى هنا غير موجود في ط 1. (3) «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 270).
(1/144)
باب اجتناب النجاسة ومواضع الصلاة
158 - الحكمة من النهي عن اتخاذ المساجد على القبور: - قال ابن القيم: (قال شيخنا: وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور= هي التي أوقعت كثيرًا من الأمم إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين، وتماثيل يزعمون أنها طلاسم للكواكب ونحو ذلك؛ فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر؛ ولهذا نجد أهل الشرك كثيرًا يتضرعون عندها، ويخشعون، ويخضعون، ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله، ولا وقت السحر؛ ومنهم من يسجد لها، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد. فلأجل هذه المفسدة: حسم النبي - صلى الله عليه وسلم - مادتها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقًا، وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد؛ كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة فيها للشمس، فنهى أمته عن الصلاة حينئذ، وإن لم يقصد المصلي ما قصده المشركون، سدا للذريعة. قال: وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركًا بالصلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادة لله ورسوله، والمخالفة لدينه، وابتداع دين لم يأذن به الله؛ فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - = أن الصلاة عند القبور منهي عنها، وأنه لعن من اتخذها مساجد)
(1/145)
[إغاثة اللهفان 1/ 288 ــ 289] (1). 159 - الصلاة عند القبر والقبرين: - قال ابن مفلح: (ولا يضر قبر أو قبران، وقيل: بلى، واختاره شيخنا) [الفروع 1/ 375 (2/ 111)] (2). وانظر ما يأتي برقم (360). 160 - الصلاة في الكنيسة: - قال ابن مفلح: (وله دخول بيعة وكنيسة والصلاة فيهما، وعنه: يكره، وعنه: مع صور (3)، وظاهر كلام جماعة تحريم دخوله معها، وقاله شيخنا، وأنها كالمسجد على القبر، وقال: وليست ملكا لأحد، وليس لهم منع من يعبد الله، لأنا صالحناهم عليه، والعابد بينهم وبين الغافلين أعظم أجرا) [الفروع 5/ 308 (8/ 372)] (4). 161 - الصلاة في معاطن الإبل ومرابض الغنم وفي الحمام: - قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (ولما كانت القوة الشيطانية في لحوم الإبل لازمة كان الأمر بالوضوء منها لا مُعارض له من فعل ولا قول، ولما كان في ممسوس النار عارضةً صح فيها الأمر والترك، ويدل على هذا أنه _________ (1) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 192 - 193). (2) «شرح العمدة» (2/ 460 - 461)، «الاختيارات» للبعلي (67). (3) في ط 1: (صورة)، والمثبت من ط 2. (4) «الفتاوى» (22/ 162)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (68).
(1/146)
فرّق بينها وبين لحوم الغنم في الوضوء، وفرّق بينها وبين الغنم في مواضع الصلاة؛ فنهى عن الصلاة في أعطان الإبل وأذن في الصلاة في مرابض الغنم، وهذا يدل على أنه ليس ذلك لأجل الطهارة والنجاسة، كما أنه لما أمر بالوضوء من لحوم الإبل دون لحوم الغنم علم أنه ليس ذلك لكونها مما مسَّتْه النار، ولما كانت أعطانُ الإبل مأوى الشيطان لم تكن مواضع للصلاة كالحُشوش، بخلاف مباركها في السفر؛ فإن الصلاة فيها جائزة؛ لأن الشيطان هناك عارض، وطردُ هذا المنعُ من الصلاة في الحمَّام لأنه بيت الشيطان) [إعلام الموقعين 1/ 396] (1). _________ (1) هذا الكلام ضمن نص سبق ذكره بتمامه تحت المسألة رقم (55)، وهو في «الفتاوى» (20/ 524 - 525).
(1/147)
باب النية
162 - النية تتبع العلم: - قال ابن مفلح: (نقل أبو طالب وغيره: إذا خرج من بيته يريد الصلاة فهو نية، أتراه كبّر وهو لا ينوي الصلاة؟! واحتج به شيخنا وغيره على أن النية تتبع العلم، فمن علم ما يريد فعله قصده ضرورة) [الفروع 1/ 393 (2/ 138)] (1). 163 - الخروج من الصلاة إذا شك في النية: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يحرم خروجه لشكه في النية، للعلم بأنه ما دخل إلا بالنية، وكشكه هل أحدث؟) [الفروع 1/ 397 (2/ 142)] (2). 164 - انتقال المنفرد إماما أو مأموما: - قال ابن مفلح: (ولا ينتقل منفردا مأموما على الأصح «و: هـ م ق» (3) ولا إماما، اختاره الأكثر، وعنه: يصح، اختاره الشيخ وشيخنا) [الفروع 1/ 400 (2/ 150)] (4). _________ (1) «شرح العمدة» (2/ 587 - 588)، «الفتاوى» (22/ 219 - 220، 228)، «الاختيارات» للبعلي (74). (2) «الاختيارات» للبعلي (74). (3) في ط 2: (هـ م ق). (4) «الفتاوى» (22/ 257)، «الاختيارات» للبعلي (74).
(1/148)
165 - إذا عين الإمام أو المأموم ثم تبين أنه غير المعين: 166 - وإذا عين في صلاة الجنازة المصلى عليه، ثم تبين أنه آخر: - قال ابن مفلح: (وإن نوى الإمامة ظانا حضور مأموم صحّ، لا مع الشك، فإن لم يحضر، أو أحرم بحاضر فانصرف قبل إحرامه، أو عيّن إماما أو مأموما، وقيل: أو ظنهما ــ وقلنا: لا يجب تعيينهما في الأصح ــ فأخطأ، لم يصحّ، وقيل: بلى، منفردا، كانصراف الحاضر بعد دخوله معه، قال بعضهم: وإن عيّن جنازة فأخطأ فوجهان، قال شيخنا: إن عيّن وقصده خلف من حضر، وعلى من حضر، صحّ، وإلا فلا) [الفروع 1/ 400 (2/ 150)] (1). 167 - التلفظ بالنية: انظر ما سبق برقم (32). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (75)، وانظر: «الفتاوى» (22/ 220؛ 23/ 391 - 392).
(1/149)
باب صفة الصلاة
168 - تسوية الصفوف: - قال ابن مفلح: (ويتوجه يجب (1) تسوية الصفوف وهو ظاهر كلام شيخنا، لأنه عليه السلام رأى رجلا باديا صدره فقال: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم») [الفروع: 1/ 408 (2/ 162)] (2). 169 - بعض البدع التي يفعلها بعض الناس في ابتداء الصلاة: 170 - والوسوسة ومفاسدها: - قال ابن القيم: (قال شيخنا: ومن هؤلاء من يأتي بعشر بدع لم يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من أصحابه واحدة منها، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نويت أصلي صلاة الظهر، فريضة الوقت، أداء لله تعالى، إماما ــ أو مأمومًا ــ، أربع ركعات، مستقبل القبلة؛ ثم يزعج أعضاءه، ويحني جبهته، ويقيم عروق عنقه، ويصرخ بالتكبير كأنه يكبر على العدو، ولو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلام يفتش هل فعل رسول الله أو أحد من أصحابه شيئًا من ذلك، لما ظفر به، إلا أن يجاهر بالكذب البحت؛ فلو كان في هذا خير لسبقونا إليه ولدلونا عليه، فإن كان هذا هدى فقد ضلوا عنه، وإن كان الذي كانوا عليه هو الهدى والحق فماذا بعد الحق إلا الضلال؟! قال: ومن أصناف الوسواس ما يفسد الصلاة، مثل: تكرير بعض _________ (1) في ط 1: (لخبر)! والمثبت من ط 2. (2) «الاختيارات» للبعلي (75).
(1/150)
الكلمة، كقوله في التحيات: ات ات، التحي التحي، وفي السلام: اس اس، وقوله في التكبير: أكككبر، ونحو ذلك؛ فهذا الظاهر: بطلان الصلاة به، وربما كان إمامًا فأفسد صلاة المأمومين، وصارت الصلاة ــ التي هي أكبر الطاعات ــ أعظم إبعادا له عن الله من الكبائر، وما لم تبطل به الصلاة من ذلك: فمكروه، وعدول عن السنة، ورغبة عن طريقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهديه، وما كان عليه أصحابه؛ وربما رفع صوته بذلك فآذى سامعيه، وأغرى الناس بذمه والوقيعة فيه، فجمع على نفسه طاعة إبليس، ومخالفة السنة، وارتكاب شر الأمور ومحدثاتها، وتعذيب نفسه، وإضاعة الوقت، والاشتغال بما ينقص أجره، وفوات ما هو أنفع له، وتعريض نفسه لطعن الناس فيه، وتغرير الجاهل بالإقتداء به؛ فإنه يقول: لولا أن ذلك أفضل لما اختاره لنفسه، وإسأة الظن بما جاءت به السنة، وأنه لا يكفي وحده، وانفعال النفس وضعفها للشيطان، حتى يشتد طمعه فيه، وتعريضه نفسه للتشديد عليه بالقدر عقوبة له، وإقامته على الجهل، ورضاه بالخبل في العقل؛ كما قال أبو حامد الغزالي وغيره: الوسوسة سببها: إما جهل بالشرع، وإما خبل في العقل؛ وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب) [إغاثة اللهفان 1/ 216 ـ 217]. 171 - إسماع المصلي نفسه تكبيرة الإحرام والذكر الواجب والفاتحة: - قال ابن مفلح: (وهو ركن بقدر ما يسمع نفسه، ومع العذر بحيث يحصل السماع مع عدمه، واختار شيخنا الاكتفاء بالحروف وإن لم يسمعها، وذكره وجها «و: م» وكذا ذِكْرٌ واجب، والمراد: إلا أن الإمام يسر التحميد، كما هو ظاهر كلام القاضي، وقال بعض الحنفية كقول شيخنا) [الفروع 1/ 410 ــ 411 (2/ 166)].
(1/151)
- وقال أيضاً: (واختار الشيخ تقي الدين أنه يكفي محصل الحروف، وإن لم يسمع نفسه) [النكت على المحرر 1/ 54] (1). 172 - دعاء الاستفتاح: - قال ابن مفلح: (ثم يستفتح «م» سرّا «و» بـ «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» «و: هـ» نص عليه ... وليس: «وجهت وجهي ... » والآية بعدها أفضل «ش» لخبر عليّ، واختار الآجري قول ما في خبر عليّ كلِّه، واختار ابن هبيرة وشيخنا جمعهما (2) .... وقال شيخنا أيضا: الأفضل أن يأتي بكل نوع أحيانا، وكذا قاله في أنواع صلاة الخوف وغير ذلك، وأن المفضول قد يكون أفضل لمن انتفاعه به أتمّ) [الفروع: 1/ 412 ــ 413 (2/ 169 ــ 170)] (3). 173 - معنى «اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد»: - قال ابن القيم: (وسألت شيخ الإسلام عن معنى دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد» كيف يطهر الخطايا بذلك؟ وما فائدة تخصيص التطهير بذلك؟ وقوله في لفظ آخر: «والماء البارد» والحار أبلغ في الإنقاء؟ فقال: الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفًا، وترخي القلب، _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (76). (2) «الفتاوى» (22/ 394 - 395). (3) «الفتاوى» (22/ 347 ــ 348، 336 - 337، 69 - 70، 287، 403 - 404)، «شرح العمدة» (باب صفة الصلاة: 79 - 94)، «الاختيارات» للبعلي (76 - 77).
(1/152)
وتضرم فيه نار الشهوة وتنجسه، فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها، ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه، والماء يغسل الخبث ويطفئ النار، فإن كان باردًا أورث الجسم صلابة وقوة، فإن كان معه ثلج وبرد كان أقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته، فكان أذهب لأثر الخطايا. هذا معنى كلامه) [إغاثة اللهفان 1/ 94]. 174 - التعوذ في أول كل قربة: - قال ابن مفلح: (واستحب شيخنا التعوذ في أول كل قربة (1)) [الفروع: 1/ 413 (1/ 170)] (2). 175 - الجهر بالتعوذ والبسملة والفاتحة في الجنازة أحيانا: 176 - والجهر بالبسملة للتأليف: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: يجهر بها (3) وبالتعوذ وبالفاتحة في الجنازة ونحو ذلك أحيانا، فإنه المنصوص عن أحمد تعليما للسنة، وأنه يستحب (4) أيضا للتأليف، كما استحب أحمد ترك القنوت في الوتر تأليفا للمأموم) [الفروع: 1/ 413 (2/ 170 ــ 171)] (5). _________ (1) في «الاختيارات» للبعلي: (قراءة)، وفي بعض نسخها: (قربة). (2) «الاختيارات» للبعلي (77). (3) أي البسملة. (4) أي الجهر بالبسملة. (5) «الفتاوى» (22/ 274 - 275، 405، 420 - 421، 406 - 407، 436 - 437)، «الاختيارات» للبعلي (77).
(1/153)
177 - كتابة البسملة في أوائل الكتب: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وتكتب أوائل الكتب كما كتبها سليمان، وكتبها النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية، وإلى قيصر وغيره، نص عليه) [الفروع 1/ 414 (2/ 171 ــ 172)] (1). 178 - الفاتحة أفضل سورة: - قال ابن مفلح: (وهي أفضل سورة. قاله شيخنا) [الفروع: 1/ 415 (2/ 172)] (2). 179 - من لا يحسن القراءة ولا الذكر: - ذكر ابن القيم قول من قال: أن المولود إذا ولد مختونا أنه يمر بالموسى على موضع الختان، وضعف هذا القول، ثم قال: (ونظير هذا ... قول بعض المتأخرين من أصحاب أحمد وغيرهم: أن الذي لا يحسن القراءة بالكلية ولا الذكر، أو أخرس: يحرك لسانه حركة مجردة. قال شيخنا: ولو قيل: إن الصلاة تبطل بذلك كان أقرب، لأنه عبثٌ ينافي الخشوع، وزيادة عمل غير مشروع) [تحفة المودود 161 ــ 162] (3). 180 - آية الكرسي أعظم آية: - قال ابن مفلح: (وآية الكرسي أعظم آية، كما رواه مسلم عنه عليه السلام، وروى أحمد ذلك، فظاهره أنه يقول به، وللترمذي وغيره: «إنها _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (78). (2) «الفتاوى» (14/ 6)، «الاختيارات» للبعلي (79). (3) «الاختيارات» للبعلي (84).
(1/154)
سيدة آي القرآن»، وقاله إسحاق بن راهويه وغيره، وقاله شيخنا، قال: كما نطقت به النصوص، لكن عن إسحاق وغيره أنها بالنسبة إلى كثرة الثواب وقلته) [الفروع: 1/ 415 (2/ 172)] (1). 181 - فضل سورة الإخلاص: - قال ابن مفلح: (وفي «الصحيحين» في قل هو الله أحد: «ثلث القرآن، وتعدل ثلث القرآن». ورواه أحمد. قال شيخنا: معاني القرآن ثلاثة أصناف: توحيد، وقصص، وأمر ونهي، و «قل هو الله أحد» مضمّنة ثلث التوحيد، وإذا قيل: ثوابها يعدل ثلث القرآن، فمعادلة الشيء للشيء تقتضي تساويهما في القدر، لا تماثلهما في الوصف، كما في قوله: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95]، ولهذا لا يجوز أن يستغنى بقراءتها ثلاث مرات عن قراءة سائر القرآن، لحاجته إلى الأمر والنهي والقصص كما لا يستغني من ملك نوعا من المال شريفا عن غيره) [الفروع: 1/ 415 (2/ 173)] (2). 182 - ترجمة معاني القرآن: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يحسن للحاجة ترجمته لمن يحتاج إلى تفهمه (3) إياه بالترجمة، وذكر غيره هذا المعنى، وحصل الإنذار بالقرآن دون _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (79). (2) «الفتاوى» (17/ 134، 206 - 208)، «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 393 - 394)، «الاختيارات» للبعلي (79 - 80). (3) كذا، وفي «الفتاوى»: (تفهيمه).
(1/155)
تلك اللغة، كترجمة الشهادة) [الفروع: 1/ 418 (2/ 177)] (1). 183 - ترتيب الآيات والسور: - قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: ترتيب الآيات واجب، لأن ترتيبها بالنص «ع» وترتيب السور بالاجتهاد، لا بالنص في قول جمهور العلماء، منهم المالكية والشافعية، قال شيخنا: فيجوز قراءة هذه قبل هذه، وكذا في الكتابة، ولهذا تنوّعت مصاحف الصحابة - رضي الله عنهم - في كتابتها، لكن لمّا اتفقوا على المصحف في زمن عثمان صار هذا مما سنّه الخلفاء الراشدون، وقد دلّ الحديث على أن لهم سنّة يجب اتباعها) [الفروع: 1/ 421 (2/ 182)] (2). 184 - معنى الحرف في الحديث الوارد في فضل قراءة القرآن: - قال ابن مفلح: (وإن كان في قراءة زيادة حرف ــ مثل: فأزلهما وأزالهما، ووصّى وأوصى ــ فهي أولى لأجل عشر الحسنات، نقله حرب، واختار شيخنا أن الحرف الكلمة) [الفروع: 1/ 423 (2/ 185)] (3). 185 - القراءة بما خالف المصحف وصح سنده: - قال ابن مفلح: (وتكره بما خالف المصحف، وصح سنده، نص عليه، وتصح في رواية، لصلاة الصحابة بعضهم خلف بعض، وذكر شيخنا أنها أنصُّهما، وأن قول أئمة السلف وغيرهم أن مصحف عثمان أحد الحروف _________ (1) «الفتاوى» (3/ 306)، «الاختيارات» للبعلي (80). (2) انظر: «الفتاوى» (13/ 396). (3) «الفتاوى» (10/ 232 - 233؛ 12/ 103 - 107؛ 17/ 420 - 421)، «الرد على المنطقيين» (129 - 130)، «الاختيارات» للبعلي (80).
(1/156)
السبعة) [الفروع: 1/ 423 (2/ 185)] (1). 186 - قول المأموم مع إمامه: (إياك نعبد وإياك نستعين) ونحوه: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولو قال مع إمامه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ونحوه كره، وإن قاله وهو يسمع بطلت في وجه) [الفروع: 1/ 425 ــ 426 (2/ 188)] (2). 187 - قراءة المأموم خلف الإمام: - قال ابن مفلح: (وفي السكتات لا تكره «هـ» ولو لتنفس، نقله ابن هانئ، واختاره بعضهم، وقال شيخنا: لا «ع» (3). كذا قال، وقال (4): هل الأفضل قراءته الفاتحة؛ للاختلاف في وجوبها، أم غيرها؛ لأنه استمعها؟ ومقتضى نصوص أحمد وأكثر أصحابه أن القراءة بغيرها أفضل) [الفروع: 1/ 427 ــ 428 (2/ 190 ــ 191)] (5). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (80)، وانظر: «الفتاوى» (13/ 392 - 395، 403). (2) «الاختيارات» للبعلي (81). (3) قال المرداوي في «الإنصاف» (4/ 310): (قال الشيخ تقي الدين: لا يقرأ في حال تنفسه إجماعا. قال في «الفروع»: كذا قال) ا. هـ. وقال شيخ الإسلام ــ كما في «الفتاوى» (23/ 277) ــ: (وكان بعض من أدركنا من أصحابنا يقرأ عقب السكوت عند رؤوس الآي، فإذا قال الإمام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وهذا لم يقله أحد من العلماء) ا. هـ. (4) «الفتاوى» (22/ 339 - 340). (5) «الاختيارات» للبعلي (81 - 82).
(1/157)
- وقال أيضا: (واختار ابن المنذر في «الإشراف» أنه يقرأ في سكتات الإمام، فإن بقي من الفاتحة شيء قرأ عند وقفات الإمام، فإن بقي شيء فإذا ركع الإمام. وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية: هذا لم يقله أحد من العلماء) [النكت على المحرر 1/ 61]. 188 - إذا سمع همهمة ولم يفهم: - قال ابن مفلح: (وإن سمع همهمة ولم يفهم لم يقرأ، نقله الجماعة، وعنه: بلى، اختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 428 (1/ 192 ــ 193)] (1). 189 - استفتاح المأموم واستعاذته وبسملته: - قال ابن مفلح: (ذكر ابن الجوزي: أن قراءته وقت مخافتته أفضل من استفتاحه وغلّطه شيخنا، وقال: قول أحمد وأكثر أصحابه: الاستفتاح أولى، لأن استماعه بدل عن قراءته) [الفروع: 1/ 430 (2/ 194 ــ 195)] (2). 190 - من جهل ما قرأ به إمامه: - قال ابن مفلح: (ومن جهل ما قرأ به إمامه لم يضرّ، وقيل: يتمها وحده، وقيل: تبطل، نقل ابن أصرم: يعيد، فقال أبو إسحاق (3): لأنه لم يدر هل قرأ «الحمد» أم لا؟ ولا مانع من السماع، وقال شيخنا: بل لتركه الإنصات الواجب) [الفروع: 1/ 430 ــ 431 (2/ 195)]. _________ (1) «الفتاوى» (23/ 268 - 269)، «الاختيارات» للبعلي (81). (2) «الفتاوى» (23/ 280 - 281)، «الاختيارات» للبعلي (82). (3) هو ابن شَاقلا كما في «الاختيارات» للبعلي.
(1/158)
- وقال أيضا: (وقال القاضي في «الجامع الكبير»: فرع، في رواية أحمد بن أصرم في رجل صلّى خلف إمام، فقيل له: ما قرأ؟ فقال: لا أدري: عليه إعادة الصلاة. قال أبو إسحاق في «تعليقه»: بيانها عندي ــ والله أعلم ــ إذا لم يدر هل قرأ فاتحة الكتاب أو غيرها؟ لا يجهر فيما يجهر فيه بالقراءة، وليس يمنعه مانع من السماع، لأن قراءة الإمام له قراءة. انتهى كلامه. واختار الشيخ تقي الدين: أن هذا النص معلل بأن المأموم يجب عليه الإنصات لقراءة إمامه، ولم يفعل، فقد ترك واجبا، وأما علمه بقراءة الإمام الفاتحة فلا يعتبر، لأنه لا يجب على المأموم تحصيل العلم بأن الإمام قد أتى بما يعتبر للصلاة، بل يكفي الظاهر، حملا للأمور على الصحة والسلامة، إلى أن يقوم دليل الفساد، عملا بحديث عائشة - رضي الله عنها - في شكهم في التسمية على الذبيحة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سموا الله أنتم وكلوا»، ولما في ذلك من الحرج والمشقة) [النكت على المحرر 1/ 70 ــ 71] (1). 191 - ما يقوله المأموم عند الرفع من الركوع: - قال ابن مفلح: (والمأموم يحمد فقط «و: هـ، م»، وعنه: ويزيد: «ملء السماء»، اختاره صاحب «النصيحة» و «الهداية» و «المحرر» وشيخنا) [الفروع: 1/ 433 (1/ 198)] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (82 - 83). (2) «الاختيارات» للبعلي (83).
(1/159)
192 - القنوت في الفجر: - قال ابن القيم: (وأما حديث أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس قال: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا. وهو في «المسند» والترمذي وغيرهما، فأبو جعفر: قد ضعّفه أحمد وغيره، وقال ابن المديني: كان يخلط. وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرًا. وقال ابن حبّان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير. وقال لي شيخنا ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ: وهذا الإسناد نفسه هو إسناد حديث: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} [الأعراف: 172] حديث أبي بن كعب الطويل، وفيه: «وكان روح عيسى عليه السلام من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق في زمن آدم، فأرسل تلك الروح إلى مريم عليها السلام حين انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًا، فأرسله الله في صورة بشر، فتمثل لها بشرًا سويًا. قال: فحملت الذي يخاطبها، فدخل من فيها». وهذا غلط محض، فإن الذي أرسل إليها الملك، الذي قال لها: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: 19] ولم يكن الذي خاطبها بهذا هو عيسى بن مريم، هذا محالٌ) [زاد المعاد 1/ 275 ـ 276]. 193 - تقصير القيام بعد الركوع والجلسة بين السجدتين وترك إتمام التكبير من المحدثات: - قال ابن القيم: (قال شيخنا: وتقصير هذين الركنين مما تصرف فيه أمراء بني أمية في الصلاة، وأحدثوه فيها، كما أحدثوا فيها ترك إتمام التكبير، وكما أحدثوا التأخير الشديد، وكما أحدثوا غير ذلك مما يخالف هديه - صلى الله عليه وسلم -،
(1/160)
ورُبِّيَ في ذلك مَنْ رُبِّي، حتى ظن أنه من السنة) [زاد المعاد 1/ 222] (1). 194 - رفع اليدين عند القيام من التشهد الأول: - قال ابن مفلح: (ثم ينهض في ثلاثية أو رباعية مكبّرا «و» لا بعد قيامه «م»، ولا يرفع يديه «و»، وعنه: بلى، اختاره صاحب «المحرر» وحفيده (2)) [الفروع 1/ 442 (2/ 211)] (3). 195 - المراد بآل النبي - صلى الله عليه وسلم -: 196 - وأفضل أهل بيته - صلى الله عليه وسلم -: - قال ابن مفلح: (وآله، قيل: أتباعه على دينه، وقيل: أزواجه وعشيرته، وقيل: بنو هاشم، وقال شيخنا: أهل بيته، وأنه نص أحمد، واختيار الشريف أبي جعفر وغيره، فمنهم بنو هاشم، وفي بني المطلب روايتا زكاة. قال: وأفضل أهل بيته عليٌّ وفاطمة، وحسن وحسين، الذين أدار عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الكساء، وخصّهم بالدعاء. وظاهر كلامه في موضع آخر (4): أن حمزة أفضل من حسن وحسين، واختاره بعضهم) [الفروع: 1/ 444 (2/ 215)] (5). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (22/ 576 - 600). (2) أقحمت في ط 1 كلمة: (وشيخنا) وهي تكرار لا معنى له. (3) «الفتاوى» (22/ 452)، «الاختيارات» للبعلي (83). (4) انظر: «منهاج السنة» (7/ 126). (5) انظر: «الفتاوى» (3/ 407؛ 22/ 460 - 462)، «الاختيارات» للبعلي (84).
(1/161)
197 - الصلاة والسلام على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -: - قال ابن مفلح: (وله الصلاة على غيره منفردا، نص عليه، وكرهها جماعة «و: م ش» وحرّمها أبو المعالي، واختاره شيخنا مع الشِّعار (1)) [الفروع: 1/ 444 (2/ 215)]. - وقال أيضا: (وقال بعض أصحابنا: المنصوص عن أحمد - رضي الله عنه - ــ في رواية أبي داود ــ: أنه يصلى على غيره منفردًا. واحتج أحمد بأن عليًا قال لعمر: صلى الله عليك ... واختار الشيخ تقي الدين منصوصَ أحمد، قال: وذكره القاضي وابن عقيل والشيخ عبد القادر، قال: وإذا جازت أحيانًا على كل أحدٍ من المؤمنين، فأما أنْ يتخذ شعارًا لذكرِ بعض الناس، أو يقصد الصلاة على بعض الصحابة دون بعض فهذا لا يجوز. وهو معنى قول ابن عباس. قال: والسلام على غيرهِ باسمه جائزٌ من غير تردد) [الآداب الشرعية: 1/ 350 ــ 351] (2). 198 - الدعاء دبر الصلاة: - قال ابن القيم: (وأوصى معاذًا أن يقول في دبر كل صلاة: «اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك». ودبر الصلاة: يحتمل قبل السلام وبعده؛ وكان شيخنا يرجّح أن يكون _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (كالروافض فإنهم يتخذون الصلاة على علي - رضي الله عنه - شعارا) ا. هـ. (2) «الفتاوى» (4/ 497؛ 22/ 473 - 474)، «الاختيارات» للبعلي (84)، وانظر: «الفتاوى» (27/ 410 - 411).
(1/162)
قبل السلام، فراجعته فيه، فقال: دبر كل شيء منه، كدبر الحيوان) [زاد المعاد 1/ 305] (1). 199 - قراءة آية الكرسي سرا بعد المكتوبة: - قال ابن القيم: (بلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية ــ قدس الله روحه ـ أنه قال: ما تركتها عقيب كل صلاة) [زاد المعاد 1/ 304]. - وقال ابن مفلح: (قال في «المستوعب» وغيره: ويقرأ آية الكرسيّ ولم يذكره جماعة، وظاهر الأول: ولو جهرا، ولعله غير مراد، لعدم نقله، واختار شيخنا سرّا) [الفروع: 1/ 452 (2/ 228)] (2). 200 - الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير ونحوه دبر الصلوات: - قال ابن مفلح: (وهل يستحب الجهر بذلك (3)، كقول بعض السلف والخلف، وقاله شيخنا، أم لا؟) [الفروع 1/ 454 (2/ 231)] (4). 201 - دعاء الإمام بعد الصلوات المكتوبة: - قال ابن مفلح: (ويدعو الإمام بعد الفجر والعصر، لحضور الملائكة _________ (1) انظر: «الفتاوى» (22/ 377 - 379، 480 - 481، 492، 513 - 514، 517 - 518). (2) «الفتاوى» (22/ 508 - 509)، «الاختيارات» للبعلي (85). (3) قال المرداوي في «تصحيح الفروع» (يعني: بالتسبيح والتحميد والتكبير ونحوه في دبر الصلوات) ا. هـ. (4) «الاختيارات» للبعلي (84)، «الاختيارات» للبعلي (84).
(1/163)
فيهما، فيؤمّنون على الدعاء، والأصح: وغيرهما، جزم به صاحب «المحرر» وغيره، ولم يستحبه شيخنا بعد الكلّ، لغير أمر عارض، كاستسقاء واستنصار، وقال: ولا الأئمة الأربعة) [الفروع 1/ 454 (2/ 231 ــ 232)] (1). 202 - تخصيص الإمام نفسه بالدعاء: - قال ابن القيم: (وروى الإمام أحمد - رحمه الله - وأهل «السنن» من حديث ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم ... ». وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديث عندي في الدعاء الذي يدعو به الإمام لنفسه وللمأمومين، ويشتركون فيه كدعاء القنوت ونحوه، والله أعلم) [زاد المعاد 1/ 264]. - وقال ابن مفلح: (ولا يكره أن يخص نفسه بالدعاء في المنصوص، ويتوجّه احتمال بالمنع، وفي «الغنية»: خانهم، لخبر ثوبان: «ثلاثة لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن، فإن فعل فقد دخل، ولا يصلي وهو حاقن حتى يتخفف» إسناده جيد، رواه أبو داود والترمذي وحسّنه، من رواية إسماعيل بن عياش عن حبيب بن صالح الحمصي، وروى ابن ماجه فضل (2) الدعاء من رواية بقية عن حبيب، ولأبي داود من حديث _________ (1) «جامع المسائل» (4/ 316 - 317)، «الفتاوى» (22/ 512 - 513)، «الاختيارات» للبعلي (85). (2) كذا بـ ط 1 وط 2، ولعل الصواب: (فعل).
(1/164)
أبي هريرة معناه بإسناد حسن، إلا فضل النظر (1)، وفيه: «ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤمّ قوما إلا بإذنهم» والمراد وقت الدعاء عقيب الصلاة بهم، ذكره في «الغنية»، قال شيخنا: المراد به الدعاء الذي يؤمّن عليه، كدعاء القنوت، فإن المأموم إذا أمّن كان داعيا، قال تعالى لموسى وهارون: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89]، وكان أحدهما يدعو والآخر يؤمّن، فإن المأموم إنما أمّن لاعتقاده أن الإمام يدعو لهما، فإن لم يفعل فقد خان الإمامُ المأمومَ) [الفروع 1/ 455 ــ 456 (2/ 232 ــ 233)] (2). 203 - كيفية رفع اليدين في دعاء الاستسقاء: 204 - والتفريق بين دعاء الرهبة وغيره: - قال ابن مفلح: (ومن آداب الدعاء .... ورفع يديه، وجعل ظهورهما مما يلي وجهه، وقد رواه الحاكم ولأحمد عن يزيد عن حماد عن ثابت عن أنس أنه عليه السلام كان إذا دعا جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما مما يلي الأرض. حديث صحيح، ومراده: أحيانا، لرواية أبي داود عنه (3): رأيته عليه السلام يدعو هكذا بباطن كفّيه وظاهرهما. أو (4) في الاستسقاء، وهو ظاهر كلام شيخنا. _________ (1) قوله: (إلا فضل النظر) غير موجود في ط 1، وهو مثبت من ط 2، ولعل الصواب: (فعل النظر)، والله أعلم. (2) «الفتاوى» (23/ 118)، «الاختيارات» للبعلي (85 - 86). (3) في ط 1: (وعنه)، والمثبت من ط 2. (4) في ط 1: (و)، والمثبت من ط 2.
(1/165)
أو مراده دعاء الرهبة على ما ذكر ابن عقيل وجماعة: أن دعاء الرهبة بظهر الكفّ، كدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء، مع أن بعضهم ذكر فيه وجها، وأطلق جماعة الرفع فيه، فظاهره: كغيره، واختاره شيخنا، وقال: صار كفّهما نحو السماء لشدّة الرفع لا قصدا له، وإنما كان يوجّه بطنهما مع القصد، وأنه لو كان قصده فغيره أكثر وأشهر. قال: ولم يقل أحد ممن يرى رفعهما في القنوت أنه (1) يرفع ظهورهما، بل بطونهما) [الفروع 1/ 457 (2/ 234)] (2). 205 - ختم الدعاء بالحمد والثناء: - قال ابن مفلح ــ ضمن ذكره لآداب الدعاء ــ: (والبدأة بحمد الله والثناء عليه، قال شيخنا وغيره: وختمه به) [الفروع 1/ 457 (2/ 235)] (3). 206 - الاعتداء في الدعاء: - قال ابن مفلح: (وظاهر كلام بعضهم يكره الاعتداء في الدعاء، وحرّمه شيخنا، واحتج بقوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [لأعراف: 55]، وبالأخبار فيه، قال: ويكون في نفس الطلب، وفي نفس المطلوب (4)) [الفروع 1/ 458 (2/ 237)] (5). _________ (1) في ط 1: (أن)، والمثبت من ط 2. (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (86). (3) «الاختيارات» للبعلي (86). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: قال شيخنا: ويكون الاعتداء في الطلب وفي نفس المطلوب، مثل أن يسأل شيئا لا يشرع له سؤاله، كإهلاك من لا يستحق ذلك، أو يسأل شيئا ليس من أهله) ا. هـ. (5) «الاختيارات» للبعلي (87).
(1/166)
207 - ختم الدعاء بالتأمين: - قال ابن مفلح ــ ضمن ذكره لآداب الدعاء ــ: (ويؤمّن المستمع، وتأمينه في أثناء دعائه وختمه به متّجه للأخبار، وذكر شيخنا أيضا ختمه به) [الفروع 1/ 459 (2/ 239)] (1). 208 - رفع البصر إلى السماء عند الدعاء: - قال ابن مفلح: (ويكره رفع بصره، ذكره في «الغنية» من الأدب، وهو قول شريح وآخرين، وظاهر كلام جماعة: لا (2)، واختاره شيخنا في «الأجوبة المصرية الأصولية» لفعله عليه السلام «و: م ش»، قال: وذكر بعض أصحابنا خلافا بيننا في كراهته. قال شيخنا: وما علمت أحدا استحبّه، كذا قال) [الفروع 1/ 459 ــ 460 (2/ 239)]. 209 - تبعد إجابة متناول الحرام: 210 - والمفاضلة بين ذكر القلب وذكر اللسان: - قال ابن مفلح: (وشرطه (3) الإخلاص، قال الآجري: واجتناب الحرام، وظاهر كلام ابن الجوزي وغيره أنه من الأدب، وقال شيخنا: تبعد إجابته، إلا مضطرا أو مظلوما. قال: وذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده) [الفروع 1/ 460 (2/ 240)] (4). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (86). (2) كلمه (لا) سقطت من ط 1، واستدركت من ط 2. (3) أي الدعاء. (4) انظر: «الاختيارات» للبعلي (87).
(1/167)
211 - الخشوع في الصلاة: - قال ابن مفلح: (والخشوع سنة، ذكره الشيخ وغيره، ومعناه في «التعليق» وغيره، وذكر أبو المعالي وغيره وجوبه، ومراده ــ والله أعلم ــ في بعضها، وإن أراد في كلها، فإن لم تبطل بتركه ــ كما يأتي في كلام شيخنا (1) ــ فخلاف قاعدة ترك الواجب، وإن أبطل به، فخلاف «ع»، وكلاهما خلاف الأخبار) [الفروع 1/ 467 (2/ 251)]. _________ (1) انظر: رقم (218).
(1/168)
باب ما يستحب في الصلاة أو يباح، أو يكره، أو يبطلها 212 - السجود على الصورة: - قال ابن مفلح: (وكره شيخنا السجود عليها (1)، وسبق في اللباس من ستر العورة (2)) [الفروع 1/ 485 (2/ 277)]. 213 - من بان منه حرفان في الصلاة لعذر: 214 - والقهقهة في الصلاة: - قال ابن مفلح: (وإن نام فتكلم أو سبق على لسانه حال قراءته أو غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب ونحوه فبان حرفان لم تبطل «و»، وقيل: هو كالناسي، وإن لم يغلبه بطلت، وقال شيخنا: هي كالنفخ بل أولى، بأن لا تبطل، وأن الأظهر: تبطل بالقهقهة فقط، وإن لم يبن حرفان) [الفروع (2/ 287)] (3). 215 - اللحن في القراءة مع العجز: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولا بأس بقراءته عجزا (4). ومراده غير _________ (1) أي الصورة. (2) «الفروع» (1/ 353). (3) «الفتاوى» (22/ 621 - 624)، «الاختيارات» للبعلي (89). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: إذا عجز عن إصلاح اللحن لا بأس أن يقرأ ملحونا).
(1/169)
المصلي) [الفروع 1/ 491 (2/ 288)] (1). 216 - رفع البصر إلى السماء في الصلاة: - قال ابن القيم: (ومن الأدب: نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - المصلي أن يرفع بصره إلى السماء. فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: هذا من كمال أدب الصلاة، أن يقف العبد بين يدي ربه مطرقًا، خافضًا طرفه إلى الأرض، ولا يرفع بصره إلى فوق. قال: والجهمية لما لم يفقهوا هذا الأدب، ولا عرفوه، ظنُّوا أن هذا دليل أن الله ليس فوق سمواته على عرشه، كما أخبر به عن نفسه، واتفقت عليه رسله وجميع أهل السنة. قال: وهذا من جهلهم؛ بل هذا دليل لمن عقل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - على نقيض قولهم؛ إذ من الأدب مع الملوك أن الواقف بين أيديهم يطرق إلى الأرض، ولا يرفع بصره إليهم، فما الظن بملك الملوك سبحانه) [مدارج السالكين 2/ 401] (2). 217 - حكمة النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود: - قال ابن القيم: (وسمعته (3) يقول في نهيه عن قراءة القرآن في الركوع والسجود: _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (91). (2) انظر: «الفتاوى» (6/ 577 - 578). (3) أي: ابن تيمية.
(1/170)
إن القرآن هو أشرف الكلام، وهو كلام الله؛ وحالتا الركوع والسجود حالتا ذل وانخفاض من العبد؛ فمن الأدب مع كلام الله: أن لا يقرأ في هاتين الحالتين، ويكون حال القيام والانتصاب أولى به) [مدارج السالكين 2/ 401 ــ 402] (1). 218 - عمل القلب في الصلاة: - قال ابن مفلح: (وعمل القلب لا يُبْطل، نص عليه «و: م ش» (2)، وعند ابن حامد: بلى إن طال، وذكره ابن الجوزي، قاله شيخنا، قال: وعلى الأول: لا يثاب إلا على ما عمله بقلبه، فلا يكفَّر من سيئاته إلا بقدره، والباقي يحتاج إلى تكفير، فإنه إذا ترك واجبا استحق العقوبة، فإذا كان له تطوّع سدّ مسدّه فكمل ثوابه، ويأتي تتمة كلامه في صوم النفل (3)، واحتجّ بقوله عليه السلام: «إلا ما عمله بقلبه»، وقوله: «رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع» يقول: لم يحصل له إلا براءة ذمّته، والصوم شرع لتحصيل التقوى. كذا قال، والمذهب: أنه لم يترك واجبا وإلا بطل (4)، ولهذا احتجوا بخبر: «إن الشيطان يخطر بينه وبين نفسه»، وبصلاته _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (89)، وانظر: «الفتاوى» (23/ 58 - 59). (2) في ط 1: (و: هـ ش). (3) انظر: «الفروع» (4/ 104). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: المذهب أن المتروك في هذه المسألة ليس واجبا، وإلا لو كان واجبا لبطل العمل بترك الواجب، فعدم بطلان العمل دليل على عدم وجوب المتروك، لأن المصنف لما ذكر كلام أبي العباس ذكر من جملته قوله: «فإنه ترك واجبا» ففهم من كلامه أن هذا المصلي ترك واجبا، فبيّن المصنف أنه لم يترك واجبا على المذهب، لأنه لو ترك واجبا بطل العمل، والمذهب أن العمل لم يبطل، فيكون المذهب أنه لم يترك واجبا، ولعل اللام سقطت من «بطل» فلو قيل: والمذهب أنه لم يترك واجبا وإلا لبطل، التقدير: وإلا لو كان المتروك واجبا لبطل، هذا الذي ظهر لي في هذا المقام، والله أعلم) ا. هـ. وقال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (كذا في غالب النسخ، وصوابه: إن لم يترك ــ بإسقاط الهاء ــ وهو في بعض النسخ) ا. هـ. (فائدة) قال الحافظ ابن رجب في «فتح الباري» (7/ 141 - 142): (وأنكر أحمد أن يسمى شيء من أفعال الصلاة وأقوالها سنة، وجعل تقسيم الصلاة إلى سنة وفرض بدعة، وقال: كل ما في الصلاة واجب، وإن كانت الصلاة لا تعاد بترك بعضها. وكذلك أنكر مالك تقسيم الصلاة إلى فرض وسنة، وقال: هو كلام الزنادقة ... وكذلك ذكر الآبري في «مناقب الشافعي» بإسناده عن الواسطي قال: سمعت الشافعي يقول: كل أمور الصلاة عندنا فرض. وقال أيضا: عن الحسين بن علي قال: سئل الشافعي عن فريضة الحج، قال الحج من أوله إلى آخره فرض، فمنه ما إن ترك بطل حجه، فمنه الإحرام، ومنه الوقوف بعرفات، ومنه الإفاضة. وقال الإمام أحمد ــ في رواية ابنه عبد الله ــ: كل شيء في الصلاة مما ذكره الله فهو فرض. وهذا قيد حسن) ا. هـ.
(1/171)
عليه السلام في خميصة لها أعلام، وقال: «إنها ألهتني آنفا عن صلاتي»، وفي رواية للبخاري: «أخاف أن تفتنني»، وبأن عمل القلب ولو طال أشق احترازا من عمل الجوارح، لكن مراد شيخنا بالنسبة إلى الآخرة، وأنه يثاب على ما أتى به من الباطل (1)، ويأتي في صوم النفل) [الفروع 1/ 492 ــ 493 _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (صوابه: لا يثاب، مثل المرائي، فإن عمله باطل لا ثواب له عليه بل يأثم، لأنه حرام) ا. هـ. وقال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (كذا في النسخ، وصوابه: وأنه لا يثاب، بزيادة «لا»، أي: لا يثاب، مثل المرائي، كذا قال شيخنا ــ يعني: ابن قندس ــ. وأجراه ابن نصر الله على ظاهره، وقال: لأن الباطل في عرف الفقهاء ضد الصحيح، والصحيح ما أبرأ الذمة، فقولهم: بطل صومه وحجّه، بمعنى: لم تبرأ ذمّته منه، لا بمعنى: أنه لا يثاب عليها في الآخرة، بل جاءت السنة بثوابه على ما فعله، وبعقابه على ما تركه، ولو كان باطلا. انتهى وهو أولى من الأول) ا. هـ.
(1/172)
(2/ 291 ــ 292)] (1). 219 - قراءة الغافل: - قال ابن مفلح: (وقد سبق أن ذكر القلب أفضل من ذكر اللسان (2)، ويأتي (3) قول شيخنا أول صلاة التطوع أن الذكر بقلب أفضل من القراءة بلا قلب. وهذا يدل على أنه يثاب وقلبه غافل) [الفروع 1/ 494 (2/ 294)]. 220 - الرياء: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: لا يثاب على عمل مشوب «ع». وقال أيضا: من صلّى لله، ثم حسّنها وأكملها للناس، أثيب على ما أخلصه لله، لا على عمله للناس {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]. وقال أيضا: لا يمكن أن يقال: لم لا يأخذ نصيبه منه؟ لأنه مع الإشراك يمتنع أن يكون له شيء، كما أنه بتقدير الإشراك (4) في الربوبية يمتنع (5) أن _________ (1) «منهاج السنة النبوية» (5/ 193 - 207)، «الاختيارات» للبعلي (90). (2) انظر ما تقدم رقم (210). (3) انظر: رقم (236). (4) في ط 1: (الاشتراك)، والمثبت من ط 2. (5) في ط 1: (يمنع)، والمثبت من ط 2.
(1/173)
يصدر عنه شيء، فإن الغير لا وجود له، وهو لم يستقلّ بالفعل، كذا هنا هو لم يستقلّ بالقصد، والغير لا ينفع قصده، ولهذا نظائر كثيرة في الشرعيات والحسيات، إذا خلط بالنافع الضار أفسده، كخلط الماء بالخمر، يبيّن هذا: أنه لو سأل الله شيئا فقال: اللهم افعل كذا أنت وغيرك، أو دعا الله وغيره، فقال: افعلا كذا، لكان هذا طلبا ممتنعا، فإن غيره لا يشاركه، وهو على هذا التقدير لا يكون فاعلا له، لأن تقدير وجود الشريك يمنع أن يكون هو أيضا فاعلا، فإذا كان يمتنع هذا في الدعاء والسؤال، فكذلك يمتنع في العبادة والعمل أن يكون له ولغيره. وذكر الأصحاب فيمن حجّ بأجرة أنه لا يجوز الاشتراك في العبادة، فمتى فعله من أجل أخذ الأجرة خرج عن كونه عبادة، فلم تصح، واعتمد شيخنا على هذا في القراءة للميت بأجرة كما يأتي (1)) [الفروع 1/ 496 (2/ 299)] (2). _________ (1) انظر: رقم (382). (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (90).
(1/174)
باب سجدتي التلاوة والشكر
221 - سجود التلاوة والشكر ليسا صلاة: - قال ابن مفلح: (وهما (1) كنافلة فيما يعتبر (2)، واحتج الأصحاب بأنه صلاة، فيدخل في العموم، وخالف شيخنا، ووافق على سجود السهو) [الفروع 1/ 505 (2/ 313)] (3). 222 - السجود للدعاء وللآيات: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولو أراد الدعاء فعفّر وجهه لله في التراب وسجد له ليدعوه فيه، فهذا سجود لأجل الدعاء، ولا شيء يمنعه، وابن عباس سجد سجودا مجردا لما جاء نعي بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال عليه السلام: «إذا رأيتم آية فاسجدوا». قال: وهذا يدل على أن السجود يشرع عند الآيات، فالمكروه هو السجود بلا سبب) [الفروع 1/ 505 (2/ 314)] (4). _________ (1) أي سجدتي التلاوة والشكر. (2) في ط 1 زيادة رمز (و). (3) «الفتاوى» (21/ 270، 279، 287، 293؛ 23/ 165 - 171)، «الاختيارات» للبعلي (91 - 92)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 194 - 195). (4) «الاختيارات» للبعلي (92)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 283 - 284).
(1/175)
باب سجود السهو
223 - أحكام سجود السهو أحكام الصلاة: انظر ما سبق رقم (221). 224 - من شك في عدد الركعات: - قال ابن مفلح: (من شك في عدد الركعات أخذ باليقين، اختاره الأكثر .... وعنه: بظنه «و: هـ» وزاد: يستأنفها من يعرض له أولا، اختاره شيخنا (1)، قال: وعلى هذا عامة أمور الشرع، وأن مثله يقال في طواف وسعي ورمي جمار وغير ذلك) [الفروع 1/ 513 (2/ 326)] (2). 225 - محل سجود السهو وحكمه: - قال ابن مفلح: (ومحل سجود السهو ــ ندبا «و» ذكره القاضي وأبو الخطاب وجزم به صاحب «المحرر» وغيره .... وقيل: وجوبا، واختاره شيخنا (3)، وأن عليه يدل كلام أحمد .... ــ قبل السلام (4) إلا إذا سلم عن نقص أو أخذ بظنّه، هذا المذهب، وأطلق أكثرهم النقص، وقال صاحب «الخلاف» و «المحرر» وغيرهما: نقص ركعة، وإلا قبله. نص عليه، وقد _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: اختار الأخذ بالظن، والأخذ بالظن عليه عامة أمور الشرع) ا. هـ. (2) «الفتاوى» (23/ 7 - 15)، «الاختيارات» للبعلي (93). (3) «الفتاوى» (23/ 36)، «الاختيارات» للبعلي (94). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (وهو في موضع خبر المبتدأ، والمبتدأ قوله: (ومحل)، التقدير: ومحل سجود السهو قبل السلام) ا. هـ.
(1/176)
سبق (1)، وعنه: كلُّه قبله «و: ش» اختاره أبو محمد الجوزي وابنه أبو الفرج (2)، قال في «الخلاف» وغيره: وهو القياس، وعنه: عكسه «و: م»، وعنه: من نقص بعده، ومن زيادة قبله، وعنه: عكسه «و: م» (3) فيسجد من أخذ باليقين قبله (4) «م» لأمره عليه السلام الشاك أن يدع الرابعة ويسجد ــ قيل: احتج به أحمد ــ، ومن أخذ بظنه بعده، اختاره شيخنا (5)) [الفروع 1/ 516 (2/ 331 ــ 332)]. 226 - إذا نسي سجود السهو: - قال ابن مفلح: (وإن نسي سجود السهو، فعنه: يقضيه مع قصر الفصل «و: ش»، وعنه: وبقائه بالمسجد، ولعله أشهر، وعنه: ولم يتكلم «و: هـ»، وعنه: لا يسجد مطلقا «و: م» فيما بعده، وإن بعد فيما قبله (6) أعاد، وعنه: عكسه (7)، اختاره شيخنا) [الفروع 1/ 518 (2/ 334)] (8). _________ (1) «الفروع» (2/ 326). (2) في ط 1: (وأبو الفرج)، والمثبت من ط 2. (3) في ط 1: (و: هـ) والمثبت من ط 2 ويحرر. (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هذا تفريع على قوله: «ومحل سجود السهو ... قبل السلام، إلا إذا سلم عن نقص، أو أخذ بظنه» فالأخذ باليقين ليس من الصورتين، فيسجد قبل السلام، والأخذ بظنه من الصورتين، فيسجد بعده) ا. هـ. (5) «الفتاوى» (23/ 17 - 24)، «الاختيارات» للبعلي (93). (6) يعني قبل السلام. (7) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (أنه يسجد مطلقا، سواء قصر الفصل أو طال، خرج من المسجد أو لا) ا. هـ، وانظر التعليق التالي. (8) «الاختيارات» للبعلي (94). وقال شيخ الإسلام ــ كما في «الفتاوى» (23/ 32 - 35) ــ: (وإذا كان واجبا ــ أي سجود السهو ــ فتركه عمدا أو سهوا ... ففيه أقوال متعددة في مذهب أحمد وغيره: قيل: إن ترك ما قبل السلام عمدا بطلت صلاته، وإن تركه سهو لم تبطل .... وقيل: إن ترك ما قبل السلام يبطل مطلقا، فإن تركه سهوا فذكر قريبا سجد، وإن طال الفصل أعاد الصلاة، وهو منقول رواية عن أحمد، وهو قول مالك وأبي ثور وغيرهما، وهذا القول أصح من الذي قبله ..... وأما الواجب بعده فالنزاع فيه قريب .... والمقصود أنه لا بد منه أو من إعادة الصلاة؛ لأنه واجب أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - لتمام الصلاة، فلا تبرأ ذمة العبد إلا به، وإذا أمر به بعد السلام من الصلاة، وقيل: إن فعلته وإلا فعليك إعادة الصلاة = لم يكن ممتنعا .... ونحن قلنا: لا بد منه أو من إعادة الصلاة، فإذا قيل: إنه يفعل وإن طال الفصل ــ كالصلاة المنسية ــ فهذا متوجه قوي، ودونه أن يقال: وإن تركه عمدا يفعله في وقت آخر وإن أثم بالتأخير، كما لو أخر الصلاة المنسية بعد الذكر عمدا ... فهكذا السجدتان يصليهما حيث ذكرهما ويستغفر الله من التأخير، فهذا أيضا قول متوجه، فإن التحديد بطول الفصل وبغيره غير مضبوط بالشرع، وكذلك الفرق بين المسجد وغيره ليس عليه دليل شرعي، وكذلك الفرق بين الحدث وبعده، بل عليه أن يسجدهما بحسب الإمكان، والله أعلم) ا. هـ. وانظر: «الفتاوى» (23/ 43).
(1/177)
227 - التشهد لسجود السهو: - قال ابن مفلح: (ومتى سجد بعد السلام تشهّد «و: هـ م» التشهد الأخير، ثم في توركه إذا في أثنائه وجهان، وقيل: لا يتشهد، واختاره شيخنا، كسجوده قبل السلام، ذكره في «الخلاف» «ع») [الفروع (2/ 335)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (23/ 48 - 51)، «الاختيارات» للبعلي (94).
(1/178)
باب صلاة التطوع
228 - أفضل تطوعات البدن: 229 - وفضل العمل في عشر ذي الحجة: 230 - وأفضل الأيام يوم النحر: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: واستيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من جهاد لم تذهب فيه نفسه وماله، وهي في غيره تعدله، للأخبار الصحيحة المشهورة، وقد رواها أحمد، ولعل هذا مراد غيره، وقال: العمل بالقوس والرمح أفضل في الثغر، وفي غيره نظيرها) [الفروع 1/ 522 (2/ 338)] (1). - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: يقال: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأخير من رمضان، وليالي ذاك أفضل من ليالي هذا، وقد يقال: مجموع عشر ذي الحجة أفضل من مجموع العشر الأخير من رمضان. قال: وهو الأظهر. ويوم النحر من جملة عشر ذي الحجة، صرح به جماعة منهم الشيخ وجيه الدين بن المنجا والمصنف (2) في «شرح الهداية»، وقال: وهو الأفضل. وكذا ذكر حفيده الشيخ تقي الدين في «أقسام القرآن» أن أفضل الأيام يوم النحر) [النكت على المحرر 1/ 169 ــ 170] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (95). (2) يعني المجد ابن تيمية. (3) انظر: «الفتاوى» (25/ 287 - 288)، «الاختيارات» للبعلي (124).
(1/179)
وانظر: ما يأتي برقم (472). 231 - عمل ما فيه خير في نفسه لأجل محبته له: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من فعل هذا (1) أو غيره مما هو خير في نفسه لما فيه من المحبة له، لا لله ولا لغيره من الشركاء، فليس مذموما، بل قد يثاب بأنواع من الثواب: إما بزيادة فيها وفي أمثالها، فيتنعم بذلك في الدنيا، ولو كان كل فعل حسن لم يفعل لله مذموما، لما أطعم الكافر بحسناته في الدنيا، لأنها تكون سيئات، وقد يكون من فوائد ذلك وثوابه في الدنيا، أن يهديه الله إلى أن يتقرب بها إليه، وهذا معنى قول بعضهم: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله، وقول الآخر: طلبهم له نية، يعني: نفس طلبه حسنة تنفعهم. وهذا قيل في العلم، لأنه الدليل المرشد، فإذا طلبه بالمحبة وحصله، عرّفه الإخلاص، فالإخلاص لا يقع إلا بالعلم، فلو كان طلبه لا يكون إلا بالإخلاص لزم الدور، وعلى هذا ما حكاه أحمد (2)، وهو حال النفوس المحمودة، ومن هذا قول خديجة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: كلا، والله لا يخزيك الله أبدا. فعلمت أن النفس المطبوعة على محبة الأمر المحمود وفعله لا يوقعها الله فيما يضاد ذلك) [الفروع 1/ 524 (2/ 340)] (3). _________ (1) أي طلب العلم. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الذي حكاه هو قوله: حبب إلي فجمعته، والله أعلم) ا. هـ. وقد ذكر شيخ الإسلام هذا في المصدر من رواية أبي داود أنه قال له: طلبتَ هذا العلم ــ أو قال: جمعته ــ لله؟ فقال: لله عزيز، ولكن حبب إلي أمر ففعلته. (3) «جامع المسائل» (5/ 191، 196 - 197)، «الاختيارات» للبعلي (95).
(1/180)
232 - تعلم العلم وتعليمه يدخل بعضه في الجهاد: 233 - والجهاد الذي يكون في حق منشئه تطوعا: - قال ابن مفلح: (وقد ذكر شيخنا أن تعلم العلم وتعليمه يدخل بعضه في الجهاد، وأنه من نوع الجهاد من جهة أنه من فروض الكفايات. قال: والمتأخرون من أصحابنا أطلقوا القول: أفضل ما تُطوّع به الجهاد، وذلك لمن أراد أن ينشئه تطوّعا باعتبار أنه ليس بفرض عين عليه، باعتبار أن الفرض قد سقط عنه، فإذا باشره وقد سقط الفرض فهل يقع فرضا أو نفلا؟ على وجهين كالوجهين في صلاة الجنازة إذا أعادها بعد أن صلاها غيره، وانبنى على الوجهين جواز فعلها بعد العصر والفجر مرة ثانية، والصحيح أن ذلك يقع فرضا، وأنه يجوز فعلها بعد العصر والفجر، وإن كان ابتدأ الدخول فيه تطوعا كما في التطوع الذي يلزم بالشروع، فإنه كان نفلا ثم يصير إتمامه واجبا) [الفروع 1/ 526 (2/ 343)] (1). 234 - ذنب العالم الذي لم ينفعه علمه من جنس ذنب اليهود: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه، فذنبه من جنس ذنب اليهود، والله أعلم) [الفروع 1/ 526 (2/ 243)] (2). 235 - الطواف في المسجد الحرام أفضل من الصلاة فيه: - قال ابن مفلح: (ظاهر كلام ابن الجوزي وغيره: أن الطواف أفضل _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (95 - 96). (2) «الفتاوى» (7/ 586)، «الاختيارات» للبعلي (95).
(1/181)
من الصلاة فيه (1)، [وقاله] (2) شيخنا، وذكره عن جمهور العلماء للخبر) [الفروع 1/ 528 (2/ 346)] (3). 236 - اختلاف أفضلية الأعمال باختلاف الأشخاص: - قال ابن مفلح ــ بعد أن ساق الخلاف في تفضيل بعض الأعمال على بعض ــ: (واختار شيخنا (4): أن كل واحد بحسبه، وأن الذكر بقلب أفضل من القراءة بلا قلب (5)، وهو معنى كلام ابن الجوزي، فإنه قال: أصوب الأمور: أن ينظر إلى ما يطهر القلب ويصفيه للذكر والأنس فيلازمه. وفي رد شيخنا على الرافضي ــ بعد أن ذكر تفضيل أحمد للجهاد، والشافعي للصلاة، وأبي حنيفة ومالك للعلم ــ: والتحقيق لا بد لكلٍّ من الآخرين، وقد يكون كل واحد أفضل في حال، كفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه - رضي الله عنهم - بحسب الحاجة والمصلحة) [الفروع 1/ 531 (2/ 350 ــ 351)] (6). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: في المسجد الحرام). (2) في ط 1: (وقال)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 54). (3) «الاختيارات» للبعلي (96)، وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (300)، و «الفتاوى» (10/ 427؛ 26/ 196). (4) «الفتاوى» (23/ 59 - 60). (5) في ط 1: (فإن الذكر بالقلب أفضل من الغزاة بلا قلب)! والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 55). (6) «الفتاوى» (17/ 139)، «منهاج السنة النبوية» (6/ 75)، «الاختيارات» للبعلي (96).
(1/182)
237 - الفصل والوصل في الوتر: - قال ابن مفلح: (وأدنى كماله ثلاث بتسليمتين ... وبتسليمة يجوز، وقيل: ما لم يجلس عقب الثانية، وقيل: بل كالمغرب، وخيّر شيخنا بين الفصل والوصل) [الفروع 1/ 538 (2/ 360)] (1). 238 - دعاء القنوت في الوتر: - قال ابن مفلح: (وخيَّر شيخنا في دعاء القنوت بين فعله وتركه، وأنه إن صلّى بهم قيام رمضان، فإن قنت جميع الشهر، أو نصفه الأخير، أو لم يقنت بحال فقد أحسن) [الفروع 1/ 539 ــ 540 (2/ 362)] (2). 239 - إفراد الضمير للمنفرد في الوتر عند دعاء القنوت: - قال ابن مفلح: (ويفرد المنفرد الضمير، وعند شيخنا: لا، لأنه يدعو لنفسه وللمؤمنين) [الفروع 1/ 542 (2/ 365)] (3). 240 - قضاء الوتر: - قال ابن القيم: (ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - يدع قيام الليل حضرًا ولا سفرًا، وكان إذا غلبه نوم أو وجع= صلّى من النهار ثنتي عشر ركعة. فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: في هذا دليل على أن الوتر لا _________ (1) «الفتاوى» (22/ 271)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (77)، «الاختيارات» للبعلي (96). (2) «الفتاوى» (22/ 271)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (77). (3) «الاختيارات» للبعلي (88).
(1/183)
يقضى لفوات محله، فهو كتحية المسجد، وصلاة الكسوف، والاستسقاء، ونحوها، لأن المقصود به أن يكون آخر صلاة الليل وترًا، كما أن المغرب آخر صلاة النهار، فإذا انقضى الليل وصليت الصبح لم يقع الوتر موقعه. هذا معنى كلامه) [زاد المعاد 1/ 324]. - وقال أيضا: (وقد توقف الإمام أحمد في قضاء الوتر، وقال شيخنا: لا يقضى، لفوات المقصود منه بفوات وقته. قال: وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا منعه من قيام الليل نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. ولم يذكر الوتر) [إعلام الموقعين 2/ 374] (1). 241 - المفاضلة بين سنة الفجر والوتر: - قال ابن القيم: (وقد اختلف الفقهاء أي الصلاتين آكد: سنة الفجر، أو الوتر؟ على قولين، ولا يمكن الترجيح باختلاف الفقهاء في وجوب الوتر، فقد اختلفوا أيضًا في وجوب سنة الفجر. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل، والوتر خاتمته، ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي سنة الفجر والوتر بسورتي الإخلاص، وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد والقصد. انتهى) [زاد المعاد 1/ 316]. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (96)، انظر: «الفتاوى» (17/ 473؛ 23/ 89 - 91).
(1/184)
242 - فضل صلاة الفجر وسنتها: - قال ابن القيم: (وأما حديث نعيم بن همار: «ابن آدم، لا تعجز لي عن أربع ركعات في أول النهار أكفيك آخره». وكذلك حديث أبي الدرداء وأبي ذر. فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذه الأربع عندي هي: الفجر وسنتها) [زاد المعاد 1/ 359 ــ 360]. 243 - الاضطجاع بعد راتبة الفجر: - قال ابن القيم: (وذكر الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح، فليضطجع على جنبه الأيمن». قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. وسمعت ابن تيمية يقول: هذا باطل، وليس بصحيح، وإنما الصحيح عنه الفعل، لا الأمر به، والأمر تفرّد به عبد الواحد بن زياد، وغلط فيه) [زاد المعاد 1/ 318 ــ 319]. 244 - سنة الظهر القبلية: - قال ابن مفلح ــ وهو يعدد السنن الرواتب ــ: (وثنتان قبل الظهر، وعند شيخنا: أربع) [الفروع 1/ 544 (2/ 369)] (1). 245 - عدد ركعات صلاة التراويح: - قال ابن مفلح: (وتسن التراويح في رمضان «و»، عشرون ركعة «و: _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (98)، وانظر: «الفتاوى» (23/ 124؛ 22/ 280 - 281).
(1/185)
هـ ش» لا ست وثلاثون «م»، ... ولا بأس بالزيادة (1). نص عليه، وقال: روي في هذا ألوان. ولم يقض فيه بشيء، وقال شيخنا: إن ذلك كله، أو إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، حسن، كما نص عليه أحمد، لعدم التوقيت، فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره) [الفروع 1/ 546 (2/ 372)]. - وقال أيضا: (قال ــ أي أحمد ــ: لا بأس بالزيادة على عشرين ركعة (2). وكذا ذكر الشيخ تقي الدين: أنه لا يكره شيء من ذلك، وأنه قد نصّ على ذلك غير واحد من الأئمة ــ كأحمد وغيره ــ. قال: والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام، والقيام بعشر ركعات، وثلاث بعدها، هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملون، فالقيام بعشرين هو الأفضل) [النكت على المحرر 1/ 90] (3). 246 - صلاة التراويح قبل العشاء: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من صلاها قبل العشاء فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفين للسنة) [الفروع 1/ 547 (2/ 373)] (4). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: على عشرين ركعة). (2) يعني في التراويح. (3) «الفتاوى» (22/ 272؛ 23/ 113)، «الاختيارات» للبعلي (97). (4) «الفتاوى» (23/ 121)، «الاختيارات» للبعلي (97).
(1/186)
247 - قراءة سورة «القلم» في العشاء من أول ليالي رمضان: - قال ابن مفلح: (واستحب أحمد أن يبتدئ التراويح بسورة «القلم» لأنه أول ما نزل، وآخر ما نزل المائدة، فإذا سجد قام فقرأ من «البقرة»، والذي نقله إبراهيم بن محمد بن الحارث: يقرأ بها في عشاء الآخر. قال شيخنا: وهو أحسن) [الفروع (2/ 374 ــ 375)] (1). 248 - قراءة سورة «الأنعام» في ركعة واحدة من صلاة التراويح: - قال ابن مفلح: (وقراءة «الأنعام» في ركعة ــ كما يفعله بعض الناس ــ بدعة «ع». قاله شيخنا) [الفروع 1/ 548 (2/ 375)] (2). 249 - التكبير عقب قراءة سورة «الضحى» وما بعدها: - قال ابن مفلح: (وهل يكبر لختمه من «الضحى» أو «ألم نشرح» (3)، آخر كل سورة؟ فيه روايتان، ولم يستحبه شيخنا لقراءة (4) غير ابن كثير) [الفروع 1/ 553 ــ 554 (2/ 383)]. - وقال أيضًا: (وقال الشيخ تقي الدين ــ وسئل عن جماعة قرؤوا بغير تهليل ولا تكبير ــ قال: إذا قرؤوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل، بل المشروع المسنون) [الآداب الشرعية 2/ 296] (5). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (97). (2) انظر: «الفتاوى» (23/ 121). (3) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (كلام المصنف هنا غير محرر فيما يظهر)، وقد بين وجه ذلك. (4) في ط 1: (كقراءة) والمثبت من ط 2. (5) «الفتاوى» (13/ 417).
(1/187)
250 - قراءة الإدارة: - قال ابن مفلح: (وكره أصحابنا قراءة الإدارة، وقال حرب: حسنة. وحكاه شيخنا عن أكثر العلماء، وأن للمالكية وجهين كالقراءة مجتمعين بصوت واحد، وجعلها أيضا شيخنا قراءة (1) الإدارة (2)، وذكر الوجهين في كراهتها، قال: وكرهها مالك) [الفروع 1/ 554 (2/ 384 ــ 385)] (3). 251 - قراءة القرآن بصفة التلحين: - قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين: قراءة القرآن بصفة التلحين الذي يشبه تلحين الغناء مكروه مبتدع، كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من الأئمة) [الآداب الشرعية 2/ 427]. 252 - إذا غلّط القراء في المسجد المصلين: - قال ابن مفلح: (وإن غلّط القراء المصلين، فذكر صاحب «الترغيب» وغيره: يكره، وقال شيخنا: ليس لهم القراءة إذن) [الفروع 1/ 555 ـ 556 (2/ 386)]. _________ (1) في ط 1: (كقراءة) والمثبت من ط 2. (2) قال ابن قندس في «حاشية الفروع»: (فعلى الأول قراءة الإدارة: أن يقرأ قارئ ثم يقطع ويقرأ غيره، وعلى قول شيخنا: قراءة الإدارة تجمع الصورتين، الصورة الأولى، والقراءة بصوت مجتمعين). (3) «الاختيارات» للبعلي (98)، انظر: «الفتاوى» (31/ 50)، وفيها: (قراءة الإرادة) خطأ.
(1/188)
253 - المفاضلة بين القيام والسجود: - قال ابن القيم: (قال شيخنا: الصواب أنهما سواء، والقيام أفضل بذكره، وهو القراءة، والسجود أفضل بهيئته، فهيئة السجود أفضل من هيئة القيام، وذكر القيام أفضل من ذكر السجود؛ وهكذا كان هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه كان إذا أطال القيام= أطال الركوع والسجود، كما فعل في صلاة الكسوف، وفي صلاة الليل؛ وكان إذا خفف القيام= خفف الركوع والسجود؛ وكذلك كان يفعل في الفرض، كما قاله البراء بن عازب: كان قيامه، وركوعه، وسجوده، واعتداله قريبًا من السواء. والله أعلم) [زاد المعاد 1/ 237] (1). - وقال ابن مفلح: (وكثرة الركوع والسجود أفضل، وقال في «الغنية» وابن الجوزي: نهارا، وعنه: طول القيام «و: هـ ش»، وعنه: التساوي، اختاره صاحب «المحرر»، وحفيده) [الفروع 1/ 562 (2/ 402)]. 254 - قيام الليل كله في بعض الليالي: - قال ابن مفلح: (ولا يقوم الليل كله ... وظاهر كلامهم (2): ولا ليالي العشر، فيكون قول عائشة: إنه عليه السلام أحيا الليل. أي: كثيرا منه، أو: أكثره، ويتوجه بظاهره احتمال، وتخريج من ليلة العيد، ويكون قولها: ما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام ليلة حتى الصباح. أي: غير العشر، أو لم يكثر ذلك منه، واستحبه شيخنا، وقال: قيام بعض الليالي كلها مما جاءت به السنة) [الفروع 1/ 560 (2/ 392)] (3). _________ (1) «الفتاوى» (14/ 6؛ 22/ 273)، «الاختيارات» للبعلي (99)، وانظر: «الفتاوى» (22/ 273؛ 23/ 69 - 81، 114 - 115). (2) في ط 1: (كلامه)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 59). (3) «الفتاوى» (22/ 304)، «الاختيارات» للبعلي (99).
(1/189)
255 - التطوع مضطجعا: - قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: التطوع مضطجعا لغير عذر لم يجوزه إلا طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد، وهو قول شاذ، لا أعرف له أصلا في السلف، ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه صلى مضطجعا بلا عذر، ولو كان هذا مشروعا لفعلوه، كما كانوا يتطوعون قعودا. والحديث الذي ذكروه بيَّن فيه أن المضطجع له نصف أجر القاعد، وهذا حق، وذلك لا يمنع أن يكون معذورا، فإن المعذور ليس له بالعمل إلا على ما عمله، فله به نصف الأجر، وأما ما يكتبه الله تعالى له من غير عمل ليثيبه إياه فذلك شيء آخر، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم» فلو لم يصل النافلة التي كان يصليها لكتبت له، ولا يقال: إنه صلى) [النكت على المحرر 1/ 87] (1). 256 - ما تقول المرأة في سيد الاستغفار: - قال ابن مفلح: (وسيد الاستغفار: «اللهم أنت ربي .. » الخبر، فظاهر كلامهم: يقوله كل أحد، وكذا ما في معناه، وقال شيخنا: تقول المرأة: «أمتك بنت عبدك» أو: «بنت أمتك»، وإن كان قولها «عبدك» له مخرج في العربية بتأويل: شخص) [الفروع 1/ 561 ــ 562 (2/ 395 ــ 396)] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (98)، انظر: «الفتاوى» (7/ 36؛ 23/ 235، 242). (2) «الفتاوى» (22/ 488)، «الاختيارات» للبعلي (99).
(1/190)
257 - الصلاة قبل العصر: - قال ابن القيم: (وأما الأربع قبل العصر فلم يصح عنه عليه السلام في فعلها شيء، إلا حديث عاصم بن ضمرة عن علي، الحديث الطويل: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في النهار ست عشرة ركعة، يصلي إذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا لصلاة الظهر= أربع ركعات؛ وكان يصلي قبل الظهر أربع ركعات، وبعد الظهر ركعتين، وقبل العصر أربع ركعات. وفي لفظ: كان إذا زالت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند العصر= صلى ركعتين، وإذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند الظهر= صلى أربعًا، ويصلي قبل الظهر أربعًا، وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعا، ويفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ينكر هذا الحديث، ويدفعه جدًا؛ ويقول: إنه موضوع؛ ويذكر عن أبي إسحاق الجوزجاني إنكاره) [زاد المعاد 1/ 311] (1). 258 - صلاة الضحى: 259 - وصلاة الفتح: - قال ابن القيم: (وكذلك صلاة الفتح، إذا فتح الله على الإسلام بلدًا للكفَّار أو حصنًا يستحب له أن يصلي ثمان ركعات، كما كان أمراء المسلمين قديمًا يفعلون ذلك، ويسمونها صلاة الفتح، اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه ثبت _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (98).
(1/191)
عنه في «الصحيحين»: أنه صلّى يوم فتح مكة في بيت أم هانئ ثمان ركعات. قال شيخنا: وظنَّ بعض الناس أن هذه كانت صلاة الضحى، وأخذه من قولها: وذلك ضحى. أي: وذلك الفعل كان في وقت الضحى. قلت: ويدل على ذلك قول أم هانئ: ما رأيته صلاها قبلها ولا بعدها. ولو كانت تلك صلاة الضحى لم يخصها بذلك اليوم، ويدل عليه قول عائشة في «صحيح مسلم»: وما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الضحى قط. قال شيخنا: كان - صلى الله عليه وسلم - يستغني عنها بقيام الليل، فمن لم يقم الليل: فالضحى بدل له عن قيام الليل) [الفوائد الحديثية 114 ــ 115]. - وقال ابن مفلح: (ونص أحمد: تفعل (1) غبّا، واستحب الآجري وأبو الخطاب وابن عقيل وابن الجوزي وصاحب «المحرر» وغيرهم: المداومة، ونقله موسى بن هارون «و: ش»، واختاره شيخنا لمن لم يقم في ليله) [الفروع 1/ 567 (2/ 403)] (2). 260 - صلاة التوبة: - قال ابن القيم: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: يستحب لكلِّ من أذنب أن يتوضأ ويصلي ركعتين، ويدل عليه حديث علي بن أبي طالب الذي رواه عن أبي بكر الصديق عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن _________ (1) أي صلاة الضحى. (2) «الاختيارات» للبعلي (98)، انظر: «الفتاوى» (17/ 473 - 474؛ 22/ 283 - 284).
(1/192)
عثمان بن المغيرة قال: سمعت علي بن ربيعة ــ من بني أسد ــ يحدث عن أسماء ــ أو ابن أسماء، من بني فزارة ــ قال: قال علي: كنت إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، حدثني أبو بكر ــ وصدق أبو بكر ــ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مسلم يذنب ذنبًا، ثم يتوضأ فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله لذلك الذنب، إلا غفر له» وقرأ هاتين الآيتين: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]، {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135]) [الفوائد الحديثية 113] (1). 261 - موضع دعاء الاستخارة: - قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا: يدعو قبل السلام أفضل) [الفروع 3/ 274 (5/ 298)] (2). 262 - صلاة التسبيح: - قال ابن مفلح: (وعند جماعة: وصلاة التسبيح (3)، ونصه: لا، لخبر ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علّمها لعمّه العباس أربع ركعات: «يقرأ في كل ركعة بالفاتحة وسورة، ثم يسبح ويحمد ويهلّل ويكبّر خمس عشرة مرة، ثم يقولها في ركوعه ثم في رفعه منه، ثم في سجوده، ثم في رفعه، ثم في سجوده، ثم _________ (1) «الفتاوى» (23/ 215). (2) «الفتاوى» (23/ 177). (3) أي أنها تستحب.
(1/193)
في رفعه، عشرا عشرا، ثم كذلك في كل ركعة مرة في كل يوم، ثم في الجمعة، ثم في الشهر، ثم في العمر» رواه أحمد ــ وقال: لا يصح ــ وأبو داود وابن خزيمة والآجري ــ وصحّحوه ــ والترمذي وغيرهم، وادّعى شيخنا: أنه كذب. كذا قال. قال: ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها، ولم يستحبها إمام، واستحبّها ابن المبارك على صفة لم يرد بها الخبر، لئلا تثبت سنة بخبر لا أصل له. قال: وأما أبو حنيفة ومالك والشافعي فلم يسمعوها بالكلية) [الفروع 1/ 568 (2/ 404 ــ 405)] (1). 263 - إذا عمل الجاهل عبادة منهيا عنها، ولكن لها أصل في الشرع: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: كل من عبد عبادة نهي عنها ولم يعلم بالنهي لكن هي من جنس المأمور به مثل هذه الصلوات (2) والصلاة في أوقات النهي وصوم يوم العيد أثيب على ذلك. كذا قال، ويأتي في صحته خلاف، ومع عدمها لا يثاب على صلاة وصوم، ويأتي في صوم التطوع (3). قال: وإن كان فيها نهي من وجه لم يعلمه، ككونها بدعة تتخذ شعارا، ويجتمع عليها كل يوم، فهو مثل أن يحدث صلاة سادسة، ولهذا لو أراد مثل هذه الصلاة بلا حديث لم يكن له ذلك، بخلاف ما لم يشرع جنسه ــ مثل _________ (1) «الفتاوى» (11/ 579)، «منهاج السنة» (7/ 434)، «الاختيارات» للبعلي (100). (2) يشير إلى صلاة ليلة عاشوراء ونصف شعبان وأول رجب. (3) انظر: «الفروع» (4/ 104).
(1/194)
الشرك ــ فإن هذا لا ثواب فيه، وإن كان الله لا يعاقب صاحبه إلا بعد بلوغ الرسالة، لكن قد يَحْسِب بعض الناس في بعض أنواعه أنه مأمور به، وهذا لا يكون مجتهدا، لأن المجتهد لا بد أن يتبع دليلا شرعيا، لكن قد يفعله باجتهاد مثله، فيقلد من فعله من الشيوخ والعلماء، وفعلوه هم لأنهم رأوه ينفع أو لحديث كذب سمعوه، فهؤلاء إذا لم تقم عليهم الحجة بالنهي لا يعذّبون، وقد يكون ثوابهم أرجح ممن هو دونهم من أهل جنسهم، وأما الثواب بالتقرب إلى الله، فلا يكون بمثل هذه الأعمال) [الفروع 1/ 569 ــ 570 (2/ 406 ــ 407)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (20/ 31 - 33).
(1/195)
باب أوقات النهي
264 - صلاة التطوع وقت الزوال يوم الجمعة: - قال ابن القيم: (لا يكره فعل الصلاة فيه (1) وقت الزوال عند الشافعي - رحمه الله - ومن وافقه، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية، ولم يكن اعتماده على حديث ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كره الصلاة نصف النهار، إلا يوم الجمعة، وقال: إن جهنم تسجر، إلا يوم الجمعة. وإنما كان اعتماده على أن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام) [زاد المعاد 1/ 378]. - وقال ابن مفلح: (وعند قيامها إلى زوالها (2)، وفيه وجه «و: م» واختاره شيخنا في يوم الجمعة «و: ش») [الفروع 1/ 572 (2/ 410)] (3). 265 - فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي: - قال ابن مفلح: (وما له سبب كتحية مسجد، وسجدة تلاوة، وقضاء سنن، وصلاة كسوف ــ قال شيخنا: واستخارة فيما يفوت (4) ــ وعقب الوضوء، فعنه: يجوز «و: ش» اختاره صاحب «الفصول» و «المذهب» _________ (1) أي يوم الجمعة. (2) أي عند قيام الشمس، وذكر هذا وهو يعدد أوقات النهي. (3) «الفتاوى» (23/ 205 - 208)، «الاختيارات» للبعلي (101). (4) «الفتاوى» (23/ 215).
(1/196)
و «المستوعب» وشيخنا وغيرهم، كتحية المسجد حال خطبة الجمعة، وليس عنها جواب صحيح) [الفروع 1/ 573 (2/ 413)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (1/ 164؛ 23/ 191 - 199، 210 - 217؛ 22/ 297 - 298)، «الاختيارات» للبعلي (101).
(1/197)
باب صلاة الجماعة
266 - أجر صلاة المنفرد: - قال ابن مفلح: (وهي واجبة (1)، نص عليه، فلو صلّى منفردا لم ينقص أجره مع العذر، وبدونه في صلاته فضلٌ، خلافا لأبي الخطاب وغيره في الأولى (2)، ولنقله عن أصحابنا في الثانية .... واختار شيخنا كأبي الخطاب فيمن عادته الانفراد مع عدم العذر، وإلا تمّ أجره (3). وقال في «الصارم المسلول»: خبر التفضيل في المعذور الذي تباح له الصلاة وحده، لقوله عليه السلام: «صلاة الرجل قاعدا على النصف، ومضطجعا على النصف»، فإن المراد به المعذور، كما في الخبر: أنه خرج وقد أصابهم وعك، وهم يصلون قعودا، فقال ذلك (4) .... وذكر شيخنا في مواضع: أن من صلّى قاعدا لعذر له أجر القائم) [الفروع 1/ 576 (2/ 419)] (5). وانظر: ما تقدم برقم (255)، وما يأتي برقم (293). _________ (1) يعني صلاة الجماعة. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الأولى هي قوله: (لم ينقص أجره مع العذر)، والثانية: هي قوله: (وبدونه في صلاته فضل)، والفضل المراد به الفضيلة والثواب ... الخ). (3) «الفتاوى» (23/ 234 - 237، 242). (4) هذا النص لم أقف عليه في «الصارم المسلول»، وهو في كتاب «الإيمان» (فتاوى ــ 7/ 36) فأخشى أن ذكر «الصارم المسلول» سبق قلم من ابن مفلح، والله أعلم. (5) «الاختيارات» للبعلي (102 - 103).
(1/198)
267 - حكم صلاة الجماعة: - قال ابن مفلح: (وعنه (1): الجماعة سنة «و: هـ م ق» وذكر شيخنا وجها: فرض كفاية «و: ق» ومقاتلة تاركها كالأذان، وذكره ابن هبيرة «و»، وفي «الواضح» و «الإقناع» رواية: شرط، وذكر القاضي كذلك، واختاره ابن أبي موسى وشيخنا للمكتوبة) [الفروع 1/ 577 (2/ 420)] (2). - وقال أيضا: (واختار الشيخ تقي الدين الاشتراط، واحتج الأصحاب بتفضيل الشارع عليه أفضل الصلاة والسلام صلاة الجماعة على صلاة المنفرد، ولا يصح حمل ذلك على المعذور، لأنه يكتب له أجر ما كان يفعله لولا العذر، كما دلت عليه نصوص صحيحة، ولأنها لا يشترط لها بقاء الوقت، فكذا الجماعة كالفائتة، بعكس الجمعة، ووجوب الجماعة لها لا يوجب أن لا تصح عند عدمها، كواجبات الحج، وكترك وقتها عمدا، فإنها تصح بعده وإن كانت قضاء. وأجاب الشيخ تقي الدين عن قولهم: «لا يصح حمله على المعذور» بأن المعذور ينقسم على قسمين: معذور من عادته في حال صحته الصلاة جماعة، ومعذور عكسه، فالأول هو الذي لا ينقص أجره عن حال صحته، وهو مراد الشارع، ولهذا قال: «إلا كتب له ما كان يعمل مقيما صحيحا» وهذا من التفضيل والخير، لأنه لما كمل الخدمة في حال الصحة ناسب أن _________ (1) أي: عن أحمد في حكم صلاة الجماعة. (2) «الفتاوى» (11/ 615؛ 24/ 101)، «الاختيارات» للبعلي (103)، وانظر: «الفتاوى» (23/ 222 - 238، 239 - 243)، «جامع المسائل» (4/ 127 - 132؛ 6/ 335).
(1/199)
يكمل له الأجر في حال العجز، وهذا بخلاف القسم الثاني من المعذور، وهو الذي أراد الشارع بالتفضيل ... وقد يجاب عما تقدم من جواب الشيخ تقي الدين بأن فيما ذكره قصر اللفظ العام على صورة قليلة نادرة في حال زمن المتكلم، لأن المعذور المنفرد الذي ليس من عادته في حال صحته إيقاع الصلاة جماعة قليل ونادر في ذلك الزمان بلا إشكال، ولهذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض، وإن كان المريض ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. فهذا هو المعهود المعروف بينهم في ذلك الزمان، بل كلام ابن مسعود يدل على أنه لم يكن يتخلف عنها صحيح، لكن معذور أو منافق، وهذا وإن كان واقعا في ذلك الزمان فلا ريب في قلته وندرته، ولا يخفى بُعد قصر العام على الأمور النادرة والوقائع البعيدة، وقد صرح الشيخ تقي الدين وغيره بعدم جوازه، وقد كتبت كلامه في شهادة الشروطي وغيره) [النكت على المحرر 1/ 95] (1). 268 - صلاة الجماعة في المسجد: - قال ابن مفلح: (وفعلها في المسجد سنة «و: هـ م»، وعنه: فرض كفاية «و: ق» قدمه في «المحرر» لاستبعاده أنها سنة، ولم أجد من صرح به غيره. وعنه: واجبة مع قربه، وقيل: شرط، قال شيخنا: ولو لم يمكنه إلا بمشيه في ملك غيره فعل، وإن كان بطريقه منكر كغناء لم يدع المسجد وينكره، نقله يعقوب) [الفروع 1/ 577 ـ 578 (2/ 420)] (2). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (23/ 236 - 238). (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (103).
(1/200)
269 - اعتياد الإمام أداء الفريضة مرتين: - قال ابن مفلح: (وليس للإمام [اعتياد] (1) الصلاة مرتين، وجعل الثانية عن فائتة أو غيرها، والأئمة متفقون على أنه بدعة مكروهة، ذكره شيخنا) [الفروع 1/ 584 (2/ 432)] (2). 270 - إعادة الصلاة مع جماعة أخرى: 271 - ومن نذر أنه يصلي مع كل صلاة فريضة أخرى: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: لا يعيدها من بالمسجد وغيره بلا سبب، وهو ظاهر كلام بعضهم، وذكره بعض الحنفية وغيرهم. وقال أيضا فيمن نذر متى حفظ القرآن صلّى مع كل صلاة فريضة أخرى، وحفظه: لا يلزمه الوفاء، فإنه منهيٌّ عنه، ويكفِّر كفارة يمين، ويعيد الصلاة حيث تشرع الإعادة، مثل أن تقام الصلاة وهو في المسجد، فيصليها معهم، وإن كان صلّى، ويتطوّع بما يقوم مقام ذلك) [الفروع 1/ 585 (2/ 434)] (3). 272 - ما تدرك به صلاة الجماعة: - قال ابن مفلح: (وظاهر كلام ابن أبي موسى: تدرك (4) بركعة «و: م»، _________ (1) في ط 1 وط 2: (إعادة)، والمثبت من النسخة الخطية (ص: 61) و «الاختيارات» للبعلي، وهو ما يفهم من جواب شيخ الإسلام في «الفتاوى». (2) «الفتاوى» (23/ 382 - 383)، «الاختيارات» للبعلي (104). (3) «الفتاوى» (23/ 260 - 262)، «الاختيارات» للبعلي (104). (4) في ط 1: (يدركه)، والمثبت من ط 2.
(1/201)
وذكره شيخنا رواية، واختارها، وقال: اختاره جماعة. وقال: وعليهما (1) إن تساوت الجماعتان فالثانية من أولها أفضل. ولعل مراد شيخنا ما نقله صالح وأبو طالب وابن هانئ في قوله: «الحج عرفة» أنه مثل قوله: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»، إنما يريد بذلك فضل الصلاة، وكذلك يدرك فضل الحج) [الفروع 1/ 587 (2/ 436 ــ 437)]. - وقال أيضا: (وظاهر كلام ابن أبي موسى: أن الجماعة لا تدرك إلا بركعة. قاله بعضهم، وحكاه في «الرعاية» قولا، وهذا اختيار الشيخ تقي الدين، قال: وهو مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، اختارها جماعة من أصحابه. قال: وهو وجه في مذهب الشافعي، واختاره أبو المحاسن الروياني (2) وغيره) [النكت على المحرر 1/ 157 ــ 158] (3). 273 - ائتمام المفترض بالمتنفل: - قال ابن مفلح: (ولا يصح ائتمام مفترضٍ بمتنفِّلٍ، اختاره الأكثر «و: هـ م»، وعنه: بلى، اختاره صاحب «النصيحة» و «التبصرة» والشيخ وشيخنا «و: ش» وذكر وجها: لحاجة، نحو كونه أحقَّ بالإمامة) [الفروع 1/ 590 (2/ 441)] (4). _________ (1) كذا في ط 2 والنسخة الخطية (ص: 62)، وفي ط 1: (وعليه)، وفي «الاختيارات» للبعلي: (على الروايتين). (2) في مطبوعة «الفتاوى»: (الرياني) خطأ. (3) «الفتاوى» (23/ 330 - 331، 255 - 258)، «الاختيارات» للبعلي (104). (4) «الفتاوى» (23/ 384 - 386، 389)، «الاختيارات» للبعلي (104).
(1/202)
274 - إذا كانت صلاة المأموم أقل من صلاة الإمام: - قال ابن مفلح: ( ... وقيل: أو كانت صلاة المأموم أقل (1)، اختاره شيخنا وصاحب «المحرر» وقال: على نص أحمد «و: ش») [الفروع 1/ 591 (2/ 443)] (2). 275 - مراعاة الإمام للمأمومين: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يلزمه مراعاة المأموم إن تضرر بالصلاة أول الوقت أو آخره ونحوه. وقال: ليس له أن يزيد على القدر المشروع، وأنه ينبغي أن يفعل غالبا ما كان عليه السلام يفعله غالبا، ويزيد وينقص للمصلحة، كما كان عليه السلام يزيد وينقص أحيانا) [الفروع 1/ 597 (2/ 451 ــ 452)] (3). 276 - مقدار مضاعفة الصلاة في المساجد الثلاثة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: بالمسجد (4) الحرام بمائة ألف، وبمسجد المدينة بألف، وأن الصواب في الأقصى بخمس مائة صلاة. كذا قال) [الفروع 1/ 599 (2/ 456)] (5). _________ (1) أي: إذا كان الإمام يصلي العشاء والمأموم يصلي المغرب مثلا، فإنها تصح. (2) «الاختيارات» للبعلي (104 - 105)، وانظر: «الفتاوى» (23/ 391). (3) «الاختيارات» للبعلي (105 - 106). (4) في ط 1: (فالمسجد)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 63). (5) «الاختيارات» للبعلي (106)، انظر: «الفتاوى» (27/ 7 - 8).
(1/203)
277 - مشاركة الجن للإنس في جنس التكليف: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ليس الجن كالإنس في الحدّ والحقيقة، فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساويا لما على الإنس في الحد والحقيقة، لكنهم مشاركوهم في جنس التكليف بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم، بلا نزاع أعلمه بين العلماء) [الفروع 1/ 604 (2/ 461)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (4/ 233)، «الاختيارات» للبعلي (106).
(1/204)
باب الإمامة
278 - الأحق بالإمامة: - قال ابن مفلح: (وظاهر كلام أحمد: الأقدم ثم الأسن ثم الأشرف ــ وقال ابن حامد: الأشرف ثم الأقدم ثم الأسن. وفي «المقنع» عكسه ــ، وسبق الإسلام كالهجرة، ثم الأتقى ثم الأورع ــ وقيل: يقدمان على الأشرف ــ ثم اختيار الجماعة في رواية، وعنه: القرعة، وقيل: يقدم عليهما القائم بعمارة المسجد، وجزم به في «الفصول» وزاد: أو يفضل على الجماعة المنعقدة فيه. ولم يقدم شيخنا بالنسب، وذكره عن أحمد وأبي حنيفة ومالك) [الفروع 2/ 4 ــ 5 (3/ 5 ــ 7)] (1). 279 - الأقدم هجرة: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين ــ بعد ذكره قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ــ قال: فمن سبق إلى هجر السيئات بالتوبة منها فهو أقدم هجرة فيقدم في الإمامة) [النكت على المحرر 1/ 109] (2). 280 - إذا خالف شرط الواقف ما جاء تقديمه في الشرع: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يجب تقديم من يقدمه الله ورسوله ولو مع شرط الواقف بخلافه، فلا يلتفت إلى شرط يخالف شرط الله ورسوله) [الفروع 2/ 8 (3/ 11 ــ 12)] (3). _________ (1) «الفتاوى» (19/ 26 - 27)، «الاختيارات» للبعلي (106). (2) «الفتاوى» (23/ 386). (3) «الفتاوى» (31/ 95)، «الاختيارات» للبعلي (106).
(1/205)
281 - إمامة الفاسق: انظر: ما تقدم برقم: (137). 282 - إذا كان بين الإمام والمأمومين عداوة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: إذا كان بينهم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء والمذاهب، فلا ينبغي أن يؤمهم، لأن المقصود بالصلاة جماعة إنما يتم بالائتلاف، ولهذا قال عليه السلام: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»، وقال: «اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا») [الفروع 2/ 11 ــ 12 (3/ 17)] (1). 283 - إذا صلى الإمام بقوم يكرهونه: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: أتى بواجب ومحرم (2) يقاوم صلاته فلم تقبل، إذ الصلاة المقبولة ما يثاب عليها) [الفروع 2/ 13 (3/ 19)] (3). 284 - إمامة من زوّر لنفسه ولاية بالإمامة: - قال ابن مفلح: (ومن زوّر ولاية لنفسه بإمامة، وباشر، فيتوجه: إن كانت ولايته شرطا لاستحقاقه لم يستحقّ، وإلا خرّج على صحة إمامته، وقال شيخنا: له أجر مثله ــ وأطلق (4) ــ كمن ولايته فاسدة (5) بغير كذبه، لا _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (106 - 107). (2) يعني إذا أمّ قوما يكرهونه. (3) «الاختيارات» للبعلي (107). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: لم يفرّق بين من ولايته شرط لاستحقاقه، وبين غيره، والمصنف فرّق بقوله: «فيتوجّه إن كانت ولايته شرطا لاستحقاقه لم يستحقّ، وإلا خرِّج على صحة إمامته»، الشيخ جعل له أجرة المثل من غير تفصيل) ا. هـ. (5) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الظاهر أنه من تمام كلام الشيخ، أي: يكون له أجرة المثل، كمن ولايته فاسدة، فإن له أجرة المثل، كذلك من باشر بولاية كذب، فإنه يستحق أجرة المثل) ا. هـ.
(1/206)
ما يستحقه عدل بولاية شرعية (1)) [الفروع 2/ 17 ــ 18 (3/ 24)]. 285 - إمامة العاجز عن ركن أو شرط بالقادر عليه: - قال ابن مفلح: (ولا ــ على الأصح ــ «ش» إمامة عاجز عن ركن أو شرط، واختار شيخنا الصحة، قاله في إمام عليه نجاسة يعجز عنها (2)، ولا خلاف أن المصلي خلف المضطجع لا يضطجع وتصح بمثله، وإمامة متيمم بمتوضئ «و» ولا تكره «م») [الفروع 2/ 21 (3/ 29)] (3). 286 - إذا ترك الإمام ركنا أو شرطا عند المأموم: - قال ابن مفلح: ( ... وإن كان (4) ركنا أو شرطا عند المأموم (5) فعنه: يعيد المأموم، اختاره جماعة «و: هـ ش» لاعتقاد المأموم فساد صلاة إمامه، كما لو اعتقده مجمعا عليه فبان خلافه، وعنه: لا، اختاره الشيخ وشيخنا «و: م») [الفروع 2/ 25 (3/ 34)] (6). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هذا من تمام كلام شيخنا ــ يعني شيخ ابن مفلح ــ أي: قال شيخنا: له أجرة مثله، لا ما يستحقه بولاية شرعية، أي: له أجرة مثله وليس له ما يستحقه بولاية شرعية، بل له أجرة المثل) ا. هـ. (2) في «الاختيارات»: (يعجز عن إزالتها بمن ليس عليه نجاسة). (3) «الاختيارات» للبعلي (107). (4) أي: وإن كان المتروك. (5) يعني: وتركه الإمام. (6) «الفتاوى» (23/ 377)، «الاختيارات» للبعلي (107).
(1/207)
287 - إذا فعل مفسقا بلا تقليد: - قال ابن مفلح: (قال ابن عقيل، وجماعة: لا يجوز أن يقدم (1) على فعلٍ لا يعلم جوازه، ويفسق، أي: إن كان مما يفسق به؛ كما جزم به في «الفصول» في عاميٍّ شرب نبيذًا، بلا تقليدٍ. وهو معنى كلام القاضي وغيره؛ ولم يصرح القاضي بالفسق في موضع، وصرح به في آخر. وذكره شيخنا عنه، ولم يخالفه) [الفروع 2/ 26 ــ 27 (3/ 35)] (2). _________ (1) في «الاختيارات» للبعلي: (يقدم العامي). (2) «الاختيارات» للبعلي (108).
(1/208)
باب موقف الجماعة
288 - الصلاة قُدَّام الإمام: - قال ابن القيم: (إذا لم يمكنه أن يصلي مع الجماعة إلا قدّام الإمام فإنه يصلي قدّامه وتصح صلاته، وكلاهما (1) وجه في مذهب أحمد، وهو اختيار شيخنا - رحمه الله -) [إعلام الموقعين 2/ 41]. - وقال ابن مفلح: (يستحب وقوف الجماعة خلف الإمام «و»، ولا يصح قدّامه بإحرام فأكثر، لأنه ليس موقفا بحال، وذكر شيخنا وجها: تكره وتصح «و: م»، والمراد: وأمكن الاقتداء، وهو متجه، وقيل: تصح جمعة ونحوها لعذر، اختاره شيخنا، وقال: من تأخّر بلا عذر، فلما أذن جاء فصلّى قدّامه عزّر (2)) [الفروع 2/ 28 (3/ 37)]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: في مذهب أحمد وغيره قول أن صلاة المأموم تصح قدّام الإمام مع العذر دون غيره. قال: وهذا أعدل الأقوال وأرجحها، وهو قول طائفة من العلماء، وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة، والواجبات كلها تسقط بالعذر، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة، والواجب في الجماعة أولى بالسقوط. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 112 ــ 113]. _________ (1) يشير إلى هذه المسألة، ومسألة صلاة المنفرد خلف الصف وحده للحاجة. (2) في «الإنصاف» (4/ 418): (عذر) خطأ.
(1/209)
- وقال أيضا: (وكلامهم (1) يتناول صلاة الجنازة أيضا، وصرح الشيخ تقي الدين فيها بروايتين، واختار الجواز) [النكت على المحرر 1/ 114] (2). 289 - ترك الصف الأول ناقصا: - قال ابن مفلح: (ورووا (3) أيضا ــ والإسناد جيد ــ عن أنس مرفوعا: «أتموا الصف الأول، ثم الذي يليه، فإن كان نقصان فليكن في الصف المؤخر». والمشهور القول بموجبه، وأن ترك الصف الأول ناقصا مكروه، خلافا لابن عقيل، فإنه اختار أن لا يكره تطوع الإمام في موضع المكتوبة، وقاسه على ترك الصف الأول للمأمومين، والأول أولى، واختاره الشيخ تقي الدين) [النكت على المحرر 1/ 115]. 290 - صلاة المنفرد خلف الصف: - قال ابن القيم: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ ينكره أيضًا (4)، ويقول: يصلي خلف الصف فذًا، ولا يجذب غيره. قال: وتصح صلاته في هذه الحالة فذًا، لأن غاية المصافة أن تكون واجبة، فتسقط بالعذر) [بدائع الفوائد 3/ 74]. _________ (1) أي في هذه المسألة. (2) «الفتاوى» (23/ 404 - 405)، «جامع المسائل» (4/ 207 - 208)، «الاختيارات» للبعلي (108). (3) أي: أحمد وأبو داود والنسائي. (4) أي ينكر أن يجر الرجل أحدا من الصف ليصف معه.
(1/210)
- وقال ابن مفلح: (ومن صلّى فذّا خلفه (1) ركعة ــ وقيل: أو أحرم، واختاره في «الروضة» وذكره رواية، وقيل: لغير غرض ــ لم يصحّ، وعنه: إن علم النهي، وفي «النوادر» رواية تصح لخوفه تضيّقا (2)، وذكره بعضهم قولا، وهو معنى قول بعضهم: لعذر، وعنه: مطلقا «و»، وعنه: في النفل، وبناه في «الفصول» على من صلّى بعض الصلاة منفردا، ثم نوى الائتمام، وحيث صحّت، فالمراد مع الكراهة، ويتوجّه: إلا لعذر، وهو ظاهر كلام شيخنا، وقاله الحنفية) [الفروع 2/ 30 (3/ 40)] (3). - وقال أيضا: (فإن لم يجد فرجة في الصف ولا وجد أحدا يقوم معه ... هل يجذب من يقوم معه؟ نص أحمد على أنه يكره ... قال في «التلخيص»: في جواز ذلك وجهان، والذي اختاره ابن عقيل أنه لا يجوز. وهذا ظاهر قول الشيخ تقي الدين، فإنه قال: صلّى وحده خلف الصف، ولم يدع الجماعة، ولم يجتذب أحدا يصلّي معه. وقوله: «صلّى وحده» هذا وجه في المذهب، وهو قوي، بناء على أن الأمر بالمصافة إنما هو مع الإمكان) [النكت على المحرر 1/ 116] (4). 291 - صلاة من يلي المرأة في الصف: - قال ابن مفلح: (وذكر ابن عقيل فيمن يليها (5) رواية تبطل، وفي _________ (1) أي خلف الإمام. (2) في ط 2: (تضييقا) والمثبت من ط 1 والنسخة الخطية (ص: 68). (3) «الفتاوى» (23/ 396). (4) «الفتاوى» (23/ 406 - 407)، «الاختيارات» للبعلي (108). (5) أي: المرأة.
(1/211)
«الفصول» أنه الأشبه، وأن أحمد توقّف، وذكره شيخنا المنصوص) [الفروع 2/ 33 (3/ 45)] (1). 292 - بناء المسجد بجوار مسجد آخر: - قال ابن مفلح: (اتفقت الرواية أنه لا يبنى لقصد الضرار، وإن لم يقصد ولا حاجة فروايتان، رواية محمد بن موسى: لا يبنى، واختاره شيخنا، وأنه يجب هدمها، وقاله فيما بُنِيَ جوار جامع بني أمية) [الفروع 2/ 38 (3/ 57)] (2). _________ (1) «الفتاوى» (23/ 396)، وفيها: (والمنصوص عن أحمد بطلان صلاة من يليها في الموقف). (2) «الاختيارات» للبعلي (109)، وانظر: «الفتاوى» (31/ 59، 221).
(1/212)
باب صلاة المريض
293 - الصلاة قاعدا: - قال ابن القيم: (في «صحيح البخاري» ما انفرد به من رواية عمران بن حصين أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الرجل قاعدا، قال: «إن صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد». قلت: اختلف العلماء هل قوله: «من صلى قاعدا» في الفرض أو النفل؟ فقالت طائفة: هذا في الفرض وهو قول كثير من المحدّثين واختيار شيخنا، فورد على هذا أن من صلى الفرض قاعدا مع قدرته على القيام فصلاته باطلة وإن كان مع عجزه فأجر القاعد مساو لأجر القائم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما». فقال لي شيخنا: وضع صلاة القاعد على النصف مطلقا، وإنما كمل الأجر بالنية للعجز) [بدائع الفوائد (4/ 209 ــ 210)]. وانظر ما تقدم رقم: (266). 294 - العاجز عن الإيماء بالركوع والسجود: - قال ابن مفلح: (وإن عجز أومأ (1) بطرفه ناويا مستحضرا الفعل والقول إن عجز عنه بقلبه ... وعنه: تسقط الصلاة، اختاره شيخنا «و: هـ» (2)) _________ (1) في ط 1 (أدّى) والمثبت من ط 2. (2) قال المرداوي في «الإنصاف» (5/ 14): (قال الشيخ تقي الدين: لو عجز المريض عن الإيماء برأسه سقطت عنه الصلاة، ولا يلزمه الإيماء بطرفه) ا. هـ.
(1/213)
[الفروع 2/ 46 ــ 47 (3/ 70 ــ 71)]. - وقال أيضا: (وعن أحمد: تسقط، وضعفها الخلال، وهو قول أبي حنيفة، واختاره الشيخ تقي الدين) [النكت على المحرر 1/ 126] (1). 295 - من نوى الخير وفعل ما يقدر عليه منه: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من نوى الخير وفعل ما يقدر عليه منه (2) كان له كأجر الفاعل. ثم احتج بحديث أبي كبشة (3)، وحديث: «إن بالمدينة لرجالا»، وحديث: «إذا مرض العبد»، وحديث: «من دعى إلى هدى» (4)، قال: وله نظائر. واحتج بها في مكان آخر، وبقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95]. وقال أيضا عن حديث «إذا مرض العبد»: هذا يقتضي أن من ترك الجماعة لمرض أو سفر وكان يعتادها كتب له أجر الجماعة، وإن لم يكن يعتادها لم يكتب له، وإن كان في الحالين إنما له بنفس الفعل صلاة منفرد، وكذلك المريض إذا صلى قاعدا أو مضطجعا. _________ (1) «الفتاوى» (10/ 444؛ 23/ 72)، «الاختيارات» للبعلي (110). (2) في «الفتاوى» زيادة: (وعجز عن إكماله). (3) حديث أبي كبشية رواه الترمذي (2325) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أربعة رجال: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل فيه بطاعة الله، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا، فقال: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان، قال: «فهما في الأجر سواء» ... الحديث. (4) «الفتاوى» (22/ 243 - 244).
(1/214)
قال: ومن قصد الجماعة فلم يدركها كان له أجر من صلّى في جماعة) [الفروع 2/ 51 (3/ 77)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (23/ 242).
(1/215)
باب صلاة المسافر
296 - السفر للنزهة والفرجة: - قال ابن مفلح: (من ابتدأ سفرا مباحا «و: م ش» والأصح: أو هو أكثر قصده، وقيل: أو نقل سفره المباح إلى محرم كالعكس، كتوبته، وقد بقي مسافة قصر في الأصح، وقال ابن الجوزي: أو لا، وعنه: مباحا غير نزهة ولا فرجة، اختاره أبو المعالي، لأنه لهو بلا مصلحة، ولا حاجة، مع أنهم صرحوا بإباحاته، وسبق (1) في المسح كلام شيخنا: أنه يكره) [الفروع 2/ 54 (3/ 80)] (2). 297 - نوع السفر الذي يباح فيه القصر وحده: - قال ابن مفلح: (قال في «المغني»: الحجّة مع من أباح القصر في كل سفر، ما لم يخالف إجماعا. واختاره شيخنا (3)، وقال أيضا: إن حُدَّ، فتحديده ببريد أجود (4). وقاله أيضا في سفر المعصية، وأن ابن عقيل رجّحه في بعض المواضع «م ش» كأكل الميتة فيه (5)) [الفروع 2/ 57 (3/ 85)]. وانظر: كلام ابن القيم في المسألة رقم: (305)، وكلام ابن مفلح في المسألة رقم (112). _________ (1) برقم (46). (2) انظر: «الفتاوى» (28/ 28 - 29). (3) «الفتاوى» (24/ 38 - 49؛ 19/ 243 - 247). (4) «الفتاوى» (24/ 47 - 48)، «الاختيارات» للبعلي (110). (5) «الفتاوى» (24/ 108 - 109)، «الاختيارات» للبعلي (110).
(1/216)
298 - الإتمام في السفر: - قال ابن القيم: (وأما حديث عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم= فلا يصح؛ وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول لله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى. وقد رُوي: كان يقصُرُ وتُتِمُّ، الأول: بالياء، آخر الحروف، والثاني: بالتاء المثناة من فوق، وكذلك يفطر وتصوم، أي: تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين. قال شيخنا ابن تيمية: وهذا باطل، ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجميع أصحابه، فتصلي خلاف صلاتهم، كيف والصحيح عنها أنها قالت: «إن الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة زيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر»؟! فكيف يظن بها مع ذلك أن تصلي بخلاف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين معه؟!) [زاد المعاد 1/ 464 ــ 465]. - وقال أيضا: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديث كذبٌ على عائشة، ولم تكن عائشة لتصلي بخلاف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسائر الصحابة وهي تشاهدهم يقصرون، ثم تتم هي وحدها بلا موجب، كيف وهي القائلة: «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر»؟ ! فكيف يظن أنها تزيد على ما فرض الله، وتخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؟!) [زاد المعاد 1/ 472] (1). _________ (1) «الفتاوى» (24/ 150 - 153).
(1/217)
- وقال ابن مفلح: (والقصر أفضل «و»، والإتمام جائز «هـ»، في المنصوص فيهما، وعنه: لا يعجبني الإتمام، وكرهه شيخنا، وهو أظهر) [الفروع 2/ 58 (3/ 87)] (1). 299 - صلاة التطوع في السفر: - قال ابن مفلح: (ويوتر ويركع سنة الفجر، ويخيّر في غيرهما «ش» في فعله، وعن الحنفية كقولنا وقولِه (2)، وعند شيخنا: يسن تركه غيرهما (3). قيل لأحمد: التطوع في السفر؟ قال: أرجو أن لا بأس. وأطلق أبو المعالي التخيير في النوافل والسنن، ونقل ابن هانئ: يتطوع أفضل، وجزم به في «الفصول»، و «المستوعب» وغيرهما، واختاره شيخنا في غير الرواتب، ونقله بعضهم «ع») [الفروع 2/ 58 (3/ 87)] (4). 300 - مدة السفر الذي تقصر فيه الصلاة: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا وغيره: القصر والفطر، وأنه مسافر ما لم يجمع على إقامة ويستوطن، كإقامته لقضاء حاجة بلا نية إقامة ولا يعلم فراغ الحاجة قبل المدة، وقيل: ولا يظن) [الفروع 2/ 64 (3/ 95 ــ 96)] (5). _________ (1) «الفتاوى» (24/ 9؛ 22/ 82)، «الاختيارات» للبعلي (110). (2) أي كقول الشافعي، والله أعلم. (3) انظر: «الفتاوى» (22/ 279 - 280؛ 23/ 128 - 129) (4) «الاختيارات» للبعلي (111). (5) «الفتاوى» (24/ 18، 136 - 137)، «الاختيارات» للبعلي (110 - 111).
(1/218)
باب الجمع بين الصلاتين
301 - المفاضلة بين جمع التقديم وجمع التأخير: - قال ابن مفلح: (قال بعضهم: والجمع في وقت الثانية أفضل، وقيل: في جمع السفر «و: ش»، وقيل: التقديم، وجزم به غير واحد في جمع المطر «و: م» ونقله الأثرم، وإن جمع في السفر يؤخر، وقيل: الأرفق به، واختاره شيخنا، وذكره ظاهر مذهب أحمد المنصوص عنه، وأن في جوازه للمطر في وقت الثانية وجهين، لأنا لم نثق بدوامه) [الفروع 69 - 70 (3/ 107 - 108)] (1). 302 - الجمع لتحصيل الجماعة: 303 - والجمع للحاجة: - قال ابن القيم: (قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويدل على جمع التقديم جمعه بعرفة بين الظهر والعصر لمصلحة الوقوف، ليتصل وقت الدعاء، ولا يقطعه بالنزول لصلاة العصر، مع إمكان ذلك بلا مشقة، فالجمع كذلك لأجل المشقة والحاجة أولى) [زاد المعاد 1/ 481]. - وقال ابن مفلح: (اختار شيخنا الجمع لتحصيل الجماعة، وللصلاة في حمّام (2) _________ (1) «الفتاوى» (24/ 56 - 58)، «الاختيارات» للبعلي (112). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: لو صلّى من غير جمع لم يمكنه أن يصلّي الثانية إلا في الحمّام، ولو جمع تخلّص من الصلاة في الحمّام، فإنه يجوز له الجمع، ولا يصلي في الحمّام، لأن الصلاة فيه منهي عنها، والجمع مشروع للعذر، وهذا عذر فيجمع).
(1/219)
ــ مع جوازها فيه خوف فوت الوقت (1) ــ ولخوف تحرّج في تركه، أي: مشقّة (2)) [الفروع 2/ 71 (3/ 110 ــ 111)] (3). 304 - الموالاة بين الصلاتين في الجمع: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: لا موالاة، وأخذه من رواية أبي طالب والمروذي: للمسافر أن يصلي العشاء قبل مغيب الشفق، وعلّله أحمد بأنه يجوز له الجمع، ومن نصّه في جمع المطر: إذا صلّى إحداهما في بيته والأخرى في المسجد فلا بأس) [الفروع 2/ 72 (3/ 112 ــ 113)] (4). 305 - الجمع والقصر في عرفة ومزدلفة: - قال ابن القيم: (ولم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - الجمع راكبًا في سفره ــ كما يفعله كثير من الناس ــ، ولا الجمع حال نزوله أيضًا، وإنما كان يجمع إذا جدّ به السير، وإذا سار عقيب الصلاة، كما ... في قصة تبوك. وأما جمعه وهو نازل غير مسافر= فلم ينقل ذلك عنه إلا بعرفة، لأجل اتصال الوقوف، كما قال الشافعي - رحمه الله - وشيخنا، ولهذا: خصّه أبو حنيفة _________ (1) قال ابن قندس: (يعني: يجوز له، لأجل الصلاة في الحمّام، وإن جوّزنا له الصلاة في الحمّام إذا خاف فوت الوقت، لأنه إنما جاز إذا خاف فوت الوقت، للحاجة إلى إدراك الصلاة، والجمع لا يحتاج معه إلى الصلاة فيه). (2) قال ابن قندس: («مشقة» تفسير للتحرّج، والمعنى: إذا خاف حرجا في ترك الجمع، فإنه يجمع). (3) «الاختيارات» للبعلي (112)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 432 - 433، 451 - 452، 457 - 458؛ 24/ 26 - 28). (4) «الفتاوى» (24/ 51 - 54؛ 25/ 231)، «الاختيارات» للبعلي (112).
(1/220)
بعرفة، وجعله من تمام النسك، ولا تأثير للسفر عنده فيه. وأحمد ومالك والشافعي: جعلوا سببه السفر، ثم اختلفوا: فجعل الشافعي وأحمد ــ في إحدى الروايات عنه ــ: التأثير للسفر الطويل، ولم يجوّزاه لأهل مكة. وجوّز مالك وأحمد ــ في الرواية الأخرى عنه ــ لأهل مكة الجمع والقصر بعرفة، واختارها شيخنا وأبو الخطاب في «عباداته». ثم طرد شيخنا هذا، وجعله أصلًا في جواز القصر والجمع في طويل السفر وقصيره، كما هو مذهب كثير من السلف، وجعله مالك وأبو الخطاب: مخصوصًا بأهل مكة) [زاد المعاد 1/ 481]. - وقال ابن مفلح: (وصلاة عرفة ومزدلفة كغيرهما، نص عليه، اختاره الأكثر «و: ش»، واختار أبو الخطّاب في «عباداته» وشيخنا: الجمع والقصر مطلقا (1) «و: م»، والأشهر عن أحمد الجمع فقط) [الفروع 2/ 74 (3/ 115)] (2). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (سواء سافر سفر قصر أو لا). (2) «الفتاوى» (24/ 11، 14 - 15، 27 - 28، 63 - 65؛ 26/ 168 - 169)، «جامع المسائل» (6/ 323)، «الاختيارات» للبعلي (112)، وانظر: «الفتاوى» (19/ 244).
(1/221)
باب صلاة الجمعة
306 - من أقام في غير بناء: - قال ابن مفلح: (وقدّم الأزجيّ صحتها ووجوبها على المستوطنين بعمود «خ» أو خيام «خ» واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 89 (3/ 137)] (1). 307 - المسافر الذي حضرها: - قال ابن مفلح: (وتجزئ امرأة حضرتها تبعا «و» (2)، ولا تنعقد بها «و»، ولا تؤمّ «و» (3)، وكذا مسافر له القصر، ويحتمل أن تلزمه تبعا للمقيمين «خ» قاله شيخنا) [الفروع 2/ 91 (3/ 139 ــ 140)] (4). 308 - العدد الذي تنعقد به الجمعة: - قال ابن مفلح: (تنعقد بأربعين فأكثر في ظاهر المذهب «و: ش»، لا بمن تتقرّى بهم قرية عادة «م»، وعنه: بخمسين، وعنه: بسبعة، وعنه: بخمسة، وعنه: بأربعة «و: هـ»، وعنه: بثلاثة، اختاره شيخنا) [الفروع 1/ 99 (3/ 149 ــ 151)] (5). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (119)، وانظر: «الفتاوى» (24/ 166). (2) في ط 1 زيادة: (للمقيمين) وهي غير موجودة في النسخة الخطية (ص: 75). (3) في ط 1 زيادة: (فيهن) وهي غير موجودة في النسخة الخطية (ص: 75). (4) «الفتاوى» (24/ 184)، «الاختيارات» للبعلي (119). (5) «الاختيارات» للبعلي (119 - 120).
(1/222)
309 - تخطي الرقاب: - قال ابن مفلح: (ويكره تخطّي أحد، وحرّمه في «النصيحة» و «المنتخب» وأبو المعالي وشيخنا) [الفروع 2/ 105 (3/ 160)]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: ليس لأحد أن يتخطى الناس ليدخل في الصف، إذا لم تكن بين يديه فرجة، لا يوم الجمعة ولا غير يوم الجمعة، بل هذا من الظلم والتعدي لحدود الله. ثم استدل بالحديث في ذلك) [النكت على المحرر 1/ 145] (1). 310 - فرش السجادة في يوم الجمعة: - قال ابن مفلح: (ومن فرش مصلّى ففي جواز رفعه لغيره وجهان، وقيل: إن تخطّى رفعه ولا يصلّي عليه، وقدّم في «الرعاية»: يكره جلوسه عليه، وجزم صاحب «المحرر» وغيره بتحريمه، ويتوجّه إن حرم رفعه: فله فرشه وإلا كره، وأطلق شيخنا: ليس له فرشه) [الفروع 2/ 108 ــ 109 (3/ 163 ــ 164)] (2). 311 - افتتاح خطبة الجمعة بالحمد: - قال ابن القيم: (وكان لا يخطب خُطبة إلا افتتحها بحمد الله. وأما قول كثير من الفقهاء: إنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وخطبة العيدين بالتكبير، فليس معهم فيه سنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - البتة، وسنته تقتضي خلافه، وهو افتتاح جميع الخطب بالحمد الله. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (121 - 122). (2) «الفتاوى» (24/ 216)، «الاختيارات» للبعلي (122).
(1/223)
وهو أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب أحمد (1)، وهو اختيار شيخنا قدس الله سره) [زاد المعاد 1/ 186] (2). 312 - التشهد في خطبة الجمعة: 313 - والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها: - قال ابن مفلح: (والصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - (3) «و: م رش»، واختار صاحب «المحرر»: أو يشهد أنه عبد الله ورسوله، وأوجبه شيخنا فقط لدلالته عليه، ولأنه إيمان به، والصلاة عليه دعاء له، وأين هذا من هذا؟ فالصلاة عليه مشروعة مع الدعاء أمامه، كما قدم السلام عليه في التشهد على غيره، والتشهد مشروع في الخطاب (4) والثناء (5). وأوجب في مكان آخر الشهادتين، وأوجب الصلاة عليه مع الدعاء الواجب (6)، وتقديمها عليه، لوجوب تقديمه على النفس، والسلام عليه في التشهد (7)) [الفروع 2/ 109 (3/ 165 ــ 166)] (8). _________ (1) أي في استفتاح خطبة الاستسقاء، وهي: تفتتح بالحمد، أو بالتكبير، أو بالاستغفار، كما في «الفتاوى» (22/ 393). (2) «الفتاوى» (22/ 392 - 394)، «الاختيارات» للبعلي (123). (3) أي ومن شروط خطبتي الجمعة الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم -. (4) في «الفتاوى»: (الخطب). (5) «الفتاوى» (22/ 391). (6) (الواجب) غير موجودة في ط 1، وهي ثابتة في النسخة الخطية (ص: 77). (7) «الفتاوى» (24/ 235؛ 27/ 408 - 409)، وانظر: «منهاج السنة» (5/ 408). (8) «الاختيارات» للبعلي (120).
(1/224)
314 - الموعظة في خطبة الجمعة: - قال ابن مفلح: (وتشترط الموعظة «و: م رش» (1)، وقيل: في الثانية، وذكر أبو المعالي وشيخنا: لا يكفي ذمّ الدنيا وذكر الموت) [الفروع 2/ 109 ــ 110 (3/ 166)] (2). 315 - رد سلام الخطيب وكل سلام مشروع: - قال ابن مفلح: (وردّ هذا السلام (3) وكلّ سلام مشروع فرض كفاية على الجماعة المسلّم عليهم لا فرض عين «هـ»، وقيل: سنة «خ» كابتدائه «و»، وفيه وجه غريب: يجب، ذكره شيخنا (4)) [الفروع 2/ 118 (3/ 176)]. - وقال أيضا: (ورد السلام فرض كفاية ... وقيل: بل سنة، وذكر ابن حزم وابن عبد البر والشيخ تقي الدين: الإجماع على وجوب الرد) [الآداب الشرعية 1/ 417] (5). 316 - كيفية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - حال الاستماع إلى الخطبة: - قال ابن مفلح: (والسنة في الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - سرّا، كالدعاء اتفاقا، قاله _________ (1) أي: تشترط في خطبتي الجمعة. (2) «الاختيارات» للبعلي (120). (3) أي: سلام الخطيب يوم الجمعة. (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (ذكر في «الاختيارات»: أن الشيخ تقي الدين اختار فرض الكفاية في عيادة المريض وتشميت العاطس ورد السلام، وأن الذي يدل عليه النص وجوب ذلك، فيقال: هو واجب على الكفاية) ا. هـ، وهو في «الاختيارات» (128) في أول كتاب الجنائز. (5) انظر: «الفتاوى» (27/ 412).
(1/225)
شيخنا، وقال: ورفع الصوت قدّام بعض الخطباء مكروه أو محرم اتفاقا) [الفروع 2/ 125 (3/ 184)] (1). 317 - ما تسن قراءته في فجر يوم الجمعة وحكمة ذلك: 318 - وتحري قراءة سورة فيها سجدة غير سورة «السجدة»: - قال ابن القيم: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة= لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا: على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم: تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعًا، ليست مقصودة، حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت، فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة) [زاد المعاد 1/ 375]. - وقال ابن مفلح: (وفي فجرها (2): «آلم السجدة» «م»، وفي الثانية: «هل أتى» «م»، قال شيخنا: لتضمّنها ابتداء خلق السموات والأرض، وخلق الإنسان إلى أن يدخل الجنة أو النار) [الفروع 2/ 129 (3/ 189)]. - وقال أيضا: (قال شيخنا: ويكره تحريه قراءة سجدة غيرها، والسنة إكمالها) [الفروع 2/ 130 (3/ 190)] (3). _________ (1) «الفتاوى» (22/ 468 - 470)، «الاختيارات» للبعلي (121). (2) أي يسن أن يقرأ في فجرها. (3) «الفتاوى» (24/ 205 - 206)، «الاختيارات» للبعلي (121).
(1/226)
319 - سنة الجمعة القبلية: - قال ابن القيم: (ومنهم من احتج بما رواه ابن ماجه في «سننه» عن أبي هريرة وجابر قال: جاء سليك الغطفاني ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فقال له: «أصليت ركعتين قبل أن تجيء؟ ». قال: لا. قال: «فصل ركعتين، وتجوز فيهما»، وإسناده ثقات. قال أبو البركات ابن تيمية: وقوله: «قبل أن تجيء» يدل عن (1) أن هاتين الركعتين: سنة الجمعة، وليستا تحية المسجد. قال شيخنا ــ حفيده أبو العباس ـ: وهذا غلط، والحديث المعروف في «الصحيحين»: عن جابر قال: دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فقال: «أصليت؟ » قال: لا. قال: «فصل ركعتين». وقال: «إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب: فليركع ركعتين، وليتجوّز فيهما». فهذا هو المحفوظ في هذا الحديث، وأفراد ابن ماجه في الغالب غير صحيحة. هذا معنى كلامه) [زاد المعاد 1/ 434 ــ 435]. - وقال ابن مفلح: (ولا سنة لها قبلها، نص عليه «و: م»، قال شيخنا: وهو مذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وعليه جماهير الأئمة، لأنها وإن كانت ظهرا مقصورة (2) فتفارقها في أحكام، وكما أن ترك المسافر السنة أفضل لكون ظهره مقصورة، وإلا لكان التربيع أفضل، لكن لا يكره، وأنه لا يداوم إلا لمصلحة، وأن عليه يدل كلام أحمد. _________ (1) كذا، ولعلها: (على). (2) (مقصورة) غير موجودة في ط 2، وهي مثبت من ط 1 والنسخة الخطية (ص: 79) و «الإنصاف» (5/ 266).
(1/227)
وعنه: بلى، ركعتان، اختاره ابن عقيل، وعنه: أربع «و: هـ ش»، قال شيخنا: وهو قول طائفة من أصحابنا ... واستحب أحمد أن يدع الإمام الأفضل عنده تأليفا للمأموم، وقاله شيخنا. قال: ولو كان مطاعا يتبعه المأموم فالسنة أولى. قال: وقد يرجح المفضول، كجهر عمر بالاستفتاح لتعليم السنة، وابن عباس بالقراءة على الجنازة) [الفروع 2/ 130 (3/ 190 ــ 191)] (1). 320 - الصلاة وقت الزوال يومَ الجمعة: انظر: ما تقدم برقم (264). 321 - راتبة الجمعة البعدية: - قال ابن القيم: (وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الجمعة دخل إلى منزله، فصلى ركعتين سنتها، وأمر من صلاها أن يصلي بعدها أربعًا. قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية: إن صلى في المسجد صلى أربعًا، وإن صلى في بيته صلى ركعتين) [زاد المعاد 1/ 440] (2). 322 - الصدقة بين يدي الصلاة يوم الجمعة: - قال ابن القيم: ( ... ومن ذلك: نسخ وجوب الصدقة بين يدي مناجاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يبطل حكمه بالكلية، بل نسخ وجوبه، وبقي استحبابه والندب إليه، وما علم من تنبيهه وإشارته، وهو أنه: إذا استحبت الصدقة بين _________ (1) «الفتاوى» (24/ 189 - 196)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (77، 121). (2) انظر: «الفتاوى» (24/ 202).
(1/228)
يدي مناجاة المخلوق، فاستحبابها بين يدي مناجاة الله عند الصلوات والدعاء أولى، فكان بعض السلف الصالح يتصدق بين يدي الصلاة والدعاء إذا أمكنه، ويتأول هذه الأولوية. ورأيت شيخ الإسلام ابن تيمية يفعله ويتحراه ما أمكنه، وفاوضته فيه، فذكر لي هذا التنبيه والإشارة) [مفتاح دار السعادة 2/ 387]. - وقال أيضا: (وشاهدت شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ إذا خرج إلى الجمعة يأخذ ما وجد في البيت، من خبز أو غيره، فيتصدق به في طريقه سرًا. وسمعته يقول: إذا كان الله قد أمرنا بالصدقة بين يدي مناجاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فالصدقة بين يدي مناجاته تعالى أفضل، وأولى بالفضيلة) [زاد المعاد 1/ 407]. 323 - نية الاعتكاف لمن قصد المسجد: - قال ابن مفلح: (وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الاعتكاف، ولم يره شيخنا، ويأتي (1) آخر الاعتكاف) [الفروع 2/ 136 (3/ 198)] (2). _________ (1) (رقم: 479). (2) «الاختيارات» للبعلي (169).
(1/229)
باب صلاة العيدين
324 - حكم صلاة العيدين: - قال ابن مفلح: (وهي فرض كفاية، فيقاتل الإمام أهل بلد تركوها؛ وعنه: فرض عين. اختاره شيخنا) [الفروع 2/ 137 (3/ 199)] (1). 325 - قضاء صلاة العيد: - قال ابن مفلح: (ويشترط لصحتها أداءً (2): الاستيطان، وعدد الجمعة؛ فلا تقام إلا حيث تقام. اختاره الأكثر «و: هـ» وعنه: لا، اختاره جماعة «و: م ش» فيفعلها المسافر، والعبد، والمرأة، والمنفرد، وعلى الأولى: يفعلونها تبعًا؛ لكن يستحب أن يقضيها من فاتته ... واختيار شيخنا: لا «و: هـ» وأنه (3) هذه الرواية، لأنه عليه السلام وخلفائه لم يصلوها في سفر) [الفروع 2/ 137 (3/ 199)] (4). 326 - افتتاح خطبة العيد: - قال ابن القيم: (وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء: فقيل: يفتتحان بالتكبير، وقيل: تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، _________ (1) «الفتاوى» (23/ 161؛ 24/ 183)، «الاختيارات» للبعلي (123)، «الصلاة» لابن القيم (44). (2) في ط 1: (إذًا)، والمثبت من ط 2. (3) في ط 1: (وإن)، والمثبت من ط 2. (4) «الفتاوى» (24/ 177 - 186)؛ «الاختيارات» للبعلي (123).
(1/230)
وقيل: يفتتحان بالحمد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصواب، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله: فهو أجذم»، وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله) [زاد المعاد 1/ 448]. - وقال ابن مفلح: (واختار شيخنا: يفتتحها بالحمد) [الفروع 2/ 142 (3/ 205)] (1). وانظر: ما تقدم برقم (311). 327 - التعريف عشية عرفة: 328 - وزيارة القدس للتعريف بها: - قال ابن مفلح: (ولا بأس بالتعريف عشية عرفة بالأمصار. نص عليه «هـ م» وقال: إنما هو دعاء وذكر؛ قيل له: تفعله أنت؟ قال: لا؛ وأول من فعله ابن عباس، وعمرو بن حريث، وعنه: يستحب، وذكره شيخنا .... ولم ير شيخنا زيارة القدس؛ ليقف به، أو عند النحر، ولا للتعريف (2) بغير عرفة، وأنه لا نزاع فيه بين العلماء، وأنه منكر، وفاعله ضال) [الفروع 2/ 150 (3/ 216)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (123). (2) في ط 1 (التعريف) والمثبت من ط 2. (3) «جامع المسائل» (5/ 364 - 365) وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 149)، و «الاختيارات» (124 - 126).
(1/231)
329 - فضل أيام عشر ذي الحجة: انظر: ما تقدم برقم (229)، وما يأتي برقم (472).
(1/232)
باب صلاة الكسوف
330 - الصلاة لكل آية: - قال ابن مفلح: (ولا يصلي صلاة الكسوف لغيره «و: م ش» إلا للزلزلة، في المنصوص عنه، ولكل آية «و: هـ» وذكر شيخنا أن هذا قول محققي أصحاب أحمد وغيرهم، قال: كما دل على ذلك السنن والآثار، ولولا أن ذلك قد يكون سببا لشر وعذاب لم يصح التخويف بذلك، وهذه صلاة رهبة وخوف، كما أن صلاة الاستسقاء صلاة رغبة ورجاء؛ وقد أمر الله تعالى عباده أن يدعوه خوفًا وطمعًا) [الفروع 2/ 155 ــ 156 (3/ 223)] (1). 331 - وقت الكسوف والخسوف: - قال ابن مفلح: (وقيل: إنه لا يتصور كسوف إلا في ثامن وعشرين أو تاسع وعشرين، ولا خسوف إلا في إبدار القمر؛ واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 156 (3/ 223)]. - وقال أيضًا: (وقال ابن عقيل: فإن انكسفت الشمس قبل النصف من الشهر صلينا صلاة الكسوف، ولا نعول على قول المنجمين أن ذلك يختص بالنصف الأخير من الشهر .... وما يحكى عن المنجمين في هذا هو اختيار الشيخ تقي الدين، وبحثه في غير موضع من كلامه) [النكت على المحرر 1/ 173 ــ 175] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (126)، وانظر: «الفتاوى» (24/ 191 - 192، 259، 264). (2) «الفتاوى» (24/ 257، 35/ 175، 25/ 184 - 185)، «الاختيارات» للبعلي (126).
(1/233)
332 - صفة صلاة الكسوف: - قال ابن القيم: (والمنصوص عن أحمد أيضًا أخذه بحديث عائشة وحده: في كل ركعة ركوعان وسجودان؛ قال في رواية المروزي (1): وأذهب إلى أن صلاة الكسوف أربع ركعات، وأربع سجدات، في كل ركعة ركعتان وسجدتان، وأذهب إلى حديث عائشة، أكثر الأحاديث على هذا. وهذا اختيار أبي بكر، وقدماء الأصحاب، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية، وكان يضعّف كل ما خالفه من الأحاديث، ويقول: هي غلط، وإنما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الكسوف مرة واحدة، يوم مات ابنه إبراهيم، والله أعلم) [زاد المعاد 1/ 456] (2). _________ (1) كذا، ولعلها: (المروذي). (2) «الفتاوى» (18/ 17 - 18).
(1/234)
باب الاستسقاء
333 - افتتاح الخطبة بالحمد: انظر: ما تقدم برقم (311) ورقم (326). 334 - التوسل المشروع بالنبي - صلى الله عليه وسلم -: - قال ابن مفلح: (وجعلها شيخنا كمسألة اليمين به، قال: والتوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته، والصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -، وبدعائه وشفاعته، ونحوه مما هو من فعله وأفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع «ع» وهو من الوسيلة المأمور بها في قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]) [الفروع 2/ 159 ــ 160 (3/ 229)] (1). 335 - زيارة القبور للدعاء عندها: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: قصده (2) للدعاء عنده رجاء الإجابة بدعة لا قربة، باتفاق الأئمة. وقال أيضًا: يحرم بلا نزاع بين الأئمة) [الفروع 2/ 160 (3/ 229)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (126 - 127)، وانظر: «قاعدة جليلة» (79)، «الرد على البكري» (1/ 119 - 121). (2) أي: قبر معروف الكرخي. (3) «الاختيارات» للبعلي (127)، وانظر: «الفتاوى» (27/ 115 - 116).
(1/235)
كتاب الجنائز
336 - الاكتحال بميل الذهب والفضة: - قال ابن مفلح: (وذكر أبو المعالي: يجوز اكتحاله بميل ذهب وفضة. وذكره شيخنا، قال: لأنها حاجة، ويباحان لها) [الفروع 2/ 167 (3/ 243] (1). 337 - حكم عيادة المريض: - قال ابن مفلح: (وأوجب أبو الفرج وبعض العلماء عيادته، والمراد: مرة، واختاره الآجري، وفي أواخر «الرعاية»: فرض كفاية، كوجه في ابتداء السلام. ذكره شيخنا، واختاره شيخنا (2)) [الفروع 2/ 175 (3/ 252)] (3). 338 - عيادة المبتدع: - قال ابن مفلح: (من جهر بمعصية مطلقًا مع بقاء إسلامه فهل يسن _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (15). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (في بعض النسخ: «ذكره شيخنا واختاره» فيحتمل أنه اختار كون عيادة المريض فرض كفاية، ويحتمل أن يعود اختياره إلى الوجه في ابتداء السلام، ويحتمل عوده إلى الحكم المذكور في عيادة المريض وابتداء السلام، وهو أنه فرض كفاية أولى، لأنه اختار فيها فرضية الكفاية كما ذكره في «الاختيارات»، قال في «الاختيارات»: واختلف أصحابنا وغيرهم في عيادة المريض وتشميت العاطس وابتداء السلام، والذي يدل عليه النص وجوب ذلك، فيقال: هو واجب على الكفاية) ا. هـ. (3) «الاختيارات» للبعلي (128)، وانظر: «الفتاوى» (27/ 412).
(1/237)
هجره، أم يجب إن ارتدع، أم مطلقًا إلا من السلام، أم ترك السلام فرض كفاية، ويكره لبقية الناس؟ فيه أوجه، وفي تحريم السلام على مبتدع غير مخاصم روايتان، وترك العيادة من الهجر، ونصه: لا يعاد المبتدع. وحرمها في «النوادر»، وعنه: لا يعاد الداعية، واعتبر شيخنا المصلحة في ذلك) [الفروع 2/ 183 ــ 185 (3/ 263 ــ 264)] (1). 339 - شكوى المريض: - قال ابن مفلح: (ذكر شيخنا: أن عمل القلب من التوكل وغيره واجب باتفاق الأئمة، وأن الصبر واجب بالاتفاق. قال: والصبر لا تنافيه الشكوى. قال: والصبر الجميل صبر بغير شكوى إلى المخلوق، والشكوى إلى الخالق لا تنافيه. ومراده: بل شكواه إلى الخالق مطلوبة، كما ذكره في موضع آخر) [الفروع 2/ 177 ــ 178 (3/ 256)]. - وقال أيضا: (وذكر الشيخ تقي الدين ابن تيمية ما ذكر غيره من أن الصبر واجب، قال: والصبر لا تنافيه الشكوى. وقال في «مسألة العبودية»: والصبر الجميل صبر بغير شكوى إلى المخلوق. ثم حكى عن أحمد تركه الأنين لما حكي له عن طاوس كراهته، ثم قال: وأما الشكوى إلى الخالق فلا تنافي الصبر الجميل) [الآداب الشرعية 2/ 278] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (129)، وانظر: «الفتاوى» (28/ 206). (2) «الفتاوى» (10/ 66 - 667؛ 24/ 284)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (128).
(1/238)
340 - الجمع بين الخوف والرجاء: - قال ابن مفلح: (ونصه: ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحدًا. زاد في رواية: فأيهما غلب صاحبه هلك. قال شيخنا: وهذا هو العدل، ولهذا من غلب عليه حال الخوف أوقعه في نوع من اليأس والقنوط: إما في نفسه، وإما في أمور الناس؛ ومن غلب عليه حال الرجاء بلا خوف أوقعه في نوع من الأمن لمكر الله: إما في نفسه، وإما في أمور الناس ... الخ) [الفروع 2/ 179 (3/ 258 ــ 259)] (1). 341 - تغسيل السقط والصلاة عليه: - قال ابن مفلح: (وإذا كمل لسقط (2) ــ بتثليث السين ــ أربعة أشهر ــ نقله الجماعة، وجزم به في «المستوعب»، وقدمه جماعة ــ أو بان فيه خلق إنسان= غُسِّل، وصُلِّي عليه ولو لم يستهل، «و: ق»، ويستحب تسميته، نص عليه. اختاره الخلال وغيره؛ ونقل جماعة: بعد أربعة أشهر، لأنه لا يبعث قبلها، ذكره القاضي وغيره، واختار في «المعتمد» أنه يبعث، وأنه ظاهر كلام أحمد. قال شيخنا: وهو قول كثير من الفقهاء) [الفروع 2/ 210 (3/ 294)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (129). (2) في ط 1: (السقط)، والمثبت من ط 2. (3) قال المنبجي في «تسلية أهل المصائب» (138): (وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصلاة على السقط ما لم ينفخ فيه الروح مبنية على بعثه، وللعلماء فيه قولان، فإن قلنا: إنه يبعث صلي عليه، وإلا لم يصل عليه، والله أعلم. انتهى كلامه) ا. هـ.
(1/239)
342 - خبر: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»: - قال ابن مفلح: (وسئل شيخنا عن هذا الخبر مرفوعًا، قال: لا يصح، وإنما يذكره بعض من صنّف في الرقائق، وذكره البغوي مرفوعًا في قوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]) [الفروع 2/ 216 (3/ 303)] (1). 343 - من أجمع الناس على الثناء عليه وعكسه: - قال ابن مفلح: (ونرجو للمحسن، ونخاف على المسيء، ولا نشهد إلا لمن شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم -. ذكره الأصحاب. وقال شيخنا: أو اتفقت الأمة على الثناء أو الإساءة عليه. ولعل مراده: الأكثر، وأنه الأكثر ديانة. وظاهر كلامه: ولو لم تكن أفعال الميت موافقة لقولهم، وإلا لم تكن علامة مستقلة) [الفروع 2/ 217 (3/ 304)] (2). 344 - تواطؤ الرؤى: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وتواطؤ الرؤيا كتواطؤ الشهادات (3)) [الفروع 2/ 221 (3/ 311)] (4). 345 - كفن الميت ومؤنة تجهيزه: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ومن ظن أن غيره لا يقوم به (5) = تعين _________ (1) انظر: «الفتاوى» (11/ 197). (2) «الاختيارات» للبعلي (129)، وانظر: «الفتاوى» (11/ 65). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي توافق الرؤيا، فإذا توافقت الرؤيا بخير شهد له به، وإن توافقت بشرّ شهد له به) ا. هـ. (4) «الاختيارات» للبعلي (129). (5) في «الاختيارات» للبعلي: (بأمر الميت).
(1/240)
عليه) [الفروع 2/ 223 (3/ 315)] (1). 346 - إذا أشكل على المصلي حال من يصلى عليه من الجنائز: - قال ابن القيم: (وقال شيخنا: كان يشكل عليَّ أحيانا حال من أصلي عليه الجنائز، هل هو مؤمن أو منافق؟ فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فسألته عن مسائل عديدة، منها هذه المسألة، فقال: يا أحمد، الشرط، الشرط. أو قال: علق الدعاء بالشرط) [إعلام الموقعين 3/ 387]. 347 - قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة: - قال ابن القيم: (قال شيخنا: لا تجب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، بل هي سنة) [زاد المعاد 1/ 505]. - وقال ابن مفلح: (والفرض: القيام في فرضها «و»، وظاهره: ولو تكررت إن قيل الثانية فرض «و: ش»؛ والتكبير «و»، فلو نقص تكبيرة عمدًا بطلت، وسهوًا يكبرها ما لم يطل الفصل، وقيل: يعيدها؛ والفاتحة على الأصح فيها «و: ش» وعنه: لا يقرؤها في مقبرة، ولم يوجب شيخنا قراءة، بل استحبها) [الفروع 2/ 242 ــ 243 (3/ 341)] (2). 348 - صلاة الجنازة قدام الإمام: انظر: ما تقدم برقم (288). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (129). (2) «الفتاوى» (21/ 286؛ 22/ 274؛ 24/ 196 - 197)، «الاختيارات» للبعلي (129).
(1/241)
349 - إعادة صلاة الجنازة أكثر من مرة: - قال ابن مفلح: (وفي «الفصول»: لا يصليها مرتين، كالعيد. وقيل: يصلي. اختاره في «الفنون» وشيخنا) [الفروع 2/ 248 (3/ 349)] (1). - وقال أيضا: (وذكر شيخنا: أن بعض أصحابنا ذكر وجهًا: أنها فرض كفاية «و: ش» مع سقوط الإثم بالأولى «ع» ... وقال أيضًا: فروض الكفايات: إذا قام بها رجل سقط، ثم إذا فعل الكل ذلك كان كله فرضًا، ذكره ابن عقيل محل وفاق، لكن لعله إذا فعلوه جميعًا فإنه لا خلاف فيه، وفي فعل البعض بعد البعض وجهان) [الفروع 2/ 249 (3/ 351)] (2). 350 - الصلاة على الغائب: 351 - وتقدير مسافة الغيبة: - قال ابن القيم: (وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يُصلّ عليه فيه، صُلِّي عليه صلاة الغائب، كما صلّى النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي، لأنه مات بين الكفار ولم يُصلَّ عليه، وإن صُلِّي عليه حيث مات لم يُصلَّ عليه صلاة الغائب، لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على الغائب وتركه، وفعله وتركه سنة، وهذا له موضع وهذا له موضع، والله أعلم) [زاد المعاد 1/ 520]. _________ (1) «الفتاوى» (23/ 263، 387 - 388)، «الاختيارات» للبعلي (129). (2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع» (3/ 346): (قوله في الصلاة على الجنازة: «وفي فعل البعض بعد البعض وجهان» انتهى، يعني: هل تكون الصلاة الثانية فرض كفاية أيضا أم لا؟ وهذا من تتمة كلام الشيخ تقي الدين ... الخ) ا. هـ.
(1/242)
- وقال ابن مفلح: (ويصلي الإمام والآحاد ــ نصَّ عليه ــ على الغائب عن البلد مسافة قصر ودونها، في قبلته أو وراءه بالنية. وعنه: لا يجوز «و: هـ م»، وقيل: إن كان صُلِّي عليه، واختاره شيخنا. قال شيخنا: ولا يُصلِّي كلَّ يوم على كلِّ غائب، لأنه لم ينقل. يؤيده قول أحمد: إن مات رجل صالح صُلِّي عليه (1). واحتج بقصة النجاشي، وإطلاق كلام الأصحاب ــ والله أعلم ــ لا يخالفه. قال: ومقتضى اللفظ أن من كان خارج السور، أو ما يقدَّر سورًا يصلَّى عليه، لكن هذا لا أصل له، فلا بد من انفصاله عن البلد بما يُعَدُّ الذهاب إليه نوع سفر. وقد قال القاضي: يكفي خمسون خطوة. قال شيخنا: وأقرب الحدود ما تجب فيه الجمعة، لأنه إذن من أهل الصلاة في البلد، فلا يُعَدُّ غائبًا عنها) [الفروع 2/ 251 ــ 252 (3/ 353 ــ 354)]. - وقال أيضًا: (واختار الشيخ تقي الدين والشيخ شمس الدين ابن عبد القوي أنه إن لم يحضر الغائب من يصلي عليه وجبت الصلاة عليه، وأطلق الغيبة، وظاهره أنه من كان خارج البلد سواء كان مسافة قصر أو دونها، نص عليه، وصرح به جماعة. وقال الشيخ تقي الدين: مقتضى اللفظ أن من كان خارج السور أو خارج ما يقدر سورا= يصلى عليه، بخلاف من كان داخله، لكن هذا لا أصل _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (لأن أحمد لما قيّد بالرجل الصالح دلّ أنّه لا يصلّى مطلقا، بل مع قيد الصلاح) ا. هـ.
(1/243)
له في الشريعة في المذهبين، إذ الحدود الشرعية في مثل هذا: إما أن تكون العبادات التي تجوز في السفر الطويل والقصير، كالتطوع على الراحلة والتيمم والجمع بين الصلاتين على قول، فلا بد أن يكون منفصلا عن البلد بما يعد الذهاب إليه نوع سفر، وقد قال طائفة ــ كالقاضي أبي يعلى ــ: إنه يكفي خمسون خطوة. وإما أن يكون الحد ما تجب فيه الجمعة، وهو مسافة فرسخ، وما سمع منه النداء، وهذا أقرب الحدود، فإنه إذا كان دون فرسخ حيث يسمع النداء ويجب عليه حضور الجمعة كان من أهل الصلاة في البلد، فلا يعد غائبا عنها، بخلاف ما إذا كان فوق ذلك، فإنه بالغائب أشبه. وإما أن يكون الحد ما لا يمكن الذاهب إليه العود في يومه، وهذا يناسب قول من جعل الغائب عن البلد كالغائب عن مجلس الحكم، وإلحاق الصلاة بالصلاة أولى من إلحاق الصلاة بالحكم. فهذه هي المآخذ التي تبنى عليها هذه المسألة .... وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: ما يفعله بعض الناس أنه كل ليلة يصلي على جميع من مات من المسلمين، فلا ريب أنه بدعة، لم يفعله أحد من السلف. قوله: «جانبي البلد» (1) قال الشيخ تقي الدين: القائلون بالجواز من الشافعية والحنابلة قيد محققوهم البلد بالكبير، ومنهم من أطلق ولم يقيد) _________ (1) أي قول صاحب «المحرر»: (فإن صلى بالنية في أحد جانبي البلد على ميت بالآخر لم يجز، وقال ابن حامد: يجوز).
(1/244)
[النكت على المحرر 1/ 199 ــ 200] (1). 352 - اتباع الجنازة: - قال ابن مفلح: (وهو (2) حقٌّ له ولأهله، قال شيخنا: لو قُدِّر لو انفرد لم يستحقَّ هذا الحقَّ ــ لمزاحم، أو لعدم استحقاقه ــ تبعه لأجل أهله إحسانًا إليهم، لتألفٍ، أو مكافأةٍ، أو غيره. وذكر فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الله بن أبيٍّ) [الفروع 2/ 260 (3/ 366)] (3). 353 - القيام للجنازة: - قال ابن مفلح: (ويكره قيامه، وقيام من مرَّت به لها «و»، وعنه: القيام وتركه سواء، وعنه: يستحب، اختاره ابن عقيل وشيخنا) [الفروع 2/ 262 (3/ 368)] (4). 354 - عدم الجلوس حتى توضع الجنازة: - قال ابن القيم: (وكان إذا تبعها لم يجلس حتى توضع، وقال: «إذا تبعتم الجنازة، فلا تجلسوا حتى توضع». قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: والمراد وضعها بالأرض) [زاد المعاد 1/ 518] (5). _________ (1) «جامع المسائل» (4/ 174 - 182)، «الاختيارات» للبعلي (130 - 131). (2) أي: اتباع الجنازة. (3) «الاختيارات» للبعلي (131). (4) «الاختيارات» للبعلي (132)، وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 205). (5) انظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 205).
(1/245)
355 - رفع الصوت مع الجنازة: - قال ابن مفلح: (ويسنُّ الذكر والقراءة سرًّا، وإلا الصمت، ويكره رفع الصوت ولو بالقراءة اتفاقًا. قاله شيخنا) [الفروع 2/ 263 (3/ 369)] (1). 356 - ضرب النساء بالدف عند الجنازة: - قال ابن مفلح: (وضرب النساء بالدُّف منكرٌ، منهيٌّ عنه اتفاقًا، قاله شيخنا - رحمه الله -) [الفروع 2/ 264 (3/ 371)] (2). 357 - إذا شهد الجنازة فرأى فيها منكرا: - قال ابن القيم: (وقد نصَّ الإمام أحمد على أنَّ الرجل إذا شهد الجنازة فرأى فيها منكرا لا يقدر على إزالته= أنَّه لا يرجع، ونصَّ على أنَّه إذا دُعي إلى وليمة عرس فرأى فيها منكرا لا يقدر على إزالته= أنَّه يرجع، فسألتُ شيخنا عن الفرق، فقال: لأنَّ الحق في الجنازة للميت، فلا يترك حقه لما فعله الحي من المنكر، والحق في الوليمة لصاحب البيت، فإذا أتى فيها بالمنكر فقد أسقط حقه من الإجابة) [إعلام الموقعين 4/ 209] (3). 358 - البناء في المقبرة المسبَّلة: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: من بنى ما يختصُّ به فيها فهو غاصب، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم) [الفروع 2/ 273] (4). _________ (1) «الفتاوى» (24/ 293 - 294)، «الاختيارات» للبعلي (132). (2) «الاختيارات» للبعلي (132)، وانظر: «الاستقامة» (1/ 324). (3) انظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (251)، «الاختيارات» للبعلي (132). (4) «الاختيارات» للبعلي (132).
(1/246)
359 - البناء على القبر: 360 - والصلاة عند القبر: - قال ابن مفلح: (ويحرم إسراجها، واتخاذ المسجد عليها، وبينها (1)، وذكره بعضهم «و»، قال شيخنا: يتعين إزالتها، لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين. قال: ولا تصح الصلاة فيها، على ظاهر المذهب، للنهي واللعن، وليس فيها خلاف، لكون المدفون فيها واحدًا، وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد، هل حدها ثلاثة أقبر، أو ينهى عن الصلاة عند القبر الفذ؟ على وجهين) [الفروع 2/ 273 (3/ 381)] (2). 361 - مراتب الدعاء عند القبر: - قال ابن القيم: (قال شيخنا ــ قدس الله روحه ــ: وهذه الأمور المتبدعة عند القبور مراتب: أبعدها عن الشرع: أن يسأل الميت حاجته، ويستغيث به فيها؛ كما يفعله كثير من الناس. قال: وهؤلاء من جنس عُبَّاد الأصنام، ولهذا: قد يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت أو الغائب، كما يتمثل لعُبَّاد الأصنام، وهذا يحصل للكفار من المشركين وأهل الكتاب، يدعو أحدهم من يعظمه، فيتمثل له الشيطان أحيانًا، وقد يخاطبهم ببعض الأمور الغائبة، وكذلك السجود للقبر، والتمسح به وتقبيله (3). _________ (1) في ط 1: (وبنيها)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 96). (2) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 187)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (67). (3) في «تلخيص الاستغاثة»: (وأما السجود للميت أو للقبر فهو أعظم، وكذلك تقبيله).
(1/247)
المرتبة الثانية: أن يسأل الله عز وجل به، وهذا يفعله كثير من المتأخرين، وهو بدعة باتفاق المسلمين. الثالثة: أن يسأله نفسه. الرابعة: أن يظن أن الدعاء عند قبره مستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد؛ فيقصد زيارته والصلاة عنده: لأجل طلب حوائجه. فهذا أيضًا من المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين، وهي محرمة؛ وما علمت في ذلك نزاعا بين أئمة الدين، وإن كان كثير من المتأخرين يفعل ذلك، ويقول بعضهم: قبر فلان ترياق مجرب. والحكاية المنقولة عن الشافعي أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبي حنيفة من الكذب الظاهر) [إغاثة اللهفان 1/ 336 ــ 337 (1/ 245 ــ 246)] (1). 362 - الدعاء للميت عند القبر بعد الدفن واقفا: - قال ابن مفلح: (يستحب الدعاء له (2) عند القبر بعد الدفن، نص عليه، فعله أحمد جالسًا، قال أصحابنا وشيخنا: يستحبُّ وقوفه) [الفروع 2/ 274 (3/ 382)] (3). 363 - تلقين الميت بعد دفنه: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: تلقينه بعد دفنه مباح عند أحمد وبعض _________ (1) بعض هذا الكلام موجود في «تلخيص الاستغاثة» (1/ 145 - 146) مع اختلاف واختصار، وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 689 - 693). (2) (له) ليست في ط 1 ولا النسخة الخطية (ص: 96)، وأثبتت من ط 2. (3) «الفتاوى» (24/ 330)، «الاختيارات» للبعلي (133).
(1/248)
أصحابنا. واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 276 (3/ 384)] (1). 364 - تلقين غير المكلف: - قال ابن مفلح: (وفي تلقين غير المكلف وجهان ــ بناءً على نزول الملكين، وسؤاله، وامتحانه ــ: النفي، قول القاضي وابن عقيل «و: ش»؛ والإثبات، قول أبي حكيم وغيره، وحكاه ابن عبدوس عن الأصحاب، قال شيخنا: وهو أصح. واحتجَّ بما رواه مالك وغيره: عن أبي هريرة ــ وروي مرفوعًا ــ: أنه صلَّى على طفل لم يعمل خطيئة قط، فقال: اللهم قه عذاب القبر، وفتنة القبر. ولا حجة فيه للجزم بنفي التعذيب، فقد يكون أبو هريرة يرى الوقف فيه (2)) [الفروع 2/ 276 (3/ 384 ــ 385)] (3). 365 - دفن أكثر من ميت في قبر واحد: - قال ابن مفلح: (ويحرم دفن اثنين فأكثر في قبر، نص عليه. وعنه: يكره، اختاره ابن عقيل وشيخنا وغيرهما) [الفروع 2/ 277 (3/ 386)]. - وقال أيضا: (والذي وجدت في كلام الشيخ تقي الدين القطع بالكراهة (4)) [النكت على المحرر 1/ 206] (5). _________ (1) «الفتاوى» (24/ 296 - 299)، «الاختيارات» للبعلي (133). (2) في ط 1 والنسخة الخطية (ص: 96): (فيهم)، والمثبت من ط 2. (3) «الاختيارات» للبعلي (134)، وانظر: «الفتاوى» (4/ 277 - 278، 280 - 281). (4) أي كراهة أن يدفن في القبر أكثر من واحد. (5) «جامع المسائل» (4/ 207)، «الاختيارات» للبعلي (134).
(1/249)
366 - حكم الصبر: 367 - وحكم الحزن: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: عمل القلب كالصبر والتوكل والخوف والرجاء وما يتبع ذلك واجبٌ باتفاق الأئمة الأربعة. قال: ولم يأمر الشرع بالحزن، بل نهى عنه في مواضع، وإن تعلق بأمر الدين، لكن لا يذم ولا يحمد عليه لمجرده) [الفروع 2/ 286 (3/ 397)] (1). وانظر ما سبق تحت الرقم: (339). 368 - الرضا بأقدار الله: - قال ابن القيم: (ومن منازل «إياك نعبد وإياك نستعين» منزلة الرضا، وقد أجمع العلماء على أنه مستحب، مؤكد استحبابه، واختلفوا في وجوبه على قولين، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ يحكيهما على قولين لأصحاب أحمد، وكان يذهب إلى القول باستحبابه. قال: ولم يجئ الأمر به كما جاء الأمر بالصبر، وإنما جاء الثناء على أصحابه ومدحهم. وقال: وأما ما يروى من الأثر: «من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سوائي» فهذا أثر إسرائيلي، ليس يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) [مدارج السالكين 2/ 178] (2). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (10/ 6، 16)، «الاختيارات» للبعلي (128). (2) انظر: «الفتاوى» (10/ 40 - 41)، «منهاج السنة»: (3/ 204 - 205).
(1/250)
- وقال ابن مفلح: (ويحرم الرضا بما فعله العبد من كفر ومعصية، ذكره ابن عقيل إجماعًا، وذكر شيخنا وجهًا: يرضى (1) بذلك، لأنها من المقضي، قال: وقيل: يرضى بها من وجه كونها خلقًا لله، لا من جهة كونها فعلا للعبد (2). قال: وكثير من النساك والصوفية ومن أهل الكلام حيث رأوا أن الله خالق كل شيء وربه= اعتقدوا أن ذلك يوجب الرضا والمحبة لكلِّ ذلك، حتى وقعوا في قول المشركين: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148] الآية، وغفلوا عن كون الخالق نهى عن ذلك وأبغضه، وسبب ذلك: اشتباه مسألة الشرع والقدر، ويتمسكون بالإجماع على الرضا بقضاء الله، وهذا كلام مجمل يتمسك به القدرية المشركيّة، وأمَّا القدرية المجوسيّة فنفوا أن الله قدّره وقضاه، وإلا للزم الرضا به (3)، والرضا بالكفر كفر بالإجماع. _________ (1) في ط 1: (لا يرضى)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 97)، ولكنه أشار في هامشها إلى أنه وقع في نسخة (لا يرضى). وقال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (في بعض النسخ: «وجها: لا يرضى»، وفي بعضها: «يرضى» بحذف «لا»، وهو الموافق للتعليل الذي بعده، وهو قوله: «لأنه من المقضي»، وعلى هذا يكون هذا الوجه موافقا للقول الأول الذي حكاه عن كثير من النساك والصوفية من أهل الكلام، حيث رأوا أن الله تعالى خالق كل شيء وربه، اعتقدوا أن ذلك يوجب الرضى والمحبة بكل ذلك، وقد ذم الشيخ أهل هذا القول) ا. هـ. (2) انظر: «الفتاوى» (10/ 42). (3) في ط 1: (الرضا بكل مقضي به)، والمثبت من ط 2، ووقع هنا سقط في النسخة الخطية (ص: 97) بمقدار سطر.
(1/251)
قال: والتحقيق أنه ليس في الكتاب والسنة نصٌّ يأمر فيه بالرضا بكلِّ مقضيٍّ، ولا قاله أحد من السلف، وأمَّا ما في كلام العلماء والآثار من الرضى بالقضاء= فإنما أرادوا ما ليس من فعل العباد، ولأنه إذا لم يجب الصبر على ذلك ــ بل تجب إزالته بحسب الإمكان ــ فالرضا أولى. ثم ذكر شيخنا: أنه إذا نظر إلى إحداث الرب لذلك، للحكمة التي يحبها ويرضاها، رضي لله بما رضيه لنفسه، فيرضاه ويحبه مفعولًا مخلوقًا لله، ويبغضه ويكرهه فعلًا للمذنب المخالف لأمر الله، وهذا كما نقول فيما خلقه من الأجسام الخبيثة. قال: فمن فهم هذا الموضع: انكشف له حقيقة هذا الأمر الذي حارت فيه العقول. والله أعلم) [الفروع 2/ 287 ــ 288 (3/ 398)] (1). - وقال أيضا: (وذكر الشيخ تقي الدين: أن الرضا بالقضاء ليس بواجب في أصَحِّ قولي العلماء، إنما الواجب الصبر. وذكر في كتاب «الإيمان»: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15] فلم يحصل لهم ريب عند المحن التي تقلقل الإيمان في القلوب، والريب يكون في علم القلب وعمله، بخلاف الشك، فإنه لا يكون إلا في العلم، فلهذا لا يُوصف باليقين إلا من اطمأن قلبه عِلمًا وعملًا، وإلا فإذا كان عالمًا بالحق ولكن المصيبة أو الخوف أورثه جزعًا عظيمًا لم يكن صاحب يقين) [الآداب الشرعية 1/ 29] (2). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (8/ 549؛ 10/ 682 - 686). (2) «الإيمان» (فتاوى ــ 7/ 281).
(1/252)
369 - البكاء على الميت: - قال ابن القيم: (وقد ذكر في مناقب الفضيل بن عياض: أنه ضحك يوم مات ابنه علي، فسُئل عن ذلك؟ فقال: إن الله تعالى قضى بقضاء، فأحببت أن أرضى بقضائه. وهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكمل وأفضل، فإنه جمع بين الرضا بقضاء ربه تعالى، وبين رحمة الطفل، فإنه لما قال له سعد بن عبادة: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «هذه رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء». والفضيل ضاق عن الجمع بين الأمرين، فلم يتسع للرضا بقضاء الرب وبكاء الرحمة للولد. هذا جواب شيخنا ابن تيمية وسمعته منه) [تحفة المودود 96]. - وقال أيضا: (بعض العارفين يوم مات ولده جعل يضحك، فقيل له: أتضحك في هذه الحالة؟ قال: إن الله تعالى قضى بقضاء، فأحببت أن أرضى بقضائه. فأشكل هذا على جماعة من أهل العلم، فقالوا: كيف يبكي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم مات ابنه إبراهيم، وهو أرضى الخلق عن الله، ويبلغ الرضى بهذا العارف إلى أن يضحك؟! فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم - كان أكمل من هدي هذا العارف، فإنه أعطى العبودية حقها فاتسع قلبه للرضى عن الله، ولرحمة الولد والرقّة عليه، فحمد الله ورضي عنه في قضائه، وبكى رحمة ورأفة، فحملته الرأفة على البكاء، وعبوديته لله ومحبته له على الرضى
(1/253)
والحمد، وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الأمرين، ولم يتسع باطنه لشهودهما والقيام بهما، فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة والرأفة) [زاد المعاد 1/ 499]. - وقال ابن مفلح: (قال جماعة: والصبر عنه أجمل، وذكر شيخنا: أنه يستحب، رحمة للميت، وأنه أكمل من الفرح، كفرح الفضيل لما مات ابنه علي) [الفروع 2/ 290 (3/ 401)] (1). - وقال أيضا: (وذكر الشيخ تقي الدين في «التحفة العراقية» أن البكاء على الميت على وجه الرحمة مُستحب، وذلك لا ينافي الرضا بقضاء الله، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه، وبهذا يُعرف معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بكى على الميت وقال: «هذه رحمةٌ جعلها الله في قلوب عباده». وأن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظه لا لرحمةِ الميت. وأن الفضيل لما مات ابنه ضحك، وقال: رأيت أن الله قد قضى، فأحببت أن أرضى بما قضى الله به. حاله حال حَسَنٌ بالنسبة إلى أهل الجزع، فأما رحمةُ الميت والرضا بالقضاء وحمد الله كحال النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا أكمل. وقال في «الفرقان»: والصبر واجب باتفاق العقلاء ... ثم ذكر في الرضا قولين، ثم قال: وأعلى من ذلك أن يشكر الله على المصيبة لما يرى من إنعام الله عليه بها) [الآداب الشرعية 1/ 30] (2). _________ (1) «الفتاوى» (10/ 47)، «الاختيارات» للبعلي (134 - 135). (2) «التحفة العراقية» (الفتاوى ــ 10/ 47)؛ «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان» (الفتاوى ــ 11/ 260).
(1/254)
370 - تأذي الميت ببكاء الحي: - قال ابن القيم: ( ... ولا تحتاج هذه الأحاديث (1) إلى شيء من هذه التكلفات، وليس فيها بحمد الله إشكال، ولا مخالفة لظاهر القرآن، ولا لقاعدة من قواعد الشرع، ولا تتضمن عقوبة الإنسان بذنب غيره، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: إن الميت يعاقب ببكاء أهله عليه ونوحهم، وإنما قال: يعذب بذلك. ولا ريب أن ذلك يؤلمه ويعذبه، والعذاب: هو الألم الذي يحصل له، وهو أعم من العقاب، والأعم لا يستلزم الأخص. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «السفر قطعة من العذاب» وهذا العذاب: يحصل للمؤمن والكافر، حتى إن الميت ليتألم بمن يعاقب في قبره في جواره، ويتأذى بذلك، كما يتأذى الإنسان في الدنيا بما يشاهده من عقوبة جاره. فإذا بكى أهل الميت عليه البكاء المحرم ــ وهو البكاء الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، والبكاء على الميت عندهم اسم لذلك، وهو معروف في نظمهم ونثرهم ــ: تألم الميت بذلك في قبره، فهذا التألم: هو عذابه بالبكاء عليه. وهذه طريقة شيخنا في هذه الأحاديث، وبالله التوفيق) [عدة الصابرين 139]. - وقال ابن مفلح: (وجاءت الأخبار المتفق على صحتها: بتعذيب الميت بالنياحة والبكاء عليه. فحمله ابن حامد: على من (2) أوصى به؛ لأن _________ (1) أي: أحاديث: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه». (2) في ط 1: (على ما إذا)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 98)، وأشار في هامشها إلى أنه وقع في نسخة: (ما إذا).
(1/255)
عادة العرب الوصيَّة بفعله، فخُرِّج على عادتهم. وفي «شرح مسلم»: هو قول الجمهور. وهو ضعيفٌ، فإن سياق الخبر يخالفه ... وحمله الأثرم على من كذَّب به حين (1) يموت. وقيل: يتأذَّى بذلك مطلقًا، واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 291 (3/ 402)] (2). 371 - ما يهيج المصيبة: - قال ابن مفلح: (وما هيّج المصيبة من وعظ وإنشاد شعرٍ فمن النياحة. قاله شيخنا) [الفروع 2/ 291 (3/ 403)] (3). 372 - الذبح والتضحية عند القبر: - قال ابن مفلح: (وحرَّم شيخنا الذبح والتضحية عنده) [الفروع 2/ 298 (3/ 410)] (4). 373 - زيارة قبر المشرك: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: تجوز زيارته (5) للاعتبار. وقال: ولا _________ (1) في ط 1: (حتى)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 98). (2) «الفتاوى» (24/ 369 - 370)، «الاختيارات» للبعلي (135)، وانظر: «الفتاوى» (18/ 142)، «جامع المسائل» (3/ 138 - 140). (3) «جامع المسائل» (3/ 135)، «الاختيارات» للبعلي (135). (4) «الاختيارات» للبعلي (135)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 306؛ 27/ 495)، «جامع المسائل» (151 - 152). (5) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: على قبر المشرك) ا. هـ.
(1/256)
يمنع الكافر زيارة قريبه المسلم) [الفروع 2/ 299 (3/ 412)] (1). 374 - معرفة الميت بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: استفاضت الآثار بمعرفته بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا، وأن ذلك يعرض عليه، وجاءت الآثار: بأنه يرى أيضًا، وبأنه يدري بما يفعل عنده، ويسر بما كان حسنًا، ويتألم بما كان قبيحًا. وكان أبو الدرداء يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملًا أخزى به عند عبد الله بن رواحة. وهو ابن عمه. ولما دفن عمر عند عائشة: كانت تستتر منه، وتقول: إنما كان أبي وزوجي، وأما عمر: فأجنبيٌّ. تعني: أنه يراها) [الفروع 2/ 302 (3/ 416)] (2). 375 - قراءة القرآن على القبر: - قال ابن مفلح: (لا تكره القراءة على القبر، وفي المقبرة، نص عليه، اختاره أبو بكر والقاضي وجماعة، وهو المذهب «و: ش»، وعليه العمل عند مشايخ الحنفية، فقيل: تباح، وقيل: تستحب، قال ابن تميم: نصَّ عليه، كالسلام، والذكر والدعاء والاستغفار. وعنه: لا تكره وقت دفنه. وعنه: تكره. اختاره عبد الوهاب الوراق، وأبو حفص «و: هـ م»، قال شيخنا: نقلها الجماعة، و [هي] (3) قول جمهور السلف، وعليها قدماء أصحابه. وسمّى _________ (1) انظر: «الفتاوى» (27/ 165، 377). (2) «الاختيارات» للبعلي (135 - 136)، وانظر: «الفتاوى» (24/ 363 - 365؛ 368، 374). (3) في ط 1 والنسخة الخطية (ص: 100): (وهو)، والمثبت من ط 2.
(1/257)
المَرُّوذِي ... وعنه: بدعة، لأنه ليس من فعله عليه السلام وفعل أصحابه، فعلم أنه محدث، وسأله عبد الله: يحمل مصحفا إلى القبر فيقرأ عليه؟ قال: بدعة. قال شيخنا: ولم يقل أحد من العلماء المعتبرين أنَّ القراءة عند القبر أفضل، ولا رخَّص في اتخاذه عيدًا كاعتياد القراءة عنده في وقت معلوم، أو الذكر، أو الصيام. قال: واتخاذ المصاحف عندها، ولو للقراءة (1) بدعةٌ، ولو نفع الميت لفعله السلف، بل هو كالقراءة في المساجد (2) عند السلف، ولا أجر للميت بالقراءة عنده كمستمع (3). وقال أيضًا: من قال: إنه ينتفع بسماعها دون ما إذا بعد القارئ= فقوله باطلٌ، مخالفٌ للإجماع. كذا قال) [الفروع 2/ 304 ــ 305 (3/ 420 ــ 421)] (4). _________ (1) في ط 1 زيادة: (فيها). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: لا نقول إنه ينتفع بالقراءة عنده أكثر من انتفاعه بها في المساجد، بل القراءة عنده وفي المساجد سواء، هذا ظاهر كلامه، لقوله: «بل هو كالقراءة في المساجد») ا. هـ. (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الذي يظهر أن مراده أنه لا يقال: له أجر بالقراءة، كما نقول في المستمع له أجر، بخلاف الميت على هذا القول) ا. هـ. (4) «الاختيارات» للبعلي (136)، وانظر: «الفتاوى» (24/ 300 - 302)، «اقتضاء الصراط» (2/ 261 - 266).
(1/258)
376 - إهداء ثواب العتق للميت: 377 - ومشاركة المهدي له في الأجر: - قال ابن مفلح: (كل قربة فعلها المسلم، وجعل ثوابها للمسلم: نفعه ذلك، وحصل له الثواب، كالدعاء «ع»، والاستغفار «ع»، وواجب تدخله النيابة «ع»، وصدقة التطوع «ع»، وكذا العتق، ذكره القاضي وأصحابه أصلًا، وذكره أبو المعالي وشيخنا «ع») [الفروع 2/ 307 (3/ 423)] (1). - وقال أيضا: (ثم له (2) مثل أجره، لخبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا (3)، رواه حرب، وقال شيخنا: أو أكثر) [الفروع 2/ 310 (3/ 427)]. _________ (1) «الفتاوى» (24/ 366 - 367)، «جامع المسائل» (3/ 133)، «الاختيارات» للبعلي (137). (2) أي: المُهدي. (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يحتمل أن مراده بخبر عمرو ما استدلّ به على مثل هذه المسألة، وهو: «من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا») ا. هـ. هذا الحديث رواه الترمذي (2677) وابن ماجه (209) من رواية كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده، وليس هو المراد، وإنما المراد ــ والله أعلم ــ ما ذكره ابن مفلح في «النكت على المحرر» (1/ 210 - 211) قال: (والأولى أن يقال: المهدي ينقل ثواب عمله إلى المهدى إليه، وللمهدي الأجر على هذا الإحسان والصدقة والهدية، ولا يلزم أن يكون مثل ثواب عمله إلا أن يصح ما رواه حرب في «مسائله» بإسناده عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما على أحدكم إذا أراد أن يتصدق بصدقة تطوعا أن يجعلها عن والديه إذا كانا مسلمين فيكون لوالديه أجرها وله مثل أجورهما من غير أن ينقص من أجورهما شيئا») ا. هـ.
(1/259)
378 - إهداء العمل للميت: 379 - وإهداؤه للنبي - صلى الله عليه وسلم -: - قال ابن القيم: (وقالت طائفة أخرى: القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره، وإنما نفى ملكه لغير سعيه، وبين الأمرين من الفرق ما لا يخفى، فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يملك إلا سعيه، وأما سعي غيره فهو ملك لساعيه، فإن شاء أن يبذله لغيره، وإن شاء أن يبقيه لنفسه، وهو سبحانه وتعالى لم يقل: لا ينتفع إلا بما سعى، وكان شيخنا يختار هذه الطريقة ويرجِّحها) [الروح 320]. - وقال ابن مفلح: (وقال شيخنا: لم يكن من عادة السلف إهداء ذلك إلى موتى المسلمين، بل كانوا يدعون لهم، فلا ينبغي الخروج عنهم. ولهذا لم يره شيخنا لمن له كأجر العامل، كالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومعلم الخير، بخلاف الوالد، لأن له أجرًا لا كأجر الولد، لأن العامل يثاب على إهدائه، فيكون له أيضًا مثله، فإن جاز إهداؤه فهلم جرًّا، وتسلسل (1) ثواب العمل الواحد ــ وإن لم يجز ــ فما الفرق بين عمل وعمل (2)؟ وإن قيل: يحصل ثوابه مرتين للمهدى إليه، ولا يبقى للعامل ثواب، فلم يشرع الله لأحد أن ينفع غيره في الآخرة بلا (3) منفعة له في الدارين، _________ (1) في ط 1: (ويتسلسل)، والمثبت من ط 2. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: إن قيل: يجوز إهداء العمل الأول، ولم يجز إهداء الثاني، فما الفرق بينهما؟) ا. هـ. (3) في ط 1: (ولا)، والمثبت من ط 2.
(1/260)
فيتضرر، ولا يلزم دعاؤه له ونحوه، لأنه مكافأة له كمكافأته لغيره، ينتفع به المدعو له، وللعامل أجر المكافأة، وللمدعو له مثله، فلم يتضرر، ولم يتسلسل، ولا يقصد أجره إلا من الله. وذكر أيضًا: أن أقدم من بلغ أنه أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم -: علي بن الموفق، أحد الشيوخ المشهورين من طبقة أحمد وشيوخ الجنيد) [الفروع 2/ 311 (3/ 428 ــ 429)] (1). - وقال أيضًا: (وذكر الشيخ تقي الدين في «فتاويه»: أنه لم يكن من عادات السلف إهداء ثواب ذلك إلى موتى المسلمين، بل كان عادتهم أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها، وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات، كما أمر الله بذلك، يدعون لأحيائهم وأمواتهم، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف، فإنه أفضل وأكمل. انتهى) [النكت على المحرر 1/ 212] (2). 380 - جمع أهل المصيبة الناس على طعام: 381 - والاجتماع لقراءة القرآن وإهدائه للميت: 382 - وقراءة القرآن عند الدفن واكتراء من يفعل ذلك وحكم الوصية به: - قال ابن مفلح: (وسبق الجلوس للتعزية وصنعة الطعام، وهو صادق على ما قاله شيخنا: جمع أهل المصيبة الناس على طعام ليقرءوا ويهدوا له _________ (1) «جامع المسائل» (4/ 254 - 255 و 256 - 276). (2) «الفتاوى» (24/ 322 - 323) باختصار، وفي «جامع المسائل» (4/ 198 - 200)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (137 - 138).
(1/261)
ليس معروفًا في السلف ــ والصدقة أولى منه، لاسيما على من ينتفع به على (1) مصلحة عامة، كالقراء ونحوهم ــ فإنه قد كرهه طوائف من العلماء من غير وجه، وقرب دفنه منهي عنه، وعدّه السلف من النياحة ... وذكر خبر جرير السابق (2)، وهذا في المحتسب، فكيف من يقرأ بالكراء؟! واكتراء من يقرأ ويهديه للميت بدعة، لم يفعلها السلف، ولا استحبها الأئمة، والفقهاء تنازعوا في جواز الاكتراء على تعليمه، فأما اكتراء من يقرأ ويهديه فما علمت أحدًا ذكره، ولا ثواب له، فلا شيء للميت، قاله العلماء. قال: ولا تنفذ وصيته بذلك، والوقف على القراء والعلماء أفضل من الوقف عليه، اتفاقًا، وللواقف كأجر العامل، وهو داخل في قوله عليه السلام «من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا». لأن ذلك سعيٌّ في سنته. وقال أيضًا: الوقف على الترب بدعة. وقال أيضًا: فيها مصلحة الحضِّ على بقاء حفظه وتلاوته، وفيها مفاسد: من القراءة لغير الله، واشتغاله به عن القراءة المشروعة، والتأكل به، فمتى أمكن تحصيل هذه المصلحة بدونه: فالواجب المنع منه وإبطاله. وشرط إهداء القراءة ينبني على إهداء ثواب العبادة البدنية، فمن لم _________ (1) في ط 1: (في)، والمثبت من ط 2. (2) يشير إلى قول جرير: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعتهم الطعام للناس من النياحة.
(1/262)
يجوّزه أبطله، ومن جوّزه فإنه إذا كان عبادة، وهي ما قصد به وجه الله، فأما بإجارة وجعالة فلا تكون قربة، وإن جاز أخذ الأجر والجعل عليه. ثم ذكر الخلاف في أجرة تعليم ونحوه. فقد حكم بعدم الصحة لما قال: لا تنفذ وصيته فيه، وأن الوقف عليه بدعة، وفي كلامه الأخير: إن أمكن تحصيل المصلحة المذكورة لم يصح، وإلا صح، ولا إهداء، لعدم الثواب، فعلى هذا يصح لتحصيل المصلحة المذكورة ولا يهدي شيئا (1)) [الفروع 2/ 312 ــ 313 (3/ 431 ــ 432)] (2). وانظر: الفقرة التالية. _________ (1) ومما يبين موقف شيخ الإسلام من هذه المسألة قوله: ( ... فإعانة المسلمين على تلاوة القرآن وتبليغِه بالمال ونحوه حسن مشروع، ولهذا لما تغير الناس وصاروا يفعلون بدعة ويتركون شرعة، وفي البدعة مصلحة ما، إن تركوها ذهبت المصلحة ولم يأتوا بالمشروع، صار الواجب أمرهم بالمشروع المصلح لتلك المصلحة، مع النهي عن البدعة، وإن لم يمكن ذلك فُعل ما يمكن وقُدِّم الراجح، فإذا كانت مصلحة الفعل أهم لم يُنه عنه لما فيه من المفسدة إلا مع تحصيل المصلحة، وإن كانت مفسدته أهم نُهي عنه، وهذه الوقوف التي على التُّرَب فيها من المصلحة بقاء حفظ القرآن وتلاوته، وكون هذه الأموال معونةً على ذلك وخاصةً عليه، إذ قد يَدرُسُ حفظُ القرآن في بعض البلاد بسبب عدم الأسباب الحاملة عليه، وفيها مفاسدُ أُخَر: من حصولِ القراءة لغير الله، والتآكل بالقرآن، وقراءتِه على غير الوجه المشروع، واشتغال النفوس بذلك عن القراءة المشروعة، فمتى أمكن تحصيل هذه المصلحة بدون ذلك فالواجب النهيُ عن ذلك والمنع منه وإبطالُه، وإن ظنّ حصول مفسدة أكثر من ذلك لم يدفع أدنى الفسادين باحتمال أعلاهما) ا. هـ من «جامع المسائل» (3/ 134). (2) انظر: «الفتاوى» (24/ 300، 314 - 317)، «جامع المسائل» (3/ 138 - 140)، «الاختيارات» للبعلي (137 - 138).
(1/263)
383 - وصية الميت أن يصلى عنه نافلة بأجرة: 384 - ووصيته بشراء وقف ينفق منه على من يقرأ عليه: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: لو وصَّى أن يصلَّى عنه نافلة بأجرة لم يجز أن يصلَّى عنه، باتفاق الأئمة. كذا قال، وهي كالقراءة ... قال: ويتصدق بها على أهل الصلاة، فيكون له أجر كلِّ صلاة استعانوا عليها بها، من غير نقص أجر المصلي (1). ولعل مراده: إذا أراد الورثة ذلك. وقال فيمن وصَّى بشراء وقف على مَنْ يقرأ عليه: يصرف في جنس المنفعة، كإعطاء الفقراء في القراءة (2)، أو في غير ذلك من المصالح. ففي التي قبلها اعتبر جنس المنفعة، وهنا جوّزه في المصالح، فهو كاختلاف الرواية في الصدقة بفاضل ريع الوقف، هل يعتبر جنس المنفعة أم يجوز في المصالح، والله أعلم) [الفروع 2/ 315 (3/ 434)] (3). وانظر: المسألة السابقة. 385 - جعل المصاب على رأسه علامة يعرف بها ليعزى: - قال ابن القيم: (وأما قول كثير من الفقهاء ــ من أصحابنا وغيرهم ــ: _________ (1) «الفتاوى» (30/ 203). (2) في ط 1: (والقراء)، والمثبت من ط 2. (3) انظر: «الاختيارات» للبعلي (138).
(1/264)
لا بأس أن يجعل المصاب على رأسه ثوبا يعرف به، قالوا: لأن التعزية سنة، وفي ذلك تيسير لمعرفته حتى يعزيه، ففيه نظر، وأنكره شيخنا) [عدة الصابرين 129 ــ 130] (1). _________ (1) «جامع المسائل» (4/ 150).
(1/265)
كتاب الزكاة
386 - تاريخ فرض الزكاة: - قال ابن مفلح: (اختلف العلماء: هل فرضت بمكة أو بالمدينة؟ وفي ذلك آيات، واختلفوا في آية الذاريات: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} [الذريات: 19] هل المراد به الزكاة؟ ويتوجه أنه الزكاة، لقوله في آية سأل: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] والمعلوم إنما هو الزكاة، لا التطوع. وذكر صاحب «المغني» و «المحرر» وشيخنا: أنها مدنية. ولعل المراد: طلبها، وبعث السعاة لقبضها، فهذا بالمدينة) [الفروع 2/ 316 (3/ 437)] (1). 387 - اشتراط تمام ملك النصاب لوجوب الزكاة: - قال ابن مفلح: (ويعتبر تمام ملك النصاب في الجملة «و»، فلا زكاة في دين الكتابة «و» لعدم استقرارها، ولهذا لا يصح ضمانها، وفيه رواية، فدل على الخلاف هنا، ولا في دين مؤجل، أو على معسر، أو مماطل، أو جاحدٍ قبضْه (2)، ومغصوب، ومسروق، ومعرَّف، وضالٍّ رجع، وما دفنه _________ (1) قال شيخ الإسلام ــ كما في «الفتاوى» (7/ 606) ــ: ( ... وأمروا بالزكاة والإحسان في مكة أيضا؛ ولكن فرائض الزكاة ونصبها إنما شرعت بالمدينة) ا. هـ. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (فدلّ أنه يشترط لوجوب الزكاة قبضه، فلو تعذر قبضه في هذه الصور فلا زكاة على رواية وجوب الزكاة، ولهذا قال عند ذكر الرواية الثالثة ــ وهي رواية الوجوب ــ: «فيزكي ذلك إذا قبضه»، وكذلك قوله: «ومغصوب ومسروق ومعرّف وضالّ رجع» فلو لم يرجع المغصوب لتعذره، والمسروق والمعرف، مثل إن عرّف الملتقط اللقطة ولم يعرف ربها، أو ضلّ المال عن ربِّه ولم يرجع إليه، فمفهومه: لا زكاة، كما أشار إليه في رواية بقوله: «إذا قبضه») ا. هـ.
(1/267)
ونسيه، وموروث، أو غيره جهله، أو جهل عند من هو، في رواية صحّحها صاحب «التلخيص» وغيره، ورجّحها بعضهم، واختارها ابن شهاب وشيخنا) [الفروع 2/ 323 (3/ 447)] (1). 388 - زكاة الأجرة: - قال ابن مفلح: (وعنه: لا حول لأجرة (2). اختاره شيخنا) [الفروع 2/ 327 (3/ 452)] (3). 389 - شرط الزكاة في المضاربة على رب المال: - قال ابن مفلح: (ولا يصح أن يشرط رب المال زكاة رأس المال، أو بعضه من الربح؛ لأنه قد يحيط بالربح، فهو كشرط فضل دراهم، سأله المروذي: يشترط المضارب على رب المال أن الزكاة من الربح؟ قال: لا، الزكاة على رب المال. وصحَّحه شيخنا (4)) [الفروع 2/ 338 (3/ 467)] (5). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (146)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 46، 47 - 48). (2) قال في «الإنصاف» (6/ 322): (وعنه: لا حول لأجرة، فيزكيه في الحال كالمعدن، اختاره الشيخ تقي الدين) ا. هـ. (3) «الاختيارات» للبعلي (146). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: صحّح شرطَ رب المال زكاة رأس المال أو بعضه من الربح) ا. هـ. (5) «الاختيارات» للبعلي (146 - 147)، انظر: «الفتاوى» (25/ 63).
(1/268)
390 - سقوط الزكاة بتلف المال: - قال ابن مفلح: (وسقوط العشر بآفة قبل الإحراز، لأنها من ضمان البائع، بدليل الجائحة. كذا ذكره الشيخ وغيره، وذكر صاحب «المحرر» وغيره بدل «قبل الإحراز»: «قبل أخذه»، واحتجَّ بالجائحة، وفي «الرعاية»: قبل قطعه. وعلى الثانية: لا يضمنها بتلفه، وظاهر الخرقي: مطلقًا «و» واختاره في «النصيحة» و «المغني» (1) و «المستوعب» وشيخنا) [الفروع 2/ 348 (3/ 482 ــ 483)] (2). 391 - الديون لا تقوم يوم القيامة بالزكاة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولو كان له ديون لم تقم يوم القيامة بالزكاة، لأن عقوبتها أعظم. ثم ذكر ما ذكره العلماء) [الفروع 2/ 351 (3/ 487)] (3). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال في «المغني»: والصحيح ــ إن شاء الله تعالى ــ أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرط، لأنها تجب على سبيل المواساة، فلا تجب مع عدم المال، وفقر من تجب عليه) ا. هـ. (2) «مختصر الفتاوى المصرية» (275)، «الاختيارات» للبعلي (147). (3) «الاختيارات» للبعلي (147)، وفيه: (ولو كان لمانع الزكاة ديون لم تقم يوم القيامة بالزكاة، لأن عقوبتها أعظم)، وانظر: «مختصر الفتاوى» (278).
(1/269)
باب حكم الخلطة
392 - رجوع الشريك على شريكه إذا أخذ الساعي أكثر من المال الواجب بلا تأويل: 393 - والمظالم المشتركة: - قال ابن مفلح: (وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب بلا تأويل، كأخذه عن أربعين مختلطة شاتين من مال أحدهما، وعن ثلاثين بعيرًا جذعة (1) = رجع على خليطه في الأولى بقيمة نصف شاة، وفي الثانية بقيمة نصف بنت مخاض، لأن الزيادة ظلم، فلا يجوز رجوعه على غير ظالمه «و» (2). _________ (1) في ط 1: (الجذعة)، والمثبت من ط 2. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قوله: «لأن الزيادة ظلم، فلا يجوز رجوعه على غير ظالمه ... الخ» قال في «الاختيارات» في آخر باب الغصب: ومن غرم مالا بسبب كذب عليه عند ولي الأمر، فله تغريم الكاذب عليه ما غرمه. وذكره المصنف في فصل من أتلف مالا محترما، ولم يذكر عن أحد خلافه، لكنه ذكر ذلك عند قوله: «ومن دفع مفتاحا إلى لص، لم يضمن» فيحتمل أن كلاّ من المسألتين نظير الأخرى، لكنه لم يصرّح بذلك، وقد ذكر هنا: لا يجوز رجوعه على غير ظالمه، وفي الجملة ما قاله الشيخ من الرجوع على الكاذب عليه، في غاية القوة، لأن القاعدة أن السبب يحال الحكم عليه إذا لم يكن ــ كذا ولعلها: يمكن ــ إحالة الحكم على المباشر، فإذا كان الذي أخذ المال لا يمكن الرجوع عليه، كما هو المعروف من ولاة الأمر يرجع بذلك على السبب، كما قيل فيما إذا ألقى إنسانا في ماء، فابتلعه حوتٌ، أو ألقاه في زبية أسد فقتله، وقالوا: قد يقوى السبب فيصير كالمباشر، كمن أمسك إنسانا لآخر ليقتله، فإن الممسك يقتل على إحدى الروايتين، وفي الرجوع في صورة الكاذب منعٌ لهذه الفعلة التي تقع كثيرا، فإن الكاذب إذا علم أنه يرجع عليه رجع عن فعله، وسدّت هذه المفسدة) ا. هـ.
(1/270)
وأطلق شيخنا في رجوعه على شريكه قولين، ومراده للعلماء. قال: أظهرهما يرجع (1). وقال في المظالم المشتركة تطلب من الشركاء، يطلبها الولاة والظلمة من البلدان، أو التجار، أو الحجيج، أو غيرهم، والكلف السلطانية، وغير ذلك، على الأنفس أو الأموال أو الدواب: يلزمهم التزام العدل في ذلك، كما يلزم فيما يؤخذ منهم بحق، ولا يجوز أن يمتنع أحد من أداء قسطه من ذلك، بحيث يؤخذ قسطه من الشركاء، لأنه لم يدفع الظلم عنه إلا بظلم شركائه، لأنه يطلب ما يعلم أنه يظلم فيه غيره، كمن يولي أو يوكل من يعلم أنه يظلم، ويأمره بعدم الظلم، ليس له أن يوليه، ولأنه يلزم العدل في هذا الظلم، ولأن النفوس لا ترضى بالتخصيص، ولأنه يفضي إلى أخذ الجميع من الضعفاء، ولأنه لو احتاج المسلمون إلى جمع مالٍ لدفع عدوٍّ كافر لزم القادر الاشتراك، فهاهنا أولى. فمن تغيَّب، أو امتنع، وأخذ من غيره حصته رجع على من أدّى عنه ــ في الأظهر ــ إلا أن ينوي تبرعًا، ولا شبهة على الآخذ في الأخذ، كسائر الواجبات، كعامل الزكاة وناظر الوقف والوصيِّ والمضارب والشريك والوكيل وسائر من تصرَّف لغيره بولاية أو وكالة إذا طلب منه حصة ما ينوب ذلك المال من الكلف فإن لهم أن يؤدُّوا ذلك من المال، بل إن كان إن لم يؤدُّوه أَخذ الظلمة أكثر وجب، لأنه من حفظ المال. _________ (1) «الفتاوى» (30/ 342).
(1/271)
ولو قدر غيبة المال، فاقترضوا عليه، أو أدوا (1) من مالهم= رجعوا به، وعلى هذا العمل، ومن لم يقل به لزم من الفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد. قال: وغاية هذا أن يشبه بغصب المشاع، فالغاصب إذا قبض من المشترك نصيب أحد الشريكين كان ذلك من مال ذلك الشريك ــ في الأظهر ــ وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما. ولو أقر أحد الابنين بأخ وكذّبه أخوه، لزم المقرَّ أن يدفع إلى المقرِّ به ما فضل عن حقِّه، وهو السدس في مذهب مالك والشافعي وأحمد (2)، جعلوا ما غصبه الأخ المنكر من مال المقرِّ به خاصة لأجل البينة (3). وكذا هنا، إنما قبض الظالم عن ذلك المطلوب، لم يقصد أخذ مال الدافع، لكن قال أبو حنيفة في غصب المشاع: ما قبضه الغاصب يكون منهما، اعتبارًا بصورة القبض، ويكون النصف الذي غصبه الأخ المنكر منهما، وهو قول في مذهب الشافعي وأحمد. قال: ومن صودر على مال، وأُكره أقاربه، أو جيرانه أو أصدقاؤه، أو شركاؤه على أن يؤدوا عنه فلهم الرجوع، لأنهم ظُلموا لأجله ولأجل ماله، والطالب مقصوده ماله لا مالهم ... واحتج بقصة ابن اللُّتْبِيَّة، وقال: فلما كانوا إنما أعطوه وأهدوا إليه لأجل ولايته جعل ذلك من جملة المال المستحق لأهل الصدقات، لأنه _________ (1) في ط 1: (وأدوا)، والمثبت من ط 2. (2) في «الفتاوى»: (في مذهب مالك وأحمد بن حنبل وكذلك ظاهر مذهب الشافعي). (3) في «الفتاوى»: (النية).
(1/272)
بسبب أموالهم قبض، ولم يخصَّ به العامل. فكذا ما قبض بسبب مال بعض الناس، فعنها يحسب ما (1) أُعطي لأجلها، فهو مغنم ونماء لها، لا لمن أخذه، فما أخذ لأجلها فهو مغرم منها، لا على من أعطاه، وكذا من لم يخلِّص مال غيره من التلف إلا بما أدَّى عنه رجع به في أظهر قولي العلماء، وهو محسنٌ) [الفروع 2/ 399 ــ 402 (4/ 62 ــ 65)] (2). 394 - إذا أخذ الساعي القيمة: - قال ابن مفلح: (وقال ابن تميم: إن أخذ الساعي فوق الواجب بتأويل، أو أخذ القيمة أجزأت في الأظهر، ورجع عليه بذلك. وإطلاق الأصحاب رحمهم الله يقتضي الإجزاء، ولو اعتقد المأخوذ منه عدمه ... وصوّب فيه شيخنا الإجزاء، وجعله في موضع آخر، كالصلاة خلف تاركٍ شرطًا (3) عند المأموم، قال شيخنا: وإن طلبها منه فكصلاة الجمعة خلفه) [الفروع 2/ 403 (4/ 65 ــ 66)] (4). _________ (1) في ط 1: (بحسب فكأنما)، والمثبت من ط 2 و «الفتاوى». (2) «الفتاوى» (25/ 338 - 354) باختصار، «الاختيارات» للبعلي (148). (3) في ط 1: (ركن)، والمثبت من ط 2، وفي «الاختيارات» للبعلي: (التارك ركنا أو شرطا). (4) «جامع المسائل» (5/ 388 - 389)، «الاختيارات» للبعلي (149).
(1/273)
باب زكاة الزرع والثمر
395 - زكاة التين: - قال ابن مفلح: (ولا زكاة ــ في الأشهر ــ في الجوز، نصّ عليه، وعلّل بأنه معدود، والتين والمشمش والتوت وقصب السكر وكذا العُنَّاب، وجزم في «الأحكام السلطانية» و «المستوعب» و «الكافي» بالزكاة فيه، وهذا أظهر، فالتين والمشمش والتوت مثله، واختاره شيخنا في التين (1)، لأنه يدخر كالتمر) [الفروع 2/ 406 ــ 407 (3/ 71)] (2). 396 - تعطيل العشر باستئجار الذمي الأرض: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وتعطيل العشر باستئجار الذمي الأرض، أو مزارعته فيها كتعطيله بالابتياع) [الفروع 2/ 437 ــ 438 (4/ 109)] (3). 397 - شراء الذمي الأرض العشرية: - قال ابن مفلح: (يجوز لأهل الذمة شراء الأرض العشرية في رواية «و: ش م ر»، ثم من الأصحاب من اقتصر على الجواز، ومنهم من قال: ويكره. نص عليه، وعنه رواية ثالثة: يمنعون من شرائها، اختارها الخلال وصاحبه، فعليها يصح، جزم به الأصحاب رحمهم الله، وحكى أحمد - رحمه الله - عن الحسن وعمر بن عبد العزيز: يمنعون من الشراء، فإن اشتروا لم يصح. _________ (1) في بعض طبعات «الاختيارات» للبعلي: (التبن)، وهو تطبيع. (2) «الاختيارات» للبعلي (149). (3) «الاختيارات» للبعلي (150).
(1/274)
وكلام شيخنا في «اقتضاء الصراط المستقيم» يعطي: أن على المنع لا يصح «و: م ر»، فعلى عدم المنع لا عشر عليهم «و: م رش»، لأنه زكاة، فلا منع، ولا زكاة، كالسائمة وغيرها ... وذكر القاضي في «شرحه الصغير» أن إحدى الروايتين أنه يجب على الذمي غير التغلبي نصف العشر سواء اتّجر أم لم يتّجر به، من ماله وثمره وماشيته ... وذكر شيخنا في «اقتضاء الصراط المستقيم» على هذا: هل عليهم عشران، أم لا شيء عليهم؟ على روايتين. وهذا غريب، ولعله أخذه من لفظ «المقنع» (1)) [الفروع 2/ 440 (4/ 111 ــ 112)] (2). 398 - لا يجوز بقاء أرض بلا عشر ولا خراج: - قال ابن مفلح: (ولا يجوز بقاء أرض بلا عشر ولا خراج بالاتفاق، ذكره شيخنا) [الفروع 2/ 443 (4/ 115)] (3). 399 - بيع الدار أو تأجيرها للكافر: - قال ابن مفلح: (قال أبو بكر: لا فرق بين البيع والإجارة عنده (4)، فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة، وإذا منع البيع منع الإجارة. _________ (1) قال المرداوي في «الإنصاف» (6/ 566): (يعني: أن نقل هذه الرواية على القول بجواز الشراء غريب، فأما على رواية منعهم من الشراء لو خالفوا واشتروا لصح الشراء بلا نزاع عند الأصحاب كما تقدم، وعليهم عشران على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب ... ) ا. هـ. (2) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 31 - 32)، «الاختيارات» للبعلي (150). (3) «الاختيارات» للبعلي (150). (4) أي: الإمام أحمد.
(1/275)
قال شيخنا: ووافقه القاضي وأصحابه على ذلك، قال ابن أبي موسى: كره أحمد أن يبيع داره من ذميٍّ فيكفر فيها، ويستبيح المحظورات، فإن فعل لم يبطل البيع. وكذا قال الآمدي، أطلق (1) الكراهة مقتصرًا عليها، ومقتضى ما سبق من كلام الخلال وصاحبه: تحريم ذلك. قاله شيخنا. وقال القاضي: لا يجوز أن يؤاجر داره أو بيته ممن يتخذه بيت نار، أو كنيسة، أو يبيع فيه الخمر، سواء شرط أنه يبيع فيه الخمر أو لم يشترط، لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر. وقد قال أحمد: لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر فيها، يبيعها من مسلم أحب إلي. وقال أيضًا في نصارى وقفوا ضيعة لهم للبِيعة: لا يستأجرها الرجل المسلم منهم، يعينهم على ما هم فيه. قال شيخنا: فقد حرّم القاضي إجارتها لمن يعلم أنه يبيع فيها الخمر، مستشهدًا على ذلك بنصِّ أحمد على أنه لا يبيعها لكافر، ولا يكتري وقف الكنيسة، وذلك يقتضي أن المنع عنده في هاتين الصورتين منع تحريم. قال القاضي في أثناء المسألة: فإن قيل: أليس قد أجاز أحمد إجارتها من أهل الذمة، مع علمه بأنهم يفعلون ذلك فيها؟ قيل: المنقول عن أحمد: أنه حكى قول ابن عون وعجب منه. وهذا يقتضي أن القاضي لا يجوّز إجارتها من ذميٍّ، وظاهر رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث: جواز ذلك، فإن إعجابه بالفعل دليل على جوازه عنده، واقتصاره على الجواب بفعل رجل يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين. ذكره شيخنا. _________ (1) في ط 1: (وأطلق)، والمثبت من ط 2.
(1/276)
قال: والفرق بين البيع والإجارة: أن ما في الإجارة من مفسدة الإعانة عارضه مصلحة، وهي صرف إرعاب (1) المطالبة بالكراء عن المسلم، وإنزاله بالكفار، كإقراره بالجزية، فإنه إقرار لكافر، لكن جاز لما تضمنه من المصلحة، ولذلك جازت مهادنة الكفار في الجملة، وهذه المصلحة منتفية في البيع. قال: فيصير في المسألة أربعة أقوال (2)) [الفروع 445 ــ 448 (4/ 117 ــ 119)] (3). _________ (1) بالعين المهملة، قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع» (4/ 116) في نظيرها: (من الرعب، وهو الخوف ... لأن المطالَبَ يحصل له رعب عند المطالبة) ا. هـ. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الأول: تحريم البيع والإجارة، الثاني: عدم التحريم فيها ــ كذا، ولعلها: فيهما ــ، الثالث: التحريم في البيع دون الإجارة، الرابع: التحريم في الإجارة دون البيع) ا. هـ. (3) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 25 - 29) باختصار.
(1/277)
باب زكاة الذهب والفضة
400 - مقدار الدرهم: - قال ابن مفلح: (وسبق كلام شيخنا أول الحيض (1)، ومعناه: أن الشرع والخلفاء الراشدون رتّبوا على الدراهم أحكامًا، فمحال أن ينصرف كلامهم إلى غير الموجود ببلدهم أو زمنهم، لأنهم لا يعرفونه، ولا يعرفه المخاطب، فلا يقصد ولا يراد، ولا يفهم، وغايته العموم، فيعم كل بلد وزمن بحسبه وعادته وعرفه، أما تقييد كلامهم، واعتباره بأمر حادث خاصة غير موجود ببلدهم وزمنهم، من غير دليل عنهم، كيف يمكن؟! والله سبحانه أعلم) [الفروع 2/ 455 (4/ 131)] (2). 401 - لبس الفضة للرجال: - قال ابن مفلح: (قال الأصحاب رحمهم الله: وتحريم الآنية أشد من اللباس، لتحريمها على الرجال والنساء. ولم أجدهم احتجوا على تحريم لباس الفضة على الرجال، ولا أعرف التحريم نصًا عن أحمد، وكلام شيخنا يدل على إباحة لبسها للرجال، إلا ما دل الشرع على تحريمه. وقال أيضًا: لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا أباحت السنة خاتم الفضة دل على إباحة ما في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة، وما لم _________ (1) برقم (112). (2) «الفتاوى» (19/ 249 - 252)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (152).
(1/278)
يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه ... ويدخل في الخلاف: تركاش النشاب. وقاله شيخنا، قال: والكلاليب، لأنها يسير تابع. وواحد الكلاليب: كَلُّوب، بفتح الكاف، وضم اللام المشددة، ويقال أيضًا: كُلاب) [الفروع 2/ 467 ــ 474 (4/ 147 ــ 156)] (1). - وقال أيضا: (واختار الشيخ تقي الدين أن كلاليب الفضة كخاتم الفضة في الإباحة وأولى؛ لأنها تتخذ غالبا للحاجة، وكلامه يدل على إباحة لبس الفضة إلا أن يدل دليل شرعي على التحريم؛ لأنه ليس فيها نص بخلاف الذهب والحرير، وقد أشرت إلى دليل هذه المسألة وذكر كلامه فيما علقه (2) على المحرر) [الآداب الشرعية 3/ 504] (3). وانظر: ما تقدم برقم (150). 402 - تحلية السلاح بالذهب: - قال ابن مفلح: (وقيل: يباح في سلاح. واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 477 (4/ 160)] (4). وانظر: ما تقدم برقم (148). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (115 - 116). (2) كذا بالأصل، ولعل الصواب: (ما علقته). (3) «الاختيارات» للبعلي (115 - 116)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 63 - 65). (4) «مختصر الفتاوى المصرية» (318)، «الاختيارات» للبعلي (116)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 87؛ 25/ 64).
(1/279)
باب حكم الركاز
403 - ما يلحق بالمدفون: - قال ابن مفلح: (وألحق شيخنا بالمدفون حكما الموجود ظاهرًا بخراب جاهلي، أو طريق غير مسلوك، واحتج بخبر عمرو بن شعيب، رواه أبو داود: حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: «من أصاب بفيه من ذي حاجة، غير متخذ خُبْنَةً (1)، فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئًا بعد أن يؤويه الجرين، فبلغ ثمن المجن، فعليه القطع». قال: وسئل عن اللقطة؟ فقال: «ما كان منها في الطريق الميتاء أو القرية الجامعة فعرفها سنة، فإن جاء طالبها فادفعها إليه، وإن لم يأت فهي لك، وما كان من الخراب». يعنى ففيها وفي الركاز الخمس ... واحتج غير شيخنا به ــ كصاحب المغني والمحرر ــ على أنه في الخراب الجاهلي، والطريق غير المسلوك: كالمدفون. لكن بالعلامة) [الفروع 2/ 498 ــ 500 (4/ 185 ــ 189)] (2). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الخبنة، بالضم: ما تحمله تحت إبطك) ا. هـ (2) «الاختيارات» للبعلي (151).
(1/280)
باب زكاة الفطر
404 - ما يجزئ من البر في زكاة الفطر: - قال ابن القيم: (قال الحسن البصري: خطب ابن عباس في آخر رمضان على منبر البصرة، فقال: أَخرجوا صدقة صومكم. فكأن الناس لم يعلموا، فقال: من هاهنا من أهل المدينة؟ قوموا إلى إخوانكم فعلِّموهم، فإنهم لا يعلمون، فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الصدقة صاعًا من تمر أو شعير، أو نصف صاع من قمح، على كل حرٍّ أو مملوك، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير. فلما قدم علي - رضي الله عنه -: رأى رخص السعر، قال: قد أوسع الله عليكم، فلو جعلتموه صاعا من كل شيء. رواه أبو داود ــ وهذا لفظه ــ والنسائي، وعنده: فقال علي: أما إذا أوسع الله عليكم، فأوسعوا: اجعلوها صاعا من بر وغيره. وكان شيخنا - رحمه الله - يقوي هذا المذهب، ويقول: هو قياس قول أحمد في الكفارات، أن الواجب فيها من البر: نصف الواجب من غيره) [زاد المعاد 2/ 20 ــ 21]. - وقال ابن مفلح: (واختار شيخنا: يجزئ نصف صاع من بر. وقال: وهو قياس المذهب في الكفارة، وأنه يقتضيه ما نقله الأثرم «و: هـ» كذا قال، مع أن القاضي قال عن الصاع: نصَّ عليه في رواية الأثرم، فقال: صاع من كل شيء) [الفروع 2/ 534 (4/ 231)] (1). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (152)، وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (282).
(1/281)
405 - يجزئ في زكاة الفطر قوت البلد: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: يجزئ قوت بلده، مثل الأرز وغيره. وذكره رواية، وأنه قول أكثر العلماء، واحتج بقوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]) [الفروع 2/ 537 (4/ 236)] (1). 406 - مصرف زكاة الفطر: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: لا يجوز دفعها، إلا لمن يستحق الكفارة، وهو: من يأخذ لحاجته، لا في المؤلفة والرقاب وغير ذلك) [الفروع 2/ 540 (4/ 239)] (2). 407 - وقت إخراج زكاة الفطر: - قال ابن القيم: (وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - إخراج هذه الصدقة قبل صلاة العيد، وفي «السنن» عنه أنه قال: «من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات». وفي «الصحيحين» عن ابن عمر قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزكاة الفطر أن تؤدّى قبل خروج الناس إلى الصلاة. ومقتضى هذين الحديثين: أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، وأنها تفوت بالفراغ من الصلاة، وهذا هو الصواب، فإنه لا معارض لهذين الحديثين، ولا ناسخ، ولا إجماع يدفع القول بهما، وكان شيخنا يقوِّي ذلك وينصره) [زاد المعاد 2/ 21 ــ 22]. _________ (1) «الفتاوى» (21/ 326؛ 25/ 68 - 69)، «الاختيارات» للبعلي (151). (2) «الفتاوى» (25/ 73)، «الاختيارات» للبعلي (151).
(1/282)
باب إخراج الزكاة
408 - من قال: أنا أؤديها ولا أعطيها للإمام: - قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا: أن من أداها لم تجز مقاتلته، للخلف في إجزائه. ثم ذكر نص أحمد في من قال: أنا أؤدِّيها ولا أعطيها للإمام، لم يكن له قتاله. ثم قال: من جوّز القتال على ترك طاعة ولي الأمر جوّزه؛ ومن لم يجوِّزه إلا على ترك طاعة الله ورسوله لم يجوِّزه) [الفروع 2/ 557 - 558 (4/ 261)] (1). 409 - إذا أخذ الساعي فوق الواجب باسم الزكاة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ما أخذه باسم الزكاة ــ ولو فوق الواجب ــ بلا تأويل اعتدَّ به (2)، وإلا فلا) [الفروع 2/ 576 - 577 (4/ 282)] (3). _________ (1) انظر: «منهاج السنة النبوية» (4/ 500 - 501). (2) أي: اعتد بالزيادة من زكاة سنة ثانية، كما في «الإنصاف» (7/ 193 - 194). (3) «الفتاوى» (30/ 343)، وانظر: (25/ 81، 93).
(1/283)
باب ذكر أصناف أهل الزكاة
وما يتعلق بذلك 410 - الأخذ من الزكاة لشراء كتب العلم: - قال ابن مفلح: (وسئل شيخنا: عمن ليس معه ما يشتري كتبًا يشتغل فيها. فقال: يجوز أخذه منها ما يشتري له به منها ما يحتاج إليه من كتب العلم التي لا بد لمصلحة دينه ودنياه) [الفروع 2/ 587 (4/ 297)] (1). 411 - الأخذ من الزكاة لإقامة مؤنته: - قال ابن مفلح: (ومن ملك من غير نقد ما لا يقوم بكفايته: فليس بغنى، ولو كثرت قيمته. قال أحمد: إذا كان له عقار أو ضيعة يستغلها، عشرة آلاف أو أكثر، لا تقيمه ــ يعني: لا تكفيه ــ = يأخذ من الزكاة. وقال فيمن له أخت لا ينفق عليها زوجها يعطيها؛ فإن كان لها (2) حلي قيمته خمسون درهما فلا. قيل له: الرجل يكون له الزرع القائم، وليس عنده ما يحصده (3)، أيأخذ من الزكاة؟ قال: نعم، يأخذ. قال شيخنا: وفي معناه ما يحتاج إليه لإقامة مؤنته، وإن لم ينفقه بعينه في المؤنة) [الفروع 2/ 588 (4/ 299 ــ 300)] (4). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (155). (2) في ط 1 والنسخة الخطية (ص: 118): (عندها)، والمثبت من ط 2. (3) بعدها في ط 1: (به). (4) «الاختيارات» للبعلي (156).
(1/284)
412 - أخذ الفقير من الزكاة ما يصير به غنيا: - قال ابن مفلح: (ولا يأخذ ما يصير به غنيًا وإن كثر «خ» للآجري وشيخنا (1)، لمقارنة المانع (2)، كزيادة المدين والمكاتب على قضاء دينهما) [الفروع 2/ 589 (4/ 300 ــ 301)] (3). 413 - عدد الشهود الذين يثبت بهم الإعسار: - قال ابن مفلح: (وإن ادّعى الفقر من عُرف غناه لم يقبل إلا بثلاثة شهود، نصّ عليه، لخبر قبيصة؛ وقيل: يقبل باثنين «و» كدين الآدمي، لأن _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: غنى يزيد على قدر الكفاية، أما الغنى الذي يحصل به قدر الكفاية فقط فيجوز، نص عليه أحمد وأصحابه. ذكره في «المغني» وغيره. وظاهر كلام المصنف أن الأئمة الثلاثة يجوزون أن يدفع إلى الفقير ما يصير به غنيا لا يحتاج إليه، إذا كان الدفع لم يتأخر عن القدر المحتاج إليه، كما ذكره عن الآجري وشيخنا .... ) ثم ناقشه في ذلك. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هو تعليل للمذهب، وهو أنه لا يأخذ ما يصير به غنيا، وليس دليلا لقول الآجري وشيخنا، ويدل عليه قوله: «كزيادة المدين والمكاتب على قضاء دينهما» يعني: أن الإنسان إذا كان عليه دين، فإنه يعطى ما يقضي دينه، أو كان مكاتبا، فإنه يعطى ما يقضى كتابته، ولا يزاد على ذلك، فكذلك الفقير يعطى ما يحتاج إليه ولا يزاد على ذلك، وقوله: «لمقارنة المانع» يعني: أن المانع من الزيادة مقارن للأخذ، وهو عدم الاحتياج، فإنه اقترن أخذ الزيادة وعدم الاحتياج، ومقارنة المانع كسبقه، بدليل الجمع بين الأختين، بخلاف ما إذا سبق الأخذ، ثم حصل عدم الحاجة بعد ذلك، فإنه لا يمنع، مثل إن كان حال الأخذ محتاجا إلى القدر الزائد، ثم حصل له الغنى بعد ذلك فإنه لا يؤثر) ا. هـ (3) «الاختيارات» للبعلي (156).
(1/285)
خبر قبيصة في حلِّ المسألة، فيقتصر عليه، أجاب به جماعة منهم الشيخ؛ وعنه: يعتبر في الإعسار ثلاثة، واستحسنه شيخنا، لأن حق الآدمي آكد، ولخفائه، فاستظهر بالثالث؛ والمذهب الأول ذكره جماعة، ولا يكفي في الإعسار شاهد ويمين. وقال شيخنا: فيه نظر) [الفروع 2/ 591 (4/ 304 - 305)]. 414 - حكم إعطاء السائل: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وإعطاء السُّؤَّال فرض كفاية إن صدقوا، ولهذا جاء في الحديث: «لو صدق لما أفلح من رده» وقد استدل الإمام أحمد بهذا. وأجاب: بأن السائل إذا قال: أنا جائع، وظهر صدقه، وجب إطعامه، وهذا من تأويل قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذريات: 19]، وإن ظهر كذبهم، لم يجب إعطاؤهم. ولو سألوا مطلقًا لغير معين لم يجب إعطاؤهم، ولو أقسموا، لأن إبرار القسم إنما هو إذا أقسم على معيّن، وما ذكره شيخنا من الخبر، هو من حديث أبي أمامة: «لولا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم» ولم أجده في «المسند» و «السنن الأربعة»، وإسناده ضعيف، قال أحمد في رواية مهنا: ليس بصحيح) [الفروع 2/ 592 (4/ 307)] (1). 415 - حكم سؤال الدعاء: - قال ابن مفلح: (ومن سأل غيره الدعاء لنفعه أو نفعهما أثيب (2)، وإن _________ (1) «الرد على البكري» (1/ 279 - 280)، «الفتاوى» (28/ 368)، «الاختيارات» للبعلي (157). (2) في ط 1: (أثبت)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 120).
(1/286)
قصد نفع نفسه فقد نُهي عنه، كالمال؛ وإن كان قد لا يأثم. كذا (1) ذكره شيخنا، وظاهر كلام غيره خلافه، كما هو ظاهر الأخبار ... وقال شيخنا أيضًا في «الفتاوى المصرية» (2): لا بأس بطلب الدعاء بعضهم من بعض، لكن أهل الفضل ينوون بذلك أن الذي يطلبون منه الدعاء إذا دعا لهم كان له من الأجر على دعائه لهم أعظم من أجره لو دعا لنفسه وحدها (3). ثم ذكر قوله عليه السلام: «ما من مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلا وكّل الله ملكًا، كلما دعا لأخيه بدعوة قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل»، وقوله عليه السلام لعلي - رضي الله عنه -: «يا علي، عُمَّ، فإن فضل العموم على الخصوص، كفضل السماء على الأرض»، وقوله لعمر - رضي الله عنه -: «لا تنسنا يا أخي من دعائك». قال: وما زال المسلمون يسألونه الدعاء لهم) [الفروع 2/ 602 ــ 603 (4/ 319 ــ 320)] (4). _________ (1) (كذا) ليست في ط 2، وهي مثبت من ط 1 والنسخة الخطية (ص: 120). (2) لم أقف عليه. (3) قال الشيخ ابن سعدي في «القول السديد» (47): (من كمال توكل العبد وقوة يقينه أن لا يسأل أحدا من الخلق لا رقية ولا غيرها، بل ينبغي إذا سأل أحدا أن يدعو له أن يلحظ مصلحة الداعي والإحسان إليه بتسببه لهذه العبودية له مع مصلحة نفسه، وهذا من أسرار تحقيق التوحيد ومعانيه البديعة، التي لا يوفق للتفقه فيها والعمل بها إلا الكمّل من العباد) ا. هـ. (4) «الاختيارات» للبعلي (157)، وانظر: «الفتاوى» (1/ 78 - 79، 190 - 193، 328 - 329)، «تلخيص الاستغاثة» (1/ 219).
(1/287)
416 - محاسبة عمال الزكاة: - قال ابن مفلح: (ولا يلزمه (1) رفع (2) حساب ما تولّاه إذا طلب منه، جزم به ابن تميم، وقال صاحب «الرعاية»: يحتمل ضدّه، واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 610 (4/ 329)] (3). 417 - قضاء دين الميت من الزكاة: - قال ابن مفلح: (ولا يقضي منها دين ميت غرمه لمصلحة نفسه أو غيره، حكاه أبو عبيد وابن عبد البر «ع» لعدم أهليته لقبولها، كما لو كفنه منها «ع»، وحكى ابن المنذر عن أبي ثور: يجوز، وعن مالك ــ أو بعض أصحابه ــ مثله، وأطلق صاحب «البيان» الشافعي وجهين، واختاره شيخنا، وذكره إحدى الروايتين عن أحمد، لأن الغارم لا يشترط تمليكه، لأن الله تعالى قال: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] ولم يقل: للغارمين) [الفروع 2/ 619 - 620 (4/ 342)] (4). 418 - إبراء الغريم من الدين بنية الزكاة: - قال ابن مفلح: (وإن أبرأ ربُّ الدين غريمه من دينه بنية الزكاة لم يجزئه، نص عليه، سواءً كان المخرج عنه عينًا، أو دينًا «و: م ش» خلافًا للحسن وعطاء، ويتوجه لنا احتمال وتخريج كقولهما، بناءً على أنه: هل هو _________ (1) أي: عامل الزكاة. (2) في «الاختيارات» للبعلي: (دفع). (3) «الاختيارات» للبعلي (157). (4) «الفتاوى» (25/ 80)، وانظر: (25/ 89).
(1/288)
تمليك، أم لا؟ وقيل: تجزئه من زكاة دينه، حكاه شيخنا، واختاره أيضًا، لأن الزكاة مواساة (1)) [الفروع 2/ 620 (4/ 342)] (2). 419 - إعطاء الزكاة لعمودي النسب إذا لم تجب عليه نفقتهما: - قال ابن مفلح: (ولا يجوز دفعها إلى الوالدين وإن علوا، والولد وإن سفل، في حال تجب نفقتهما «ع»، وكذا إن لم تجب، حتى ولد البنت، نص عليه «و: هـ م»، لاتصال منافع الملك بينهما عادة، فيكون صارفا لنفسه، ولهذا لم تقبل شهادة أحدهما للآخر، وكقرابة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن منعوا الخمس، احتج بهذا جماعة، منهم القاضي. وقيل: يجوز، اختاره القاضي في «المجرد» (3)، وشيخنا) [الفروع 2/ 629] (4). 420 - إعطاء أحد عمودي نسبه لغرم نفسه أو كتابة أو كان ابن سبيل: - قال ابن مفلح: (ولا يعطي عمودي نسبه لغرم لنفسه، أو كتابة، نص عليه؛ وقيل: يجوز «و: ش» واختاره شيخنا، وذكر صاحب «المحرر»: ابن _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (وإذا كانت مواساة، فمن العدل أن يخرج عن الدَّينِ دينٌ، ولا يكلف غيره) ا. هـ. (2) «الفتاوى» (25/ 84)، «الاختيارات» للبعلي (155). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هذا القول عائد إلى قوله: «وكذا إن لم تجب، حتى ولد البنت» ذكره في «منتهى الغاية»، وذكر عن القاضي أنه اختار الأول في «خلافه»، فلهذا قيّد المصنف هنا اختياره في «المجرد») ا. هـ. (4) «الفتاوى» (25/ 90)، «الاختيارات» للبعلي (154).
(1/289)
سبيل كذلك، واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 629 (4/ 354)] (1). 421 - أخذ بني هاشم للزكاة إذا منعوا الخُمُس: - قال ابن مفلح: (ومال شيخنا إلى أنهم: إن منعوا الخمس أخذوا الزكاة) [الفروع 2/ 639 (4/ 367)] (2). 422 - أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل بيته المحرّم عليهم الصدقة: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: في تحريم الصدقة عليهن، وكونهن من أهل بيته روايتان، أصحهما: التحريم، وكونهن من أهل بيته. كذا قال) [الفروع 2/ 641] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (154)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 90). (2) «جامع المسائل» (3/ 78)، «الاختيارات» للبعلي (154). (3) «الفتاوى» (22/ 460 - 461)، و «منهاج السنة النبوية» (7/ 76)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (84).
(1/290)
باب صدقة التطوع
423 - صلة الرحم بالقرض: - قال ابن مفلح: (ونص أحمد في فقير لقريبه وليمة: يستقرض ويهدي له. ذكره أبو الحسين في «الطبقات»، قال شيخنا: فيه صلة الرحم بالقرض، ويتوجّه أن مراده أنّه يظنُّ وفاء) [الفروع 2/ 651 (4/ 382)]. 424 - معنى حبوط الطاعة بالمعصية: - قال ابن مفلح: (ويحرم المنّ بالصدقة وغيرها، وهو كبيرة، على نص أحمد: الكبيرة ما فيه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة. ويبطل الثواب بذلك، للآية، ولأصحابنا خلاف فيه، وفي بطلان طاعة بمعصية. واختار شيخنا: الإحباط بمعنى الموازنة، وذكره أنه قول أكثر السلف) [الفروع 2/ 651 ــ 652 (4/ 382)]. 425 - حج التطوع أفضل من الصدقة: - قال ابن مفلح: (وهل حج التطوع أفضل من صدقة التطوع؟ سأل حرب لأحمد: يحج نفلًا، أم يصل قرابته؟ قال: إن كانوا محتاجين يصلهم أحب إلي. قيل: فإن لم يكونوا قرابة؟ قال: الحج. وذكر أبو بكر بعد هذه الرواية رواية أخرى عن أحمد، أنه سئل عن هذه المسألة، فقال: من الناس من يقول: لا أعدل بالمشاهد شيئًا. وترجم أبو بكر: فضل صلة القرابة بعد فرض الحج. ونقل ابن هانئ في هذه المسألة: وإن قرابته فقراء؟ فقال أحمد: يضعها في أكباد جائعة أحب إلي. فظاهره العموم. وذكر شيخنا: أن
(1/291)
الحج أفضل، وأنه مذهب أحمد) [الفروع 2/ 654 (4/ 386)] (1). 426 - إذا اختلط ماله الحلال بالحرام: - قال ابن مفلح: (ذكر الأصحاب في الدراهم (2) أن الورع ترك الجميع، وقال شيخنا: لا يتبين لي أن ذلك من الورع) [الفروع 2/ 665 (4/ 397)] (3). - وقال أيضا: (ذكر الخلال عن أبي طالب أنه نقل عن أحمد في الزيت: أعجب إليَّ أن يتصدقَ به، هذا غير الدراهم. وذكر الأصحابُ في النقد أنَّ الورعَ تركُ الجميع، وذكر الشيخ تقي الدين أنه لم يتبين له أنَّ ذلك من الورع) [الآداب الشرعية: 1/ 473 ــ 474] (4). 427 - معنى قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا وغيره: إلا ممن اتقى الله في عمله، ففعله كما أمر خالصًا. وأنه قول السلف والأئمة، وعند الخوارج والمعتزلة: إلا ممن اتقى الكبائر، وعند المرجئة: إلا ممن اتقى الشرك، والله سبحانه أعلم) [الفروع 2/ 666 ــ 667 (4/ 398 ــ 399)] (5). _________ (1) «الفتاوى» (26/ 10 - 11)، «مختصر الفتاوى المصرية» (293)، «الاختيارات» للبعلي (172). (2) أي: إذا خالطت دراهمُ حرام دارهمَ حلال. (3) انظر: «الفتاوى» (29/ 260 - 263). (4) انظر: «جامع المسائل» (1/ 45 - 46)، ويأتي برقم (743). (5) «منهاج السنة النبوية» (6/ 216 - 217)، «الفتاوى» (7/ 447، 494 - 497).
(1/292)
كتاب الصيام
428 - إذا حال دون مطلع هلال رمضان غيم أو قتر: - قال ابن مفلح: (وإن حال دون مطلعه غيم أو قتر أو غيرهما ليلة الثلاثين من شعبان= وجب صومه بنية رمضان، اختاره الأصحاب، وذكروه ظاهر المذهب، وأن نصوص أحمد عليه، كذا قالوا، ولم أجد عن أحمد أنه صرح بالوجوب، ولا أمر به، فلا تتوجه إضافته إليه، ولهذا قال شيخنا: لا أصل للوجوب في كلام أحمد، ولا في كلام أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - ... وعنه: لا يجب صومه (1) قبل رؤية هلاله، أو إكمال شعبان. اختاره صاحب «التبصرة»، وشيخنا، وقال: هو مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه «و: هـ» وأوجب طلب الهلال ليلتئذ (2)) [الفروع 3/ 6 ــ 9 (4/ 406 ــ 410)] (3). _________ (1) أي رمضان. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (ظاهره أن وجوب الطلب ليلتئذ اختيار شيخنا فقط، وأن غيره لا يوجبه، وجزم في «المغني» و «الزركشي» بالاستحباب) ا. هـ (3) «مختصر الفتاوى المصرية» (283)، «الفتاوى» (25/ 99، 123 - 125)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (159). وقال البرهان ابن القيم في «الاختيارات» (رقم: 89): (كان الشيخ ــ قدس الله روحه ــ آخرا يميل إلى أنه لا يستحب) ا. هـ.
(1/293)
429 - وجوب الصوم على من لم ير الهلال يكون مع اتفاق المطالع: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة بهذا، قال: فإن اتفقت لزم الصوم، وإلا فلا (1)) [الفروع 3/ 13 (4/ 414)] (2). 430 - من رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته: - قال ابن مفلح: (ومن رأى هلال رمضان وحده وردّت شهادته لزمه الصوم «و» وحكمه «و» للعموم ... ونقل حنبل: لا يلزمه الصوم، اختاره شيخنا، قال: ولا غيره) [الفروع 3/ 18 (4/ 421 ــ 422)] (3). 431 - من رأى هلال شوال وحده: - قال ابن مفلح: (وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر، نقله الجماعة «و: هـ م» للخبر السابق (4)، وقاله عمر وعائشة، ولاحتمال خطئه وتهمته، فوجب الاحتياط، قال شيخنا: وكما لا يُعرِّف وحده، ولا يُضحِّي وحده، قال: والنزاع مبنيٌّ على أصل، وهو أن الهلال هل هو اسم لما يطلع في _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قول شيخنا لا يقيّد ببعد ولا قرب، بل إن اتفقت المطالع وجب الصوم، وإن اختلفت لم يجب، قال: وهو الأصح للشافعية، فعلى هذا: إذا رئي في بلد فما كان من البلاد مطالعه موافق لذلك المطلع وجب الصوم على أهله، وما كان مطالعه مخالفا لذلك المطلع لم يجب على أهله الصوم، قال: وهو قولٌ في مذهب أحمد) ا. هـ (2) «الاختيارات» للبعلي (158). (3) «الاختيارات» للبعلي (158)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 114 - 118). (4) أي: حديث أبي هريرة: «صومكم يوم تصومون» الحديث.
(1/294)
السماء، وإن لم يشتهر ولم يظهر، أو أنه لا يسمى هلالا إلا بالظهور والاشتهار، كما يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار؟ فيه قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد (1)) [الفروع 3/ 19 (4/ 422 ــ 425)] (2). 432 - إذا قامت البينة على دخول رمضان في النهار: - قال ابن مفلح: (وإن قامت بينة بالرؤية في يوم منه أمسك «و» وقضى «و». وذكر أبو الخطاب رواية: لا يلزم الإمساك، وقاله عطاء، وخرّج في «المغني» على قول عطاء من ظنّ أن الفجر لم يطلع وقد طلع ونحو ذلك، وقال شيخنا: يمسك ولا يقضي، وأنه لو لم يعلم بالرؤية إلا بعد الغروب لم يقض) [الفروع 3/ 24 (4/ 432)] (3). وانظر: ما يأتي برقم: (457). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قوله: «وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر .. » إلى قوله: «قال شيخنا: وكما لا يعرف وحده، ولا يضحي وحده .. » الخ، قال في «الفتاوى المصرية» في باب صلاة العيد: مسألة في أهل مدينة رأى بعضهم هلال ذي الحجة ولم يثبت عند حاكم المدينة، فهل لهم أن يصوموا اليوم الذي هو في الظاهر التاسع، وإن كان في الباطن العاشر؟ الجواب: ... ) وساق الجواب بطوله، وهو في «الفتاوى» (25/ 202 - 208). (2) انظر: «الفتاوى» (25/ 115 - 116، 204)، «الاختيارات» للبعلي (158، 163 - 164). (3) انظر: «الفتاوى» (25/ 105 - 106، 109)، «الاختيارات» للبعلي (159).
(1/295)
باب نية الصوم وما يتعلق بها
433 - صوم رمضان بنية مطلقة: - قال ابن مفلح: (واختار صاحب «المحرر»: يصحّ بنية مطلقة لتعذر صرفه إلى غير نية رمضان، فصرف إليه لئلا يبطل قصده وعمله، لا بنية مقيدة بنفل أو نذر أو غيره، لأنه ناوٍ تركه، فكيف يجعل كنية الفعل؟ وهذا اختيار الخرقي في «شرحه للمختصر»، واختاره شيخنا إن كان جاهلًا، وإن كان عالمًا فلا، قال: كمن دفع وديعة رجل إليه على طريق التبرع، ثم تبين أنه كان حقه، فإنه لا يحتاج إلى إعطاء ثانٍ، بل يقول له: الذي وصل إليك هو حقٌّ كان لك عندي) [الفروع 3/ 40 ــ 41 (4/ 454 ــ 455)] (1). 434 - الأكل والشرب بنية الصوم: - قال ابن مفلح: (قال في «الروضة» ــ ومعناه لغيره ــ: الأكل والشرب بنية الصوم نية عندنا، وكذا قال شيخنا: هو حين يتعشّى، يتعشّى عشاء من يريد الصوم، ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد، وعشاء ليالي رمضان) [الفروع 3/ 42 (4/ 456)] (2). _________ (1) «الفتاوى» (25/ 101 - 102)، «الاختيارات» للبعلي (158). (2) «منهاج السنة النبوية» (5/ 399)، «الاختيارات» للبعلي (158).
(1/296)
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
435 - الكحل للصائم: - قال ابن مفلح: (وإن اكتحل بكحل أو صبر أو قطور أو ذرور إثمد مطيّب فعلم وصول شيء من ذلك إلى حلقه أفطر، نص عليه .... واختار شيخنا: لا يفطر) [الفروع 3/ 46 (5/ 5 ــ 6)] (1). 436 - مداواة الصائم الجائفة والمأمومة واستعمال الحقنة: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: لا يفطر بمداواة جائفة، ومأمومة، ونحو ذلك، ولا بحقنة) [الفروع 3/ 47 (5/ 7)] (2). 437 - الحجامة والفصد والشرط وإخراج الدم بالرعاف وغيره للصائم: - قال ابن القيم: (والصواب: الفطر بالحجامة والفصاد والتشريط، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية) [تهذيب السنن 6/ 368]. - وقال ابن مفلح: (وإن حجم أو احتجم أفطر، نص عليه ... ولم يذكر الخرقي «حجم» وذكر «احتجم» كذا قال، ولعل مراده ما اختاره شيخنا: أنه يفطر الحاجم إن مصّ القارورة، وإلا لا (3)، وظاهر كلام أحمد والأصحاب رحمهم الله: لا فطر إن لم يظهر دم، وهو متجه، واختاره شيخنا، وضعّف خلافه) [الفروع 3/ 47 ــ 48 (5/ 7)] (4). _________ (1) «الفتاوى» (20/ 528؛ 25/ 233 - 234، 241 - 242)، «الاختيارات» للبعلي (160). (2) «الفتاوى» (20/ 528؛ 25/ 233 - 234)، «الاختيارات» للبعلي (160). (3) في ط 1 والنسخة الخطية (ص: 113): (فلا)، والمثبت من ط 2. (4) «الفتاوى» (25/ 256 - 258)، «الاختيارات» للبعلي (160).
(1/297)
- وقال أيضا: (ولا يفطر بالفصد، جزم به القاضي وصاحب «المستوعب» و «المحرر» فيه وغيرهم، لأن القياس لا يقتضيه، وذكر في «التلخيص»: أن هذا أصحّ الوجهين، والثاني: يفطر، جزم به ابن هبيرة عن أحمد، وذكر شيخنا أنّه أصح في مذهب أحمد، فعلى هذا قال صاحب «الرعاية»: يحتمل التشريط وجهين. وقال: الأولى إفطار المفصود والمشروط دون الفاصد والشارط. وظاهر كلامهم: لا فطر بغير ذلك، واختيار شيخنا: أنه يفطر من أخرج دمه برعاف وغيره (1)؛ وقاله الأوزاعي في الرعاف) [الفروع 3/ 48 (5/ 8)] (2). 438 - الفطر بالحجامة على وفق القياس: - قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (أما الفطر بالحجامة فإنما اعتقد من قال: إنه على خلاف القياس= ذلك، بناء على أن القياس: الفطر بما دخل، لا بما خرج، وليس كما ظنوه، بل الفطر بها محض القياس. وهذا إنما يتبين بذكر قاعدة، وهي: أن الشارع الحكيم شرع الصوم على أكمل الوجوه وأقومها بالعدل، وأمر فيه بغاية الاعتدال، حتى نهى عن الوصال، وأمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور، وجعل أعدل الصيام وأفضله صيام داود، فكان من تمام الاعتدال في الصوم أن لا يدخل الإنسان ما به قوامه كالطعام والشراب، ولا يخرج ما به قوامه كالقيء والاستمناء. وفرّق بين ما يمكن الاحتراز منه من ذلك، وبين ما لا يمكن، فلم يفطر _________ (1) عبر في «الاختيارات» بقوله: (ويفطر بإخراج الدم بالحجامة ... وبإرعاف نفسه). (2) «الاختيارات» للبعلي (160).
(1/298)
بالاحتلام، ولا بالقيء الذارع، كما لا يفطر بغبار الطحين، وما يسبق من الماء إلى الجوف عند الوضوء والغسل، وجعل الحيض منافيا للصوم دون الجنابة لطول زمانه، وكثرة خروج الدم، وعدم التمكن من التطهير قبل وقته، بخلاف الجنابة. وفرق بين دم الحجامة ودم الجرح، فجعل الحجامة من جنس القيء والاستمناء والحيض، وخروج الدم من الجرح والرعاف من جنس الاستحاضة والاحتلام وذرع القيء. فتناسبت الشريعة وتشابهت، تأصيلا وتفصيلا، وظهر أنها على وفق القياس الصحيح، والميزان العادل، ولله الحمد) [إعلام الموقعين 2/ 16 ــ 17] (1). 439 - الإمذاء بالمباشرة من الصائم: - قال ابن مفلح: (وإن مَذَى بذلك (2) أفطر أيضًا، نصّ عليه «و: م»، واختار الآجري وأبو محمد الجوزي ــ وأظن ــ وشيخنا: لا يفطر، وهو أظهر (3)) [الفروع 3/ 50 (5/ 10)] (4). _________ (1) «الفتاوى» (20/ 527 - 528) مع اختلاف يسير، وسبقت الإشارة إلى هذا النقل، انظر (ص 57 - 58). (2) أي: بالمباشرة. (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: بالمذي بالتقبيل، قال في «الاختيارات»: ولا يفطر بمذي سببه قبلة أو لمس أو تكرار نظر، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وبعض أصحابنا) ا. هـ (4) «الاختيارات» للبعلي (160).
(1/299)
440 - زيادة أجر الصائم ونقصانه: - قال ابن مفلح: (ولا يفطر بالغيبة ونحوها، نقله الجماعة «و»، وقال أحمد أيضًا: لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صوم. وذكره الشيخ «ع»، لأن فرض الصوم بظاهر القرآن الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وظاهره صحته إلا ما خصه دليل، ذكره صاحب «المحرر»، وقال عما (1) رواه الإمام أحمد والبخاري من حديث أبي هريرة: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»: معناه: الزجر والتحذير، لم يأمر من اغتاب بترك صيامه. قال: والنهي عنه ليسلم من نقص الأجر، ومراده: أنه قد يكثر فيزيد على أجر الصوم، وقد يقل، وقد يتساويان. قال شيخنا: هذا مما لا نزاع فيه بين الأئمة) [الفروع 3/ 65 (5/ 27)] (2). 441 - ما يقوله من شُتم وهو صائم: - قال ابن مفلح: (قال الأصحاب: ويسن لمن شُتم أن يقول: إني صائم، قال في «الرعاية»: يقوله مع نفسه. يعني: بزجر نفسه، ولا يطلع الناس عليه للرياء، واختاره صاحب «المحرر» إن كان في غير رمضان، وإلا جهر به، للأمن من الرياء، وفيه زجر من يشاتمه بتنبيهه على حرمة الوقت المانعة من ذلك. وذكر شيخنا لنا ثلاثة أوجه: هذين والثالث ــ وهو اختياره ـ: يجهر به مطلقًا؛ لأن القول المطلق باللسان، والله سبحانه أعلم) [الفروع 3/ 66 (5/ 29)] (3). _________ (1) في ط 1: (عمار)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية: (ص: 136). (2) «الاختيارات» للبعلي (160 - 161)، وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (289). (3) «منهاج السنة النبوية» (5/ 197)، «الاختيارات» للبعلي (161)، وفيه: (استحب له أن يجيب)، وفي بعض النسخ: (أن يجهر) كما هنا، وهي أقرب.
(1/300)
442 - ما يحصل به الفضل الوارد في تفطير الصائم: - قال ابن مفلح: («ومن فطَّر صائمًا فله مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيء» صحّحه الترمذي من حديث زيد بن خالد، وظاهر كلامهم: من أيِّ شيء كان، كما هو ظاهر الخبر، وكذا رواه ابن خزيمة من حديث سلمان الفارسي، وذكر فيه ثوابًا عظيمًا إن أشبعه. وقال شيخنا: مراده بتفطيره أن يشبعه) [الفروع 3/ 73 (5/ 37)] (1). 443 - من أكل في نهار رمضان ناسيا: 444 - ومن أكل يظنه ليلا فبان نهارا: - قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (وأما من أكل في صومه ناسيًا، فمن قال: عدم فطره ومضيه في صومه على خلاف القياس= ظن أنه من باب ترك المأمور ناسيًا، والقياس أنه يلزمه الإتيان بما تركه، كما لو حدث (2) ونسي حتى صلى. والذين قالوا: بل هو على وفق القياس= حجتهم أقوى، لأن قاعدة الشريعة: أن من فعل محظورًا ناسيًا فلا إثم عليه، كما دل عليه قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله سبحانه استجاب هذا الدعاء، وقال: «قد فعلت»، وإذا ثبت أنه غير آثم، فلم يفعل في صومه محرمًا، فلم يبطل صومه، وهذا محض القياس، فإن _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (161). (2) كذا، ولعلها: (أحدث).
(1/301)
العبادة إنما تبطل بفعل محظور، أو ترك مأمور. وطرد هذا القياس أنّ من تكلّم في صلاته ناسيًا لم تبطل صلاته، وطرده أيضًا أنّ من جامع في إحرامه أو صيامه ناسيًا لم يبطل صيامه ولا إحرامه، وكذلك من تطيّب أو لبس، أو غطى رأسه، أو حلق رأسه، أو قلم ظفره ناسيًا= فلا فدية عليه، بخلاف قتل الصيد، فإنه من باب ضمان المتلفات، فهو كدية القتيل، وأما اللباس والطيب: فمن باب الترفه، وكذلك الحلق والتقليم ليس من باب الإتلاف، فإنه لا قيمة له في الشرع، ولا في العرف. وطرد هذا القياس أنّ من فعل المحلوف عليه ناسيًا لم يحنث ــ سواء حلف بالله، أو بالطلاق، أو بالعتاق، أو غير ذلك ــ، لأن القاعدة: أن من فعل المنهي عنه ناسيًا لم يعد عاصيا، والحنث في الأيمان كالمعصية في الإيمان (1)، فلا يعد حانثا من فعل المحلوف عليه ناسيًا. وطرد هذا أيضًا أنّ من باشر النجاسة في الصلاة ناسيًا لم تبطل صلاته، بخلاف من ترك شيئًا من فروض الصلاة ناسيًا، أو ترك الغسل من الجنابة، أو الوضوء أو الزكاة أو شيئا من فروض الحج ناسيًا= فإنه يلزمه الإتيان به، لأنه لم يؤد ما أمر به، فهو في وقت عهدة الأمر. وسِرُّ الفرق: أن من فعل المحظور ناسيًا يجعل وجوده كعدمه، ونسيان ترك المأمور لا يكون عذرًا في سقوطه، كما كان فعل المحظور ناسيًا عذرا في سقوط الإثم عن فاعله. _________ (1) في «الفتاوى»: (كالمعصية في الأمر والنهي).
(1/302)
فإن قيل: فهذا الفرق حجة عليكم، لأن ترك المفطرات في الصوم من باب المأمورات، ولهذا تشترط فيه النية، ولو كان فعل المفطرات من باب المحظور لم يحتج إلى نية كفعل سائر المحظورات. قيل: لا ريب أن النية في الصوم شرط، ولولاها لما كان عبادة، ولا أثيب عليه، لأن الثواب لا يكون إلا بالنية، فكانت النية شرطا في كون هذا الترك عبادة، ولا يختص ذلك بالصوم، بل كل ترك لا يكون عبادة، ولا يثاب عليه إلا بالنية، ومع ذلك فلو فعله ناسيًا لم يأثم به، فإذا نوى تركها لله، ثم فعلها ناسيًا لم يقدح نسيانه في أجره، بل يثاب على قصد تركها لله، ولا يأثم بفعلها ناسيًا، وكذلك الصوم. وأيضا فإن فعل الناسي غير مضاف إليه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» فأضاف فعله ناسيًا إلى الله، لكونه لم يرده، ولم يتعمده؛ وما يكون مضافا إلى الله لم يدخل تحت قدرة العبد، فلم يكلف به، فإنه إنما يكلف بفعله، لا بما يفعل فيه، ففعل الناسي كفعل النائم والمجنون والصغير، وكذلك لو احتلم الصائم في منامه، أو ذرعه القيء في اليقظة لم يفطر، ولو استدعى ذلك أفطر به، فلو كان ما يوجد بغير قصده كما يوجد بقصده لأفطر بهذا وهذا. فإن قيل: فأنتم تفطرون المخطئ، كمن أكل يظنه ليلًا فبان نهارًا أفطر. قيل: هذا فيه نزاع معروف بين السلف والخلف، والذين فرقوا بينهما قالوا: فعل المخطئ يمكن الاحتراز منه، بخلاف الناسي، ونقل عن بعض السلف: أنه يفطر في مسألة الغروب، دون مسألة الطلوع، كما لو استمر الشك.
(1/303)
قال شيخنا: وحجة من قال لا يفطر في الجميع أقوى، ودلالة الكتاب والسنة على قولهم أظهر، فإن الله سبحانه سوّى بين الخطأ والنسيان في عدم المؤاخذة، ولأن فعل محظورات الحج يستوي فيه المخطئ والناسي، ولأن كل واحد منهما غير قاصد للمخالفة. وقد ثبت في «الصحيح» أنهم أفطروا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم طلعت الشمس، ولم يثبت في الحديث: أنهم أمروا بالقضاء، ولكن هشام بن عروة سئل عن ذلك، فقال: لا بد من قضاء. وأبوه عروة أعلم منه، وكان يقول: لا قضاء عليهم. وثبت في «الصحيحين»: أن بعض الصحابة أكلوا حتى ظهر لهم الخيط الأسود من الأبيض، ولم يأمر أحدًا منهم بقضاء، وكانوا مخطئين. وثبت عن عمر بن الخطاب أنه أفطر، ثم تبين النهار، فقال: لا نقضي، لأنا لم نتجانف لإثم. وروي عنه أنه قال: نقضي. وإسناد الأوّل أثبت، وصحّ عنه أنه قال: الخطب يسير. فتأول ذلك من تأوله على أنه أراد خفة أمر القضاء، واللفظ لا يدل على ذلك. قال شيخنا: وبالجملة، فهذا القول أقوى أثرًا ونظرًا، وأشبه بدلالة الكتاب والسنة والقياس. قلت له: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على رجل يحتجم، فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم» ولم يكونا عالمين بأن الحجامة تفطر، ولم يبلغهما قبل ذلك قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم» ولعل الحكم إنما شرع ذلك اليوم؟ فأجابني بما مضمونه: أن الحديث اقتضى أن ذلك الفعل مفطر، وهذا
(1/304)
كما لو رأى إنسانًا يأكل أو يشرب، فقال: أفطر الآكل والشارب، فهذا فيه بيان السبب المقتضي للفطر، ولا تعرض فيه للمانع، وقد علم أن النسيان مانع من الفطر بدليل خارج، فكذلك الخطأ والجهل، والله أعلم) [إعلام الموقعين 2/ 50 ــ 53] (1). - وقال ابن مفلح: (وصوم المطمور (2) ليلًا بالتحرِّي، بل أولى، لأن إمكان التحرز من الخطأ هنا أظهر، والنسيان: لا يمكنه التحرز منه، وكذا سهو المصلي بالسلام عن نقص، ولا علامة ظاهرة، ولا أمارة سوى علم المصلي، وهنا علاماتٌ، ويمكن الاحتياط والتحفُّظ، وتأتي رواية: لا قضاء على من جامع جاهلًا بالوقت، واختاره شيخنا، وقال: هو قياس أصول أحمد وغيره. وسبق قوله فيمن أفطر فبان رمضان) [الفروع 3/ 74 (5/ 39)] (3). وانظر: ما سبق برقم (432). 445 - من أتى بشيء من المفطرات جاهلا: - قال ابن القيم: ( ... وهذا يدل على أن الجاهل أعذر من الناسي، وأولى بعدم الحنث، وصرح به أصحاب الشافعي في الأيمان، ولكن تناقضوا كلهم في جعل الناسي في الصوم أولى بالعذر من الجاهل، ففطروا الجاهل دون الناسي، وسوّى شيخنا بينهما، وقال: الجاهل أولى بعدم الفطر _________ (1) «الفتاوى» (20/ 569 - 573) مع اختلاف يسير، ودون الجواب عن السؤال الأخير الذي سأله إياه ابن القيم، وقد سبقت الإشارة إلى هذا النقل (ص 57 - 58). (2) أي: المحبوس في المطمورة، وهي الحبس الذي يكون تحت الأرض. ينظر: «المصباح المنير» (2/ 378). (3) «الفتاوى» (25/ 264)، «الاختيارات» للبعلي (161).
(1/305)
من الناسي، فسلم من التناقض) [إعلام الموقعين 4/ 87] (1). 446 - من جامع في نهار رمضان ناسيا: - قال ابن مفلح: (ومن جامع في صوم رمضان بلا عذر لزمه القضاء والكفارة «و» .... والناسي كالعامد، نقله الجماعة، واختاره الأصحاب «و: م» والظاهرية؛ وعنه: لا يكفّر، اختاره ابن بطة «و: م ر»؛ وعنه: لا يقضي، اختاره الآجري وأبو محمد الجوزي وشيخنا) [الفروع 3/ 75 (5/ 40 ــ 41)] (2). 447 - من جامع يعتقده ليلا فبان نهارا: - قال ابن مفلح: (وكذا من جامع يعتقده ليلًا، فبان نهارًا يقضي، جزم به الأكثر، وجعله جماعة أصلًا للكفارة، وفي «الرعاية» رواية: لا يقضي، واختاره شيخنا) [الفروع 3/ 76 (5/ 41)] (3). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (20/ 572؛ 25/ 228). (2) «الفتاوى» (25/ 226)، «الاختيارات» للبعلي (161). (3) «الفتاوى» (25/ 264)، «الاختيارات» للبعلي (161).
(1/306)
باب أهل الأعذار
448 - الفطر للتقوي على الجهاد: - قال ابن القيم: (وأجاز شيخنا ابن تيمية الفطر للتقوي على الجهاد وفعَله وأفتى به لما نازل العدو دمشق في رمضان، فأنكر عليه بعض المتفقهين، وقال: ليس هذا سفرًا طويلًا. فقال الشيخ: هذا فطر للتقوِّي على جهاد العدو، وهو أولى من الفطر للسفر يومين سفرًا مباحًا أو معصية، والمسلمون إذا قاتلوا عدوهم وهم صيام لم يمكنهم النكاية فيهم، وربما أضعفهم الصوم على القتال، فاستباح العدو بيضة الإسلام، وهل يشك فقيه أنّ الفطر ههنا أولى من فطر المسافر، وقد أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الفتح بالإفطار ليتقووا على عدوهم، فعلل ذلك للقوة على العدو، لا للسفر، والله أعلم) [بدائع الفوائد 4/ 37]. - وقال أيضًا: (وكان يأمرهم (1) بالفطر إذا دنوا من عدوهم، ليتقووا على قتاله. فلو اتفق مثل هذا في الحضر، وكان في الفطر قوة لهم على لقاء عدوهم، فهل لهم الفطر؟ فيه قولان، أصحهما دليلًا أن لهم ذلك، وهو اختيار ابن تيمية، وبه أفتى العساكر الإسلامية لما لقوا العدوّ بظاهر دمشق) [زاد المعاد 2/ 53]. - وقال ابن كثير: (وأفتى (2) الناس بالفطر مدة قتالهم، وأفطر هو أيضًا، _________ (1) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -. (2) أي: شيخ الإسلام ابن تيمية.
(1/307)
وكان يدور على الأجناد والأمراء، فيأكل من شيء معه في يده؛ ليعلمهم أن إفطارهم ليتقووا على القتال أفضل، فيأكل الناس، وكان يتأول في الشاميين قوله - صلى الله عليه وسلم - : «إنكم ملاقوا العدو غدًا، والفطر أقوى لكم»، فعزم عليهم في الفطر عام الفتح، كما في حديث أبي سعيد الخدري) [البداية والنهاية 14/ 30] (1). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (159).
(1/308)
باب حكم قضاء الصوم وغيره
449 - التبرع بالصوم عمن لا يطيقه أو عن ميت: - قال ابن مفلح: (وقد قال شيخنا: إن تبرع بصومه عمّن لا يطيقه لكبر ونحوه، أو عن ميت، وهما معسران= يتوجّه جوازه، لأنه أقرب إلى المماثلة من المال) [الفروع 3/ 96 (5/ 70)]. - وقال أيضا: (وجزم الشيخ في مسألة من نذر صومًا فعجز عنه، أن صوم النذر لا إطعام فيه بعد الموت، بخلاف رمضان، ولم أجد في كلامه خلافه، ولا كفارة مع الصوم عنه أو الإطعام، واختار شيخنا: أن الصوم عنه بدل مجزئ بلا كفارة) [الفروع 3/ 100 (5/ 75)] (1). 450 - من ترك الصوم أو الصلاة متعمدا بلا عذر: - قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: لا يقضي متعمِّدٌ بلا عذر «خ» صومًا ولا صلاة، قال: ولا يصح منه، وأنه ليس في الأدلة ما يخالف هذا، بل يوافقه. وضَعَّف أمره عليه السلام المجامع بالقضاء، لعدول البخاري ومسلم عنه) [الفروع 3/ 97 (5/ 71)] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (162). (2) انظر: «الفتاوى» (25/ 225 - 226)
(1/309)
باب صوم التطوع وذكر ليلة القدر
451 - معنى أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر: - قال ابن مفلح: (ويستحب صوم ثلاثة أيام من كل شهر «و»، وأيام البيض أفضل «و: ش»، نصّ على ذلك، للأخبار الصحيحة في ذلك، وأنه «صوم الدهر»، وفي بعضها: «كصوم الدهر»، قال شيخنا وغيره: مراده أن من فعل هذا حصل له أجر صيام الدهر، بتضعيف الأجر، من غير حصول المفسدة (1). والله أعلم) [الفروع 3/ 106 (5/ 83)] (2). 452 - صوم الست من شوال: 453 - وعدم مشروعية اعتقاد الثامن منه عيدا: - قال ابن مفلح: (وتحصل فضيلتها (3) متتابعة ومتفرقة، ذكره جماعة، وهو ظاهر كلام أحمد، وقال: في أول الشهر وآخره. واستحب بعضهم تتابعها، وهو ظاهر كلام الخرقي وغيره، وبعضهم: عقب العيد، واستحبهما ابن المبارك والشافعي وإسحاق، وهذا أظهر، ولعله مراد أحمد والأصحاب، لما فيه من المسارعة إلى الخير، وإن حصلت الفضيلة بغيره، وسمى بعض الناس الثامن: عيد الأبرار. _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: المفسدة الحاصلة بصيام الدهر، وهي الضعف، والتشبيه بالتبتل) ا. هـ. (2) «الفتاوى» (22/ 303)، «الاختيارات» للبعلي (163). (3) أي صيام ستة أيام من شوال.
(1/310)
واختار شيخنا الأول لظاهر الخبر، وذكره قول الجمهور، وقال: ولا يجوز اعتقاد ثامن شوال عيدًا، فإنه ليس بعيد إجماعًا، ولا شعائره شعائر العيد، والله أعلم) [الفروع 3/ 108 (5/ 85 ــ 86)] (1). 454 - حكمة مشروعية فطر يوم عرفة بعرفة: - قال ابن القيم: (وقد اختلف في حكمة استحباب فطر يوم عرفة بعرفة: فقالت طائفة: ليتقوى على الدعاء، وهذا هو قول الخرقي وغيره. وقال غيرهم ــ منهم شيخ الإسلام ابن تيمية ـ: الحكمة فيه، أنه عيد لأهل عرفة، فلا يستحب صومه لهم. قال: والدليل عليه الحديث الذي في «السنن» عنه أنه قال: «يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى عيدنا أهل الإسلام». قال شيخنا: وإنما يكون يوم عرفة عيدًا في حق أهل عرفة، لاجتماعهم فيه، بخلاف أهل الأمصار، فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر، فكان هو العيد في حقهم) [زاد المعاد 2/ 61 ــ 62]. - وقال أيضا: (وقد ذكر لفطره بعرفة عدة حكم: منها: أنه أقوى على الدعاء. ومنها: أن الفطر في السفر أفضل في فرض الصوم، فكيف بنفله. _________ (1) انظر: «شرح العمدة» (4/ 559 - 560 ــ الصيام)، «الفتاوى» (25/ 298)، «مختصر الفتاوى المصرية» (290)، «الاختيارات» للبعلي (165).
(1/311)
ومنها: أن ذلك اليوم كان يوم الجمعة، وقد نهى عن إفراده بالصوم، فأحب أن يرى الناس فطره فيه تأكيدا لنهيه عن تخصيصه بالصوم، وإن كان صومه لكونه يوم عرفة، لا يوم جمعة. وكان شيخنا - رحمه الله - يسلك مسلكا آخر، وهو أنه يوم عيد لأهل عرفة، لاجتماعهم فيه، كاجتماع الناس يوم العيد، وهذا الاجتماع يختص بمن بعرفة، دون أهل الآفاق. قال: وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا في الحديث الذي رواه أهل «السنن»: «يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى، عيدنا أهل الإسلام». ومعلوم أن كونه عيدًا هو لأهل ذلك الجمع، لاجتماعهم فيه، والله أعلم) [زاد المعاد 2/ 78 ــ 79] (1). 455 - صوم المحرم والأشهر الحرم: - قال ابن القيم: (وسئل - صلى الله عليه وسلم -: أي الصوم أفضل؟ فقال: «شعبان لتعظيم رمضان»، قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: «صدقة رمضان» ذكره الترمذي، والذي في «الصحيح» أنه سئل: أي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: «شهر الله الذي تدعونه المحرم». قيل: فأي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: «الصلاة في جوف الليل». قال شيخنا: ويحتمل أنه يريد بشهر الله المحرم أول العام، وأن يريد به الأشهر الحرم، والله أعلم) [إعلام الموقعين 4/ 293] (2). _________ (1) انظر: «شرح العمدة» (4/ 568 ــ الصيام). (2) انظر: «شرح العمدة» (4/ 548 ــ الصيام).
(1/312)
456 - إفراد العاشر من محرم بالصوم: - قال ابن مفلح: (ولا يكره إفراد العاشر بالصوم، وقد أمر أحمد بصومهما، ووافق شيخنا المذهب أنه لا يكره، وقال: مقتضى كلام أحمد يكره، وهو قول ابن عباس «و: هـ») [الفروع 3/ 112 (5/ 91)] (1). 457 - حكم صوم عاشوراء: - قال ابن القيم: (فإن قيل: فكيف يكون فرضًا، ولم يحصل تبييت النية من الليل، وقد قال: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل»؟ فالجواب: .... (2) وطريقة ثالثة، وهي: أن الواجب تابع للعلم، ووجوب عاشوراء إنما علم من النهار، وحينئذ فلم يكن التبييت ممكنا، فالنية وجبت وقت تجدد الوجوب والعلم به، وإلا كان تكليفًا بما لا يطاق، وهو ممتنع. قالوا: وعلى هذا، إذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار أجزأ صومه بنية مقارنة للعلم بالوجوب، وأصله صوم يوم عاشوراء، وهذه طريقة شيخنا) [زاد المعاد 2/ 73 ــ 74]. - وقال ابن مفلح: (ولم يجب صوم عاشوراء، اختاره الأكثر، منهم القاضي، قال صاحب «المحرر»: هو الأصح من قول أصحابنا «و: ش»، وعن أحمد: وجب، ثم نسخ، اختاره شيخنا) [الفروع 3/ 112 ــ 113 (5/ 91 ــ 92)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (164)، وانظر: «شرح العمدة» (4/ 584 ــ الصيام). (2) ذكر ابن القيم طريقتين لأهل العلم في الجواب عن الحديث، ثم ذكر الطريقة الثالثة. (3) «الفتاوى» (25/ 295 - 296، 311).
(1/313)
458 - الأعمال الأخرى التي تعمل في عاشوراء: - قال ابن مفلح: (سأل ابن منصور أحمد: هل سمعت في الحديث: أن من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر السنة؟ فقال: نعم، رواه سفيان بن عيينة عن جعفر الأحمر عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ــ وكان من أفضل أهل زمانه ــ أنَّه بلغه أن من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته ... وكره شيخنا ذلك (1) وغيره سوى صومه، قال: وقول إبراهيم بن محمد بن المنتشر: «أنه بلغه» لم يذكر عمن بلغه، وبعض الجهال والنواصب ونحوهم وضع في ذلك قبالة الرافضة (2). قال: ولم يستحب أحد من الأئمة فيه غسلًا، ولا كحلًا وخضابًا، ونحو ذلك، والخبر بذلك كذب اتفاقًا، وغلط من صحّح إسناده) [الفروع 3/ 114] (3). 459 - حكم صوم الدهر ما عدا أيام النهي: - قال ابن مفلح: (نقل حنبل: إذا أفطر أيام النهي فليس ذلك صوم الدهر. ونقل صالح: إذا أفطرها رجوت أن لا بأس به. وهذا اختيار القاضي _________ (1) أي التوسعة على العيال. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (لأن الرافضة يضعون في بعض الأيام، فوضع بعض الجهال ذلك في مقابلتهم، وقبالة فلان ــ بالضم ــ: أي تجاهه، وهو اسم، ويكون ظرفا) ا. هـ والمراد بقوله: «يضعون» أي يضعون الأحاديث على النبي - صلى الله عليه وسلم -. (3) انظر: «الفتاوى» (25/ 312 - 313)، و «منهاج السنة النبوية» (8/ 151)، «اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 626 - 627)، «جامع المسائل» (3/ 94، 376 - 377؛ 5/ 151 - 152).
(1/314)
وأصحابه وصاحب «المحرر» والأكثر «و: م ش» ... واختار صاحب «المغني»: يكره، وهو ظاهر رواية الأثرم، وللحنفية قولان. وقال شيخنا: الصواب قول من جعله تركا للأولى، أو كرهه. فعلى الأول (1) صوم يوم، وفطر يوم أفضل منه، خلافًا لطائفة من الفقهاء والعباد. ذكره شيخنا) [الفروع 3/ 115 (5/ 94 ــ 95)] (2). 460 - ليلة النصف من شعبان: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وليلة النصف لها فضلية في المنقول عن أحمد) [الفروع 3/ 118 (5/ 98)] (3). 461 - من نذر صوم رجب كل سنة: 462 - ومن صامه معتقدا أنه أفضل من غيره من الشهور: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من نذر صومه كل سنة، أفطر بعضه وقضاه، وفي الكفارة الخلاف. قال: ومن صامه معتقدًا أنه أفضل من غيره من الأشهر أثم وعزر. وحمل عليه فعل عمر. _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الأول: القول بعدم الكراهة خلاف ما اختاره في «المغني») ا. هـ. (2) «الفتاوى» (22/ 301 - 302)، «الاختيارات» للبعلي (164). (3) انظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 136 - 137)، «مختصر الفتاوى المصرية» (291)، «الاختيارات» للبعلي (99).
(1/315)
وقال أيضًا: في تحريم إفراده وجهان. ولعله أخذه من كراهة أحمد) [الفروع 3/ 118 ــ 119 (5/ 99)] (1). 463 - من نذر صوم رجب وشعبان: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: في مذهب أحمد وغيره نزاع، قيل: يستحب، وقيل: يكره، فيفطر ناذرهما بعض رجب) [الفروع 3/ 119 (5/ 99)]. وانظر: المسألة السابقة. 464 - إفراد يوم السبت بالصوم: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: أنه لا يكره، وأنه قول أكثر العلماء، وأنه الذي فهمه الأثرم من روايته، وأنه لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى، فالحديث شاذ أو منسوخ، وهذه (2) طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه كالأثرم وأبي داود، وأن أكثر أصحابنا فهم من كلام أحمد الأخذ بالحديث) [الفروع 3/ 124 (5/ 105)] (3). 465 - تخصيص أعياد المشركين ويوم الجمعة بالصوم: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا - رضي الله عنه -: لا يجوز تخصيص صوم أعيادهم، ولا صوم يوم الجمعة، ولا قيام ليلتها. ويأتي كلامه في الوليمة) _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (164)، وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (291). (2) في ط 1 والنسخة الخطية (ص: 145): (وأن هذه)، والمثبت من ط 2. (3) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 71 - 76) باختصار، «الاختيارات» للبعلي (164).
(1/316)
[الفروع 3/ 125 (5/ 106)] (1). وانظر ما يأتي برقم (1049). 466 - صيام يوم النيروز والمهرجان: - قال ابن القيم: (قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية ــ قدّس الله روحه ــ: وقد يقال: يكره الصوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من الأيام التي لا تعرف بحساب العرب، بخلاف ما جاء في الحديث من يوم السبت والأحد، لأنه إذا قصد صوم مثل هذه الأيام العجمية أو الجاهلية كان ذريعة إلى إقامة شعار هذه الأيام وإحياء أمرها وإظهار حالها، بخلاف السبت والأحد، فإنهما من حساب المسلمين، فليس في صومهما مفسدة، فيكون استحباب صوم أعيادهم المعروفة بالحساب العربي الإسلامي، مع كراهة الأعياد المعروفة بالحساب الجاهلي العجمي، توفيقًا بين الآثار، والله أعلم) [تهذيب السنن 4/ 52] (2). 467 - الثواب على العبادة التي أداها على وجه محرم أو مكروه: - قال ابن مفلح: (سبق في الصلاة في المغصوب: هل يثاب على العبادة على وجه محرم أو مكروه؟ كلام شيخنا في صلاة التطوع) [الفروع 3/ 136 (5/ 120)]. وانظر ما تقدم برقم (263). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (164 - 165). (2) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 81).
(1/317)
468 - الثواب على الجزء الصحيح من العبادة الباطلة: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا في «رده على الرافضي»: جاءت السنة بثوابه على ما فعله وعقابه على ما تركه، ولو كان باطلًا كعدمه ولا ثواب فيه لم يجبر بالنوافل شيء، والباطل في عرف الفقهاء: ضد الصحيح في عرفهم، وهو: ما أبرأ الذمة، فقولهم: بطلت صلاته وصومه وحجه لمن ترك ركنًا، بمعنى: وجب القضاء، لا بمعنى أنه لا يثاب عليها بشيء في الآخرة ... إلى أن قال (1): فنفي الشارع الإيمان عمن ترك واجبًا منه، أو فعل محرمًا فيه، كنفي غيره، كقوله: «لا صلاة إلا بأم القرآن»، وقوله للمسيء: «فإنك لم تصل» و: «لا صلاة لفذ» (2). وقال شيخنا أيضًا في قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] البطلان هو بطلان الثواب، ولا نسلم بطلان جميعه، بل قد يثاب على ما فعله، فلا يكون مبطلًا لعمله، والله أعلم (3)) [الفروع 3/ 138 - 139 (5/ 121 - 122)] (4). 469 - تفضيل ليلة القدر على ليلة الإسراء: - قال ابن القيم: (فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: عن رجل قال: ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر، وقال آخر: بل ليلة القدر أفضل، فأيهما المصيب؟ _________ (1) أي: ابن تيمية. (2) «منهاج السنة النبوية» (5/ 206 - 208) باختصار. (3) انظر: «الفتاوى» (10/ 639 - 640). (4) «الاختيارات» للبعلي (165).
(1/318)
فأجاب: الحمد لله، أما القائل: بأن ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر، فإن أراد به: أن تكون الليلة التي أسري فيها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ونظائرها من كل عام أفضل لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من ليلة القدر، بحيث يكون قيامها والدعاء فيها أفضل منه في ليلة القدر= فهذا باطل، لم يقله أحد من المسلمين، وهو معلوم الفساد بالاطّراد من دين الإسلام، هذا إذا كانت ليلة الإسراء تعرف عينها، فكيف ولم يقم دليل معلوم، لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها؟ ! بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به. ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره، بخلاف ليلة القدر، فإنه قد ثبت في «الصحيحين» عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»، وفي «الصحيحين» عنه أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقد أخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر، وأنه أنزل فيها القرآن. وإن أراد أن الليلة المعينة التي أسري فيها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وحصل له فيها ما لم يحصل له في غيرها من غير أن يشرع تخصيصها بقيام، ولا عبادة= فهذا صحيح، وليس إذا أعطى الله نبيه فضيلة في مكان أو زمان، يجب أن يكون ذلك الزمان والمكان أفضل من جميع الأمكنة والأزمنة؛ هذا إذا قدر أنه قام دليل على أن إنعام الله تعالى على نبيه ليلة الإسراء كان أعظم من إنعامه عليه بإنزال القرآن ليلة القدر، وغير ذلك من النعم التي أنعم عليه بها. والكلام في مثل هذا يحتاج إلى علم بحقائق الأمور، ومقادير النعم، التي لا تعرف إلا بوحي، ولا يجوز لأحد أن يتكلم فيها بلا علم، ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها، لا سيما على
(1/319)
ليلة القدر، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور، ولا يذكرونها، ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت، وإن كان الإسراء من أعظم فضائلة - صلى الله عليه وسلم -، ومع هذا فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان، ولا ذلك المكان بعبادة شرعية، بل غار حراء الذي ابتدئ فيه بنزول الوحي، وكان يتحراه قبل النبوة، لم يقصده هو، ولا أحد من أصحابه بعد النبوة مدة مقامه بمكة، ولا خصّ اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها، ولا خصّ المكان الذي ابتدئ فيه بالوحي، ولا الزمان بشيء. ومن خصّ الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله= كان من جنس أهل الكتاب، الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات، كيوم الميلاد، ويوم التعميد، وغير ذلك من أحواله، وقد رأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جماعة يتبادرون مكانًا يصلون فيه، فقال: ما هذا؟ قالوا: مكان صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا، فمن أدركته فيه الصلاة فليصل، وإلا فليمض. وقد قال بعض الناس: إن ليلة الإسراء في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من ليلة القدر، وليلة القدر بالنسبة إلى الأمة أفضل من ليلة الإسراء، فهذه الليلة في حق الأمة أفضل لهم، وليلة الإسراء في حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل له) [زاد المعاد 1/ 57 ــ 59]. - وقال أيضا: (ومنها أنه سئل (1) عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل؟ _________ (1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية، والإشارة إلى مسائل التفضيل التي أجاب عنها.
(1/320)
فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة، فحظ النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي اختص به ليلة المعراج منها أكمل من حظه من ليلة القدر، وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج، وإن كان لهم فيها أعظم حظ، لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسري به - صلى الله عليه وسلم -) [بدائع الفوائد 3/ 162 ط: الكتاب العربي] (1). 470 - الاعتبار بالماضي أو الباقي في الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: الوتر يكون باعتبار الماضي (2)، فتطلب ليلة القدر ليلة إحدى، وليلة ثلاث، إلى آخره، ويكون باعتبار الباقي، لقوله عليه السلام (3): «لتاسعة تبقى» الحديث، فإذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع، فليلة الثانية تاسعة تبقى، وليلة أربع سابعة تبقى، كما فسره أبو سعيد الخدري، وإن كان تسعًا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي) [الفروع 3/ 143 (5/ 126 ــ 127)] (4). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (166)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 286). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (إذا كان الشهر ثلاثين، فالثانية من العشر شفع بالنسبة إلى الماضي، لأنها ثانية، وهي وتر بالنسبة إلى الباقي، لأنها تاسعة، وقس على ذلك، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين فما كان شفعا بالنسبة إلى الماضي، فهو شفع بالنسبة إلى الباقي، وما كان وترا بالنسبة إلى الماضي فهو وتر بالنسبة إلى الباقي، فالرابعة: شفع بالنسبة إلى الماضي لأنها رابعة، وشفع بالنسبة إلى الباقي، لأنها سادسة، والثالثة: وتر الماضي، وهي وتر الباقي، لأنها سابعة) ا. هـ (3) في «الفتاوى»: (كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -). (4) «الفتاوى» (25/ 284 - 285)، «الاختيارات» للبعلي (166).
(1/321)
471 - أفضل أيام الأسبوع، وأفضل أيام السنة: - قال ابن القيم: (ومنها أنه سئل (1) عن يوم الجمعة ويوم النحر، فقال: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام) [زاد المعاد 1/ 57 ــ 59]. - وقال ابن مفلح: (ذكر أبو بكر بن العربي المالكي في «العارضة» ــ وذكر غيره ــ: أن يوم الجمعة أفضل الأيام، وقال شيخنا: هو أفضل أيام الأسبوع إجماعًا. وقال: يوم النحر أفضل أيام العام، وكذا ذكره جده صاحب «المحرر» في صلاة العيد من شرحه «منتهى الغاية»: أن يوم النحر أفضل، وظاهر ما ذكره أبو حكيم: أن يوم عرفة أفضل، وهذا أظهر، وقاله أكثر الشافعية، وبعضهم: يوم الجمعة. وظهر مما سبق: أن هذه الأيام أفضل من غيرها، ويتوجه على اختيار شيخنا: بعد يوم النحر يوم القَرِّ (2)، الذي يليه، لأنه احتج بقوله عليه السلام: «أعظم الأيام عند الله: يوم النحر، ثم يوم القرّ») [الفروع 3/ 145 (5/ 129)] (3). _________ (1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية، والإشارة إلى مسائل التفضيل التي أجاب عنها. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (بفتح القاف وتشديد الراء المهملة، هو أول أيام التشريق، وهو الحادي عشر، سمي بذلك لأن أهل منى يستقرّون فيه، ولا يجوز النفر فيه) ا. هـ. (3) «الفتاوى» (25/ 288 - 289)، «الاختيارات» للبعلي (166).
(1/322)
472 - أفضل عشر، وأفضل الشهور: 473 - وحكم من فضل رجب على رمضان: - قال ابن القيم: (وقد اختلف في أيام العشر من ذي الحجة، والعشر الأخير من رمضان: أيهما أفضل؟ قال شيخنا: وفصل الخطاب أن ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، فإن فيها ليلة القدر، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في تلك الليالي ما لا يجتهد في غيرها من الليالي، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الآخر من رمضان، لحديث ابن عباس، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر»، وما جاء في يوم عرفة) [تهذيب السنن 6/ 315]. - وقال أيضا: (ومنها أنه سئل (1) عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فقال: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة) [بدائع الفوائد 3/ 162 ــ ط: دار الكتاب العربي]. - وقال ابن مفلح: (وعشر ذي الحجة أفضل، على ظاهر ما في «العمدة» وغيرها، وسبق كلام شيخنا في صلاة التطوع، وقال أيضًا: قد يقال ذلك، وقد يقال: ليالي عشر رمضان الأخير، وأيام ذلك أفضل. قال: والأوّل أظهر، لوجوه (2) ... وذكرها (3). _________ (1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية، والإشارة إلى مسائل التفضيل التي أجاب عنها. (2) في ط 2: (لوجوده)، والتصويب من ط 1 والنسخة الخطية (ص: 148). (3) أي ابن تيمية.
(1/323)
ورمضان أفضل، ذكره جماعة، وذكره ابن شهاب: فيمن زال عذره، وذكروا: أن الصدقة فيه أفضل، وعللوا ذلك، قال شيخنا: ويكفر من فَضَّلَ رجبًا عليه) [الفروع 3/ 145 (5/ 130)] (1). وانظر ما تقدم برقم (229). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (25/ 287).
(1/324)
باب الاعتكاف
474 - إذا نذر الاعتكاف أو الصلاة ــ بلا شد رحل ــ في مسجد له مزية شرعية غير المساجد الثلاثة: - قال ابن مفلح: (أما ما لم يحتج إلى شد رحل، فمفهوم كلامه في «المغني» يلزم فيه، وهو ظاهر «الانتصار» فإنه قال: القياس لزومه، تركناه لقوله: «لا تشد الرحال ... ». وذكره صاحب «المحرر» أن القاضي ذكر تعيينه لها، قال صاحب «المحرر»: لأنه أفضل، قال: ونذر الاعتكاف مثله. وأطلق شيخنا وجهين في تعيين ما امتاز بمزية شرعية ــ كقدم، وكثرة جمع ــ (1)، واختار في موضع آخر: يتعين (2)) [الفروع 3/ 165 (5/ 153)] (3). 475 - إذا نذر عبادة في مسجد لا يصل إليه إلا بشد رحل: - قال ابن مفلح: (وإن أراد الذهاب إلى ما عيّنه، فإن احتاج إلى شدِّ رحل خيّر عند القاضي وغيره، وجزم بعضهم بإباحته، واختاره الشيخ في القصير، واحتج بخبر قباء، وحمل النهي على أنه لا فضيلة فيه، وقاله أكثر الشافعية، وحكاه في «شرح مسلم» عن جمهور العلماء، ولم يجوّزه ابن عقيل، وشيخنا «و: م»، وبعض أصحابنا) [الفروع 3/ 167 (5/ 155)] (4). _________ (1) «شرح العمدة» (2/ 769 ــ الصيام). (2) انظر: «الفتاوى» (31/ 50 - 51). (3) «الاختيارات» للبعلي (168). (4) «الفتاوى» (27/ 21، 247 - 250)، «الاختيارات» للبعلي (168).
(1/325)
476 - قصد زيارة المشاهد: - قال ابن مفلح: (وحكى شيخنا وجهًا: يجب السفر المنذور إلى المشاهد، ومراده ــ والله أعلم ــ اختيار صاحب «الرعاية». وقال شيخنا أيضًا: ما شرع جنسه، والبدعة اتخاذه عادة كأنه واجب، كصلاة وقراءة ودعاء وذكرٍ ــ جماعةً وفرادى ــ وقصد بعض المشاهد ونحوه= يفرّق بين الكثير الظاهر منه والقليل الخفي، والمعتاد وغيره. قال: ويترتب على استحبابه وكراهته حكم نذره وشرطه في وقف ووصية ونحوه، والله أعلم) [الفروع 3/ 168 (5/ 156)] (1). 477 - اشتراط الصوم للاعتكاف: - قال ابن القيم: (فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف: أن الصوم شرط الاعتكاف، وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية) [زاد المعاد 2/ 88]. 478 - قراءة القرآن عند ورود الحكم الذي أنزل له أو ما يناسبه: - قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا: إن قرأ عند الحكم الذي أنزل له، أو ما يناسبه، ونحوه: فحسن؛ كقوله لمن دعاه لذنب تاب منه: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: 16]، وقوله عند ما أهمّه: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]) [الفروع 3/ 194 (5/ 189)] (2). _________ (1) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 145). (2) «الاختيارات» للبعلي (168). ... تنبيه: وقع في مطبوعات «الاختيارات» للبعلي: (ولا يجوز شد الرحل للذهاب إلى المشاهد والقبور والمساجد غير المساجد الثلاثة، وهو قول مالك وبعض أصحابه. وقال ابن عقيل من أصحابنا: وإن قرأ القرآن عند الحكم الذي أنزل ... )، والذي يبدو لي أن صواب العبارة: (وهو قول مالك وبعض أصحابه، وقاله ابن عقيل من أصحابنا. وإن قرأ القرآن .. ) فتكون جملة: «وإن قرأ ... » مستأنفة، وهذا هو الموافق لما حكاه ابن مفلح في الفروع (انظر المسألة: 475)، والله أعلم.
(1/326)
479 - نية الاعتكاف عند قصد المسجد للصلاة أو غيرها: - قال ابن مفلح: (ينبغي لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرها= أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه، لا سيما إن كان صائمًا، ذكره ابن الجوزي في «المنهاج»، ومعناه في «الغنية»، وفاقًا للشافعية، ولم يره شيخنا، والله أعلم) [الفروع 3/ 202 (5/ 196)] (1). وانظر: ما سبق (323). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (169).
(1/327)
كتاب المناسك
480 - حكم العمرة: - قال ابن مفلح: (وعنه: العمرة سنة، وفاقا لأبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعية، واختاره شيخنا ... وعنه رواية ثالثة: تجب إلا على المكي، نقلها عبد الله والأثرم والميموني وبكر بن محمد، اختاره الشيخ. وقال شيخنا: عليه نصوصه، وتأولها القاضي على أنه نفى عنهم دم التمتع، كذا قال) [الفروع 3/ 204 ــ 206 (5/ 203 ــ 205)] (1). 481 - طاعة الوالدين في أداء الحج: - قال ابن مفلح: (وقال أحمد في الفرض: إن لم تأذن لك أمك، وكان عندك زاد وراحلة فحج، ولا تلتفت إلى إذنها، واخضع لها، ودارها. ويلزمه طاعة والديه في غير معصية، ويحرم فيها. ولو أمره بتأخير الصلاة ليصلي به أخرها. نص على ذلك كله، قال في «المستوعب» وغيره: ولو كانا فاسقين. وهو إطلاق كلام أحمد، وقال شيخنا: هذا فيما فيه نفع لهما ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا، وإنما لم يقيده أبو عبد الله (2) _________ (1) «الفتاوى» (26/ 5 - 9، 44 - 45، 197، 256 - 258)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (170). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع» (5/ 296): (يعني: الإمام أحمد، لم يقيّده بقوله: «ولا ضرر عليه» لأنه معروف أن فرائض الله تسقط بالضرر، ولهذا قيّد في تملكه من ماله، وله أن يتملك من ماله ما لا يضرّ به، فشرط نفي الضرر، فقيد نفي الضرر مرادٌ وإن لم يُذكر) ا. هـ
(1/329)
لسقوط فرائض الله بالضرر، وعلى هذا بنينا تملكه من ماله (1)، فنفعه كماله، فليس الولد بأكثر من العبد (2). هذا كلامه ... ويأتي أول الطلاق إن شاء الله تعالى كلام أحمد: فيمن يأمره أحد أبويه بالطلاق، وكلام شيخنا في أمره بنكاح معينة» [الفروع 3/ 224 ــ 226 (5/ 229 ــ 230) وذكر نحوه في موضع آخر: 3/ 272 (5/ 296)] (3). وانظر ما يأتي برقم (1070). 482 - حكم التوكل على الله: - قال ابن مفلح: (والتوكل على الله واجب، قال شيخنا: باتفاق أئمة الدين) [الفروع 3/ 227 (5/ 232)] (4). 483 - سلوك الطريق غير الآمنة إلى الحج: - قال ابن مفلح: (وقال ابن الجوزي: العاقل إذا أراد سلوك طريق يستوي فيها احتمال السلامة والهلاك وجب عليه الكف عن سلوكها. واختاره شيخنا، وقال: أعان على نفسه، فلا يكون شهيدًا) [الفروع _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (لأنهم اشترطوا في تملك الأب مال الابن عدم ضرر الابن) ا. هـ. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (والعبد ليس لسيده أن يفعل به ما يضره) ا. هـ (3) «الاختيارات» للبعلي (170). (4) «الفتاوى» (10/ 6).
(1/330)
3/ 231 ــ 232 (5/ 239)] (1). 484 - حكم الخفارة: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: الخفارة تجوز عند الحاجة إليها في الدفع عن المُخَفَّر، ولا تجوز مع عدمها، كما يأخذه السلطان من الرعايا) [الفروع 3/ 232 (5/ 239)] (2). 485 - إذا حج على دابة مغصوبة: - قال ابن مفلح: (ونقل ابن القاسم: لا أجر لمن غزا على فرس غصب، وقاله شيخنا وغيره في حج) [الفروع 1/ 336 (2/ 48)]. 486 - حكم سفر المرأة للحج وللطاعة بلا محرم: - قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: تحجُّ كل امرأة آمنة مع عدم المحرم، وقال: إن هذا متوجِّه في كل سفر طاعة. كذا قال) [الفروع 3/ 236 ــ 237 (5/ 245)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (171)، وانظر: «الفتاوى» (24/ 293). (2) «الاختيارات» للبعلي (171). (3) «الاختيارات» للبعلي (171 - 172)، وقال أيضا: (وصحح أبو العباس في «الفتاوى المصرية» أن المرأة لا تسافر للحج إلا مع زوج أو ذي محرم)، وفي «الفتاوى» (26/ 13): (وسئل هل يجوز أن تحج المرأة بلا محرم؟ فأجاب: إن كانت من القواعد اللاتي لم يحضن وقد يئست من النكاح، ولا محرم لها، فإنه يجوز في أحد قولي العلماء أن تحج مع من تأمنه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومذهب مالك والشافعي) ا. هـ. ونحوه في «مختصر الفتاوى المصرية» (317).
(1/331)
487 - سفر إماء المرأة معها بلا محرم: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: إماء المرأة يسافرن معها ولا يفتقرن إلى محرم، لأنه لا محرم لهن في العادة الغالبة، فأما عتقاؤها من الإماء ... وبيّض لذلك (1)، ويتوجه احتمال أنهن كالإماء على ما قال، إن لم يكن لهن محرم، واحتمال عكسه، لانقطاع التبعية وملك أنفسهن بالعتق، فلا حاجة، بخلاف الإماء، وظاهر كلامهم اعتبار المحرم للكلِّ، وعدمه كعدم المحرم للحرة) [الفروع 3/ 237 ــ 238 (5/ 246)] (2). 488 - ثبوت المحرمية بوطء الشبهة بخلاف الزنا: - قال ابن مفلح: (ولا محرمية بوطء شبهة أو زنا، فليس بمحرم لأم الموطوءة وابنتها، لأن السبب غير مباح، قال الشيخ وغيره: كالتحريم باللعان وأولى، لأن المحرمية تعمه (3)، فاعتُبر إباحة سببها كسائر الرخص. وعنه: بلى، واختاره في «الفصول» في وطء الشبهة، لا الزنا، واختاره شيخنا، وذكره قول أكثر العلماء، لثبوت جميع الأحكام، فيدخل في الآية، بخلاف الزنا. والمراد ــ والله أعلم ــ بالشبهة ما جزم به جماعة: الوطء الحرام مع _________ (1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية. (2) «الاختيارات» للبعلي (172). (3) كذا في ط 1 وط 2 والنسخة الخطية (ص: 161)، ولعل الصواب: (نعمة) كما في «المبدع» (3/ 41)، و «مطالب أولي النهى» (2/ 293)، و «حاشية الروض المربع» (3/ 526).
(1/332)
الشبهة، كالجارية المشتركة ونحوها، لكن ذكر في «الانتصار» في مسألة تحريم المصاهرة ــ وذكره شيخنا ــ: أن الوطء في نكاح فاسد كالوطء بشبهة) [الفروع 3/ 238 ــ 239 (5/ 247)] (1). 489 - أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا وغيره: وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية «و») [الفروع 3/ 239 (5/ 247)] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (172). (2) «منهاج السنة النبوية» (4/ 369)، «الاختيارات» للبعلي (172).
(1/333)
باب المواقيت
490 - وقت حجة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: - قال ابن مفلح: (وحجة أبي بكر لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت في ذي الحجة عند أحمد، واحتج بقول أبي هريرة: بعثني أبو بكر أنادي يوم الحج الأكبر، قال أحمد: فهل هذا إلا في ذي الحجة. رواه البيهقي في «مناقب أحمد»، والأشهر في ذي القعدة، وذكره شيخنا اتفاقًا) [الفروع 3/ 289 (5/ 320)] (1). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (7/ 598)، «شرح العمدة» (5/ 223 ــ كتاب المناسك).
(1/334)
باب الإحرام
491 - انعقاد الإحرام يكون بالنية مع التلبية أو سوق الهدي: - قال ابن مفلح: (وهو نية النسك، لا ينعقد إلا بنية، وللشافعي قول ضعيف ينعقد بالتلبية، ونية النسك كافية، نصّ عليه «و: م ش»، وفي «الانتصار» رواية: مع تلبية، أو سوق هدي «و: هـ»، اختارها شيخنا) [الفروع 3/ 291 (5/ 323)] (1). 492 - الصلاة للإحرام: - قال ابن مفلح: (يحرم عقب مكتوبة أو نفل، نصّ عليه ... واختار شيخنا: عقب فرض إن كان وقته، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه) [الفروع 3/ 293 (5/ 326)] (2). 493 - الاشتراط للمحرم: - قال ابن مفلح: (واستحبّ شيخنا الاشتراط للخائف خاصة، جمعًا بين الأدلة) [الفروع 3/ 297 (5/ 329)] (3). 494 - أفضل أنواع النسك: - قال ابن القيم: (ولكن نقل عنه [المَرُّوذِي] (4): أنه إذا ساق الهدي، _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (173)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 22، 108). (2) «الفتاوى» (26/ 108 - 109)، «الاختيارات» للبعلي (173). (3) «الفتاوى» (26/ 106 - 107)، «الاختيارات» للبعلي (173). (4) في الأصل: (المروزي)، والصواب ما أثبت، كما سيأتي في النقل عن «الفروع»، والله أعلم.
(1/335)
فالقران أفضل، فمن الصحابة (1) من جعل هذا رواية ثانية، ومنهم من جعل المسألة رواية واحدة، وأنه إن ساق الهدي فالقران أفضل، وإن لم يسق فالتمتع أفضل، وهذه طريقة شيخنا) [زاد المعاد 2/ 141]. - وقال ابن مفلح: (ونقل المَرُّوذِي عن أحمد: إن ساق الهدي فالقران أفضل، ثم التمتع. لأنّ في «الصحيحين» عن عائشة مرفوعًا: «من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا»، اختاره شيخنا. قال: وإن اعتمر وحج في سفرتين، أو اعتمر قبل أشهر الحج، فالإفراد أفضل، باتفاق الأئمة الأربعة. ونصّ عليه أحمد في الصورة الأولى، وذكره في «الخلاف» وغيره، وهي أفضل من الثانية، نصّ عليه، وسبقت الثانية آخر الباب قبله (2). وقال شيخنا: ومن أفرد العمرة بسفرة، ثم قدم في أشهر الحج فإنّه متمتع، لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - اعتمروا عمرة القضيّة، ثم تمتعوا) [الفروع 3/ 300 (5/ 334)] (3). _________ (1) كذا بالأصل، ولعل الصواب: (أصحابه) أي: أصحاب الإمام أحمد، والله أعلم. (2) يشير إلى ما ذكره (5/ 321) عن ابن إبراهيم أنه نقل عن أحمد قوله في العمرة: هي في رمضان أفضل، وفي غير أشهر الحج أفضل، ثم قال ابن مفلح: (وكذا نقله الأثرم، قال: لأنها أتم، لأنه ينشيء لها سفرا) ا. هـ. (3) «الفتاوى» (26/ 79، 85، 101، 276)، «الاختيارات» للبعلي (173).
(1/336)
495 - حكم التمتع: 496 - وفسخ الحج إلى العمرة: - قال ابن القيم: (وأما قول عثمان - رضي الله عنه - في متعة الحج: إنها كانت لهم ليست لغيرهم، فحكمه حكم قول أبي ذر سواء، على أن المروي عن أبي ذر وعثمان يحتمل ثلاثة أمور: أحدها: اختصاص جواز ذلك بالصحابة، وهو الذي فهمه من حرّم الفسخ. الثاني: اختصاص وجوبه بالصحابة، وهو الذي كان يراه شيخنا ــ قدس الله روحه ــ، يقول: إنهم كانوا قد فرض عليهم الفسخ لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم به، وحتمه عليهم، وغضبه عندما توقفوا في المبادرة إلى امتثاله، وأما الجواز والاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة. لكن أبى ذلك البحر ابن عباس، وجعل الوجوب للأمة إلى يوم القيامة، وأن فرضا على كل مفرد وقارن لم يسق الهدي أن يحلّ ولا بد، بل قد حلّ وإن لم يشأ، وأنا إلى قوله أميل مني إلى قول شيخنا) [زاد المعاد 2/ 193]. - وقال أيضا ــ في أثناء جوابه عن حجج من فضل الإفراد والقران على التمتع ــ: (وأما ما في حديث أبي الأسود عن عروة من فعل أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار وابن عمر (1)، فقد أجابه ابن عباس فأحسن _________ (1) يشير إلى ما رواه مسلم في «صحيحه» (1235) من حديث محمد بن نوفل أن رجلا من أهل العراق قال له: سل لي عروة بن الزبير عن رجل أهل بالحج، فإذا طاف بالبيت، أيحل أم لا ... فذكر الحديث، وفيه: وقد حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ، ثم طاف بالبيت، ثم حج أبو بكر، ثم كان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم عمر مثل ذلك، ثم حج عثمان، فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم معاوية وعبد الله بن عمر ... الحديث.
(1/337)
جوابه ... (1). ثم أجاب أبو محمد بن حزم عروةَ عن قوله هذا بجواب نذكره، ونذكر جوابا أحسن منه لشيخنا ... (2). وأما الجواب الذي ذكره شيخنا، فهو: أن عمر - رضي الله عنه - لم ينه عن المتعة البتة، وإنما قال: إن أتم لحجكم وعمرتكم أن تفصلوا بينهما، فاختار عمر لهما أفضل الأمور، وهو إفراد كل واحد منهما بسفر ينشئه له من بلده، وهذا أفضل من القران والتمتع الخاص بدون سفرة أخرى؛ وقد نص على ذلك أحمد وأبو حنيفة ومالك والشافعي ــ رحمهم الله تعالى ــ وغيرهم، وهذا هو الإفراد الذي فعله أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -، وكان عمر يختاره للناس، وكذلك علي - رضي الله عنهما -) [زاد المعاد 2/ 209] (3). - وقال أيضا: (وقد سلك المانعون من الفسخ طريقتين: الطريقة الثانية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج ... _________ (1) وساق جواب ابن عباس. (2) وذكر جواب ابن حزم. (3) انظر: «الفتاوى» (26/ 85).
(1/338)
وهاتان الطريقتان باطلتان ... وأما الطريقة الثانية: فأظهر بطلانا من وجوه عديدة: ... (1) الحادي عشر: أن فسخ الحج إلى العمرة موافق لقياس الأصول، لا مخالف له، ولو لم يرد به النص لكان القياس يقتضي جوازه، فجاء النص به على وفق القياس. قاله شيخ الإسلام، وقرره بأن المحرم إذا التزم أكثر مما كان لزمه جاز باتفاق الأئمة، فلو أحرم بالعمرة، ثم أدخل عليها الحج= جاز بلا نزاع، وإذا أحرم بالحج، ثم أدخل عليه العمرة= لم يجز عند الجمهور، وهو مذهب مالك وأحمد والشافعي في ظاهر مذهبه، وأبو حنيفة يجوز ذلك بناء على أصله في أن القارن يطوف طوافين، ويسعى سعيين. قال: وهذا قياس الرواية المحكية عن أحمد في القارن: أنه يطوف طوافين، ويسعى سعيين، وإذا كان كذلك فالمحرم بالحج لم يلتزم إلا الحج، فإذا صار متمتعًا صار ملتزما لعمرة وحج، فكان ما التزمه بالفسخ أكثر مما كان عليه، فجاز ذلك، ولما كان أفضل كان مستحبًا. وإنما أشكل هذا على من ظن أنه فسخ حجا إلى عمرة، ليس كذلك فإنه لو أراد أن يفسخ الحج إلى عمرة مفردة لم يجز بلا نزاع، وإنما الفسخ جائز لمن كان من نيته أن يحج بعد العمرة، والمتمتع من حين يحرم بالعمرة فهو داخل في الحج، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»، ولهذا يجوز له أن يصوم الأيام الثلاثة من حين يحرم بالعمرة، فدل على أنه في تلك الحال في الحج، وأما إحرامه بالحج بعد ذلك فكما يبدأ الجنب بالوضوء ثم يغتسل بعده، وكذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل إذا اغتسل من _________ (1) وساق ابن القيم هذه الوجوه.
(1/339)
الجنابة، وقال للنسوة في غسل ابنته: «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها»، فغسل مواضع الوضوء بعض الغسل) [زاد المعاد 2/ 211 ــ 218] (1). 497 - نوع النسك الذي حج به النبي - صلى الله عليه وسلم -: - قال ابن القيم: (ورأيت لشيخ الإسلام فصلًا حسنًا في اتفاق أحاديثهم (2)، نسوقه بلفظه: قال: والصواب: أن الأحاديث في هذا الباب متفقة، ليست بمختلفة، إلا اختلافا يسيرًا، يقع مثله في غير ذلك، فإن الصحابة ثبت عنهم أنه تمتع، والتمتع عندهم يتناول القران، والذين رُوي عنهم أنه أفرد رُوي عنهم أنه تمتع. أما الأول: ففي «الصحيحين» عن سعيد بن المسيب قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان، وكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال علي - رضي الله عنه -: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنهى عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك، فقال: إني لا أستطيع أن أدعك، فلما رأى - رضي الله عنه - ذلك أهل بهما جميعا. فهذا يبين أن من جمع بينهما كان متمتعا عندهم، وأن هذا هو الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووافقه عثمان على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك، لكن كان النزاع بينهما: هل ذلك الأفضل في حقنا أم لا؟ وهل شرع فسخ الحج إلى العمرة في حقنا، كما تنازع فيه الفقهاء؟ فقد اتفق علي وعثمان على أنه تمتع، _________ (1) «الفتاوى» (26/ 57 - 58). (2) أي أحاديث الصحابة الذين نقلوا نوع النسك الذي حج به النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(1/340)
والمراد بالتمتع عندهم: القران. وفي «الصحيحين» عن مطرف قال: قال عمران بن حصين: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين حج وعمرة، ثم إنه لم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرّمه. وفي رواية عنه: تمتّع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتمتّعنا معه. فهذا عمران ــ وهو من أجل السابقين الأولين ــ أخبر أنه تمتع، وأنه جمع بين الحج والعمرة، والقارن عند الصحابة متمتع، ولهذا أوجبوا عليه الهدي، ودخل في قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]. وذكر (1) حديث عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أتاني آت من ربي، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة». قال: فهؤلاء الخلفاء الراشدون ــ عمر، وعثمان، وعلي ــ وعمران بن حصين، روي عنهم بأصح الأسانيد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرن بين العمرة والحج، وكانوا يسمون ذلك تمتعا، وهذا أنس يذكر: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي بالحج والعمرة جميعًا. وما ذكره بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر: أنه لبّى بالحج وحده، فجوابه: أن الثقات الذين هم أثبت في ابن عمر من بكر ــ مثل سالم ابنه ونافع ــ رووا عنه أنه قال: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج. وهؤلاء أثبت في ابن عمر من بكر، فتغليط بكر عن ابن عمر أولى من تغليط سالم ونافع عنه، وأولى من تغليطه هو على النبي - صلى الله عليه وسلم - . _________ (1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية.
(1/341)
ويشبه أن ابن عمر قال له: أفرد الحج. فظن أنه قال: لبّى بالحج. فإن إفراد الحج كانوا يطلقونه ويريدون به: إفراد أعمال الحج، وذلك رد منهم على من قال: إنه قرن قرانا طاف فيه طوافين، وسعى فيه سعيين، وعلى من يقول: إنه حل من إحرامه، فرواية من روى من الصحابة أنه أفرد الحج= تردُّ على هؤلاء. يبين هذا ما رواه مسلم في «صحيحه» عن نافع عن ابن عمر قال: أهللنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج مفردا. وفي رواية: أهل بالحج مفردا. فهذه الرواية، إذا قيل: إن مقصودها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل بحج مفردًا، قيل: فقد ثبت بإسناد أصح من ذلك عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تمتع بالعمرة إلى الحج، وأنه بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج. وهذا من رواية الزهري عن سالم عن ابن عمر. وما عارض هذا عن ابن عمر: إما أن يكون غلطا عليه، وإما أن يكون مقصوده موافقا له، وإما أن يكون ابن عمر لما علم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحل= ظن أنه أفرد، كما وهم في قوله: إنه اعتمر في رجب، وكان ذلك نسيانا منه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما لم يحل من إحرامه، وكان هذا حال المفرد ظن أنه أفرد. ثم ساق (1) حديث الزهري عن سالم عن أبيه تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث، وقول الزهري: وحدثني عروة عن عائشة بمثل حديث سالم عن أبيه، قال (2): فهذا من أصح حديث على وجه الأرض، وهو من حديث الزهري ــ أعلم أهل زمانه بالسنة ــ عن سالم عن أبيه، وهو من أصح حديث _________ (1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية. (2) أي شيخ الإسلام ابن تيمية.
(1/342)
ابن عمر وعائشة. وقد ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - في «الصحيحين» أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمر، الرابعة مع حجته، ولم يعتمر بعد الحج باتفاق العلماء، فيتعين أن يكون متمتعا تمتع قران، أو التمتع الخاص. وقد صح عن ابن عمر أنه قرن بين الحج والعمرة، وقال: هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . رواه البخاري في «الصحيح». قال (1): وأما الذين نقل عنهم إفراد الحج، فهم ثلاثة: عائشة، وابن عمر، وجابر، والثلاثة نقل عنهم التمتع، وحديث عائشة وابن عمر: أنه تمتع بالعمرة إلى الحج= أصح من حديثيهما، وما صح في ذلك عنهما فمعناه: إفراد أعمال الحج، أو أن يكون وقع منه غلط كنظائره، فإن أحاديث التمتع متواترة، رواها أكابر الصحابة: كعمر، وعثمان، وعلي، وعمران بن حصين، ورواها أيضًا عائشة، وابن عمر، وجابر، بل رواها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بضعة عشر من الصحابة) [زاد المعاد 2/ 117 ــ 120] (2). - وقال أيضًا: (وحمل هؤلاء (3) رواية من روى: أن المتعة كانت له خاصة= على أن طائفة منهم خصوا بالتحليل من الإحرام مع سوق الهدي، دون من ساق الهدي من الصحابة، وأنكر ذلك عليهم آخرون ــ منهم شيخنا أبو العباس ــ وقالوا: من تأمل الأحاديث المستفيضة الصحيحة، تبين له: أن النبي _________ (1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية. (2) «الفتاوى» (26/ 66 - 75) مع بعض الاختلاف. (3) أي من قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في حجته عمرة حل منها.
(1/343)
- صلى الله عليه وسلم - لم يحل، لا هو، ولا أحد ممن ساق الهدي) [زاد المعاد 2/ 127] (1). - وقال أيضا: (قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومما يبين أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يطف طوافين، ولا سعى سعيين: قول عائشة - رضي الله عنها -: وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافًا واحدا. متفق عليه، وقول جابر: لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا، طوافه الأول. رواه مسلم، وقوله لعائشة: «يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك» رواه مسلم، وقوله لها في رواية أبي داود: «طوافك بالبيت، وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك جميعا»، وقوله لها ــ في الحديث المتفق عليه لما طافت بالكعبة، وبين الصفا والمروة ــ: «قد حللت من حجك وعمرتك جميعًا». قال (2): والصحابة الذين نقلوا حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كلهم نقلوا أنهم لما طافوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، أمرهم بالتحليل، إلا من ساق الهدي، فإنه لا يحل إلا يوم النحر، ولم ينقل أحد منهم: أن أحدا منهم طاف وسعى، ثم طاف وسعى، ومن المعلوم: أن مثل هذا، مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقله أحد من الصحابة علم أنه لم يكن (3) ... والذي تقدم هو بسط قول شيخنا وشرحه، والله أعلم) [زاد المعاد 2/ 148 ــ 150] (4). _________ (1) «الفتاوى» (26/ 61 - 62، 75). (2) أي شيخ الإسلام ابن تيمية. (3) ذكر ابن القيم هنا مسألة: هل على المتمتع والقارن سعيان أم سعي واحد؟ وستأتي في باب صفة الحج والعمرة، برقم: (530). (4) «الفتاوى» (26/ 75 - 77) باختصار.
(1/344)
- وقال ابن مفلح: (أمّا حجّة النبي - صلى الله عليه وسلم - فاختلف فيها بحسب المذاهب، حتى اختلف كلام القاضي وغيره: هل حلّ من عمرته؟ وفيه وجهان، والأظهر قول أحمد: لا شك أنه كان قارنًا، والمتعة أحبُّ إليَّ. قال شيخنا: وعليه متقدمو أصحابه، وهو باتفاق علماء الحديث. كذا قال) [الفروع 3/ 300 ــ 301 (5/ 335)] (1). 498 - ضبط كلمة (إن) في صيغة التلبية: - قال ابن مفلح: (ويقول: «لبيك إن» بكسر الهمزة، عند أحمد، قال شيخنا: هو أفضل عند أصحابنا والجمهور، فإنه حُكي عن محمد بن الحسن والكسائي والفراء وغيرهم، وقاله الحنفية والشافعية، وحُكي الفتح عن أبي حنيفة وآخرين، قال ثعلب: من كسر فقد عمّ. يعني: حمد لله على كل حال، قال: ومن فتح فقد خصّ. أي: لأن الحمد لك، أي: لهذا السبب) [الفروع 3/ 340 (5/ 388)]. 499 - التلبية عند الوقوف بالمشاعر: - قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: لا يلبي بوقوفه بعرفة ومزدلفة، لعدم نقله. كذا قال (2)) [الفروع 3/ 344 (5/ 392)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (173 - 174)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 62 - 63، 164). (2) وقال ابن مفلح بعد ذلك (5/ 395): (ولبّى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمزدلفة. قاله ابن مسعود، رواه مسلم) ا. هـ. (3) «الفتاوى» (26/ 136، 174).
(1/345)
باب محظورات الإحرام وكفاراتها
500 - ما يجزئ في إطعام الفدية: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: يجزئ خبز رطلان عراقية، وينبغي أن يكون بأدم، وأن مما يأكله أفضل من بر وشعير) [الفروع 3/ 350 (5/ 400)] (1). 501 - قطع الشعر للحجامة أو الغسل: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا ــ فيمن احتاج، وقطعه لحجامة أو غسل ــ: لم يضره. كذا قال) [الفروع: 3/ 356 (5/ 407)] (2). 502 - قتل القمل ونحوه: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: إن قرصه ذلك قتله مجانا، وإلا فلا يقتله) [الفروع 3/ 357 (5/ 407)] (3). 503 - عدم قطع المحرم لخفيه إذا لم يجد نعلين: - قال ابن مفلح: ( ... وعن قولهم (4): فيه زيادة لفظ: بأن خبرنا فيه _________ (1) «الفتاوى» (26/ 113). (2) «الفتاوى» (26/ 116)، «الاختيارات» للبعلي (174). (3) «الفتاوى» (26/ 118)، «الاختيارات» للبعلي (174). (4) يشير إلى قول من قال بقطع الخفين إذا لم يجد المحرم النعلين، وقولهم أن حديث ابن عمر: «وليقطعهما أسفل من الكعبين» فيه زيادة لفظ على حديث ابن عباس: «من لم يجد النعلين فليلبس الخفين».
(1/346)
زيادة حكم جواز اللبس بلا قطع، يعني: وهذا الحكم لم يشرع بالمدينة. وقاله شيخنا، وهو أولى من دعوى [النسخ] (1)، كما قاله صاحب «المغني» و «المحرر») [الفروع 3/ 371 (5/ 425)] (2). 504 - لبس الخف للمحرم: - قال ابن القيم: (والعجب أن من يوجب القطع= يوجب ما لا فائدة فيه، فإنهم لا يجوزون لبس المقطوع كالمداس والجمجم ونحوهما، بل عندهم المقطوع كالصحيح في عدم جواز لبسه، فأي معنى للقطع، والمقطوع عندكم كالصحيح؟! وأما أبو حنيفة فيجوز لبس المقطوع، وليس عنده كالصحيح، وكذلك المداس والجمجم ونحوهما. قال شيخنا: وأفتى به جدي أبو البركات في آخر عمره لما حج. قال شيخنا: وهو الصحيح، لأن المقطوع: لبسه أصل، لا بدل. قال شيخنا: فأبو حنيفة فهم من حديث ابن عمر: أن المقطوع لبسه أصل، لا بدل، فجوز لبسه مطلقًا، وهذا فهم صحيح، وقوله في هذا أصح من قول الثلاثة، والثلاثة فهموا منه الرخصة في لبس السراويل عند عدم الإزار، والخف عند عدم النعل، وهذا فهم صحيح، وقولهم في هذا أصح من قوله، وأحمد فهم من النص المتأخر لبس الخف صحيحًا بلا قطع عند عدم النعل، وأن ذلك ناسخ للأمر بالقطع، وهذا فهم صحيح، وقوله في ذلك أصح _________ (1) في ط 1 وط 2: (الشيخ)، والتصويب من النسخة الخطية (ص: 179). (2) «الفتاوى» (21/ 191، 195).
(1/347)
الأقوال) [تهذيب السنن 5/ 196 ــ 197] (1). - وقال ابن مفلح: (وإن لبس مقطوعًا دونهما، مع وجود نعل: لم يجز، وفدى. نص عليه «و: هـ م» لأنه عليه السلام شرط لجواز لبسهما عدم النعلين؛ وأجازه لأنه يقارب النعلين، ولم يجزه لإسقاط الفدية، ولأنه محيط لعضو بقدره، كغيره. وذكر القاضي في المسألة الأولى جوازه وابن عقيل في «مفرداته» وصاحب «المحرر» وشيخنا: لأنه ليس بخف) [الفروع 3/ 371 ــ 372 (5/ 425)] (2). 505 - عقد الرداء: - قال ابن مفلح: (وقيل: له شد وسطه بحبل وعمامة ونحوهما، وعند شيخنا: ورداء لحاجة) [الفروع 3/ 374 (5/ 427 ــ 428)] (3). 506 - جماع المحرم الناسي أو الجاهل أو المكره: - قال ابن مفلح: (والناسي والجاهل والمكره ونحوه كغيره، نقله الجماعة «و: هـ م» ..... وفي «الفصول» رواية: لا يفسد، اختاره شيخنا، وأنه لا شيء عليه) [الفروع 3/ 390 (5/ 447)] (4). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (21/ 196). (2) «الفتاوى» (21/ 190)، «الاختيارات» للبعلي (174). (3) «الفتاوى» (26/ 111)، «الاختيارات» للبعلي (174). (4) «الفتاوى» (20/ 573؛ 21/ 478؛ 25/ 226 - 228).
(1/348)
507 - العمرة على المحرم إذا جامع بعد رمي الجمرة: - قال ابن مفلح: (المذهب أنه يفسد الإحرام بالوطء بعد رمي جمرة العقبة، ويلزمه أن يحرم من الحلِّ ليجمع بين الحلِّ والحرم، ليطوف في إحرام صحيح، لأنه ركن الحج، كالوقوف، وإذا أحرم طاف للزيارة وسعى ــ ما لم يكن سعى ــ وتحلل، لأن الإحرام إنما وجب ليأتي بما بقي من الحج، هذا ظاهر كلام الخرقي، واختاره الشيخ وغيره، وقال: ويحتمل أن الإمام أحمد والأئمة (1) أرادوا هذا، وسموه عمرة، لأن هذه أفعالها، ويحتمل أن يريدوا عمرة حقيقية فيلزمه سعي وتقصير، واختار شيخنا كالشيخ، قال: سواء بعد، أو لا، ومعناه كلام غيره، وقاله القاضي في «المجرد»، وقال شيخنا أيضًا: يعتمر مطلقًا، وعليه نصوص أحمد) [الفروع 3/ 397 ــ 398 (5/ 458)] (2). 508 - حكم قتل النحل والنمل: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: لا يجوز قتل نحل، ولو بأخذ كل عسله. قال هو وغيره: إن لم يندفع ضرر نمل إلا بقتله جاز) [الفروع 3/ 440 (5/ 515)] (3). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: الأئمة الذين قالوا مثل قول أحمد) ا. هـ. (2) «الاختيارات» للبعلي (174)، وانظر: «شرح العمدة» (6/ 242 - 243 ــ الحج: 2)، «الفتاوى» (20/ 375). (3) «الاختيارات» للبعلي (174)، وانظر: «شرح العمدة» (6/ 149 ــ الحج: 2).
(1/349)
- وقال أيضا: (وسئل الشيخ تقي الدين: هل يجوز إحراق بيوت النمل بالنار؟ فقال: يدفع ضرره بغير التحريق) [الآداب الشرعية 3/ 352] (1). 509 - الخضاب بالحناء للرجال: - قال ابن مفلح: (فأما الخضاب للرجل، فذكر الشيخ أنه لا بأس به فيما لا تشبه فيه بالنساء، لأن الأصل الإباحة، ولا دليل للمنع، وأطلق في «المستوعب»: له الخضاب بالحناء. وقال في مكان آخر: كرهه أحمد، قال أحمد: لأنه من الزينة. وقال شيخنا: هو بلا حاجة مختص بالنساء «و: ش») [الفروع 3/ 454 (5/ 533)]. 510 - المضي في الحج الفاسد ليس مخالفا للقياس: - قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (وأما المضي في الحج الفاسد فليس مخالفًا للقياس، فإن الله سبحانه أمر بإتمام الحج والعمرة، فعلى من شرع فيهما أن يمضي فيهما، وإن كان متطوعا بالدخول، باتفاق الأئمة، وإن تنازعوا فيما سواه من التطوعات: هل تلزم بالشروع أم لا؟ فقد وجب عليه بالإحرام أن يمضي فيه إلى حين يتحلل، ووجب عليه الإمساك عن الوطء، فإذا وطئ فيه لم يُسقط وطؤه ما وجب عليه من إتمام النسك، فيكون ارتكابه ما حرمه الله عليه سببًا لإسقاط الواجب عليه. ونظير هذا الصائم إذا أفطر عمدًا لم يُسقط عنه فطره ما وجب عليه من إتمام الإمساك، ولا يقال له: قد بطل صومك، فإن شئت أن تأكل فكل، بل _________ (1) «الفتاوى» (31/ 273).
(1/350)
يجب عليه المضي فيه وقضاؤه، لأن الصائم (1) له حد محدود، وهو غروب الشمس. فإن قيل: فهلا طردتم ذلك في الصلاة إذا أفسدها، وقلتم: يمضي فيها ثم يعيدها. قيل: من ههنا ظن من ظن أن المضي في الحج الفاسد على خلاف القياس، والفرق بينهما أن الحج له وقت محدود، وهو يوم عرفة، كما للصيام وقت محدود وهو الغروب، وللحج مكان مخصوص لا يمكن إحلال المحرم قبل وصوله إليه، كما لا يمكن فطر الصائم قبل وصوله إلى وقت الفطر، فلا يمكنه فعله، ولا فعل الحج ثانيا في وقته، بخلاف الصلاة فإنه يمكنه فعلها ثانيا في وقتها. وسر الفرق: أن وقت الصيام والحج بقدر فعله، لا يسع غيره، ووقت الصلاة أوسع منها، فيسع غيرها، فيمكنه تدارك فعلها إذا فسدت في أثناء الوقت، ولا يمكن تدارك الصيام والحج إذا فسدا، إلا في وقت آخر، نظير الوقت الذي أفسدهما فيه، والله أعلم) [إعلام الموقعين 2/ 49 ــ 50] (2). _________ (1) في «الفتاوى»: (الصيام). (2) هذا النص في «الفتاوى» (20/ 568 - 569) وذكر هنا بعض الزيادات، وانظر ما تقدم (ص 57 - 58).
(1/351)
باب فضل الحرمين والمجاورة بهما
511 - المفاضلة بين الكعبة وتربة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: لم أعلم أحدًا فضّل التربة على الكعبة، غير القاضي عياض، ولم يسبقه أحد، ولا وافقه أحد) [الفروع 3/ 492 (6/ 28)] (1). 512 - المكان الأفضل للمجاورة: - قال ابن مفلح: (وفي «الإرشاد» وغيره: الخلاف في المجاورة فقط (2)، وجزموا بأفضلية الصلاة وغيرها، واختاره شيخنا وغيره، وهو أظهر، وقال: المجاورة بمكان يكثر فيه إيمانه وتقواه أفضل حيث كان) [الفروع 3/ 492]. - وقال أيضا: (وحكى الشيخ تقي الدين - رحمه الله - عن الجمهور: استحباب المجاورة بمكة، قال: قالوا: ولأن [في] (3) المجاورة بها من تحصيل العبادات وتضعيفها ما لا يكون في بلد آخر؛ ولأن الصلاة بها تتضاعف هي وغيرها من الأعمال. انتهى كلامه) [الآداب الشرعية 3/ 412] (4). _________ (1) «الفتاوى» (27/ 38)، «الاختيارات» للبعلي (167). (2) أي الخلاف في التفضيل بين المجاورة في مكة وفي المدينة. (3) استدركت من «جامع المسائل». (4) «جامع المسائل» (5/ 345)، «الفتاوى» (27/ 39، 48)، «الاختيارات» للبعلي (167).
(1/352)
513 - مضاعفة الحسنة والسيئة بالمكان والزمان الفاضلين: - قال ابن مفلح: (وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان أو زمان فاضل، ذكره القاضي وغيره وشيخنا) [الفروع 3/ 493 (6/ 30)]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: المعاصي في الأيام المعظمة والأمكنة المعظمة تغلظ معصيتها، وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان. انتهى كلامه) [الآداب الشرعية 3/ 415] (1). _________ (1) «الفتاوى» (34/ 180)، «الاختيارات» للبعلي (167).
(1/353)
باب صفة الحج والعمرة
514 - الاشتغال بالدعاء قبل الطواف: - قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: لا يشتغل بدعاء) [الفروع 3/ 496 (6/ 33)]. 515 - استقبال الحجر الأسود بوجهه عند الطواف: - قال ابن مفلح: (وفي استقباله بوجهه وجهان، وعند شيخنا: هو السنة) [الفروع 3/ 497 (6/ 34)] (1). 516 - الحكمة في كونه يجعل البيت عن يساره في الطواف: - قال ابن مفلح: (ثم يجعل البيت عن يساره، فيقرِّب جانبه الأيسر إليه. قال شيخنا: لكون الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى على اليسرى، فلما كان الإكرام في ذلك للخارج جعل لليمنى) [الفروع 3/ 497 (6/ 34)] (2). 517 - القراءة في الطواف: 518 - والمفاضلة بين القراءة والطواف: - قال ابن مفلح: (وعنه: تكره القراءة، قال في «الترغيب»: لتغليطه المصلين. وقال شيخنا: ليس له إذا. وقال شيخنا: تستحب القراءة فيه، لا الجهر بها. وقال القاضي وغيره: ولأنه صلاة، وفيها قراءة ودعاء، فيجب _________ (1) «الفتاوى» (26/ 120)، «الاختيارات» للبعلي (175). (2) «الفتاوى» (21/ 111).
(1/354)
كونه مثلها. وقال شيخنا: وجنس القراءة أفضل من الطواف (1)) [الفروع 3/ 498 ــ 499 (6/ 36)] (2). 519 - الشاذروان ليس من البيت: - قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: ليس هو منه، بل جعل عمادًا للبيت) [الفروع 3/ 500 (6/ 38)] (3). 520 - طواف الحائض: - قال ابن مفلح: (وتشترط الطهارة من حدث، قال القاضي وغيره: الطواف كالصلاة في جميع الأحكام، إلا في إباحة النطق. وعنه: يجبره بدم، وعنه: إن لم يكن بمكة، وعنه: يصحّ من ناسٍ ومعذورٍ فقط، وعنه: ويجبره بدمٍ، وعنه: وكذا حائض، وهو ظاهر كلام القاضي وجماعة، واختاره شيخنا، وأنه لا دم لعذرٍ، وقال: هل هي واجبة أو سنة لها؟ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره) [الفروع 3/ 501 ــ 502 (6/ 40)] (4). وانظر: ما تقدم برقم (58 و 106). 521 - حكم تقبيل المقام ومسحه: - قال ابن مفلح: (ولا يشرع تقبيل المقام ومسحه «ع»، فسائر _________ (1) في ط 1: (من جنس الطواف)، والمثبت من ط 2. (2) «الاختيارات» للبعلي (175)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 122، 199). (3) «الفتاوى» (26/ 121)، «الاختيارات» للبعلي (175). (4) «الاختيارات» للبعلي (45)، وانظر: (176).
(1/355)
المقامات أولى، ذكره شيخنا) [الفروع 3/ 503 (6/ 42)] (1). 522 - الإسراع في السعي بين الصفا والمروة: - قال ابن القيم: (وقال ابن حزم: وطاف - صلى الله عليه وسلم - بين الصفا والمروة أيضا سبعا، راكبا على بعيره، يخب ثلاثا ويمشي أربعا. وهذا من أوهامه وغلطه - رحمه الله -، فإن أحدا لم يقل هذا قط غيره، ولا رواه أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - البتة، وهذا إنما هو في الطواف بالبيت، فغلط أبو محمد، ونقله إلى الطواف بين الصفا والمروة، وأعجب من ذلك استدلاله عليه بما رواه من طريق البخاري عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف حين قدم مكة، واستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أطواف، ومشى أربعا، فركع حين قضى طوافه بالبيت، وصلى عند المقام ركعتين، ثم سلم، فانصرف فأتى الصفا، فطاف بالصفا والمروة سبعة أشواط ... وذكر باقي الحديث، قال: ولم نجد عدد الرمل بين الصفا والمروة منصوصا، ولكنه متفق عليه. هذا لفظه! قلت: المتفق عليه السعي في بطن الوادي في الأشواط كلها، وأما الرمل في الثلاثة الأول خاصة فلم يقله ــ ولا نقله فيما نعلم ــ غيره، وسألت شيخنا عنه، فقال: هذا من أغلاطه، وهو لم يحج - رحمه الله - تعالى) [زاد المعاد 2/ 231]. 523 - الشك في الطواف والسعي ورمي الجمار: انظر ما تقدم برقم: (224). _________ (1) «الفتاوى» (17/ 476)، «جامع المسائل» (3/ 46)، «الاختيارات» للبعلي (175)، وانظر «الفتاوى»: (26/ 121).
(1/356)
524 - صعود جبل إلال بعرفة: - قال ابن مفلح: (ويستحب وقوفه عند الصخرات، وجبل الرحمة (1) ــ واسمه إلال بوزن هلال ــ، ولا يشرع صعوده «ع» قاله شيخنا) [الفروع 3/ 507 (6/ 47)] (2). 525 - المفاضلة بين الحج ماشيا وراكبا: - قال ابن مفلح: (عند شيخنا: يختلف ذلك بحسب الناس) [الفروع 3/ 508 (6/ 49)] (3). _________ (1) قال فضيلة الشيخ بكر أبو زيد في «معجم المناهي اللفظية» (216): (في شرق مشعر عرفات جبل صغير في جنوبيه صخرات كبار، يسمى: «جبل عرفة» أو «جبل عرفات»، وقد شاع على ألسنة الناس، وفي أقلام الكتاب تسميته باسم: «جبل الرحمة»، وعند بادية نجد باسم: «القُرَين»، ولا أصل لواحد من هذين الوصفين، والله أعلم) ا. هـ. وقال في كتابه «جبل إلال بعرفات»: ( ... تسميته بجبل الرحمة لم تعرف ــ حسب التتبع ــ إلا من أواخر القرن الرابع الهجري، ولعلها بحكم ما يتفضل الله به على عباده ذلك اليوم من الرحمة والمغفرة ... وأن هذا الاسم «جبل الرحمة» من جنس تعبيرهم عن «الحجر» من البيت باسم «حجر إسماعيل» بدعوى أن إسماعيل ــ عليه السلام ــ دفن فيه، وهو غلط لا تسنده رواية صحيحة البتة ... والمتعين هو إرجاع الشيء إلى أصله وتسميته باسمه، لا سيما فيما يتعلق بمواضع النسك والتعبد، فلنقل: «جبل إلال» أو «جبل عرفة»، ويزيد الأمر هنا أن هذا الاسم المستحدث «جبل الرحمة» فيه مزيد إغراء لجهلة الحجيج بقصد الذهاب إليه، والوقوف عليه، مما يحصل منه إضرار جسيم، وتعبد بما لم يشرع، والله أعلم) ا. هـ باختصار. (2) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 810)، «الاختيارات» للبعلي (175)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 133). (3) «الفتاوى» (26/ 132)، «الاختيارات» للبعلي (175).
(1/357)
526 - صلاة الخوف لمن خاف فوت الوقوف بعرفة: - قال ابن مفلح: (وهل لخائف فوتها صلاة خائف؟ واختاره شيخنا، أو يُقدِّم الصلاة؟ أو يؤخرها إلى أمنِه؟ فيه أوجه) [الفروع 3/ 509 (6/ 50)] (1). 527 - استيعاب الرأس بالتقصير: - قال ابن مفلح: (وإن قصّر فمن جميعه، نص عليه، قال شيخنا: لا من كلِّ شعرة بعينها) [الفروع 3/ 513 (6/ 54)] (2). 528 - عقد النكاح بعد التحلل الأول: - قال ابن مفلح: (ثم حل له (3) كل شيء إلا النساء، قال القاضي وابنه وابن الزاغوني والشيخ وجماعة: والعقد، وظاهر كلام أبي الخطاب وابن شهاب وابن الجوزي: حلُّه، وقاله شيخنا وذكره عن أحمد) [الفروع 3/ 514] (4). 529 - المخطئ فيما فهمه من قول المفتي: - قال ابن مفلح: (فإن حلق قبل نحره أو رميه، أو نحَر أو زار قبل رميه فلا دم، نص عليه، ونقل أبو طالب وغيره: يلزم عامدًا عالمًا. اختاره أبو بكر وغيره، وأطلقها ابن عقيل، وظاهر نقل المَرُّوذِي: يلزمه صدقة. قال شيخنا: والمخطئ فيما فهمه من قول المفتي يشبه خطأ المجتهد فيما يفهمه من _________ (1) «جامع المسائل» (5/ 354 - 355)، «الاختيارات» للبعلي (113). (2) «الاختيارات» للبعلي (175)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 137). (3) أي بعد الرمي والحلق أوالتقصير. (4) «الاختيارات» للبعلي (175)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 137 - 138)، «شرح العمدة» (6/ 537 ــ الحج: 2).
(1/358)
النص. ومما احتجّ بهذه المسألة (1)) [الفروع 3/ 515 (6/ 56)]. 530 - يكفي المتمتع والقارن سعي واحد: - قال ابن القيم: (وقد تنازع الناس في القارن والمتمتع هل عليهما سعيان أو سعي واحد؟ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره: أحدها: ليس على واحد منهما إلا سعي واحد، كما نص عليه أحمد في رواية ابنه عبد الله، قال عبد الله: قلت لأبي: المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: إن طاف طوافين فهو أجود، وإن طاف طوافا واحدا فلا بأس. قال شيخنا: وهذا منقول عن غير واحد من السلف) [زاد المعاد 2/ 149]. - وقال ابن مفلح: (ثم يأتي (2) مكة فيطوف المتمتع ــ في المنصوص ــ للقدوم، كعمرته، ثم يسعى، نص عليه، وعنه: يجزئ سعي عمرته، اختاره شيخنا) [الفروع 3/ 516 (6/ 58)] (3). 531 - صلاة الظهر يوم النحر بمنى: - قال ابن القيم: (وقالت طائفة ــ منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ــ: الذي يرجح أنه (4) إنما صلّى الظهر بمنى لوجوه ... ) [تهذيب السنن 5/ 333]. 532 - تعجل الإمام المقيم للمناسك: - قال ابن مفلح: (وليس للإمام المقيم للمناسك التعجيل لأجل من _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: احتج بأشياء منها هذه المسألة) ا. هـ. (2) أي: الحاج. (3) «الفتاوى» (26/ 138)، «الاختيارات» للبعلي (175). (4) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(1/359)
يتأخر. قاله أصحابنا. وذكره شيخنا (1)) [الفروع 3/ 520] (2). 533 - طواف الوداع ليس من أعمال الحج: - قال ابن مفلح: (ثم يطوف للوداع إن لم يُقْم، قال القاضي والأصحاب: إنما يستحق عليه عند العزم على الخروج. واحتج به شيخنا على أنه ليس من الحج «و: ش» كذا في «التعليق» أنه ليس منه، ولا يتعلق به، في مَن وطئ بعد التحلل (3)) [الفروع 3/ 521 (6/ 62)] (4). _________ (1) في ط 1: (ذكره القاضي وغيره وشيخنا)، والمثبت من ط 2، وأشار في هامش النسخة الخطية إلى أنه وقع في نسخة بخطه ــ لعله يريد المؤلف ــ حاشية: (القاضي وغيره). (2) «الفتاوى» (26/ 141)، «الاختيارات» للبعلي (176). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال الشيخ في «المنسك الصغير»: لم يُقِم النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد صدره من منى، لكنه ودّع البيت، وقال: «لا ينصرف أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت»، فلا يخرج الحاج حتى يودّع البيت، فيطوف طواف الوداع حتى يكون آخر عهده بالبيت، ومن أقام بمكة فلا وداع عليه، وهذا الطواف يؤخّره الصادر عن مكة حتى يكون بعد جميع أموره، فلعل المصنف أخذ من قوله: «فلا يخرج الحاج حتى يودِّع» = أن غير الحاج لا وداع عليه، لكونه قيّد بالحاج، وهذا ظاهر على قول من يجعل طواف الوداع من الحج، وهم الذين يعدونه من واجبات الحج، وأما على قول من لم يجعله من الحج فليس بظاهر، وقد ذكر المصنف هذا عن أبي العباس و «التعليق» قبل ذلك بيسير بقوله: «وإنما تستحق عند العزم»، وهذا يقتضي أنه لا يختص بالحاج، كما حكاه النووي الشافعي ... وهذا مقتضى ما استدل به أبو العباس - رضي الله عنه -، فإنه قال في كلامه: «وقال ــ يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - ــ: «لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت»، و «أحد» ها هنا صيغة عموم، لأنه نكرة في سياق النهي، فيدخل فيه الحاج وغيره، ولأنه قال: «وهذا الطواف يؤخِّره الصادر عن مكة» وظاهره: أن الصادر عن مكة يفعله، سواء كان حاجّا أو غيره، وأما قوله: «فلا يخرج الحاج» يحتمل أنه خرج مخرج الغالب، فلا يكون مفهومه حجة، لأن غالب من يخرج عن مكة الحاج، وإذا ثبت ذلك، فالمعنى والدليل يقتضي التسوية بين الحاج وغيره، والله أعلم ... الخ) ا. هـ (4) «الفتاوى» (26/ 6، 142).
(1/360)
534 - طواف الوداع لمن خرج من مكة وهو غير حاج: - قال ابن مفلح: (وإن خَرَج غير حاجّ، فظاهر كلام شيخنا: لا يودِّع) [الفروع 3/ 521 (6/ 64)] (1). 535 - ما يفعله الحاج بعد طواف الوداع: - قال ابن مفلح: (وذكر أحمد أنه يأتي الحطيم ــ وهو تحت الميزاب ــ فيدعو، وذكر شيخنا: ثم يشرب من زمزم، ويستلم الحجر الأسود. نقل حرب: إذا قدم معتمرا فيستحب أن يقيم بمكة بعد عمرته ثلاثة أيام. ثم يخرج، فإن التفت ودّع، نص عليه، وذكره أبو بكر وقدّمه في «التعليق» وغيره، وحمله جماعة على الندب، وذكر ابن عقيل وابن الزاغوني: لا يولِّي ظهره حتى يغيب. وذكر شيخنا: أن هذه بدعة مكروهة) [الفروع 3/ 523 (6/ 65)] (2). 536 - الوقوف عند القبور للدعاء: - قال ابن مفلح: (قال ابن عقيل وابن الجوزي: يكره قصد القبور للدعاء. قال شيخنا: ووقوفه عندها له) [الفروع 3/ 523 (6/ 66)] (3). وانظر: ما تقدم برقم (335). 537 - الطواف بغير الكعبة: 538 - وتقبيل قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - والتمسح به: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يحرم طوافه بغير البيت العتيق اتفاقًا. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (176). (2) انظر: «الفتاوى» (26/ 143). (3) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 730 - 731).
(1/361)
قال: واتفقوا أنه لا يقبِّله ولا يتمسح به، فإنه من الشرك. وقال: والشرك لا يغفره الله، ولو كان أصغر) [الفروع 3/ 524 (6/ 66)] (1). 539 - النهي عن اتخاذ قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عيدا: - قال ابن القيم - رحمه الله - تعالى ــ بعد أن ذكر جملة من الأحاديث التي فيها النهي عن اتخاذ قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عيدا ــ: (قال شيخ الإسلام ــ قدّس الله روحه ــ: ووجه الدلالة (2) أن قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيدًا، فقبر غيره أولى بالنهي، كائنا من كان. ثم إنه قرن ذلك بقوله: «ولا تتخذوا بيوتكم قبورًا» أي: لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري النافلة في البيوت، ونهى عن تحري العبادة عند القبور، وهذا ضد ما عليه المشركون من النصارى وأشباههم. ثم إنه عقّب النهي عن اتخاذه عيدًا بقوله: «وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» يشير بذلك إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدًا ... وهذا أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين - رضي الله عنهما - نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره - صلى الله عليه وسلم -، واستدل بالحديث، وهو الذي رواه وسمعه من أبيه الحسين عن جده علي - رضي الله عنه -، وهو أعلم بمعناه من هؤلاء _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (176)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 121، 133، 250)، و «مختصر الفتاوى» (298). (2) أي على المنع من اتخاذ القبور مساجد.
(1/362)
الضلال، وكذلك ابن عمه الحسن بن الحسن ــ شيخ أهل بيته ــ كره أن يقصد الرجل القبر إذا لم يكن يريد المسجد، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيدًا. قال شيخنا: فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت الذين لهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُربُ النسب وقرب الدار، لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم، فكانوا له أضبط) [إغاثة اللهفان 1/ 302 ــ 303] (1). 540 - شد الرحل لزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: - قال ابن عبدالهادي ــ بعد كلام سابق ــ: ( ... فانظر إلى كلام هذا المعترض (2) المتضمن لرد النقل الصحيح بالرأي الفاسد، واجمع بينه وبين ما حكاه عن شيخ الإسلام من الافتراء العظيم، والإفك المبين، والكذب الصراح، وهو ما نقله عنه من أنه جعل زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقبور سائر الأنبياء عليهم السلام = معصية بالإجماع مقطوعًا بها. هكذا ذكر هذا المعترض عن بعض قضاة الشافعية عن الشيخ أنه قال هذا القول، الذي لا يشك عاقل من أصحابه وغير أصحابه أنه كذب مفترى لم يقله قط، ولا يوجد في شيء من كتبه، ولا دل كلامه عليه، بل كتبه كلها ومناسكه وفتاويه وأقواله وأفعاله تشهد ببطلان هذا النقل عنه، ومن له أدنى علم وبصيرة يقطع بأن هذا مفتعل مختلق على الشيخ، وأنه لم يقله قط، وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا _________ (1) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 662 - 665). (2) يعني: السبكي.
(1/363)
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] ... إلى أن قال: وليعلم: قبل الشروع في الكلام مع هذا المعترض أن شيخ الإسلام - رحمه الله - لم يحرم زيارة القبور على الوجه المشروع في شيء من كتبه، ولم ينه عنها، ولم يكرهها، بل استحبها، وحض عليها، ومناسكه ومصنفاته طافحة بذكر استحباب زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وسائر القبور. قال رحمه الله تعالى في بعض مناسكه: باب زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إذا أشرف على مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الحج أو بعده، فليقل ما تقدم، فإذا دخل استحب له أن يغتسل (1)، نص عليه الإمام أحمد، فإذا دخل المسجد بدأ برجله اليمنى، وقال: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، ثم يأتي الروضة بين القبر والمنبر فيصلي بها، ويدعو بما شاء، ثم يأتي قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيستقبل جدار القبر، ولا يمسه، ولا يقبله، ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه؛ ليكون قائمًا وجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويقف متباعدًا كما يقف لو ظهر في حياته _________ (1) قال الشيخ إسماعيل الأنصاري في تعليقه على «الصارم»: (علق العلامة الأثري الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله بن باز على قوله: «فإذا دخل استحب له أن يغتسل» علق عليه بما نصه في استحباب الغسل هنا نظر, والأظهر عدمه؛ لعدم الدليل عليه, والعبادات توقيفية, ولعل هذا منسك للشيخ قديم, ولهذا لم يذكر ذلك في منسكه الجديد, والله الموفق) ا. هـ. قلت: وقد قال شيخ الإسلام في مقدمة «منسكه» الجديد (ص: 17): ( ... فإني كنت قد كتبت منسكا في أوائل عمري, فذكرت فيه أدعية كثيرة, وقلدت في الأحكام من اتبعته قبلي من العلماء, وكتبت في هذا ما تبيّن لي من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مختصرا مبينا) ا. هـ.
(1/364)
بخشوع وسكون، منكس الرأس، غاض الطرف، مستحضرًا بقلبه جلالة موقفه، ثم يقول: السلام عليك يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبي الله، وخيرته من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وقائد الغر المحجلين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين، فجزاك الله أفضل ما جزى نبيًا ورسولًا عن أمته، اللهم آته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، يغبطة به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم (1)، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم احشرنا في زمرته، وتوفنا على سنته، وأوردنا حوضه، وأسقنا بكأسه مشربًا رويًا، لا نظمأ بعده أبدًا. ثم يأتي أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما -، فيقول: السلام عليك يا أبا بكر _________ (1) قال الشيخ إسماعيل الأنصاري في تعليقه على «الصارم المنكي»: (لفظ: «على إبراهيم» في هذا الموضع وفي الذي قبله ورد في المطبوعة, وأما المخطوطتان فلم يرد فيهما غير: «على آل إبراهيم» في الموضعين, وهذا هو المناسب لما نقله علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن العباس البعلي الدمشقي في «الاختيارات» عن شيخ الإسلام ابن تيمية, وهو أنه قال: «الأحاديث التي في الصحاح لم أجد في شيء منها: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم» , وقد تعقبه البعلي بقوله: «قلت: بل روى البخاري في صحيحه الجمع بينهما» انتهى كلام البعلي, ورواية البخاري التي أشار إليها البعلي هي في ترجمة إبراهيم عليه السلام في أحاديث الأنبياء ... الخ).
(1/365)
الصديق، السلام عليك يا عمر الفاروق، السلام عليكما يا صاحبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضجيعيه، ورحمة الله وبركاته، جزاكما الله عن صحبة نبيكما وعن الإسلام خيرًا، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. قال: ويزور قبور أهل البقيع، وقبور الشهداء إن أمكن. هذا كلام الشيخ رحمه الله بحروفه، وكذلك سائر كتبه ذكر فيها استحباب زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وسائر القبور، ولم ينكر زيارتها في موضع من المواضع، ولا ذكر في ذلك خلافًا إلا نقلًا غريبًا ذكره في بعض كتبه عن بعض التابعين (1). وإنما تكلم عن مسألة شد الرحال وإعمال المطي إلى مجرد زيارة القبور، وذكر في ذلك قولين للعلماء المتقدمين والمتأخرين: أحدهما: القول بإباحة ذلك، كما يقوله بعض أصحاب الشافعي وأحمد. _________ (1) ذكر شيخ الإسلام في «الرد على الإخنائي» (113) ــ وهو من أواخر كتبه كَتَبَه في سجنه الأخير كما في «العقود الدرية» (ص 361) ــ أنه كان يعتقد أثناء كتابة الفتوى التي حصل الاعتراض عليه بسببه= أن زيارة القبور مستحبة بالإجماع, ثم رأى بعد ذلك فيها نزاعا قال: (وهو نزاع مرجوح, والصحيح أنها مستحبة) ا. هـ. وقد بسط الكلام على هذا الخلاف في أثناء كتابه (ص 232 - 234) ونقله عنه ابن عبدالهادي في «الصارم» (441) ثم قال: (والمقصود أن الإجماع المذكور في هذه المسألة غير محقق وإن كان قول من خالف الجمهور فيها ضعيفا, وشيخ الإسلام لم يذهب إلى هذا القول المخالف لقول الجمهور, وإنما حكاه كما حكاه غيره من أهل العلم, والله أعلم) ا. هـ.
(1/366)
والثاني: أنه منهي عنه، كما نص عليه إمام دار الهجرة مالك بن أنس، ولم ينقل عن أحد من الأئمة الثلاثة خلافه، وإليه ذهب جماعة من أصحاب الشافعي وأحمد. هكذا ذكر الشيخ الخلاف في شد الرحال وإعمال المطي إلى القبور، ولم يذكره في الزيارة الخالية عن شد رحل وإعمال مطي، والسفر إلى زيارة القبور مسألة، وزيارتها من غير سفر مسألة أخرى، ومن خلط هذه المسألة بهذه المسألة، وجعلهما مسألة واحدة، وحكم عليهما بحكم واحد، وأخذ في التشنيع على من فرَّق بينهما، وبالغ في التنفير عنه= فقد حرم التوفيق، وحاد عن سواء الطريق. واحتج الشيخ لمن قال بمنع شد الرحال وإعمال المطي إلى القبور بالحديث المشهور المتفق على صحته وثبوته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى». هكذا أخرجه البخاري ومسلم في «صحيحيهما» بصيغة الخبر: (لا تشد الرحال)، ومعنى الخبر في هذا معنى النهي، يبين ذلك ما رواه مسلم في «صحيحه» من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى». هكذا رواه مسلم بصيغة النهي. ورواه الإمام إسحاق بن راهويه في «مسنده» بصيغة الحصر: «إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد: مسجد إبراهيم، ومسجد محمد، ومسجد بيت المقدس».
(1/367)
وقد روي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هذا الحديث أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بصيغة النهي: «لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد بيت المقدس». هذا هو الذي فعل الشيخ: حكى الخلاف في مسألة بين العلماء، واحتج لأحد القولين بحديث متفق على صحته، فأي عتب عليه في ذلك؟ ! ولكن نعوذ بالله من الحسد، والبغي، واتباع الهوى) [الصارم المنكي (21 - 28)]. - وقال أيضًا: (قال المعترض (1): ... قال القاضي عياض - رحمه الله -: زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - سنة بين المسلمين، مجمع عليها، وفضيلة مرغب فيها. قلت: هذا الإجماع الذي حكاه القاضي عياض ــ رحمه الله تعالى ــ حكاه شيخ الإسلام أيضًا في غير موضع، وقد قدمنا غير مرة ذكره في مصنفاته وفتاويه ومناسكه = استحباب زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الوجه المشروع، ولم يذكر في ذلك نزاعًا بين العلماء، وإنما ذكر الخلاف بينهم في السفر لمجرد زيارة القبور، واختار المنع من ذلك كما هو مذهب مالك وغيره من أهل العلم، وهو الذي اختاره القاضي عياض مع حكايته هذا الاجماع. ومقصود المعترض الاحتجاج على الشيخ بهذا الإجماع الذي ذكره القاضي عياض، والشيخ لا يخالف هذا الإجماع، بل يوافقه ويذهب إليه، ويحكيه في مواضع، مع قوله بالنهي عن السفر لزيارة القبور، كما ذهب إليه _________ (1) أي: السبكي.
(1/368)
القاضي عياض ناقل هذا الإجماع، وينبغي للمعترض وأمثاله أن يعرفوا الفرق بين مواقع الإجماع ومحال النزاع، ولا يخلطوا بعضها ببعض ... الخ) [الصارم المنكي (338 - 339)] (1). - وقال أيضًا: ( ... فلما كان في سنة ست وعشرين وسبعمائة وقع الكلام في مسألة شد الرحال، وإعمال المطي إلى قبور الأنبياء والصالحين، وظفروا للشيخ بجواب سؤال في ذلك، كان قد كتبه من سنين كثيرة، يتضمن حكاية قولين في المسألة، وحجة كل قول منهما، وكان للشيخ في هذه المسألة كلام متقدم أقدم من الجواب المذكور بكثير ذكره في كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم» وغيره، وفيه ما هو أبلغ من هذا الجواب الذي ظفروا به. وكثر الكلام، والقيل والقال، بسبب العثور على الجواب المذكور، وعظم التشنيع على الشيخ، وحرف عليه، ونقل عنه ما لم يقله، وحصل فتنة طار شررها في الآفاق، واشتد الأمر، وخيف على الشيخ من كيد القائمين في _________ (1) قد قرر الحافظ ابن عبدالهادي هذا المعنى في مواضع من كتابه «الصارم» , وأكثر من النقل عن شيخ الإسلام حول هذه المسألة, فنقل عنه من عدة كتب, وهي: «الجواب الباهر»، و «الرد على الإخنائي» , و «اقتضاء الصراط المستقيم» , و «المنسك» (الجديد) , وكلها مطبوعة متداولة, وقد بلغ مجموع ما نقله من هذه الكتب (175 صفحة) تقريبا, فرأيت أن لا حاجة إلى سردها هنا واكتفيت بذكر ما أثبته في الأعلى, والإشارة إلى مواضع بقية النقول، والله الموفق. (ينظر: «الصارم المنكي»: 41 - 54, 64 - 67, 80 - 86, 102 - 115, 122 - 127, 151 - 186, 186 - 220, 244 - 246, 261 - 262, 295, 321 - 322, 331 - 332, 339 - 343, 349 - 355, 357 - 359, 366 - 369, 375 - 379, 386 - 391, 394 - 413, 414 - 421, 232 - 439, 441).
(1/369)
هذه القضية بالديار المصرية والشامية، وكثر الدعاء والتضرع والابتهال إلى الله تعالى، وضعف من أصحاب الشيخ من كان عنده قوة، وجبن منهم من كانت له همة، وأما الشيخ - رحمه الله - فكان ثابت الجأش، قوي القلب، وظهر صدق توكله واعتماده على ربه ... ولما كان يوم الاثنين بعد العصر السادس من شعبان من السنة المذكورة = حضر إلى الشيخ من جهة نائب السلطنة بدمشق مشد الأوقاف، وابن خطير ــ أحد الحجاب ــ وأخبراه أن مرسوم السلطان ورد بأن يكون في القلعة، وأحضرا معهما مركوبا. فأظهر الشيخ السرور بذلك، وقال: أنا كنت منتظرا ذلك، وهذا فيه خير عظيم ... الخ). وقد ساق ابن عبدالهادي بعد ذلك نص فتيا الشيخ المشار إليها (1) , ثم قال: (هذا آخر ما أجاب به شيخ الإسلام، والله سبحانه وتعالى أعلم. وله من الكلام في مثل هذا كثير، كما أشار إليه في الجواب. ولما ظفروا في دمشق بهذا الجواب كتبوه، وبعثوا به إلى الديار المصرية، وكتب عليه قاضي الشافعية: قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية فصح ... إلى أن قال: وإنما المحرف (2) جعله زيارة قبر النبي وقبور الأنبياء صلوات الله عليهم معصية بالإجماع مقطوع بها. _________ (1) وهي في الفتاوى ــ نقلًا عن ابن عبدالهادي ــ (27/ 182 - 192). (2) كذا, ولعل الصواب: (المحز) كما يأتي في كلام ابن كثير.
(1/370)
هذا كلامه! فانظر إلى هذا التحريف على شيخ الإسلام، والجواب ليس فيه المنع من زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما ذكر فيه قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى. والشيخ لا يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل، بل يستحبها ويندب إليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض الشيخ إلى هذه الزيارة في الفتيا، ولا قال إنها معصية، ولا حكى الإجماع على المنع منها، والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية. ولما وصل خط القاضي المذكور إلى الديار المصرية كثر الكلام وعظمت الفتنة، وطلب القضاة بها فاجتمعوا وتكلموا، وأشار بعضهم بحبس الشيخ، فرسم السلطان به، وجرى ما تقدم ذكره. ثم جرى بعد ذلك أمور على القائمين في هذه القضية لا يمكن ذكرها في هذا الموضع) [العقود الدرية 327 - 341]. - وقال ابن كثير: (وفي يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة، دَرَّس بالحنبلية برهان الدين [إبراهيم بن] (1) أحمد بن هلال الزرعي الحنبلي، بدلا عن شيخ الاسلام ابن تيمية، وحضر عنده القاضي الشافعي وجماعة من الفقهاء، وشق ذلك على كثير من أصحاب الشيخ تقي الدين، وكان ابن الخطيري الحاجب قد دخل على الشيخ تقي الدين قبل هذا اليوم فاجتمع به، وسأله عن أشياء بأمر نائب السلطنة. _________ (1) استدركت من ط 2, بتحقيق: الشيخ عبد الله التركي.
(1/371)
ثم يوم الخميس دخل القاضي بدر الدين ابن جملة، وناصر الدين مشد الأوقاف، وسألاه عن مضمون قوله في مسألة الزيارة، فكتب ذلك في درج، وكتب تحته قاضي الشافعية بدمشق: قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية إلى أن قال: وإنما المحز جعله زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبور الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصية بالإجماع مقطوعا بها! فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الاسلام، فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى، والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل، بل يستحبها ويندب إليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض إلى هذه الزيارة على هذا الوجه في الفتيا، ولا قال إنها معصية، ولا حكى الإجماع على المنع منها، ولا هو جاهل قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة»، والله سبحانه لا يخفى عليه شيء، ولا يخفى عليه خافية، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]) [البداية والنهاية 14/ 143] (1). 541 - السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند قبره: - قال ابن عبد الهادي: (وقال شيخ الإسلام ــ في أثناء كلامه في الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل مكان ــ: وأما السلام عليه عند القبر _________ (1) للشيخ مؤلفات مفردة في هذه المسألة طبع منها: «الجواب الباهر»، و «الرد على الإخنائي».
(1/372)
فقد عرف أن الصحابة والتابعين المقيمين بالمدينة لم يكونوا يفعلونه إذا دخلوا المسجد وخرجوا منه ... إلى أن قال (1): ولهذا كان أكثر السلف لا يفرقون بين الغرباء وأهل المدينة، ولا بين حال السفر وغيره، فإن استحباب هذا لهؤلاء، وكراهته لهؤلاء= حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي، ولا يمكن أحدًا أن ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه شرع لأهل المدينة الإتيان عند الوداع للقبر، وشرع لهم ولغيرهم ذلك عند القدوم من سفر، وشرع للغرباء تكرير ذلك كلما دخلوا المسجد وخرجوا منه، ولم يشرع ذلك لأهل المدينة. فمثل هذه الشريعة ليس منقولًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن خلفائه، ولا هو معروف من عمل الصحابة، وإنما نقل عن ابن عمر السلام عند القدوم من السفر، وليس هذا من عمل الخلفاء وأكابر الصحابة، كما كان ابن عمر يتحرى الصلاة والنزول والمرور حيث حل ونزل وعبر في السفر، وجمهور الصحابة لم يكونوا يصنعون ذلك، بل أبوه عمر كان ينهى عن مثل ذلك، والله أعلم) [الصارم المنكي 328 - 329]. 542 - تكرار العمرة مع الموالاة: - قال ابن مفلح: (ولا يكره الاعتمار في السنة أكثر من مرة «م»، ويكره الإكثار والموالاة بينها باتفاق السلف، اختاره الشيخ وغيره، قال أحمد: إن شاء كل شهر. وقال: لا بدَّ يحلق أو يقصِّر، وفي عشرة أيام يمكن. واستحبّه جماعة (2)، ومن كره أطلق، ويتوجه أن مراده: إذا عوض بالطواف، وإلا لم _________ (1) أي: ابن تيمية. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: الإكثار من الاعتمار) ا. هـ.
(1/373)
يكره، خلافًا لشيخنا) [الفروع 3/ 528 (6/ 71)] (1). 543 - الخروج من مكة لعمرة تطوع، وتفضيل الطواف عليه: - قال ابن مفلح: (وكره شيخنا: الخروج من مكة لعمرة تطوع، وأنه بدعة، لأنه لم يفعله عليه السلام ولا صحابي على عهده إلا عائشة، لا في رمضان ولا غيره اتفاقًا، ولم يأمر عائشة، بل أذن لها بعد المراجعة لتطييب قلبها. قال: وطوافه ولا يخرج أفضل اتفاقًا، وخروجه عند من لم يكرهه على سبيل الجواز. كذا قال) [الفروع 3/ 528] (2). 544 - دخول المتمتع في الحج من حين يحرم بالعمرة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: قوله عليه السلام: «من حج، فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» يدخل فيه بإحرام العمرة، ولهذا أنكر أحمد على من قال: إن حجة المتمتع حجة مكية، نقله الأثرم، وهي عند أحمد بعض حجه الكامل، بدليل صومها (3)) [الفروع 3/ 529 (6/ 72)] (4). 545 - الخروج مع الجند في الحج: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ومن جُرِّد معهم (5)، وجمع له من الجند _________ (1) «الفتاوى» (26/ 270، 290). (2) «الفتاوى» (26/ 252، 264، 270 - 271)، «الاختيارات» للبعلي (176). (3) أي أنه إذا كان غير واجد للهدي فإنه له الابتداء بالصوم من حين الإحرام بالعمرة. (4) «الفتاوى» (26/ 52)، «الاختيارات» للبعلي (176). (5) أي مع من ولي تسيير الحجيج.
(1/374)
المقطعين ما يعينه على كلفة الطريق: أبيح له، ولا ينقص أجره، وله أجر الحج والجهاد، وهذا كأخذ بعض الأقطاع ليصرفه في المصالح، وليس في هذا خلاف، ويلزم المعطى بذل ما أمر به) [الفروع 3/ 531 (6/ 75)] (1). 546 - شهر السلاح عند القدوم على تبوك: - قال ابن مفلح: (وشهر السلاح عند قدوم تبوك بدعة. زاد شيخنا: محرمة. قال: وما يذكره الجهال من حصار تبوك كذب، لم يكن بها حصن ولا مقاتلة. فإن مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت بضعًا وعشرين لم يقاتل فيها، إلا في تسع: بدر، وأحد، والخندق، وبني المصطلق، والغابة، وفتح خيبر، وفتح مكة، وحنين، والطائف) [الفروع 3/ 531 (6/ 75)] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (177). (2) «الاختيارات» للبعلي (177)، وانظر: «منهاج السنة النبوية» (6/ 195).
(1/375)
باب الفوات والإحصار
547 - إذا وقف الناس في الثامن أو العاشر خطأ: - قال ابن مفلح: (وإن وقف الناس الثامن أو العاشر خطأ أجزأ، نص عليهما. قال شيخنا: هل هو يوم عرفة باطنا؟ فيه خلاف في مذهب أحمد، بناء على أن الهلال اسم لما يطلع في السماء، أو لما يراه الناس ويعلمونه؟ وفيه خلاف مشهور في مذهب أحمد وغيره. وذكر في موضع آخر: أن عن أحمد فيه روايتين، قال: والثاني الصواب، ويدل عليه لو أخطؤوا لغلط في العدد أو في الطريق ونحوه، فوقفوا العاشر لم يجزئهم «ع»، فلو اغتفر الخطأ للجميع لاغتفر لهم في غير هذه الصورة بتقدير وقوعها، فعلم أنه يوم عرفة باطنا وظاهرًا، يوضحه أنه لو كان هنا خطأ وصواب لا يستحب الوقوف مرتين، وهو بدعة لم يفعله السلف، فعلم أنه لا خطأ، ومن اعتبر كون الرائي من مكة دون مسافة القصر، أو بمكان لا تختلف فيه المطالع فقول لم يقله أحد من السلف في الحج، فلو رآه طائفة قليلة لم ينفردوا بالوقوف، بل الوقوف مع الجمهور) [الفروع 3/ 535 (6/ 79)]. 548 - من فاته الحج: - قال ابن مفلح: (فإن فاته الحج تحلَّلَ بعمرة، نقله الجماعة، ولا ينحر هديا معه إلا بالحرم، نصَّ على التفرقة، وفي لزوم القضاء والهدي الخلاف، وأوجب الآجري القضاء هنا، وعنه: يتحلَّل كمحصر بعدوٍّ، واختاره شيخنا، وأنَّ مثله حائض تعذَّر مقامها، وحرم طوافها، أو رجعت ولم تطف لجهلها
(1/376)
بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه ولو لذهاب الرفقة، وكذا من ضلَّ الطريق، ذكره في «المستوعب»، وفي «التعليق»: لا يتحلل. واحتجَّ شيخنا لاختياره بأن الله لم يوجب على المحصر أن يبقى محرمًا حولًا بغير اختياره، بخلاف بعيد أحرم من بلده، ولا يصل إلا في عام، بدليل تحلل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، لما حصروا عن إتمام العمرة مع إمكان رجوعهم محرمين إلى العام القابل، واتفقوا أن من فاته الحج، لا يبقى محرمًا إلى العام القابل) [الفروع 3/ 539 (6/ 83 ــ 84)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (26/ 186، 226 - 228).
(1/377)
باب الهدي والأضحية
549 - الأجر على قدر القيمة: - قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: الأجر على قدر القيمة مطلقًا) [الفروع 3/ 541 (6/ 86)] (1). 550 - الهتماء: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: الهتماء ــ التي سقط بعض أسنانها ــ تجزئ في أصحِّ الوجهين) [الفروع 3/ 542 (6/ 88)] (2). 551 - ما يقال عند الذبح: - قال ابن مفلح: (وذكر بعضهم، يقول: اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك. وقاله شيخنا، وأنه إذا ذبح قال: «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ... » إلى قوله: «وأنا من المسلمين») [الفروع 3/ 545 (6/ 91)] (3). 552 - آخر أيام الذبح: - قال ابن مفلح: (وآخره آخر ثاني التشريق، وفي «الإيضاح»: آخر يوم، واختاره شيخنا) [الفروع 3/ 546 (6/ 93)] (4). _________ (1) انظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (525)، «الاختيارات» للبعلي (178). (2) «الفتاوى» (26/ 308)، «الاختيارات» للبعلي (178). (3) «الفتاوى «(26/ 308 - 309)، «الاختيارات» للبعلي (178). (4) «الاختيارات» للبعلي (178).
(1/378)
553 - التضحية عن الميت أفضل من الصدقة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: والتضحية عن الميت أفضل) [الفروع 3/ 554 (6/ 101)] (1). 554 - اسم ما يذبح بمكة: 555 - والأضحية من النفقة بالمعروف: - قال ابن مفلح: (وقال (2): كل ما ذبح بمكة يسمّى هديا، ليس فيه ما يقال له: أضحية، ولا يقال: هديٌ. وقال: ما ذبح بمنى وقد سيق من الحل إلى الحرم هديٌ، ويسمى أيضا: أضحية، فما اشتراه من عرفات وساقه إلى منى فهو هديٌ باتفاق العلماء، وكذا ما اشتراه من الحرم فذهب به إلى التنعيم، وإن اشتراه من منى وذبحه بها فعن ابن عمر: ليس بهدي «و: م»، وعن عائشة: هديٌ «و: هـ ش» وأحمد، وما ذبح يوم النحر بالحل أضحية لا هديٌ. وقال: هي من النفقة بالمعروف، فتضحّي امرأة من مال زوج عن أهل البيت بلا إذنه، ومدين لم يطالَب) [الفروع 3/ 554 (6/ 101 ــ 102)] (3). 556 - الحلق بعد ذبح الأضحية: - قال ابن مفلح: (ويحرم على من يضحّي أو يضحّى عنه ــ في ظاهر _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (178)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 304، 306)، و «جامع المسائل» (4/ 255). (2) أي شيخ الإسلام ابن تيمية. (3) «الفتاوى» (26/ 137، 305)، «الاختيارات» للبعلي (178).
(1/379)
كلام الأثرم وغيره ــ أخذ شيء من شعره وظفره وبشرته في العشر، وقال القاضي وغيره: يكره، وأطلق أحمد النهي، ويستحب الحلق بعد الذبح، قال أحمد: على ما فعل ابن عمر تعظيم لذلك اليوم، وعنه: لا، اختاره شيخنا) [الفروع 3/ 555 (6/ 103)] (1). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (178).
(1/380)
باب العقيقة
557 - إذا لم يجد ثمن العقيقة: - قال ابن مفلح: (فإن عدم اقترض، نص عليه، وقال شيخنا: مع وفاء) [الفروع 3/ 564 (6/ 112)] (1). 558 - عدم اعتبار التمليك في العقيقة: - قال ابن مفلح: (ولم يعتبر شيخنا التمليك) [الفروع 3/ 565 (6/ 113)] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (178). (2) «الاختيارات» للبعلي (178).
(1/381)
كتاب البيع
559 - صيغة الإيجاب والقبول: - قال ابن مفلح: (ونص في رواية أحمد بن القاسم فيمن قيل له: بكم هذا الثوب؟ قال: بعشرة دراهم، فيقول المشتري: قد قبلت: أنه يكفي، ولا يحتاج بعد هذا إلى كلام آخر. قال الشيخ تقي الدين: فقد نص على أن قوله: «هذا الثوب بعشرة دراهم» إيجاب، وإن لم يلفظ بما اشتق من المبيع، ولا بصيغة انتقال إلى المشتري، وقوله: «هذا بعشرة دراهم» جملة اسمية لا فعلية، مع احتماله لمعنى السوم، وقد نص على أن القبول بصيغة المضارع لا يصح، انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 252]. 560 - تقدم القبول على الإيجاب: - قال ابن مفلح: (وقوله (1): «وإن تقدم عليه فعلى روايتين» يعني: إن تقدم بلفظ الماضي أو الطلب. والذي نصره القاضي وأصحابه: أنه لا يصح، قال: وهي الرواية المشهورة، واختاره أبو بكر وغيره، وذكر ابن هبيرة: أنها أشهرهما عن الإمام أحمد، ومما احتج به أبو الحسين بأن القبول تقدم (2) الإيجاب في عقد _________ (1) أي: المجد ابن تيمية. (2) كذا.
(1/383)
يلحقه الفسخ لم يصح، دليله: لو تأخر الإيجاب عن القبول ساعة، وهما في المجلس، وهو معنى كلام أبي الفرج. وقطع في «المغني» و «الكافي» بالصحة فيما إذا تقدم بلفظ الماضي، كقول الأئمة الثلاثة، وقدم الصحة فيما إذا تقدم بلفظ الأمر، خلافًا لأبي حنيفة، واختار الشيخ تقي الدين الصحة) [النكت على المحرر 1/ 253 - 254]. - وقال أيضا: (ولو تأخر الطلب من المشتري لم يصح قولا واحدا. وقال الشيخ تقي الدين: إذا كان المبيع عينًا من الطرفين فكلاهما موجب قابل= فينبغي أن يقدم أحدهما على الآخر كالعكس، لكن لو قال أحدهما: ابتعت هذا العبد بهذا، أو قال: بعني= كان تقدما على ظاهر كلام أصحابنا، مع أن الرواية التي ذكرها عن أحمد ليس فيها إلا إذا تقدم بلفظ الطلب والاستدعاء، ولا يلزم من المنع هنا المنع إذا كان بلفظ الخبر، مثل قوله: اشتريت وابتعت. قال: وأما إذا كان دينا بعين، وهو السلم، فهنا المعروف: أن يقول: أسلمت إليك هذه المائة في وسق حنطة، أو أسلمت إليك مائة في وسق حنطة، فيقول: قبلت. فيقدمون لفظ المسلف، ويجعلونه بمنزلة الموجب، والمستسلف بمنزلة القابل، لأن المسلف هو الذي يقدم العين، فصار بمنزلة البائع، وإن كان في المعنى المستسلف هو البائع، فلو تقدم قول المستسلف بصيغة البيع، مثل أن يقول: بعتك وسق حنطة بعشرة دراهم= فهذا جار على الترتيب، لكنه بلفظ البيع. ولو قال المسلم: اشتريت منك وسق حنطة بعشرة دراهم، فقال: بعت، فقد استويا من جهة أن المسلف تقدم قبوله، لكن هناك جاء بلفظ القبول،
(1/384)
وهو: «اشتريت»، وهنا جاء بلفظ الإيجاب، وهو: «أسلمت»، فهنا يجيء أربع مسائل، لأن الترتيب بلفظ «السلم» غير الترتيب بلفظ البيع. ويجوز أن يقارن القبول الإيجاب إذا تولاهما واحد، في مثل قوله: جعلت عتقك صداقك، وقول الولي: تزوجت فلانة، ونحو ذلك، ذكره غير واحد من الأصحاب، لأن الجملة الواحدة تضمنت جملتي القبول والإيجاب، فيكون اشتراط تقدم الإيجاب على القبول حيث افتقر إلى جملتين. ولو قال: إن بعتني عبدك هذا فلك عليّ ألف، فقال: بعتك= لم يصح البيع، بخلاف الخلع، لأن البيع يفتقر إلى استدعاء تمليك، والخلع لا يفتقر إلى استدعاء تمليك، لأن ملكه يزول عنها بغير رضاها، ذكره القاضي في «الجامع» و «المجرد». قال الشيخ تقي الدين: ومضمونه أن تقدم القبول بصيغة الشرط لا يصح البتة) [النكت على المحرر 1/ 254 - 256]. 561 - الموالاة بين الإيجاب والقبول: - قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين ــ في أثناء كلامه في اشتراط الاتصال ــ قال: وأما في الموالاة ــ وهو الاتصال ــ فإما في كلام واحد، كالأيمان والنذور والطلاق والعتق، وفيها الروايتان في الأيمان والطلاق، وهما في العقود أولى. هذا كلامه. وقال أيضًا في موضع آخر ــ والظاهر أنه من كلام أبي حفص العكبري، لأنه يعلم له «ك» وفي هذا الموضع علم له «ك» ــ: إذا قال: بعت أو زوجت
(1/385)
ونحوهما، وطال الفصل قبل القبول، ثم قال البائع: ألا تقبل مني هذا البيع؟ اقبله مني. فقال: قبلت= فأفتيت بانعقاد البيع، وكذلك لو قال: إن أبرأتني هذه الساعة من صداقك فأنت طالق. فقالت: ما أبريك، ثم سكتوا زمانًا، ثم قال: بل أبريني، فقالت: أبرأتك= أفتيت بوقوع الطلاق، لأن هذه الصيغ متضمنة للطب، لأن كل واحد من المتعاقدين طالب من الآخر مقصوده، فمتى تكلم بصيغة العقد، وطال الفصل، ثم طلب مقصوده الذي طلبه أولًا طلبًا ثانيًا= كان هذا بمنزلة ابتدائه الطلب حيئنذ، وكان ترك ذكره للعوض الآخر من باب المحذوف المدلول عليه، ويمكن أن تبنى هذه المسألة على الشرط المتقدم على العقد: هل هو بمنزلة المقارن؟ وهذا بناء صحيح) [النكت على المحرر 1/ 257 - 258]. 562 - بيع المعاطاة: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: وأصوله تقتضي ثبوت العقود والشروط بالعرف في مسألة الحمَّام والغسل. وقد نصَّ أحمد على أن العقد والفسخ لا يكون إلا بكلام في رواية إسماعيل بن سعيد، قال: سألت أحمد بن حنبل، قلت: أرأيت لو أعتق المشتري العبد الذي اشتراه، وهما في المجلس فأنكر البائع عتقه، وأراد أن يرد بيعه، هل له ذلك؟ قال: عتق المشتري فيه جائز بمنزلة الموت، ما لم يرجع البائع فيه قبل عتقه، ولا يكون الرجوع للبائع فيه إلا بكلام، مثل البيع الذي ما يكون إلا بكلام. انتهى كلام الشيخ. ولعل هذا من أحمد على الرواية التي تمنع بيع المعاطاة.
(1/386)
قال الشيخ تقي الدين: عبارة أصحابنا وغيرهم تقتضي أن المعاطاة ونحوها ليست من الإيجاب والقبول، وهذا تخصيص عرفي، فالصواب الاصطلاح الموافق للغة، وكلام المتقدمين: أن لفظ الإيجاب والقبول يشتمل على صور العقد: قولية أو فعلية. قال: ولهذا قيده القاضي في آخر كلامه، حيث قال: لم يوجد الإيجاب والقبول المعتاد، يعني: المعتاد تسميته بذلك) [النكت على المحرر 1/ 260] (1). 563 - تصرفات الصغير المميز: - قال ابن مفلح: (وعنه: يصح تصرف مميز ويقف على إجازة وليه، نقل حنبل: إن تزوج الصغير، فبلغ أباه فأجازه، جاز. قال جماعة: ولو أجازه هو بعد رشده، لم يجز. وقال شيخنا: رضاه بقسمه هو قسمة تراض، وليس إجازة لعقد فضولي. وقال: إن نفذ عتقه المتقدم، أو دل على رضاه به عتق، كمن يعلم أنه يتصرف كالأحرار) [الفروع 4/ 5 ــ 6 (6/ 125)]. 564 - بيع شحوم الميتة للاستصباح: - قال ابن القيم: (وأما تحريم بيع الميتة، فيدخل فيه كل ما يسمى ميتة، سواء مات حتف أنفه أو ذكي ذكاة لا تفيد حله، ويدخل فيه أبعاضها أيضا، _________ (1) انظر: «الفتاوى» (29/ 5 - 20، 226 - 227).
(1/387)
ولهذا استشكل الصحابة - رضي الله عنهم - تحريم بيع الشحم، مع ما لهم فيه من المنفعة، فأخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حرام، وإن كان فيه ما ذكروا من المنفعة، وهذا الموضع اختلف الناس فيه، لاختلافهم في فهم مراده - صلى الله عليه وسلم -، وهو: أن قوله: «لا، هو حرام» هل هو عائد إلى البيع، أو عائد إلى الأفعال التي سألوا عنها؟ فقال شيخنا: هو راجع إلى البيع، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما أخبرهم: أن الله حرم بيع الميتة، قالوا: إن في شحومها من المنافع كذا وكذا ــ يعنون: فهل ذلك مسوغ لبيعها؟ ــ فقال: «لا، هو حرام») [زاد المعاد 5/ 749] (1). وانظر: ما تقدم برقم (17). 565 - بيع الطير لقصد صوته: - قال ابن مفلح: (ويجوز بيع طير لقصد صوته، قاله جماعة، وعند شيخنا: إن جاز حبسه) [الفروع 4/ 9 (6/ 129)] (2). 566 - ضابط الوصف المعتبر: - قال ابن مفلح: (قوله (3): «أو بصفة تكفي في السلم». تارة يصفه بقوله، وهذا هو المعروف، وتارة يقول: هو مثل هذا، فيجعل له مثالًا يرد إليه فإن هذا كما لو وصف وأولى، قاله الشيخ تقي _________ (1) انظر: «الفتاوى» (24/ 270 - 271). (2) «الاختيارات» للبعلي (179). (3) أي: المجد ابن تيمية.
(1/388)
الدين (1)) [النكت على المحرر (1/ 427)]. 567 - بيع العقار بالصفة: - قال ابن مفلح: ( ... ولما احتج الحنفية لمذهبهم في صحة بيع الغائب من غير رؤية ولا صفة بما روي عن الصحابة - رضي الله عنهم - من بيع العقار= حمل القاضي والشيخ موفق الدين ذلك على أنه يحتمل أن يكون وصف له. قال الشيخ تقي الدين: وهذا يقتضي أن بيع العقار بالصفة جائز، والعقار لا يجوز فيه السلم، فعلم أن هذا أوسع من باب السلم) [النكت على المحرر 1/ 292]. _________ (1) كذا في مطبوعة «النكت والفوائد»، وأخشى أن يكون صواب العبارة: (قال الشيخ تقي الدين)؛ لأنه قال بعدها: (وقد نص الإمام أحمد على ذلك في رواية جعفر بن محمد وغيره، فإن ذلك القياس ليس مبيعا، بل يقول: أبيعك ثوبا مثل هذا، فالذي ينبغي أنه لا فرق؛ لأن معرفة الغائب برؤية مثله لا تختلف يكون ذلك المثل مبيعا أو غير مبيع، ومعرفة الشيء برؤية مثله أتم من معرفته بوصفه بالقول، لكن إذا قلنا: إنه لا بد من رؤية المبيع ــ كمذهب الشافعي ــ فرؤية البعض تكفي في المتماثلات ونحوها، ولو أراه في المتماثلات ما ليس من المبيع، وقال: المبيع مثل هذا، لم يكف، وهذا قياس هذا القول. انتهى كلامه) ا. هـ. قوله: (انتهى كلامه) يفيد أن هذا الكلام منقول, ولم يتقدم ذكر لقائله, فيحتمل أن يكون صواب العبارة السابقة (قال الشيخ تقي الدين)، ويحتمل أن في الكلام سقطا, وتحقيق الأمر يحتاج إلى مراجعة الأصول الخطية للكتاب, فإن ظهر رجحان الاحتمال الأول, فينقل هذا النص إلى الجوف بدلا عن النص المثبت الآن, والله أعلم.
(1/389)
568 - إذا عدمت الصفة وعرف المبيع بذوق أو لمس أو شم: - قال ابن مفلح: (فإن عدمت الصفة فعرف المبيع بذوق أو لمس أو شم صح وإلا فلا، وإن باع شيئًا بثمن معين احتمل وجهين، ووافق على صحة بيعه أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي: لا يصح، بناء على الأصل المذكور. قال الشيخ تقي الدين: وعلى الرواية التي توافقه يمكن أن نقول: يصح هنا للحاجة. ولا يشترط مع الرؤية ذوق ولا لمس ولا شم، ذكره القاضي بما يقتضي أنه محل وفاق، وأنه لا يثبت الخيار بعدمه عند أبي حنيفة. وذكر (1) أبو الخطاب: أنه يشترط أيضًا المعرفة، فلا يجوز أن يشتري غير الجوهري جوهرة، ولا غير الكاتب كتابًا مثمنًا، أو يشتري الدباغ عودًا كبيرًا. قال: على ما نقله أبو طالب عن الإمام أحمد: إذا لم يعرف صفته فهو بيع فاسد. وكذلك الميموني: فلا يبيعه حتى يراه ويعرفه. قال: فشرط المعرفة، لأنه ليس المقصود عين المعرفة، وإنما المقصود المعرفة بها. ثم ذكر وجهًا ثانيًا: أنه لا يشترط، وفرق بينه وبين الرؤية، وذكر في موضع آخر من المسألة: أن الوجه الثاني أصح، وأنه يكفي مجرد الرؤية، أو الصفة في جميع المبيعات) [النكت على المحرر 1/ 292 - 293]. _________ (1) من هنا إلى آخر النص لا أدري هل هو من تتمة كلام ابن تيمية، أم أنه كلام مستأنف لابن مفلح؟
(1/390)
569 - إذا اشترى الشيء بغير رؤية ولا صفة: - قال ابن مفلح: (وعنه: ويعرف صفة المبيع تقريبا، فلا يصح شراء غير جوهري جوهرة، وقيل: وشمه وذوقه، وعلى الأصح: أو رؤية سابقة بزمن لا يتغير فيه ظاهرا، وقيل: يعتبر (1) ظن بقاء ما اصطرفا به، وعلى الأصح: أو بصفة تكفي في السلم «ق» فيصح بيع أعمى وشراؤه كتوكيله «و» وعنه: لا تكفي (2) «خ» وعنه: وبغير صفة «و: هـ» اختاره شيخنا في موضع، وضَعَّفَهُ أيضًا (3)، هذا إن ذكر جنسه وإلا لم يصح رواية واحدة قاله القاضي وغيره) [الفروع 4/ 21 - 22 (6/ 144)] (4). 570 - مسألة: - قال ابن مفلح: (وكذا مسألة: بعتك بعشرة نقدًا، وبعشرين نسيئة، فإن باع من المعدود المنفصل المتقارب كالبيض، مثل: أن يبيع مائة بيضة من ألف بيضة، فينبغي أن يخرج على السلم فيه عددًا، فإن صح ــ وهو الراجح ــ صح ذلك، وإلا فلا. وذكر القاضي في مسألة المبيع المتعين أنه يصح. قال الشيخ تقي الدين: وهو مقتضى قول الخرقي، إلا أن نجعل قول _________ (1) في ط 1: (بغير)، والمثبت من ط 2. (2) في ط 1: (أو لا يكفي). (3) قال البعلي في «الاختيارات»: (في موضع آخر). (4) «الاختيارات» للبعلي (179)، وانظر: «الفتاوى» (20/ 345؛ 29/ 221 - 222، 306).
(1/391)
الخرقي: «معدودًا»: يعم المذروع (1) أيضًا) [النكت على المحرر 1/ 295 (1/ 431)]. 571 - بيع الصفة والسلم حالّا: - قال ابن مفلح: (وجَوَّز شيخنا بيع الصفة والسلم حالّا إن كان في ملكه، قال: وهو المراد بقوله عليه السلام لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك» فلو لم يجز السلم حالّا لقال: لا تبع هذا، سواء كان عنده أو لا، وأما إذا لم يكن عنده، فإنما يفعله لقصد التجارة والربح، فيبيعه بسعر، ويشتريه بأرخص، ويلزمه تسليمه في الحال، وقد يقدر عليه وقد لا، وقد لا تحصل له تلك السلعة إلا بثمن أعلى مما تسلف فيندم، وإن حصلت بسعر أرخص من ذلك ندم المسلف، إذ كان يمكنه أن يشتريه هو بذلك الثمن، فصار هذا من نوع الميسر والقمار والمخاطرة، كبيع العبد الآبق والبعير الشارد يباع بدون ثمنه، فإن حصل ندم البائع، وإن لم يحصل ندم المشتري، وأما مخاطرة التجارة فيشتري السلعة بقصد أن يبيعها بربح، ويتوكل على الله تعالى في ذلك، فهذا الذي أحله الله) [الفروع 4/ 23 ــ 24 (6/ 146 - 147] (2). وانظر: ما يأتي تحت المسألة رقم (584)، والمسألة رقم (678). 572 - إذا قال الشريك: بعتك ثلث الدار أو ربعها: 573 - وإذا باع الشريك نصيبه من بيت من دار له فيها بيوت: - قال ابن مفلح: (قوله (3): «وإن باعه ذراعًا غير معين من أرض أو _________ (1) في ط 1: (المزروع) والتصويب من ط 2. (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (179). (3) أي: صاحب المحرر.
(1/392)
ثوب لم يصح، إلا أن يعلما ذرع الكل فيصح في قدره مشاعًا». قال ابن منصور: قلت للإمام أحمد: قال سفيان في خمس نفر بينهم خمسة أبيات في دار، فباع أحدهم نصيبه في بيت: لا أجيزه، وإن باعوا جميعًا جاز، هو ضرر يضر بأصحابه، هو لا يستطيع أن يأخذ نصيبه من ذلك البيت. فإن قال: أبيعك بيتًا من الدار، لا يجوز، يبيع ما ليس له (1)؟ قيل له: فإن قال: أبيعك خمس الدار؟ فقال: إذا قال: نصيبي. قال أحمد: جيد. قيل للإمام أحمد: قال سفيان: إذا كان دار بين اثنين، فقال أحدهما: أبيعك نصف هذه الدار. قال: لا يجوز، إنما له الربع من النصف، حتى يقول: نصيبي. قال أحمد: هو كما قال. قال الشيخ تقي الدين: هذا الكلام فيه مسألتان: إحداهما: إذا قال الشريك: بعتك ثلث الدار أو ربعها أو قيراطًا منها لم يجز حتى يقول: نصيبي، لأن قوله: الثلث أو النصف يعم النصف من نصيبه ونصيب شريكه، وكذلك الهبة والوقف والرهن. المسألة الثانية: إذا باع نصيبه من بيت من دار له فيها بيوت= لم يجز، بخلاف ما لو باع نصيبه من البيوت كلها، ولهذا إذا باع البيت جميعه لم يجز بيعه في نصيبه لأنه لا يملك بيعه مفردًا، لأن في ذلك ضررًا بالشركاء، لأن المشتري لا يمكنه الانتفاع ببعض البيت إلا بالانتفاع بغيره من الأرض _________ (1) في «مسائل إسحاق بن منصور» (2/ 151): (قيل: فإن قال: أبيعك بيتا من الدار؟ قال: لا يجوز، بيع ما ليس عنده) ا. هـ
(1/393)
المشتركة، وإنما يملك الانتفاع من كان شريكًا في البيوت كلها. وهذا معنى قوله: «هو لا يستطيع أن يأخذ نصيبه من ذلك» يعني أن الانتفاع بنصيبه من ذلك البيت دون غيره لا يجوز، فكيف يجوز للمشتري منه؟ وقال ــ بعد أن ذكر كلام صاحب «المحرر» ــ: تقدم الكلام على بيع المشاع، وكلام الإمام أحمد يخالف هذا، وإذا علمنا عدد العبيد وأوجبنا القسمة أعيانًا، فالفرق بين المتصل والمنفصل بين ذراع من أرض، وعبد من أعبد= ليس بذاك، وقد ذكروا احتمالًا في صحة بيع ذراع مبهم، ويكون مشاعًا، فكذلك بيع عبد مبهم. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 295 - 296 (1/ 432 - 433)] (1). 574 - إذا استأجر مبهما في مجموعة: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «وإذا باع عبدًا مبهمًا في أعبد لم يصح». قال القاضي: إذا ابتاع ثوبًا من أحد هذين، أو من أحد ثلاثة، أو من أحد أربعة: فالعقد فاسد، ولم يذكر عن أحمد ولا غيره نصًا، وذكر في أثناء المسألة: أنه يصح مثل ذلك في الإجارة فيما يتقارب نفعه، وهذا مثل مذهب مالك في البيع. قال الشيخ تقي الدين: والفرق بين البيع والإجارة عسر، انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 294 - 295]. _________ (1) انظر: «الفتاوى» (29/ 233 - 235). (2) أي: المجد ابن تيمية في «المحرر».
(1/394)
575 - الاستثناء في الإقرار ونحوه: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «أو بدينار إلا درهمًا (2)». قال حرب: سألت الإمام أحمد، قلت: الرجل يقول: أبيعك هذا بدينار إلا درهمًا؟ قال: لا يجوز، ولكن بدينار إلا قيراطًا، ونحو ذلك، لأن الاستثناء يكون في شيء يعرف، والدرهم ليس يعرف كم هو من الدينار؟ ويجوز أن يقول: أبيعك بدينار ودرهم. قال الشيخ تقي الدين: قد يؤخذ من هذا جواز الاستثناء في الإقرار ونحوه لأنه علل بالجهالة، وذلك لا يضر في الإقرار، ولأنه لو كان الاستثناء باطلًا لصح بالدينار، ولغا قوله: إلا درهما، على قول من يبطل هذا الاستثناء. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 302]. 576 - بيع لبن موصوف في الذمة من شاة أو بقرة معينة: - قال ابن القيم: (وأما إن باعه لبنًا مطلقًا، موصوفًا في الذمة، واشترط كونه من هذه الشاة، أو البقرة. فقال شيخنا: هذا جائز، واحتج بما في «المسند»: من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يسلم في حائط بعينه، إلا أن يكون قد بدا صلاحه. قال: فإذا بدا صلاحه، وقال: أسلمت إليك في عشرة أوسق من تمر هذا الحائط= جاز، كما يجوز أن يقول: ابتعت منك عشرة أوسق من هذه _________ (1) أي: المجد ابن تيمية في «المحرر». (2) أي: إذا باعه شيئا بدينار إلا درهما.
(1/395)
الصبرة، ولكن الثمن (1) يتأخر قبضه إلى كمال صلاحه. هذا لفظه) [زاد المعاد 5/ 823]. - وقال ابن مفلح: (وقال شيخنا: إن باعه لبنا موصوفا في الذمة، واشترط كونه من هذه الشاة أو البقرة جاز، واحتج بما في «المسند» أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يسلم في حائط بعينه، إلا أن يكون قد بدا صلاحه. قال: فإذا بدا صلاحه، وقال: أسلمت إليك في عشرة أوسق من تمر هذا الحائط جاز، كما يجوز أن يقول: ابتعت منك عشرة أوسق من هذه الصبرة، ولكن التمر يتأخر قبضه إلى كمال صلاحه. هذا لفظه) [الفروع 4/ 25 ــ 26 (6/ 147 - 148)] (2). 577 - بيع المقاثي ونحوها من المغيبات مع عدم ظهور أصلها: - قال ابن القيم: (يجوز بيع المقاثي والباذنجان ونحوها بعد أن يبدو صالحها كما تباع الثمار في رؤوس الأشجار، ولا يمنع من صحة المبيع تلاحق المبيع شيئا بعد شيء، كما لم يمنع ذلك صحة بيع التوت والتين وسائر ما يخرج شيئا بعد شيء، هذا محض القياس ... وبيع ذلك كبيع الثمار، وهو قول أهل المدينة، وأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد، واختاره شيخنا) [إعلام الموقعين 3/ 402 - 403]. - وقال أيضا: (اختلف الفقهاء في جواز بيع المغيبات في الأرض من البصل والثوم والجزر واللفت والفجل والقلقاس ونحوها على قولين: _________ (1) كذا بالأصل, ولعل الصواب: (التمر) كما سيأتي في النقل عن «الفروع» , والله أعلم. (2) «الاختيارات» للبعلي (179).
(1/396)
أحدهما: المنع من بيعه كذلك، لأنه مجهول غير مشاهد، والورَق لا يدل على باطنه، يخلاف ظاهر الصبرة، وعند أصحاب هذا القول لا يباع حتى يقلع. والقول الثاني: يجوز بيعه كذلك على ما جرت به عادة أصحاب الحقول، وهذا قول أهل المدينة، وهو أحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد، اختاره شيخنا) [إعلام الموقعين 4/ 4]. - وقال أيضا: (والنوع المختلف فيه (1)، كبيع المقاثي والمباطخ إذا طابت، فهذا فيه قولان: أحدهما: أنه يجوز بيعها جملة، ويأخذها المشتري شيئًا بعد شيء، كما جرت به العادة، ويجري مجرى بيع الثمرة بعد بدوِّ صلاحها، وهذا هو الصحيح من القولين الذي استقر عليه عمل الأمة، ولا غنى لهم عنه، ولم يأت بالمنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا أثر ولا قياس صحيح، وهو مذهب مالك وأهل المدينة، وأحد القولين في مذهب أحمد، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية) [زاد المعاد 5/ 808 ــ 809]. - وقال ابن مفلح: (ولا فُجل (2) ونحوه قبل قلعه، في المنصوص، وقثاء ونحوه، إلا لقطة لقطة، نص عليه، إلا مع أصله، وجوّز ذلك شيخنا، وقال: هو قول كثير من أصحابنا «و: م» لقصد الظاهر غالبا) [الفروع 4/ 27 _________ (1) أي: من أنواع بيع المعدوم التابع للموجود. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هو بضم الفاء، على وزن قفل)، والمعنى: ولا يصح بيع فجل.
(1/397)
(6/ 149)] (1). وانظر: ما يأتي تحت المسألة رقم (624). 578 - بيع الثمر بعد بدو صلاحه: - قال ابن مفلح: (ورخص في الثمر بعد بدوِّ صلاحه، قال شيخنا: وبعضه معدوم) [الفروع: 4/ 27 (6/ 150)] (2). 579 - بيع النحل في كواراته: - قال ابن مفلح: (وقال في «الكافي»: ويجوز بيع النحل في كواراته ومنفردًا عنها، إذا رؤى وعلم قدره. وذكر الشيح تقي الدين كلامه في «الكافي»، ثم قال: وهذا الكلام يقتضي أنه اشترط العلم فقط، وأنه يصح بيعه طائرًا، كالعبد الخارج من المنزل وهو أصح. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 288]. 580 - بيع العين المؤجرة: - قال ابن مفلح: (وقد نقل الميموني عن الإمام أحمد: سأله رجل: اكتريت دارًا أربعة أشهر، فخرج بعد شهر؟ فسمعته يقول: مذهبنا أنه يلزمه الكراء. ثم قال أبو عبد الله: ليس له أن يخرجه من منزله، قلت: ولا له أن ييبعه؟ قال: ولا له أن يبيعه، إلا أن يبين شرطه، هذا الذي له فيه. _________ (1) «الفتاوى» (20/ 547، 29/ 227 - 228، 484 - 485، 487 - 493)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (180، 191). (2) «الفتاوى» (30/ 200).
(1/398)
قال الشيح تقي الدين: رواية الميموني ظاهرها أنه من باع العين المؤجرة، ولم يبين للمشترى أنها مستأجرة لم يصح) [النكت على المحرر 1/ 289 - 290] (1). 581 - نقل الملك في العين المؤجرة بغير البيع: 582 - وإذا بيعت العين المؤجرة ونحوها مما قد يتعلق به حق غير المالك وهو عالم بالبيع ولم يتكلم: 583 - وإذا رأى عبده يبيع فلم ينهه: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: سائر نقل الملك في العين المؤجرة كالبيع، فلو وهبها، أو أعتق العبد المؤجر، أو وقفها، فينبغي أن يكون كالبيع، لا يسقط حق المستأجر، وكذلك لو زوج الحرة أو الأمة المؤجرة، فينبغي أن يقدم حق المستأجر على حق الزوج، فإن الزوج لا يكون أقوى من المشتري، لا سيما عند من يقول: إن السيد لا يجب عليه تسليم الأمة نهارًا، لأن السيد يستحق الاستخدام، فإذا قدم حق السيد فحق المستأجر أولى، لأن العقود الواردة إذا أوردها المستحق قطعت حقه، بخلاف ما إذا أوردها غير المستحق. وقال: إذا بيعت العين المؤجرة، أو المرهونة ونحوها، مما قد يتعلق به حق غير البائع وهو عالم بالبيع، فلم يتكلم، فينبغي أن يقال: لا يملك المطالبة بفساد البيع بعد هذا، لأن إخباره بالعيب واجب عليه بالسنة بقوله: «ولا يحل لمن علم ذلك إلا أن يبينه» فكتمانه تغرير، والغار ضامن. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (230).
(1/399)
وكذلك ينبغي أن يقال: فيما إذا رأى عبده يبيع فلم ينهه، وفي جميع المواضع فالمذهب: أن السكوت لا يكون إذنًا، فلا يصح التصرف، لكن إذا لم يصح يكون تغريرًا، فيكون ضامنًا، فإن ترك الواجب عندنا يوجب الضمان بفعل المحرم، كما نقول في مسألة المستضيف، ومن قدر على إنجاء شخص من الهلكة، بل الضمان هنا أقوى. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 290 - 291]. 584 - حديث «لا تبع ما ليس عندك»: - قال ابن القيم: (ورأيت لشيخنا في الحديث فصلا مفيدا وهذه سياقته، قال: للناس في هذا الحديث أقوال: قيل: المراد بذلك أن يبيع السلعة المعينة التي هي مال الغير، فيبيعها ثم يتملكها ويسلمها إلى المشتري، والمعنى: لا تبع ما ليس عندك من الأعيان، ونقل هذا التفسير عن الشافعي، فإنه يُجوِّز السلم الحال وقد لا يكون عند المسلم إليه ما باعه، فحمله على بيع الأعيان ليكون بيع ما في الذمة غير داخل تحته، سواء كان حالًا أو مؤجلًا. وقال آخرون: هذا ضعيف جدًا، فإن حكيم بن حزام ما كان يبيع شيئًا معينًا هو ملك لغيره، ثم ينطلق فيشتريه منه، ولا كان الذين يأتونه يقولون: نطلب عبد فلان، ولا دار فلان، وإنما الذي يفعله الناس أن يأتيه الطالب فيقول: أريد طعاما كذا وكذا، أو ثوبا كذا وكذا، أو غير ذلك، فيقول: نعم، أعطيك، فيبيعه منه، ثم يذهب فيحصله من عند غيره إذا لم يكن عنده، هذا هو الذي يفعله من يفعله من الناس، ولهذا قال: «يأتيني فيطلب مني المبيع عندي»، لم يقل: يطلب مني ما هو مملوك لغيري، فالطالب طلب الجنس لم
(1/400)
يطلب شيئا معينا، كما جرت به عادة الطالب لما يؤكل ويلبس ويركب، إنما يطلب جنس ذلك ليس له غرض في ملك شخص بعينه دون ما سواه مما هو مثله أو خير منه، ولهذا صار الإمام أحمد وطائفة إلى القول الثاني، فقالوا: الحديث على عمومه يقتضي النهي عن بيع ما في الذمة إذا لم يكن عنده، وهو يتناول النهي عن السلم إذا لم يكن عنده، لكن جاءت الأحاديث بجواز السلم المؤجل، فبقي هذا في السلم الحال. والقول الثالث ــ وهو أظهر الأقوال ــ: أن الحديث لم يُرد به النهي عن السلم المؤجل ولا مطلقا، وإنما أريد به أن يبيع ما في الذمة مما ليس هو مملوكا له ولا يقدر على تسليمه، ويربح فيه قبل أن يملكه ويضمنه ويقدر على تسليمه، فهو نهي عن السلم الحال إذا لم يكن عند المستسلف ما باعه، فيلزم ذمته بشيء حال ويربح فيه، وليس هو قادرا على إعطائه، وإذا ذهب يشتريه فقد يحصل وقد لا يحصل، فهو من نوع الغرر والمخاطرة، وإذا كان السلم حالا وجب عليه تسليمه في الحال، وليس بقادر على ذلك، ويربح فيه على أن يملكه ويضمنه، وربما أحاله على الذي ابتاع منه فلا يكون قد عمل شيئا، بل أكل المال بالباطل، وعلى هذا فإذا كان السلم الحال والمسلم إليه قادرا على الإعطاء فهو جائز، وهو كما قال الشافعي: إذا جاز المؤجل فالحال أولى بالجواز. ومما يبين أن هذا مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن السائل إنما سأله عن بيع شيء مطلق في الذمة كما تقدم، لكن إذا لم يجز بيع ذلك فبيع المعين الذي لم يملكه أولى بالمنع، وإذا كان إنما سأله عن بيع شيء في الذمة فإنما سأله عن بيعه حالا، فإنه قال: أبيعه ثم أذهب فأبتاعه، فقال له: «لا تبع ما ليس عندك»،
(1/401)
فلو كان السلف الحال لا يجوز مطلقا لقال له ابتداء: لا تبع هذا، سواء كان عنده أو ليس عنده، فإن صاحب هذا القول يقول: بيع ما في الذمة حالا لا يجوز، ولو كان عنده ما يسلمه، بل إذا كان عنده فإنه لا يبيع إلا معينا، لا يبيع شيئا في الذمة، فلما لم ينه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك مطلقا بل قال: «لا تبع ما ليس عندك» = علم أنه - صلى الله عليه وسلم - فرق بين ما هو عنده ويملكه ويقدر على تسليمه وما ليس كذلك، وإن كان كلاهما في الذمة. ومن تدبر هذا تبين له أن القول الثالث هو الصواب، فإن قيل: إن بيع المؤجل جائز للضرورة، وهو بيع المفاليس، لأن البائع احتاج أن يبيع إلى أجل وليس عنده ما يبيعه الآن، فأما الحال فيمكنه أن يحضر المبيع فيراه فلا حاجة إلى بيع موصوف في الذمة أو بيع عين غائبة موصوفة لا يبيع شيئا مطلقا. قيل: لا نسلم أن السلم على خلاف الأصل، بل تأجيل المبيع كتأجيل الثمن، كلاهما من مصالح العالم، والناس لهم في مبيع الغائب ثلاثة أقوال: منهم من يجوزه مطلقا، ولا يجوزه معينا موصوفا، كالشافعي في المشهور عنه؛ ومنهم من يجوزه معينا موصوفا، ولا يجوزه مطلقا، كأحمد وأبي حنيفة؛ والأظهر جواز هذا وهذا، ويقال للشافعي مثل ما قال هو لغيره: إذا جاز بيع المطلق الموصوف في الذمة فالمعين الموصوف أولى بالجواز، فإن المطلق فيه من الغرر والخطر والجهل أكثر مما في المعين، فإذا جاز بيع حنطة مطلقة بالصفة= فجواز بيعها معينة بالصفة أولى، بل لو جاز بيع المعين بالصفة فللمشتري الخيار إذا رآه= جاز أيضا، كما نقل عن الصحابة وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين، وقد جَوَّز القاضي وغيره من أصحاب أحمد السلم الحال بلفظ البيع.
(1/402)
والتحقيق أنه لا فرق بين لفظ ولفظ، فالاعتبار في العقود بحقائقها ومقاصدها لا بمجرد ألفاظها، ونفس بيع الأعيان الحاضرة التي يتأخر قبضها يسمى: «سلفا» إذا عجل له، كما في «المسند» عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يسلم في الحائط بعينه إلا أن يكون قد بدا صلاحه، فإذا بدا صلاحه وقال: أسلمت إليك في عشرة أوسق من تمر هذا الحائط جاز، كما يجوز أن يقول: ابتعت عشرة أوسق من هذه الصبرة، ولكن الثمن يتأخر قبضه إلى كمال صلاحه، فإذا عجل له الثمن قيل له: سلف، لأن السلف هو الذي تقدم، والسالف: المتقدم، قال الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 56]، والعرب تسمي أول الرواحل: «السالفة»، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ألحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون»، وقول الصديق - رضي الله عنه -: لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي. وهي: العنق. ولفظ: «السلف» يتناول القرض والسلم، لأن المقرض أيضا أسلف القرض، أي: قدمه، ومنه هذا الحديث: «لا يحل سلف وبيع»، ومنه الحديث الآخر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسلف بكرا وقضى جملا رباعيا، والذي يبيع ما ليس عنده لا يقصد إلا الربح، وهو تاجر، فيستلف بسعر ثم يذهب فيشتري بمثل ذلك الثمن، فإنه يكون قد أتعب نفسه لغيره بلا فائدة، وإنما يفعل هذا من يتوكل لغيره فيقول: أعطني فأنا أشتري لك هذه السلعة، فيكون أمينا، أما أنه يبيعها بثمن معين يقبضه، ثم يذهب فيشتريها بمثل ذلك الثمن من غير فائدة في الحال فهذا لا يفعله عاقل. نعم إذا كان هناك تاجر فقد يكون محتاجا إلى الثمن، فيستسلفه وينتفع به مدة إلى أن يحصل تلك السلعة، فهذا يقع في السلم المؤجل، وهو الذي
(1/403)
يسمى: «بيع المفاليس»، فإنه يكون محتاجا إلى الثمن وهو مفلس، وليس عنده في الحال ما يبيعه ولكن له ما ينتظره من مغل أو غيره، فيبيعه في الذمة، فهذا يفعل مع الحاجة، ولا يفعل بدونها إلا أن يقصد أن يتجر بالثمن في الحال، أو يرى أنه يحصل به من الربح أكثر مما يفوت بالسلم، فإن المستسلف يبيع السلعة في الحال بدون ما تساوي نقدا، والمسلف يرى أن يشتريها إلى أجل بأرخص مما يكون عند حصولها، وإلا فلو علم أنها عند طرد الأصل تباع بمثل رأس مال السلم لم يسلم فيها فيذهب نفع ماله بلا فائدة، وإذا قصد الأجر أقرضه ذلك قرضا، ولا يجعل ذلك سلما إلا إذا ظن أنه في الحال أرخص منه وقت حلول الأجل، فالسلم المؤجل في الغالب لا يكون إلا مع حاجة المستسلف إلى الثمن، وأما الحال فإن كان عنده فقد يكون محتاجا إلى الثمن فيبيع ما عنده معينا تارة وموصوفا أخرى، وأما إذا لم يكن عنده فإنه لا يفعله إلا إذا قصد التجارة والربح فيبيعه بسعر ويشتريه بأرخص منه، ثم هذا الذي قدره قد يحصل كما قدره، وقد لا يحصل له تلك السلعة التي يسلف فيها إلا بثمن أغلى مما أسلف، فيندم، وإن حصلت بسعر أرخص من ذلك قدم السلف إذ كان يمكنه أن يشتريه هو بذلك الثمن، فصار هذا من نوع الميسر والقمار والمخاطرة، كبيع العبد الآبق والبعير الشارد يباع بدون ثمنه، فإن حصل ندم البائع، وإن لم يحصل ندم المشتري، وكذلك بيع حبل الحبلة وبيع الملاقيح والمضامين ونحو ذلك مما قد يحصل وقد لا يحصل، فبائع ما ليس عنده من جنس بائع الغرر الذي قد يحصل وقد لا يحصل، وهو من جنس القمار والميسر. والمخاطرة مخاطرتان: مخاطرة التجارة: أن يشتري السلعة بقصد أن يبيعها ويربح ويتوكل على الله في ذلك؛ والخطر الثاني: الميسر الذي
(1/404)
يتضمن أكل المال بالباطل، فهذا الذي حرمه الله تعالى ورسوله، مثل بيع الملامسة والمنابذة وحبل الحبلة والملاقيح والمضامين وبيع الثمار قبل بدو صلاحها، ومن هذا النوع يكون أحدهما قد قمر الآخر وظلمه، ويتظلم أحدهما من الآخر، بخلاف التاجر الذي قد اشترى السلعة ثم بعد هذا نقص سعرها فهذا من الله سبحانه ليس لأحد فيه حيلة، ولا يتظلم مثل هذا من البائع، وبيع ما ليس عنده من قسم القمار والميسر لأنه قصد أن يربح على هذا لما باعه ما ليس عنده، والمشتري لا يعلم أنه يبيعه ثم يشتري من غيره، وأكثر الناس لو علموا ذلك لم يشتروا منه، بل يذهبون ويشترون من حيث اشترى هو، وليست هذه المخاطرة مخاطرة التجار بل مخاطرة المستعجل بالبيع قبل القدرة على التسليم، فإذا اشترى التاجر السلعة وصارت عنده ملكا وقبضا فحينئذ دخل في خطر التجارة وباع بيع التجارة كما أحله الله بقوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، والله أعلم) [زاد المعاد 5/ 811 - 816]. وانظر: ما تقدم برقم (571). وما يأتي برقم (678). 585 - بيع الحيوان المذبوح مع جلده، أو بيع اللحم وحده والجلد وحده: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا في حيوان مذبوح: يجوز بيعه مع جلده جميعا، كما قبل الذبح، كقول جماهير العلماء كما يعلمه إذا رآه حيّا، ومنعه بعض متأخري الفقهاء، ظانًّا أنه بيع غائب بدون رؤية ولا صفة. قال شيخنا: وكذلك يجوز بيع اللحم وحده والجلد وحده، وأبلغ من ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر في سفر الهجرة، اشتريا من رجل شاة، واشترطا
(1/405)
له رأسها وجلدها وسواقطها، وكذلك كان أصحابه عليه السلام يتبايعون) [الفروع 4/ 29 ــ 30 (6/ 155)] (1). 586 - اشتراط معرفة الثمن: 587 - والبيع بما ينقطع به السعر: 588 - والبيع بدون تسمية الثمن: 589 - وبيع السلعة برقمها: - قال ابن القيم: ( ... والقول الثاني ــ وهو الصواب المقطوع به، وهو عمل الناس في كل عصر ومصر ــ: جواز البيع بما ينقطع به السعر، وهو منصوص الإمام أحمد، واختاره شيخنا، وسمعته يقول: هو أطيب لقلب المشتري من المساومة، يقول: لي أسوة بالناس، آخذ بما يأخذ به غيري. قال: والذين يمنعون من ذلك لا يمكنهم تركه، بل هم واقعون فيه، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا إجماع الأمة ولا قول صاحب ولا قياس صحيح يحرمه، وقد أجمعت الأمة على صحة النكاح بمهر المثل، وأكثرهم يجوزون عقد الإجارة بأجرة المثل كالنكاح (2) والغسال والخباز والملاح وقيِّم الحمَّام والمكاري والبيع بثمن المثل كبيع ماء الحمَّام، فغاية البيع بالسعر أن يكون بيعه بثمن المثل فيجوز، كما تجوز المعاوضة بثمن المثل في هذه الصورة وغيرها، فهذا هو القياس الصحيح، ولا تقوم مصالح الناس إلا به) [إعلام الموقعين 4/ 6]. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (180). (2) كذا، وتحرر.
(1/406)
- وقال أيضا: (إذا قال: بعتك هذه السلعة، ولم يسم الثمن؟ ... وجواب شيخنا ابن تيمية: صحة البيع بدون تسمية الثمن؛ لانصرافه إلى ثمن المثل، كالنكاح، والإجارة، كما في دخول الحمَّام، ودفع الثوب إلى القصّار، والغسّال، واللحم إلى الطبّاخ، ونظائره. قال: فالمعاوضة بثمن المثل ثابتة بالنص والإجماع في النكاح، وبالنص في إجارة المرضع، في قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}، وعمل الناس قديما وحديثا عليه في كثير من عقود الإجارة، وكذلك البيع بما ينقطع به السعر، وهو بيع بثمن المثل، وقد نص أحمد على جوازه، وعمل الأمة عليه) [بدائع الفوائد 4/ 852 (4/ 1364)]. - وقال ابن مفلح: (السادس (1): معرفة الثمن، فلا يصح برقم مجهول، أو بما ينقطع سعره، أو كما يبيع الناس على الأصح فيهن، وصححه شيخنا بثمن المثل، كنكاح (2)، وأنه مسألة السعر (3)، وأخذه من مسألة التحالف، ومن جهالة الثمن: بعني هذا بمائة، على أن أرهن بثمنه وبالمائة _________ (1) أي: من شروط البيع. (2) نقل ابن قندس في «حاشيته على الفروع» في هذا الموضع كلاما لشيخ الإسلام، يأتي في النقل التالي من كتاب «النكت على المحرر» لابن مفلح. (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يريد أن البيع يصح من غير معرفة الثمن على ما صححه شيخنا، وأنه ينعقد بثمن المثل، كما يصح النكاح من غير معرفة المهر، وينعقد بمهر المثل، ولا فرق بين أن يقع البيع من غير ذكر ثمن أو بذكر ثمن مجهول، كما قيل في النكاح، وأن هذه المسألة هي مسألة البيع بما ينقطع به السعر، أو كما يبيع الناس، وقد جاء في ذلك رواية عن الإمام أحمد بقوله: على الأصح فيهن، فعرف أن ذلك رواية عن أحمد بالصحة).
(1/407)
التي عليّ هذا) [الفروع 4/ 30 (6/ 155 - 156)]. - وقال أيضًا: (قوله (1): «وإن باعه شيئا برقمه». قال الخلال: ذكر البيع بغير ثمن مسمى، ثم ذكر عن حرب: سألت الإمام أحمد: قلت: الرجل يقول لرجل: ابعث لي جريبا من بر واحسبه علي بسعر ما تبيع؟ قال: لا يجوز هذا حتى يبين له السعر. وعن إسحاق بن منصور، قلت للإمام أحمد: الرجل يأخذ من الرجل سلعة فيقول: أخذتها منك على ما تبيع الباقي؟ قال: لا يجوز. وعن حنبل: قال عمي: أنا أكرهه، لأنه بيع مجهول، والسعر يختلف، يزيد وينقص. وروى حنبل عن أبي عبيدة (2) أنه كره ذلك. قال أبو داود في «مسائله»: باب في الشراء ولا يسمى الثمن، سمعت أحمد سئل عن الرجل يبعث إلى البقال فيأخذ منه الشيء بعد الشيء، ثم يحاسبه بعد ذلك؟ قال: أرجو أن لا يكون بذلك بأس. قال أبو داود: قيل لأحمد: يكون البيع ساعتئذ؟ قال: لا. قال الشيخ تقي الدين: وظاهر هذا أنهما اتفقا على الثمن بعد قبض المبيع، والتصرف فيه، وأن البيع لم يكن وقت القبض، وإنما كان وقت التحاسب، وأن معناه صحة البيع بالسعر. وقوله: «أيكون البيع ساعتئذ؟ » يعني: وقت التحاسب، وهذا هو _________ (1) أي: قول المجد في «المحرر». (2) كذا بالأصل، ولعلها: (عبيد).
(1/408)
الظاهر، وأصرح من ذلك ما ذكره في مسألة المعاطاة عن مثنى بن جامع عن أحمد في الرجل يبعث إلى معامل له ليبعث إليه بثوب، فيمر به فيسأله عن ثمن الثوب، فيخبره، فيقول له: اكتبه. والرجل يأخذ التمر فلا يقطع ثمنه، ثم يمر بصاحب التمر فيقول له: اكتب ثمنه؟ فأجازه إذا ثمنه بسعر يوم أخذه، وهذا صريح في جواز الشراء بثمن المثل وقت القبض، لا وقت المحاسبة، سواء ذكر ذلك في العقد أو أطلق لفظ الأخذ زمن البيع. وقد احتج القاضي في مسألة المعاطاة بحديث أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، وهما دليل على ذلك، وهذا يشبه الإذن في الإتلاف بعوض، كما إذا قال: ألقه في البحر وعلي قيمته، أو: أعتق عبدك عني وعلي قيمته. وعلى هذا: فلو اختلفا والعين قائمة ردت، وإن فاتت فالقيمة، وسيجيء في أول السلم (1) هذه المسألة عن الأوزاعي: إذا اتفقا على تقدير الثمن، ثم أخذ منه بعد ذلك، ثم حاسبه، فلعل كلام الإمام أحمد على ذلك. هذا ويتوجه أن يكون الثمن بعد العقد والإتلاف، كتقدير الصداق بعد العقد أو بعد الدخول. هذا كله كلام الشيخ تقي الدين. قال القاضي: وقد أطلق الإمام أحمد القول في جواز البيع بالرقم، فقال في رواية أبي داود: وقد سئل عن بيع الرقم؟ فكأنه لم ير به بأسا. وقال أيضا في رواية أبي طالب: لا بأس ببيع الرقم، يقول: أبيعك برقم كذا وكذا، وزيادة على الرقم كذا وكذا، كل ذلك جائز، ومتاع فارس إنما هو _________ (1) أي: من تعليقه على «المحرر» للمجد، ولم ينقل عنه ابن مفلح تحت باب السلم شيئا.
(1/409)
بيع بالرقم، قال: وهذا محمول على أنهما عرفا مبلغ الرقم، فأوقعا العقد عليه. قال الشيخ تقي الدين: الرقم رأس المال، وما اشترى به فلان أحاله على فعل واحد، والسعر إحالة على فعل العامة، مع أنه محتمل، فإنه شبه التوكيل، ولو أذن لرجل أن يشتري له هذه السلعة بما رأى جاز، لكن قد يقال: هو مقيد بأن لا يكون فيه غير خارج عن العادة، وهذا متوجه إن شاء الله تعالى، وقول الإمام أحمد: كل ذلك جائز، دليل على أنه ذكر صورتين: إحداهما: أن يعين الرقم، فيقول: برقم كذا وكذا، والثانية: أن يقول: بزيادة على الرقم كذا وكذا، ولا يعينه، فقال: كل ذلك جائز، ولولا أن الرقم غير معين لم يكن لسؤالهم له وجه، ولا يقول أبو داود: كأنه لم ير به بأسا، وهذا كالتوكيد والأخذ بالشفعة ونحو ذلك. ثم قال: بيع الشيء بالسعر أو بالقيمة ــ وهي في معنى السعر ــ لها صور: إحداها: أن يقول: بعني كذا بالسعر، وقد عرفا السعر، فهذا لا ريب فيه. الثانية: أن يكون عرف (1) عام أو خاص، أو قرينة تقتضي البيع بالسعر وهما عالمان، فهذا قياس ظاهر المذهب: صحتُه هنا، كبيع المعاطاة، مثل أن يقول: زن لي من الخبز أو اللحم أو الفاكهة كذا وكذا، وعُرف هذا البائع أنه يبيع الناس كلهم بثمن واحد، وكذا عرف أهل البلد، فإن الرجوع إلى العرف _________ (1) في «حاشية ابن قندس على الفروع»: (أن يكون بينهما عرف).
(1/410)
في قدر الثمن كالرجوع في وصفه (1). الثالثة: أن يتبايعا بالسعر لفظا أو عرفا، وهما أو أحدهما لا يعلم، فكلام الإمام أحمد يقتضي روايتين، ووجه الصحة: إلحاق ذلك بقيمة المثل في الإجارة إذا دخل الحمّام أو قصر الثوب، ثم إن قيل: البيع فاسد، وكانت العين تالفة، فالواجب أن لا يضمن إلا بالقيمة، لأنهما تراضيا بذلك، ونظيره: أعتق عبدك عني وعليّ ثمنه، أو: ألق متاعك في البحر وعليّ ثمنه. انتهى كلامه. وقال أيضا ــ بعد أن حكى ما تقدم من الروايات ــ: قد يقال في المسألة روايتان، لأنه جوّزه هناك بالسعر كما تقدم، ومنعه هنا، وقد يقال هناك: كان السعر معلوما للبائع مستقرا، وهنا لم يكن السعر معلوما للبائع، لأنه لم يدر بعد ما يبيع به، فصار البيع بالسعر المستقر الذي يعلمه البائع كالبيع بالثمن الذي اشتراه في بيع التولية والمرابحة، وأخذ الشفيع الشقص المشفوع بالثمن الذي اشترى به قبل علمه بقدر الثمن. وذكر في موضع آخر: أن هذا أظهر، قال: كل من ألزمه الشارع بالبيع فإنما يلزمه البيع بثمن المثل، وبذلك حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كمن أعتق شركا له في عبد. قال: وليس هذا من باب ضمن التلف بالبدل، كما توهم ذلك طائفة من أصحابنا وغيرهم، بل هو من باب البيع بقيمة المثل، لأن نصيب الشريك يدخل _________ (1) هذا النص نقله ابن قندس في «حاشيته على الفروع» (6/ 155) من «شرح المحرر» لشيخ الإسلام، وزاد هنا: (فإنه إذا باع بنقد ولم يذكر وصفه يرجع فيه إلى العرف، وهو نقد البلد إن كان واحدا، أو إلى الغالب إن كان فيه نقود، فكذلك إذا باع من غير تعيين قدر الثمن، يصح ويرجع في قدره إلى العرف، وهو ثمن المثل).
(1/411)
في ملك المعتق، ثم يعتق ويكون ولاء العبد كله له، ليس من قبيل العبد المشترك بينه وبين شريكه، بل هو كمن ابتاع نصيب شريكه، لكن ألزمهما بالتبايع لتكميل حرية العبد) [النكت على المحرر 1/ 298 - 301 (1/ 435 - 438)] (1). وانظر: ما يأتي تحت المسألة رقم (679). 590 - البيع بالنقد المطلق: - قال ابن مفلح: (قوله: «أو بدينار مطلق، وليس للبلد نقد غالب». وذكره أجود، لأن الجهالة تزول بظهور المعاملة بغالب نقد البلد. قال الشيخ تقي الدين: الذي يقتضيه كلامه في رواية الأثرم والأنطاكي وسندي وابن القاسم: إذا باعه أو أكراه بكذا وكذا درهمًا صح، وله نقد الناس، وإن كانت النقود مختلفة، فله أوسطها في رواية، وأقلها في رواية. وكلامه نص لمن تأمله: أن البيع بالنقد المطلق يصح بكل حال، وإلا لأخبر بفساد العقد، وهذا شبيه بتصحيح المطلق من الحيوان في الصداق وغيره، لكن المطلق في النقود أوسع، فلهذا صححه في البيع. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 303]. 591 - إذا تفرقا قبل أن يعينا أحد الثمنين: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «أو قال: بعتك بعشرة نقدا، أو بعشرين _________ (1) انظر: «الفتاوى» (29/ 231 - 232، 345؛ 34/ 127)، «الاختيارات» للبعلي (180). (2) أي: المجد ابن تيمية في «المحرر».
(1/412)
نسيئة، فإنه لا يصح». يعني: إن افترقا قبل تعيين أحد الثمنين، لأن هذا بيعان في بيعة، وقد نهى عنه الشارع، فسره بذلك جماعة منهم: مالك والثوري وإسحاق وأحمد في رواية أبي الحارث، وهو قول أكثر العلماء. وقال مهنا (1): سألت الإمام أحمد عن رجل باع بيعا بدرهم، واشترط عليه الدينار بكذا وكذا؟ فقال: هذا لا يحل، هذه بيعتان في بيعة. وكذا فسره في رواية: حرب ومحمد بن موسى بن مشيش وهارون الحمَّال وأبي الحارث أيضا. وقال مهنا: سألت أبا عبد الله عن الرجل يقول للرجل: هذا الثوب بثلاثين درهما بالمكسرة، وبخمسة وعشرين بالصحاح؟ قال: لا يصح، هذان شرطان في بيع. فقلت: يترك له هذا الثوب بثلاثين درهما نسيئة، وعشرين بالنقد. قال: لا يصح، هذه بيعتان في بيعة. وقيل للإمام أحمد ــ في رواية الأثرم ــ: إذا قال: بعشرة دراهم بالصحاح وباثني عشر بالغلة، هو شرطان في بيع؟ قال: لا، بيعتان في بيعة. وقيل للإمام أحمد ــ في رواية محمد بن أبي حرب -: إن قال: إن أتيتني بالدراهم إلى شهر (2) فهو بكذا، وإن أتيتني إلى شهرين فهو بكذا، أكثر من ذلك؟ قال: لا يجوز هذا. وقال في رواية صالح: هذا مكروه، إلا أن يفارقه على أحد البيوع. _________ (1) في الأصل: (منها) خطأ. (2) في الأصل: (إلى مشهر)، وهو تطبيع.
(1/413)
وقال أبو الخطاب: ويحتمل أن يصح قياسا على قول الإمام أحمد في الإجارة: إن خطته اليوم فلك درهم، وإن خطته غدا فلك نصف درهم. وفرَّق غيره من جهة أن العقد ثَمَّ يمكن أن يصح جعالة بخلاف البيع. وقال الشيخ تقي الدين: قياس مسألة الإجارة أن يكون في هذه روايتان، لكن الرواية المذكورة في الإجارة فيها نظر، وهذه تشبه: شاة من قطيع، وعبدا من أعبد، ونظيرها من كل وجه: أحد العبدين أو الثوبين. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 304 - 305]. 592 - إذا قال: بعتك داري هذه وأجرتكها شهرا بألف: - قال ابن مفلح: (قال القاضي: فإن قال: بعتك داري هذه، وأجرتكها شهرًا بألف= فالكل باطل، لأن ملك الرقبة ملك المنافع، فلا يصح أن يؤاجره منفعة ملكها عليه. قال الشيخ تقي الدين: وللصحة وجه بأن تكون مستثناة) [النكت على المحرر 1/ 308]. 593 - إذا تصرف في مال غيره أو طلق زوجاته أو غير ذلك من التصرفات: - قال ابن مفلح: (وإن باع أو اشترى بمال غيره، أو طلق زوجته، أو غير ذلك من التصرفات ــ قاله شيخنا، وهو ظاهر كلام غيره، وصرح به ابن الجوزي في طلاق زوجة غيره بلا إذنه ــ لم يصح، اختاره الأكثر) [الفروع 4/ 36 (6/ 163)] (1). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (20/ 577؛ 29/ 249 - 250).
(1/414)
594 - بيع الأرض الموقوفة مما فتح عنوة ولم يقسم: - قال ابن مفلح: (ولا يصح بيع أرض موقوفة مما فتح عنوة ولم يقسم، كالشام والعراق ومصر ونحوها، وعنه: يصح» و: هـ ق» ذكره الحلواني، اختاره شيخنا، وذكره قولا لنا، وقال: جوّز أحمد إصدَاقها) [الفروع 4/ 38 (6/ 165)] (1). 595 - من وقع بيده من آبائه أرض موقوفة مما فتح عنوة ولم يقسم: - قال ابن مفلح: (وجوزها (2) في «الترغيب» مؤقتة، لأن عمر لم يقدر المدة للمصلحة العامة، احتمل في واقعة كلية. قال: وليس لأحد أخذ شيء ممن وقع بيده من آبائه، ويقول: أنا أعطي غلته، لأن الإجارة لا تنفسخ بموت، والمزارعة أولى، والمؤثر بها أحق. قال شيخنا: بلا خلاف) [الفروع 4/ 39 (6/ 167)]. 596 - حكم الأرض التي يجعلها الإمام فيئا: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: إذا جعلها الإمام فيئا، صار ذلك حكما باقيا فيها دائما، فإنها لا تعود إلى الغانمين، وليس غيرهم مختصًا بها) [الفروع 4/ 41 (6/ 168)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (179)، وانظر: «الفتاوى» (17/ 488 - 489؛ 28/ 588 - 589؛ 29/ 204 - 206؛ 31/ 230 - 231)، «جامع المسائل» (2/ 223 - 225؛ 4/ 368 - 373). (2) أي: الإجارة. (3) «الاختيارات» للبعلي (179).
(1/415)
597 - ملك ما يتولد من الأرض قبل حيازتها (1): - قال ابن مفلح: (ولا يملك ماءٌ عِدٌّ (2) وكلأٌ ومعدنٌ جارٍ بملك أرض قبل حيازته «و: هـ»، فلا يجوز بيعه «و: هـ»، كأرض مباحة «ع» فلا يدخل في بيع، بل مشترٍ أحقُّ به، وعنه: يملكه فيجوز بيعه، لأنّه متولدٌ من أرضه كالنتاج «و: ش م» في أرض عادة ربِّها ينتفع بها، لا أرض بور، وجوَّزه شيخنا في مُقطع محسوب عليه يريد تعطيلَ ما يستحقُّه من زرعٍ وبيع الماء) [الفروع 4/ 41 (6/ 168 - 169)] (3). 598 - صاحب الأرض أحق بالطلول التي يجني منها النحل: - قال ابن مفلح: (والطلول التي يجنى منها النحل كالكلأ وأولى، ونحلُ ربِّ الأرضِ أحقُّ، فله منع غيره إن أضرَّ به. ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 42 (6/ 169)] (4). _________ (1) انظر: «الإنصاف» (11/ 77 - 80). (2) في «المطلع» (230): (العِدُّ: بكسر العين، وتشديد الدال المهملة: الذي له مادة لا تنقطع، وجمعه: أعداد) ا. هـ، وفي «المصباح» (396): (الماء الذي لا انقطاع له، مثل ماء العين وماء البئر) ا. هـ. (3) «الفتاوى» (29/ 214 - 215)، ونصه: (إذا كان الماء محبوسا عليه في الإقطاع، مثل أن تكون الأرض بمائها محبوسة عليه بألف درهم، وبدون تحبيس عليه بخمسمائة درهم، وهو يريد تعطيل ما يستحقه من الزرع وبيعه لغيره يسقي به في أرضه فإن هذا يجوز بيعه) ا. هـ. وانظر: «الفتاوى» (29/ 217 - 219)، «الاختيارات» لابن اللحام (179). (4) «الفتاوى» (29/ 220 - 221).
(1/416)
599 - إذا جمع بين البيع والنكاح في عقد واحد: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإن كان الجمع بين بيع ونكاح». مثل: إن زوج وباع عبده بألف، أو أصدقها عبدًا على أن ترد عليه ألفًا= صح النكاح، لأنه لا يفسد بفساد العوض، وفي البيع وجهان: أحدهما: يصح، قال الشيخ تقي الدين: وهو الذي ذكره القاضي في كتابيه، وابن عقيل في الصداق، فتقسط الألف على مهر المثل وقيمة العبد، وكذلك يقسط العبد على مهر المثل والألف، لأن جملة العوض معلومة. والثاني: لا يصح فيهما، فإنه إذا انفسخ البيع لزم توزيع الصفقة، قال: ولو قال: زوجتك بنتي، ولك هذه الألف بعبدك هذا= فالعبد بعضه مبيع وبعضه مهر، فيقسط العبد على مهر المثل والألف، ولو كان لبنته مال فقال: زوجتك هذه ولك هذه الألف معها بهذه الألفين من عندك= بطل البيع والمهر جميعًا، لأنه من باب: «مد عجوة ودرهم» (2)، هذا الذي ذكره القاضي وابن عقيل وأبو محمد من غير خلاف. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 308]. 600 - المعاوضة على المنافع الدينية: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين ــ بعد أن ذكر الكلام في المصحف ــ: وكذلك في المعاوضة على المنافع الدينية من العلم ونحوه، وكذلك الاستئجار هناك مثل الابتياع هنا، وإبدال منفعة دينية بمنفعة دينية كما هنا، إذ لا فرق بين الأعيان الدينية والمنافع. _________ (1) أي المجد ابن تيمية في «المحرر». (2) في الأصل: (وردهم).
(1/417)
ويتوجه في هذا وأمثاله: أنه يجوز للحاجة كالرواية المذكورة في التعليم، فينبغي أن يفرق في الأعيان بين المحتاج وغيره، كما فرق في المنافع. وما لم يجز بيعه فينبغي أن لا يجوز أن يوهب هبة يبتغى بها الثواب، لحديث المكارمة بالخمر، وكذلك ينبغي أن لا يجوز استنقاذ آدمي أو مصحف ونحو ذلك بها، مثل أن نعطي لكافر خمرًا، أو ميتة، أو دهنًا نجسًا، ليعطينا مسلمًا بدله، أو مصحفًا، انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 287] (1). 601 - بيع ما قصد به الحرام: - قال ابن مفلح: (ولا يصحُّ بيعُ ما قصد به الحرام، كعصير لمتخذه خمرًا قطعًا، نقل الجماعة: إذا علم، وقيل: أو ظنًّا، واختاره شيخنا) [الفروع 4/ 42 (6/ 169)] (2). 602 - بيع الدار على الكافر والفاسق والمبتدع: - قال ابن القيم: ( ... قال (3): وقد أخبرني أحمد بن الحسين بن حسان قال: سئل أبو عبد الله عن حصين بن عبد الرحمن، فقال: روى عنه حفص، لا أعرفه. قال له أبو بكر (4): هذا من النساك، حدثني أبو سعيد _________ (1) انظر: «الفتاوى» (31/ 212 - 213). (2) «الاختيارات» للبعلي (180). (3) أي: الخلال. (4) قال الشيخ صبحي الصالح محقق «أحكام أهل الذمة»: (أي: أبو بكر عبد العزيز المعروف بغلام الخلال، والسياق يؤكده) ا. هـ ولكن غلام الخلال لم يدرك أحمد!
(1/418)
الأشج سمعت أبا خالد الأحمر يقول: حفص هذا العدى (1) نفسه، باع دار حصين بن عبد الرحمن عابد أهل الكوفة من عون البصري! فقال له أحمد: حفص؟ قال: نعم، فعجب أحمد من حفص بن غياث. قال الخلال: وهذا أيضا تقوية لمذهب أبي عبد الله. قال شيخنا: وعون هذا كان (2) من أهل البدع أو من الفساق بالعمل، فأنكر أبو خالد الأحمر على حفص بن غياث قاضي الكوفة أنه باع دار الرجل الصالح من مبتدع، وعجب أحمد من فعل القاضي. قال الخلال: وإذا كان يكره بيعها من فاسق فكذلك من كافر، وإن كان الذمي يقر، والفاسق لا يقر، لكن ما يفعله الكافر فيها أعظم. وهكذا ذكر القاضي عن أبي بكر عبد العزيز، وقد ذكر قول أحمد في رواية أبي الحارث: لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها، يبيعها من مسلم أحب إلي، فقال أبو بكر: لا فرق بين الإجارة والبيع عنده، فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة، وإذا منع البيع منع الإجارة. ووافقه القاضي وأصحابه على ذلك. قال شيخنا: وتلخيص الكلام في ذلك أما بيع داره من كافر فقد ذكرنا منع أحمد منه، ثم اختلف أصحابه في ذلك، هل هذا تنزيه أو تحريم؟ فقال الشريف أبو علي بن أبي موسى: كره أحمد أن يبيع مسلم داره من ذمي يكفر فيها بالله تعالى، ويستبيح المحظورات، فإن فعل أساء ولم _________ (1) كذا بالأصل، وفي «الاقتضاء»: (العدوي). (2) في «الاقتضاء»: (كأنه)، وهي أنسب، والله أعلم.
(1/419)
يبطل البيع، وكذلك أبو الحسن الآمدي أطلق الكراهة مقتصرا عليها. أما الخلال وصاحبه والقاضي فمقتضى كلامهم تحريم ذلك، وصرح به القاضي فقال: لا يجوز أن يؤاجر داره أو بيته ممن يتخذه كنيسة أو بيت نار، أو يبيع فيه الخمر، سواء شرط أنه يبيع فيه الخمر أم لم يشرط لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر، وقد قال أحمد في رواية أبي الحارث: لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر فيها بالله .. إلى آخر كلامه (1). قال القاضي: وقال أحمد أيضا في نصارى وقفوا ضيعة لهم للبيعة: لا يستأجرها الرجل المسلم منهم، يعينهم على ما هم فيه. قال: وبهذا قال الشافعي. ثم قال القاضي: فإن قيل: أليس قد أجاز أحمد إجارتها من أهل الذمة مع علمه بأنهم يفعلون فيها ذلك؟ قيل: المنقول عن أحمد أنه حكى قول ابن عون، وعجب منه. وذكر القاضي رواية الأثرم، وهذا يقتضي أن القاضي لا يُجوّز إجارتها من ذمي، وقد قال أبو بكر: إذا أجاز البيع أجاز الإجارة، وإذا منع منع. قال شيخنا: وكلام أحمد يحتمل الأمرين، فإن قوله في رواية أبي الحارث: يبيعها من مسلم أحب إلي= يقتضي أنه منع تنزيه، واستعظامه لذلك في رواية المروذي، وقوله: لا يباع من الكافر، وتشديده في ذلك= يقتضي التحريم، وأما الإجارة فقد سوى الأصحاب بينها وبين البيع، وما حكاه عن ابن عون فليس بقول أحمد، وإعجابه بفعله إنما هو لحسن مقصد ابن عون ونيته الصالحة، ويمكن أن يقال: ظاهر الرواية أنه أجاز ذلك، فإن _________ (1) أي: أحمد، وقد سبق بتمامه.
(1/420)
إعجابه بالفعل دليل جوازه عنده، واقتصاره على الجواب بفعل رجل يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين. والفرق بين الإجارة والبيع أن ما في الإجارة مفسدة الإعانة قد عارضه مصلحة أخرى، وهي صرف إرعاب المطالبة بالكراء عن المسلم، وإنزال ذلك بالكافر، وصار ذلك بمنزلة إقرارهم بالجزية، فإنه وإن كان إقرارا لكافر لكن لما تضمنه من المصلحة جاز، ولذلك جازت مهادنة الكفار في الجملة، فأما البيع فهذه المصلحة منتفية فيه، وهذا ظاهر على قول ابن أبي موسى وغيره أن البيع مكروه غير محرم، فإن الكراهة في الإجارة تزول بهذه المصلحة الراجحة، كما في نظائره، فيصير في المسألة أربعة أقوال. قال شيخنا: وهذا الخلاف عندنا والتردد في الكراهة هو إذا لم يعقد الإجارة على المنفعة المحرمة، فأما إن أجره إياها لأجل بيع الخمر أو اتخاذها كنيسة أو بيعة لم يجز قولا واحدا، وبه قال الشافعي وغيره، كما لا يجوز أن يكري أمته أو عبده للفجور، وقال أبو حنيفة: يجوز أن يؤاجرها لذلك، قال أبو بكر الرازي: لا فرق عند أبي حنيفة بين أن يشترط أن يبيع فيه الخمر وبين ألا يشترط لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر= أن الإجارة تصح، ومأخذه في ذلك أنه لا يستحق عليه بعقد الإجارة فعل هذه الأشياء، وإن شرط له ألا يبيع فيها الخمر ولا يتخذها كنيسة، ويستحق عليه الأجرة بالتسليم في المدة، فإذا لم يستحق عليه فعل هذه الأشياء كان ذكرها وترك ذكرها سواء، كما لو اكترى دارا لينام فيها أو يسكنها، فإن الأجرة تستحق عليه وإن لم يفعل ذلك، وكذلك يقول فيما إذا استأجر رجلا لحمل خمر أو خنزير أنه يصح، لأنه لا يتعين حمل الخمر، بل لو حمل عليه بدله عصيرا
(1/421)
استحق الأجرة، فهذا التقييد عنده لغو، فهو بمنزلة الإجارة المطلقة، والمطلقة عنده جائزة، وإن غلب على ظنه أن المستأجر يعصي فيها، كما يجوز بيع العصير لمن يتخذه خمرا، ثم إنه كره بيع السلاح في الفتنة، قال: لأن السلاح معمول للقتال لا يصلح لغيره. وعامة الفقهاء خالفوه في المقدمة الأولى، وقالوا: ليس المقيد كالمطلق، بل المنفعة المعقود عليها هي المستحقة، فتكون هي المقابلة بالعوض، وهي منفعة محرمة، وإن جاز للمستأجر أن يقيم مثله مقامه (1)، وألزموه ما لو اكترى دارا ليتخذها مسجدا، فإنه لا يستحق عليه فعل المعقود عليه، ومع هذا فإنه أبطل هذه الإجارة بناء على أنها اقتضت فعل الصلاة، وهي لا تستحق بعقد إجارة. ونازعه أصحابنا وكثير من الفقهاء في المقدمة الثانية، وقالوا: إذا غلب على ظنه أن المستأجر ينتفع بها في محرم حرمت الإجارة له، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن عاصر الخمر ومعتصرها، والعاصر إنما يعصر عصيرا، لكن إذا رأى أن المعتصر يريد أن يتخذه خمرا أو عصيرا (2) استحق اللعنة، وهذا أصل مقرر في غير هذا الموضع. لكن معاصي الذمي قسمان: أحدهما: ما اقتضى عقد الذمة إقراره عليها. والثاني: ما اقتضى عقد الذمة منعه منها أو من إظهارها. _________ (1) في «الاقتضاء»: (أن يقيم غيرها مقامها). (2) في «الاقتضاء»: (خمرا وعصره).
(1/422)
فأما القسم الثاني فلا ريب أنه لا يجوز على أصل أحمد أن يؤاجر أو يبايع إذا غلب على الظن أنه يفعل ذلك، كالمسلم وأولى. وأما القسم الأول فعلى ما قاله ابن أبي موسى: يكره ولا يحرم، لأنا قد أقررناه على ذلك، وإعانته على سكنى هذه الدار كإعانته على سكنى دار الإسلام، فلو كان هذا من الإعانة المحرمة لما جاز إقراره بالجزية، وإنما كره ذلك لأنه إعانة من غير مصلحة، لإمكان بيعها من مسلم، بخلاف الإقرار بالجزية، فإنه جاز لأجل المصلحة. وعلى ما قاله القاضي: لا يجوز، لأنه إعانة على ما يستعين به على المعصية من غير مصلحة تقابل هذه المفسدة، فلم يجز، بخلاف إسكانهم دار الإسلام فإن فيه من المصالح ما هو مذكور في فوائد إقرارهم بالجزية) [أحكام أهل الذمة 1/ 286 - 290]. - وقال ابن مفلح: (قال الخلال - رحمه الله -: باب الرجل يؤاجر داره للذمي أو يبيعها منه ... قال الخلال: وقد أخبرني أحمد بن الحسين بن حسان قال: سئل أبو عبد الله عن حصين بن عبد الرحمن، فقال: روى عنه حفص، لا أعرفه, قال له أبو بكر: هذا من النساك، حدثني أبو سعيد الأشج، سمعت أبا خالد الأحمر يقول: حفص هذا باع دار حصين بن عبد الرحمن عابد أهل الكوفة من عون البصري، فقال له أحمد: حفص؟ قال: نعم، فعجب أحمد، يعني من حفص بن غياث. قال الخلال: وهذا تقوية لمذهب أبي عبد الله، فإذا كان يكره بيعها من فاسق فكذلك من كافر، وأن الذمي يقر، وأن الفاسق لا يقر، لكن ما يفعله الذمي فيها أعظم. انتهى كلامه.
(1/423)
عون هذا من أهل البدع، أو من الفساق بالعمل. قال أبو بكر عبد العزيز ــ فيما ذكره عن (1) القاضي ــ: لا فرق بين البيع والإجارة عنده، فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة، وإذا منع البيع منع الإجارة، ووافقه القاضي وأصحابه على ذلك. وعن إسحاق بن منصور أنه قال لأبي عبد الله: سئل ــ يعني الأوزاعي ــ عن الرجل يؤاجر نفسه لنظارة كرم النصراني، فكره ذلك، قال أحمد: ما أحسن ما قال؛ لأن أصل ذلك يرجع إلى الخمر، إلا أن يعلم أنه يباع لغير الخمر فلا بأس. قال الشريف أبو علي بن أبي موسى: كره أحمد أن يبيع داره من ذمي يكفر فيها بالله عز وجل، ويستبيح المحظورات، فإن فعل أساء ولم يبطل البيع. وكذلك قال أبو الحسن الآمدي: أطلق الكراهة مقتصرا عليها، وأما الخلال وصاحبه والقاضي فمقتضى كلامهم تحريم ذلك، وقد سبق كلام الخلال وصاحبه. وقال القاضي: لا يجوز أن يؤجر داره أو بيته ممن يتخذه بيت نار، أو كنيسة، أو يبيع فيه الخمر، سواء شرط أنه يبيع فيه الخمر أو لم يشترط، لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر، وقد قال أحمد: لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها، يبيعها من مسلم أحبُّ إلي. _________ (1) كذا, ولعل الصواب: (عنه).
(1/424)
وقال أيضا في نصارى وقفوا ضيعة لهم للبيعة: لا يستأجرها الرجل المسلم منهم يعينهم على ما هم فيه، قال: وبهذا قال الشافعي. فقد حرم القاضي إجارتها لمن يعلم أنه يبيع فيها الخمر، مستشهدًا على ذلك بنص أحمد على أنه لا يبيعها لكافر، ولا يشتري وقف الكنيسة، وذلك يقتضي أن المنع عنده في هاتين الصورتين منع تحريم. قال: قال القاضي في أثناء المسألة: فإن قيل: أليس قد أجاز أحمد إجارتها من أهل الذمة مع علمهم بأنهم يفعلون ذلك فيها؟ قيل: المنقول عن أحمد أنه حكى قول ابن عون وعجب منه. وهذا يقتضي أن القاضي لا يجوز إجارتها من ذمي، وظاهر رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث جواز ذلك، فإن إعجابه بالفعل دليل جوازه عنده، واقتصاره على الجواب بفعل رجل يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين. والفرق بين البيع والإجارة أن ما في الإجارة من مفسدة الإعانة قد عارضه مصلحة أخرى، وهو مصرف إرعاب المطالبة بالكراء عن المسلم وأنزل ذلك بالكفار، وصار ذلك بمنزلة إقرارهم بالجزية، فإنه وإن كان إقرارًا لكافر لكن لما تضمنه من المصلحة جاز، ولذلك جازت مهادنة الكفار في الجملة، فأما البيع فهذه المصلحة منتفية فيه، فيصير في المسألة أربعة أقوال. ذكر هذا كله الشيخ تقي الدين) [الآداب الشرعية 3/ 256 ــ 257] (1). _________ (1) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 24 - 31)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (227 - 228).
(1/425)
603 - بيع الحرير والذهب والخمر للكفار: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: بيع الحرير للكفار حديث عمر - رضي الله عنه - يقتضي جوازه بخلاف بيع الخمر، فإن الحرير ليس حراما على الإطلاق، وعلى قياسه بيع آنية الذهب والفضة لهم، وإذا جاز بيعها لهم جاز صنعتها لبيعها منهم، وجاز عملها لهم بالأجرة. انتهى كلامه، ذكره في أول باب ما يجوز بيعه من «تعليقه على المحرر») [الآداب الشرعية 3/ 379]. 604 - إذا باع على بيع أخيه أو اشترى على شرائه: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «فإن فعلا ذلك، فهل يصح البيع الثاني؟ على وجهين». وقال ابن الجوزي: فالبيع باطل في ظاهر المذهب. وقدمه الشيخ موفق الدين وغيره، لظاهر النهي، وحكاه في «المستوعب» عن أبي بكر، وحكى عن القاضي وأبي الخطاب: أنه يصح، لأن المحرم سابق على عقد البيع، ولأن الفسخ الذي حصل به الضرر صحيح، فالبيع المحصل للمصلحة أولى، ولأن النهي لحق آدمي فأشبه بيع النجش. وقطع بالخلاف في «الهداية» و «الخلاصة». وقال في «الرعاية»: وفي صحة العقد الثاني روايتان، أشهرهما بطلانه. قال الشيخ تقي الدين: وهذا القول يعمُّ ما إذا كان أحد المتبايعين وكيلًا، أو وليًا ليتيم أو غيره، ويكون بيع المزايدة جائزًا في الوقت الذي _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(1/426)
يجوز فيه الاستيام؛ لأن الرجل الزائد سائم دون ما بعد ذلك، وهذا هو التوفيق بين حديث المزايدة وحديث النهي عن السوم، ويكون ثبوت الخيار لا يبيح الفسخ في هذه الصورة، لما فيه من الضرر، كما أنه لا يجوز التفريق خشية أن يستقيله على الروايتين عنه (1)، وإن كان يملك التفرق إلا (2) بهذه النية. ولو قيل: إنه في بيوع المزايدة ليس لأحدهما أن يفسخ لما فيه من الضرر بالآخر= كان متوجهًا، لأنه لو لم يقبل أمكنه أن يبيع الذي قبله، فإذا قبل ثم فسخ= كان قد غرّ البائع، بل يتوجه كقول مالك: إنه في بيع المزايدة إذا زاد أحدهما شيئًا لزمه، وإن كان المستام المطلق لا يلزمه، فإنه بزيادته فوت عليه الطالب الأول، ألا ترى أنه في النجش إذا زاد قد غرّ المشتري؟ فكذلك هنا إذا زاد فقد غرّ البائع. والفرق بين المساومة التي كانت غالبة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبيع المزايدة= ظاهر، وإخراج الصور القليلة من العموم لمعارض أمر مستمر في الأدلة الشرعية. وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أنواع من العقود لما فيها من الضرر بالغير، فعلى قياسه ينهى عن الفسوخ التي فيها إضرار بالغير، انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 282 - 283 (1/ 417 ــ 418)]. _________ (1) في الأصل: (الرايتين) والتصويب من ط 2، وقال محقق ط 1 في الحاشية: (بهامش الأصل: في «شرح المحرر»: «على أبين الروايتين عنه»). (2) في ط 2: (لا).
(1/427)
- وقال ابن مفلح أيضا: (وعند شيخنا: للمشتري الأول مطالبة البائع بالسلعة وأخذ الزيادة، أو عوضها (1)) [الفروع 4/ 46 (6/ 174)] (2). 605 - سومه على سوم أخيه: 606 - واستئجاره على استئجار أخيه، واقتراضه على اقتراض أخيه، واتهابه على اتهاب أخيه، وطلبه العمل في الولايات: - قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين: وأما استيامه على سوم أخيه: فكخطبته على خطبة أخيه، يفرق فيه بين الركون وعدمه، ولهذا جاز بيع المزايدة؛ لأن البائع طلب المزايدة، فلم يركن، بل رده، ولو لم يجب برد ولا قبول ففيه وجهان، لكن بيع المزايدة ظاهر فيما إذا كانت السلعة أو المنفعة بين البائع أو المؤجر، فأما المستأجر لحانوت، وفي رأس الحول إن لم يزد عليه أحد وإلا أجره المالك (3) = فهذا ليس مثل بيع المزايدة، فإن المالك لم يطلب ولم يزد، وإنما تشبه مسألة الوجهين. وقال: استئجاره على استئجار أخيه، واقتراضه على اقتراض أخيه، واتهابه على اتهاب أخيه= مثل شرائه على شراء أخيه، وكذا اقتراضه في _________ (1) كذا المسألة في «الفروع»، وقال البعلي في «الاختيارات»: (ويحرم الشراء على شراء أخيه، وإذا فعل ذلك كان للمشتري الأول مطالبة البائع بالسلعة وأخذ السلعة ــ كذا ــ أو عوضها) ا. هـ، ونحوه في «الإنصاف» (11/ 180) والجملة الأخيرة فيه: (وأخذ الزيادة أو عوضها) كما في «الفروع»، وهو الصواب، والله أعلم. (2) «الاختيارات» للبعلي (180)، وانظر: «الفتاوى» (29/ 283 - 286). (3) قال المحقق في الحاشية: (بهامش الأصل: الذي في «شرح المحرر»: «وإلا أجرة الملك»).
(1/428)
الديوان، وطلبه العمل في الولايات، ونحو ذلك) [النكت على المحرر 1/ 284 (1/ 418 ــ 419)]. 607 - إذا امتنع الغاصب من دفع المال إلى صاحبه لإلجائه إلى أن يبيعه عليه: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من استولى على ملك رجل بلا حق، فطلبه صاحبه، فجحده أو منعه إياه حتى يبيعه إياه، فباعه إياه على هذا الوجه، فهذا مكره بغير حق) [الفروع 4/ 50 (6/ 177)] (1). 608 - إذا أقر الرجل بالعبودية لكي يباع: - قال ابن مفلح: (وسأله ابن الحكم عن رجلٍ يقرُّ بالعبوديَّة حتى يباع، قال: يؤخذ البائع والمقر بالثمن، فإن مات أحدهما أو غاب أخذ الآخر بالثمن، واختاره شيخنا) [الفروع 4/ 51 (6/ 178)] (2). 609 - إلزام الباعة بالمعاوضة بثمن المثل (التسعير): - قال ابن القيم: (وأما صفة ذلك عند من جوَّزه (3)، فقال ابن حبيب: ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهارا على صدقهم، فيسألهم: كيف يشترون، وكيف يبيعون؟ فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سدادا، حتى يرضوا به، ولا يجبرهم على التسعير، ولكن عن رضى. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (180 - 181). (2) «الاختيارات» للبعلي (181)، وانظر: «الفتاوى» (29/ 225). (3) أي: التسعير.
(1/429)
قال أبو الوليد: ووجه هذا: أن به يتوصل إلى معرفة مصالح البائعين والمشترين، ويجعل للباعة في ذلك من الربح ما يقوم بهم، ولا يكون فيه إجحاف بالناس، وإذا سعر عليهم من غير رضا بما لا ربح لهم فيه= أدى ذلك إلى فساد الأسعار، وإخفاء الأقوات، وإتلاف أموال الناس. قال شيخنا: فهذا الذي تنازعوا فيه، وأما إذا امتنع الناس من بيع ما يجب عليهم بيعه فهنا يؤمرون بالواجب، ويعاقبون على تركه، وكذلك كل من وجب عليه أن يبيع بثمن المثل فامتنع. ومن احتج على منع التسعير مطلقا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله هو المسعر القابض الباسط، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال» = قيل له: هذه قضية معينة وليست لفظا عاما، وليس فيها أن أحدا امتنع من بيع ما الناس يحتاجون إليه، ومعلوم أن الشيء إذا قل رغب الناس في المزايدة فيه، فإذا بذله صاحبه ــ كما جرت به العادة ــ ولكن الناس تزايدوا فيه، فهنا لا يسعر عليهم) [الطرق الحكمية 200] (1). - وقال ابن مفلح: (وأوجب شيخنا إلزامَهم المعاوضة بثمن المثل» ش» وأنه لا نزاع فيه، لأنها مصلحة عامة لحقِّ الله، فهي أولى من تكميل الحريّة. قال: ولهذا حرم «هـ» وأصحابه من يقسم بالأجر الشركة، لئلا يغلوا على الناس، فمنع (2) البائعين والمشترين المتواطئين أولى، وأنه أولى من تلقي الركبان، وحرم غيره «م ر» وألزم بصنعة الفلاحة للجند، وكذا بقية الصناعة، وأن _________ (1) «الفتاوى» (28/ 95). (2) في ط 2: (فمع)، والمثبت من ط 1.
(1/430)
ابن الجوزي وغيرَه ذكروا ذلك، لأن مصلحة الناس لا تتم إلا بها، كالجهاد وطلب العلم إذا لم يتعينا) [الفروع 4/ 51 - 52 (6/ 178 - 179)] (1). 610 - حكم تمني الغلاء: - قال ابن مفلح: (قال أحمد: لا ينبغي أن يتمنى الغلاء، وفي «الرعاية»: يكره، واختاره شيخنا) [الفروع 4/ 54 (6/ 180)] (2). 611 - الإجبار على بيع السلاح لحاجة الجهاد: - قال ابن مفلح: (ويجبر المحتكر على بيعه كما يبيع الناس «ش» فإن أبى وخيف التلف: فرقه الإمام، ويردون مثله، ويتوجه قيمته، وكذا سلاح لحاجة، قاله شيخنا) [الفروع 4/ 54 (6/ 180)] (3). 612 - إذا ضمن مكانا ليبيع ويشتري فيه وحده: - قال ابن مفلح: (ومن ضمن مكانا ليبيع ويشتري فيه وحده= كره الشراء منه بلا حاجة، ويحرم عليه أخذُ زيادةٍ بلا حقٍّ، ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 54 (6/ 180)] (4). 613 - النهي عن بيعتين في بيعة: - قال ابن القيم: (وقوله في الحديث المتقدم: «من باع بيعتين في _________ (1) «الفتاوى» (28/ 76 - 88، 96 - 98) باختصار، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (181). (2) «الاختيارات» للبعلي (181). (3) «الفتاوى» (28/ 87). (4) «الفتاوى» (29/ 238 - 239، 253 - 256)، «الاختيارات» للبعلي (181).
(1/431)
بيعة: فله أوكسهما أو الربا» هو منزل على العينة بعينها، قاله شيخنا) [تهذيب السنن 9/ 240] (1). 614 - تفريق الصفقة: - قال ابن مفلح: (قال القاضي في «التعليق» ضمن المسألة: وإذا أوجب في عبدين لم يكن للمشتري أن يقبل في أحدهما، ذكره القاضي محل وفاق، مسلمًا له، وذكر في حجة المخالف أن امرأتين لو قالتا لرجل: زوجناك أنفسنا= لكان له أن يقبل إحداهما دون الأخرى وسلَّمه القاضي. وبناه المخالف على أنه إذا جمع بين محللة ومحرمة في النكاح، فإن نكاح المحرمة لا يصير شرطًا في نكاح المحللة، فإن تفريق الصفقة في النكاح جائز، وفي البيع يصير شرطًا. وقال القاضي: قبول البيع في أحدهما ليس شرطًا في قبوله في الآخر عندنا، قاله الشيخ تقي الدين. قال: وأجاب عن الحكم جوابًا فيه نظر، والتحقيق: أنه شرط، لكن المشروط وجود القبول، لا صحة القبول كما لم يشترط لزوم القبول في أحدهما، ولو كان المشروط شرطًا فاسدًا لم نسلم أنه يبطل البيع. وعلّله القاضي بأنه إنما لم يصح أن يقبل البيع في أحد العبدين، لأن نصف الثمن لا يقابل أحدهما؛ لأنه ينقسم على قدر قيمتهما، فإن قبل أحدهما بنصف الثمن لم يكن القبول موافقًا للإيجاب، فلهذا لم يصح. _________ (1) انظر: «الفتاوى» (29/ 432).
(1/432)
وهذا التعليل يقتضي القبول، كما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء، وفيما لو قال: بعتك هذا بألف، وهذا بخمسمائة، وهذا فيه نظر. وقياس المذهب: أن ذلك ليس بلازم؛ لأن لمن تفرقت عليه الصفقة الخيار، والصفقة تتفرق هنا عليه، كما فيما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء. قال: وإذا جمع بين عقدين مختلفين بعوضين متميزين، مثل: بعتك عبدي بألف، وزوجتك بنتي بخمسمائة، فهذا أولى بالجواز من ذاك إذا قلنا به هناك، وإن قلنا بالمنع ... وبيض، فعلى هذا: هل للخاطب أن يقبل في أحد العقدين؟ قياس المذهب: أنه ليس له ذلك؛ لأن غاية هذا أن يكون كأنه جمع بعوض بين ما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء، ومعلوم أنه لو قال: بعتك هذه الصبرة بألف، لم يكن له أن يقبل نصفها بنصف الألف، وإن كان نصيبها من الثمن معلومًا، فكذلك إذا أوجب في عينين مختلفي الحكم أو متفقتين، إذ لا فرق في الحقيقة بين الأعيان التي تتفق أحكامها أو تختلف، إلا أن العطف في المختلف كالجمع في المؤتلف، فقوله: بعتك هذه، وزوجتك هذه، كقوله: بعتك هذين، أو زوجتكهما. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 309 - 311 (1/ 449 - 450)].
(1/433)
باب الشروط في البيع
615 - الشروط الباطلة في البيع: - قال ابن القيم: (واستفتته - صلى الله عليه وسلم - عائشة - رضي الله عنها -، فقالت: إني أردت أن أشتري جارية فأعتقها، فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا. فقال: «لا يمنعك ذلك، إنما الولاء لمن أعتق». والحديث في الصحيح ... وقال شيخنا: بل الحديث على ظاهره، ولم يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - باشتراط الولاء تصحيحا لهذا الشرط، ولا إباحة له، ولكن عقوبة لمشترطه إذ أبى أن يبيع جارية للمعتق إلا باشتراط ما يخالف حكم الله تعالى وشرعه، فأمرها أن تدخل تحت شرطهم الباطل، ليظهر به حكم الله ورسوله؛ لأن الشروط الباطلة لا تغير شرعه، وأن من شرط ما يخالف دينه لم يجز أن يوفّى له بشرطه، ولا يبطل البيع به، وأن من عرف فساد الشرط وشَرَطه ألغي اشتراطه ولم يعتبر) [إعلام الموقعين 4/ 338 - 339] (1). 616 - إذا شرط البائع نفع المبيع مدة معلومة: 617 - وحكم اشتراط تأخير القبض بلا غرض صحيح: - قال ابن مفلح: (ويصح شرط البائع نفع المبيع مدة معلومة على الأصح، غير الوطء، واحتج في «التعليق» و «الانتصار» و «المفردات» و «عيون المسائل» بشراء عثمان من صهيب أرضًا، وشرط وقفها عليه وعلى عقبه، وكحبسه على ثمنه والانتفاع به، والأشهر لا ينتفع، وقيل: يلزم تسليمه _________ (1) انظر: «الفتاوى» (29/ 337 - 339).
(1/434)
ثم يرده إلى بائعه ليستوفي المنفعة، ذكره شيخنا، قال: وإن شرط تأخير قبضه بلا غرض صحيح لم يجز) [الفروع 4/ 60 (6/ 187 - 188)] (1). 618 - تعليق البيع بشرط في العقد: - قال ابن مفلح: (القسم الثاني (2): فاسد يحرم اشتراطه، كتعليقه بشرط، نحو: بعتك إن حبيتني بكذا أو رضي (3) زيد= فلا يصحان، وعنه: صحة عقده، وحكي عنه: صحتهما، اختاره شيخنا في كل العقود والشروط التي لم تخالف (4) الشرع؛ لأن إطلاق الاسم يتناول المنجز والمعلق والصريح والكناية، كالنذر، وكما يتناوله بالعربية والعجمية، وقد نقل علي بن سعيد فيمن باع شيئا وشرط إن باعه فهو أحق به بالثمن= جواز البيع والشرطين، وأطلق ابن عقيل وغيره في صحة هذا الشرط، ولزومه روايتين. قال شيخنا: عنه (5) نحو عشرين نصا على صحة هذا الشرط، أنه (6) يحرم الوطء لنقص الملك. وسأله أبو طالب عمن اشترى أمة بشرط أن يتسرى بها لا للخدمة؟ قال: لا بأس به. _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (183). (2) أي من أقسام الشروط في البيع، والقسم الأول: الصحيح اللازم. (3) في ط 1: (أو إن رضي)، وذكر المحقق أنه زادها من نسخة. (4) في ط 1: (التي تخالف)، وهو خطأ، والمثبت من ط 2. (5) أي: عن أحمد، كما في «الاختيارات» للبعلي، و «الإنصاف» (11/ 240). (6) في ط 1: (وأنه)، والمثبت من ط 2.
(1/435)
واحتج أحمد في شرط العتق بخبر جابر، وقال: إنما هذا شرط واحد، والنهي إنما هو عن شرطين. ونقل حرب ما نقله الجماعة: لا بأس بشرط واحد، قال حرب: ومذهبه على أن قوله: «بعتك على أن لا تبيع ولا تهب» شرط واحد. وقد فسّر أحمد الشرطين بهذين ونحوهما في رواية جماعة، فدلَّ على جواز الواحد) [الفروع 4/ 62 ــ 63 (6/ 190)] (1). 619 - إذا كان الشرط ينافي مقتضى العقد: - قال ابن مفلح: (وإن شرط منافٍ مقتضاه ــ قال ابن عقيل وغيره: في العقد وكذا في «الانتصار» كابن عقيل في الفاسد هل ينتقل الملك؟ ويأتي كلام شيخنا في النكاح ــ نحو: أن لا يبيعه ولا يهبه ولا يعتقه، أو إن أعتقه: فالولاء له، أو لا خسارة عليه، أو إن نفق وإلا رده، أو شرط رهنا فاسدًا، أو خيارًا، أو أجلا مجهولين، أو نفع بائع ومبيع إن لم يصحا، أو تأخير تسليمه بلا انتفاع، أو فناء الدار لا بحق طريقها: صح العقد فقط) [الفروع 4/ 64 (6/ 191 - 192)]. 620 - إذا جهل فساد الشرط: - قال ابن مفلح: (ولا أثر لإسقاط الفاسد بعد العقد، وعلى الصحة للفائت غرضه، وقيل: لجاهل فساد الشرط الفسخ، أو أرش نقص الثمن _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (182 - 183)، وانظر: «القواعد النورانية» (292 - 293)، «الفتاوى» (29/ 136 - 137، 168 - 169)، ولا أدري هل نقل نصوص أحمد من تتمة كلام الشيخ أم من ابن مفلح؟
(1/436)
بإلغائه، وقيل: لا أرش، ذكره شيخنا ظاهر المذهب) [الفروع 4/ 64 (6/ 192)]. 621 - إذا تقايلا إجارة الأرض أو فسخاها بحق: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: لو تقايلا الإجارة، أو فسخاها بحق: فله قيمة حرثه (1)) [الفروع 4/ 74 (6/ 203)] (2). 622 - إذا بدا الصلاح في جنس من البستان: - قال ابن القيم: (إذا بدا الصلاح في بعض الشجرة جاز بيع جميعها، وكذلك يجوز بيع ذلك النوع كله في البستان، وقال شيخنا: يجوز بيع البستان كله تبعا لما بدا صلاحه، سواء كان من نوعه أو لم يكن، تقارب إدراكه وتلاحق أم تباعد، وهو مذهب الليث بن سعد) [إعلام الموقعين 4/ 23]. - وقال ابن مفلح: (وإذا بدا صلاح بعض نوع ــ ونقل حنبل: غلب، وقاله القاضي وغيره في شجره ــ بيع جميعه، وعلى الأصح: وبستان، وعنه: وما قاربه، وأطلق في «الروضة» في البساتين روايتين، وعنه: الجنس كالنوع، واختار شيخنا: وبقية الأجناس التي تباع جملة عادة) [الفروع 4/ 77 (6/ 208)] (3). _________ (1) قال ابن نصر الله في «حواشيه على الفروع» (ل 73/ب): (قوله: «فله قيمة حرثه» على صاحب الأرض، ولو قيل يكون شريكا به توجه، فأما ــ كذا ولعلها: كما ــ لو انقضت مدة الإجارة وفيها للمستأجر حرث أو أثر حرث) ا. هـ. (2) «الاختيارات» للبعلي (226). (3) «الاختيارات» للبعلي (191 - 192)، وقال المرداوي في «الإنصاف» (11/ 207): (قال الشيخ تقي الدين: صلاح جنس في الحائط صلاح لسائر أجناسه، فيتبع الجوز التوت، والعلة عدم اختلاف الأيدي على الثمر. قاله في «الفائق»، قال في «الفروع»: واختار شيخنا بقية الأجناس التي تباع عادة كالنوع) ا. هـ. وانظر: «الفتاوى» (29/ 38 - 39، 480 - 482).
(1/437)
623 - ثبوت الجائحة في زرع مستأجر أو حانوت نقص نفعه عن العادة: - قال ابن القيم: ( ... ومن ذلك قوله في الثمرة تصيبها الجائحة: «أرأيت إن منع الله الثمرة، فبم يأكل أحدكم مال أخيه بغير حق؟» وهذا التعليل بعينه ينطبق على من استأجر أرضا للزراعة فأصاب الزرع آفة سماوية لفظا ومعنى، فيقال للمؤجر: أرأيت إن منع الله الزرع فبم تأكل مال أخيك بغير حق؟ وهذا هو الصواب الذي ندين الله به في المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية) [إعلام الموقعين 4/ 162]. - وقال ابن مفلح: (ولا جائحة في مشترًى مع أصله، وكذا إن فات وقت أخذه، وقال القاضي: ظاهر كلامه وضعها عنه. واختار شيخنا ثبوتها (1) في زرعٍ مستأجرٍ، وحانوتٍ نقص نفعُه عن العادة، وأنَّه خلاف ما رواه (2) عن أحمد، وحكم به أبو الفضل بن حمزة (3) في حمّام. وقال شيخنا أيضًا: قياس نصوصه وأصوله إذا عُطِّلَ نفعُ الأرض بآفة= _________ (1) أي: الجائحة، كما في «الإنصاف» (12/ 199). (2) كذا في ط 1 وط 2، وفي «الاختيارات» للبعلي: (قال أبو العباس: لكنه خلاف ما رأيته عن الإمام أحمد) والله أعلم. (3) في «الاختيارات» للبعلي: (أبو الفضل سليمان بن جعفر) خطأ، والصواب سليمان بن حمزة المقدسي الصالحي، المتوفى سنة: (715)، وهو مترجم في «ذيل الطبقات» لابن رجب (2/ 364 - 365)
(1/438)
انفسخت (1) فيما بقي، كانهدام الدار ونحوه، وأنه لا جائحة فيما تلف من زرعه؛ لأن المؤجرَ لم يبعه إياه، ولا ينازع في هذا من فهمه) [الفروع 4/ 79 (6/ 209 - 210)] (2). 624 - بيع ما له أصل يتكرر كالقثاء ونحوه: - قال ابن مفلح: (وما له أصل يتكرر حمله كقثاء فكالشجر، وثمره كثمره، فيما تقدم (3)، ذكره جماعة، لكن لا يؤخر البائع اللقطة الظاهرة، ذكره في «الترغيب» وغيره، وإن تعيب: فالفسخ أو الأرش، وقيل: لا يباع إلا لقطةً لقطة، كثمر لم يبد صلاحه. ذكره شيخنا، وجوَّزه مطلقًا تبعا لما بدا كثمر) [الفروع 4/ 80 (6/ 210)]. وانظر: ما تقدم برقم (577). _________ (1) أي: الإجارة. (2) «الاختيارات» للبعلي (192)، وانظر: «الفتاوى» (29/ 50 - 51؛ 30/ 235 - 236، 259 - 262). (3) أي: ما تقدم من أحكام ثمر الشجر.
(1/439)
باب الخيار
625 - التفرق الذي يثبت به البيع: - قال ابن مفلح: (قوله: «إلى أن يتفرقا». قال القاضي في «التعليق» ضمن المسألة: ولا يتعلق لزوم العقد بالتفرق وحده حتى ينضم إليه اختيار العاقد، فلو هرب أحدهما من صاحبه، أو فسخ في المجلس، ثم تفرقا= لم يلزم العقد. ذكره الشيخ تقي الدين ولم يزد عليه، وهو خلاف كلام الأصحاب) [النكت على المحرر 1/ 261]. 626 - إسقاط الخيار: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «فإن أسقطاه في المجلس أو في العقد سقط، وعنه لا يسقط». أكثر الأصحاب حكى الروايتين في المسألتين، منهم أبو الخطاب في «الهداية»، وذكره في «الانتصار» في ضمن مسألة الأعيان الغائبة، ولم أجد في شيء من كلام الإمام أحمد إسقاط الخيار في العقود، وإنما فيه التخيير بعد العقد. وقال القاضي في «التعليق»: نقل الميموني عنه: إذا تخايرا حال العقد انعقد الخيار، قال أبو بكر: وتابعه حرب. قال القاضي: وهذا تنبيه على ما بعد العقد، لأن حالة العقد أضعف، وقد قطع الخيار بينهما. _________ (1) أي: المجد ابن تيمية.
(1/440)
قال الشيخ تقي الدين: كتبت (1) لفظ رواية الميموني وحرب، وليس فيهما أكثر مما في حديث ابن عمر، ولفظ رواية الأثرم نص فيمن ذهب إلى حديث ابن عمر، يقول: إذا خيره بعد البيع وجب البيع. قال: وهذا منه دليل على أن إسقاطه في العقد لا يسقط به قولًا واحدًا. قال القاضي: إذا أسقطاه في العقد ــ وقلنا: لا يسقط ــ ففي بطلان العقد الروايتان في الشروط الفاسدة. والذي نصره القاضي وأصحابه ــ ابنه أبو الحسين، وأبو الخطاب، والشريف وغيرهم ــ، وقدمه غير واحد: أنه لا يسقط مطلقًا. واختار ابن أبي موسى، والشيخ موفق الدين: أنه يسقط، وقدَّمه المصنف (2) هنا. والقول بالتفرقة إليه ميل أبي الخطاب والشيخ تقي الدين هنا، وهو متوجه على المذهب) [النكت على المحرر 1/ 261 - 262]. 627 - خيار الشرط يجوز في كل العقود: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: يجوز في كل العقود) [الفروع 4/ 84 (6/ 216)] (3). 628 - خيار الشرط في الإجارة: - قال ابن مفلح: (قال ابن منصور: قلت للإمام أحمد: الرجل يستأجر _________ (1) كذا, ولعلها: (كشفت)، والله أعلم. (2) أي: صاحب «المحرر». (3) «الاختيارات» للبعلي (184)، وانظر: «الفتاوى» (29/ 349 - 350).
(1/441)
البيت إذا شاء أخرجه، وإذا شاء خرج؟ قال: قد وجب بينهما إلى أجله، إلى أن ينهدم البيت، أو يموت البعير، فلا ينتفع المستأجر بما استأجر، فيكون عليه بحساب ما سكن. قال القاضي: ظاهر هذا أن الشرط الفاسد لا يبطل الإجارة. قال الشيخ تقي الدين: هذا اشتراط للخيار، لكنه اشتراط له في جميع المدة مع الإذن في الانتفاع) [النكت على المحرر 1/ 273]. 629 - انتفاع المستأجر بالعين زمن الخيار: - قال ابن مفلح: (وقال القاضي في «التعليق»، ضمن مسألة الإجارة: احتج المخالف بأن بعضه تلف إلى مضي ثلاثة أيام. فلا يمكن رده سليمًا. فقال القاضي: ينتقض بخيار العيب. فقال المخالف: إذا رد المنفعة بالعيب ضمن منفعة ما مضى من المدة، وليس كذلك خيار الشرط، فإنه لا يضمن شيئًا. قال القاضي: فكان يجب أن يجعل له، والضمان لقيمة المنفعة لما مضى. قال الشيخ تقي الدين: حيث جاز للمستأجر الانتفاع، فينبغي أن يكون ضمان المنفعة عليه، وحيث لم يجز لم يضمنها مع الرد، لكن إذا مضى العقد تكون عليه جميع الأجرة، أو تقسط على ما بعد مدة الخيار، وهنا يتوجه أن يكون للمستأجر الانتفاع، وإن كان الخيار لهما أو للبائع، إذ لا ضرر عليه فيه، بخلاف البيع، ولئلا تتعطل المنفعة. ولو قيل أيضًا في المبيع: إن المشتري يستوفي منفعته، ولا يتصرف في
(1/442)
عينه لتوجه أيضًا، وأظنه مكتوبًا في موضع آخر. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 273]. 630 - خيار الشرط على إجارة تلي مدتها العقد: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «إلا خيار الشرط على إجارة تلي مدتها العقد» فيه وجهان: أحدهما: لا يثبت لأنه يفضي إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها، أو استيفائها في مدة الخيار، وكلاهما لا يجوز، وهو قول الشافعي، وله في الإجارة في الذمة قولان. والثاني: يثبت، وهو قول أبي حنفية ومالك، لأنه عقد [معاوضة] (2) يصح فسخه، كالإقالة، لم يشترط فيه القبض في المجلس، فهو كالبيع. قاله القاضي، واحترز بالأول عن النكاح، وبالثاني عن الصرف والسلم. قال الشيح تقي الدين: أما النكاح فقد جعل بعض أصحابنا الخلع فيه كالإقالة، وأما القبض في المجلس فظاهر مذهب الشافعي: أن الإجارة في الذمة كالسلم في القبض فيمنعون هذا الوصف، والقاضي قد سلَّمه. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 272 (1/ 406)]. 631 - عقود لا يثبت فيها خيار الشرط، ولا خيار المجلس: - قال ابن مفلح: (قوله (3): «ولا يثبتان (4) في باقي العقود». _________ (1) أي: المجد ابن تيمية. (2) في ط 1: (معاونة) , والتصويب من ط 2. (3) أي: المجد ابن تيمية. (4) أي: خيار الشرط، وخيار المجلس.
(1/443)
وذكر القاضي: أن العبد المكاتب والموهوب لهما الخيار على التأبيد، بخلاف سيد المكاتب والواهب. قال الشيخ تقي الدين: وهذا فيه نظر، وقال ابن عقيل: لا خيار للسيد، لأنه دخل على أنه باع ماله بآلته (1)، وأما العبد فله الخيار أبدًا مع القدرة على الوفاء والعجز، فإذا امتنع كان الخيار للسيد، هذا ظاهر كلام الخرقى. وقال أبو بكر: إن كان قادرًا على الوفاء فلا خيار له، وإن عجز عنه فله الخيار. قال ابن عقيل: والواهب بالخيار إن شاء قَبَّض، وإن شاء منع. وظاهر كلامه في «المحرر»: أن القسمة إذا دخلها رد ففيها الخياران، لأنها بيع وإلا فلا. وقطع القاضي في الخلاف وغيره بثبوت الخيارين مطلقًا، وقطع به في «الرعاية»، قال: لأن وضعها للإرتياء والنظر، وهذا يحتاج إليه هنا. وقال ابن عقيل: إن كان فيها رد فهي كالبيع، يدخلها الخياران، وإن لم يكن فيها رد، وتعدلت السهام، ووقعت القرعة فلا خيار، لأنه حكم، وإن كان القاسم المشتركين، فلا يدخلها خيار المجلس أيضًا، لأنها إفراز حق، وليست بيعًا. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 274 (1/ 405 - 406)]. 632 - الخيار في المساقاة والمزارعة والحوالة والسبق والشفعة: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «إلا خيار المجلس في المساقاة _________ (1) في ط 2: (بماله). (2) أي: المجد ابن تيمية.
(1/444)
والمزارعة والحوالة والسبق والشفعة إذا أخذ بها فإنها على وجهين». الوجهان في المساقاة والمزارعة والسبق، قيل: هما بناء على الخلاف في جواز ذلك ولزومه، وقيل: هما على لزومه. والحوالة والشفعة: لا خيار فيهما في وجه، لأن من لا رضى له لا خيار له، وإذا لم يثبت في أحد طرفيه لا يثبت في الآخر، كسائر العقود. والوجه الثاني: يثبت الخيار للمحيل والشفيع، لأن العوض مقصود، فأشبه سائر عقود المعاوضة. وقال الشيخ تقي الدين: خيار الشرط في هذه الأشياء أقوى من خيار المجلس، بدليل أن النكاح والصداق والضمان لنا فيها خلاف في خيار الشرط، دون خيار المجلس، ولأن خيار المجلس ثابت بالشرع، فلا يمكن أن يلحق بالمنصوص ما ليس في معناه، بخلاف خيار الشرط، فإنه تابع لرضاهما، والأصل عندنا: أن الشرط يتبع رضا المتشارطين، والأصل صحتها في العقود، وإنما يناسب البطلان من يقول: إن خيار الشرط ثابت على خلاف القياس، وليس ذلك قولنا. وقولهم: «ينافي مقتضى العقد» إنما ينافي مقتضى العقد المطلق، وكذلك جميع الشروط، وقد أبطل الإمام أحمد حجة من استدل بنهيه عن بيع وشرط، ولأن خيار الشرط يجوز بغير توقيت، ولو كان منافيًا لتقدر بقدر الضرورة، أو تقدر بالشرع كما ادعاه غيرنا، ولا يجوز في عقود العبادات ــ من الإحرام والاعتكاف ــ ما يخالف مقتضى العقد المطلق في المعاملات. وعلى هذا: فلو اشترط في العقود اللازمة الجواز على وجه لا يمنع
(1/445)
التصرف في المعقود عليه ــ مثل أن يشترط في الرهن: أنِّى متى شئت فسخته، أو في الكتابة: إذا شئت فسختها، أو في الإجارة ــ فهذا اشتراط خيار مؤبد، وهو أبعد عن الجواز، وللجواز وجه، كما لو اشترط في العقود الجائزة من المضاربة ونحوها اللزوم. والضابط: أن حقيقة الخيار هو القدرة على فسخ العقد، فتارة يشترط ثبوته فيما ليس فيه مؤقتًا أو مطلقًا، وتارة يشترط نفيه فيما ليس فيه مؤقتًا أو مطلقًا، إلا أن اشتراط نفيه مطلقًا باطل قطعًا، مثل أن يشترط: أني مضاربك على أنه لا خيار لي في الفسخ، فهذا باطل، لما فيه من الفساد) [النكت على المحرر 1/ 274 - 276 (1/ 408 - 409)]. 633 - إذا أطلق الخيار: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: يتوجه أنه إذا أطلق الخيار ثبت ثلاثا، لخبر حبان) [النكت على المحرر 1/ 263] (1). 634 - للبائع الفسخ في مدة الخيار ويرد الثمن: - قال ابن مفلح: (وله (2) الفسخ، وأطلقه (3) الأصحاب، ونقل أبو طالب: يرد الثمن، وجزم به شيخنا، كالشفيع) [الفروع 4/ 86 (6/ 220)] (4). وانظر المسألة التالية. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (185). (2) أي: البائع. (3) في ط 1: (أطلقه)، والمثبت من ط 2. (4) «الاختيارات» للبعلي (185).
(1/446)
635 - إذا فسخ أحدهما العقد في مدة الخيار، ولم يبلغ الآخر: - قال ابن مفلح: (قوله: «ويتخرج أن لا ينفسخ إذا لم يبلغه في المدة». هذا التخريج ذكره أبو الخطاب، قال: كالموكل هل يملك عزل وكيله من غير حضوره وعلمه؟ على روايتين، أصلًا لهذه المسألة. قال الشيح تقي الدين: قياس أن الوكالة إذا قلنا: لا تنفسخ قبل العلم= أن نقول هنا: لا ينفسخ قبل العلم، فإذا انقضت المدة فلم يتصرف الآخر، حتى بلغه الخبر= انفسخ، وإن تصرف قبل بلوغ الخبر= لم يصح، كما قلنا مثل ذلك في الرجعة ــ على إحدى الروايتين ــ: أنها إذا تزوجت قبل أن يبلغها خبر الرجعة انعقد النكاح. وقال ابن الجوزي: إذا كان الخيار لأحدهما كان له الفسخ من أنه لا يفسخ إلا بحضوره. وظاهر كلامه وكلام غيره من الأصحاب أنه يملك الفسخ من غير إحضار الثمن. وقال الشيخ تقي الدين: ولا يملك الفسخ إلا برد الثمن، نص عليه. قال أبو طالب لأحمد يقولون: إذا كان له الخيار، فمتى قال: اخترت داري، أو أرضي= فالخيار له ويطالب الثمن؟ قال: كيف له الخيار ولم يعطه ماله؟ ليس هذا بشيء، إن أعطاه فله الخيار، وإن لم يعطه ماله فليس له خيار. قال الشيح تقي الدين: فقد نص على أن البائع لا يملك إعادتها إلى ملكه إلا بإحضار الثمن، كما أن الشفيع لا يملك أخذ الشقص) [النكت على المحرر 1/ 262 - 263 (1/ 395 ــ 396)].
(1/447)
636 - إذا علق البائع عتق عبده ببيعه: - قال ابن مفلح: (وإن علق عتق عبده ببيعه، فباعه= عتق، نص عليه، كالتدبير، ولم ينتقل الملك، وتردّد فيه شيخنا، وقال: وعلى قياس المسألة: تعليق طلاق وعتق بسبب يزيل ملكه عن الزوجة والعبد) [الفروع 4/ 92 (6/ 226)] (1). - وقال أيضا: (وقد ذكر ابن عقيل في «الفصول» في غير هذا الباب المنصوص، فذكر قول الإمام أحمد في رواية البائع، قيل له: كيف يعتق، وقد زال ملكه؟ فقال: كما يملك الوصية بعد الموت. قال ابن عقيل: وهذا صحيح، لأن الوصية تستند أن يلفظ بها في حال ملكه. وذكر الشيخ تقي الدين: أن الإمام أحمد نص على هذا في رواية الأثرم ومثنى) [النكت على المحرر 1/ 278 (1/ 412)]. _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (185 - 186). وقال المرداوي في «الإنصاف» (11/ 143): (وتردد فيه الشيخ تقي الدين في موضع، وله فيه طريقة أخرى تأتي، قال العلامة ابن رجب في «قواعده»: اختلف الأصحاب في تخريج كلام الإمام أحمد على طرق: ... وسلك الشيخ تقي الدين طريقا سادسا، فقال: إن كان المعلِّق للعتق قصده اليمين دون التبرر بعتقه أجزأه كفارة يمين، لأنه إذا باعه خرج عن ملكه، فبقي كنذره أن يعتق عبد غيره، فتجزئه الكفارة، وإن قصد به التقرب صار عتقه مستحقا كالنذر، فلا يصح بيعه، ويكون العتق معلًّقا على صورة البيع، كما لو قال لما لا يحل بيعه: إذا بعته فعليّ عتق رقبة، أو قال لأم ولده: إن بعتك فأنت حرة. انتهى كلام ابن رجب) ا. هـ. وكلام ابن رجب تحت القاعدة: 57 (1/ 463).
(1/448)
- وقال أيضًا: (ولم أجد أحدًا صرح بانفساخ البيع قبل صاحب «المحرر»، وهو حسن، لأنه عقد صحيح امتنع استمراره ودوامه. وقال الشيخ تقي الدين: قول الجد: «انفسخ البيع» (1) فيه نظر، أو تجوُّز، فإن كلام الإمام أحمد في هذه المسألة يدل على أن هذا عنده مثل الوصية والتدبير، وأنه كما جاز له أن يملك ويعتق بعد انعقاد السبب المخرج لملكه وهو الموت، فكذلك له أن يعتق بعد انعقاد السبب المخرج لملكه، وهو البيع، وهناك لا نقول: إن المدبر ملكه الورثة ثم عتق، بل نقول: التدبير منع الموت أن يوجب ملك الورثة، وكذلك هنا: التعليق المتقدم منع البيع أن ينقل الملك إلى المشتري، وكأن البيع هنا له موجبان: عتق، وملك، فقدم العتق لانعقاد سببه قبل البيع، وعلمنا بقوله: «إذا بعتك» أي إذا عقدت عليك عقد بيع من شأنه أن ينقل الملك لولا هذا التعليق، فأنت حر. وإن قلنا: إن الملك انتقل إلى المشتري لم يخرج عن ملكه، لكن يقال: الانفساخ إنما يستدعي انعقادا، سواء اقتضى انعقاد الملك أو لم يقتضه، ولا نقول: إن البيع هنا نقل الملك، لأنه لو نقله وعتق العبد: خرج عن أن يكون ناقلًا، ولزم الدور، فكان لا يصح بيعه ولا عتقه، لأنه إذا كان التقدير: إذا بعتك بيعًا ينتقل به الملك فأنت حر فإذا انتقل الملك عتق، وإذا عتق لم يكن البيع ناقلًا للملك، إلا أن يقال: إن الملك زال بعد ثبوته، وهذا غير جائز. وعلى هذا: فلو قال: إذا ملكتك فأنت حر= عتق بالبيع ونحوه، ولو قال: إذا خرجت عن ملكي فأنت حر، أو إذا صرت ملكًا لغيري فأنت حر= _________ (1) تمام عبارة المجد: (ومن علق عتق عبده ببيعه فباعه عتق وانفسخ البيع).
(1/449)
فهنا ينبغي أن لا يعتق، لأنه أوقع العتق في حال عدم ملكه، وفي الأولى: أوقعه عقب سبب زوال ملكه، إلا أن يقال: يقع هنا ويكون قوله: «خرجت عن ملكي» أي: انعقد سبب حريتك، أو يقول (1) في الجميع: خرج عن ملكه، ثم خرج عن ملك ذلك المالك، ويكون التعليق المتقدم منع الملك من الدوام، كما منع سبب الملك من الملك. وعلى قياس هذه المسألة: متى علق الطلاق، أو العتاق بسبب يزيل ملكه عن العبد، أو الزوجة: وقع الطلاق والعتاق، ولم يترتب على ذلك السبب حكمه، مثل أن يقال (2): إذا وهبتك، أو يقول: إذا أصدقتك، أو صالحت بك عن قصاص. وكذلك لو علقه بسبب يمنعه التصرف، مثل أن يقول: إذا رهنتك، إن قلنا: لا يجوز عتق الراهن، بخلاف ما لو قال: إذا أجرتك، فإن الإجارة لا تمنع صحة العتق. وأما في الطلاق: فلو قال: إن خلعتك فأنت طالق ثلاثًا، فإنه على قياس هذا يقع بها الثلاث، ولا يوجب الخلع حكمه، لأنها عقب الخلع إن أوقعنا الثلاث لم يقع بينونة، وإن أوقعنا بينونة لم تقع الثلاث، لكن قد يقال: إن الخلع لا يقبل الفسخ، ولا يصح وجوده منفكًا عن حكمه، ولو قال: إن خلعتك فأنت طالق، فهنا الخلع يصح، لأن التعليق المتقدم لا يمنع نفوذ حكمه، لكن في وقوع الطلاق هنا تردد، فإنه يقع مع البينونة وهذا مبني على أصلين: _________ (1) كذا، ولعلها: (أو نقول). (2) كذا، ولعلها: (أن يقول).
(1/450)
أحدهما: هو أن شرط الحكم إذا زال قبل حصول سببه لم يثبت الحكم، وإن زال بعد ثبوت الحكم لم يقدح فيه، مثال الأول: إذا قال: إن دخلتِ الدار فأنتِ طالقٌ، فدخلت بعد البينونة، ومثال الثاني: أن تبين بعد الدخول، وإن زال مع السبب أو عقب السبب، فالمشهور عند أصحابنا: أن الحكم لا يثبت، كما لو قال: أنتِ طالقٌ مع موتي، أو عقب موتي، وكما لو قال لزوجته الأمة: إذا ملكتك فأنتِ طالق، فشرط الطلاق يزول عقب السبب، قالوا: لا تطلق. الثاني: أن السبب إذا كان من فعله أمكنه أن يبطل حكمه، مثل أن يقول: إذا بعتُك فأنتَ حرٌّ، أو إذا خلعتِك فأنتِ طالقٌ ثلاثًا، أما إذا كان السبب من فعل غيره، أو كان يرتب عليه حكمًا شرعيًا، مثل انفساخ النكاح عقب الملك: فهنا ليس مثل الأول. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 279 - 281 (1/ 414 - 415)] (1). 637 - إذا قال لعبده: إن أكلت لك ثمنا فأنت حر، فباعه بمكيل أو موزون أو غيرهما: - قال ابن مفلح: (ولو قال: إن أكلت لك ثمنا فأنت حر، فباعه بمكيل أو موزون أوغيرهما أو بنقد= لم يعتق. قاله في «الرعاية». وقال الشيخ تقي الدين: قياس المذهب: أن يكون الأكل عبارة عن الاستحقاق (2)، فيكون كقوله: إن بعتك، أو يكون عبارة عن الأخذ، فلو أبرأ _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (185 - 186). (2) قال المحقق في الحاشية: (بهامش الأصل: الذي في «شرح المحرر» للشيخ تقي الدين: «عبارة عن الاستيجاب») ا. هـ.
(1/451)
من الثمن لم يعتق، وإن قبضه عتق، ولا يضر تأخر الصفة عن المبيع) [النكت على المحرر 1/ 282 (1/ 416)]. 638 - النماء الحاصل زمن الخيار: - قال ابن مفلح: (وقال الشيح تقي الدين: أما النماء فإن كان المشتري هو الفاسخ فهو كما لو فسخ بالعيب، وفي رد النماء روايتان، وإن كان البائع هو الفاسخ فهو كفسخ البائع لإفلاس المشتري بالثمن، وفيه أيضًا خلاف أقوى من الرد بالعيب، فإن المنصوص أنه يرجع بالنماء المنفصل، فلا يكون الخيار دون هذا. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 264 (1/ 397)]. 639 - تصرف المشتري زمن الخيار: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وأما المشتري فلا ينفذ تصرفه إلا بالعتق، إلا أن يتصرف مع البائع أو يكون الخيار له وحده» أما تصرفه بالعتق فينفذ إن قلنا الملك له، وعند الجوزجاني: لا ينفذ عتقه، لكن إذا لم يناكره حتى انقضى الخيار مضى، كأنه يشبهه بالتصرف في الشقص المشفوع، ويتخرج مثله في الرهن. ذكره الشيخ تقي الدين) [النكت على المحرر 1/ 265 - 266 (1/ 399)]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: وأما المشتري، فقد أطلق القاضي أن تصرفه ينفذ، وكأنه ــ والله أعلم ــ يريد إذا لم يفسخ البائع العقد، كما بينه أبو بكر في «التنبيه»، فإنه استشهد بقول أبي بكر، وكما أومأ إليه الإمام أحمد فيمن باع الثوب، فقال: يرده إلى صاحبه الأول إن طلبه. فمفهومه أنه إذا لم يطلبه مضى البيع. _________ (1) أي: المجد ابن تيمية، صاحب «المحرر».
(1/452)
وهذا هو الذي دل عليه كلام الإمام أحمد، وهو قول الجوزجاني، وعليه يدل حديث ابن عمر. ثم صرح بذلك في مسألة عتق المشتري. فقال: واحتج بأنه لو باعه أو وهبه أو وقفه= وقف جميع ذلك على إمضاء البائع، كذلك العتق. والجواب: أنه لا يمنع أن لا ينفذ بيعه وهبته، وينفذ عتقه، لما فيه من التغليب والسراية، كما في العبد المشترك. وقد ذكر في مسألة انتقال الملك: أن تصرفه بغير العتق ينفذ. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 267 (1/ 400)]. 640 - إذا نفعه المبيع بنفسه لم يبطل خياره: - قال ابن مفلح: (قوله: «ولو قبلته المبيعة فلم يمنعها فخياره باق» نص عليه، كما لو قبلت البائع، ويحتمل أن يبطل إذا لم يمنعها، كما لو قبلها، وشرط القاضي وجماعة: حصول الشهوة منها، وجماعة: لم يشترطوا، فهذا قول ثالث. قال القاضي: إن أحمد نص على أن مسها إياه لتغميز رأسه ورجليه: لا يبطل خياره، وأبطل ذلك بمسه إياها. قال الشيخ تقي الدين: غسل رأسه، وتغميز رجليه هنا كان بأمره. ولو قال لها: قبليني أو باشريني ففعلت بطل خياره، وإنما العلة: أن ذلك فعل مباح مع الأجنبي، بدليل أن أبا موسى غسل رأسه امرأة من قومه، وتغميز الرجل لعلة من وراء حائل، ومناط أحمد: أنه متى نال منها ما يحرم على الأجنبي بطل خياره.
(1/453)
فيؤخذ من هذا أن قبلتها له لم يبلغ هو منها مالا يحل لغيره. انتهى كلامه. وقال أيضًا: فلعله يفرق بين أن ينتفع هو بالمبيع، وبين أن ينفعه المبيع بنفسه) [النكت على المحرر 1/ 269 (1/ 402 ــ 403)]. 641 - إذا تلف المبيع ــ حقيقة أو حكما ــ زمن الخيار: - قال ابن مفلح: (وذكر الشيخ تقي الدين: أن أحمد صرح في رواية أبي طالب بأنه إذا أعتق العبد أو مات، لم يكن عليه إلا الثمن، وإذا باعه ولم يمكنه رده ضمنه بالقيمة، وإن كانت أكثر من الثمن. ففرَّق بين ما هو تلف ــ حسيًا أو حكميًا ــ، وبين ما ليس بتلف، وإنما هو جناية فوَّت بها يد المشتري، فيضمنه ضمان الحيلولة، فحيثما كان العبد باقيًا فعليه القيمة، وحيثما كان تالفًا فعلى الروايتين. وفقه ذلك ظاهر، فإنه إذا كان باقيًا أمكن فسخ العقد لبقاء المعقود عليه وإمكان رجوعه. وعلى هذا فجميع الفسوخ: من الفسخ بالعيب، واختلاف المتبايعين، ونحو ذلك مما اختلف في جواز فسخها بعد تلف المبيع= قد سووا بين الفوت والتلف، لأن التفويت هناك كان بغير تفريط من الذي هو في يده، بخلاف التفويت هنا، فإما أن تكون هذه رواية ثالثة، أو يكون الفرق قولًا واحدًا. يوضح الفرق: أن هناك لم تستحق (1) الفسخ إلا بعد الفوت، وهنا كان يملك الفسخ قبل الفوت. هذا كلامه) [النكت على المحرر 1/ 270 - 271 (1/ 404)]. _________ (1) كذا, ولعلها: (يستحق).
(1/454)
باب خيار التدليس والغبن
642 - حكم البيع إذا أعلمه بالعيب ولم يعلما قدره: - قال ابن مفلح: (ويحرم كتم العيب، ذكره الترمذي عن العلماء، وذكر أبو الخطاب: يكره، وفي «التبصرة»: هو نص أحمد، ويصح، وعنه: لا، نقل حنبل: بيعه مردود، اختاره أبو بكر، وكذا لو أعلمه به ولم يعلما قدر عيبه، ذكره شيخنا، وأنه يجوز عقابه بإتلافه والتصدق به (1)، وقال: أفتى به طائفة من أصحابنا) [الفروع 4/ 94 (6/ 229)] (2). 643 - ثبوت الخيار للمسترسل إلى البائع: - قال ابن مفلح: (ويثبت على الأصح لمسترسل (3) جاهل بالقيمة إذا غبن، وفي «المذهب»: أو جهلها لعجلته، وعنه: ولمسترسل إلى البائع لم يماكسه، اختاره شيخنا، وذكره المذهب) [الفروع 4/ 97 (6/ 232)] (4). 644 - إذا دلس المستأجر على مؤجر أو غيره حتى استأجره بدون القيمة: - قال ابن مفلح: (ويحرم تغرير مشتر بأن يسومه كثيرًا ليبذل قريبه. _________ (1) في «الإنصاف» (11/ 365): (والتصدق به إذا دلسه). (2) «الاختيارات «(187). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (تنبيه: المسترسل الجاهل بالقيمة لا فرق فيه بين البائع والمشتري، صرح به في «التلخيص»، قال في ثبوت الخيار له: مسترسل لا يعرف سعر ما باعه أو اشتراه) ا. هـ. (4) «الفتاوى» (28/ 75؛ 29/ 359)، «الاختيارات» للبعلي (185).
(1/455)
ذكره شيخنا، قال: وإن دلَّس مستأجر على مؤجر أو غيره (1)، حتى استأجره بدون القيمة= فله أجرة المثل (2)) [الفروع 4/ 98 (6/ 233)] (3). _________ (1) في ط 1: (وغيره)، والمثبت من ط 2. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال في «مختصر الفتاوى المصرية» في أول باب الإجارة: إذا دلس المستأجر على المؤجر، مثل أن يكون قد أخبره أن قيمة الأرض في الناحية كذا، بما ينقص عن قيمتها، ولم يكن الأمر كذلك فأجره بمال، ثم تبين له، فله فسخ الإجارة، وكذلك إن أخبره أنه ليس هناك من يستأجره، وكان له طلاب، أو أخبره أن هذا سعره ولم يكن سعره، وأمثال ذلك. فقد صرّح الشيخ بأن له الفسخ، ولم يقل: فله أجرة المثل) ا. هـ. (3) انظر: «الاختيارات» للبعلي (186).
(1/456)
باب خيار العيب
645 - موافقة حديث المصرَّاة للقياس: - قال ابن القيم: (ومما قيل فيه: إنه على خلاف القياس= حديث المصرَّاة (1)، قالوا: وهو يخالف القياس من وجوه: منها: أنه تضمن رد البيع بلا عيب، ولا خلف في صفة. ومنها: أن الخراج بالضمان، فاللبن الذي يحدث عند المشتري غير مضمون عليه، وقد ضمنه إياه. ومنها: أن اللبن من ذوات الأمثال، وقد ضمنه إياه بغير مثله. ومنها: أنه إذا انتقل من التضمين بالمثل فإنما ينتقل إلى القيمة، والتمر لا قيمة ولا مثل. ومنها: أن المال المضمون إنما يضمن بقدره في القلة والكثرة، وقد قدر ههنا الضمان بصاع. قال أنصار الحديث: كل ما ذكرتموه خطأ، والحديث موافق لأصول الشريعة وقواعدها، ولو خالفها لكان أصلًا بنفسه، كما أن غيره أصل بنفسه، وأصول الشرع لا يضرب بعضها ببعض، كما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أن يضرب كتاب الله بعضه ببعض، بل يجب اتباعها كلها، ويقر كل منها على _________ (1) هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تصروا الإبل ولا الغنم، فمن ابتاع مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر» رواه البخاري (2148) ومسلم (3815) من حديث أبي هريرة.
(1/457)
أصله وموضعه، فإنها كلها من عند الله الذي أتقن شرعه وخلقه، وما عدا هذا فهو الخطأ الصريح، فاسمعوا الآن هدم الأصول الفاسدة التي يعترض بها على النصوص الصحيحة: أما قولكم: إنه تضمن الرد من غير عيب، ولا فوات صفة= فأين في أصول الشريعة المتلقاة عن صاحب الشرع ما يدل على انحصار الرد بهذين الأمرين؟ وتكفينا هذه المطالبة، ولن تجدوا إلى إقامة الدليل على الحصر سبيلًا. ثم نقول: بل أصول الشريعة توجب الرد بغير ما ذكرتم، وهو: الرد بالتدليس والغش، فإنه هو والخلف في الصفة من باب واحد، بل الرد بالتدليس أولى من الرد بالعيب، فإن البائع يظهر صفة المبيع: تارة بقوله، وتارة بفعله، فإذا أظهر للمشتري أنه على صفة، فبان بخلافها كان قد غشه، ودلس عليه، فكان له الخيار: بين الإمساك والفسخ، ولو لم تأت الشريعة بذلك لكان هو محض القياس، وموجب العدل، فإن المشتري إنما بذل ماله في المبيع= بناء على الصفة التي أظهرها له البائع، ولو علم أنه على خلافها لم يبذل له فيها ما بذل، فإلزامه للبيع مع التدليس والغش من أعظم الظلم الذي تتنزه الشريعة عنه، وقد أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيار للركبان إذا تُلُقُّوا، واشْتُرِيَ منهم قبل أن يهبطوا السوق، ويعلموا السعر، وليس ههنا عيب، ولا خلف في صفة، ولكن فيه نوع تدليس وغش. فصل وأما قولكم: «الخراج بالضمان» = فهذا الحديث، وإن كان قد روي فحديث المصرَّاة أصح منه، باتفاق أهل الحديث قاطبة، فكيف يعارض به؟ مع
(1/458)
أنه لا تعارض بينهما بحمد الله، فإن الخراج: اسم للغلة، مثل: كسب العبد، وأجرة الدابة، ونحو ذلك، وأما الولد واللبن: فلا يسمى خراجًا، وغاية ما في الباب: قياسه عليه بجامع كونهما من الفوائد، وهو من أفسد القياس، فإن الكسب الحادث والغلة: لم يكن موجودا حال البيع، وإنما حدث بعد القبض. وأما اللبن ههنا: فإنه كان موجودا حال العقد، فهو جزء من المعقود عليه، والشارع لم يجعل الصاع عوضا عن اللبن الحادث، وإنما هو عوض عن اللبن الموجود وقت العقد في الضرع، فضمانه هو محض العدل والقياس. وأما تضمينه بغير جنسه ففي غاية العدل، فإنه لا يمكن تضمينه بمثله البتة، فإن اللبن في الضرع محفوظ، غير معرض للفساد، فإذا حلب صار عرضة لحمضه وفساده، فلو ضمن اللبن الذي كان في الضرع بلبن محلوب في الإناء كان ظلما تتنزه الشريعة عنه، وأيضًا فإن اللبن الحادث بعد العقد اختلط باللبن الموجود وقت العقد، فلم يعرف مقداره حتى يوجب نظيره على المشتري، وقد يكون أقل منه أو أكثر فيفضي إلى الربا، لأن أقل الأقسام أن تجهل المساواة. وأيضًا: فلو وكلناه إلى تقديرهما، أو تقدير أحدهما= لكثر النزاع والخصام بينهما، ففصل الشارع الحكيم صلاة الله وسلامه عليه وعلى آله النزاع، وقدره بحد لا يتعديانه قطعا للخصومة، وفصلا للمنازعة، وكان تقديره بالتمر أقرب الأشياء إلى اللبن، فإنه قوت أهل المدينة، كما كان اللبن قوتًا لهم، وهو مكيل، كما أن اللبن مكيل، فكلاهما مطعوم مقتات مكيل، وأيضا: فكلاهما يقتات به، بلا صنعة ولا علاج، بخلاف الحنطة والشعير والأرز، فالتمر: أقرب الأجناس التي كانوا يقتاتون بها إلى اللبن.
(1/459)
فإن قيل: فأنتم توجبون صاع التمر في كل مكان سواء كان قوتا لهم، أو لم يكن. قيل: هذا من مسائل النزاع، وموارد الاجتهاد، فمن الناس من يوجب ذلك، ومنهم من يوجب في كل بلد صاعًا من قوتهم، ونظير هذا: تعيينه - صلى الله عليه وسلم - الأصناف الخمسة في زكاة الفطر، وأن كل بلد يخرجون من قوتهم مقدار الصاع، وهذا أرجح وأقرب إلى قواعد الشرع، وإلا: فكيف يكلف من قوتهم السمك مثلًا، أو الأرز، أو الدخن، إلى التمر؟ وليس هذا بأول تخصيص قام الدليل عليه، وبالله التوفيق) [إعلام الموقعين 2/ 38] (1). 646 - الجار السوء عيب: 647 - وإن تعذر الرد فللمشتري الأرش: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: والجار السوء عيب، فمن (2) اشترى شيئا، فبان معيبا ـ وقال في «الانتصار»: أو عالما عيبه ـ ولم يرض= أمسكه. والمذهب: له أرشه، وعنه: إن تعذر رده. اختاره شيخنا؛ لأنه معاوضة عن الجزء الفائت، فلا يلزم، قال: وكذا يقال في نظائره، كالصفقة إذا تفرقت) [الفروع 4/ 102 (6/ 237)] (3). _________ (1) هذا النص ضمن الجواب عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس، وقد سبقت الإشارة إليه (ص: 57 - 58)، وهو في «الفتاوى» (20/ 556 - 558) وما هنا فيه إضافات كثيرة. (2) في ط 1: (فمتى)، والمثبت من ط 2. (3) «الاختيارات» للبعلي (186 - 187)، وانظر: «الفتاوى» (30/ 161)، «جامع المسائل» (1/ 239 - 240).
(1/460)
648 - تخيير المشتري في خيار العيب: - قال ابن مفلح: (وخيار العيب كخلف في الصفة (1)، قال شيخنا: وعلى المذهب (2): يجبر المشتري على ردِّه، أو أرشه، لتضرر البائع بالتأخير) [الفروع 4/ 105 (6/ 241)] (3). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: خيار العيب هل هو على التراخي أو الفور؟ فيه روايتان، تقدم ذكرهما فيما إذا كان المبيع قد تغيرت صفته) ا. هـ وقال ابن مفلح فيما تقدم (6/ 144): (وللمشتري الفسخ بخلاف رؤية سابقة أو صفة لا مطلقا «هـ ق» على التراخي، إلا بما يدل على الرضا من سوم ونحوه، لا بركوبه الدابة في طريق الرد، وعنه: على الفور) ا. هـ. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (مراده: أن الرد على التراخي هذا المذهب، ومع هذا يجبر المشتري على رده أو أرشه) ا. هـ. (3) انظر: «الاختيارات» للبعلي (186).
(1/461)
باب الخيار لاختلاف المتباعين
649 - الاجتهاد في قيمة المتلف: - قال ابن مفلح: (وعمل شيخنا بالاجتهاد في قيمة المتلف، فتخرص الصبرة، واعتبر في مُزَارع أتلف مغلَّ سنتين بالسنين (1) المعتدلة (2)، وفي ربح مضارب بشراء رفقته من نوع متاعه، وبيعهم في مثل سعره) [الفروع 4/ 126 (6/ 269)] (3). 650 - إذا ظهر عسر مشتر أو مطله: - قال ابن مفلح: (وإذا ظهر عسرُ مشتر ـ وقال شيخنا: أو مطلُه ـ فله خيار الفسخ، كمفلس وكمبيع) [الفروع 4/ 131 (6/ 276)] (4). _________ (1) في ط 1: (سنتين)، والمثبت من ط 2. (2) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: («السنين المعتدلة» متعلق بقوله: «اعتبر») ا. هـ. (3) «الاختيارات» للبعلي (241). (4) «الاختيارات» للبعلي (187).
(1/462)
باب التصرف في المبيع وتلفه
651 - إذا اشترى مكيلا أو موزونا أو مذروعا أو معدودا فإنه يملكه بالعقد: - قال ابن مفلح: (من اشترى شيئا بكيل أو وزن، نقله جماعة، وعنه: المطعوم منهما، وعنه: المطعوم، وظاهر المذهب: أو عدد، والمشهور: أو ذرع= ملكه بالعقد «و» وذكره شيخنا «ع») [الفروع 4/ 134 (6/ 278)] (1). 652 - التصرف في المبيع قبل قبضه بغير البيع: 653 - وبيع المبيع لبائعه قبل قبضه: - قال ابن مفلح: (وفي رهنه وهبته بلا عوض بعد قبض ثمنه وجهان، ويصح عتقه قولا واحدا، وذكره شيخنا «ع»، قال أبو يعلى الصغير: والوصية به، والخلع عليه. قال بعضهم في طريقته: وتزويجه. وجوَّز شيخنا التولية والشركة، وخرَّجه من بيع دين، وجوَّز التصرف بغير بيع وبيعه لبائعه، ويجعل (2) علة النهي توالي الضمانين، بل عجزه عن تسليمه، لسعي بائعه في فسخه مع الربح، أو أدَّاه إن لم يسع لدينه) [الفروع 4/ 135 (6/ 278 - 279)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (187). (2) كذا في ط 1 وط 2، ولعل الصواب: (ولا يجعل) كما هو ظاهر السياق، وقال البعلي في «الاختيارات»: (وعلة النهي عن البيع قبل القبض ليست توالي الضمانين، بل عجز المشتري عن تسلمه، لأن البائع قد يسلمه وقد لا يسلمه ... الخ) ا. هـ. (3) «الفتاوى» (29/ 400 - 403)، «الاختيارات» للبعلي (187).
(1/463)
654 - ما يجوز التصرف فيه قبل القبض: - قال ابن مفلح: (وإن قبضه جزافا لعلمهما قدره جاز، وفي المكيل روايتان، ذكره في «المحرر»، وذكر جماعة فيمن شاهد كيله قبل شرائه روايتين في شرائه بلا كيل ثان، وخصّهما في «التلخيص» بالمجلس، وإلا لم يجز، وأن الموزون مثله، ونقل حرب وغيره: إن لم يحضر هذا المشتري الكيل، فلا إلا بكيل. وقال في «الانتصار»: ويفرغه من المكيال ثم يكيله، وإن أعلمه بكيله ثم باعه به لم يجز، نقله الجماعة، وكذا جزافا، ذكره الشيخ وغيره، والمبيع بصفة أو رؤية سابقة كذلك، وما عداه كعبد وصبرة وشبهها فالمذهب يجوز تصرفه فيه، كأخذه بشفعة (1)، وعنه: إن لم يكن صبرةَ مكيلٍ أو موزونٍ، نصره القاضي وأصحابُه، وذكره شيخنا ظاهر المذهب، وعنه: إن لم يكن مطعوما، وفي طريقة بعض أصحابنا رواية: يجوز في العقار فقط، وعنه: لا مطلقا، ولو ضمنه، اختاره ابن عقيل وشيخنا، وجعلها طريقة الخرقي وغيره، وأن عليه تدل أصول أحمد، كتصرف (2) المشتري في الثمرة والمستأجر في العين، مع أنه لا يضمنهما وعكسه كالصبرة المعينة، كما لو شرط قبضه لصحته كسلم وصرف) [الفروع 4/ 137 (6/ 280 - 281)] (3). 655 - المبيع يكون من ضمان المشتري إذا تمكن من قبضه: - قال ابن مفلح: (وما جاز تصرفه فيه من ضمانه، إذا لم يمنعه البائع، نص عليه، فظاهره تمكن من قبضه أو لا، وجزم به في «المستوعب» وغيره، _________ (1) في ط 1: (كأخذه شفعة)، والمثبت من ط 2. (2) في ط 1: (لتصرف)، والمثبت من ط 2. (3) انظر: «الفتاوى» (29/ 505 - 512)، «الاختيارات» للبعلي (187).
(1/464)
وقال شيخنا: إذا تمكن من قبضه. وقال: ظاهر المذهب الفرق بين ما تمكن من قبضه وغيره، ليس هو الفرق بين المقبوض وغيره، كذا قال) [الفروع 4/ 138 (6/ 282)] (1). 656 - التصرف فيما ملكه بعقد سوى البيع قبل قبضه: 657 - وإذا تعين ملكه في موروث أو وصية أو غنيمة فلا يعتبر قبضه في صحة التصرف فيه: - قال ابن مفلح: (وكل عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه (2) كبيع (3)، وجوَّز شيخنا البيع وغيره، لعدم قصد الربح، ومالا ينفسخ بهلاكه ـ كنكاح وخلع وعتق وصلح عن دم عمد ـ قيل: كبيع، لكن يجب بتلفه مثله، أو قيمته ولا فسخ، واختار شيخنا: لهما فسخ نكاح، لفوت بعض المقصود، كعيب مبيع، وقيل: له التصرف قبل قبضه فيما لا ينفسخ، فيضمنه، وفي «المستوعب» و «التلخيص»: بل ضمانه كبيع. وإن تعين ملكه في موروث، أو وصية، أو غنيمة: لم يعتبر قبضه، ذكره شيخنا، بلا خلاف (4)، لعدم ضمانه بعقد معاوضة، كمبيع مقبوض، _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (188)، وانظر: «الفتاوى» (20/ 343 - 344؛ 29/ 507 - 509؛ 30/ 238 - 240). (2) مثل له في «الإنصاف» (11/ 509) بالأجرة المعينة، والعوض في الصلح بمعنى البيع، ونحوهما. (3) أي: حكمها حكم العوض في البيع في جواز التصرف ومنعه، كما في «الإنصاف» (11/ 509). (4) في ط 1: (بلا خوف)، والمثبت من ط 2، وهو موافق لما في «الإنصاف» (11/ 512).
(1/465)
وكوديعة، ونحوها) [الفروع 4/ 139 - 140 (6/ 283 - 284)] (1). 658 - ضمان المقبوض بعقد فاسد إذا تلف: - قال ابن مفلح: (ويضمنه بعقد فاسد بقيمته. قال شيخنا: قد تراضوا بالبدل الذي هو القيمة، كما تراضوا في مهر المثل، أو حيث يجب المثل، أو القيمة= على شيء مسمّى، فيجب ذلك المسمّى؛ لأن الحق لهما، فالفساد يظهر أثره في الحل وعدمه فقط، كما لا يظهر أثره في أصل الضمان، فإذا استويا فيه فكذا في قدره. وهذه نكتة حسنة) [الفروع 4/ 145 (6/ 289 - 290)] (2). 659 - ما أتلفه الأب من مال ابنه: 660 - وإذا جنى المشتري عليها أو جنت هي على نفسها عنده: - قال ابن مفلح: (وذكر الشيخ تقي الدين: أن الأب إذا أتلف العين الموهوبة فإنه مخير بين أن يضمنها إبقاء لملك الابن، أو لا يضمنها لتمكنه من استرجاعها، وكذلك ما أتلفه الأب من مال ابنه، ذكره أبو الخطاب. قال: ولو جنى المشتري عليها، أو جنت هي على نفسها عنده ــ مثل شج الرأس ــ فهل يمنع الرد؟ على الروايتين في التلف، ذكره القاضي، وضعَّف رواية منعه الرد، وهي مذهب الحنفية على ما اقتضاه كلامه. ومضمون كلامه: أن فوات جزء منها كفوات جميعها، وعلى هذا فكل _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (188). (2) «الفتاوى» (29/ 231 - 232).
(1/466)
نقص في العين أو في الصفة يمنع الفسخ في إحدى الروايتين، وفي الأخرى: له الفسخ واسترجاع الأرش، لكن الرواية بالرد هنا مأخذها غير مأخذ العيب. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 271 - 272].
(1/467)
باب الربا
661 - حكم الربا في دار الحرب: - قال ابن مفلح: (وفي «الموجز» رواية: لا يحرم في دار حرب، وأقرَّها شيخنا على ظاهرها) [الفروع 4/ 147 (6/ 292)]. 662 - ما يجري فيه الربا: - قال ابن مفلح: (وعنه: في النقدين والمطعوم للآدمي، وعنه: فيهما ومطعوم، مكيل أو موزون، اختاره الشيخ وشيخنا) [الفروع 4/ 148 (6/ 294)] (1). 663 - حكم المصوغ: 664 - وما خرج عن القوت بالصنعة: 665 - وبيع موزون ربوي بالتحري للحاجة: - قال ابن مفلح: (وجوّز شيخنا بيع المصوغ (2) المباح بقيمته حالًا، وكذا نساءً، ما لم يقصد كونها ثمنًا، وإنما خرج عن القوت بالصنعة (3) كنشًا _________ (1) «الفتاوى» (29/ 470) «تفسير آيات أشكلت» (2/ 612 - 613)، «الاختيارات» للبعلي (188). (2) في ط 2: (المصنوع)، والمثبت من ط 1، ويؤيده قول البعلي في «الاختيارات»: (ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل) ا. هـ، ونحوه في «الإنصاف» (11/ 19). (3) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (تنبيه: قوله عن كلام شيخه: «وإنما خرج عن القوت» صوابه: «وما خرج عن القوت»، وهو في «الاختيارات» كذلك) ا. هـ.
(1/468)
فليس بربوي، وإلا فجنس بنفسه، فيباع خبز بهريسة، وجوّز بيع موزون ربوي بالتحري للحاجة «و: م») [الفروع 4/ 149 (6/ 294)]. - وقال أيضا: (واختار شيخنا في «الاعتصام بالكتاب والسنة» ما ذكره عن مالك: أنه يجوز بيع الموزونات الربوية بالتحري للحاجة) [الفروع 4/ 153 ــ 154 (6/ 298 - 299)] (1). 666 - بيع اللحم بحيوان: - قال ابن مفلح: (ويحرم بيع لحم بحيوان، وقال شيخنا: مقصود اللحم من جنسه، ومن غير جنسه مأكول، وقيل: وغيره وجهان (2)، قال شيخنا: يحرم به نسيئة عند جمهور الفقهاء) [الفروع 4/ 154 ــ 155 (6/ 300)] (3). 667 - بيع ما لا يختلف فيه الكيل والوزن كيلا ووزنا: - قال ابن مفلح: (ويحرم حبٌّ بدقيقه، أو أحدهما بسويقه، وعنه: يجوز وزنًا، وعلل أحمد المنع: بأن أصله كيل، فيتوجه من الجواز: بيع _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (188، 189)، وانظر: «الفتاوى» (29/ 451 - 554)، «تفسير آيات أشكلت» (2/ 622 - 633)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (18)، «الاختيارات لدى مترجميه» (13). (2) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (التقدير: وفي بيعه بحيوان من غير جنسه مأكول، وقيل: وغيره وجهان، ويجوز أن تكون بمعنى «في»، كقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] فيكون التقدير: وفي غير جنسه مأكول، وقيل: وغيره وجهان) ا. هـ. (3) انظر: «تفسير آيات أشكلت» (2/ 633 - 635)، «الاختيارات» للبعلي (189).
(1/469)
مكيل وزنًا وموزون كيلًا، اختاره شيخنا) [الفروع 4/ 157 (6/ 303)] (1). 668 - العرايا في الزرع: - قال ابن مفلح: (وجوَّزها (2) شيخنا في الزرع) [الفروع 4/ 158 ــ 159 (6/ 304)] (3). 669 - بيع ربوي بجنسه ومعه أو معهما من غير جنسه: - قال ابن مفلح: (وبيع ربوي بجنسه ومعه أو معهما من غير جنسه، كمدِّ عجوة ودرهم بمثلهما، أو بدرهيمن أو بمدين، فإن علم بعد العقد تساوي القيمة أو معه لكونهما من شجرة ونقد واحد فاحتمالان، وعنه: يجوز إن لم يكن المفرَد مثل الذي معه غيره فأقل. اختاره شيخنا في موضع، وعنه: يجوز إن لم يكن الذي معه مقصودًا، كالسيف المحلى. اختاره شيخنا، وذكره ظاهر المذهب، وأنه يجوز فضة لا يقصد غشها بخالصة مثلًا بمثل) [الفروع 4/ 159 ــ 160 (6/ 305 - 306)] (4). 670 - اشتراط الحلول والقبض في صرف الفلوس النافقة بنقد: - قال ابن مفلح: (ويشترط في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، ليس أحدهما نقدا الحلول والقبض في المجلس، نص عليه، فيحرم مدُّ برٍّ بمثله بجنسه، أو شعير ونحوه نسيئة، وكذا إن صرف الفلوس النافقة _________ (1) «الاختيارات» (189). (2) أي: العرايا. (3) «الاختيارات» للبعلي (189). (4) «الفتاوى» (29/ 450 - 453، 461 - 466)، «الاختيارات» للبعلي (189).
(1/470)
بنقد، ونقل ابن منصور: لا. اختاره ابن عقيل وشيخنا، وذكره رواية) [الفروع 4/ 162 (6/ 308)] (1). 671 - حكم النَسَأ فيما لا يدخله ربا الفضل: - قال ابن مفلح: (وما جاز تفاضله ــ كثياب وحيوان ــ يجوز النسأ فيه ... وعنه: يحرم، فعلة النسأ المالية، وعنه: يحرم إن بيع بجنسه، فالجنس أحد وصفي العلة فأثر، وعنه: متفاضلًا، اختاره شيخنا) [الفروع 4/ 164 (6/ 309 - 310)] (2). 672 - حكم التصارف إذا كان في ذمتيهما نقدان مختلفان: - قال ابن مفلح: (ويجوز اقتضاء نقد من آخر على الأصح، إن حضر _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (189). واختار في موضع آخر المنع، قال - رحمه الله - ــ كما في «الفتاوى» (29/ 468 - 469) ــ: (هذه المسألة فيها نزاع مشهور بين العلماء وهو صرف الفلوس النافقة بالدراهم، هل يشترط فيها الحلول أم يجوز فيها النسأ؟ على قولين مشهورين، هما قولان في مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل: أحدهما ــ وهو منصوص أحمد وقول مالك وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة -: أنه لا يجوز، وقال مالك: ليس بالحرام البين. والثاني ــ وهو قول الشافعي وأبي حنفية في الرواية الأخرى وابن عقيل من أصحاب أحمد ــ: أنه يجوز، ومنهم من يجعل نهي أحمد للكراهة، فإنه قال: هو يشبه الصرف، والأظهر المنع من ذلك، فإن الفلوس النافقة يغلب عليها حكم الأثمان، وتجعل معيار أموال الناس) ا. هـ (2) «الاختيارات» للبعلي (190)، ونصه: (وما جاز التفاضل فيه كالثياب والحيوان يجوز النسأ فيه إن كان متساويا وإلا فلا، وهو رواية عن أحمد) ا. هـ، وانظر: «الفتاوى» (29/ 496).
(1/471)
أحدهما والآخر في الذمة مستقر بسعر يومه، نص عليه، لخبر ابن عمر في بيع الإبل بالبقيع (1)، ولأنه قضاء فكان بالمثل، لكن هنا بالقيمة لتعذر المثل، وهل يشترط حلوله؟ على وجهين، وإن كانا في ذمتيهما فاصطرفا، فنصه: لا يصح، وخالفه شيخنا (2)) [الفروع 4/ 166 ــ 167 (6/ 312)] (3). 673 - الكيمياء غش: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: الكيمياء غش، وهي تشبيه المصنوع من ذهب أو فضة أو غيره بالمخلوق، باطلة في العقل، محرمة بلا نزاع بين علماء المسلمين، ثبت على الروباص (4) أو لا، ويقترن بها كثيرًا السيمياء التي هي من السحر، والزجاج مصنوع لا مخلوق، ومن طلب زيادة المال بما حرمه الله: عوقب بنقيضه، كالمرابي، وهي أشد تحريمًا منه، ولو كانت حقًا مباحًا لوجب فيها خمس أو زكاة، ولم يوجب عالم فيها شيئًا، والقول بأن _________ (1) كذا, ولعل الصواب: (بالنقيع) , والله أعلم. (2) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (فإذا كان لشخص في ذمة آخر مائة درهم، وثبت للآخر على صاحب المائة دينارٌ في ذمته، فتصارفا من المائة إلى الدينار، فالذي يقتضيه النص: لا يصح، واختيار شيخنا يقتضي الصحة، ومقتضى النص يوافق قولهم: لا يجوز بيع الدين بالدين، لأن كل واحد منهما ما في ذمته دين للآخر، فهو بيع دين بدين، وهو ممنوع، وأما إذا ثبت للآخر على صاحبه من جنس ماله عليه، فتكون مسألة المقاصصة برضاهما تصح المصارفة هنا، كقول شيخنا، لم يكن بعيدا، ويحصل رواية مخرجة من رواية المقاصصة برضاهما) ا. هـ. (3) «الاختيارات» للبعلي (190). (4) قال البهوتي في «كشاف القناع» (2/ 231): (أي: ما يستخرج به غش النقد) ا. هـ.
(1/472)
قارون عملها (1) باطل، ولم يذكرها ويعملها إلا فيلسوف، أو اتحادي، أو ملك ظالم (2)) [الفروع 4/ 168 ــ 169 (6/ 314 - 315)] (3). 674 - إذا باع شيئا نسيئة أو بثمن لم يقبضه ثم اشتراه بأقل مما باعه نقدا: - قال ابن مفلح: (ولو باع شيئا نسيئة أو بثمن لم يقبضه ــ في ظاهر كلامه، وذكره القاضي وأصحابه والأكثر ــ ثم اشتراه بأقل مما باعه ــ قال أبو الخطاب والشيخ: نقدا، ولم يقله أحمد والأكثر ــ ولو بعد حلِّ أجله ــ نقله ابن القاسم وسندي ــ= بطل الثاني، نص عليه .... وذكر شيخنا: أنه يصح الأول إذا كان بتاتًا بلا (4) مواطأة، وإلا بطلا، وأنه قول أحمد «و: هـ م») [الفروع 4/ 170 (6/ 315)] (5). 675 - مسألة العينة: - قال ابن القيم: (وقال الإمام أحمد في «مسنده»: ثنا أسود بن عامر ثنا أبو بكر عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله: أنزل الله عليهم بلاء، فلا _________ (1) في ط 1: (علمها)، والمثبت من ط 2. (2) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (قوله: «ويعملها إلا فيلسوف» كمحمد بن زكريا الشيرازي [كذا, ولعلها: الرازي]، «أو اتحادي» كابن عربي وصاحبه المتكلم في الحروف وابن سبعين، «أو ملك ظالم» كبني عبيد) ا. هـ. (3) «الاختيارات» للبعلي (190)، انظر: «الفتاوى» (29/ 368 - 388). (4) في ط 1: (ولا)، والمثبت من ط 2. (5) «بيان الدليل» (314).
(1/473)
يرفعه حتى يراجعوا دينهم». ورواه أبو داود بإسناد صحيح إلى حيوة بن شريح المصري عن إسحاق أبي (1) عبد الرحمن الخراساني أن عطاء الخراساني حدَّثه أن نافعًا حدَّثه عن ابن عمر. قال شيخنا - رضي الله عنه -: وهذان إسنادان حسنان، أحدهما يشدُّ الآخر ويقويه، فأما رجال الأول: فأئمة مشاهير، ولكن يخاف أن لا يكون الأعمش سمعه من عطاء، أو أن عطاء لم يسمعه من ابن عمر، فالإسناد الثاني: يبين أن للحديث أصلًا محفوظًا عن ابن عمر، فإن عطاء الخراساني ثقة مشهور، وحيوة بن شريح كذلك وأفضل، وأما إسحاق أبو (2) عبد الرحمن فشيخ، روى عنه أئمة المصريين، مثل: حيوة بن شريح والليث بن سعد ويحيى بن أيوب وغيرهم. قال: فقد روينا من طريق ثالث من حديث السري بن سهل الجُنْدَيسابوري بإسناد مشهور إليه: ثنا عبد الله بن رشيد ثنا عبد الرحمن عن ليث عن عطاء عن ابن عمر قال: لقد أتى علينا زمان، وما منا رجل يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ولقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتركوا الجهاد، واتبعوا أذناب البقر: أدخل الله عليهم ذلًا، لا ينزعه عنهم حتى يتوبوا ويراجعوا دينهم». وهذا يبين أن للحديث أصلًا عن عطاء) [إعلام الموقعين 3/ 166] (3). _________ (1) كان بالأصل: (بن)، والتصويب من «بيان الدليل». (2) كان بالأصل: (بن)، والتصويب من «بيان الدليل». (3) «بيان الدليل» (73 - 74).
(1/474)
- وقال أيضا: ( ... وللعينة صورة رابعة ــ وهي أخت (1) صورها ــ وهي: أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة، ونص أحمد على كراهة ذلك، فقال: العينة هي أن يكون عنده المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باع بنسيئة ونقد فلا بأس. وقال أيضًا: أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة، فلا يبيع بنقد. قال ابن عقيل: إنما كره ذلك، لمضارعته الربا، فإن البائع بنسيئة يقصد الزيادة غالبًا. وعلله شيخنا ابن تيمية - رضي الله عنه -: بأنه يدخل في بيع المضطر، فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذر النقد عليه، فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة، وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجرًا من التجار) [تهذيب السنن 5/ 250] (2). انظر: ما تقدم في المسألة (613). 676 - مسألة التورق: - قال ابن القيم: (وكان شيخنا - رحمه الله - يمنع من مسألة التورق، وروجع فيها مرارًا وأنا حاضر فلم يرخص فيها، وقال: المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه، مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها، والخسارة فيها، فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى، وتبيح ما هو أعلى منه) [إعلام الموقعين 3/ 170]. _________ (1) كذا بالأصل, ولعلها: (أخف) , والله أعلم. (2) «بيان الدليل» (80 - 82).
(1/475)
- وقال ابن مفلح: (ولو احتاج إلى نقد، فاشترى ما يساوي مائة بمائتين: فلا بأس. نص عليه، وهي التورق، وعنه: يكره، وحرَّمه شيخنا) [الفروع 4/ 171 (6/ 316)] (1). 677 - إذا باع ربويا نسيئة وأخذ من المشتري عن ثمنه ما لا يباع به نسيئة: - قال ابن مفلح: (ولو باع ربويًا نسيئة: حرم أخذه عن ثمنه ما لا يباع به نسيئة؛ لأنه بيع دين بدين، قاله أحمد، وجوّزه شيخنا لحاجة) [الفروع 4/ 171 (6/ 316)] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (190)، وذكر الشيخ التورق في أكثر من موضع، وصرح في بعضها بأنه مكروه في أظهر قولي العلماء كما في «الفتاوى» (29/ 302، 303، 431، 442، 446 - 447، 502)، وجزم في مواضع أخرى بأنه منهي عنه كما في «الفتاوى» (29/ 434، 442 - 443، 496، 500). (2) «الفتاوى» (29/ 300 - 301، 448 - 449)، «الاختيارات» للبعلي (190).
(1/476)
باب السلم والتصرف في الدين
678 - موافقة السلم للقياس: - قال ابن القيم: (وأما السلم: فمن ظن أنه على خلاف القياس= توهم دخوله تحت قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تبع ما ليس عندك» فإنه بيع معدوم، والقياس يمنع منه. والصواب: أنه على وفق القياس، فإنه بيع مضمون في الذمة، موصوف، مقدور على تسليمه غالبًا، وهو كالمعاوضة على المنافع في الإجارة، وقد تقدم أنه على وفق القياس. وقياس السلم على بيع العين المعدومة، التي لا يدري: أيقدر على تحصيلها أم لا؟ والبائع والمشتري منها على غرر= من أفسد القياس صورة ومعنى، وقد فطر الله العقلاء على الفرق: بين بيع الإنسان مالا يملكه ولا هو مقدور له، وبين السلم إليه في مغل مضمون في ذمته، مقدور في العادة على تسليمه، فالجمع بينهما كالجمع بين الميتة والمذكى، والربا والبيع. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك» فيحمل على معنيين: أحدهما: أن يبيع عينًا معينة، وهي ليست عنده، بل ملك للغير، فيبيعها، ثم يسعى في تحصيلها وتسليمها إلى المشتري (1). والثاني: أن يريد بيع ما لا يقدر على تسليمه، وإن كان في الذمة، وهذا _________ (1) قال في «الفتاوى» عن هذا الوجه: (وفيه نظر).
(1/477)
أشبه، فليس عنده حسا ولا معنى، فيكون قد باعه شيئا لا يدري: هل يحصل له أم لا؟ وهذا يتناول أمورًا: أحدها: بيع عين معينة ليست عنده. الثاني: السلم الحال في الذمة، إذا لم يكن عنده ما يوفيه. الثالث: السلم المؤجل، إذا لم يكن على ثقة من توفيته عادة، فأما إذا كان على ثقة من توفيته عادة: فهو دين من الديون، وهو كالابتياع بثمن مؤجل، فأي فرق بين كون أحد العوضين مؤجلًا في الذمة، وبين الآخر؟ فهذا محض القياس والمصلحة، وقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] وهذا يعم الثمن والمثمن، وهذا هو الذي فهمه ترجمان القرآن من القرآن ــ عبد الله بن عباس ــ، فقال: أشهد، أن السلف المضمون في الذمة حلال في كتاب الله، وقرأ هذه الآية. فثبت أن إباحة السلم على وفق القياس والمصلحة، وشرع على أكمل الوجوه وأعدلها، فشرط فيه قبض الثمن في الحال، إذ لو تأخر لحصل شغل الذمتين بغير فائدة، ولهذا سمي سلما لتسليم الثمن، فإذا أخر الثمن دخل في حكم الكالئ بالكالئ، بل هو نفسه، وكثرت المخاطرة، ودخلت المعاملة في حد الغرر، ولذلك منع الشارع أن يشترط فيه كونه من حائط معين، لأنه قد يتخلف فيمتنع التسليم. والذين شرطوا: أن يكون دائم الجنس غير منقطع، قصدوا به إبعاده من الغرر بإمكان التسليم، لكن ضيقوا ما وسع الله، وشرطوا ما لم يشرطه، وخرجوا عن موجب القياس والمصلحة، أما القياس: فإنه أحد العوضين، فلم يشترط دوامه ووجوده كالثمن، وأما المصلحة: فإن في اشتراط ذلك
(1/478)
تعطيل مصالح الناس، إذ الحاجة التي لأجلها شرع الله ورسوله السلم: الارتفاق من الجانبين، هذا يرتفق بتعجيل الثمن، وهذا يرتفق برخص المثمن، وهذا قد يكون في منقطع الجنس، كما قد يكون في متصله، فالذي جاءت به الشريعة أكمل شيء، وأقومه بمصالح العباد) [إعلام الموقعين 2/ 19 - 20] (1). وانظر ما تقدم برقم (584). 679 - السلف بناقص عن السعر بشيء مقدر: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا فيمن أسلف دراهم إلى أجل على غلة بحكم أنه إذا حل دفع الغلة بأنقص مما تساوي بخمسة دراهم: هذا سلف بناقص عن السعر بشيء مقدر، فهو بمنزلة أن يبيعه بسعر ما يبيع الناس، أو بزيادة درهم في الغرارة، أو نقص درهم فيها. وفي البيع بالسعر قولان في مذهب أحمد، الأظهر: جوازه، لأنه لا خطر ولا غرر، ولأن قيمة المثل التي تراضيا بها أولى من قيمة مثل لم يتراضيا بها، ومن قال: إن مثل ذلك لا يلزم، فإذا تراضيا به جاز) [الفروع 4/ 179 ــ 180 (6/ 324)] (2). انظر: ما تقدم في المسألة رقم (586). 680 - أخذ العوض عن دين السلم إذا انفسخ العقد: - قال ابن القيم: (إذا انفسخ العقد بإقالة أو غيرها، فهل يجوز أن يأخذ _________ (1) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 57 - 58)، وهو في «الفتاوى» (20/ 529 - 230) وما ذكره ابن القيم فيه زيادات ليست في «الفتاوى». (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (193).
(1/479)
عن دين السلم عوضًا من غير جنسه؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز ذلك، حتى يقبضه ثم يصرفه فيما شاء، وهذا اختيار الشريف أبي جعفر، وهو مذهب أبي حنيفة. والثاني: يجوز أخذ العوض عنه، وهو اختيار القاضي أبي يعلى، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مذهب الشافعي، وهو الصحيح، فإن هذا عوض مستقر في الذمة، فجازت المعاوضة عليه كسائر الديون من القرض وغيره) [تهذيب السنن 5/ 260] (1). 681 - بيع الدين المستقر: 682 - وهبة الدين: - قال ابن مفلح: (يصح بيع الدين المستقر من الغريم لا من غيره، وفي رهنه عند مدين بحق له روايتان في «الانتصار»، وعنه: يصح منهما (2)، قاله شيخنا، نص عليه في مواضع (3)، وعنه: لا، اختاره الخلال، وذكره في «عيون المسائل» عن صاحبه، كدين السلم، وفي «المبهج» وغيره رواية: يصح فيه، اختاره شيخنا (4)، وأنه قول ابن عباس، لكن بقدر القيمة فقط لئلا _________ (1) انظر: «الفتاوى» (29/ 503 - 519). (2) أي: من الغريم وغيره، كما في «الاختيارات» للبعلي، والله أعلم. (3) قال ابن القيم في «تهذيب السنن» (4/ 1665 ط. المعارف): ( ... قالوا: وقد نص أحمد على جواز بيع الدين لمن هو في ذمته ولغيره ــ وإن كان أكثر أصحابنا لا يحكون عنه جوازه لغير من هو في ذمته ــ فقد نص عليه في مواضع، حكاه شيخنا أبو العباس بن تيمية - رحمه الله - عنه). (4) قال البعلي في «الاختيارات»: (ولا فرق بين دين السلم وغيره، وهو رواية عن أحمد).
(1/480)
يربح فيما لم يضمن. قال: وكذا ذكره أحمد في بدل القرض وغيره، ولأنه مبيع، وجواز التصرف ليس ملازمًا للضمان في ظاهر مذهب أحمد، وكالثمن، لكن منعه أحمد بمكيل أو موزون، ولم يفرق ابن عباس، وأحمد اتبعه (1)، فيحمل كلامه على التنزيه، أو إذا أخر قبض ما يعتبر قبضه في ربا النسيئة، وهذا الثاني أشبه بنصوصه وأصوله، وهو موجب الدليل، لأنه لا محذور، ولأن بيعه إنما هو من بائعه، فلا قبض، لأنه لا فائدة في قبضه منه، ثم رده إليه) [الفروع 4/ 185 - 186 (6/ 331 - 332)] (2). - وقال أيضا: (ولا تصح هبة دين لغير غريم، ونقل حرب: يصح «و: م»، وأطلق شيخنا روايتين فيه، وفي بيعه من غيره) [الفروع 4/ 187 (6/ 332)]. وانظر: المسألة رقم (704). 683 - الإبراء من الدين قبل وجوبه: - قال ابن مفلح: (وفي «مسلم»: أن أبا اليسر الصحابي قال لغريمه: إن وجدت قضاء فاقض، وإلا فأنت في حلٍّ، وأعلم به الوليد بن عبادة بن الصامت، وابنه عبادة، وهما تابعيان، فلم ينكراه، وهذا متجه، واختاره شيخنا) [الفروع 4/ 196 (6/ 342)] (3). _________ (1) في ط 1: (تبعه)، والمثبت من ط 2. (2) انظر: «الفتاوى» (29/ 506، 510 - 512، 517 - 518)، «الاختيارات» للبعلي (193). (3) انظر: «الاختيارات» للبعلي (193)، و «الإنصاف» للمرداوي (7/ 98 - 99. ط: الفقي).
(1/481)
684 - إذا قبض أحد الشريكين من مال مشترك بينهما بسبب واحد: - قال ابن مفلح: (وما قبضه من دين مشترك بإرث أو إتلاف ــ قال شيخنا: أو ضريبة سبب استحقاقها واحد ــ فلشريكه الأخذ من الغريم، وله الأخذ منه، جزم به الأكثر، وعنه: لا، كما لو تلف المقبوض في يد قابضه تعين حقه ولم يرجع على الغريم لعدم تعديه، لأنه قدر حقه، وإنما شاركه لثبوته مشتركا، مع أنهم ذكروا: لو أخرجه القابض برهن أو قضاء دين فله أخذه من يده، كمقبوض بعقد فاسد، فيتوجه منه تعديه في التي قبلها، ويضمنه وهو وجه في النظر (1)، واختاره شيخنا) [الفروع 4/ 196 (6/ 342 - 343)] (2). 685 - إذا اشتركا في دين مع تعدد سبب الاستحقاق: - قال ابن مفلح: (وللغريم التخصيص مع تعدد سبب الاستحقاق، قال شيخنا: لكن ليس لأحدهما إكراهه على تقديمه) [الفروع 4/ 197 (6/ 344)]. 686 - إذا تبارءا ولأحدهما على الآخر دين بمكتوب، فادعى استثناءه بقلبه: - قال ابن مفلح: (ولو تبارءا ولأحدهما على الآخر دين بمكتوب، فادعى استثناءه بقلبه، ولم يبرئه منه قُبل، ولخصمه تحليفه. ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 198 (6/ 345)] (3). _________ (1) كذا في ط 1 وط 2، وأشار في حاشية ط 1 أنه في نسخة: (في النظم)، وهو موافق لما في «الإنصاف» (5/ 422. ط: الفقي)، ولما في النسخة الخطية من «الفروع». (2) «الاختيارات» للبعلي (193). (3) «الاختيارات» للبعلي (193 - 194).
(1/482)
باب القرض
687 - موافقة القرض للقياس: 688 - ومسألة السفتجة: - قال ابن القيم: (وأما القرض فمن قال: إنه على خلاف القياس= فشبهته أنه بيع ربوي بجنسه مع تأخر القبض، وهذا غلط، فإن القرض من جنس التبرع بالمنافع كالعارية، ولهذا سماه النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَنِيحَة، فقال: «أو منيحة ذهب، أو منيحة ورق» وهذا من باب الإرفاق، لا من باب المعاوضات. فإن باب المعاوضات: يعطي كل منهما أصل المال على وجه لا يعود إليه، وباب القرض من جنس باب العارية والمنيحة وإفقار الظهر، مما يعطى فيه أصل المال لينتفع بما يستخلف منه، ثم يعيده إليه بعينه إن أمكن، وإلا فنظيره ومثله، فتارة ينتفع بالمنافع، كما في عارية العقار، وتارة يمنحه ماشية ليشرب لبنها ثم يعيدها، أو شجرة ليأكل ثمرها ثم يعيدها، وتسمى: العرية، فإنهم يقولون: أعاره الشجرة، وأعاره المتاع، ومنحه الشاة، وأفقره الظهر، وأقرضه الدراهم، واللبن والثمر لما كان يستخلف شيئا بعد شيء كان بمنزلة المنافع، ولهذا كان في الوقف يجري مجرى المنافع. وليس هذا من باب البيع في شيء، بل هو من باب الإرفاق والتبرع والصدقة، وإن كان المقرض قد ينتفع أيضًا بالقرض، كما في مسألة السفتجة (1)، ولهذا: كرهها من كرهها، والصحيح: أنها لا تكره، لأن المنفعة _________ (1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية ــ كما في «الفتاوى» (29/ 534) ــ: (هو أن يقرضه ببلد ليستوفي في بلد آخر، فيربح المقرض خطر الطريق ومؤونة الحمل، ويربح المقترض منفعة الاقتراض).
(1/483)
لا تخص المقرض، بل ينتفعان بها جميعا) [إعلام الموقعين 2/ 10 - 11] (1). 689 - ما يحصل به وفاء الدين: - قال ابن القيم: (ظن بعض الفقهاء: أن الوفاء إنما يحصل باستيفاء الدين، بسبب أن الغريم إذا قبض المال صار في ذمته للمدين مثله، ثم يقع التقاضي منهما، والذي أوجب لهم هذا إيجاب المماثلة بين الواجب ووفائه، ليكون قد وفى الدين بالدين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا تكلف أنكره جمهور الفقهاء، وقالوا: بل نفس المال الذي قبضه يحصل به الوفاء، ولا حاجة إلى أن يقدروا في ذمة المستوفي دينًا، والدين في الذمة من جنس المطلق الكلي، والمعين من جنس المعين (2) الجزئي، فإذا ثبت في ذمته دين مطلق كلي= كان المقصود منه الأعيان الشخصية الجزئية، فأي معين استوفاه حصل به مقصوده، لمطابقته للكلي (3) مطابقة الأفراد الجزئية) [بدائع الفوائد 4/ 105 ــ 106 (4/ 1526)] (4). _________ (1) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 57 - 58)، وهو في «الفتاوى» (20/ 514 - 515) مع اختلاف يسير، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (194). (2) في ط 1: (العين)، والمثبت من ط 2. (3) في ط 1: (الكل)، والمثبت من ط 2. (4) «الفتاوى» (20/ 513) مع اختلاف يسير، وانظر ما يأتي برقم (702).
(1/484)
690 - تأجيل الدين: - قال ابن مفلح: (وفي «الموجز»: يصح قرض حيوان وثوب لبيت المال ولآحاد المسلمين، ولا يلزمه رد عينه، بل يثبت بدله في ذمته حالا ولو أجله، وخالف شيخنا، وذكره وجها (1)) [الفروع 4/ 202 (6/ 349)] (2). 691 - إذا أقرض فلاحه بذرا وأمره ببذره وأنه في ذمته: - قال ابن مفلح: (ولو أمره ببذره، وأنه في ذمته كالمعتاد (3) = ففاسد، له تسمية (4) المثل، ولو تلف لم يضمنه، لأنه أمانة، ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 207 (6/ 356 - 357)] (5). _________ (1) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (قال في «الاختيارات»: والدين الحال يتأجل بتأجيله، سواء كان الدين قرضا أو غيره، وهو قول مالك، ووجه في مذهب أحمد، ويخرج رواية عن أحمد من إحدى الروايتين في تأجيل العارية، ومن إحدى الروايتين في صحة إلحاق الأجل والخيار بعد لزوم العقد) ا. هـ. (2) «الاختيارات» للبعلي (194). (3) في «الإنصاف» (12/ 351): (كالمعتاد في فعل الناس). (4) في «الاختيارات» للبعلي: (نصيب). (5) «الاختيارات» للبعلي (194)، وفيها: (ولو أقرض أكَّاره بذرا، وأمره ببذره، وأنه في ذمته كما يفعله الناس، فهو فاسد، وله نصيب المثل، ولو تلف لم يضمنه، لأنه أمانة) ا. هـ وانظر: «الفتاوى» (29/ 533 - 535).
(1/485)
باب الرهن
692 - إذا انفق على الرهن بدون إذن الراهن: - قال ابن القيم: (ومن ذلك (1) قول بعضهم: إن الحديث الصحيح، وهو قوله: «الرهن مركوب ومحلوب، وعلى الذي يركب ويحلب: النفقة» على خلاف القياس، فإنه جوَّز لغير المالك أن يركب الدابة وأن يحلبها، وضمنه ذلك بالنفقة لا بالقيمة، فهو مخالف للقياس من وجهين. والصواب ما دل عليه الحديث، وقواعد الشريعة وأصولها لا تقتضي سواه، فإن الرهن إذا كان حيوانًا= فهو محترم في نفسه لحق الله سبحانه، وللمالك فيه حق الملك، وللمرتهن حق الوثيقة، وقد شرع الله سبحانه الرهن مقبوضًا بيد المرتهن. فإذا كان بيده فلم يركبه ولم يحلبه= ذهب نفعه باطلًا، وإن مكن صاحبه من ركوبه خرج عن يده وتوثيقه، وإن كلف صاحبه كل وقت أن يأتي ليأخذ لبنه شق عليه غاية المشقة، ولا سيما مع بعد المسافة، وإن كلف المرتهن بيع اللبن وحفظ ثمنه للراهن شق عليه، فكان مقتضى العدل والقياس، ومصلحة الراهن والمرتهن والحيوان= أن يستوفي المرتهن منفعة الركوب والحلب، ويعوض عنهما بالنفقة، ففي هذا جمع بين المصلحتين، وتوفير الحقين، فإن نفقة الحيوان واجبة على صاحبه، والمرتهن إذا أنفق عليه أدى عنه واجبًا، وله فيه حق، فله أن يرجع ببدله، ومنفعة الركوب والحلب تصلح أن تكون بدلًا، فأخذها خير من أن تهدر على صاحبها _________ (1) أي من المسائل التي قيل فيها: إنها على خلاف القياس.
(1/486)
باطلًا، ويلزم بعوض ما أنفق المرتهن. وإن قيل للمرتهن: لا رجوع لك= كان في ذلك إضرار به، ولم تسمح نفسه بالنفقة على الحيوان، فكان ما جاءت به الشريعة هو الغاية التي ما فوقها في العدل والحكمة والمصلحة شيء يختار. فإن قيل: ففي هذا أن من أدى عن غيره واجبا فإنه يرجع ببدله، وهذا خلاف القياس، فإنه إلزام له بما لم يلتزمه، ومعاوضة لم يرض بها. قيل: وهذا أيضًا محض القياس والعدل والمصلحة وموجب الكتاب، ومذهب أهل المدينة وفقهاء الحديث ــ أهل بلدته، وأهل سنته ــ فلو أدى عنه دينه، أو أنفق على من تلزمه نفقته، أو افتداه من الأسر، ولم ينو التبرع= فله الرجوع، وبعض أصحاب أحمد: فرق بين قضاء الدين، ونفقة القريب، فجوَّز الرجوع في الدين دون نفقة القريب، قال: لأنها لا تصير دينًا، قال شيخنا: والصواب التسوية بين الجميع، والمحققون من أصحابه: سووا بينهما، ولو افتداه من الأسر: كان له مطالبته بالفداء، وليس ذلك دينا عليه. والقرآن يدل على هذا القول، فإن الله تعالى قال: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] فأمر بإيتاء الأجر بمجرد الإرضاع، ولم يشترط عقدا ولا إذن الأب، وكذلك قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] فأوجب ذلك عليه، ولم يشترط عقدا ولا إذنا، ونفقة الحيوان واجبة على مالكه، والمستأجر والمرتهن له فيه حق، فإذا أنفق عليه النفقة الواجبة على ربه= كان أحق بالرجوع من الإنفاق على ولده.
(1/487)
فإن قال الراهن: أنا لم آذن لك في النفقة، قال: هي واجبة عليك، وأنا أستحق أن أطالبك بها لحفظ المرهون والمستأجر، فإذا رضي المنفق بأن يعتاض بمنفعة الرهن، وكانت نظير النفقة= كان قد أحسن إلى صاحبه، وذلك خير محض، فلو لم يأت به النص لكان القياس يقتضيه. وطرد هذا القياس: أن المودع والشريك والوكيل إذا أنفق على الحيوان، واعتاض عن النفقة بالركوب والحلب جاز ذلك، كالمرتهن) [إعلام الموقعين 2/ 41 - 43] (1). 693 - تعليق الرهن على الشرط: - قال ابن القيم: (إذا قال الراهن للمرتهن: إن جئت بحقك إلى كذا وإلا فالرهن لك بالدين الذي أخذته منك، فقد فعله الإمام أحمد في حجته، ومنع منه أصحابه، وقالوا: نصَّ في رواية حرب على خلافه، فقال: بابُ الرهنِ يُكتب شراءً. قيل لأحمد: المتبايعان بينهما رهن فيكتبان شراء، فكرهه كراهة شديدة، وقال: أول شيء أنه يكذب، هو رهن يكتب شراء، فكرهه جدًا. قال ابن عقيل: ومعنى هذا أن المرتهن يكتب شراء لموافقة بينه وبين الراهن، وإن لم يأته بالحق إلى وقت كذا يكون الرهن مبيعا، فهو باطل من حيث تعليق البيع على الشرط، وحرام من حيث أنه كذب، وأكل مال بالباطل. _________ (1) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 57 - 58)، وهو في «الفتاوى» (20/ 560 - 561) وما هنا فيه زيادات ليست في «الفتاوى».
(1/488)
قلت: وهذا لا يناقص فعله، وهذا شيء وما فعله شيء، فإن الراهن والمرتهن قد اتفقا على أنه رهن، ثم كتبا أنه عقد تبايع في الحال، وتواطئا على أنه رهن، فهو شراء في الكتابة، رهن في الباطن، فأين هذا من قولهما ظاهرا وباطنا: إن جئتك بحقك في محله، وإلا فهو لك بحقك؟! ألا ترى أن أحمد قال: هذا كذب، ومعلوم أن العقد إذا وقع على جهة الشرط فليس بكذب، وليس في الأدلة الشرعية ولا القواعد الفقهية ما يمنع تعليق البيع بالشرط، والحق جوازه، فإن المسلمين على شروطهم إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا، وهذا لم يتضمن واحدا من الأمرين، فالصواب جواز هذا العقد، وهو اختيار شيخنا، وفعل إمامنا) [بدائع الفوائد 4/ 95 (4/ 1470)]. 694 - إذا عمّر وقفا بالمعروف ليأخذ عوضه: - قال ابن مفلح: (ولو عمر في دار ارتهنها رجع بآلته، وقيل: وبما يحفظ به مالية الدار، وأطلق في «النوادر»: يرجع، وقاله شيخنا فيمن عَمَّر وقفًا بالمعروف ليأخذ عوضه أخذَهُ من مَغَلِّه) [الفروع 4/ 224 ــ 225 (6/ 377 - 378)] (1). 695 - إذا اختلف الراهن والمرتهن في قدر الدين وليس عندهما من يشهد: - قال ابن القيم: (إذا رهنه دارًا أو سلعة على دين، وليس عنده من يشهدُ على ذلك ويكتبه، فالقول قول المرتهن في قدره، ما لم يدع أكثر من قيمته، هذا قول مالك، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد: القول قول الراهن، وقول مالك هو الراجح، وهو اختيار شيخنا) [إغاثة اللهفان 2/ 62]. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (262).
(1/489)
- وقال أيضا: (وقال حماد بن سلمة: شهدت إياس بن معاوية يقول في رجل ارتهن رهنا، فقال المرتهن: رهنته بعشرة. وقال الراهن: رهنته بخمسة، فقال: إن كان للراهن بينة أنه دفع إليه الرهن فالقول ما قال الراهن، وإن لم يكن له بينة يدفع (1) الرهن إليه، والرهن بيد المرتهن، فالقول ما قال المرتهن، لأنه لو شاء جحده الرهن. قلت: وهذا قول ثالث في المسألة، وهو من أحسن الأقوال، فإن إقراره بالرهن ــ وهو في يده ولا بينة للراهن ــ دليل على صدقه، وأنه محق، ولو كان مبطلا لجحده الرهن رأسا، ومالك وشيخنا رحمهما الله يجعلان القول قول المرتهن، ما لم يزد على قيمة الرهن، والشافعي وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله يجعلون القول قول الراهن مطلقا) [الطرق الحكمية 25]. - وقال أيضا: (إذا اختلف الراهن والمرتهن في قدره، فالقول قول المرتهن مع يمينه، ما لم يدع أكثر من قيمة الرهن عند مالك وأهل المدينة وخالفه الأكثرون، ومذهبه أرجح، واختاره شيخنا - رحمه الله -) [الطرق الحكمية 165] (2). _________ (1) كذا، ولعلها: (بدفع). (2) «الاختيارات» للبعلي (197).
(1/490)
باب الضمان [والكفالة] (1)
696 - يصح بكل لفظ فهم منه الضمان عرفا: - قال ابن مفلح: (وما قد يجب بلفظ: ضمين وكفيل وقبيل وحميل وصبير (2) وزعيم ونحوه، لا: أؤدي أو أحضر، ويتوجه: بل بالتزامه، وهو ظاهر كلام جماعة في مسائل ... وقال شيخنا: قياسُ المذهبِ يصحُّ بكلِّ لفظٍ فُهم منه الضمان عُرفًا (3)) [الفروع 4/ 238 (6/ 392)] (4). 697 - لصاحب الحق مطالبة المضمون والضامن معا أو أحدهما: - قال ابن مفلح: (ويثبت في ذمتهما لمنعه الزكاة عليهما، وصحة هبته لهما، ولأن الكفيل لو قال: التزمت وتكفلت بالمطالبة دون أصل الدَّين= لم يصح «و»، وفي «الانتصار» وغيره: لا ذمة ضامن، لأن شيئًا لا يشغل محلين، ولربه مطالبتهما معا وأحدهما، ذكره شيخنا وغيره المذهب «و: هـ ش» حياة وموتا) [الفروع 4/ 238 (6/ 393)] (5). _________ (1) زيادة من ط 1. (2) في ط 2: (وصبي) خطأ، والمثبت من ط 1. (3) مثل له البعلي في «الاختيارات» بقوله: (زوجه وأنا أودي الصدق، أو: بعه وأنا أعطيك الثمن، أو: اتركه ولا تطالبه وأنا أعطيك الثمن) ا. هـ. (4) «الاختيارات» للبعلي (195). (5) «الفتاوى» (29/ 550).
(1/491)
698 - ضمان السوق: 699 - وحكم كتابته والشهادة به لمن لم ير جوازه: - قال ابن مفلح: (ومنه ضمان السوق، وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين، وما يقبضه من عين مضمونة. قاله شيخنا، قال: ويجوز كتابته والشهادة به لمن لم ير جوازه، لأنه محل اجتهاد) [الفروع 4/ 242 (6/ 397 - 398)] (1). 700 - ضمان الحارس ونحوه، وتجار الحرب: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا صحة ضمان حارس ونحوه، وتجار حرب ما يذهب من البلد أو البحر، وأن غايته ضمان ما لم يجب، وضمان المجهول كضمان السوق، وهو أن يضمن الضامن ما يجب على التجار للناس من الديون، وهو جائز عند أكثر العلماء، كمالك وأبي حنيفة وأحمد، لقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72]، ولأن الطائفة الواحدة الممتنعة من أهل الحرب التي ينصر بعضها بعضا تجري مجرى الشخص الواحد في معاهدتهم، فإذا شورطوا على أن تجارهم يدخلون دار الإسلام بشرط أن لا يأخذوا للمسلمين شيئا، وما أخذوه كانوا ضامنين له، والمضمون يؤخذ من أموال التجار= جاز ذلك، كما تجوز نظائره، ولهذا لما قال الأسير العقيلي للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا محمد، علام أخذتني وسابقة الحاج ـ يعني ناقته ـ؟ قال: «بجريرة حلفائك من ثقيف»، فأسر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا العقيلي وحبسه لينال بذلك من حلفائه مقصوده. _________ (1) «الفتاوى» (29/ 549)، «الاختيارات» للبعلي (195).
(1/492)
قال: ويجب على ولي الأمر إذا أخذوا مالا لتجار المسلمين= أن يطالبهم بما ضمنوه، ويحبسهم على ذلك، كالحقوق الواجبة) [الفروع 4/ 242 - 243 (6/ 398 - 399)] (1). 701 - إذا تغيب المضمون فأمسك الضامن وغرم بسبب ذلك: - قال ابن مفلح: (ولو تغيب (2) مضمون ــ أطلقه شيخنا، وقيَّده أيضًا بقادر (3) ــ فأمسك الضامن وغرم شيئًا بسبب ذلك، وأنفقه في حبس= رجع به على المضمون، قاله شيخنا) [الفروع 4/ 244 (6/ 400)] (4). 702 - إذا كان المكفول في حبس الشرع فسلمه إليه فيه: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: إن كان المكفول في حبس الشرع فسلمه إليه فيه= برئ، ولا يلزمه إحضاره منه إليه عند أحد من الأئمة، ويمكنه الحاكم من إخراجه ليحاكم غريمه ثم يرده، هذا مذهب الأئمة، كمالك وأحمد وغيرهما، وفي طريقة بعض أصحابنا: فإن قيل دلالته عليه وإعلامه بمكانه لا يعد تسليما، قلنا: بل يعد، ولهذا إذا دل على الصيد محرمًا كفَّر) [الفروع 4/ 250 (6/ 406)] (5). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (195 - 196)، وانظر: «الفتاوى» (29/ 549). (2) في ط 2: (تعيب)، والمثبت من ط 1. (3) في «الإنصاف» (13/ 41): (بقادر على الوفاء). (4) «الاختيارات» للبعلي (195)، ولم يذكر إلا القول المقيد بالقادر، وانظر: «الفتاوى» (29/ 550، 553). (5) انظر: «الفتاوى» (29/ 554)، «الاختيارات» (196).
(1/493)
703 - السجان كالكفيل: - قال ابن مفلح: (والسجان كالكفيل، قاله شيخنا) [الفروع 4/ 250] (1). _________ (1) «الفتاوى» (29/ 556)، «الاختيارات» للبعلي (196).
(1/494)
باب الحوالة
704 - موافقة الحوالة للقياس: - قال ابن القيم: (وأما الحوالة: فالذين قالوا: إنها على خلاف القياس= قالوا: هي بيع دين بدين، والقياس يأباه؛ وهذا غلط من وجهين: أحدهما: أن بيع الدين بالدين ليس فيه نص عام ولا إجماع، وإنما ورد النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، والكالئ: هو المؤخر الذي لم يقبض (1)، كما لو أسلم شيئا في شيء في الذمة وكلاهما مؤخر= فهذا لا يجوز بالاتفاق، وهو بيع كالئ بكالئ. وأما بيع الدين بالدين فينقسم إلى بيع واجب بواجب ــ كما ذكرنا ــ وهو ممتنع، وينقسم إلى بيع ساقط بساقط، وساقط بواجب، وواجب بساقط (2)، وهذا فيه نزاع. قلت (3): الساقط بالساقط في صورة المقاصة. والساقط بالواجب كما لو باعه دينا له في ذمته بدين آخر من غير جنسه، فسقط الدين المبيع، ووجب عوضه، وهي بيع الدين ممن هو في ذمته. _________ (1) في «الفتاوى» زيادة: (بالمؤخر الذي لم يقبض). (2) قوله: (وواجب بساقط) غير مذكورة في ط «الفتاوى»، فلعلها سقطت. (3) القائل: ابن القيم.
(1/495)
وأما بيع الواجب بالساقط فكما لو أسلم إليه في كُرِّ حنطة بعشرة دراهم في ذمته= فقد وجب له عليه دين، وسقط له عنه دين غيره، وقد حُكي الإجماع على امتناع هذا، ولا إجماع فيه، قاله شيخنا، واختار جوازه، وهو الصواب، إذ لا محذور فيه، وليس بيع كالئ بكالئ فيتناوله النهي بلفظه، ولا في معناه فيتناوله بعموم المعنى، فإن المنهي عنه قد اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة، فإنه لم يتعجل أحدهما ما يأخذه فينتفع بتعجيله، وينتفع صاحب المؤخر بربحه، بل كلاهما اشتغلت ذمته بغير فائدة. وأما ما عداه من الصور الثلاث: فلكل منهما غرض صحيح ومنفعة مطلوبة، وذلك ظاهر في مسألة التقاص فإن ذمتهما تبرأ من أسرها، وبراءة الذمة مطلوب لهما وللشارع. فأما في الصورتين الأخيرتين: فأحدهما يعجل براءة ذمته، والآخر ينتفع بما يربحه، وإذا جاز أن يشغل أحدهما ذمته، والآخر يحصل على الربح ــ وذلك في بيع العين بالدين ــ= جاز أن يفرغها من دين ويشغلها بغيره، وكأنه شغلها به ابتداء: إما بقرض أو بمعاوضة، فكانت ذمته مشغولة بشيء، فانتقلت من شاغل إلى شاغل، وليس هناك بيع كالئ بكالئ. وإن كان بيع دين بدين: فلم ينه الشارع عن ذلك، لا بلفظه، ولا بمعنى لفظه، بل قواعد الشارع تقتضي جوازه، فإن الحوالة اقتضت نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فقد عاوض المحيل المحتال من دينه بدين آخر في ذمة ثالث، فإذا عاوضه من دينه على دين آخر في ذمته كان أولى بالجواز، وبالله التوفيق.
(1/496)
رجعنا إلى كلام شيخ الإسلام، قال: الوجه الثاني ــ يعني: مما يبين أن الحوالة على وفق القياس -: أن الحوالة من جنس إيفاء الحق، لا من جنس البيع، فإن صاحب الحق إذا استوفى من المدين ماله كان هذا استيفاء، فإذا أحاله على غيره كان قد استوفى ذلك الدين عن الدين الذي في ذمة المحيل، ولهذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الحوالة في معرض الوفاء، فقال في الحديث الصحيح: «مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع»، فأمر المدين بالوفاء، ونهاه عن المطل، وبين أنه ظالم إذا مطل، وأمر الغريم بقبول الوفاء إذا أحيل على ملئ، وهذا كقوله تعالى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] أمر المستحق أن يطالب بالمعروف، وأمر المدين أن يؤدي بإحسان. ووفاء الدين ليس هو البيع الخاص، وإن كان فيه شوب المعاوضة، وقد ظن بعض الفقهاء: أن الوفاء إنما يحصل باستيفاء الدين، بسبب أن الغريم إذا قبض الوفاء صار في ذمة المدين مثله، ثم إنه يقاص ما عليه بماله. وهذا تكلف، أنكره جمهور الفقهاء، وقالوا: بل نفس المال الذي قبضه يحصل به الوفاء، ولا حاجة أن يقدر في ذمة المستوفي دينًا، وأولئك قصدوا أن يكون وفاء دين بدين مطلق، وهذا لا حاجة إليه، فإن الدين من جنس المطلق الكلي، والمعين من جنس المعين؛ فمن ثبت في ذمته دين مطلق كلي فالمقصود منه هو الأعيان الموجودة، وأي معين استوفاه حصل به المقصود من ذلك الدين المطلق) [إعلام الموقعين 2/ 8 - 10] (1). _________ (1) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 57 - 58)، وهو في «الفتاوى» (20/ 512 - 513) بحروفه، وانظر: ما تقدم برقم (687).
(1/497)
705 - الحوالة على ماله في الديوان إذنٌ في الاستيفاء فقط: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: والحوالة على ماله في الديوان إذنٌ في الاستيفاء فقط (1) وللمحتال الرجوع ومطالبة محيله) [الفروع 4/ 262 ــ 263 (6/ 421)] (2). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الظاهر أن ما قاله الشيخ مخصوص في الحوالة على ما ذكره وهو مال الديوان، وذلك لجريان العرف بأنه إذن في الاستيفاء لا حوالة تقتضي نقل الملك، لأن مال الديوان في يد مباشريه أمانة لا دين، فلا تصح الحوالة عليه) ا. هـ. (2) «الاختيارات» للبعلي (196).
(1/498)
باب الصلح وحكم الجوار
706 - إذا صالح عن المؤجل ببعضه حالا: 707 - وإذا صالح على الحال ببعضه مؤجلا: - قال ابن القيم: ( ... الصورة الثالثة (1): أن يصالح عنه ببعضه مؤجلا مع الإقرار والإنكار، فهاتان صورتان أيضا، فإن كان مع الإنكار ثبت التأجيل، ولم تكن له المطالبة به قبل الأجل، لأنه لم يثبت له قبله دين حال فيقال: لا يقبل التأجيل، وإن كان مع الإقرار ففيه ثلاثة أقوال للعلماء، وهي في مذهب الإمام أحمد: أحدها: لا يصح الإسقاط ولا التأجيل، بناء على أن الصلح لا يصح مع الإقرار، وعلى أن الحالّ لا يتأجل. والثاني: أنه يصح الإسقاط دون التأجيل، بناء على صحة الصلح مع الإقرار. والثالث: أنه يصح الإسقاط والتأجيل، وهو الصواب، بناء على تأجيل القرض والعارية، وهو مذهب أهل المدينة، واختيار شيخنا. وإن كان الدين مؤجلا فتارة يصالحه على بعضه مؤجلا مع الإقرار والإنكار، فحكمه ما تقدم (2)، وتارة يصالحه ببعضه حالاّ مع الإقرار والإنكار، فهذا للناس فيه ثلاثة أقوال أيضا: _________ (1) أي: من صور الصلح عن الدين ببعضه. (2) تقدم في «إعلام الموقعين» تحت الصورة الثانية من صور الصلح عن الدين ببعضه.
(1/499)
أحدها: أنه لا يصح مطلقا، وهو المشهور عن مالك، لأنه يتضمن بيع المؤجل ببعضه حالا، وهو عين الربا، وفي الإنكار المدعى يقول: هذه المائة الحالة عوض عن مائتين مؤجل، وذلك لا يجوز، وهذا قول ابن عمر. والقول الثاني: أنه يجوز، وهو قول ابن عباس، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، حكاها ابن أبي موسى وغيره، واختاره شيخنا) [إعلام الموقعين 3/ 358 - 359]. - وقال أيضا: (إذا كان له على رجل دين مؤجل، وأراد رب الدين السفر، وخاف أن يتوى ماله (1)، أو احتاج إليه ولا يمكنه المطالبة قبل الحلول، فأراد أن يضع عن الغريم البعض، ويعجل له باقيه، فقد اختلف السلف والخلف في هذه المسألة: فأجازها ابن عباس، وحرمها ابن عمر، وعن أحمد فيها روايتان، أشهرهما عنه: المنع، وهي اختيار جمهور أصحابه. والثانية: الجواز، حكاها ابن أبي موسى، وهي اختيار شيخنا) [إغاثة اللهفان 2/ 13 ــ 14]. - وقال ابن مفلح: (ولو صالح عن المؤجل ببعضه حالا= لم يصح، نقله الجماعة، وفي «الإرشاد» و «المبهج» رواية، اختارها شيخنا، لبراءة الذمة هنا، وكدين الكتابة، جزم به الأصحاب) [الفروع 4/ 264 (6/ 423)] (2). _________ (1) أي: يهلك ماله، كما في «المطلع على أبواب المقنع» (280). (2) «الاختيارات» للبعلي (198).
(1/500)
708 - لو صالح عن حق بأكثر منه من جنسه: - قال ابن مفلح: (ولو صالح عن حق كدية خطأ، وقيمة متلف غير مثليّ بأكثر منه من جنسه لم يصح، وصحَّحه شيخنا، وأنه قياس قول أحمد، كعرض وكالمثلي) [الفروع 4/ 264 ــ 265 (6/ 424)] (1). 709 - إذا صالح على تأجيل الحالِّ في المعاوضة وفي التبرع: - قال ابن مفلح: (وذكر الشيخ إن صالح عن المائة الثانية بالتلف بمائة مؤجلة رواية يصح، وذكر شيخنا رواية بتأجيل الحالِّ في المعاوضة، لا التبرع «و: هـ»، والظاهر أنها الرواية المذكورة) [الفروع 4/ 265 (6/ 424)]. 710 - تغيير الوقف للمصلحة: - قال ابن مفلح: (ويأتي كلام ابن عقيل في الوقف (2)، وفيه إذنه فيه لمصلحة المأذون الممتاز بأمر شرعي، فلمصلحة الموقوف أو الموقوف عليه أولى، وهو معنى نصه في تجديده لمصلحة، ذكره شيخنا عن أكثر العلماء في تغيير (3) صفاته لمصلحة، كالحكورة) [الفروع 4/ 275 (6/ 438)]. 711 - العين والمنفعة التي لا قيمة لها عادة لا يصح أن يرد عليها عقد بيع وإجارة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: العين والمنفعة التي لا قيمة لها عادة= _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (198). (2) «الفروع» (7/ 386). (3) في ط 2: (وفي تغيير)، والمثبت من ط 1.
(1/501)
لا يصح أن يرد عليها عقد بيع وإجارة اتفاقًا) [الفروع 4/ 280 (6/ 443)] (1). 712 - إذا اتفقا على بناء حائط بستان، فبنى أحدهما دون الآخر: - قال ابن مفلح: (ولو اتفقا على بناء حائط بستان، فبنى أحدهما، فما تلف من الثمرة بسبب إهمال الآخر= ضمن نصيب شريكه، قاله شيخنا) [الفروع 4/ 283 (6/ 447)] (2). 713 - إذا أحدث في ملكه ما يضر بجاره: 714 - وإذا خاف من ذلك نقصان أجرة ملكه: - قال ابن مفلح: (ومن أحدث في ملكه ما يضر بجاره ــ كحمَّام وكنيف ورحى وتنُّور ــ فله منعه، كابتداء إحيائه، بإجماعنا، ذكره القاضي وغيره، وكدقٍّ وسقيٍّ يتعدى إليه، بخلاف طبخه في داره وخبزه، لأنه يسير، وعنه: ليس له منعه، كتعلية داره، في ظاهر ما ذكره الشيخ، ولو أفضى إلى سد الفضاء عن جاره، قاله شيخنا (3). وقد احتج أحمد بالخبر: «لا ضرر ولا ضرار»، فيتوجه منه منعه. وروى أبو حفص العكبري في «الأدب» (4) عن أبي هريرة مرفوعًا: «من حق الجار على الجار أن لا يرفع البنيان على جاره ليسد عليه الريح». _________ (1) «الفتاوى» (30/ 305)، «الاختيارات» للبعلي (198). (2) «الاختيارات» للبعلي (198). (3) قال البعلي في «الاختيارات»: (وفيه على قاعدة أبي العباس نظر، والله أعلم). (4) في ط 2: (في الآداب)، وقد نقل عنه ابن مفلح في «الآداب الشرعية» في خمسة مواضع باسم (الأدب).
(1/502)
قال شيخنا: وليس له منعه خوفًا من نقص أجرة ملكه، بلا نزاع. كذا قال) [الفروع 4/ 285 (6/ 449 - 450)] (1). 715 - من كان له نخلة ونحوها في أرض رجل فلحق رب الأرض من دخوله ضرر: 716 - وحكم الضرار: - قال ابن مفلح: (روى حنبل: أن سمرة كان له نخل في حائط أنصاري، فآذاه بدخوله، فشكاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لسمرة: «بعه» فأبى، فقال: «ناقله» فأبى، فقال: «هبه لي، ولك مثله في الجنة» فأبى، فقال: «أنت مضار، اذهب فاقلع نخله». قال أحمد: كلما كان على هذه الجهة وفيه ضرر يمنع منه، وإلا أجبره السلطان، ولا يضر بأخيه إذا كان مرفقًا له. وقاله شيخنا محتجا بهذا الخبر، وهو من حديث أبي جعفر الباقر عن سمرة منقطع؛ لأن أبا جعفر ولد سنة ست وخمسين، ومات سمرة سنة ثمان أو تسع وخمسين، ورواه أبو داود من حديث أبي جعفر عن سمرة، وظاهر كلام الأصحاب: لا. قال شيخنا: الضرار محرم بالكتاب والسنة، ومعلوم أن المشاقة والمضارة مبناها على القصد والإرادة، أو على فعل ضرر لا يحتاج إليه، فمتى قصد الإضرار ولو بالمباح، أو فعل الإضرار من غير استحقاق فهو مضار، وأما إذا فعل الضرر المستحق للحاجة إليه والانتفاع به، لا لقصد الإضرار فليس بمضار، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث النخلة التي كانت _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (199)، انظر: «الفتاوى» (30/ 15).
(1/503)
تضر صاحب الحديقة لما طلب من صاحبها المعاوضة عنها بعدة طرق، فلم يفعل، فقال: «إنما أنت مضار» ثم أمر بقلعها، قال: فدل ذلك على أن الضرار محرم لا يجوز تمكين صاحبه منه، والله أعلم) [الفروع 4/ 286 ــ 287 (6/ 450 - 451)] (1). _________ (1) «جامع المسائل» (6/ 35 - 37)، «الاختيارات» للبعلي (199).
(1/504)
باب التفليس
717 - للغريم منع العاجز عن الوفاء من السفر حتى يقيم كفيلا ببدنه: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: وله منع عاجز (1) حتى يقيم كفيلًا ببدنه) [الفروع 4/ 288 (6/ 453)] (2). 718 - إذا طلب من عليه الدين الإمهال: - قال ابن مفلح: (ومن ماله قدر دينه الحال لم يحجر عليه، ويتعين دفعه بطلبه، قال جماعة ــ منهم صاحب «المغني» و «المحرر» ــ في وجوب زكاة الفطر على المدين: يجب أداء الدين عند طلبه، والمراد ــ كما قال صاحب «المحرر» -: يجب إذن على الفور، وقيل: وقبله، ويمهل بقدر ذلك اتفاقًا، لكن إن خاف غريمه منه احتاط عليه بملازمته، أو كفيل، أو ترسيم عليه، قاله شيخنا) [الفروع 4/ 288 (6/ 453)] (3). 719 - إذا كان له مال يفي بدينه وأبى القضاء: - قال ابن مفلح: (وإن أبى حبس، وليس لحاكم إخراجه حتى يتبين له أمره، أو يبرئه غريمه، وإن لم يبرئه وصح عند الحاكم أمره أخرجه ولم يسعه حبسه، نقل ذلك حنبل، فإن أصر ضُرب، ذكره في «المنتخب» وغيره، وكذا _________ (1) أي: من السفر. (2) «الفتاوى» (30/ 28)، «الاختيارات» للبعلي (200)، وفيه: (كفيلا بدينه)، وفي نسخة كما هنا. (3) «الفتاوى» (29/ 547)، «الاختيارات» للبعلي (201).
(1/505)
قال في «الفصول» وغيره: يحبسه، فإن أبى عَزَّره، قال: ويكرر حبسَه وتعزيرَه حتى يقضيَه، كقولنا فيمن أسلم على أكثر من أربع. قال شيخنا: نصَّ عليه الأئمة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ولا أعلم فيه نزاعًا. لكن لا يزاد كل يوم على أكثر من التعزير إن قيل: يتقدر، وللحاكم أن يبيع عليه ويقضيه، وقال شيخنا: ولا يلزمه (1)) [الفروع 4/ 288 ــ 289 (6/ 453 - 454)] (2). 720 - إذا ادعى إعسارا وأمكن عادة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من أقر بالقدرة (3)، فادعى إعسارا وأمكن عادة قبل، وليس له إثباته عند غير من حبسه بلا إذنه) [الفروع 4/ 291 (6/ 456 - 457)] (4). 721 - قضاء دين الغريم بمال له فيه شبهة: - قال ابن مفلح: (ويقضي دين الغريم بمال له فيه شبهة، ذكره أبو طالب المكي وغيره عن أحمد، قال شيخنا: لأنه لا تبقى (5) شبهة بترك _________ (1) في «الاختيارات» للبعلي: (ولا يلزمه إحضاره)، وفي «الفتاوى»: (وليس على الحاكم أن يتولى هو بيع ماله ووفاء الدين). (2) «الفتاوى» (28/ 279؛ 30/ 22 - 24)، «الاختيارات» للبعلي (201). (3) في «الاختيارات» للبعلي: (من عرف بالقدرة). (4) «الفتاوى» (30/ 21)، «الاختيارات» للبعلي (201). (5) في ط 1: (لأنه تبقى)، والمثبت من ط 2، وفي «الاختيارات» للبعلي: (لا تتقى) ولعله الصواب، والله أعلم.
(1/506)
واجب، وكل الخلق عليهم واجبات من نفقة نفسه وقريبه وقضاء دينهم وغير ذلك، فترك ذلك ظلم محقق، وفعله بشبهة غير محقق، فكيف يتورع عن ظلم محتمل بظلم محقق؟ ولهذا قال سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يحب المال، يعبد به ربه، ويؤدي به أمانته، ويصون به نفسه، ويستغني به عن الخلق) [الفروع 4/ 292 (6/ 457)] (1). 722 - إذا ادعت امرأة على زوجها: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا فيما إذا كان المدعي امرأة على زوجها: فإذا حبس لم يسقط من حقوقه عليها شيء قبل الحبس يستحقها (2) عليها بعد الحبس، كحبسه في دين غيرها، فله إلزامها ملازمة بيته ولا يدخل إليه أحد بلا إذنه، فإن خاف أن تخرج منه بلا إذنه= فله أن يسكنها حيث لا يمكنها الخروج، كما لو سافر عنها أو حبسه غيرها. ولا يجب حبسه في مكان معين، بل المقصود تعويقه عن التصرف حتى يؤدي ذلك، فيجوز حبسه في دار ولو في دار نفسه، بحيث لا يُمَكَّن من الخروج، ويجوز أن يحبس وترسم هي عليه إذا حصل المقصود بذلك، بحيث يمنعه من الخروج، وهذا أشبه بالسنة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الغريم بملازمة غريمه، وقال له: «ما فعل أسيرك»، وإنما المرسم وكيل الغريم في الملازمة، فإذا لم يكن للزوج من يحفظ امرأته غير نفسه، وأمكن أن يحبسهما في بيت واحد، فتمنعه هي من الخروج، ويمنعها هو من الخروج= فعل ذلك، فإن له عليها حبسها في منزله، ولها عليه حبسه في دينها، وحقه _________ (1) «الفتاوى» (29/ 279 - 280)، «الاختيارات» للبعلي (201). (2) في «الاختيارات» للبعلي: (بل يستحقها).
(1/507)
عليها أوكد، فإن حق نفسه في المبيت ثابت ظاهرًا وباطنًا، بخلاف حبسها له، فإنه بتقدير إعساره لا يكون حبسه مستحقًا في نفس الأمر إذ حبس العاجز لا يجوز، لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]، ولأن حبسها له عقوبة حتى يؤدي الواجب عليه، وحبسه لها حق ثبت (1) بموجب العقد، وليس بعقوبة، بل حقه عليها كحق المالك على المملوك، ولهذا كان النكاح بمنزلة الرق والأسر للمرأة، قال عمر - رضي الله عنه -: النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته. وقال زيد بن ثابت: الزوج سيد في كتاب الله، وقرأ قوله: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم»، والعاني: الأسير، وإذا كان كذلك: ظهر أن ما يستحقه عليها من الحبس أعظم مما تستحقه عليه، إذ غاية الغريم: أن يكون كالأسير، ولأنه يملك مع حبسها في منزله الاستمتاع بها متى شاء، فحبسه لها دائما يستوفي في حبسها ما يستحقه عليها، وحبسها له عارض إلى أن يوفيها حقها، والحبس الذي يصلح لتوفية الحق مثل المالك لأمته، بخلاف الحبس إلى أن يستوفي الحق، فإنه من جنس حبس الحر للحر، ولهذا: لا يملك الغريم منع المحبوس من تصرف يوفي به الحق، ولا يمنعه من حوائجه إذا احتاج الخروج من الحبس مع ملازمته له، وليس على المحبوس أن يقبل ما يبذله له الغريم مما عليه منّة فيه، ويملك الرجل منع امرأته من الخروج مطلقًا إذا قام بما لها عليه، وليس لها أن تمتنع من قبول ذلك. وبهذا وغيره يتبين: أن له أن يلزمها ويمنعها من الخروج أكثر مما لها _________ (1) في ط 1: (يثبت)، والمثبت من ط 2.
(1/508)
أن تلزمه وتمنعه من الخروج من حبسه، فإذا لم يكن له من يقوم مقامه في ذلك: لم يجز أن يمنع من ملازمتها، وهذا حرام بلا ريب، ولا ينازع أحد من أهل العلم أن حبس الرجل إذا توجه تتمكن معه امرأته من الخروج من منزله، وإسقاط حقه عليها حرام لا يحل لأحد من ولاة الأمور والحكام فعل ذلك، حرة عفيفة كانت أو فاجرة، فإن ما يفضي إلى تمكينها من الخروج: إسقاط لحقه، وذلك لا يجوز، لا سيما وذلك مظنة لمضارتها له أو فعلها للفواحش. إلى أن قال: فرعاية مثل هذا من أعظم المصالح التي لا يجوز إهمالها، قال: وهي إنما تملك ملازمتَه وملازمته تحصل بأن تكون هي وهو في مكان واحد، ولو طلب منها الاستمتاع في الحبس فعليها أن توفيه ذلك، لأنه حق عليها. وإنما المقصود بالحبس أو الملازمة: أن الغريم يلازمه حتى يوفيه حقه، ولو لازمه في داره جاز. فإن قيل: فهذا يفضي إلى أن يمطلها ولا يوفي؟ فالجواب: أن تعويقه عن التصرف هو الحبس، وهو كاف في المقصود إذا لم يظهر امتناعه عن أداء الواجبات، فإن ظهر أنه قادر وامتنع ظلمًا: عوقب بأعظم من الحبس، بضرب مرة بعد مرة، حتى يؤدي، كما نص على ذلك أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مطل الغني ظلم»، والظالم يستحق العقوبة، فإن العقوبة تستحق على ترك واجب أو فعل محرم، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته» ومع هذا: لا يسقط حقه الذي على امرأته، بل يملك حبسها في منزله.
(1/509)
وأما تمكين مثل هذا ــ يعني: الممتنع عن الوفاء ظلمًا ــ من فضل الأكل والنكاح، فهذا محل اجتهاد، فإنه من نوع التعزير، فإن رأى الحاكم أن يعزره به كان له ذلك، إذ التعزير لا يختص بنوع معين، وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد ولي الأمر في تنوعه وقدره إذا لم يتعد حدود الله، ولكن المحبوسون على حقوق النساء: ليسوا من هذا الضرب. فإن لم يحصل المقصود بحبسهما جميعًا، إما لعجز أحدهما عن حفظ الآخر، أو لشر يحدث بينهما ونحو ذلك، وأمكن أن تسكن في موضع لا تخرج منه، وهو ينفق عليها، مثل: أن يسكنها في رباط نساء، أو بين نسوة مأمونات: فعل ذلك. ففي الجملة: لا يجوز حبسها له (1) وتذهب حيث شاءت باتفاق العلماء، بل لا بد من الجمع بين الحقين، ورعاية المصلحتين، لا سيما إذا كان ذهابها مظنة للفاحشة، فإن ذلك يصير حقًا لله، يجب على ولي الأمر رعايته وإن لم يطلبه الزوج) [الفروع 4/ 293 ــ 297 (6/ 459 - 463)] (2). 723 - تصرف المحجور عليه قبل الحجر: - قال ابن القيم: ( ... إن استغرقت الديون ماله لم يصح تبرعه بما يضر بأرباب الديون، سواء حجر عليه الحاكم أو لم يحجر عليه، هذا مذهب مالك واختيار شيخنا ... وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يحكي عن بعض علماء عصره من أصحاب أحمد أنه كان ينكر هذا المذهب ويضعِّفه، قال: إلى أن بلي بغريم تبرع قبل الحجر عليه، فقال: والله مذهب مالك هو _________ (1) في ط 2: (حبسه لها)، والمثبت من ط 1، وهو الصواب. (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (201 - 202).
(1/510)
الحق في هذه المسألة!) [إعلام الموقعين 4/ 8 - 9]. - وقال ابن مفلح: (وتصرفه قبل الحجر نافذ، نص عليه، مع أنه يحرم إن أضر بغريمه، ذكره الآدمي البغدادي، وقيل: لا ينفذ، ذكره شيخنا واختاره، وذكره أيضًا (1) رواية) [الفروع 4/ 298 ــ 299 (6/ 464)] (2). 724 - يبيع الحاكم مال المفلس بثمن مثله المستقر في وقته أو أكثر: - قال ابن مفلح: (يلزم الحاكم قسمة ماله على الغرماء إذا كان من جنس الدين، وإلا باعه على الفور ــ لأن ذمته لم تخرب، بخلاف الميت ــ بلا إذنه، ولا يباع إلا بثمن مثله المستقرِّ في وقته، أو أكثر، ذكره شيخنا وغيره) [الفروع 4/ 304 (6/ 471)] (3). 725 - إقرار المحجور عليه بعد الحجر: - قال ابن مفلح: ( ... وعنه: بلى (4) إن أضاف إلى إقراره قبل الحجر، أو أدانه عامل قبل قراضه، قاله شيخنا) [الفروع 4/ 307 (6/ 473)]. _________ (1) في ط 1 زيادة: (في أفراد من الفتاى)، وقال محقق ط 1 في الحاشية: (ليست في أصل مخطوط الأزهر، وبهامشه حاشية بخطه: في الإقرار من الفتاوى) ا. هـ. (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (202). (3) انظر: «الفتاوى» (30/ 25 - 26). (4) أي: يصح إقرار المحجور عليه.
(1/511)
باب الحجر
726 - إذا نوزع المحجور عليه لحظه في الرشد: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وإن نوزع في الرشد، فشهد شاهدان قبل، لأنه قد يعلم بالاستفاضة، ومع عدمها له اليمين على وليه أنه لا يعلم رشده، ولو تبرع وهو تحت الحجر فقامت بينة برشده نفذ) [الفروع 4/ 313 (7/ 7)] (1). 727 - إذا أنفق قدرا زائدا على المصلحة في مباح فهو من الإسراف: - قال ابن مفلح: (قال ابن عقيل وجماعة: ظاهر كلام أحمد: أن التبذير والإسراف ما أخرجه في الحرام، لقوله: لو أن الدنيا لقمة، فوضعها الرجل في فيِّ أخيه، لم يكن إسرافًا. قال في «النهاية»: أو صدقة تضر بعياله، أو كان وحده، ولم يثق بإيمانه [غائلته] (2)، وقال شيخنا: أو مباح قدرا زائدًا على المصلحة) [الفروع 4/ 314 (7/ 8)] (3). 728 - وإذا وصى ولي فسقه ظاهر إلى عدل: 729 - والحاكم العاجز: - قال ابن مفلح: (وولي صغير ومجنون أبٌ رشيد، قيل: عدل، وقيل: _________ (1) «الفتاوى» (30/ 40، 46)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (202). (2) في ط 1 وط 2: (عائلته)، وهذه الكلمة غير موجودة في «الاختيارات» للبعلي ولا في «الإنصاف» , وقال ابن نصر الله في «حواشيه على الفروع» (ل: 83): (قوله: «ولم يثق بإيمانه غائلته» أي: غائلة تصرفه) ا. هـ، ثم وجدته في النسخة الخطية: (غائلته) ونقل في الهامش كلام ابن نصر الله السابق. (3) «الاختيارات» للبعلي (202)، وانظر: «الفتاوى» (22/ 134).
(1/512)
ومستور، ثم وصيه، ولو بجعل وثم متبرع، ذكره في «الخلاف»، كذلك مع ثبوت ولايته، نقل ابن منصور: لا يقبض للصبي إلا الأب، أو وصي وقاض. وعنه: يلي الجدَّ ففي تقديمه على وصيه وجهان. وقال شيخنا: لو وصى من فسقُه ظاهر إلى عدل وجب إنفاذه، كحاكم فاسق حكم بعدل، وكصحة وصية الفاسق بثلثه «ع» ثم حاكم، ومرادهم فيه الصفات المعتبرة، وإلا أمين يقوم به، اختاره شيخنا - رحمه الله -، وقال في حاكم عاجز: كالعدم) [الفروع 4/ 316 ــ 317 (7/ 09 - 10)] (1). 730 - إذا لم يمكن الولي تخليص حق موليه إلا برفعه إلى وال يظلمه: 731 - وإذا مات من يتجر ليتيمه ولنفسه بماله، وقد اشترى شيئا لم يعرف لمن هو: - قال ابن مفلح: (وإن لم يمكن الولي تخليص حق موليه إلا برفعه إلى والٍ يظلمه، فقد يقال: يرفعه، لأنه هو الذي جر الظلم إلى نفسه، كما لو لم يمكن رد المغصوب إلا بكلفة عظيمة. وقد يقال: لا، لما فيه من تسليط الوالي الظالم على ظلم غير مستحق، مضرته أكثر من منفعة عدله. ذكره شيخنا، قال: ولو مات من يتجر ليتيمه ولنفسه بماله، وقد اشترى شيئًا لم يعرف لمن هو لم يقسم بينهما «هـ»، ولم يوقف الأمر حتى يصطلحا «ش»، بل مذهب الإمام أحمد - رضي الله عنه - يقرع، فمن قرع: حلف وأخذ) [الفروع 4/ 321 ــ 322 (7/ 15)] (2). _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (202). (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (202 - 203).
(1/513)
732 - تقديم الناظر في أخذ معلومه من الوقف: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: لا يُقَدَّم بمعلومه بلا شرط، إلا أن يأخذ أجرة عمله مع فقره، كوصي اليتيم) [الفروع 4/ 325 (7/ 17)] (1). 733 - دعوى السيد عدم الإذن لعبده مع علمه به: - قال ابن مفلح: (وله معاملة عبد ولو لم يثبت كونه مأذونا له، خلافا لـ «النهاية» ... ولو أنكر السيد إذنه فيتوجه الخلاف، وقال شيخنا: إن علم بتصرفه لم يقبل ولو قدر صدقه، فتسليطه عدوانًا منه، فيضمن) [الفروع 4/ 335 (7/ 29)] (2). _________ (1) «الفتاوى» (31/ 66 - 67)، «الاختيارات» للبعلي (256). (2) «الاختيارات» للبعلي (203).
(1/514)
باب الوكالة
734 - إعلام الوكيل بالعزل: 735 - وما تصرف به قبل العلم بعزله: 736 - وضمان المشتري من الوكيل المعزول مع عدم علمه بعزله: 737 - وإذا تصرف الوكيل، ثم ادعى أنه عزله قبله: 738 - وقبض الثمن من وكيله دليل بقاء وكالته: - قال ابن مفلح: (وهل ينعزل قبل علمه بعزله؟ اختاره الأكثر، وذكر شيخنا: أنه أشهر، أم لا يصح؟ فيه روايتان، وينبني عليهما تضمينه، وقال شيخنا: لا يضمن، لأنه لم يفرط. وقال: في تضمين مشتر لم يعلم الأجرة (1) نزاع في مذهب أحمد - رضي الله عنه -. واختار أنه لا يضمن، وإذا ضمن رجع على الغارّ، في ظاهر مذهبه، وذكر وجها: ينعزل بالموت لا بالعزل «و: هـ م». قال شيخنا: لو باع أو تصرف، فادعى أنه عزله قبله لم يقبل، فلو أقام به بينة ببلد آخر وحكم به حاكم، فإن لم ينعزل قبل العلم صح تصرفه، وإلا كان حكمًا على الغائب، ولو حكم قبل هذا الحكم بالصحة حاكم لا يرى عزله _________ (1) قال ابن قندس في» حاشيته على الفروع»: («الأجرة» معمول «تضمين» التقدير: وفي تضمين مشتر الأجرة إذا لم يعلم نزاع، أي: إذا لم يعلم أن الوكيل انعزل قبل شرائه منه) ا. هـ.
(1/515)
قبل العلم، فإن كان قد بلغه ذلك: نفذ، والحكم الناقض له مردود، وإلا وجوده كعدمه (1)، والحاكم الثاني إذا لم يعلم بأن العزل قبل العلم، أو علم ولم يره، أو رآه ولم ير نقض الحكم المتقدم: فحكمه كعدمه، وقبض الثمن من وكيله دليل بقاء وكالته، وأنه قول أكثر العلماء) [الفروع 4/ 346 (7/ 41 - 43)] (2). 739 - استنابة حاكم من غير أهل مذهبه: - قال ابن مفلح: (وإن استناب حاكم من غير أهل مذهبه، إن كان لكونه أرجح فقد أحسن، وإلا لم تصح الاستنابة. ذكره شيخنا - رضي الله عنه -) [الفروع 4/ 348 ــ 349 (7/ 46)]. 740 - متى يكون الوكيل ضامنا: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا فيمن وكل في بيع أو شراء أو استئجار: فإن لم يسم موكله في العقد فضامن، وإلا فروايتان، وأن ظاهر المذهب يضمنه «و: هـ ش»، قال: ومثله الوكيل في الإقراض) [الفروع 4/ 353 (7/ 52)] (3). 741 - إذا أنكر رب الحق الوكالة، ولم يصدق الدافع الوكيل: - قال ابن مفلح: (ومتى لم يصدق الدافع الوكيل رجع عليه، ذكره _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قوله: «وإلا وجوده كعدمه» يحتمل أن يكون التقدير: وإلا إن كان يرى عزله قبل العلم فوجوده كعدمه) ا. هـ. (2) «الفتاوى» (30/ 61 - 64)، «الاختيارات» للبعلي (209). (3) انظر: «الفتاوى» (29/ 364؛ 30/ 210)، «الاختيارات» للبعلي (209).
(1/516)
شيخنا «و»، قال: ومجرد التسليم ليس تصديقًا. قال: وإن صدقه ضمن أيضًا، في أحد القولين في مذهب أحمد، بل نصه «و: م»، لأنه متى لم يتبين صدقه فقد غره) [الفروع 4/ 375 (7/ 77)] (1). 742 - من قصد بيان تعليق الحكم بالوصف رتبه عليه: - قال ابن مفلح: (ومن قصد بيان تعليق الحكم بالوصف رتبه عليه ولم يتعرض لجميع شروطه وموانعه، لأنه عسر، إذ القصد بيان اقتضاء السبب للحكم، فلو قال: أعط هذا للفقراء أو نحوهم استأذنه في عدوه وفاسق. ولو قال: إلا أن يكون أحدهم كذا وكذا عد لكنة وعيا، ولو قال: من سرق منهم فاقطعه= حسن أن يراجعه فيمن سعى له في مصلحة عظيمة، وإن لم يحسن التقييد منه، وكذا قول الطبيب: اشربه للإسهال، فعرض ضعف شديد أو إسهال، ذكر ذلك شيخنا) [الفروع 4/ 376 (7/ 77 - 78)]. _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (211 - 212).
(1/517)
كتاب الشركة
743 - إذا خلط زيت حرام بمباح: - قال ابن مفلح: (وإن خلط زيت حرام بمباح تصدق به، هذا مستهلك، والنقد يتحرى. قاله أحمد، ذكره ابن عقيل و (1) «النوادر»، ونقل أبو طالب في الزيت: أعجب إلي يتصدق به، هذا غير الدراهم. ونقل الجماعة في الدراهم: تحرم، إلا أن يكثر الحلال، واحتج بخبر عدي في الصيد. وعنه أيضًا: إنما قلته في درهم حرام مع آخر. وعنه: في عشرة فأقل لا تجحف به، واختار الأصحاب: لا يخرج قدر الحرام. وقال شيخنا: ثم لا يتبين لي أن من الورع تركه) [الفروع 4/ 377 (7/ 81)]. وانظر: ما تقدم برقم (426). 744 - موافقة المضاربة للقياس: انظر: ما يأتي تحت المسألة رقم (758). 745 - إذا ضارب المضارب لآخر: - قال ابن مفلح: (وله أن يضارب لآخر، فإن أضر بالأول حرم، فإن خالف وربح= رد نصيبه منه في شركة الأول. نص على ذلك، واختار _________ (1) في ط 1: (في) خطأ، والمثبت من ط 2، و «النوادر» لابن الصيرفي، وقد نقل ابن مفلح هذه الرواية في موضع آخر، ونسب الكتاب لابن الصيرفي (2/ 665).
(1/519)
شيخنا: لا يرده (1)، كعمله في ماله، أو إيجار نفسه) [الفروع 4/ 384 (7/ 90 - 91)] (2). 746 - النفقة لمصلحة مال المضاربة: - قال ابن مفلح: (وله الاستئجار للنداء على المتاع وما العادة جارية به، وليس له فعله ليأخذ أجرته بلا شرط على الأصح، وبذله خفارة وعُشرًا على المال، قال أحمد: ما أنفق على المال فعلى المال. وقاله شيخنا في البذل لمحارب ونحوه) [الفروع 4/ 384 (7/ 91)]. 747 - نفقة المضارب: - قال ابن مفلح: (وللمضارب النفقة بشرط فقط. نص عليه، كوكيل، وقال شيخنا: أو عادة) [الفروع 4/ 384 (7/ 91)] (3). 748 - إذا مات وصي وجهل بقاء مال موليه: - قال ابن مفلح: (وإن مات مضارب ــ نص عليه، وعنه: غير فجأة ــ وجهل بقاء المضاربة فهو في تركته عملا بالأصل، ولأنه لما أخفاه ولم يعينه _________ (1) في ط 1: (لا يرد)، والمثبت من ط 2. وقال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (في بعض النسخ: «واختار الشيخ»، وفي «الفائق»: وليس له أن يضارب الآخر إن تضرر به الأول، وإن لم يتضرر أو أذن جاز، ولو فعل فربح رده في مضاربة الأول، وقال الشيخ: النظر يمنعه، ونصره شيخنا، وهو المختار) ا. هـ، وصاحب «الفائق» هو ابن قاضي الجبل، وشيخه هو ابن تيمية. (2) انظر: «جامع المسائل» (2/ 219). (3) «الفتاوى» (30/ 90)، «الاختيارات» للبعلي (213).
(1/520)
فكأنه غاصب، فيتعلق بذمته، وقيل: كوديعة، فهي في تركته في الأصح، وفيها في «الترغيب»: إلا أن يموت فجأة، زاد في «التلخيص»: أو يوصي إلى عدل، ويذكر جنسها، كقوله: قميص، فلم يوجد, وإن مات وصي وجهل بقاء مال موليه فيتوجه كذلك (1)، قال شيخنا: هو في تركته) [الفروع 4/ 393 (7/ 104)] (2). 749 - إذا دفع دابته أو نحله لمن يقوم به بجزء من نمائه: - قال ابن مفلح: (وعنه: وله دفع دابته أو نخله (3) لمن يقوم به بجزء من نمائه، اختاره شيخنا) [الفروع 4/ 395 (7/ 106)] (4). 750 - إذا تلف أحد المالين في شركة العنان قبل الخلط: - قال ابن مفلح: (قال (5): والعمل يصير معلومًا بإعلام الربح، ويتوجه: أو لا كجعالة (6)، وإن تلف أحدهما (7) قبل الخلط فمنهما كنمائه _________ (1) قال المرداوي في «الإنصاف» (5/ 452. ط: الفقي): (قال في «الفروع»: فيتوجه أنه كمال المضاربة والوديعة) ا. هـ. (2) انظر: «الفتاوى» (29/ 243 - 244). (3) كذا في ط 1 وط 2، ولعل الصواب: (نحله)، كما في «الإنصاف» (5/ 454. ط: الفقي)، ثم وجدته في النسخة الخطية من «الفروع»: (نحله). (4) «الفتاوى» (25/ 62؛ 29/ 77 - 78؛ 30/ 114 - 115)، «الاختيارات» للبعلي (213). (5) أي: الإمام أحمد. (6) في ط 1: (ويتوجه لا أو كجعالة)، والمثبت من ط 2. (7) أي: أحد المالين.
(1/521)
لصحة القسمة بالكلام كخرص ثمار، فكذا الشركة، احتج به أحمد، قاله (1) شيخنا) [الفروع 4/ 396 (7/ 106 - 107)]. 751 - تقاسم الدين إذا تكافأت الذمم: - قال ابن مفلح: (وفي تقاسم دين في ذمم لا ذمة روايتان، فإن تكافأت فقياس المذهب من الحوالة على مليء وجوبه. قاله شيخنا) [الفروع 4/ 397 (7/ 108 - 109)] (2). 752 - لو كتب رب المال للجابي ونحوه ورقة ليسلمها إلى الصيرفي المتسلم ماله، وأمره أن لا يسلمه حتى يقبض منه فخالف: - قال ابن مفلح: (ولو كتب رب المال للجابي والسمسار ورقة ليسلمها إلى الصيرفي المتسلم ماله، وأمره أن لا يسلمه حتى يقبض منه، فخالف= ضمن لتفريطه، ويصدق الصيرفي مع يمينه، والورقة شاهدة له لأنه العادة. ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 399 (7/ 110 - 111)] (3). 753 - شركة الشهود: - قال ابن مفلح: (وتصح شركة شهود. قاله شيخنا، قال: وللشاهد أن يقيم مقامه إن كان على عمل في الذمة (4)، وإن كان الجعل على شهادته بعينه، فالوجهان، وصحَّح جوازه، وللحاكم إكراههم، لأن له نظرًا للعدالة _________ (1) في ط 1: (قال)، والمثبت من ط 2. (2) «الاختيارات» للبعلي (214)، وانظر: «الإنصاف» (5/ 420. ط: الفقي). (3) «الاختيارات» للبعلي (214). (4) في «الاختيارات» للبعلي: (أن يقيم مقامه غيره إن كان الجعل على عمل).
(1/522)
وغيرها. وقال أيضًا: إن اشتركوا على أن كل ما حصله كل واحد بينهم، بحيث إذا كتب أحدهم وشهد شاركه الآخر وإن لم يعمل= فهي شركة الأبدان، تجوز حيث تجوز الوكالة، وأما حيث لا تجوز ففيه وجهان، كشركة الدلالين، وموجب العقد المطلق التساوي في العمل والأجر، وإن عمل واحد أكثر ولم يتبرع طالب بالزيادة) [الفروع 4/ 401 (7/ 112)] (1). 754 - شركة الدلالين: - قال ابن مفلح: (ولا تصح شركة الدلالين، قاله في «الترغيب» وغيره، لأنه لا بد فيها من وكالة، وهي على هذا الوجه لا تصح، كـ: آجر دابتك، الأجرة بيننا، وفي «الموجز»: تصح، وقاله في «المحرر» إن قيل: للوكيل التوكيل، وهو معنى «المجرد»، وقال شيخنا: وتسليم الأموال إليهم مع العلم بالشركة إذن لهم. قال: وإن باع كل واحد ما أخذ، ولم يعط غيره، واشتركا في الكسب جاز، في أظهر الوجهين، كالمباح، ولئلا تقع منازعة) [الفروع 4/ 402 (7/ 113)] (2). 755 - ليس لولي الأمر المنع بمقتضى مذهبه في شركة الأبدان والوجوه ونحوها مما يسوغ فيه الاجتهاد: - قال ابن مفلح: (وليس لولي الأمر المنع بمقتضى مذهبه في شركة _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (214 - 215)، وانظر: «الفتاوى» (30/ 76 - 78، 97 - 99) (2) «الاختيارات» للبعلي (215)، وانظر: «الفتاوى» (30/ 97 - 99).
(1/523)
الأبدان والوجوه والمساقاة والمزارعة ونحوها مما يسوغ فيه الاجتهاد، قاله شيخنا) [الفروع 4/ 402 (7/ 114)] (1). 756 - إذا فسد عقد الشركة: - قال ابن مفلح: (وإذا فسد فربح المضاربة للمالك، وللعامل أجرة مثله، ولو خسر، وربح شركة عنان، ووجوه بقدر ملكيهما، وأجرة ما تقبلاه في الأبدان بالسوية، ويرجع كل واحد على الآخر في الثلاثة بنصف أجرة عمله في الأصح. وعنه: إن فسد لا بجهالة الربح وجب المسمى، وذكره شيخنا ظاهر المذهب، وأطلق في «الترغيب» روايتين، وأوجب شيخنا في الفاسدة نصيب المثل، فيجب من الربح جزء جرت به العادة في مثله، وأنه قياس مذهب أحمد، لأنها عنده مشاركة لا من باب الإجارة) [الفروع 4/ 404 (7/ 115 - 116)] (2). 757 - إذا تعدى الشريك: - قال ابن مفلح: (وإن تعدى ضمن وربحه لربه (3)، نقله الجماعة، واحتج بخبر عروة ... وذكر شيخنا: ظاهر المذهب أنه بينهما، وفي بعض كلامه: إن أجازه بقدر المال والعمل (4)، وجعل مثله من اتجر بمال الغير، أو قام بعين فسخت، أو زرع أرضا فتبين هي أو بعضها لغيره، أو الفلاح الأول _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (215)، وانظر: «الفتاوى» (30/ 99). (2) «الفتاوى» (20/ 509؛ 28/ 84 - 85؛ 29/ 408 - 409؛ 30/ 85 - 86، 91). (3) أي رب المال. (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: يكون بينهما بقدر المال والعمل) ا. هـ.
(1/524)
حرثها. وقال: كذا جعله عمر لما أقرض أبو موسى لابنه (1) وأخذه من بيت المال) [الفروع 4/ 405 (7/ 117)] (2). _________ (1) كذا, وصوابه: (لابنيه) , والخبر في «الموطأ» للإمام مالك (2/ 221 ــ رقم: 2007). (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (215).
(1/525)
باب المساقاة والمزارعة
758 - موافقة المساقاة والمزارعة للقياس: - قال ابن القيم: ( ... فالذين قالوا: المضاربة والمساقاة والمزارعة على خلاف القياس= ظنوا أن هذه العقود من جنس الإجارة، لأنها عمل بعوض، والإجارة: يشترط فيها العلم بالعوض والمعوض، فلما رأوا العمل والربح في هذه العقود غير معلومين، قالوا: هي على خلاف القياس، وهذا من غلطهم، فإن هذه العقود من جنس المشاركات، لا من جنس المعاوضات المحضة (1)، التي يشترط فيها العلم بالعوض والمعوض؛ والمشاركات جنس غير جنس المعاوضات، وإن كان فيها شوب المعاوضة؛ وكذلك المقاسمة: جنس غير جنس المعاوضة المحضة، وإن كان فيها شوب المعاوضة، حتى ظن بعض الفقهاء: أنها بيع يشترط فيها شروط البيع الخاص. وإيضاح هذا: أن العمل الذي يقصد به المال ثلاثة أنواع: أحدها: أن يكون العمل مقصودا معلوما مقدورا على تسليمه، فهذه الإجارة اللازمة. الثاني: أن يكون العمل مقصودا، لكنه مجهول أو غرر، فهذه الجعالة، وهي عقد جائز، ليس بلازم، فإذا قال: من رد عبدي الآبق فله مائة، فقد يقدر على رده وقد لا يقدر، وقد يرده من مكان قريب أو بعيد، فلهذا لم تكن _________ (1) في «الفتاوى»: (الخاصة).
(1/526)
لازمة، لكن هي جائزة، فإن عمل العمل: استحق الجعل، وإلا فلا، ويجوز أن يكون الجعل فيها إذا حصل بالعمل جزءا شائعا ومجهولا جهالة لا تمنع التسليم، كقول أمير الغزو: من دل على حصن فله ثلث ما فيه، أو يقول للسرية التي يسير بها (1): لكم خمس ما تغنمون أو ربعه. وتنازعوا في السلب: هل هو مستحق بالشرع كقول الشافعي، أو بالشرط كقول أبي حنيفة ومالك، على قولين، وهما روايتان عن أحمد، فمن جعله مستحقا بالشرط جعله من هذا الباب. ومن ذلك: إذا جعل للطبيب جعلا على الشفاء جاز، كما أخذ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - القطيع من الشاء الذي جعله لهم سيد الحي، فرقاه أحدهم حتى برئ، والجعل كان على الشفاء، لا على القراءة، ولو استأجر طبيبا إجارة لازمة على الشفاء لم يصح (2)؛ لأن الشفاء غير مقدور له، فقد يشفيه الله، وقد لا يشفيه، فهذا ونحوه مما تجوز فيه الجعالة، دون الإجارة اللازمة. فصل وأما النوع الثالث: فهو مالا يقصد فيه العمل، بل المقصود فيه المال، وهو المضاربة، فإن رب المال: ليس له قصد في نفس عمل العامل كالمجاعل، والمستأجر له قصد في عمل العامل، ولهذا لو عمل ما عمل ولم يربح شيئا لم يكن له شيء، وإن سمى هذه جعالة بجزء مما يحصل من العمل= كان نزاعا لفظيا، بل هذه مشاركة، هذا بنفع ماله، وهذا بنفع بدنه، _________ (1) في «الفتاوى»: (يسريها). (2) في «الفتاوى»: (لم يجز).
(1/527)
وما قسم الله من ربح كان بينهما على الإشاعة. ولهذا لا يجوز أن يختص أحدهما بربح مقدر، لأن هذا يخرجهما عن العدل الواجب في الشركة، وهذا هو الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من المزارعة، فإنهم كانوا يشترطون لرب الأرض زرع بقعة بعينها، وهو ما ثبت (1) على الماذيانات، وأقبال الجداول ونحو ذلك، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، ولهذا قال الليث بن سعد وغيره: إن الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر لو نظر فيه ذو البصيرة بالحلال والحرام= علم أنه لا يجوز. فتبين (2) أن النهي عن ذلك موجب القياس، فإن هذا لو شرط في المضاربة لم يجز، فإن مبنى المشاركات على العدل بين الشريكين، فإذا خص أحدهما بربح دون الآخر لم يكن ذلك عدلا، بخلاف ما إذا كان لكل منهما جزء شائع، فإنهما يشتركان في المغنم والمغرم، فإن حصل ربح اشتركا فيه، وإن لم يحصل شيء اشتركا في المغرم، وذهب نفع بدن هذا، كما ذهب نفع مال هذا، ولهذا كانت الوضيعة على المال، لأن ذلك في مقابلة ذهاب نفع [العامل] (3). ولهذا كان الصواب: أنه يجب في المضاربة الفاسدة ربح المثل (4)، فيعطى العامل ما جرت العادة أن يعطاه مثله، إما نصفه أو ثلثه، فأما أن يعطى شيئا مقدرا مضمونا في ذمة المالك، كما يعطى في الإجارة والجعالة= فهذا _________ (1) كذا، وفي «الفتاوى»: (ما ينبت). (2) في «الفتاوى»: (فبين). (3) في الأصل: (المال)، والتصويب من «الفتاوى». (4) في «الفتاوى» زيادة: (لا أجرة المثل).
(1/528)
غلط ممن قاله، وسبب غلطه: ظنه أن هذه إجارة، فأعطاه في فاسدها عوض المثل، كما يعطيه في الصحيح المسمى، ومما يبين غلط هذا القول: أن العامل قد يعمل عشر سنين أو أكثر، فلو أعطي أجرة المثل= أعطي أضعاف رأس المال، وهو في الصحيحة: لا يستحق إلا جزءا من الربح إن كان هناك ربح، فكيف يستحق في الفاسدة أضعاف ما يستحقه في الصحيحة؟ وكذلك الذين أبطلوا المزارعة والمساقاة= ظنوا أنهما إجارة بعوض مجهول فأبطلوها، وبعضهم صحح منهما ما تدعو إليه الحاجة كالمساقاة على الشجر، لعدم إمكان إجارتها، بخلاف الأرض، فإنه يمكن إجارتها، وجوزوا من المزارعة ما يكون تبعا للمساقاة، إما مطلقا وإما إذا كان البياض الثلث. وهذا كله بناء على أن مقتضى الدليل بطلان المزارعة، وإنما جوزت للحاجة، ومن أعطى النظر حقه: علم أن المزارعة أبعد عن الظلم والغرر من الإجارة بأجرة مسماة مضمونة في الذمة، فإن المستأجر إنما يقصد الانتفاع بالزرع النابت في الأرض، فإذا لزمته الأجرة، ومقصوده من الزرع قد يحصل، وقد لا يحصل: كان في هذا حصول أحد المعاوضين (1) على مقصوده دون الآخر، فأحدهما غانم ولا بد، والآخر متردد بين المغنم والمغرم. وأما المزارعة: فإن حصل الزرع اشتركا فيه، وإن لم يحصل شيء اشتركا في الحرمان، فلا يختص أحدهما بحصول مقصوده دون الآخر، فهذا أقرب إلى العدل، وأبعد عن الظلم والغرر من الإجارة. _________ (1) في «الفتاوى»: (المتعاوضين).
(1/529)
والأصل في العقود كلها: إنما هو العدل، الذي بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25] والشارع نهى عن الربا لما فيه من الظلم، وعن الميسر لما فيه من الظلم، والقرآن جاء بتحريم هذا وهذا، وكلاهما أكل المال بالباطل، وما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من المعاملات ــ كبيع الغرر، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وبيع السنين، وبيع حبل الحبلة، وبيع المزابنة والمحاقلة، وبيع الحصاة، وبيع الملاقيح والمضامين، ونحو ذلك ــ هي داخلة: إما في الربا، وإما في الميسر. فالإجارة بالأجرة المجهولة ــ مثل أن يكريه الدار بما يكسبه المكتري في حانوته من المال ــ = هو من الميسر، وأما المضاربة والمساقاة والمزارعة فليس فيها شيء من الميسر، بل هي من أقوم العدل، وهو مما يبين لك أن المزارعة التي يكون فيها البذر من العامل أولى بالجواز من المزارعة التي يكون فيها البذر من رب الأرض، ولهذا كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يزارعون على هذا الوجه، وكذلك عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع، على أن يعملوها (1) من أموالهم. والذين اشترطوا أن يكون البذر من رب الأرض= قاسوا ذلك على المضاربة، فقالوا: المضاربة فيها المال من واحد، والعمل من آخر، فكذلك المزارعة ينبغي أن يكون البذر فيها من مالك الأرض، وهذا القياس، مع أنه مخالف للسنة الصحيحة، ولأقوال الصحابة، فهو من أفسد القياس، فإن _________ (1) في «الفتاوى»: (يعمروها).
(1/530)
المال في المضاربة يرجع إلى صاحبه، ويقتسمان الربح، فهذا نظير الأرض في المزارعة. وأما البذر، الذي لا يعود نظيره إلى صاحبه، بل يذهب كما يذهب نفع الأرض= فإلحاقه بالنفع الذاهب أولى من إلحاقه بالأصل الباقي، فالعامل إذا أخرج البذر ذهب عمله وبذره، ورب الأرض يذهب نفع أرضه، و] بذر] (1) هذا كأرض هذا، فمن جعل البذر كالمال في المضاربة كان ينبغي له أن يعيد مثل هذا البذر إلى صاحبه، كما قال مثل ذلك في المضاربة، فكيف ولو اشترط رب البذر عود نظيره لم يجوزوا ذلك؟!) [إعلام الموقعين 2/ 4 - 8] (2). 759 - المغارسة على جزء من الشجر: - قال ابن مفلح: (والمنصوص: وعلى شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من ثمره، وظاهر نصه: وبجزء منه (3) ومنهما (4) كالمزارعة وهي المغارسة والمناصبة، واختاره أبو حفص العكبري والقاضي في «تعليقه» وشيخنا، وذكره ظاهر المذهب، وقال: ولو كان مغروسا، ولو كان ناظر وقف، وأنه لا يجوز لناظر بعده بيع نصيب الوقف من الشجر بلا حاجة، وأن لحاكم الحكم بلزومها في محل النزاع فقط، والحكم به من جهة عوض _________ (1) في الأصل: (وبدن)، والتصويب من «الفتاوى». (2) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 57 - 58)، وهذا النص في «الفتاوى» (20/ 506 - 511) بحروفه عدا كليمات. (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: من الشجر). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: من الثمر والشجر).
(1/531)
المثل، ولو لم يقم [به] (1) بينة، لأنه الأصل في العقود، ويتوجه اعتبار بينة. وقد قال شيخنا في «الفتاوى المصرية»: يجوز تصرفه فيما بيده بالوقف وغيره، حتى تقوم حجة شرعية بأنه ليس ملكًا له، لكن لا يحكم بالوقف حتى يثبت الملك) [الفروع 4/ 406 (7/ 118 - 119)] (2). 760 - حكم المغارسة والمزارعة: 761 - عدم اشتراط كون البذر من رب الأرض: - قال ابن القيم: (تجوز المغارسة عندنا على شجر الجوز وغيره بأن يدفع إليه أرضه ويقول: اغرسها من الأشجار كذا وكذا والغرس بيننا نصفان، وهذا كما يجوز أن يدفع إليه ماله يتجر فيه والربح بينهما نصفان، وكما يدفع إليه أرضه يزرعها والزرع بينهما، وكما يدفع إليه شجره يقوم عليه والثمر بينهما، وكما يدفع إليه بقره أو غنمه أو إبله يقوم عليها والدر والنسل بينهما، وكما يدفع إليه زيتونه يعصره والزيت بينهما، وكما يدفع إليه دابته يعمل عليها والأجرة بينهما، وكما يدفع إليه فرسه يغزو عليها وسهمها بينهما، وكما يدفع إليه قناة يستنبط ماءها والماء بينهما، ونظائر ذلك، فكل ذلك شركة صحيحة قد دل على جوازها النص والقياس واتفاق الصحابة ومصالح الناس ... والصواب جواز ذلك كله، وهو مقتضى أصول الشريعة وقواعدها فإنه من باب المشاركة التي يكون العامل فيها شريك المالك، هذا بماله وهذا بعمله، وما رزق الله فهو بينهما. _________ (1) ليست في ط 1، وأثبتت من ط 2. (2) «الاختيارات» للبعلي (216 - 217)، وانظر: «الفتاوى» (31/ 262).
(1/532)
هذا عند طائفة من أصحابنا أولى بالجواز من الإجارة حتى قال شيخ الإسلام: هذه المشاركات أحل من الإجارة. قال: لأن المستأجر يدفع ماله وقد يحصل له مقصوده وقد لا يحصل، فيفوز المؤجر بالمال والمستأجر على الخطر، إذ قد يكمل الزرع وقد لا يكمل، بخلاف المشاركة فإن الشريكين في الفوز وعدمه على السواء، إن رزق الله الفائدة كانت بينهما، وإن منعها استويا في الحرمان، وهذا غاية العدل، فلا تأتي الشريعة بحل الإجارة وتحريم هذه المشاركة) [إعلام الموقعين 4/ 19 - 20]. - وقال أيضا: (قال شيخ الإسلام وغيره من الفقهاء: والمزارعة أحل من المؤاجرة، وأقرب إلى العدل، فإنهما يشتركان في المغرم والمغنم، بخلاف المؤاجرة فإن صاحب الأرض تسلم له الأجرة، والمستأجر قد يحصل له زرع وقد لا يحصل. والعلماء مختلفون في جواز هذا وهذا، والصحيح جوازهما، سواء كانت الأرض إقطاعا أم غيره (1)) [الطرق الحكمية 195]. - وقال ابن مفلح: (وتصح المزارعة بجزء معلوم من الزرع إذا كان البذر من رب الأرض، ولو أنه العامل، ويقر العمل من الآخر، وفي منع المزارعة رواية حكاها أبو الخطاب في مسألة المساقاة. وقال شيخنا: هي أحل من الإجارة، لاشتراكهما في المغرم والمغنم. ولا تصح إن كان البذر من العامل أو من غيره، والأرض لهما (2) أو _________ (1) ذكر ابن القيم هنا كلاما لشيخ الإسلام في إجارة الإقطاع، وسيأتي برقم (793). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: للعامل وللغير الذي منه البذر، والمسألة في «المحرر»، والمراد: إذا كانت الأرض شركة بينهما، فوضع أحدهما البذر والآخر منه العمل).
(1/533)
منهما (1)، وعنه: تصح، اختاره الشيخ وأبو محمد الجوزي وشيخنا وغيرهم، فإن رد على عامل كبذره فروايتان في «الواضح»، وإن كان من ثالث أو من أحدهما والأرض والعمل من الآخر أو البقر من رابع ففي الصحة تخريج، وذكره شيخنا رواية واختاره) [الفروع 4/ 411 (7/ 124 - 125)] (2). 762 - إذا شرط أخذ مثل بذره واقتسام الباقي: - قال ابن مفلح: (وشرطُ أخذ مثل بذره واقتسام الباقي فاسدٌ. نص عليه «و» ويتوجه تخريج من المضاربة، وجَوَّز شيخنا أخذه أو بعضه بطريق القرض، قال: يلزم من اعتبر البذر من رب الأرض، وإلا فقوله فاسد، وقال أيضا: يجوز، كالمضاربة، وكاقتسامهما ما يبقى بعد الكلف) [الفروع 4/ 415 (7/ 129)] (3). 763 - إذا آجره الأرض وساقاه على الشجر: - قال ابن مفلح: (وإن آجره الأرض وساقاه على الشجر، فكجمع بيع وإجارة، وإن كان حيلة فذكر القاضي في «إبطال الحيل» جوازه، والمذهب: لا، ثم إن كانت المساقاة في عقد ثان، فهل تفسد أو هما؟ فيه وجهان، وإن _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: من العامل ومن الغير، وظاهره: سواء كانت الأرض لهما أو للغير فقط). (2) «الفتاوى» (25/ 60 - 62؛ 29/ 117 - 120؛ 30/ 114 - 115)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (97، 98)، «الاختيارات» للبعلي (219). (3) «الاختيارات» للبعلي (219).
(1/534)
جمعهما في عقد فكتفريق الصفقة، وللمستأجر فسخ الإجارة، وقال شيخنا: سواء صحت أو لا، فما ذهب من الشجر ذهب ما يقابله من العوض) [الفروع 4/ 416 (7/ 130)] (1). 764 - إجارة الشجر: - قال ابن القيم: ( ... عن الشيباني قال: سألت سعيد بن جبير عن الرجل يأتي القرية فيتقبلها وفيها النخل والشجر والزرع والعلوج، فقال: لا يتقبلها فإنه لا خير فيها. قال أبو عبيد: وإنما أصل كراهة هذا أنه بيع ثمر لم يبد صلاحه ولم يخلق بشيء معلوم، فأما المعاملة على الثلث والربع وكراء الأرض البيضاء فليسا من القبالات، ولا يدخلان فيها، وقد رخص في هذين ولا نعلم المسلمين اختلفوا في كراهة القبالات. انتهى. وهذا الذي ذهب إليه أبو عبيد هو المعروف عند الأئمة الأربعة، وجعلوا كراء الشجر بمنزلة بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه، ونازعهم في ذلك آخرون، وقالوا: ليست إجارة الشجر من بيع الثمر في شيء، وإنما هي بمنزلة إجارة الأرض لمن يقوم عليها ويزرعها ليستغلها، وهذا مذهب الليث بن سعد وأحد الوجهين في مذهب أحمد، اختاره شيخنا) [أحكام أهل الذمة 1/ 109 - 110]. - وقال أيضا: (المثال الثاني عشر (2): لا تجوز إجارة الأشجار، لأن المقصود منها الفواكه، وذلك بمنزلة بيعها قبل بدوها، قالوا: والحيلة في جوازه: أن يؤجره الأرض ويساقيه على الشجر بجزء معلوم. _________ (1) «الفتاوى» (30/ 153 - 154، 220 - 221، 309). (2) أي: من الحيل الشرعية.
(1/535)
قال شيخ الإسلام: وهذا لا يحتاج إليه، بل الصواب: جواز إجارة الشجر، كما فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بحديقة أسيد بن حضير، فإنه آجرها سنين، وقضى بها دينه. قال: وإجارة الأرض لأجل ثمرها بمنزلة إجارة الأرض لمغلها، فإن المستأجر يقوم على الشجر بالسقي والإصلاح والذيار في الكرم حتى تحصل الثمرة، كما يقوم على الأرض بالحرث والسقي والبذر حتى يحصل المغل، فثمرة الشجر تجري مجرى مغل الأرض بالحرث والسقي) [إغاثة اللهفان 2/ 8 ــ 9]. - وقال أيضا: ( ... صح عن عمر - رضي الله عنه -: أنه قبل حديقة أسيد بن حضير ثلاث سنين، وأخذ الأجرة، فقضى بها دينه، والحديقة: هي النخل. فهذه إجارة الشجر لأخذ ثمرها، وهو مذهب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ولا يعلم له في الصحابة مخالف، واختاره أبو الوفاء بن عقيل من أصحاب أحمد، واختيار شيخنا) [زاد المعاد 5/ 825]. - وقال ابن مفلح: (وجَوَّز شيخنا إجارة الشجر مفردًا، ويقوم عليها المستأجر كأرض لزرع، وأن ما استوفاه الموقوف عليه، والمستعير بلا عوض يستوفيه المستأجر بالعوض، بخلاف بيع السنين، فإن تلفت الثمرة فلا أجرة، وإن نقصت عن العادة فالفسخ أو الأرش، لعدم المنفعة المقصودة بالعقد، وهو كجائحة، واشتراط عمل الآخر حتى يثمر ببعضه) [الفروع 4/ 417 (7/ 130 - 131)] (1). وانظر: ما يأتي في المسألة رقم (778). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (20/ 547 - 549؛ 30/ 220 - 243)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (37)، «الاختيارات» للبعلي (221).
(1/536)
765 - إلتزامات المتعاقدين في المزارعة والمساقاة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: والسياج (1) على المالك، ويتبع في الكلف السلطانية العرف ما لم يكن شرط. قال: وما طلب من قرية من وظائف سلطانية ونحوها، فعلى قدر الأموال، وإن وضعت على الزرع فعلى ربه، وعلى العقار على ربه ما لم يشرطه على مستأجر، وإن وضع مطلقًا فالعادة. ومتى فسد العقد فالثمرة والبذر لربه وعليه الأجرة، وكذا العشر، وإن صحت= لزم المقطع عشر نصيبه، ومن قال: العشر كله على الفلاح= فخلاف الإجماع، قاله شيخنا، وإن ألزموا الفلاح به فمسألة الظفر، وقال شيخنا: الحق ظاهر، فيأخذه) [الفروع 4/ 417 (7/ 130 - 131)] (2). 766 - إذا فسدت المساقاة: - قال ابن مفلح: (وإن فسدت وسميت إجارة، فأجر المثل، وقيل: قسط المثل، واختاره شيخنا) [الفروع 4/ 418 (7/ 132)] (3). 767 - اشتراط صاحب الأرض على الفلاح: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: لا يجوز أن يشرط عليه شيئا مأكولًا ولا غيره (4). _________ (1) في «الإنصاف» للمرداوي (14/ 217): (السباخ)، وفي «الاختيارات» للبعلي كما هنا. (2) «الاختيارات» للبعلي (219 - 220)، وانظر: «الفتاوى» (30/ 149 - 150). (3) «الفتاوى» (30/ 122 - 123)، «الاختيارات» للبعلي (220). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (فعلى هذا: الدجاج ونحوها التي يشترطها نظار الأوقاف على الفلاحين، على كل فدان كذا وكذا طير= غير جائز).
(1/537)
وقال ـ فيما يؤخذ من نصيب الفلاح للمقطع والعشر والدياسة (1) ونحو ذلك ـ: إن كانت لو دفعت مقاسمة قسمت أو جرت بمقدار فأخذ قدره فلا بأس. قال: وهديته له إنما هي بسبب الإقطاع، فينبغي أن يحسبها مما له عنده أو لا يأخذها) [الفروع 4/ 418 ــ 419 (7/ 132 - 133)] (2). 768 - ضمان البساتين والحدائق: - قال ابن القيم: (وضمان البساتين كما هو إجماع الصحابة فهو مقتضى القياس الصحيح، كما تضمن الأرض لمغلِّ الزرع فكذلك تضمن الشجر لمغل الثمر، ولا فرق بينهما ألبته، إذ الأصل هنا كالأرض هناك، والمغل يحصل بخدمة المستأجر والقيام على الشجر كما يحصل بخدمته والقيام على الأرض، ولو استأجر أرضا ليحرثها ويسقيها ويستغل ما ينبته الله تعالى فيها من غير بذر منه كان بمنزلة استئجار الشجر من كل وجه، لا فرق بينهما ألبته، فهذا أفقه من هذه الحيلة (3)، وأبعد من الفساد، وأصلح للناس، وأوفق للقياس، وهو اختيار أبي الوفاء بن عقيل وشيخ الإسلام ابن تيمية - رضي الله عنه - , وهو الصواب) [إعلام الموقعين 3/ 251] (4). _________ (1) في «الاختيارات» للبعلي: (الرئاسة). (2) «الاختيارات» للبعلي (220)، وانظر: «الفتاوى» (30/ 141). (3) يشير إلى ما سبق في كلامه عن الحيل، قال: (وكذلك قالوا: لا يجوز ضمان البساتين، والحيلة على ذلك أن يؤجره الأرض ويساقيه على الثمر من كل ألف جزء على جزء ... الخ) ا. هـ (4) «الفتاوى» (30/ 283).
(1/538)
باب الإجارة
769 - موافقة الإجارة للقياس: 770 - وإجارة الظئر: 771 - وإجارة الحيوان لأخذ لبنه: - قال ابن القيم: (وأما الإجارة: فالذين قالوا هي على خلاف القياس= قالوا: هي بيع معدوم، لأن المنافع معدومة حين العقد، ثم لما رأوا الكتاب قد دل على جواز إجارة الظئر للرضاع، بقوله: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] قالوا: إنها على خلاف القياس من وجهين: أحدهما: كونها إجارة. والثاني: أن الإجارة عقد على المنافع، وهذه عقد على الأعيان. ومن العجب: أنه ليس في القرآن ذكر إجارة جائزة إلا هذه، وقالوا: هي على خلاف القياس، والحكم إنما يكون على خلاف القياس إذا كان النص قد جاء في موضع يشابهه بنقيض ذلك الحكم، فيقال: هذا خلاف قياس ذلك النص، وليس في القرآن ولا في السنة ذكر فساد إجارة شبه هذه الإجارة، ومنشأ وهمهم ظنهم أن مورد عقد الإجارة لا يكون إلا منافع هي أعراض قائمة بغيرها، لا أعيان قائمة بنفسها. ثم افترق هؤلاء فرقتين: فقالت فرقة: إنما احتملناها على خلاف القياس، لورود النص، فلا نتعدى محله.
(1/539)
وقالت فرقة: بل نخرجها على ما يوافق القياس، وهو كون المعقود عليه أمرا غير اللبن، بل هو إلقام الصبي الثدي، ووضعه في حجر المرضعة، ونحو ذلك من المنافع التي هي مقدمات الرضاع، واللبن يدخل تبعا، غير مقصود بالعقد. ثم طردوا ذلك: في مثل ماء البئر والعيون، التي في الأرض المستأجرة، وقالوا: يدخل ضمنا وتبعا، فإذا وقعت الإجارة على نفس العين والبئر، لسقي الزرع والبستان، قالوا: إنما وردت الإجارة على مجرد إدلاء الدلو في البئر وإخراجه، وعلى مجرد إجراء العين في أرضه، مما هو قلب الحقائق، وجعل المقصود وسيلة، والوسيلة مقصودة، إذ من المعلوم أن هذه الأعمال إنما هي وسيلة إلى المقصود بعقد الإجارة، وإلا فهي بمجردها ليست مقصودة، ولا معقودا عليها، ولا قيمة لها أصلًا، وإنما هي كفتح الباب، وكقود الدابة لمن اكترى دارا أو دابة. ونحن نتكلم على هذين الأصلين الباطلين: على أصل من جعل الإجارة على خلاف القياس، وعلى أصل من جعل إجارة الظئر ونحوها على خلاف القياس، فنقول وبالله التوفيق: أما الأصل الأول، فقولهم: إن الإجارة بيع معدوم، وبيع المعدوم باطل، دليل مبني على مقدمتين مجملتين غير مفصلتين، قد اختلط في كل منهما الخطأ بالصواب: فأما المقدمة الأولى، وهي كون الإجارة بيعا: إن أردتم به البيع الخاص، الذي يكون العقد فيه على الأعيان لا على المنافع= فهو باطل، وإن أردتم به: البيع العام، الذي هو معاوضة ــ إما على عين، وإما على منفعة ــ
(1/540)
فالمقدمة الثانية باطلة، فإن بيع المعدوم ينقسم إلى: بيع الأعيان، وبيع المنافع، ومن سلم بطلان بيع المعدوم فإنما يسلمه في الأعيان. ولما كان لفظ البيع يحتمل هذا وهذا تنازع الفقهاء في الإجارة: هل تنعقد بلفظ البيع؟ على وجهين. والتحقيق: أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت بأي لفظ من الألفاظ عرف به المتعاقدان مقصودهما، وهذا حكم شامل لجميع العقود، فإن الشارع لم يحد لألفاظ العقود حدا، بل ذكرها مطلقة، فكما تنعقد العقود بما يدل عليها من الألفاظ الفارسية والرومية والتركية، فانعقادها بما يدل عليها من الألفاظ العربية أولى وأحرى، ولا فرق بين النكاح وغيره، وهذا قول جمهور العلماء، كمالك وأبي حنيفة وهو أحد القولين في مذهب أحمد. قال شيخنا: بل نصوص أحمد لا تدل إلا على هذا القول، وأما كونه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج فإنما هو قول ابن حامد والقاضي وأتباعه، وأما قدماء أصحاب أحمد: فلم يشترط أحد منهم ذلك، وقد نص أحمد على أنه إذا قال: أعتقت أمتي، وجعلت عتقها صداقها= أنه ينعقد النكاح. قال ابن عقيل: وهذا يدل، على أنه لا يختص النكاح بلفظ. وأما ابن حامد: فطرد أصله، وقال: لا ينعقد، حتى يقول مع ذلك: تزوجتها. وأما القاضي: فجعل هذا موضع استحسان خارجا عن القياس، فجوز النكاح في هذه الصورة خاصة، بدون لفظ الإنكاح والتزويج.
(1/541)
وأصول الإمام أحمد ونصوصه تخالف هذا، فإن من أصوله: أن العقود تنعقد بما يدل على مقصودها، من قول أو فعل، ولا يرى اختصاصها بالصيغ. ومن أصوله: أن الكناية مع دلالة الحال كالصريح، كما قاله في الطلاق والقذف وغيرهما. والذين اشترطوا لفظ الإنكاح والتزويج، قالوا: ما عداهما كناية، فلا يثبت حكمها إلا بالنية، وهي أمر باطن، لا اطلاع للشاهد عليه، إذ الشهادة إنما تقع على المسموع، لا على المقاصد والنيات، وهذا إنما يستقيم إذا كانت ألفاظ الصريح والكناية ثابتة بعرف الشرع، وفي عرف المتعاقدين، والمقدمتان غير معلومتين. أما الأولى: فإن الشارع استعمل لفظ التمليك في النكاح، فقال: «ملكتكها بما معك من القرآن» وأعتق صفية، وجعل عتقها صداقها، ولم يأت معه بلفظ إنكاح ولا تزويج، وأباح الله ورسوله النكاح، ورد فيه الأمة إلى ما تتعارفه نكاحا، بأي لفظ كان، ومعلوم: أن تقسيم الألفاظ إلى صريح وكناية تقسيم شرعي، فإن لم يقم عليه دليل شرعي كان باطلًا، فما هو الضابط لذلك؟ وأما المقدمة الثانية: فكون اللفظ صريحًا أو كناية أمر يختلف باختلاف عرف المتكلم والمخاطب، والزمان والمكان، فكم من لفظ صريح عند قوم، وليس بصريح عند آخرين، وفي مكان دون مكان، وزمان دون زمان، فلا يلزم من كونه صريحا في خطاب الشارع أن يكون صريحا عند كل متكلم، وهذا ظاهر.
(1/542)
والمقصود أن قوله: إن الإجارة نوع من البيع= إن أراد به البيع الخاص فباطل، وإن أراد به البيع العام فصحيح، ولكن قوله: إن هذا البيع لا يرد على معدوم= دعوى باطلة، فإن الشارع جوز المعاوضة العامة على المعدوم، فإن قستم بيع المنافع على بيع الأعيان= فهذا قياس في غاية الفساد، فإن المنافع لا يمكن أن يعقد عليها في حال وجودها البتة، بخلاف الأعيان، وقد فرق بينهما الحس والشرع، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر: أن يؤخر العقد على الأعيان التي لم تخلق إلى أن تخلق، كما نهى عن بيع السنين، وحبل الحبلة، والثمر قبل أن يبدو صلاحه، والحب حتى يشتد، ونهى عن الملاقيح والمضامين ونحو ذلك، وهذا يمتنع مثله في المنافع، فإنه لا يمكن أن تباع، إلا في حال عدمها، فههنا أمران: أحدهما: يمكن إيراد العقد عليه في حال وجوده، وحال عدمه، فنهى الشارع عن بيعه حتى يوجد، وجوز منه بيع ما لم يوجد تبعا لما وجد إذا دعت الحاجة إليه، وبدون الحاجة لم يجوزه. والثاني: ما لا يمكن إيراد العقد عليه، إلا في حال عدمه كالمنافع، فهذا جوز العقد عليه، ولم يمنع منه. فإن قلت: أنا أقيس أحد النوعين على الآخر، وأجعل العلة مجرد كونه معدومًا. قيل: هذا قياس فاسد، لأنه يتضمن التسوية بين المختلفين، وقولك: إن العلة مجرد كونه معدوما= دعوى بغير دليل، بل دعوى باطلة، فلم لا يجوز أن تكون العلة في الأصل كونه معدوما، يمكن تأخير بيعه إلى زمن
(1/543)
وجوده؟ وعلى هذا التقدير: فالعلة مقيدة بعدم خاص، وأنت لم تبين أن العلة في الأصل مجرد كونه معدوما، فقياسك فاسد، وهذا كاف في بيان فساده بالمطالبة، ونحن نبين بطلانه في نفسه، فنقول: ما ذكرناه علة مطردة، وما ذكرته علة منتقضة، فإنك إذا عللت بمجرد العدم، ورد عليك النقض بالمنافع كلها، وبكثير من الأعيان، وما عللنا به لا ينتقض، وأيضا فالقياس المحض وقواعد الشريعة وأصولها ومناسباتها= تشهد لهذه العلة، فإنه إذا كان له حال وجود وعدم كان في بيعه حال العدم مخاطرة وقمار، وبذلك علل النبي - صلى الله عليه وسلم - المنع، حيث قال: «أرأيت إن منع الله الثمرة، فبم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق؟ ! ». وأما ما ليس له إلا حال واحد، والغالب فيه السلامة= فليس العقد عليه مخاطرة ولا قمارا، وإن كان فيه مخاطرة يسيرة فالحاجة داعية إليه، ومن أصول الشريعة: أنه إذا تعارضت المصلحة والمفسدة قدم أرجحهما، والغرر إنما نهي عنه لما فيه من الضرر بهما أو بأحدهما، وفي المنع مما يحتاجون إليه من البيع ضرر أعظم من ضرر المخاطرة، فلا يزيل أدنى الضررين بأعلاهما، بل قاعدة الشريعة ضد ذلك، وهو دفع أعلى الضررين باحتمال أدناهما، ولهذا لما نهاهم عن المزابنة لما فيها من ربا أو مخاطرة= أباحها لهم في العرايا للحاجة، لأن ضرر المنع من ذلك أشد من ضرر المزابنة، ولما حرم عليهم الميتة لما فيها من خبث التغذية أباحها لهم للضرورة، ولما حرم عليهم النظر إلى الأجنبية أباح منه ما تدعو إليه الحاجة للخاطب والمعامل والشاهد والطبيب. فإن قلت: فهذا كله على خلاف القياس.
(1/544)
قيل: إن أردت أن الفرع اختص بوصف يوجب الفرق بينه وبين الأصل فكل حكم استند إلى هذا الفرق الصحيح فهو على خلاف القياس الفاسد، وإن أردت أن الأصل والفرع استويا في المقتضى والمانع واختلف حكمهما= فهذا باطل قطعا، ليس في الشريعة منه مسألة واحدة، والشيء إذا شابه غيره في وصف وفارقه في وصف= كان اختلافهما في الحكم باعتبار الفارق مخالفا لاستوائهما باعتبار الجامع، وهذا هو القياس الصحيح، طردا وعكسا، وهو التسوية بين المتماثلين، والفرق بين المختلفين، وأما التسوية بينهما في الحكم، مع افتراقهما فيما يقتضي الحكم، أو يمنعه فهذا هو القياس الفاسد، الذي جاء الشرع دائما بإبطاله، كما أبطل قياس الربا على البيع، وقياس الميتة على المذكى، وقياس المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام على الأصنام، وبين الفارق بأنه عبد أنعم عليه بعبوديته ورسالته، فكيف يعذبه بعبادة غيره له، مع نهيه عن ذلك، وعدم رضاه به؟ بخلاف الأصنام. فمن قال: إن الشريعة تأتي بخلاف القياس الذي هو من هذا الجنس= فقد أصاب، وهو من كمالها واشتمالها على العدل والمصلحة والحكمة، ومن سوى بين الشيئين لاشتراكهما في أمر من الأمور يلزمه أن يسوي بين كل موجودين لاشتراكهما في مسمى الوجود! وهذا من أعظم الغلط والقياس الفاسد، الذي ذمه السلف، وقالوا: أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس، وهو القياس الذي اعترف أهل النار في النار ببطلانه، حيث قالوا: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97 ــ 98]، وذم الله أهله بقوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] أي يقيسونه على غيره، ويسوون بينه وبين غيره في
(1/545)
الإلهية والعبودية، وكل بدعة ومقالة فاسدة في أديان الرسل: فأصلها من القياس الفاسد، فما أنكرت الجهمية صفات الرب وأفعاله، وعلوه على خلقه، واستواءه على عرشه، وكلامه وتكليمه لعباده، ورؤيته في الدار الآخرة إلا من القياس الفاسد، وما أنكرت القدرية عموم قدرته ومشيئته، وجعلت في ملكه ما لا يشاء، وأنه يشاء ما لا يكون إلا بالقياس الفاسد، وما ضلت الرافضة، وعادوا خيار الخلق، وكفروا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وسبوهم إلا بالقياس الفاسد، وما أنكرت الزنادقة والدهرية معاد الأجسام، وانشقاق السموات، وطي الدنيا، وقالت بقدم العالم إلا بالقياس الفاسد، وما فسد ما فسد من أمر العالم، وخرب ما خرب منه إلا بالقياس الفاسد، وأول ذنب عصي الله به القياس الفاسد، وهو الذي جر على آدم وذريته من صاحب هذا القياس ما جر، فأصل شر الدنيا والآخرة جميعه من هذا القياس الفاسد، وهذه حكمة، لا يدريها إلا من له اطلاع على الواجب والواقع، وله فقه في الشرع والقدر. فصل وأما المقدمة الثانية، وهي: أن بيع المعدوم لا يجوز، فالكلام عليها من وجهين: أحدهما: منع صحة هذه المقدمة، إذ ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا في كلام أحد من الصحابة: أن بيع المعدوم لا يجوز، لا بلفظ عام، ولا بمعنى عام، وإنما في السنة: النهي عن بيع بعض الأشياء التي هي معدومة، كما فيها النهي عن بيع بعض الأشياء الموجودة، فليست العلة في المنع: لا العدم ولا الوجود، بل الذي وردت به السنة: النهي عن بيع
(1/546)
الغرر، وهو ما لا يقدر على تسليمه، سواء كان موجودًا، أو معدومًا كبيع العبد الآبق، والبعير الشارد، وإن كان موجودا، إذ موجب البيع تسليم المبيع، فإذا كان البائع عاجزا عن تسليمه فهو غرر ومخاطرة وقمار، فإنه لا يباع إلا بوكس، فإن أمكن المشتري تسلمه كان قد قمر البائع، وإن لم يمكنه ذلك قمره البائع، وهكذا المعدوم الذي هو غرر نهي عنه للغرر لا للعدم، كما إذا باعه ما تحمل هذه الأمة أو هذه الشجرة= فالمبيع لا يعرف وجوده ولا قدره ولا صفته، وهذا من الميسر الذي حرمه الله ورسوله. ونظير هذا في الإجارة أن يكريه دابة لا يقدر على تسليمها، سواء كانت موجودة أو معدومة، وكذلك في النكاح إذا زوجه أمة لا يملكها، أو ابنة لم تولد له، وكذلك سائر عقود المعاوضات، بخلاف الوصية فإنها تبرع محض، فلا غرر في تعلقها بالموجود والمعدوم، وما يقدر على تسليمه إليه، وما لا يقدر، وطرده الهبة، إذ لا محذور في ذلك فيها، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هبة المشاع المجهول، في قوله لصاحب كبة الشعر حين أخذها من المغنم، وسأله أن يهبها له، فقال: «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك». الوجه الثاني: أن نقول: بل الشرع صحَّح بيع المعدوم في بعض المواضع، فإنه أجاز بيع الثمر بعد بدو صلاحه، والحب بعد اشتداده، ومعلوم أن العقد إنما ورد على الموجود والمعدوم الذي لم يخلق بعد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعه قبل بدو صلاحه، وأباحه بعد بدو الصلاح، ومعلوم أنه إذا اشتراه قبل الصلاح بشرط القطع كالحصرم: جاز، فإنما نهى عن بيعه إذا كان قصده التبقية إلى الصلاح، ومن جوَّز بيعه قبل الصلاح وبعده بشرط
(1/547)
القطع أو مطلقا، وجعل موجب العقد القطع، وحرم بيعه بشرط التبقية أو مطلقًا= لم يكن عنده لظهور الصلاح فائدة، ولم يكن فرق بين ما نهي عنه من ذلك وما أذن فيه، فإنه يقول: موجب العقد التسليم في الحال، فلا يجوز شرط تأخيره، سواء بدا صلاحه أو لم يبد. والصواب: قول الجمهور، الذي دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والقياس الصحيح. وقوله: إن موجب العقد التسليم في الحال= جوابه: أن موجب العقد: إما أن يكون ما أوجبه الشارع بالعقد، أو ما أوجبه المتعاقدان، مما يسوغ لهما أن يوجباه، وكلاهما منتف في هذه الدعوى، فلا الشارع أوجب أن يكون كل مبيع مستحق التسليم عقيب العقد، ولا العاقدان التزاما ذلك. بل تارة يعقدان العقد على هذا الوجه، وتارة يشترطان التأخير: إما في الثمن، وإما في المثمن، وقد يكون للبائع غرض صحيح ومصلحة في تأخير التسليم للمبيع، كما كان لجابر - رضي الله عنه - غرض صحيح، في تأخير تسليم بعيره إلى المدينة، فكيف يمنعه الشارع ما فيه مصلحة له، ولا ضرر على الآخر فيها؟ إذ قد رضي بها كما رضي - صلى الله عليه وسلم - على جابر بتأخير تسليم البعير، ولو لم ترد السنة بهذا لكان محض القياس يقتضي جوازه. ويجوز لكل بائع أن يستثني من منفعة المبيع ما له فيه غرض صحيح، كما إذا باع عقارا واستثنى سكناه مدة، أو دابة واستثنى ظهرها، ولا يختص ذلك بالبيع، بل لو وهبه واستثنى نفعه مدة، أو أعتق عبده واستثنى خدمته مدة، أو وقف عينا واستثنى غلتها لنفسه مدة حياته، أو كاتب أمة واستثنى وطأها مدة الكتابة، ونحوه.
(1/548)
وهذا كله منصوص أحمد، وبعض أصحابه يقول: إذا استثنى منفعة المبيع فلا بد أن يسلم العين إلى المشتري، ثم يأخذها ليستوفي المنفعة، بناء على هذا الأصل الذي قد تبين فساده، وهو أنه لا بد من استحقاق القبض عقيب العقد. وعن هذا الأصل قالوا: لا تصح الإجارة إلا على مدة تلي العقد، وعلى هذا بنوا ما إذا باع العين المؤجرة: فمنهم من أبطل البيع، لكون المنفعة لا تدخل في البيع، فلا يحصل التسليم، ومنهم من قال: هذا مستثنى بالشرع، بخلاف المستثنى بالشرط، وقد اتفق الأئمة على صحة بيع الأمة المزوجة، وإن كانت منفعة البضع للزوج، ولم تدخل في البيع، واتفقوا على جواز تأخير التسليم إذا كان العرف يقتضيه، كما إذا باع مخزنا له فيه متاع كثير، لا ينقل في يوم ولا أيام فلا يجب عليه جمع دواب البلد، ونقله في ساعة واحدة، بل قالوا: هذا مستثنى بالعرف، فيقال: وهذا من أقوى الحجج عليكم، فإن المستثنى بالشرط أقوى من المستثنى بالعرف، كما أنه أوسع من المستثنى بالشرع، فإنه يثبت بالشرط مالا يثبت بالشرع، كما أن الواجب بالنذر أوسع من الواجب بالشرع. وأيضًا، فقولكم: إن موجب العقد استحقاق التسليم عقيبه= أتعنون أن هذا موجب العقد المطلق، أو مطلق العقد؟ فإن أردتم الأول: فصحيح، وإن أردتم الثاني: فممنوع، فإن مطلق العقد ينقسم إلى المطلق والمقيد، وموجب العقد المقيد ما قيد به، كما أن موجب العقد المقيد بتأجيل الثمن وثبوت خيار الشرط والرهن والضمين= هو ما قيد به، وإن كان موجبه عند إطلاقه خلاف ذلك، فموجب العقد المطلق شيء، وموجب العقد المقيد شيء.
(1/549)
والقبض في الأعيان والمنافع كالقبض في الدين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - جوز بيع الثمرة بعد بدو الصلاح مستحقة الإبقاء إلى كمال الصلاح، ولم يجعل موجب العقد القبض في الحال، بل القبض المعتاد عند انتهاء صلاحها، ودخل فيما أذن فيه: بيع ما هو معدوم لم يخلق بعد، وقبض ذلك بمنزلة قبض العين المؤجرة، وهو قبض يبيح التصرف في أصح القولين، وإن كان قبضًا لا يوجب انتقال الضمان، بل إذا تلف المبيع قبل قبضه المعتاد كان من ضمان البائع، كما هو مذهب أهل المدينة وأهل الحديث ــ أهل بلدته وأهل سنتَه. وهو مذهب الشافعي قطعا، فإنه علق القول به على صحة الحديث، وقد صح صحة لا ريب فيها، من غير الطريق التي توقف الشافعي فيها، فلا يسوغ أن يقال: مذهبه عدم وضع الجوائح، وقد قال: إن صح الحديث قلت به، ورواه من طريق توقف في صحتها، ولم تبلغه الطريق الأخرى التي لا علة لها، ولا مطعن فيها. وليس مع المنازع دليل شرعي يدل على أن كل قبض جوز التصرف ينقل الضمان، وما لم يجوز التصرف لا ينقل الضمان، فقبض العين المؤجرة يجوز التصرف، ولا ينقل الضمان، وقبض العين المستامة والمستعارة والمغصوبة يوجب الضمان، ولا يجوز التصرف. فصل ومن هذا الباب: بيع المقاثي والمباطخ والباذنجان، فمن منع بيعه إلا لقطة لقطة، قال: لأنه معدوم، فهو كبيع الثمرة قبل ظهورها، ومن جوّزه كأهل المدينة وبعض أصحاب أحمد، فقولهم أصح، فإنه لا يمكن بيعها إلا
(1/550)
على هذا الوجه، ولا تتميز اللقطة المبيعة عن غيرها، ولا تقوم المصلحة ببيعها كذلك، ولو كلف الناس به لكان أشق شيء عليهم، وأعظمه ضررا، والشريعة لا تأتي به، وقد تقدم أن ما لا يباع إلا على وجه واحد لا ينهى الشارع عن بيعه، وإنما نهى الشارع عن بيع الثمار قبل بدو الصلاح لإمكان تأخير بيعها إلى وقت بدو الصلاح. ونظير ما نهى عنه وأذن فيه، سوى بيع المقاثي إذا بدا الصلاح فيها، ودخول الأجزاء والأعيان التي لم تخلق بعد كدخول أجزاء الثمار، وما يتلاحق في الشجر منها، ولا فرق بينهما البتة. فصل وبنوا على هذا الأصل الذي لم يدل عليه دليل شرعي، بل دل على خلافه ــ وهو: بيع المعدوم ــ= ضمان الحدائق والبساتين، وقالوا: هو بيع للثمر قبل ظهوره، أو قبل بدو صلاحه، ثم منهم من حكى الإجماع على بطلانه، وليس مع المانعين كما ظنوه، فلا النص يتناوله ولا معناه، ولم تجمع الأمة على بطلانه، فلا نص مع المانعين ولا قياس ولا إجماع، ونحن نبين انتفاء هذه الأمور الثلاثة: أما الإجماع: فقد صحَّ عن عمر بن الخطاب أنه ضمن حديقة أسيد بن حضير ثلاث سنين، وتسلف الضمان، فقضى به دينا كان على أسيد، وهذا بمشهد من الصحابة، ولم ينكره منهم رجل واحد، ومن جعل مثل هذا إجماعا، فقد أجمع الصحابة على جواز ذلك، وأقل درجاته: أن يكون قول صحابي، بل: قول الخليفة الراشد، ولم ينكره منهم منكر، وهذا حجة عند جمهور العلماء.
(1/551)
وقد جوَّز بعض أصحاب أحمد ضمان البساتين مع الأرض المؤجرة، إذ لا يمكن إفراد إحداهما عن الأخرى، واختاره ابن عقيل. وجوَّز بعضهم ضمان الأشجار مطلقًا، مع الأرض وبدونها، واختاره شيخنا، وأفرد فيه مصنفًا. ففي مذهب أحمد ثلاثة أقوال، وجوَّز مالك ذلك، تبعًا للأرض في قدر الثلث. قال شيخنا: والصواب ما فعله عمر - رضي الله عنه -، فإن الفرق بين البيع والضمان، هو الفرق بين البيع والإجارة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحب حتى يشتد، ولم ينه عن إجارة الأرض للزراعة، مع أن المستأجر مقصوده الحب بعمله، فيخدم الأرض ويحرثها ويسقيها ويقوم عليها، وهو نظير مستأجر البستان ليخدم شجره ويسقيه ويقوم عليه، والحب نظير الثمر، والشجر نظير الأرض، والعمل نظير العمل، فما الذي حرم هذا وأحل هذا؟ وهذا بخلاف المشتري، فإنه يشتري ثمرا، وعلى البائع مؤونة الخدمة والسقي والقيام على الشجر، فهو بمنزلة الذي يشتري الحب وعلى البائع مؤونة الزرع والقيام عليه. فقد ظهر انتفاء القياس والنص، كما ظهر انتفاء الإجماع، بل القياس الصحيح مع المجوزين، كما معهم الإجماع القديم. فإن قيل: فالثمر أعيان، وعقد الإجارة إنما يكون على المنافع. قيل: الأعيان هنا حصلت بعمله في الأصل المستأجر، كما حصل الحب بعمله في الأرض المستأجرة.
(1/552)
فإن قيل: الفرق أن الحب حصل من بذره، والثمر حصل من شجر المؤجر. قيل: لا أثر لهذا الفرق في الشرع، بل قد ألغاه الشارع في المساقاة والمزارعة، فسوى بينهما، والمساقي يستحق جزءا من الثمرة الناشئة من أصل الملك، والمزارع يستحق جزءا من الزرع النابت في أرض المالك، وإن كان البذر منه، كما ثبت بالسنة الصحيحة الصريحة وإجماع الصحابة. فإذا لم يؤثر هذا الفرق في المساقاة والمزارعة، التي يكون النماء فيها مشتركا لم يؤثر في الإجارة بطريق الأولى، لأن إجارة الأرض لم يختلف فيها كالاختلاف في المزارعة، فإذا كانت إجارتها عندكم أجوز من المزارعة فإجارة الشجر أولى بالجواز من المساقاة عليها، فهذا محض القياس، وعمل الصحابة، ومصلحة الأمة. وبالله التوفيق. والذين منعوا ذلك وحرموه توصلوا إلى جوازه بالحيلة الباطلة شرعًا وعقلًا، فإنهم يؤجرونه الأرض، وليست مقصودة له البتة، ويساقونه على الشجر من ألف جزء، على جزء مساقاة غير مقصودة، وإجارة غير مقصودة، فجعلوا ما لم يقصد مقصودا، وما قصد غير مقصود! وحابوا في المساقاة أعظم محاباة، وذلك حرام باطل في الوقف وبستان المولى عليه من يتيم أو سفيه أو مجنون، ومحاباتهم إياه في إجارة الأرض لا تسوغ لهم محاباة المستأجر في المساقاة، ولا يسوغ اشتراط أحد العقدين في الآخر، بل كل عقد مستقل بحكمه، فأين هذا من فعل أمير المؤمنين وفقهه؟ وأين القياس من القياس؟ والفقه من الفقه؟ فبينهما في الصحة بعد ما بين المشرقين.
(1/553)
فصل فهذا الكلام على المقام الأول، وهو: كون الإجارة على خلاف القياس، وقد تبين بطلانه. وأما المقام الثاني، وهو: أن الإجارة التي أذن الله فيها في كتابه، وهي إجارة الظئر على خلاف القياس، فبناء منهم على هذا الأصل الفاسد، وهو: أن المستحق بعقد الإجارة إنما هو المنافع لا الأعيان، وهذا الأصل: لم يدل عليه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح، بل الذي دلت عليه الأصول: أن الأعيان التي تحدث شيئًا فشيئًا، مع بقاء أصلها= حكمها حكم المنافع، كالثمر في الشجر، واللبن في الحيوان، والماء في البئر، ولهذا سوى بين النوعين في الوقف، فإن الوقف: تحبيس الأصل، وتسبيل الفائدة، فكما يجوز أن تكون فائدة الوقف منفعة كالسكنى، وأن تكون ثمرة، وأن تكون لبنا كوقف الماشية للانتفاع بلبنها. وكذلك في باب التبرعات: كالعارية، لمن ينتفع بالمتاع، ثم يرده، والعرية: لمن يأكل ثمر الشجرة، ثم يردها، والمنيحة: لمن يشرب لبن الشاة، ثم يردها، والقرض: لمن ينتفع بالدراهم، ثم يرد بدلها القائم مقام عينها. فكذلك في الإجارة: تارة يكريه العين للمنفعة التي ليست أعيانا، وتارة للعين التي تحدث شيئًا من بعد شيء مع بقاء الأصل، كلبن الظئر، ونقع البئر، فإن هذه الأعيان لما كانت تحدث شيئا بعد شيء، مع بقاء الأصل= كانت كالمنفعة، والمسوغ هو: ما بينهما من القدر المشترك، وهو حدوث المقصود بالعقد شيئًا فشيئًا، سواء كان الحادث عينًا أو منفعة، وكونه جسما أو معنى قائما بالجسم لا أثر له في الجواز والمنع، مع اشتراكهما في
(1/554)
المقتضي للجواز، بل هذا النوع من الأعيان الحادثة شيئا فشيئا أحق بالجواز، فإن الأجسام أكمل من صفاتها. وطرد هذا القياس: جواز إجارة الحيوان ــ غير الآدمي ــ لرضاعه، فإن الحاجة تدعو إليه، كما تدعو إليه في الظئر من الآدميين بطعامها وكسوتها، ويجوز استئجار الظئر من البهائم بعلفها، والماشية إذا عاوض على لبنها فهو نوعان: أحدهما: أن يشترى اللبن مدة، ويكون العلف والخدمة على البائع= فهذا بيع محض. والثاني: أن يسلمها، ويكون علفها وخدمتها عليه، ولبنها له مدة الإجارة= فهذا إجارة، وهو كضمان البستان سواء، وكالظئر، فإن اللبن يستوفى شيئًا فشيئًا مع بقاء الأصل، فهو كاستئجار العين، ليسقي بها أرضه، وقد نص مالك على جواز إجارة الحيوان مدة للبنه، ثم من أصحابه من جوز ذلك تبعا لنصه، ومنهم من منعه، ومنهم من شرط فيه شروطًا ضيقوا بها مورد النص ولم يدل عليها نصه. والصواب: الجواز، وهو موجب القياس المحض، فالمجوزون أسعد بالنص من المانعين، وبالله التوفيق) [إعلام الموقعين 2/ 22 - 34] (1). - وقال أيضًا: (وليس في القرآن إجارة منصوص عليها في شريعتنا، إلا إجارة الظئر، بقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ _________ (1) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 58 - 58)، وهو في «الفتاوى» (20/ 531 - 552) مع إضافات كثيرة هنا، ويسيرة هناك.
(1/555)
بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 6]، قال شيخنا: وإنما ظن الظان أنها خلاف القياس، حيث توهم أن الإجارة لا تكون إلا على منفعة، وليس الأمر كذلك، بل الإجارة تكون على كل ما يستوفى مع بقاء أصله، سواءً كان عينًا أو منفعة، كما أن هذه العين هي التي توقف وتعار فيما استوفاه الموقوف عليه والمستعير، بلا عوض يستوفيه المستأجر وبالعوض. فلما كان لبن الظئر مستوفى مع بقاء الأصل= جازت الإجارة عليه، كما جازت على المنفعة، وهذا محض القياس، فإن هذه الأعيان: يحدثها الله شيئًا بعد شيء، وأصلها باقٍ، كما يحدث الله المنافع شيئًا بعد شيء وأصلها باقٍ) [زاد المعاد 5/ 826] (1). - وقال أيضا: (فالأقوال في العقد على اللبن في الضرع ثلاثة: أحدها: منعه بيعًا وإجارة، وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة. والثاني: جوازه بيعًا وإجارة. والثالث: جوازه إجارة لا بيعًا، وهو اختيار شيخنا - رحمه الله -) [زاد المعاد 5/ 829 ــ 830]. 772 - الألفاظ التي تنعقد بها الإجارة: - قال ابن مفلح: (تنعقد بلفظها، ومعناه إن أضافه إلى العين، وكذا إلى النفع في الأصح، وفي لفظ البيع وجهان (2)، قال شيخنا: بناء على أن هذه _________ (1) «الفتاوى» (30/ 230). (2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: ( ... أحدهما: يصح، وهو الصحيح، اختاره ابن عبدوس في «تذكرته» والشيخ تقي الدين، فقال في قاعدة له في تقرير القياس بعد إطلاق الوجهين: والتحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت بأي لفظ كان من الألفاظ التي عرف بها المتعاقدان مقصودَهما، وهذا عام في جميع العقود، فإن الشارع لم يحدَّ حدًّا لألفاظ العقود، بل ذكرها مطلقة. انتهى، وكذا قال [ابن القيم في «إعلام الموقعين» واختاره، وقدمه ابن رزين في «شرحه»، قال في «إدراك الغاية»: لا] يصح بلفظ البيع في وجه، فدل أن المقدم الصحة. قلت: وهو الصواب) ا. هـ المقصود، وما بين المعكوفتين سقط من ط 2، واستدركته من ط 1، وكلام الشيخ في «الفتاوى» (20/ 533).
(1/556)
المعاوضة نوع من البيع أو شبيه به) [الفروع 4/ 420 ــ 421 (7/ 134 - 135)] (1). 773 - إذا استأجر دارا كل شهر بكذا ونحو ذلك: - قال ابن مفلح: (ولو اكترى دارا كل شهر بكذا ونحو ذلك، ففي صحة العقد، وقيل: بعد الأول= روايتان، فإن صح ففسخ بعد دخول الثاني (2)، وقال القاضي و «المحرر»: إلى تمام يوم، وقال الشيخ: أو قبله (3)، وقال أيضًا وأبو الخطاب وشيخنا: بل قبله) [الفروع 4/ 423 (7/ 137 - 139)]. 774 - لا تحل الأجرة المؤجلة بموت: 775 - وليس لناظر الوقف تعجيلها كلها إلا لحاجة: - قال ابن مفلح: (ولا تحل في أصح قولي العلماء مؤجلة بموت (4) _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (220)، وانظر: «الفتاوى» (20/ 536 - 537). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: بعد دخول الشهر الثاني). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: قبل دخول الشهر الثاني، فيكون الفسخ في الشهر الأول قبل دخول الثاني، فعلى هذا يكون الفسخ للشهر المستقبل قبل دخوله، وعلى الأول يكون الفسخ للمستقبل بعد دخوله ... الخ). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال في «الاختيارات»: وإذا مات المستأجر لم يلزم ورثته تعجيل الأجرة في أصح قولي العلماء. وهذا على قول من يقول: لا يحل الدين بالموت ظاهر، وكذلك على قول من يقول بحلوله في أظهر قوليهم، إذ يفرقون بين الإجارة وغيرها، كما يفرقون في الأرض المحتكرة إذا بيعت أو ورثت، فإن الحكر يكون على المشتري والوارث، وليس لأصحاب الحكر أخذ الحكر من البائع وتركة الميت في أظهر قولي العلماء، وهذا معنى قول المصنف: «وليس لهم أخذه من بائع وتركة») ا. هـ.
(1/557)
وإن حل دين لأن حلها مع تأخير استيفاء المنفعة ظلم. قاله شيخنا. قال: وليس لناظر وقف ونحوه تعجيلها كلها إلا لحاجة، ولو شرطه: لم يجز، لأن الموقوف عليه يأخذ ما لا يستحقه الآن، كما يفرقون في الأرض المحتكرة إذا بيعت وورثت، فإن الحكر من الانتقال يلزم المشتري والوارث، وليس لهم أخذه من بائع وتركه في أصح قوليهم) [الفروع 4/ 426 (7/ 141 - 142)] (1). 776 - إذا أنزاه على فرسه فنقص: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولو أنزاه على فرسه فنقص= ضمن نقصه) [الفروع 4/ 428 (7/ 144)] (2). 777 - إجارة الشاة للبنها: - قال ابن القيم: (وقد حكم الله سبحانه بصحة إجارة الظئر للبنها، وهو بمنزلة إجارة الشجر لثمرها، وطرد هذا ما جوَّزه مالك وغيره من إجارة الشاة والبقرة للبنها مدة معلومة، وهذا أحد الوجهين في مذهب أحمد، _________ (1) «الفتاوى» (30/ 154 - 157)، «الاختيارات» للبعلي (226). (2) «الاختيارات» للبعلي (240)، وانظر: «الفتاوى» (30/ 320).
(1/558)
اختاره شيخنا) [أحكام أهل الذمة 1/ 111]. - وقال أيضا: (يجوز أن يستأجر الشاة والبقرة ونحوهما مُدّة معلومة للبنها، ويجوز أن يستأجرها لذلك بعلفها وبدراهم مسماة، والعلف عليه، هذا مذهب مالك، وخالفه الباقون، وقوله هو الصحيح، واختاره شيخنا) [إغاثة اللهفان 2/ 48]. - وقال أيضا: (وأما إن أجره الشاة أو البقرة أو الناقة مدة معلومة لأخذ لبنها في تلك المدة، فهذا لا يجوزه الجمهور، واختار شيخنا جوازه، وحكاه قولا لبعض أهل العلم، وله فيها مصنف مفرد. قال: إذا استأجر غنما أو بقرا أو نوقا أيام اللبن بأجرة مسماة، وعلفها على المالك، أو بأجرة مسماة مع علفها على أن يأخذ اللبن= جاز ذلك في أظهر قولي العلماء كما في الظئر. قال: وهذا يشبه البيع، ويشبه الإجارة، ولهذا يذكره بعض الفقهاء في البيع، وبعضهم في الإجارة ... ) [زاد المعاد 5/ 823 - 824] (1). وانظر: ما تقدم في المسألة رقم (771)، وكلام ابن مفلح في المسألة التالية. 778 - إجارة الشمع ليشعله: 779 - وإجارة ماء قناة مدة وماء فائض بركة رأياه: - قال ابن القيم: (المثال الخامس (2): لا يجوز استئجار الشمع _________ (1) انظر: «الفتاوى» (30/ 197 - 201، 230)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (36)، «الاختيارات» للبعلي (221). (2) أي من الحيل الشرعية.
(1/559)
ليشعله، لذهاب عين المستأجر، والحيلة في تجويز هذا العقد أن يبيعه من الشمعة أواقي معلومة، ثم يؤجره إياها، فإن كان الذي أشعل منها ذلك القدر وإلا احتسب له بما أذهبه منها. وأحسن من هذه الحيلة أن يقول: بعتك من هذه الشمعة كل أوقية منها بدرهم، قل المأخوذ منها أو كثر، وهذا جائز على أحد القولين في مذهب الإمام أحمد، واختاره شيخنا) [إعلام الموقعين 3/ 341 - 342]. - وقال ابن مفلح: (وشمع ليشعله (1)، وجعله شيخنا مثل كل شهر بدرهم، فمثله في الأعيان نظير هذه المسألة في المنافع، ومثله: كلما أعتقت عبدا من عبيدك فعلي ثمنه، فإنه يصح وإن لم يبين العدد والثمن، وهو إذن في الانتفاع بعوض، واختار جوازه، وأنه ليس بلازم، بل جائز، كالجعالة، وكقوله: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه فإنه جائز، أو من ألقى كذا فله كذا، ومن ألقى كذا فله كذا، وجواز إجارة ماء قناة مدة، وماء فائض بركة رأياه، وإجارة حيوان لأخذ لبنه قام به هو أو ربه، فإن قام عليها المستأجر وعلفها فكاستئجار الشجر، وإن علفها ربها، ويأخذ المشتري لبنا مقدرًا فبيع محض، وإن كان يأخذ اللبن مطلقًا فبيع أيضًا، وليس هذا بغرر، لأن الغرر ما تردد بين الوجود والعدم، فهو من جنس القمار الذي هو الميسر، وهو أكل المال بالباطل، كبيع الآبق والشارد. قال: والمنافع والفوائد تدخل في عقود التبرع، سواء كان الأصل محتبسا بالوقف أو غير محتبس كالعارية ونحوها، كما نص عليه الشارع في منيحة الشاة، وهو عاريتها للانتفاع بلبنها، كما يعيره الدابة لركوبها، ولأن هذا _________ (1) أي: ولا تصح إجارة شمع ليشعله.
(1/560)
يحدث شيئًا فشيئا، فهو بالمنافع أشبه، فإلحاقه بها أولى، ولأن المستوفى بعقد الإجارة على زرع الأرض هو عين من الأعيان، وهو ما يحدثه من الحب بسقيه وعمله، وكذا مستأجر الشاة للبنها مقصوده ما يحدثه الله من لبنها بعلفها والقيام عليها، فلا فرق بينهما، والآفات والموانع التي تعرض للزرع أكثر من آفات اللبن، لأن الأصل في العقود الجواز والصحة. قال: وكظئر، ومثلها نفع بئر) [الفروع 4/ 428 ــ 430 (7/ 144 - 145)] (1). 780 - أخذ الأجرة على تعليم الحديث والفقه: - قال ابن مفلح: (ويحرم (2) على أذان وإمامة صلاة وتعليم قرآن ونيابة حج، وفي حديث وفقه وجهان، وذكر شيخنا وجها: يجوز لحاجة، واختاره) [الفروع 4/ 435 (7/ 152)] (3). 781 - أخذ الأجرة على الأذان: - قال ابن مفلح: (ونقل حنبل: يكره للمؤذن أن يأخذ على أذانه أجرًا. قال شيخنا: وهو معنى كلام بعضهم، ومن لم يجوزه لم يجوز إيقاعها على غير وجه العبادة لله تعالى، كصلاة وصوم وقراءة، والاستئجار يخرجها عن ذلك، ومن جوزه فلأنه نفع يصل إلى المستأجر كسائر النفع، وجوز إيقاعها غير عبادة في هذه الحال، لما فيها من النفع. قال: وأما ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضا وأجرة، بل رزق للإعانة _________ (1) انظر: «الفتاوى» (30/ 195 - 196، 229 - 231)؛ و «الاختيارات» للبعلي (221). (2) أي: أخذ الأجر. (3) «الفتاوى» (30/ 205 - 206)، «الاختيارات» للبعلي (222).
(1/561)
على الطاعة، فمن عمل منهم لله أثيب، وما يأخذه رزق للإعانة على الطاعة) [الفروع 4/ 436 (7/ 152 - 153)] (1). 782 - أخذ المال على الاستنابة في الحج: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: المستحب أن يأخذ ليحج، لا أن يحج ليأخذ، فمن يحب إبراء ذمة الميت أو رؤية المشاعر يأخذ ليحج، ومثله كل رزق أخذ على عمل صالح، فَفَرْقٌ (2) بين من يقصد الدين والدنيا وسيلته، وعكسه، والأشبه أن عكسه ليس له في الآخرة من خلاق. قال: وحجه عن غيره ليستفضل (3) ما يوفي دينه الأفضل تركه، لم يفعله السلف، ويتوجه فعله لحاجة) [الفروع 4/ 436 (7/ 154)] (4). 783 - إجارة المسلم نفسه من أهل الذمة: 784 - ومن استؤجر لعمل محرم لا لنفسه: 785 - وأجرة العمل المحرم: - قال ابن القيم: ( ... أما إيجارهم (5) نفسه فهي مسألة تفصيل، ونحن نذكر نصوص أحمد: قال إسحاق بن إبراهيم: سمعت أبا عبد الله، وسأله رجل بناء: أبني _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (223)، وانظر: «الفتاوى» (30/ 206 - 207). (2) في ط 1: (فيفرق). (3) في ط 1: (ليتفضل)، والمثبت من ط 2. (4) «الفتاوى» (26/ 19 - 20) بتقديم وتأخير، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (223). (5) أي: أهل الذمة.
(1/562)
للمجوس ناووسا؟ قال: لا تبن لهم، ولا تعنهم على ما هم فيه. وقال محمد بن عبد الحكم: سألت أبا عبد الله عن الرجل المسلم يحفر لأهل الذمة قبرا بكراء؟ قال: لا بأس به. وليس هذا باختلاف رواية، قال شيخنا: والفرق بينهما أن الناووس من خصائص دينهم الباطل، فهو كالكنيسة بخلاف القبر المطلق، فإنه ليس في نفسه معصية، ولا من خصائص دينهم. قال إسحاق بن منصور: قيل لأبي عبد الله: يؤاجر الرجل نفسه للمجوسي؟ قال: لا ... ومضى ابن القيم إلى أن قال: وتلخيص مذهبه (1) أن إجارة المسلم نفسه للذمي ثلاثة أنواع: أحدها: إجارة على عمل في الذمة، فهذه جائزة. والثانية: إجارة للخدمة، فهذه فيها روايتان منصوصتان عنه، أصحهما: المنع منها. الثالثة: إجارة عينه منه لغير الخدمة، فهذه جائزة، وقد آجر علي - رضي الله عنه - نفسه من يهودي يستقي له كل دلو بتمرة، وأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك التمر. هذا كله إذا كان الإيجار لعمل لا يتضمن تعظيم دينهم وشعائره، فإن كانت الإجارة على عمل يتضمن ذلك لم يجز، كما نص عليه أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم ... _________ (1) أي: الإمام أحمد.
(1/563)
إلى أن قال: فإن قيل: فقد قال الخلال: أخبرني أبو نصر (1) إسماعيل بن عبد الله بن ميمون العجلي قال: قال أبو عبد الله فيمن حمل خمرا أو خنزيرا أو ميتة لنصارى: يكره أكل كرائه، ولكنه يقضى للحمال بالكراء، وإذا كان للمسلم فهو أشد كراهية. قيل: اختلف الأصحاب في هذا النص على ثلاث طرق: إحداها: إجراؤه على ظاهره، وأن المسألة رواية واحدة، قال ابن أبي موسى في «الإرشاد»: وكره أحمد أن يؤجر المسلم نفسه لحمل ميتة أو خنزير لنصراني، فإن فعل قضي له بالكراء، وإن أجر نفسه لحمل محرم لمسلم كانت الكراهية أشد، ويأخذ الكراء، وهل يطيب له؟ على وجهين، أوجههما أنه لا يطيب له، وليتصدق به ... إلى أن قال ابن القيم ــ بعد أن ذكر الطريقة الثانية والثالثة -: قال شيخنا: والأشبه طريقة ابن أبي موسى، فإنها أقرب إلى مقصود أحمد، وأقرب إلى القياس، وذلك أن (2) النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن عاصر الخمر ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، فالعاصر والحامل قد عاوضا على منفعة تستحق العوض وليست محرمة في نفسها، وإنما حرمت بقصد المعتصر والمستحيل (3)، فهو _________ (1) قال الشيخ صبحي الصالح محقق «أحكام أهل الذمة»: (كذا في الأصل «أبو النصر» بالصاد المهملة، وصوابه ــ كما في طبقات الحنابلة 64 ــ: «أبو النضر» بالضاد المعجمة، وهو مروذي الأصل، نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة) ا. هـ. وانظر ما يأتي (ص 568). (2) في «الاقتضاء»: (لأن). (3) كذا، وفي «الاقتضاء»: (والمستحمل).
(1/564)
كما لو باع عنبا أو عصيرا لمن يتخذه خمرا، وفات العصير والعنب في يد المشتري فإن مال البائع لا يذهب مجانا، بل يقضى له بعوضه. كذلك ههنا: المنفعة التي وفَّاها المؤجر لا تذهب مجانا، بل يعطى بدلها، فإن تحريم الانتفاع بها إنما كان من جهة المستأجر، لا من جهته، ثم نحن نحرم الإجارة عليه لحق الله سبحانه، لا لحق المستأجر والمشتري، بخلاف من استؤجر للزنا أو التلوط أو السرقة ونحو ذلك، فإن نفس هذا الفعل محرم في نفسه، فهو كما لو باعه ميتة أو خمرا أو خنزيرا، فإنه لا يقضى له بثمنها، لأن نفس هذه العين محرمة. ومثل هذه الإجارة والجعالة لا توصف بالصحة مطلقا ولا بالفساد مطلقا، بل يقال: هي صحيحة بالنسبة إلى المستأجر، بمعنى أنه تجب عليه الأجرة والجعل، فاسدة بالنسبة إلى [الأجير] (1)، يعني أنه يحرم عليه الانتفاع بالمال، ولهذا نظائر في الشريعة، ونص أحمد على كراهة نطارة (2) كرم النصراني لا ينافي هذا، فإنا ننهاه عن هذا الفعل وعن ثمنه، ثم نقضي له بكرائه ولو لم يفعل هذا، لكان فيه منفعة عظيمة وإعانة للعصاة، فإن من استأجروه على عمل يستعينون به على المعصية قد حصّلوا غرضهم منه، ثم لا يعطونه شيئا، وإذا أخذ منهم العوض يُنْزع منه ثم يرد هنيئا موفرا. فإن قيل: فما تقولون فيمن سلم إليهم المنفعة المحرمة التي استأجروه عليها كالغناء والنوح والزنى واللواط؟ _________ (1) في الأصل: (الآجر)، والمثبت من «الاقتضاء». (2) في «الاقتضاء»: (نظارة).
(1/565)
قيل: إن كان لم يقبض منهم العوض لم يقض له به باتفاق الأمة، وإن كان قبض لم يطب له أكله، ولم يملكه بذلك، والجمهور يقولون: يرده عليهم، لأنه قبضه قبضا فاسدا، وهذا فيه روايتان منصوصتان عن الإمام أحمد: إحداهما: أنه يرده عليهم؛ والثانية: لا يأكله ولا يرده، بل يتصدق به. قال شيخنا: وأصح الروايتين أنه لا يرده عليه، ولا يباح للآخذ، ويصرف في مصالح المسلمين، كما نص عليه أحمد في أجرة حمال الخمر. ومن ظن أنها ترد على الباذل المستأجر، لأنها مقبوضة بعقد فاسد، فيجب ردها عليه كالمقبوض بعقد الربا ونحوه من العقود الفاسدة، قيل له: المقبوض بالعقد الفاسد يجب فيه التراد من الجانبين، فيرد كل منهما على الآخر ما قبضه منه كما في عقود الربا، وهذا عند من يقول: المقبوض بالعقد الفاسد لا يملك، فأما إذا تلف المعوّض عند القابض وتعذر رده فلا يقضى له بالعوض الذي بذله، ويجمع له بين العوض والمعوض، فإن الزاني واللائط ومستمع الغناء والنوح قد بذلوا هذا المال عن طيب نفوسهم، واستوفوا عوضه المحرم، وليس التحريم الذي فيه لحقهم، وإنما هو لحق الله، وقد فاتت هذه المنفعة بالقبض، والأصول تقتضي أنه إذا رد أحد العوضين يرد الآخر، فإذا تعذر على المستأجر رد المنفعة لم يرد عليه المال الذي بذله في استيفائها، وأيضا فإن هذا الذي استوفيت منفعته عليه ضرر في أخذ منفعته وعوضها جميعا، بخلاف ما لو كان العوض خنزيرا أو ميتة فإن ذلك لا ضرر عليه في فواته، فإنه لو كان باقيا أتلفناه عليه، ومنفعة الغناء والنوح لو لم تفت لتوفرت عليه، بحيث يتمكن من صرفها في أمر آخر، أعني: القوة التي عمل بها.
(1/566)
فإن قيل: فيلزمكم على هذا أن تقضوا له بها إذا طالب بقبضها، قيل: نحن لا نأمر بدفعها ولا بردها، كعقود الكفار المحرمة، فإنهم إذا أسلموا قبل القبض لم نحكم بالرد، لكن المسلم تحرم عليه هذه الأجرة، لأنه كان معتقدا لتحريمها بخلاف الكافر، فإذا طلب الأجرة قلنا له: أنت فرطت حيث صرفت قوتك في عمل محرم، فلا يقضى له بالأجرة، فإذا قبضها ثم قال الدافع: هذا المال اقضوا لي برده، فإنه قبض مني باطلا. قلنا له: أنت دفعته بمعاوضة رضيت بها، فإذا طلبت استرجاع ما أخذ منك فاردد إليه ما أخذته منه، فإن في بقائه معه منفعة له، فإن قال: قد تعذر رد المنفعة التي استوفيتها منه، قيل له: فلا يجمع لك بين ما استمتعت به من منفعته وبين العوض الذي بذلته فيها، فإن قال: أنا بذلت ما لا يجوز بذله، وهو أخذ ما لا يجوز أخذه، قيل: وهو بذل لك من منفعته ما لا يجوز له بذله، واستوفيت أنت ما لا يجوز استيفاؤه، فكلاكما سواء، فما الموجب لرجوعك عليه، ولا يفوت عليك شيء، وتفوت المنفعة عليه، وكلاكما راض بما بذل، مستوف لعوضه؟ ! فإن قال: ما بذلته أنا عين يمكن الرجوع في معوضها الذي بذلت في مقابلته، أو إذا لم يمكن، الأول مسلم، والثاني هو محل النزاع، فكيف يجعل مقدمته من مقدمات الدليل؟ قياسه على المقبوض عوضا عن الخمر والميتة لا يصح كما عرف الفرق بينهما، على أنا لا نسلم أن مشتري الخمر إذا قبض ثمنها وشربها ثم طلب أن يعاد إليه المال أن يقضى له به، بل الأوجه ألا يرد إليه الثمن، ولا يباح للبائع أيضا، لا سيما ونحن نعاقب الخمار يبيع الخمر بأن يحرق الحانوت التي يباع فيها، نص عليه أحمد وغيره من العلماء، فإن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حرق حانوتا يباع فيه الخمر، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حرق قرية يباع فيها الخمر، وهذا على أصل من يرى جواز
(1/567)
العقوبات المالية أطرد، فإنه إذا جاز عقوبته بمال ينزع منه يفسده عليه ويحول بينه وبينه فأن لا يقضى له بمال أخرجه في المعصية ويمنع من استرجاعه أولى وأحرى، وبالله التوفيق) [أحكام أهل الذمة 1/ 275 - 284]. - وقال أيضا: (وقد نص أحمد في رواية أبي النضر فيمن حمل خمرا أو خنزيرا أو ميتة لنصراني: أكره أكل كرائه، ولكن يقضى للحمال بالكراء, وإذا كان لمسلم فهو أشد كراهة. فاختلف أصحابه في هذا النص على ثلاث طرق: إحداها: إجراؤه على ظاهره، وأن المسألة رواية واحدة، قال ابن أبي موسى: وكره أحمد أن يؤجر المسلم نفسه لحمل ميتة أو خنزير لنصراني، فإن فعل قضي له بالكراء، وهل يطيب له أم لا؟ على وجهين، أوجههما أنه لا يطيب له، وليتصدق به ... (1). إلى أن قال ابن القيم ــ بعد أن ذكر الطريقة الثانية والثالثة -: قال شيخنا: والأشبه طريقة ابن أبي موسى ــ يعني أنه يقضى له بالأجرة وإن كانت المنفعة محرمة، ولكن لا يطيب له أكلها -، فإنها أقرب إلى مقصود أحمد، وأقرب إلى القياس، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن عاصر الخمر ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، فالعاصر والحامل قد عاوضا على منفعة تستحق _________ (1) كذا، وتقدم نقل هذه العبارة عن «الإرشاد» من كتاب «أحكام أهل الذمة» بهذه الصيغة: (وكره أحمد أن يؤجر المسلم نفسه لحمل ميتة أو خنزير لنصراني، فإن فعل قضي له بالكراء، وإن أجر نفسه لحمل محرم لمسلم كانت الكراهية أشد، ويأخذ الكراء، وهل يطيب له؟ على وجيهن) وهو موافق لما في «اقتضاء الصراط المستقيم».
(1/568)
العوض وهي ليست محرمة في نفسها، وإنما حرمت بقصد المعتصر والمستحمل، فهو كما لو باع عنبا وعصيرا لمن يتخذه خمرا، وفات العصير والعنب في يد المشتري، فإن مال البائع لا يذهب مجانا، بل يقضى له بعوضه، كذلك هنا المنفعة التي وفاها المؤجر لا تذهب مجانا، بل يعطى بدلها، فإن تحريم الانتفاع بها إنما كان من جهة المستأجر، لا من جهة المؤجر، فإنه لو حملها للإراقة أو لإخراجها إلى الصحراء خشية التأذي بها جاز، ثم نحن نحرم الإجارة عليه لحق الله سبحانه، لا لحق المستأجر والمشتري، بخلاف من استؤجر للزنا أو التلوط أو السرقة، فإن نفس هذا العمل محرم لأجل قصد المستأجر، فهو كما لو باع ميتة أو خمرا، فإنه لا يقضى له بثمنها، لأن نفس هذه العين محرمة، وكذلك لا يقضى له بعوض هذه المنفعة المحرمة. قال شيخنا: ومثل هذه الإجارة والجعالة ــ يعني الإجارة على حمل الخمر والميتة ــ لا توصف بالصحة مطلقا ولا بالفساد مطلقا، بل يقال: هي صحيحة بالنسبة إلى المستأجر، بمعنى أنه يجب عليه العوض، وفاسدة بالنسبة إلى الأجير، بمعنى أنه يحرم عليه الانتفاع بالأجر، ولهذا في الشريعة نظائر. قال: ولا ينافي هذا نص أحمد على كراهة نطارة كرم النصراني، فإنا ننهاه عن هذا الفعل وعن عوضه، ثم نقضي له بكرائه. قال: ولو لم يفعل هذا، لكان في هذا منفعة عظيمة للعصاة، فإن كل من استأجروه على عمل يستعينون به على المعصية قد حصّلوا غرضهم منه، فإذا لم يعطوه شيئا ووجب أن يرد عليهم ما أخذ منهم، كان ذلك أعظم العون
(1/569)
لهم وليسوا بأهل أن يعاونوا على ذلك، بخلاف من سلّم إليهم عملا لا قيمة له بحال، يعني: كالزانية والمغني والنائحة، فإن هؤلاء لا يقضى لهم بأجرة) [زاد المعاد 5/ 782 - 786]. - وقال أيضا: (وقد توقف شيخنا في وجوب رد عوض هذه المنفعة المحرمة على باذله أو الصدقة به في كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم»، وقال: الزاني ومستمع الغناء والنوح= قد بذلوا هذا المال عن طيب نفوسهم، فاستوفوا العوض المحرم، والتحريم الذي فيه ليس لحقهم، وإنما هو لحق الله تعالى، وقد فاتت هذه المنفعة بالقبض، والأصول تقتضي: أنه إذا رد أحد العوضين رد الآخر، فإذا تعذر على المستأجر رد المنفعة لم يرد عليه المال، وهذا الذي استوفيت منفعته عليه ضرر في أخذ منفعته، وأخذ عوضها جميعًا منه، بخلاف ما إذا كان العوض خمرًا أو ميتة= فإن تلك لا ضرر عليه في فواتها، فإنها لو كانت باقية لأتلفناها عليه، ومنفعة الغناء والنوح لو لم تفت لتوفرت عليه، بحيث كان يتمكن من صرف تلك المنفعة في أمر آخر، أعني: من صرف القوة التي عمل بها. ثم أورد على نفسه سؤالًا، فقال: فيقال: على هذا، فينبغي أن تقضوا بها إذا طالب بقبضها؟ وأجاب عنه، بأن قال: قيل: نحن لا نأمر بدفعها ولا بردها، كعقود الكفار المحرمة، فإنهم إذا أسلموا قبل القبض لم يحكم بالقبض، ولو أسلموا بعد القبض لم يحكم بالرد، ولكن المسلم تحرم عليه هذه الأجرة، لأنه كان معتقدًا لتحريمها، بخلاف الكافر، وذلك لأنه إذا طلب الأجرة، قلنا له: أنت فرطت، حيث صرفت قوتك في عمل يحرم، فلا يقضى لك بالأجرة.
(1/570)
فإذا قبضها، وقال الدافع: هذا المال، اقضوا لي برده، فإني أقبضته إياه عوضًا عن منفعة محرمة. قلنا له: دفعته معاوضة رضيت بها، فإذا طلبت استرجاع ما أخذ= فاردد إليه ما أخذت إذا كان له في بقائه معه منفعة، فهذا محتمل. قال: وإن كان ظاهر القياس ردها، لأنها مقبوضة بعقد فاسد. انتهى) [زاد المعاد 5/ 781 - 782]. - وقال أيضا: (فأما إذا استأجره لحملها (1) ليريقها، أو لينقل الميتة إلى الصحراء لئلا يُتأذى بها= فإن الإجارة تجوز حينئذ، لأنه عمل مباح، لكن إن كانت الأجرة جلد الميتة لم تصح، واستحق أجرة المثل، وإن كان قد سلخ الجلد وأخذه رده على صاحبه. هذا قول شيخنا) [زاد المعاد 5/ 783]. - وقال أيضا: (إذا عاوض غيره معاوضة محرمة، وقبض العوض ــ كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ــ ثم تاب والعوض بيده، فقالت طائفة: يرده إلى مالكه، إذ هو عين ماله، ولم يقبضه بإذن الشارع، ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح. وقالت طائفة: بل توبته بالتصدق به، ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية) [مدارج السالكين 1/ 421 - 422] (2). _________ (1) أي: الخمر. (2) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 21، 45 - 49) مع بعض الاختلاف والزيادة هنا، وانظر: «الفتاوى» (30/ 209).
(1/571)
786 - إجارة الدار على الكافر والفاسق والمبتدع: انظر: ما تقدم في المسألة رقم (602). 787 - إجارة الإقطاع إذا انتقل لآخر: 788 - وليس لوكيل مطلق الإيجار مدة طويلة: - قال ابن مفلح: (وقد قال شيخنا فيمن استأجر أرضا من جندي وغرسها قصبا، ثم انتقل الإقطاع عن الجندي: إن الجندي الثاني لا يلزمه حكم الإجارة الأولى، وأنه إن شاء أن يؤجرها لمن له فيها القصب أو لغيره. وليس لوكيل مطلق الإيجار مدة طويلة، بل العرف كسنتين ونحوهما. قاله شيخنا (1)) [الفروع 4/ 439 (7/ 158 - 159)] (2). 789 - وقت انقضاء المدة إذا آجره في أثناء الشهر: - قال ابن مفلح: (ولو آجره في أثناء شهر سنة فشهر بالعدد ثلاثين، نص عليه في نذر وصوم، وباقيها بالأهلة، وعنه: الجميع بالعدد، وكذا ما اعتبرت الأشهر فيه، كعدة، ونص عليهما في نذر، وعند شيخنا: إلى مثل تلك الساعة (3)) [الفروع 4/ 440 (7/ 159 - 160)] (4). _________ (1) انظر: كلام ابن قندس في «حاشيته على الفروع» (7/ 158 - 160). (2) «الفتاوى» (30/ 169، 171، 173، 274 - 275)، «الاختيارات» للبعلي (223 - 224). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال في «الاختيارات»: على هذه الرواية ــ أي: رواية أنه يعتبر الشهر الأول بالعدد ــ قال: فإنما يعتبر الشهر الأول بحسب تمامه ونقصانه، فإن كان تاما كمل تاما، وإن كان ناقصا كمل ناقصا، فإذا وقع أول المدة في عاشر الشهر مثلا أكمل ذلك الشهر في عاشر الشهر الثاني). (4) «الفتاوى» (25/ 143 - 144؛ 34/ 65)، «الاختيارات» للبعلي (224).
(1/572)
790 - إذا وجد المستأجر العين معيبة: - قال ابن مفلح: (وله الفسخ بعيب أو بانت معيبة، وهو ما يظهر به تفاوت الأجرة إن لم يزل بلا ضرر يلحقه، وقياس المذهب: أو الأرش، قال شيخنا: وإلا ورد (1) ضعفه على أصل أحمد بين) [الفروع 4/ 440 (7/ 161)]. 791 - إذا تلفت المنفعة قبل استيفائها: - قال ابن القيم: (قال شيخنا: اتفق العلماء على أن المنفعة في الإجارة إذا تلفت قبل التمكن من استيفائها= أنه لا تجب الأجرة) [زاد المعاد 5/ 833] (2). 792 - إذا ترك الأجير ما يلزمه بلا عذر فتلف بسببه: - قال ابن مفلح: (الثالث (3): عقد على منفعة في الذمة في شيء معين أو موصوف، كخياطة، ويشترط ضبطه بما لا يختلف، ويلزمه الشروع عقيب (4) العقد، وإن ترك ما يلزمه ــ قال شيخنا: بلا عذر ــ فتلف بسببه= ضمن) [الفروع 4/ 441 (7/ 163)] (5). _________ (1) كذا في ط 1 وط 2، وفي حاشية ط 1: (في مخطوط الأزهر: «وإلا وردد ضعفه»، وفي مخطوط الدار: «وإلا ورود ضعفه»، والمثبت ما في الطبعة الأولى) ا. هـ. وفي «الإنصاف» (14/ 463): (قال الشيخ تقي الدين: إن لم نقل بالأرش فورود ضعفه على أصل أحمد بين) ا. هـ. (2) «الفتاوى» (30/ 155، 288). (3) أي: من أقسام الإجارة. (4) في ط 2: (عقب)، والمثبت من ط 1. (5) «الفتاوى» (30/ 183).
(1/573)
793 - إجارة الإقطاع: - قال ابن القيم: (قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وما علمت أحدًا من علماء الإسلام ــ من الأئمة الأربعة ولا غيرهم ــ قال: إجارة الإقطاع لا تجوز، وما زال المسلمون يؤجرون إقطاعاتهم، قرنا بعد قرن، من زمن الصحابة إلى زمننا هذا. حتى حدث بعض أهل زماننا فابتدع القول ببطلان إجارة الإقطاع) [الطرق الحكمية 195]. - وقال ابن مفلح: (وتجوز إجارة الإقطاع (1)، كموقوف. قاله شيخنا، قال: ولم يزل يؤجر من زمن الصحابة إلى الآن، ولم أعلم عالمًا منع) [الفروع 4/ 444 (7/ 168 - 169)] (2). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (استنبط الشيخ زين الدين ابن رجب من كلام القاضي منع الإجارة، ثم ذكر الجواز كما ذكره المصنف ــ يعني: ابن مفلح -، ذكره في القاعدة السابعة والثمانين في ضمن إجارة العارية، قال: وأما إجارة أقطاع الاستغلال التي موردها منفعة الأرض دون رقبتها فلا نقل فيها نعلمه، وكلام القاضي قد يشعر بالمنع، لأنه جعل مناط صحة الإجارة للمنافع لزوم العقد، وهذا منتف في الإقطاع، وقال الشيخ تقي الدين: يجوز، وجعل الخلاف فيه مبتدعا، وقرره بأن الإمام جعله للجند عوضا عن أعمالهم، فهو كالمملوك بعوض، ولأن إذنه في إيجاره عرفي، فجاز كما لو صرح به. انتهى قلت: وأخذ المنع من كلام القاضي المذكور بعيد جدا، إذ لا مانع من لزوم العقد فيه، وأما كونه ينفسخ العقد فيه إذا نقل إلى غيره في وجه، فلا يمنع من لزومه قبل الفسخ وصحة إيجاره، كما هو معروف في الوقف ونحوه) ا. هـ. وكلام ابن رجب في «القواعد» (2/ 291/ق: 87). (2) «الفتاوى» (28/ 85؛ 30/ 244)، «جامع المسائل» (6/ 401 - 404)، «الاختيارات» للبعلي (222).
(1/574)
794 - إذا اكترى أرضا وأطلق، أو قال: انتفع بها بما شئت: - قال ابن مفلح: (وإذا اكترى أرضًا لزرع ما شاء أو غرسه أو وغرسه: صح، في الأصح فيهما، كزرع ما شئت، وإن قال: لزرع، فوجهان، وكذا الغراس، وإن أطلق وتصلح لزرع وغيره= صح، في الأصح، وقال شيخنا: إن أطلق، أو إن قال: انتفع بها بما شئت= فله زرع وغرس وبناء) [الفروع 4/ 445 ــ 446 (7/ 170)] (1). 795 - إذا عابت الأرض المستأجرة للزرع: - قال ابن مفلح: ( ... أو عابت بغرق يعيب به بعض الزرع، واختار شيخنا: أو برد أو فأر أو عذر، قال: فإن أمضى فله الأرش، كعيب الأعيان، وإن فسخ: فعليه القسط قبل القبض، ثم أجرة المثل إلى كماله. قال: وما لم يرو من الأرض فلا أجرة له اتفاقًا) [الفروع 4/ 448 (7/ 172)] (2). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (30/ 284 - 249). (2) «الفتاوى» (30/ 261 - 262، 298، 304، 308).
(1/575)
باب السبق 796 - حكم اللعب: - قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا: يجوز ما قد يكون فيه منفعة بلا مضرة، وظاهر كلامه: لا يجوز اللعب المعروف بالطاب والنقيلة (1). وقال: كل فعل أفضى إلى المحرم كثيرًا حرمه الشارع إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة، لأنه يكون سببا للشر والفساد. وقال: وما ألهى وشغل عما أمر الله به فهو منهي عنه، وإن لم يحرم جنسه، كبيع وتجارة وغيرهما) [الفروع 4/ 458 ــ 459 (7/ 186)] (2). - وقال أيضا: (فأما سائر ما يتلهى به البطالون من أنواع اللهو وسائر ضروب اللعب، مما لا يستعان به في حق فمحظور كله، وكانت عائشة وجوارٍ معها يلعبن بالبنات، وهي اللعب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يراهن، رواه أحمد والبخاري ومسلم، وكانت لها أرجوحة قبل أن تتزوج، رواه أبو داود وغيره، وإسناده جيد، وأظنه في الصحيح، فيرخص فيه للصغار ما لا يرخص فيه للكبار. قاله شيخنا) [الفروع 4/ 460 (7/ 188)] (3). _________ (1) في ط 2: (بالطاب الثقيلة)، والمثبت من ط 1، وهو موافق لما في «الاختيارات» للبعلي و «الإنصاف» (15/ 7). (2) «الفتاوى» (32/ 227). (3) «الفتاوى» (30/ 214، 216)، «الاختيارات» للبعلي (233).
(1/576)
797 - أيهما أشد تحريما النرد أم الشطرنج؟ - قال ابن القيم: (ثم اختلف المحرمون لها (1) هل هي أشد تحريما من النرد، أو النرد أشد تحريما منها؟ فصح عن ابن عمر أنه قال: الشطرنج شر من النرد. ونص مالك على ذلك. وقال الإمام أحمد وأبو حنيفة: النرد أشد تحريما منها. قال شيخ الإسلام أبو العباس بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني - رضي الله عنه -: وكلا القولين صحيح باعتبار، فإن الغالب على النرد اشتمالها على عوض، بخلاف الشطرنج، فالنرد بعوض شر من الشطرنج الخالي عن العوض، وأما إذا اشتملا جميعا على العوض، أو خلوا عنه= فالشطرنج شر من النرد، فإنها تحتاج إلى فكر يلهي صاحبها أكثر مما يحتاج إليه النرد، ولهذا يقال: إنها مبنية على مذهب القدر، والنرد مبنية على مذهب الجبر، فمضرتها بالعقل والدين أعظم من مضرة النرد. ولكن إذا خلوا عن العوض= كان تحريمهما من جهة العمل، وإذا اشتملا على العوض صار تحريمهما من وجهين: من جهة العمل، ومن جهة أكل المال بالباطل، فتصير بمنزلة لحم الخنزير الميت، قال أحمد: هو حرام من وجهين، فإن غصبه أو سرقه من نصراني صار حراما من ثلاثة أوجه. فالتحريم يقوى ويضعف بحسب قوة المفاسد وضعفها، وبحسب تعدد أسبابه، فاعلم) [الفروسية 314 ــ 315] (2). _________ (1) أي: الشطرنج. (2) «الفتاوى» (32/ 220، 242 - 243، 244 - 245).
(1/577)
798 - حديث مصارعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لركانة على شاة: - قال ابن مفلح: (وقد صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - ركانة على شاة فصرعه، فأخذها، ثم عاد مرارًا، فأسلم، فرد النبي عليه الصلاة والسلام غنمه. رواه أبو داود في «مراسيله» عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير. قال البيهقي: مرسل جيد، وأنه متصل ضعيف. ورواه أبو الشيخ: حدثنا إبراهيم بن علي، حدثنا ابن المقري، حدثنا أبي حدثنا حماد عن عمرو عن سعيد عن ابن عباس. قال شيخنا: إسناد جيد، وروى أبو الشيخ السبق فيه من وجه آخر، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - إظهار الحق، وهذا وغيره مع الكفار من جنس الجهاد، فهو في معنى الثلاثة (1) وجنسها جهاد) [الفروع 4/ 461 (7/ 189)]. 799 - أخذ العوض في المسابقات التي تنفع في الدين: - قال ابن القيم ــ بعد أن ذكر حديث مراهنة الصديق للمشركين في أن الروم سيغلبون ــ: (وقد اختلف أهل العلم في إحكام هذا الحديث ونسخه على قولين: فادعت طائفة نسخه ... وادعت طائفة أنه محكم غير منسوخ، وأنه ليس مع مدعي نسخه حجة يتعين المصير إليها، قالوا: والرهان لم يحرم جملة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - راهن في تسبيق الخيل ... وإنما الرهان المحرم الرهان على الباطل الذي لا منفعة فيه _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (وقد تقدم ذكرها، وهي: تأديب فرسه، وملاعبة أهله، ورميه).
(1/578)
في الدين، وأما الرهان على ما فيه ظهور أعلام الإسلام وأدلته وبراهينه ــ كما قد راهن عليه الصديق ــ فهو من أحق الحق، وهو أولى بالجواز من الرهان على النصال، وسباق الخيل والإبل أدنى، وأثر هذا في الدين أقوى، لأن الدين قال (1) بالحجة والبرهان، وبالسيف والسنان، والمقصد الأول إقامته بالحجة، والسيف منفذ. قالوا: وإذا كان الشارع قد أباح الرهان في الرمي والمسابقة بالخيل والإبل لما في ذلك من التحريض على تعلم الفروسية وإعداد القوة للجهاد، فجواز ذلك في المسابقة والمبادرة إلى العلم والحجة التي بها تفتح القلوب ويعز الإسلام وتظهر أعلامه أولى وأحرى، وإلى هذا ذهب أصحاب أبي حنيفة، وشيخ الإسلام ابن تيمية) [الفروسية 97]. - وقال أيضا: (المسابقة على حفظ القرآن والحديث والفقه، وغيره من العلوم النافعة، والإصابة في المسائل، هل تجوز بعوض؟ منعه أصحاب مالك وأحمد والشافعي؛ وجوَّزه أصحاب أبي حنيفة وشيخنا) [الفروسية 318]. - وقال ابن مفلح: (والصراع والسبق بالأقدام ونحوهما طاعة إذا قصد به نصر الإسلام، وأخذ السبق عليه أخذ بالحق، فالمغالبة الجائزة تحل بالعوض إذا كانت مما ينفع في الدين، كما في مراهنة أبي بكر، اختار ذلك شيخنا، وقال: إنه أحد الوجهين، معتمدًا على ما ذكره ابن البنا، وظاهره جواز الرهان في العلم، وفاقا للحنفية لقيام الدين بالجهاد والعلم) [الفروع 4/ 461 ــ 462 (7/ 190)] (2). _________ (1) كذا بالأصل، ولعلها: (قام). (2) «الاختيارات» للبعلي (233)، انظر: «الفتاوى» (32/ 227). وقال البعلي: (قلت: وظاهر ذلك جواز الرهان في العلم، وفاقا للحنفية لقيام الدين بالجهاد والعلم، والله أعلم) ا. هـ.
(1/579)
800 - اشتراط العوض للأستاذ، أو شراء قوس، أو كراء حانوت، أو إطعام الجماعة: - قال ابن مفلح: (وإن شرط أنه أو بعضه لأصحابه أو غيرهم، أو قال: إن سبقتني فلك كذا، ولا أرمي أبدًا، أو شهرًا، بطل الشرط، وقيل: والعقد، فلغير مخرجه بسبقه أجر مثله، وعند شيخنا: يصح شرطه للإسناد (1) وشراء قوس وكراء الحانوت وإطعام الجماعة، لأنه مما يعين على الرمي) [الفروع 4/ 462 ــ 463 (7/ 190 - 191)] (2). 801 - مسألة: 802 - ما يعرف به السابق في سبق الخيل والإبل: - قال ابن القيم: (وأما أصحاب أحمد، فلهم ثلاث طرق: أحدها: أن السبق فيها بالكتف، وهذه طريقة أبي البركات ابن تيمية وغيره. والثانية: أن السبق في الإبل بالكتف، وأما الخيل فإن تساوت أعناقها فبالرأس، وإن تفاوتت فبالكتف، وهذه طريقة الشيخ أبي محمد وغيره. _________ (1) كذا في ط 1 وط 2، وفي حاشية ط 1: (في مخطوط الأزهر: للأستاذ)، وهو موافق لما في «الفتاوى» و «الاختيارات» للبعلي و «الإنصاف» (15/ 27)، ولعله الصواب، والله أعلم. (2) «الاختيارات» للبعلي (233)، وانظر: «الفتاوى» (28/ 22).
(1/580)
والثالثة: أن السبق في الجميع بالأقدام، وهذه اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية) [الفروسية 426]. 803 - المحلل في السبق: - قال ابن القيم: (إذا خرج (1) المسابقان في النضال معًا جاز في أصح القولين، والمشهور من مذهب مالك أنه لا يجوز، وعلى القول بجوازه فأصح القولين أنه لا يحتاج إلى محلل، كما هو المنقول عن الصديق وأبي عبيدة بن الجراج واختيار شيخنا وغيره) [إعلام الموقعين 4/ 21]. - وقال أيضا: (قال شيخ الإسلام: ما علمت بين الصحابة خلافًا في عدم اشتراط المحلل) [الفروسية 166]. - وقال أيضا: (ثم افترق منكرو التحليل فرقتين: إحداهما: منعت الإخراج من الاثنين مطلقا، وهو مشهور مذهب مالك، ومن قال بقوله. وفرقة: جوزته بغير محلل، قال شيخ الإسلام: وهو مقتضى المنقول عن أبي عبيدة بن الجراح. قال: وما علمت في الصحابة من اشترط المحلل، وإنما هو معروف عن سعيد بن المسيب، وعنه تلقاه الناس، ولهذا قال مالك: لا نأخذ بقول سعيد ين المسيب في المحلل، ولا يجب المحلل. والذي مشى هذا القول هيبة قائله، وهيبة إباحة القمار، وظنوا أن هذا مخرج للعقد عن كونه قمارا، فاجتمع: عظمة سعيد عند الأمة، وعظمة القمار _________ (1) كذا، ولعلها: (أخرج).
(1/581)
وقبحه، ولم يكن بد من إباحة السبق، كما أباحه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يمنع نص من الإخراج منهما، وقد قال عالم الإسلام في وقته: إن العقد بدونه قمار، فهذا الذي مشى هذا القول، والله أعلم) [الفروسية 341 ــ 342]. - وقال ابن مفلح: (ويحرم العوض منهما إلا بمحلل لا يخرج شيئا، يكافئهما مركوبا ورميا بينهما، فإن سبقهما أحرزهما، وإن سبقاه فلا شيء له وأحدهما يحرزهما، ومع المحلل سبق الآخر فقط لهما، نص أحمد على معنى ذلك (1) ويكفي محلل واحد. قال الآمدي: لا يجوز أكثر لدفع الحاجة. وفي «الرعاية»: وقيل: بل أكثر، واختار شيخنا: لا محلل، وأنه أولى بالعدل من كون السبق من أحدهما وأبلغ في تحصيل مقصود كل منهما، وهو بيان عجز الآخر، وأن الميسر والقمار منه لم يحرم لمجرد المخاطرة، بل لأنه أكل للمال بالباطل، أو للمخاطرة المتضمنة له. وضعَّف جماعة خبر أبي هريرة في المحلل، لأنه من رواية سفيان بن حسين وسعيد بن بشير عن الزهري، وهما ضعيفان فيه، ورواه أئمة أصحابه عنه عن ابن المسيب من قوله. وقال أيضًا: إن سمح أحدهما للآخر بالإعطاء فلا إثم. قال: ولو جعله الأجنبي لأحدهما إن غلب دون الآخر لم يجز؛ لأنه ظلم. ولو قال المخرج: من سبق أو صلّى (2) فله عشرة= لم يصح إذا كانا اثنين، فإن زادا، أو قال: ومن صلَّى فله خمسة= صح. _________ (1) بعدها في ط 1: (بالعدل). (2) قال في «المطلع» (269): («ومن صلى» أي: من جاء ثانيا، والمصلي: هو الثاني من خيل الحلبة) ا. هـ
(1/582)
وكذا على الترتيب للأقرب إلى السابق، وهي جعالة، فإن فضل أحدهما فله الفسخ فقط) [الفروع 4/ 465 ــ 466 (7/ 193 - 194)]. - وقال ابن كثير ــ تحت حوادث سنة (746) ــ: (وفي يوم الجمعة سادس عشر محرم ... ووقع كلام وبحث في اشتراط المحلل في المسابقة، وكان سببه أن الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صنف فيه مصنفا من قبل ذلك، ونصر فيه ما ذهب إليه الشيخ تقي الدين ابن تيمية في ذلك، ثم صار يفتي به جماعة من الترك ولا يعزوه إلى الشيخ تقي الدين ابن تيمية، فاعتقد من اعتقد أنه قوله وهو مخالف للائمة الأربعة، فحصل عليه إنكار في ذلك، وطلبه القاضي الشافعي، وحصل كلام في ذلك، وانفصل الحال على أن أظهر الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية الموافقة للجمهور (1)) [البداية والنهاية 14/ 216] (2). 804 - حديث أبي هريرة: «من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس ... »: - قال ابن القيم: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: رفع هذا الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خطأ، وإنما هو من كلام سعيد بن المسيب. قال: وهذا مما يعلم أهل العلم بالحديث أنه ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، _________ (1) قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد في كتابه «ابن القيم الجوزية ــ حياته وآثره» (43): (وقضية الرجوع محل نظر، فلا بد من تثبيت ذلك، وأرجو من الله تعالى أن يمن علي بما يدل على ذلك نفيا أو إثباتا) ا. هـ. (2) انظر: «الفتاوى» (28/ 22)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (11)، «الاختيارات» للبعلي (233) «الاختيارات لدى مترجميه» (6).
(1/583)
وإنما هو من كلام سعيد بن المسيب نفسه، وهكذا رواه الثقات الأثبات من أصحاب الزهري عنه عن سعيد بن المسيب، مثل: الليث بن سعد، وعُقيل، ويونس، ومالك بن أنس، وذكره في «الموطأ» عن سعيد بن المسيب نفسه، ورفعه سفيان بن حسين الواسطي، وهو ضعيف، لا يحتج بمجرد روايته عن الزهري، لغلطه في ذلك) [الفروسية 231] (1). 805 - فضل الرمي: - قال ابن القيم: (قال شيخ الإسلام: وقد روي أن قوما كانوا يتناضلون فقيل: يا رسول الله، قد حضرت الصلاة، فقال: «إنهم في صلاة»، فشبه رمي النشاب بالصلاة، وكفى بذلك فضلا) [الفروسية 150 ــ 151] (2). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (18/ 63 - 64)، و «بيان الدليل» (50 - 51). (2) هذا الخبر ذكره شيخ الإسلام في «الفتاوى المصرية» ــ كما في «مختصره» (531) ــ، ولكن لا أدري هل التعليق عليه (فشبه رمي النشاب ... الخ) من كلام ابن القيم أم من كلام الشيخ؟
(1/584)
باب العارية
806 - حكم العارية: 807 - والاضطرار إلى السكنى في بيت إنسان لا يجد غيره: - قال ابن القيم: (فإذا قدر أن قوما اضطروا إلى السكنى في بيت إنسان لا يجدون سواه، أو النزول في خان مملوك، أو استعارة ثياب يستدفئون بها، أو رحى للطحن، أو دلو لنزع الماء، أو قدر أو فأس، أو غير ذلك= وجب على صاحبه بذله بلا نزاع، لكن هل له أن يأخذ عليه أجرا؟ فيه قولان للعلماء، وهما وجهان لأصحاب أحمد، ومن جوَّز له أخذ الأجرة حرَّم عليه أن يطلب زيادة على أجرة المثل. قال شيخنا: والصحيح أنه يجب عليه بذل ذلك مجانا (1)، كما دل عليه الكتاب والسنة، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4 ـ 7]. قال ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهما من الصحابة: هو [إعارة] (2) القدر والدلو والفأس ونحوهما. وفي «الصحيحين» عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ وذكر الخيل ـ، قال: «هي لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي هي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله، وأما الذي هي له ستر (3): فرجل ربطها تغنيا وتعففا، ولم ينس حق _________ (1) في «الفتاوى» زيادة: (إذا كان صاحبها مستغنيا عن تلك المنفعة وعوضها). (2) في الأصل: (إعادة)، وفي «الفتاوى»: (عارية). (3) من قوله: (فرجل ربطها) إلى هنا سقط من مطبوعة «الفتاوى».
(1/585)
الله في رقابها، ولا في ظهورها». وفي «الصحيحين» عنه أيضا: «من حق الإبل: إعارة دلوها، وإطراق فحلها». وفي «الصحيحين» عنه: أنه نهى عن عسب الفحل. أي: عن أخذ الأجرة عليه، والناس يحتاجون إليه، فأوجب بذله مجانا، ومنع من أخذ الأجرة عليه. وفي «الصحيحين» عنه أنه قال: «لا يمنعن جار جاره، أن يغرز خشبه في جداره». ولو احتاج إلى إجراء مائه في أرض غيره من غير ضرر لصاحب الأرض، فهل يجبر على ذلك؟ روايتان عن أحمد، والإجبار: قول عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم -. وقد قال جماعة من الصحابة والتابعين: إن زكاة الحلي عاريته، فإذا لم يعره فلا بد من زكاته، وهذا وجه في مذهب أحمد. قلت (1): وهو الراجح، وأنه لا يخلو الحلي من زكاة، أو عارية. والمنافع التي يجب بذلها نوعان: منها ما هو حق المال، كما ذكرنا في الخيل والإبل والحلي؛ ومنها ما يجب لحاجة الناس. وأيضا: فإن بذل منافع البدن يجب عند الحاجة، كتعليم العلم، وإفتاء الناس، وأداء الشهادة، والحكم بينهم، وأداء الشهادة (2)، والجهاد، والأمر _________ (1) القائل: ابن القيم. (2) كذا بالأصل، وقد سبق ذكرها فلعلها مقحمة، وليست في «الفتاوى».
(1/586)
بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من منافع الأبدان. وكذلك: من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة وجب عليه أن يخلصه، فإن ترك ذلك ــ مع قدرته عليه ــ أثم وضمنه. فلا يمتنع وجوب بذل منافع الأموال للمحتاج، وقد قال تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}، وقال: {وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} [البقرة: 282]، وللفقهاء في أخذ الجعل على الشهادة أربعة أقوال، وهي أربعة أوجه في مذهب أحمد: أحدها: أنه لا يجوز مطلقا؛ والثاني: أنه يجوز عند الحاجة؛ والثالث: أنه لا يجوز، إلا أن يتعين عليه؛ والرابع: أنه يجوز، فإن أخذه عند التحمل لم يأخذه عند الأداء) [الطرق الحكمية 202 ــ 203]. - وقال ابن مفلح: (وقيل: تجب ــ أي: العارية ــ مع غنى ربه، اختاره شيخنا) [الفروع 4/ 469 (7/ 197)] (1). 808 - إذا استأجر أرضا وبنى عليها وقفا: - قال ابن مفلح: (ومستأجر كمستعير، ولم يذكر جماعة فيه أخذه بقيمته، زاد في «التلخيص»: كما في عارية مؤقتة، ولم يفرقوا بين كون المستأجر وقف ما بناه أو لا (2)، مع أنهم ذكروا استئجار دار يجعلها مسجدًا، _________ (1) «الفتاوى» (28/ 98 - 100)، «الاختيارات» للبعلي (222، 231). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قوله: «ومستأجر كمستعير» إلى أن قال: «ولم يفرقوا بين كون المستأجر وقف ما بناه أولا ... » إلى آخره، ذكر المصنف أنه تقدم في الصلح كلامه في «الفنون»، قال في «الفنون»: فإذا فرغت المدة يحتمل أنه ليس لرب الجدار مطالبته بقلع خشبه، وهو الأشبه، كإعارته لذلك، لما فيه من الخروج عن حكم العرف، لأن العرف وضعها للأبد، فهو كإعارة الأرض للدفن، لما كان يراد لإحالة الأرض للأجساد لم يملك الرجوع قبل ذلك، ثم إما أن يتركه بعد المدة بحكم العرف بأجرة مثله إلى حين نفاذ الخشب، لأنه العرف فيه، كالزرع إلى حصاده للعرف فيه، أو يجدد إجارة بأجرة المثل. وقوله هذا يظهر لي بعده، لأنه يلزم منه إبقاؤه بعد انقضاء مدة الإجارة ولم يقل به أحد).
(1/587)
فإن لم يترك بالأجرة فيتوجه أن لا يبطل (1) بالوقوف مطلقًا، وتقدم في الصلح كلامه في «الفنون»، وهو هنا أولى، وقال معناه شيخنا (2)، فإنه قال فيمن احتكر أرضًا بنى فيها مسجدًا، أو بنى وقفه عليه: متى فرغت المدة وانهدم البناء= زال حكم الوقف وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها، وما دام البناء _________ (1) في ط 1: (أن يبطل)، والمثبت من ط 2. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (ما ذكره عن الشيخ ليس صريحا في لزوم إبقائه، لأن قوله: «وانهدم البناء» يحتمل أنه أراد انهدم بنفسه أو هدم مالك الأرض له، فإن «انهدم» من أفعال المطاوعة، يقال: هدمته فانهدم، وكذلك: «ما دام قائما فيها فعليه الأجرة» يحتمل أنه أراد قيامه فيها يوجب الأجرة لا أنه يلزم إقامته فيها بالأجرة، لأنه لا يلزم من وجوب أجرته ما دام قائما أنه يلزمه إقامته فيها بالأجرة، نعم لو قال: يلزم إبقاؤه بالأجرة، كان كما قال، نعم يحتمل ما قاله المصنف لكنه محتمل لغيره كما قلنا، والله أعلم .... إلى أن قال: فالحاصل من كلام المصنف تخريج قولين فيما إذا وقف المستأجر بناءه هل لمالك الأرض الإلزام بقلع البناء الذي قد وقف، أم يلزمه إبقاؤه بالأجرة؟ فالقول الأول ــ وهو أنه يملك قلعه ــ أخذه من كونهم خيَّروه، ولم يفرقوا بين كون البناء وقفا أم لا، وقوى ذلك بكونهم ذكروا جواز استئجار دار يجعلها مسجدا، ولم يفرقوا في صورة التخيير، فدل أنهم أدخلوا صورة المسجد في مسألة التخيير، ولو لم يدخلوها في التخيير لأخرجوها بلفظ يبين حكمها، والقول الثاني ــ وهو أنه يبقيه بالأجرة ــ خرجه من كلام ابن عقيل الذي ذكره في «الفنون» وأنه هنا أولى، لأنه إذا لزم إبقاء الملك بالأجرة فإبقاء الوقف أولى، وذكر أن الشيخ تقي الدين ذكر معنى كلام ابن عقيل، يعني أنه يبقيه بالأجرة).
(1/588)
قائمًا فيها فعليه أجرة المثل، كوقف علو ربع أو دار مسجدًا، فإن وقف علو ذلك لا يسقط حق ملاك السفل، كذا وقف البناء لا يسقط حق ملاك الأرض) [الفروع 4/ 472 (7/ 200 - 202)] (1). 809 - ضمان العارية: - قال ابن مفلح: (العارية المقبوضة مضمونة، نص عليه، لأن النفع غير مستحق، بخلاف عبد موصى بنفعه، وقاسها جماعة على المقبوض على وجه السوم، فدل على رواية مخرجة، وهو متجه، وذكر الحارثي خلافًا: لا يضمن، وذكره شيخنا عن بعض أصحابنا، واختاره صاحب «الهدي» فيه، وعنه: بلى إن شرطه، اختاره أبو حفص وشيخنا) [الفروع 4/ 474 (7/ 204)] (2). 810 - إذا سلم شريك شريكه الدابة فتلفت بلا تفريط ولا تعد: - قال ابن مفلح: (ولو سلم شريك شريكه الدابة، فتلفت بلا تفريط ولا تعد، بأن ساقها فوق العادة (3) ونحوه، لم يضمن. قاله شيخنا) [الفروع 4/ 477 (7/ 207 - 208)] (4). _________ (1) «الفتاوى» (31/ 8). (2) «الاختيارات» للبعلي (231). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (السوق فوق العادة من صور التعدي، فيكون ضامنا، وقوله: «لم يضمن» يرجع إلى ما قبله، وهو ما إذا تلفت بلا تفريط ولا تعد، ويكون التقدير: فتلفت بلا تفريط ولا تعد لم يضمن، والتعدي بأن ساقها فوق العادة). (4) «الاختيارات» للبعلي (231).
(1/589)
811 - إذا ادعى أنه زرع عارية، وقال رب الأرض: إجارة: - قال ابن مفلح: (ولو قال: آجرتك، قال: أعرتني عقيب العقد، قبل قول القابض، فلا يغرم القيمة، وبعد مضي مدة لها أجرة يقبل قول المالك في الأصح في ماضيها، وله أجرة المثل، وقيل: المسمى، وقيل: أقلها، وكذا لو ادعى أنه زرع عارية، وقال ربها: إجارة (1). ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 478 (7/ 209)] (2). _________ (1) أي: فيقبل قول المالك. (2) «الفتاوى» (30/ 249 - 250).
(1/590)
باب الوديعة
812 - إذا أودع المودَع بلا عذر: - قال ابن مفلح: (وإن أودعها بلا عذر ضمنها (1)، وقراره عليه، فإن علم الثاني فعليه، وعنه: لا يضمن الثاني إن جهل، اختاره شيخنا، كمرتهن، في وجه، واختاره شيخنا، ويتوجه تخريج رواية من توكيل الوكيل: له الإيداع بلا عذر) [الفروع 4/ 482 (7/ 213)] (2). 813 - إذا استعمل المُودَع كاتبا خائنا أو عاجزا: - قال ابن مفلح: (وإن استعمل كاتبا خائنا أو عاجزًا أثم بما أذهب من حقوق الناس، لتفريطه، ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 487 (7/ 219)] (3). 814 - إذا استأمنه أمير على ماله فخشي من حاشيته: - قال ابن مفلح: (ومن استأمنه أمير على ماله فخشي من حاشيته إن منعهم من عادتهم المتقدمة: لزمه فعل ما يمكنه، وهو أصلح للأمير من تولية غيره، فيرتع معهم، لا سيما وللأخذ شبهة، ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 491 (7/ 222)] (4). _________ (1) كذا في ط 1، وط 2، وفي «الإنصاف» (16/ 30): (ضمنا)، ولعل الصواب ما هنا, قال البعلي في «الاختيارات»: (ولو أودع المودع بلا عذر ضمن, والمودع الثاني لا يضمن إن جهل, وهو رواية عن أحمد, وكذا المرتهن منه, وهو وجه في المذهب) ا. هـ. (2) «الاختيارات» للبعلي (244). (3) «الفتاوى» (30/ 52)، «الاختيارات» للبعلي (206). (4) «الاختيارات» للبعلي (206).
(1/591)
باب الغصب
815 - مسألة: 816 - والزرع بلا إذن شريكه: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا فيمن زرع بلا إذن شريكه والعادة بأن من زرع فيها له نصيب معلوم ولربها نصيب: قسم ما زرعه في نصيب شريكه كذلك، قال: ولو طلب أحدهما من الآخر أن يزرع معه أو يهايئه فأبى فللأول الزرع في قدر حقه بلا أجرة (1)، كدار بينهما فيها بنيان سكن أحدهما عند امتناعه مما يلزمه، واختار ابن عقيل وغيره: أنه لرب الأرض كالحمل لرب الأم، لكن المنيّ لا قيمة له، بخلاف البذر، ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 500 (7/ 233 - 234)] (2). 817 - ضمان نقص المغصوب: - قال ابن مفلح: (ويلزمه ضمان نقصه، ولو بنبات لحية أمرد، أو قطع ذنب حمار، وعنه: يضمن رقيقًا، أو بعضه بمقدَّر ولو شعرًا من حُرٍّ بمقدَّر من قيمته، كجنايته عليه، وفيها رواية: بما نقص، اختارها الخلال، وصاحب «المغني»، و «الترغيب»، وشيخنا) [الفروع 4/ 502 ــ 503 (7/ 236)] (3). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الذي نقله المصنف هنا عن أبي العباس، نقله عنه أيضا في «الاختيارات»، ثم قال: واعتبر أبو العباس في موضع آخر إذن ولي الأمر). (2) «الاختيارات» للبعلي (293)، وانظر: «الفتاوى» (30/ 143 - 145). (3) «الاختيارات» للبعلي (236).
(1/592)
818 - ضمان الغاصب للمغصوب: - قال ابن مفلح: (ويضمن مكيلا وموزونا تلف أو أتلفه بمثله ... ويضمن غيره بقيمته يوم تلفه، نقله الجماعة، وعنه: يوم غصبه، وعنه: أكثرهما، وعنه في مغصوب: بمثله، وقاله ابن أبي موسى ذكره جماعة، واختاره شيخنا، واحتج بعموم قوله: {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11]) [الفروع 4/ 507 (7/ 240 - 241)] (1). 819 - إذا ادعى الغاصب تلف المغصوب: - قال ابن مفلح: (ويقبل قول غاصبه في تلفه في الأصح، فيطالبه مالكه ببدله، وقيل: لا، لأنه لا يدعيه، ولا قصاص في المال، مثل شق ثوبه، ونقل إسماعيل وموسى: يخيَّر، اختاره شيخنا) [الفروع 4/ 508 (7/ 242)] (2). 820 - إذا كان المغصوب مما تصح إجارته: - قال ابن مفلح: (وما تصح إجارته: يلزمه أجرة مثله، نص عليه في قضايا، وفيها انتفاع (3)، ونقل ابن الحكم: لا، مطلقًا (4)، وظاهر «المبهج»: _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (239)، وانظر: «الفتاوى» (20/ 562 - 563؛ 30/ 65). (2) «الاختيارات» للبعلي (239). (3) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (أي: القضايا التي نص عليه فيها، أن الغاصب انتفع بالمغصوب). (4) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (أي: سواء انتفع به ــ مثل: إن ركب الدابة وسكن الدار ــ أو لم ينتفع به ــ مثل: إن ترك الدابة من غير ركوب والدار بلا سكنى).
(1/593)
التفرقة، واختاره (1) بعضهم، وجعله شيخنا ظاهر ما نقل عنه) [الفروع 4/ 510 (7/ 243 - 244)] (2). 821 - رجوع المستأجر والمشتري على الغاصب: - قال ابن مفلح: (ويأخذ مستأجر ومشتر من غاصب ما دفعا إليه، ويأخذ مشتر نفقته وعمله (3) من بائع غارٍّ (4)، قاله شيخنا) [الفروع 4/ 511 (7/ 244 - 245)] (5). 822 - إذا جُهل المغصوب منه، أو عُلم وشق دفعه إليه: - قال ابن مفلح: ( ... ولم يذكر أصحابنا غير الصدقة، ونقل إبراهيم بن هانئ: يتصدق أو يشتري به كراعا وسلاحا يوقف، هو مصلحة للمسلمين، وسأله جعفر عمن بيده أرض أو كرم ليس أصله طيبا ولا يعرف _________ (1) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (أي: ظاهر «المبهج»، وهو التفرقة بين صورة الانتفاع وبين صورة عدم الانتفاع، فتلزمه الأجرة في صورة الانتفاع فقط، ولا يلزمه في غيرها، وهو موافق لقوله بعد ذلك: «عليه أجرة الأرض بقدر ما استغلها» فظاهره: لا شيء عليه إذا لم يستغلها). (2) انظر: «الفتاوى» (29/ 260؛ 31/ 79). (3) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (يعني: عمل المشتري في الغصب كغَزْلٍ نسجه وخَشَبٍ نجره وأرضٍ عمل فيها بحرث أو تنظيف ونحو ذلك). (4) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (مفهومه أنه لا يرجع على بائع غير غارٍّ، مثل أن يكون اشترى من الغاصب ولم يعلم بالغصب، ثم باع على آخر، فيكون رجوع المشتري من المشتري على الغاصب لا على المشتري الأول، وهو متجه). (5)» الاختيارات» للبعلي (239).
(1/594)
ربه، قال: يوقفه على المساكين، وسأله المروذي عمن مات، وكان يدخل في أمور تكره، فيريد بعض ولده التنزه، فقال: إذا أوقفها على المساكين، فأي شيء بقي عليه؟ واستحسن أن يوقفها على المساكين، ويتوجه: على أفضل البر. قال شيخنا: يصرف في المصالح، وقاله في وديعة وغيرها، وقال: قاله العلماء، وأنه مذهبنا «و: هـ م» وهذا مراد أصحابنا، لأن الكل صدقة. وقال شيخنا: من تصرف فيه بولاية شرعية لم يضمن. وقال: ليس لصاحبه إذا عرف رد المعاوضة، لثبوت الولاية عليها شرعًا، للحاجة، كمن مات ولا ولي له، ولا حاكم، مع أنه ذكر أن مذهب أحمد: وقف العقد للحاجة، لجهل المالك، ولغير حاجة الروايتان. وقال فيمن اشترى مال مسلم من التتر لما دخلوا الشام: إن لم يعرف صاحبه: صرف في المصالح، وأعطي مشتريه ما اشتراه به، لأنه لم يصر له إلا بنفقته، وإن لم يقصد ذلك، كما رجحته فيمن اتجر بمال غيره وربح) [الفروع 4/ 513 ــ 514 (7/ 294 - 295)] (1). وانظر: ما يأتي في المسألة رقم (834). 823 - من غرم بسبب كذب عليه عند ولي أمر: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من غرم بسبب كذب عليه عند ولي _________ (1) انظر: «الفتاوى» (29/ 102، 260 - 263؛ 30/ 327 - 328، 414)، «الاختيارات» للبعلي (239 - 240).
(1/595)
أمر= فله تغريم الكاذب (1)) [الفروع 4/ 516 (7/ 252)] (2). 824 - إذا حبسه عن الانتفاع بملكه: - قال ابن مفلح: (ولو حُبس مالك دواب فتلفت (3) لم يضمن، ذكره في «الانتصار» و «المغني» و «الترغيب»، وقيل: بلى، قال في «الترغيب»: أو فتح حرزًا، فجاء آخر فسرق، وعند شيخنا: يتوجه فيمن حبسه عن الانتفاع بملكه أن يضمنه بالتسبب) [الفروع 4/ 517 (7/ 254 - 255)] (4). 825 - بيع وكيل بيت المال لشيء من طريق المسلمين النافذة: - قال ابن مفلح: ( ... فدل أنه لا يجوز لوكيل بيت مال المسلمين وغيره بيع شيء من طريق المسلمين النافذة، وأنه ليس لحاكم أن يحكم بصحته. وقاله شيخنا) [الفروع 4/ 519 ــ 520 (7/ 258)] (5). 826 - إذا لم يسد بئره سدا يمنع من التضرر بها: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ومن لم يسد بئره سدًا يمنع من التضرر _________ (1) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (لم يذكر المصنف في هذه المسألة سوى ما ذكره عن الشيخ تقي الدين، ولم يعارضه, بل سكت عليه، فظاهره أنه قائل بذلك، وأنه لم يقع له في كلام الأصحاب غير ذلك ... الخ). (2) «الاختيارات» للبعلي (240). (3) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (يعني: مالكُ الدوابِّ حبسَه غيرُه حتى تلفت دوابُّه). (4) «الاختيارات» للبعلي (241). (5) «الاختيارات» للبعلي (240).
(1/596)
بها= ضمن ما تلف بها) [الفروع 4/ 520 (7/ 258)] (1). 827 - إذا أمر رجلا بإمساك دابة ضارية فجنت عليه: - قال ابن مفلح: (ولا يضمن ما أتلفت البهيمة صيد حرم وغيره، أطلقه الأصحاب، ويتوجه إلا الضارية (2)، ولعله مرادهم، وقد قال شيخنا فيمن أمر رجلًا بإمساكها: ضمنه إن لم يعلمه بها) [الفروع 4/ 521 (7/ 260)] (3). 828 - ضمان جناية ولد الدابة: - قال ابن مفلح: (ويضمن جناية ولدها في المنصوص، واختار (4) شيخنا: إن فرط، نحو أن يعرفه شموسًا) [الفروع 4/ 523 (7/ 262)] (5). 829 - العقوبة المالية: 830 - والصدقة بالمغشوش أولى من إتلافه: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: ومن العقوبة المالية: إتلاف الثوبين المعصفرين كما في «الصحيح» في حديث عبد الله بن عمرو، وإراقة عمر اللبن الذي شيب بالماء للبيع، وأن الصدقة بالمغشوش أولى من إتلافه) [الفروع 4/ 524 (7/ 264)] (6). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (198). (2) في ط 1: (الضاربة)، والمثبت من ط 2. (3) «الاختيارات» للبعلي (240). (4) في ط 1: (واختاره). (5) «الاختيارات» للبعلي (240). (6) «الفتاوى» (28/ 109 - 111، 114 - 115)، «الاختيارات» للبعلي (240).
(1/597)
831 - إذا رد المغصوب بعد موت المغصوب منه: 832 - وإذا حبسه عند وقت حاجته: - قال ابن مفلح: (ومن ندم ورد بعد موت المغصوب منه ما غصبه= برئ من إثمه، لا من إثم الغصب، نقله حرب، وعند شيخنا: له مطالبته، لتفويته الانتفاع به في حياته، كما لو مات الغاصب فرده وارثه، نقله حنبل، قال شيخنا: ولو حبسه عند وقت حاجته ــ كمدة شبابه ــ ثم رده في مشيبه، فتفويت تلك المنفعة ظلم يفتقر إلى جزاء) [الفروع 4/ 526 (7/ 266)] (1). 833 - انتقال الحق من المورث إلى الوارث: - قال ابن القيم: ( ... وأما مسألة المال فقد اختلف فيها: فقالت طائفة: إذا أدى ما عليه من المال إلى الوارث فقد برئ من عهدته فى الآخرة كما برئ منها فى الدنيا. وقالت طائفة: بل المطالبة لمن ظلمه بأخذه باقية عليه يوم القيامة ... وفصل شيخنا - رحمه الله - بين الطائفتين، فقال: إن تمكن الموروث من أخذ ماله والمطالبة به، فلم يأخذه حتى مات= صارت المطالبة به للوارث في الآخرة، كما هي كذلك في الدنيا؛ وإن لم يتمكن من طلبه وأخذه، بل حال بينه وبينه ظلمًا وعدوانًا= فالطلب له في الآخرة) [الداء والدواء 224]. وانظر: ما يأتي في المسألة رقم (837). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (240 - 241).
(1/598)
834 - إذا اتجر بالمغصوب، فلمن يكون الربح؟ - قال ابن القيم: ( ... وهكذا لو تطاولت على المال سنون، وقد كان يمكن ربه أن ينميه بالربح، فتوبته بأن يخرج المال ومقدار ما فوته من ربح ماله، فإن كان قد ربح فيه بنفسه، فقيل: الربح كله للمالك، وهو قول الشافعي، وظاهر مذهب أحمد رحمهما الله. وقيل: كله للغاصب، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك رحمهما الله، وكذلك لو أودعه مالا فاتجر به وربح، فربحه له دون مالكه عندهما، وضمانه عليه. وفيها قول ثالث: أنهما شريكان في الربح، وهو رواية عن أحمد - رحمه الله -، واختيار شيخنا - رحمه الله -، وهو أصح الأقوال، فتضم حصة المالك من الربح إلى أصل المال ويتصدق بذلك (1)) [مدارج السالكين 1/ 423] (2). 835 - إذا هرب العبد من سيده حتى مات السيد: - قال ابن القيم: (ولقد سئل شيخنا أبو العباس ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ سأله شيخ، فقال: هربت من أستاذي وأنا صغير، إلى الآن لم أطلع له على خبر، وأنا مملوك، وقد خفت من الله عز وجل وأريد براءة ذمتي من حق أستاذي من رقبتي، وقد سألت جماعة من المفتين، فقالوا لي: اذهب فاقعد في المستودع! فضحك شيخنا وقال: تصدق بقيمتك ــ أعلى ما كانت ــ عن سيدك، _________ (1) أي: في حالة تعذر رده على مالكه أو وارثه. (2) «الفتاوى» (30/ 329)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (215).
(1/599)
ولا حاجة لك بالمستودع، تقعد فيه عبثا في غير مصلحة، وإضرارا بك، وتعطيلا عن مصالحك، ولا مصلحة لأستاذك في هذا، ولا لك ولا للمسلمين. أو نحو هذا من الكلام، والله أعلم) [مدارج السالكين 1/ 421]. 836 - إذا ضمن الغاصب أو قضى ما عليه: 837 - ودعاء المغصوب منه على الغاصب: - قال ابن مفلح: (وذكر أبو يعلى الصغير: أن بالضمان والقضاء بلا توبة يزول حق الآدمي ويبقى مجرد حق الله، نقل عبد الله فيمن ادَّان على أن يؤديه فعجز: هذا أسهل من الذي اختان، وإن مات على عدمه، فهذا واجب عليه. قال شيخنا: يرجى أن يقضيه الله عنه. وقال جده: لا يطالب به في الدنيا ولا الآخرة. وقاله أبو يعلى الصغير بما يقتضي أنه وفاق ... قال شيخنا: وللمظلوم الاستعانة بمخلوق، فبخالقه أولى، فله الدعاء بما آلمه بقدر ما موجبه (1) ألم ظلمه، لا على من شتمه، أو أخذ ماله بالكفر، ولو كذب عليه لم يفتر عليه، بل يدعو الله بمن يفتري عليه نظيره، وكذا إن أفسد عليه دينه. قال: ومن ثبت (2) دينه باختياره، وتمكن منه، فلم يستوفه حتى مات= طالب به ورثته، وإن عجز هو وورثته فالمطالبة له يوم القيامة في الأشبه، كما في المظالم، للخبر: «من كانت له عند أخيه مظلمة من دم أو مال»، لأنها لو انتقلت لما استقر لمظلوم حق في الآخرة، والإرث مشروط بالتمكين من _________ (1) في «الاختيارات» للبعلي: (يوجبه). (2) في بعض نسخ «الاختيارات» للبعلي: (ومن ترك).
(1/600)
الاستيفاء، كما أنه مشروط بالعلم بالوارث، فلو مات من له عصبة بعيدة لا يعرف نسبه لم يرثه في الدنيا ولا الآخرة، وهذا عام في حق الله، والعبد مشروط بالتمكين من العلم والقدرة، والمجهول والمعجوز عنه كالمعدوم، قال عليه السلام لما تعذر رب اللقطة: «هي مال الله يؤتيه من يشاء»، قال أحمد: الدعاء قصاص، ومن دعا على من ظلمه فما صبر، يريد أنه انتصر {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] وأجره أعظم، ويعزه الله ولا يذله، والله أعلم). [الفروع 4/ 527 ــ 528 (7/ 266 - 267)] (1). وانظر: ما تقدم في المسألة رقم (833). 838 - أخذ حقه من الغير بغير رضا من عليه الحق: - قال ابن القيم: (وقد احتج بعض الفقهاء بقصة يوسف على أنه يجوز للإنسان التوصل إلى أخذ حقه من الغير بما يمكنه الوصول إليه بغير رضا من عليه الحق. قال شيخنا: وهذه الحجة ضعيفة، فإن يوسف عليه السلام لم يكن يملك حبس أخيه عنده بغير رضاه، ولم يكن هذا الأخ ممن ظلم يوسف حتى يقال: قد اقتص منه، وإنما سائر الإخوة هم الذين كانوا قد فعلوا ذلك، نعم كان تخلفه عنهم مما يؤذيهم لتأذي أبيهم، وللميثاق الذي أخذه عليهم، وقد استثنى في الميثاق بقوله: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] وقد أحيط بهم، ويوسف عليه السلام لم يكن قصده باحتباس أخيه الانتقام من إخوته، فإنه كان أكرم من هذا، وإن كان في ضمن ما فعل من تأذي أبيه أعظم من أذى _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (241).
(1/601)
إخوته، فإنما ذلك أمر أمره الله تعالى به ليبلغ الكتاب أجله، ويتم البلاء الذي استحق به يوسف ويعقوب عليهما السلام كمال الجزاء وعلو المنزلة، وتبلغ حكمة الله تعالى التي قدرها وقضاها نهايتها. ولو فرض أن يوسف عليه السلام قصد الاقتصاص منهم بما فعل= فليس هذا بموضع خلاف بين العلماء، فإن الرجل له أن يعاقب بمثل ما عوقب به، وإنما موضع الخلاف: هل له أن يخونه كما خانه، أو يسرقه كما سرقه؟ ولم تكن قصة يوسف عليه السلام من هذا النوع. نعم لو كان يوسف عليه السلام أخذ أخاه بغير أمره= لكان لهذا المحتج شبهة، مع أنه لا شبهة له أيضًا على هذا التقدير، فإن مثل هذا لا يجوز في شرعنا بالاتفاق، ولو كان يوسف قد أخذ أخاه واعتقله بغير رضاه: كان في هذا ابتلاء من الله تعالى لذلك المعتقل، كأمر إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه، فيكون المبيح له على هذا التقدير وحيا خاصا، كالوحي إلى إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه، وتكون حكمته في حق الأخ امتحانه وابتلاءه لينال درجة الصبر على حكم الله، والرضا بقضائه، ويكون حاله في هذا كحال أبيه يعقوب عليه السلام في احتباس يوسف عليه السلام عنه. وقد دل على هذا: نسبة الله سبحانه ذلك الكيد إلى نفسه بقوله: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف: 76] وهو سبحانه ينسب إلى نفسه أحسن هذه المعاني، وما هو منها حكمة وحق وصواب، وجزاء للمسيء، وذلك غاية العدل والحق، كقوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 15 ـ 16]، وقوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]، وقوله: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15]، وقوله:
(1/602)
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142]، وقوله: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183]، فهذا منه سبحانه في أعلى مراتب الحسن، وإن كان من العبد قبيحًا سيئًا، لأنه ظالم فيه، وموقعه بمن لا يستحقه، والرب تعالى عادل فيه موقعه بأهله ومن يستحقه، سواء قيل: إنه مجاز للمشاكلة الصورية، أو للمقابلة، أو سماه كذلك مشاكلة لاسم ما فعلوه، أو قيل: إنه حقيقة، وإن مسمى هذه الأفعال ينقسم إلى مذموم ومحمود، واللفظ حقيقة في هذا وهذا) [إغاثة اللهفان 2/ 152 ــ 153] (1). _________ (1) «بيان الدليل» (211 - 213) مع بعض الاختلاف، وانظر: «الفتاوى» (30/ 150، 371 - 375).
(1/603)
باب الشفعة
839 - إذا اكترى نصف حانوت جاره: - قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا وجها فيمن اكترى نصف حانوت جاره: للمكتري الأول الشفعة من الثاني) [الفروع 4/ 529 (7/ 268)]. 840 - العقار الذي تثبت فيه الشفعة: - قال ابن مفلح: (وإنما تثبت في عقار (1) تجب قسمته، وعنه: أو لا (2)، اختاره ابن عقيل وأبو محمد الجوزي وشيخنا) [الفروع 4/ 529 (7/ 268 - 269)] (3). 841 - شفعة الجار مع الشركة في الحقوق كالطريق ونحوه: - قال ابن القيم: ( ... فأهل الكوفة: يثبتون شفعة الجوار، مع تميز الطرق والحقوق، وأهل المدينة: يسقطونها، مع الاشتراك في الطريق والحقوق، وأهل البصرة: يوافقون أهل المدينة، إذا صرفت الطرق، ولم يكن هناك اشتراك في حق من حقوق الأملاك، ويوافقون أهل الكوفة إذا اشترك _________ (1) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (ظاهر كلامهم أن العقار: الأرض فقط، وأن الغراس والبناء ليس بعقار، لقوله: إن الغراس والبناء المفرد لا شفعة فيه، لأنه ليس بعقار، وإنما يؤخذ الغراس والبناء تبعا، أي: إذا بيع الغراس والبناء مع الأرض، يؤخذ بالشفعة تبعا للأرض ... الخ) وهو مهم فليراجعه من أحب الازدياد. (2) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (أي: لا يجب قسمته). (3) «الفتاوى» (30/ 381 - 382)، «الاختيارات» للبعلي (243).
(1/604)
الجاران في حق من حقوق الأملاك، كالطريق وغيرها، وهذا هو الصواب، وهو أعدل الأقوال، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية) [إعلام الموقعين 2/ 150]. - وقال أيضا: (إذا اشترى دارا أو أرضا وقد وقعت الحدود وصرفت الطرق بينه وبين جاره فلا شفعة فيها، وإن كانت الحدود لم تقع ولم تصرف الطرق بل الطريق واحدة ففيها الشفعة، هذا الأقوال (1) في شفعة الجوار، وهو مذهب أهل البصرة، وأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام) [إعلام الموقعين 3/ 379 - 380]. - وقال أيضا: ( ... بل شفعة الجوار عنده (2) مما يسوغ القول بها، وفيها أحاديث صحاح لا ترد، ولهذا اختلف قوله فيها، فمرة نفاها، ومرة أثبتها، ومرة فصّل بين أن يشتركا في حقوق الملك ــ كالطريق والماء وغيره ــ وبين أن لا يشتركا في شيء من ذلك فلا يثبت، وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه، وبه تجتمع الأحاديث، وهو اختيار شيخ الإسلام) [إعلام الموقعين 4/ 169]. - وقال ابن مفلح: (وقيل: وتثبت لجار، وحكاه القاضي يعقوب في «التبصرة» رواية، واختاره شيخنا مع الشركة في الطريق) [الفروع 4/ 529 (7/ 270)] (3). _________ (1) كذا، ولعل الصواب: (أعدل الأقوال). (2) أي: عند الإمام أحمد. (3) «الفتاوى» (30/ 382 - 383)، «الاختيارات» للبعلي (243).
(1/605)
842 - التحايل لإسقاط حق الشفعة: - قال ابن مفلح: (وإن تحيل لإسقاطها لم تسقط، قال أحمد: لا يجوز شيء من الحيل في إبطال ذلك، ولا في إبطال حق مسلم، ويحرم بعد وجوبها اتفاقًا. قاله شيخنا) [الفروع 4/ 538 (7/ 279)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (30/ 386)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (243).
(1/606)
باب إحياء الموات
843 - البئر العادية: - قال ابن مفلح: (وحريم البئر العادية ــ نسبة إلى عاد، ولم يرد (1) عادًا بعينها، وعند شيخنا: هي التي أعيدت ــ خمسون ذراعًا من كل جانب) [الفروع 4/ 555 (7/ 299)] (2). 844 - إذا تنازل عن وظيفة الإمامة لمعين: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا فيمن نزل عن وظيفة الإمامة: لا يتعين المنزول له، ويولي من إليه الولاية من يستحق التولية شرعًا) [الفروع 4/ 558 (7/ 302)]. 845 - مسألة: - قال ابن مفلح: (وقيل لشيخنا: إن أطلق ولي الأمر من المصالح من وقف عليها أو غيره، سكن زاوية وأطلق لها ما تحتاج إليه هي والفقراء؟ فقال: إن استحق تناوله لحاجته مع دينه أو لمنفعة عامة ونحوه= جاز) [الفروع 4/ 559 (7/ 303)]. _________ (1) في ط 2: (ولم نُرد)، والمثبت من ط 1. (2) «الاختيارات» للبعلي (245).
(1/607)
باب اللقطة
846 - لقطة الحرم لا تملك: - قال ابن القيم: (وقد روى أبو داود في «سننه»: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لقطة الحاج. وقال ابن وهب: يعني: يتركها حتى يجدها صاحبها. قال شيخنا: وهذا من خصائص مكة، والفرق بينها وبين سائر الآفاق في ذلك: أن الناس يتفرقون عنها إلى الأقطار المختلفة، فلا يتمكن صاحب الضالة من طلبها والسؤال عنها، بخلاف غيرها من البلاد) [زاد المعاد 3/ 453 ــ 454]. - وقال ابن مفلح: (وعنه (1): لا تملك لقطة الحرم، اختاره شيخنا وغيره من المتأخرين) [الفروع 4/ 568 (7/ 315)] (2). _________ (1) أي: الإمام أحمد. (2) «الاختيارات» للبعلي (246).
(1/608)
باب الوقف
847 - إذا فعل ما يدل على أنه أوقف ملكه: - قال ابن مفلح: (يصح بفعل دال عليه عرفًا، كمن جعل أرضه مسجدًا أو مقبرة وأذن فيهما. نص عليه. قال شيخنا: أو أذن فيه وأقام) [الفروع 4/ 581 (7/ 329)] (1). 848 - إذا قال: قريتي اللتي بالثغر لموالي الذين به ولأولادهم: 849 - واستئجار الوقف زيادة على شرط الواقف, وتغيره لمصلحة نفسه: - قال ابن مفلح: (وصحح في رواية يعقوب وقف من قال: قريتي التي بالثغر لموالي الذين به، ولأولادهم، وقاله شيخنا. وقال: إذا قال واحد أو جماعة: جعلنا هذا المكان مسجدًا أو وقفًا، صار مسجدًا ووقفا بذلك وإن لم يكملوا عمارته، وإذا قال كل منهم: جعلت ملكي للمسجد أو في المسجد ونحو ذلك، صار بذلك حقًا للمسجد. وفي هذه المسألة قال شيخنا: ليس له أن يستأجر الوقف زيادة على شرط الواقف، ولا يغيره لمصلحة نفسه (2)، بل إذا غيره لمصلحة نفسه: ألزم _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (246). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (ذكر هنا تغيير الوقف لمصلحة نفسه، وأما تغييره لمصلحة الوقف من زيادة النفع ونحو ذلك، فقد ذكره في آخر الباب عند مسألة: بيع الوقف، والمناقلة به، وحفر الساقية، وإحداث الباب والخوخة في العين الموقوفة، وقد ذكره المصنف في باب الصلح، في فصل: من صولح بعوض على إجراء ماء) ا. هـ.
(1/609)
بإعادته إلى مثل ما كان، وبضمان ما فوته من غير منفعة، وعلى ولاة الأمور إلزامه بما يجب عليه، فإن أبى: عوقب بحبس وضرب ونحوه، فإن المدين يعاقب بذلك، فكيف بمن امتنع من فعل واجب مع تقدم ظلم) [الفروع 4/ 581 - 582 (7/ 329 - 330)] (1). 850 - الوقف على نفسه: - قال ابن مفلح: (ولا على نفسه (2)، وعنه: يصح. ذكره في «المذهب» ظاهر المذهب، واختاره ابن أبي موسى وابن عقيل (3) وأبو المعالي وشيخنا، كشرط غلته له، أو لولده مدة حياته في المنصوص) [الفروع 4/ 585 (7/ 335 - 336)] (4). 851 - حيلة لوقف الإنسان على نفسه إذا قيل بعدم صحته: - قال ابن القيم: (قال شيخنا: ومن الحيل الجديدة التي لا أعلم بين فقهاء الطوائف خلافا في تحريمها أن يريد الرجل أن يقف على نفسه وبعد (5) موته على جهات متصلة، فيقول له أرباب الحيل: أقر أن هذا المكان الذي بيدك وقف عليك من غيرك، ويعلمونه الشروط التي يريد _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (246). (2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (قوله: «ولا» يصح الوقف «على نفسه» ... الخ). (3) نبه المرداوي في «تصحيح الفروع» إلى أن هذا النقل عن ابن أبي موسى وابن عقيل فيه نظر. (4) «الاختيارات» للبعلي (247). (5) في الأصل: (بعد)، والتصويب من «بيان الدليل».
(1/610)
إنشاءها، فيجعلها إقرارا، فيعلمونه الكذب في الإقرار، ويشهدون على الكذب وهم يعلمون، ويحكمون بصحته ولا يستريب مسلم في أن هذا حرام، فإن الإقرار شهادة من الإنسان على نفسه، فكيف يلقن شهادة الزور ويشهد عليه بصحتها؟ ثم إن كان وقف الإنسان على نفسه باطلا في دين الله فقد علمتموه حقيقة الباطل، فإن الله تعالى قد علم أن هذا لم يكن وقفا قبل الإقرار، ولا صار وقفا بالإقرار الكاذب، فيصير المال حراما على من يتناوله إلى يوم القيامة، وإن كان وقف الإنسان على نفسه صحيحا فقد أغنى الله تعالى عن تكلف الكذب) [إعلام الموقعين 3/ 290] (1). 852 - اعتبار القربة في الوصية: 853 - وإذا جعل الكفر أو الجهل شرطا في الاستحقاق: - قال ابن مفلح: (ولا يعتبر في الوصية القربة، خلافًا لشيخنا، فلهذا قال: لو جعل الكفر أو الجهل شرطًا في الاستحقاق لم يصح، فلو وصى لأجهل الناس لم يصح. وقال: لو حبس الذمي من مال نفسه شيئا على معابدهم لم يجز للمسلمين الحكم بصحته، لأنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله. قال: ومما أنزل الله أن لا يعاونوا على شيء من الكفر والفسوق والعصيان، فكيف يعاونون بالحبس على المواضع التي يكفرون فيها) [الفروع 4/ 587 - 588 (7/ 338)] (2). _________ (1) «بيان الدليل» (150). (2) انظر: «الفتاوى» (28/ 655؛ 31/ 27، 30، 47، 60).
(1/611)
854 - الوقف على الصوفية: - قال ابن مفلح: (ويصح على الصوفية، قال شيخنا: فمن كان منهم جماعا للمال، ولم يتخلق بالأخلاق المحمودة، ولا تأدب بالآداب الشرعية غالبًا، أو فاسقًا: لم يستحق ــ لا آداب وضعية (1) ــ وإن كان قد يجوز للغني مجرد السكنى) [الفروع 4/ 588 (7/ 339)] (2). 855 - أخذ الريع قبول: - قال ابن مفلح: (وقيل: إذا كان على آدمي معين اشترط قبوله، كهبة، ووصية. قال شيخنا: فأخذ ريعه قبول) [الفروع 4/ 589 (7/ 341)] (3). 856 - إذا رد نصيبه من الوقف ثم قبل: - قال ابن مفلح: (ولو وقف على ثلاثة ثم على الفقراء، فمات بعضهم أو رد، فنصيبه للباقي، فإن ماتوا أو ردوا فللفقراء، وقال شيخنا: اختلف فيما إذا رد ثم قبل، هل يعود (4)؟ وإن لم يقبل: فقيل: كمنقطع الابتداء، وقيل: يصح، وهو أصح، كتعذر استحقاقه لفوت وصف فيه) [الفروع 4/ 589 (7/ 341)]. _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: الآداب التي وضعت وليست شرعية). (2) «الاختيارات» للبعلي (247)، وانظر: «الفتاوى» (31/ 54 - 56). (3) «الاختيارات» (251). (4) يبدو أن كلام ابن تيمية ينتهي هنا، وهو ما يقتضيه صنيع صاحب «الإنصاف» (7/ 28 - 29. ط: الفقي).
(1/612)
857 - إذا شرط النظر له بعد موته فعزل نفسه أو فسق: - قال ابن مفلح: (ومن شرط نظره له لم يعزله بلا شرط، وإن شرطه لنفسه ثم لغيره، أو فوضه إليه، أو أسنده، فوجهان، وللناظر بالأصالة (1) النصب والعزل، وكذا للناظر بالشرط ــ إن جاز للوكيل التوكيل ــ، ومن شرطه له إن مات (2) فعزل نفسه، أو فسق فكموته، لأن تخصيصه للغالب. ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 593 (7/ 344 - 347)] (3). 858 - لا نظر لغير الناظر معه: - قال ابن مفلح: (وللناظر التقرير في الوظائف، ذكروه في ناظر المسجد، وذكر في «الأحكام السلطانية»: أنه يقرِّر في الجوامع الكبار الإمام، ولا يتوقف الاستحقاق على نصبه (4) إلا بشرط، ولا نظر لغيره معه. أطلقه الأصحاب، وقاله شيخنا) [الفروع 4/ 593] (5). 859 - للحاكم ضم أمين إلى الناظر إن حصل منه تفريط أو كان متهما: - قال ابن مفلح: (وللحاكم النظر العام، فيعترض عليه إن فعل ما لا يسوغ، وله ضم أمين مع تفريطه أو تهمته يحصل به المقصود. قاله شيخنا وغيره) [الفروع 4/ 594 (7/ 394)] (6). _________ (1) انظر: كلام ابن قندس حول هذه العبارة في «حاشيته على الفروع» (7/ 346). (2) بأن يقول: النظر بعد موته له، كما يأخذ من كلام المرداوي في «تصحيح الفروع». (3) «الاختيارات» للبعلي (251). (4) في ط 1: (نصه)، والمثبت من ط 2. (5) انظر: «الإنصاف» (7/ 62 - 63). (6) «الاختيارات» للبعلي (251).
(1/613)
860 - إذا ثبت فسق الناظر ثم تاب: 861 - وإذا فرط سقط مما له بقدر ما فوته: - قال ابن مفلح: (ومن ثبت فسقه، أو أصر (1) متصرفا بخلاف الشرط الصحيح عالما بتحريمه= قدح فيه، فإما أن ينعزل، أو يُعزل، أو يضم إليه أمين، على الخلاف المشهور (2)، ثم إن صار هو أو الوصي أهلا: عاد، كما لو صرح به، وكالموصوف. ذكره شيخنا، قال: ومتى فرط سقط مما له بقدر ما فوته من الواجب) [الفروع 4/ 594 ــ 595 (7/ 349 - 350)] (3). 862 - ما يأخذه العامل إذا لم يسم له شيء: 863 - وإذا أطلق النظر لحاكم دون تحديد المذهب: 864 - وشرط الواقف النظر لذي مذهب معين دائما: 865 - وإذا وقف لمدرس وفقهاء فمن الذي يقدر أعطياتهم؟ - قال ابن مفلح: (وفي «الأحكام السلطانية» في العامل يستحق ماله إن كان معلومًا، فإن قصر فترك بعض العمل= لم يستحق ما قابله، وإن كان بجناية منه استحقه، ولا يستحق لزيادة، وإن كان مجهولا فأجرة مثله، فإن كان مقدرًا في الديوان وعمل به جماعة= فهو أجر المثل، وإن لم يسم له _________ (1) في «الاختيارات» للبعلي: (أضر). (2) علق على هذا ابن قندس في «حاشيته على الفروع»، والمرداوي في «تصحيح الفروع». (3) انظر: «الاختيارات» للبعلي (251 - 252)، وانظر «حاشية الفروع» لابن قندس (11/ 367 - 368).
(1/614)
شيئا، فقياس المذهب: إن كان مشهورًا بأخذ الجاري على عمله فله جاري مثله، وإلا فلا شيء له، وله الأجرة من وقت نظره فيه. وقاله شيخنا. قال شيخنا: ومن أطلق النظر لحاكم: شمل أي حاكم كان (1)، سواء كان مذهبه مذهب حاكم البلد زمن الواقف أو لا، وإلا لم يكن له نظر إذا انفرد، وهو باطل اتفاقا، ولو فوضه حاكم لم يجز لآخر نقضه، ولو ولى كل منهما شخصًا قدم ولي الأمر أحقهما. وقال شيخنا: لا يجوز لواقف شرط النظر لذي مذهب معين دائما، ومن وقف على مدرس وفقهاء فللناظر ثم للحاكم تقدير أعطيتهم، فلو زاد النماء فهو لهم، والحكم بتقديم مدرس أو غيره باطل، لم نعلم أحدًا يعتد به قال به، ولا بما يشبهه، ولو نفذه حاكم (2)، لأنه إنما يجوز أن ينفذ حكم من هو أهل لحكمه مساغ، والضرورة وإن ألجأت إلى تنفيذ حكم المقلد، فإنما هو إذا وقف على حد التقليد، ولم يتجاسر على قضية لو نزلت على عمر - رضي الله عنه - لجمع لها أهل الشورى، وبطلانه لمخالفته مقتضى الشرط وللعرف أيضا، لأنه لا يقصد، ولأنه حكم في غير محل ولاية الحكم، لأن النماء لم يخلق، وليس هذا كحكمه أن مقتضى شرط الواقف كذا حيث ينفذ في حاضر ومستقبل، لأن ذلك نظر في موجب عقد الوقف، وليس التقدير من مقتضيات المطلق، وليس تقدير الناظر أمرًا حتما كتقدير الحاكم، بحيث لا يجوز له أو لغيره زيادته ونقصه للمصلحة. _________ (1) علق على هذا الموضع ابن قندس في «حاشيته على الفروع». (2) في ط 1: (حكام)، والمثبت من ط 2.
(1/615)
وإن قيل: إن المدرس لا يزداد ولا ينقص بزيادة النماء ونقصه كان باطلا، لأنه لهم، والقياس أنه يسوى بينهم، ولو تفاوتوا في المنفعة، كالإمام والجيش في المغنم، لا سيما عند من يسوي في قسم الفيء، لكن دل العرف على التفضيل، وإنما قدم القيم ونحوه، لأن ما يأخذه أجرة، ولهذا يحرم أخذه فوق أجرة مثله بلا شرط. ذكر ذلك كله شيخنا، وجعل الإمام والمؤذن كالقيم، بخلاف المدرس والمعيد والفقهاء، فإنهم من جنس واحد، وذكر بعضهم في مدرس وفقهاء ومتفقهة وإمام وقيم، ونحو ذلك يقسم بينهم بالسوية، ويتوجه روايتا عامل زكاة الثمن أو الأجرة) [الفروع 4/ 595 - 596 (7/ 350 - 353)] (1). 866 - إذا تعطل مغل وقف مسجد سَنَةً: - قال ابن مفلح: (قال (2): ولو عطل مغل وقف مسجد سنة تقسطت الأجرة المستقبلة عليها، وعلى السنة الأخرى لتقوم الوظيفة فيهما، فإنه خير من التعطيل، ولا ينقص الإمام بسبب تعطل الزرع بعض العام. فقد أدخل مغل سنة في سنة، وأفتى غير واحد منا في زمننا فيما نقص عما قدره الواقف كل شهر أنه يتمم مما بعد، وحكم به بعضهم بعد سنين، ورأيت غير واحد لا يراه) [الفروع 4/ 596 - 597 (7/ 353 - 354)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (252)، وانظر: «الفتاوى» (31/ 73 - 74). (2) في حاشية ط 1: (في هامش مخطوط الأزهر: أي: شيخنا). (3) «الاختيارات» للبعلي (253).
(1/616)
867 - إذا لم يقم العامل بوظيفته غَيَّره من له الولاية: - قال ابن مفلح: (وقال (1): ومن لم يقم بوظيفته غَيَّرَه من له الولاية لمن يقوم بها إذا لم يتب الأول، ويلتزم بالواجب) [الفروع 4/ 597 (7/ 354)] (2). 868 - ليس للناس أن يولوا عليهم الفساق: 869 - ومحاسبة عمال الوقف والسؤال عن حالهم: 870 - ومباشرة الإمام المحاسبة بنفسه: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: قد تجوز الصلاة خلف من لا تجوز توليته، وليس للناس أن يولوا عليهم الفساق، وإن نفذ حكمه أو صحت الصلاة خلفه. وقال أيضًا: اتفق الأئمة على كراهة الصلاة خلفه، واختلفوا في صحتها، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته. وما بناه أهل الشوارع والقبائل من المساجد، فالإمامة لمن رضوه، لا اعتراض للسلطان عليهم، وليس لهم صرفه ما لم يتغير حاله، وليس له أن يستنيب إن غلب، ولهم انتساخ كتاب الوقف والسؤال عن حاله (3). _________ (1) في حاشية ط 1: (وفي هامش مخطوط الأزهر: أي: شيخنا). (2) «الاختيارات» للبعلي (253). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال الحارثي في «شرح المقنع»: قال أصحابنا ــ ابن أبي موسى والسامري وغير واحد -: لا اعتراض لأهل الوقف على من ولاه الواقف أمر الوقف، إذا كان أمينا، ولهم مسألته عما يحتاجون إلى عمله من أمر وقفهم، حتى يستوي علمهم فيه وعلمه، ولهم مطالبته بانتساخ كتاب الوقف، لتكون نسخته في أيديهم وثيقة لهم. انتهى، وأصله رواية يوسف بن موسى أن أحمد قيل له: هل لأهل الوقف أن يسألوا الوصيَّ نسخة الكتاب لتكون عندهم؟ فقال: لهم أن يسألوا عن كل ما أرادوا من نسخة الكتاب بهذا الوقف حتى يكونوا يعلموا علمه، فلا يستطيع أن يخون، أو يغيِّر ما في يده إذا كان متهما، ولم يرض به أهل الوقف. وظاهر هذا امتناع السؤال عند انتفاء التهمة. انتهى كلام الحارثي) ا. هـ.
(1/617)
واحتج شيخنا بمحاسبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عامله على الصدقة، مع أن له ولايةَ صرفِها، والمستحق غير معين، فهنا أولى، ونصه: إذا كان متهما ولم يرضوا به، ونصب المستوفي الجامع للعمال المتفرقين هو بحسب الحاجة والمصلحة، فإن لم تتم مصلحة قبض المال وصرفه إلا به= وجب. وقد يستغني عنه لقلة العمال، ومباشرة الإمام والمحاسبة بنفسه، كنصب الإمام للحاكم (1)، ولهذا كان عليه السلام في المدينة يباشر الحكم، واستيفاء الحساب بنفسه، ويولي مع البعد. ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 598 ــ 599 (7/ 356 - 357)] (2). 871 - سجل كتاب الوقف من الوقف: - قال ابن مفلح: (وسجل كتاب الوقف من الوقف كالعادة. ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 599 (7/ 357)] (3). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: لهم ذلك، كما أن الإمام ينصب الحاكم). (2) انظر: «الفتاوى» (31/ 86 - 87)، «الاختيارات» للبعلي (254، 264). (3) «الاختيارات» للبعلي (254).
(1/618)
872 - نفقة عمارة الوقف: - قال ابن مفلح: (وتجب عمارته بحسب البطون، ذكره شيخنا، وذكر غيره: لا تجب، كالطلق، وتقدم عمارته على أرباب الوظائف، وقال شيخنا: الجمع بينهما حسب الإمكان، بل قد يجب) [الفروع 4/ 599 ــ 600 (7/ 357)] (1). 873 - ما يلزم العمل به من شروط الواقف وما لا يلزم: 874 - ومن قدر له الواقف شيئا فاستحق أكثر بموجب الشرع: - قال ابن مفلح: ( ... ويرجع إلى شرطه (2) في تقديم وتسوية وجمع وضد ذلك، واعتبار وصف وعدمه، وعدم إيجاره أو قدر المدة، واختار شيخنا لزوم العمل بشرط مستحب خاصة، وذكره ظاهر المذهب؛ لأنه لا ينفعه ويعذر غيره، فبذل المال فيه سفه ولا يجوز، وأيده الحارثي بنصه ... في شرط أجرة للناظر. وقال شيخنا: ومن قدر له الواقف شيئا، فله أكثر إن استحقه بموجب الشرع، وقال: الشرط المكروه باطل، اتفاقًا) [الفروع 4/ 600 (7/ 357 - 358)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (254). (2) أي: شرط الواقف. (3) «الاختيارات» للبعلي (253، 254)، وانظر: «الفتاوى» (31/ 13 - 14، 47 - 50، 57 - 64)، «جامع المسائل» (3/ 336).
(1/619)
875 - معنى قول الفقهاء: نصوص الواقف كنصوص الشارع: 876 - والشروط المخالفة لما شرعه الله: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: قول الفقهاء «نصوصه كنصوص الشارع» يعني: في الفهم والدلالة، لا في وجوب العمل، مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصي والحالف والناذر، وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه، ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب أو لغة الشارع أو لا. قال: ولا خلاف أن من وقف على صلاة أو صيام أو قراءة أو جهاد غير شرعي ونحوه، لم يصح. والخلاف في المباح كما لو وقف على الأغنياء لا يُخَرَّجُ مثله هنا، لأنه يفعل لأنه مباح، ولا يجوز اعتقاد غير المشروع مشروعًا وقربة وطاعة، واتخاذه دينا. والشروط، إنما يلزم الوفاء بها إذا لم يفض ذلك إلى الإخلال بالمقصود الشرعي، ولا تجوز المحافظة على بعضها مع فوات المقصود بها. قال: ومن شرط في القربات أن يُقدَّم فيها الصنف المفضول، فقد شرط خلاف شرط الله، كشرطه في الإمامة تقديم غير الأعلم، فكيف إذا شرط أن يختص بالصنف المفضول؟) [الفروع 4/ 600 ــ 601 (7/ 358 - 359)] (1). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (31/ 16، 37، 47 - 48)، «الاختيارات» للبعلي (255).
(1/620)
877 - مسألة: - قال ابن مفلح: (وإن شرط أن لا ينزل فاسق وشرير ومتجوه ونحوه عمل به، وإلا توجه ألا يعتبر في فقهاء ونحوهم، وفي إمام ومؤذن الخلاف، وهو ظاهر كلامهم وكلام شيخنا في موضع. وقال أيضًا: لا يجوز أن ينزل فاسق في جهة دينية، كمدرسة وغيرها، مطلقًا، لأنه يجب الإنكار عليه وعقوبته، فكيف ينزل؟ وإن نزل مستحق تنزيلًا شرعيا لم يجز صرفه بلا موجب شرعي (1)) [الفروع 4/ 601 (7/ 359)]. 878 - كل متصرف بولاية عليه التصرف وفق المصلحة الشرعية: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: كل متصرف بولاية، إذا قيل: يفعل ما شاء، فإنما هو لمصلحة شرعية، حتى لو صرح الواقف بفعل ما يهواه وما يراه مطلقًا: فشرط باطل، لمخالفته الشرع، وغايته أن يكون شرطًا مباحًا، وهو باطل على الصحيح المشهور، حتى لو تساوى فعلان عمل بالقرعة، وإذا قيل هنا بالتخيير فله وجه. قال: وعلى الناظر بيان المصلحة، فيعمل بما ظهر، ومع الاشتباه إن كان عالمًا عادلًا سوغ له اجتهاده. قال: ولا أعلم خلافًا أن من قسم شيئًا يلزمه أن يتحرى العدل ويتبع ما هو أرضى لله ورسوله، استفاد القسمة بولاية، كإمام وحاكم، أو بعقد، كالناظر والوصي) [الفروع 4/ 602 (7/ 360)] (2). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (لا يعزل المنزل بالطريق الشرعي بغير طريق شرعي). (2) «الفتاوى» (31/ 67 - 69)، «الاختيارات» للبعلي (255 - 256).
(1/621)
879 - أجرة الناظر: - قال ابن مفلح: (وإن شرط لناظره أجرة فكلفته عليه، حتى تبقى أجرة مثله، نص عليه. وقال الشيخ: من الوقف، قيل لشيخنا: فله العادة بلا شرط؟ فقال: ليس له إلا ما يقابل عمله) [الفروع 4/ 603 (7/ 361)] (1). 880 - ما يأخذه الفقهاء من الوقف: 881 - وتولي الوظائف التي لها معلوم كبير ثم الاستنابة عليها بمعلوم يسير: 882 - والإنابة في أعمال الوقف: - قال ابن مفلح: (وما يأخذه الفقهاء من الوقف، هل هو كإجارة، أو جعالة، واستحق ببعض العمل، لأنه يوجب العقد عرفًا؛ أو هو كرزق من بيت المال؟ فيه أقوال (2)، قاله شيخنا، واختار هو الأخير (3). _________ (1) «الفتاوى» (31/ 260 - 261)، «الاختيارات» للبعلي (256). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال في «الاختيارات» في الإجارة: وما يؤخذ من بيت المال ليس عوضا وأجرة، بل رزق للإعانة على الطاعة، فمن عمل منهم لله تعالى أثيب، وما يأخذه رزق للإعانة على الطاعة. وهذا موجود في كلام المصنف في الإجارة، قال في «الاختيارات»: وكذلك المال الموقوف على أعمال البر، والموصى به، أو المنذور به، ليس كالأجرة والجعل في الإجارة والجعالة الخاصة) ا. هـ. (3) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (قال الشيخ تقي الدين: وما يؤخذ من بيت المال فليس عوضا وأجرة، بل رزق للإعانة على الطاعة، وكذلك المال الموقوف على أعمال البر والموصى به أو المنذور له ليس كالإجارة والجعل. انتهى. وقال القاضي في «خلافه»: ولا يقال: إن منه ما يؤخذ أجرة عن عمل، كالتدريس ونحوه، لأنا نقول: أولا: لا نسلم أن ذلك أجرة محضة، بل هو رزق وإعانة على العلم بهذه الأموال. انتهى والظاهر أن الشيخ تقي الدين أخذ اختياره من هذا، وهذا هو الصواب ... ) ا. هـ المقصود.
(1/622)
قال: ومِنْ أَكْلِ المال بالباطل قوم لهم رواتب أضعاف حاجاتهم، وقوم لهم جهات معلومها كبير (1) يأخذونه ويستنيبون بيسير. وقال أيضًا: النيابة في مثل هذه الأعمال المشروطة جائز، ولو عينه الواقف، إذا كان مثل مستنيبه، وقد يكون في ذلك مفسدةٌ راجحةٌ (2)، كالأعمال المشروطة في الإجارة على عمل في الذمة) [الفروع 4/ 604 (7/ 361 ــ 362)] (3). _________ (1) في ط 1: (كثير)، والمثبت من ط 2. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (من خط ابن مغلي - رحمه الله - تعالى: كذا في النسخ، وصوابه: إن لم يكن في ذلك مفسدة راجحة. كذا هو في «فتاوى الشيخ») ا. هـ. وقال المرداوي في «تصحيح الفروع» ــ بعد أن نقل كلام ابن مغلي -: (قلت: لو قيل: «وقد يكون في مثل ذلك مصلحة راجحة» = لكان أولى، ثم وجدت ابن نصر الله في «حواشيه» قال: لعله مصلحة. انتهى، لكن المرجع في ذلك إلى ما قاله الشيخ تقي الدين، ثم وجدت الشيخ تقي الدين قال في بعض «فتاويه»: وبكل حال، فالاستخلاف في مثل هذه الأعمال المشروطة جائز، ولو نهى الواقف عنه، إذا كان النائب مثل المستنيب ولم يكن في ذلك مفسدة راجحة) ا. هـ. (3) «الاختيارات» للبعلي (223، 256، 257)، وانظر: «الفتاوى» (28/ 572؛ 31/ 42)
(1/623)
883 - المستحق من ثمرة الوقف: - قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: الثمرة للموجود عند التأبير أو بدو الصلاح. ويشبه الحمل إن قدم إلى ثغر موقوف [عليه فيه] (1)، أو خرج منه إلى بلد موقوف عليه فيه، نقله يعقوب، وقياسه: من نزل في مدرسة ونحوه، واختار شيخنا: يستحق بحصته من مغله، وأن من جعله كالولد فقد أخطأ، وأن لورثة إمام مسجد أجرة عمله في أرضه، كما لو كان الفلاح غيره، ولهم من مغله بقدر ما باشره موروثهم من الإمامة) [الفروع 4/ 608 (7/ 367)] (2). 884 - إذا انتفت الشروط في الطبقة الأولى أو بعضهم لم تحرم الثانية: - قال ابن مفلح: (وفي «الانتصار» إذا قوبل جمع بجمع= اقتضى مقابلة الفرد منه بالفرد من مقابله لغة، فعلى هذا الأظهر استحقاق الولد، وإن لم يستحق أبوه. قاله شيخنا. ومن ظن أن الوقف كالإرث، فإن لم يكن والده أخذ شيئا لم يأخذ هو فلم يقله أحد من الأئمة، ولم يدر ما يقول! ولهذا لو انتفت (3) الشروط في الطبقة الأولى أو بعضهم= لم تحرم الثانية مع وجود الشروط فيهم «ع» ولا فرق. قاله شيخنا) [الفروع 4/ 609 (7/ 368)] (4). _________ (1) استدركت من ط 2، وليست في ط 1. (2) «الاختيارات» للبعلي (257، 259). (3) في ط 1: (اتبعت)، والمثبت من ط 2. (4) «الاختيارات» للبعلي (259)، وانظر: «الفتاوى» (31/ 81 - 83).
(1/624)
- وقال أيضا: (فعلى قول شيخنا: إن قال بطنا بعد بطن ونحوه، فترتيب جملة، مع أنه محتمل، فإن زاد على أنه إن توفي أحد من أولاد الموقوف عليه ابتداء في حياة والده وله ولد، ثم مات الأب عن أولاده لصلبه، وعن ولد ولده لصلبه الذي مات أبوه قبل استحقاقه فله معهم ما لأبيه لو كان حيا، فهو صريح في ترتيب الأفراد. وقال أيضًا فيما إذا قال: بطنا بعد بطن، ولم يزد شيئا: هذه المسألة فيها نزاع، والأظهر أن نصيب كل واحد ينتقل إلى ولده، ثم إلى ولد ولده، ولا مشاركة، وإن قال: على أن نصيب الميت عن غير ولد لدرجته، والوقف مشترك بين البطون، فهل هو لأهل الوقف أو لبطنه منهم كالمرتب؟ فيه احتمالان، فإن لم يوجد في درجته أحد: فالحكم كما لو لم يذكر الشرط، وإن كان الوقف على البطن الأول على أن نصيب الميت منه عن غير ولد لدرجته، فهل نصيبه لأهل الوقف أو لبطنه؟ وإن كانوا من أهل الوقف، فيه احتمالات، ولا شيء لمن لا يستحق بحال. وقوله: «من مات عن ولد فنصيبه لولده» يشمل الأصلي والعائد، واختار شيخنا الأصلي (1)، لأن والديهما لو كانا حيين: اشتركا في العائد، _________ (1) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (صورة النصيب العائد والأصلي: إذا وقف على أولاده ثم على أولادهم أبدا على أن من مات عن ولد فنصيبه لولده، ومن مات عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته من إخوته، ثم مات بعض أولاده عن غير ولد، فانتقل نصيبه إلى من في درجته من إخوته، ثم مات ولد آخر عن ولد= انتقل نصيب أبيه الأصلي إلى ولده، وأما ما عاد إلى أبيه من نصيب أخيه فهل يستحقه هذا الولد لأنه قد صار من نصيبه، أم لا يستحقه الولد بل يستحقه بقية الطبقة، لأن أباه إنما استحقه بمساواته للميت في الدرجة، وابنه ليس بمساو للميت في الدرجة فلا يستحقه، ونصيب أبيه هو ما استحقه أبوه بالإحالة دون هذا العائد؟ هذا فيه وجهان، حكاهما أبو العباس - رضي الله عنه -، ورجح الثاني كما أشار إليه المصنف كما ذكرنا، والله أعلم) ا. هـ.
(1/625)
فكذا ولدهما) [الفروع 4/ 612 (7/ 369 - 371)] (1). 885 - إذا قال: أولادي ثم أولادهم الذكور والإناث، ثم أولادهم الذكور من ولد الظهر فقط، ثم نسلهم وعقبهم: 886 - وإذا قال: ومن مات عن غير ولد وإن سفل= فنصيبه لإخوته، ثم نسلهم وعقبهم: - قال ابن مفلح: (ولو قال: أولادي ثم أولادهم الذكور والإناث، ثم أولادهم الذكور من ولد الظهر فقط، ثم نسلهم وعقبهم، ثم الفقراء، على أن من مات منهم وترك ولدًا وإن سفل فنصيبه له، فمات أحد الطبقة الأولى، وترك بنتا فماتت، ولها أولاد. فقال شيخنا: ما استحقته قبل موتها لهم، ويتوجه: لا (2). ولو قال: ومن مات عن غير ولد وإن سفل= فنصيبه لإخوته، ثم نسلهم _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (259 - 260). (2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (الذي يظهر ما وجهه المصنف، وأن أولادها لا يستحقون شيئا، لأن الواقف لم يعط من ولد الظهر والبطن إلا الأولاد وأولاد الأولاد، ثم خص أولاد الظهر بعدهما بالوقف، وأولاد هذه البنت ليسوا من أولاد الظهر، وهي من الطبقة الثانية، وقوله: «على أن من مات منهم وترك ولدا وإن سفل فنصيبه له» يعني: إن كان من أهل الوقف المذكور أولا، وأولادها ليسوا منهم، والله أعلم) ا. هـ.
(1/626)
وعقبهم، عَمَّ من لم يعقب، ومن أعقب ثم انقطع عقبه، لأنه لا يقصد غيره، واللفظ يحتمله: فوجب الحمل عليه قطعًا. ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 612 (7/ 371 - 372)] (1). 887 - لا فرق بين العطف بالواو والفاء وثم: - قال ابن مفلح: (وعموم كلامهم: لا فرق بين العطف بواو وفاء وثم. قاله شيخنا) [الفروع 4/ 614 (7/ 375)] (2). 888 - أزواجه من أهله ومن أهل بيته: - قال ابن مفلح: (وعنه: أزواجه من أهله ومن أهل بيته، ذكره شيخنا، وقال: في دخولهن في آله وأهل بيته روايتان، واختار الدخول، وأنه قول الشريف، ولفظ أهل بيته يضارع آله، وأن الشخص يدخل فيهما (3) لا في أهله، لأنه ممن يؤهل بيته لا نفسه) [الفروع 4/ 615 ــ 616 (7/ 377)]. وانظر ما تقدم في المسألة رقم: (195). 889 - الغلام الذي ليس له أب يعرف ببلاد الإسلام: - قال ابن مفلح: (والصبي والغلام من لم يبلغ، ومثله اليتيم بلا أب، ولو جهل بقاء أبيه فالأصل بقاؤه في ظاهر كلامهم، وقال شيخنا: يعطى من _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (260). (2) انظر: «الفتاوى» (31/ 66 - 67، 146، 151). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: في آله وأهل بيته، فإذا وقف الشخص على آله وأهل بيته دخل الواقف في الوقف، وإذا وقف على أهله لا يدخل الواقف) ا. هـ.
(1/627)
ليس له ببلد الإسلام أب يعرف، قال: ولا يعطى كافر، فدل أنه لا يعطى من وقف عام، وهو ظاهر كلامهم في مواضع، ويتوجه وجه) [الفروع 4/ 618 (7/ 379)] (1). 890 - أحوال استعمال المباحات: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: الإسراف في المباح هو مجاوزة الحد، وهو من العدوان المحرم، وترك فضولها من الزهد المباح، والامتناع منه مطلقًا، كمن يمتنع من اللحم أو الخبز أو الماء أو لبس الكتان والقطن أو النساء= فهذا جهل وضلال، والله أمر بأكل الطيب والشكر له، والطيب: ما ينفع ويعين على الخير، وحرم الخبيث، وهو: ما يضر في دينه) [الفروع 4/ 618 (7/ 380)]. - وقال أيضا: (وقال الشيخ تقي الدين في موضع آخر: الإسراف في المباحات هو مجاوزة الحد، وهو من العدوان المحرم، وترك فضولها هو من الزهد المباح، وأما الامتناع من فعل المباحات مطلقا، كالذي يمتنع من أكل اللحم، أو أكل الخبز، أو شرب الماء، أو من لبس الكتان والقطن، ولا يلبس إلا الصوف، ويمتنع من نكاح النساء، ويظن أن هذا من الزهد المستحب= فهذا جاهل ضال ... إلى أن ذكر: أن الله أمر بالأكل من الطيبات، والشكر له، والطيب هو ما ينفع الإنسان ويعينه على الطاعة، وحرَّم الخبائث، وهو ما يضره في دينه، وأمر بشكره، وهو العمل بطاعته، بفعل المأمور به، وترك المحظور. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (262)، وانظر: «مختصر الفتاوى» (403).
(1/628)
قال: فمن أكل من الطيبات ولم يشكر ربه ولم يعمل صالحا= كان معاقبا على ما تركه من فعل الواجبات، ولم يحل له الطيبات، فإن الله تعالى إنما أحلها لمن يستعين بها على طاعته، ولم يحلها لمن يستعين بها على معصيته، كما قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة: 93]. قال: ولهذا لا يجوز أن يعان الإنسان بالمباحات على المعاصي، مثل من يعطي الخبز واللحم لمن يشرب الخمر، ويستعين به على الفواحش. قال: وقوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] أي: عن الشكر على النعيم، فيطالب العبد بأداء شكر الله على النعيم، فإن الله تعالى لا يعاقب على ما أباح، وإنما يعاقب على ترك مأمور وفعل محذور. انتهى كلامه) [الآداب الشرعية 3/ 187 - 188] (1). وانظر: ما تقدم في المسألة رقم (146). 891 - مصرف الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن سبيل: - قال ابن مفلح: (والرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل مصارف الزكاة، فتعطى في فداء الأسرى لمن يفديهم، قال شيخنا: أو يوفى ما استدين فيهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان تارة يستدين لأهل الزكاة ثم يصرفها لأهل الدين، فعلم أن الصرف وفاء كالصرف أداء) [الفروع 4/ 619 (7/ 380 - 381)] (2). _________ (1) «الفتاوى» (22/ 134). (2) «الفتاوى» (31/ 201 - 202).
(1/629)
892 - إعطاء من صار مستحقا قبل القسمة: - قال ابن مفلح: (قال (1): ويعطى من صار مستحقًا قبل قسمة المال كزكاة) [الفروع 4/ 619 (7/ 381)]. 893 - إذا قال: «ضع ثلثي حيث أراك الله»: - قال ابن مفلح: (وذكر القاضي و «الترغيب»: أن «ضع ثلثي حيث أراك الله أو في سبيل الله» = البر والقربة لفقير ومسكين وجوبا، والأصح: لا، كفقراء قرابته، مع أن قريبا لا يرثه أحق، فيبدأ بهم، نص عليه. قال شيخنا: ولهذا في وجوب وصيته لهم الخلاف، فدل أن مسألتنا كهي) [الفروع 4/ 619 (7/ 381)]. 894 - الأشراف: - قال ابن مفلح: (والأشراف أهل بيت النبي عليه السلام، ذكره شيخنا، قال: وأهل العراق كانوا لا يسمون «شريفا» إلا من كان من بني العباس، وكثير من أهل الشام وغيرهم لا يسمون إلا من كان علويا. قال: ولم يعلق عليه الشارع حكما في الكتاب والسنة ليتلقى حده من جهته. والشريف في اللغة: خلاف الوضيع والضعيف، وهو الرياسة والسلطان، ولما كان أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق البيوت بالتشريف صار من كان من أهل البيت شريفا) [الفروع 4/ 620 (7/ 382)] (2). _________ (1) أي: شيخ الإسلام ابن تيمية. (2) «مختصر الفتاوى المصرية» (565 - 567)، وانظر: «الفتاوى» (31/ 93 - 94).
(1/630)
895 - بيع الوقف: 896 - ونقل الوقف وتغييره: - قال ابن مفلح: (ويحرم بيعه، وكذا المناقلة، نقله علي بن سعيد: لا يستبدل به ولا يبيعه إلا أن يكون بحال لا ينتفع به. ونقل أبو طالب: لا يغير عن حاله ولا يباع إلا أن لا ينتفع منه بشيء. وقاله الأصحاب، وجوزهما شيخنا لمصلحة، وأنَّه قياس الهدي، وذكره وجها (1) في المناقلة، وأومأ إليه أحمد) [الفروع 4/ 622 (7/ 384)]. - وقال أيضا: (قال شيخنا: جوَّز جمهور العلماء تغيير صورته لمصلحة، كجعل الدور حوانيت والحكورة المشهورة (2)، ولا فرق بين بناء ببناء، وعرصة بعرصة (3). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (تغيير الوقف لمصلحة إن كانت المصلحة لنفس الموقوف عليه فقط لا لمصلحة الوقف، ولا لدفع الضرر عن الموقوف عليهم، فقد ذكر المصنف في أول الباب ما يتعلق بذلك من كلام الشيخ تقي الدين، وحفر الساقية وإحداث الباب ونحوه، ذكره المصنف في الصلح، فصل: من صولح بعوض على إجراء ماء) ا. هـ. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يريد بذلك أن كثيرا من الأوقاف كان بساتين، فأحكروها وجعلت بيوتا وحوانيت، ولم ينكر ذلك العلماء الأعيان، ومن ذلك وقف المسمارة بالشام، كان بساتين فأحكر وأعمل بيوتا وحوانيت، ولم ينكره علماء ذلك الزمان). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (لعله: «ولا فرق بين بناء بعرصة، وعرصة ببناء» أي: يجعل البناء عرصة، والعرصة بناء، وهذا واضح، وتُقوِّيه النسخة الأخرى، وهي: البساتين مساكن).
(1/631)
وقال فيمن وقف كروما على الفقراء، يحصل على جيرانها به ضرر: يُعَوِّض عنه بما لا ضرر فيه على الجيران، ويعود الأول ملكا والثاني وقفًا) [الفروع 4/ 623 (7/ 385)] (1). - وقال أيضا: (قال القاضي وأصحابه والشيخ: ولأنه (2) استبقاء للوقف بمعناه، فوجب كإيلاد أمة موقوفة أو قتلها، وكذا قال شيخنا: مع الحاجة يجب بالمثل، وبلا حاجة يجوز بخير منه، لظهور المصلحة، ولا يجوز بمثله، لفوات التعيين بلا حاجة) [الفروع 4/ 625 (7/ 388)] (3). 897 - ما فضل من ريع الوقف: - قال ابن مفلح: (وما فضل عن حاجة مسجد جاز صرفه لمثله وفقير، نص عليه، وعنه: لا، وعنه: بلى لمثله. اختاره شيخنا. وقال أيضًا: وفي سائر المصالح وبناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته. قال: وإن علم أن ريعه يفضل عنه دائما: وجب صرفه، لأن بقاءه فساد، وإعطاءه فوق ما قدره الواقف، لأن تقديره لا يمنع استحقاقه، كغير مسجده. وقال: ومثله وقف غيره، وكلام غيره معناه. قال: ولا يجوز لغير الناظر صرف الفاضل) [الفروع 4/ 630 ــ 631 (7/ 396)] (4). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (262 - 263). (2) أي: استبدال الوقف. (3) انظر: «الفتاوى» (31/ 252 - 253، 254). (4) «الاختيارات» للبعلي (263)، وانظر: «الفتاوى» (31/ 18 - 19، 89، 203، 206 - 207).
(1/632)
898 - يد الواقف ثابتة على المتصل به ما لم تأت حجة: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: يد الواقف ثابتة على المتصل به ما لم تأت حجة تدفع موجبها، كمعرفة كون الغارس غرسه بماله بحكم إجارة وإعارة أو غصب) [الفروع 4/ 631 (7/ 397)] (1). 899 - اتخاذ المسجد طريقا ونحو ذلك مما يمنع منه: - قال ابن مفلح: (ومنع شيخنا اتخاذه طريقا. قال: والاتخاذ والاستئجار كبيع وشراء، وقعود صانع وفاعل فيه لمن يكنزيه (2)، وكبضاعة (3) لمشتر لا يجوز) [الفروع 4/ 635 (7/ 402)] (4). 900 - اتخاذ المسجد مقيلا ومبيتا: - قال ابن مفلح: (وعنه: يكره (5) مقيلًا ومبيتًا، ومنعهما شيخنا لغني) [الفروع 4/ 636 (7/ 403)] (6). 901 - معنى قول الفقهاء: «يصح الوقف على أهل الذمة»: - قال ابن القيم: ( ... كما وقع لبعض من نصب نفسه للفتوى من أهل _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (257)، وانظر: (217). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: الصانع والفاعل لا يقعد في المسجد لأجل انتظار من يأتي إليه يستأجره) ا. هـ. (3) في ط 1: (كبضاعة)، والمثبت من ط 2. (4) انظر: «الفتاوى» (22/ 193، 195 - 198). (5) أي: اتخاذ المسجد. (6) «الفتاوى» (22/ 195 - 198، 204)
(1/633)
عصرنا: ما تقول السادة الفقهاء في رجل وقف وقفا على أهل الذمة، هل يصح ويتقيد الاستحقاق بكونه منهم؟ فأجاب بصحة الوقف، وتقييد الاستحقاق بذلك الوصف، وقال: هكذا قال أصحابنا: ويصح الوقف على أهل الذمة! فأنكر ذلك شيخنا عليه غاية الإنكار، وقال: مقصود الفقهاء بذلك أن كونه من أهل الذمة ليس مانعا من صحة الوقف عليه بالقرابة أو بالتعيين، وليس مقصودهم أن الكفر بالله ورسوله أو عبادة الصليب، وقولهم: إن المسيح ابن الله= شرط لاستحقاق الوقف، حتى إن من آمن بالله ورسوله واتبع دين الإسلام لم يحل له أن يتناول بعد ذلك من الوقف، فيكون حل تناوله مشروطا بتكذيب الله ورسوله والكفر بدين الإسلام، ففرق بين كون وصف الذمة مانعا من صحة الوقف، وبين كونه مقتضيا، فغلظ طبع هذا المفتي وكثف فهمه، وغلظ حجابه عن ذلك ولم يميز) [إعلام الموقعين 4/ 184].
(1/634)
باب الهبة
902 - مكافأة من له يد أو نعمة عليه: - قال ابن مفلح: (وكذا اختار شيخنا في «رد الرافضي» أن من العدل الواجب مكافأة من له يد أو نعمة ليجزيه بها) [الفروع 4/ 638 (7/ 406)] (1). 903 - اقتضاء الهبة العوض: - قال ابن مفلح: (وقيل: الهبة تقتضي عوضا، وقيل: مع عرف، فلو أعطاه ليعاوضه أو ليقضي له حاجة فلم يف: فكالشرط. واختاره شيخنا. وإن شرطه معلومًا: صحت، كعارية، وقيل: بقيمتها بيعا (2). وعنه: هبة. وقيل: لا يصح، كنفي ثمنٍ (3) وكمجهول. وعنه: يصح فيه، ذكره شيخنا ظاهر المذهب) [الفروع 4/ 639 (7/ 406 - 407)] (4). 904 - إذا خص بعض ولده أو فضله في العطية، ومات قبل رجوعه: - قال ابن مفلح: (وإن خص بعضهم (5) أو فضله ــ وقيل: لغير معنى _________ (1) «منهاج السنة» (7/ 382؛ 8/ 500)، «الاختيارات» للبعلي: (265). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: يكون حكمها حكم البيع من ثبوت الخيار والشفعة ونحو ذلك من أحكام البيع). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (مراده ــ والله أعلم -: كما لو قال: بعتك هذا بلا ثمن، والجامع بينهما أن الثمن من مقتضى البيع، وعدم العوض من مقتضى الهبة، ونفي الثمن في البيع مفسد، فكذلك ذكر العوض في الهبة). (4) «الفتاوى» (31/ 283 - 284)، «الاختيارات» للبعلي: (265). (5) أي: أولاده.
(1/635)
فيه ــ سوَّى برجوع، لم يذكر أحمد غيره في رواية الخرقي وأبي بكر، والأشهر: وكذا بإعطاء، ونص عليه، وعنه: لا في مرضه، ونقل الميموني وغيره: لا ينفذ، وقال أبو الفرج وغيره: يؤمر برده، وإن مات قبله تبينا لزومه (1)، ذكره القاضي وغيره. وعنه: لورثته الرجوع، اختاره ابن بطة وأبو حفص وشيخنا) [الفروع 4/ 645 (7/ 413)] (2). 905 - رجوع المرأة إذا أبرأت زوجها من صداقها خوفا من وقوع الطلاق المعلق بالإبراء: - قال ابن مفلح: (ولو قال: هي طالق ثلاثًا إن لم تبرئني، فأبرأته: صح، وهل ترجع؟ ثالثها: ترجع إن طلقها، ذكره شيخنا وغيره) [الفروع 4/ 649 ــ 650 (7/ 418)] (3). 906 - تصرف الأب في مال ولده قبل تملكه: - قال ابن مفلح: (وله أن يتملك ــ خلافا لابن عقيل ــ من مال ولده مطلقا ما لم يضره، نص عليه (4) ... ولا يصح تصرفه فيه قبل تملكه، على _________ (1) أي: أنه يثبت للمعطَى. (2) «الفتاوى» (31/ 295، 297)، «الاختيارات» للبعلي (268). (3) انظر: «الفتاوى» (32/ 286)، «الاختيارات» للبعلي (269). (4) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: (قال في «الاختيارات»: ليس للأب الكافر تمليك [كذا، وفي المطبوعة و «الإنصاف»: تملك، ولعله الصواب] مال ولده المسلم، لا سيما إذا كان الولد كافرا فأسلم، وليس له أن يرجع في عطيته إذا كان وهبه في حال الكفر فأسلم الولد، فأما إذا وهبه حال إسلام الولد ففيه نظر. وقال أبو العباس في موضع آخر: فأما الأب والأم الكافرة فهل لهما أن يتملكا على الولد المسلم أو يرجعا في الهبة؟ يتوجه أن يخرج فيه وجهان، على الروايتين في وجوب النفقة مع اختلاف الدين، بل يقال: إذا قلنا: لا تجب النفقة مع اختلاف الدين فالتمليك أبعد، وإن قلنا: تجب النفقة فالأشبه ليس لهما التمليك، والأشبه أنه ليس للأب المسلم أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئا، فإن أحمد علل الفرق بين الأب وغيره، بأن الأب يحوز مال ابنه، ومع اختلاف الدين لا حوز) ا. هـ.
(1/636)
الأصح. وقال شيخنا: ويقدح في أهليته لأجل الأذى، سيما بالحبس) [الفروع 4/ 652 (7/ 421)]. 907 - الإهداء للشافع ونحوه: - قال ابن مفلح: (ونقل أبو الحارث فيمن سأل الحاجة، فسعى معه فيها، فيهدى له، قال: إن كان شيء من البر وطلب الثواب كرهته له. ونقل صالح فيمن رد الوديعة، فيهدى له: إن علم أنه لأداء أمانته لم يقبل، إلا أن يكافئه. ونقل يعقوب: لا ينبغي للخاطب إذا خطب لقوم أن يقبل لهم هدية. فهاتان روايتان، واختار شيخنا التحريم، قال: وهو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر، قال: ورخص فيه بعض المتأخرين، جعله من باب الجعالة) [الفروع 4/ 655 (7/ 424)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (31/ 287)، وانظر: «الاختيارات» (265 - 266).
(1/637)
كتاب الوصايا
908 - إجازة الورثة الوصية للوارث أو بأكثر من الثلث في مرض الموصي: - قال ابن مفلح: (ولا يجوز لوارثه بثلثه، ولا بأكثر منه لغيره، نص عليه. وفي «التبصرة»: يكره. وعنه: في صحته من كل ماله (1)، نقله حنبل، وتصح ـ على الأصح ـ بإجازة الورثة (2) لهما بعد موت الموصي كالرد. وعنه: وقبله في مرضه، خرجها القاضي أبو حازم من إذن الشفيع في الشراء، ذكره في «النوادر». واختاره صاحب «الرعاية» وشيخنا) [الفروع 4/ 661 (7/ 434 - 435)] (3). 909 - رجوع من أجاز الوصية: - قال ابن مفلح: (ومن أجازها بجزء مشاع، وقال: ظننت قلة المال قبل، لأنه الأصل، وحلف، ورجع بزائد على ظنه، وقيل: لا، كما لو كان المجاز عينا أو مبلغا مقدرا وظن بقية المال كثيرا، وفيه وجه. _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (لما قال: «ولا بأكثر منه لغيره» عرف أنه لا يجوز لأكثر من الثلث، سواء كانت الوصية في حال الصحة أو المرض، ثم ذكر رواية: أنها في حال الصحة من كل ماله). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (لما ذكر أنه لا يجوز لوارث ولا لغيره بأكثر من الثلث، كان ظاهره عدم صحة ذلك، سواء أجاز الورثة أو لا، وليس كذلك على الأصح، بل إذا أجاز الورثة صح، فأعلم ذلك بقوله: «ويصح على الأصح بإجازة الورثة»). (3) «الاختيارات» للبعلي (278).
(1/639)
قال شيخنا: وإن قال: ظننت قيمته ألفًا، فبان أكثر= قبل، وليس نقضا للحكم بصحة الإجازة ببينة أو إقرار. قال: وإن أجاز وقال: أردت أصل الوصية= قبل) [الفروع 4/ 662 (7/ 436)] (1). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (278).
(1/640)
باب الموصى إليه
910 - مسألة: 911 - النظر إنما يكون للناظر الخاص الكافي لا للحاكم: - قال ابن مفلح: (ولا نظر لحاكم مع وصيٍّ خاصٍ كافٍ، قال شيخنا ــ فيمن وصى إليه بإخراج حجة -: ولاية الدفع والتعيين للناظر الخاص «ع»، وإنما للولي العام الاعتراض لعدم أهليته، أو فعله محرما. فظاهره: لا نظر ولا ضم مع وصيٍّ متهم، وهو ظاهر كلام جماعة، وتقدم كلامه في ناظر الوقف) [الفروع 4/ 708 (7/ 487)] (1). 912 - ما ينفقه الوصي المتبرع في ثبوت الوصية: - قال ابن مفلح: (وما أنفقه وصيٌّ متبرعٌ بمعروف في ثبوتها من يتيم. ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 712 (7/ 492)] (2). 913 - إذا أوصى الوصي بإعطاء مدع دينا بيمينه: - قال ابن مفلح: (وإن وصاه بإعطاء مدع دينا بيمينه نقده من رأس ماله. قاله شيخنا) [الفروع 4/ 716 (7/ 495)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (280). (2) «الفتاوى» (31/ 333)، و «الاختيارات» للبعلي (280)، وعبارته: (وما أنفقه وصي متبرع بالمعروف في ثبوت الوصية فمن مال اليتيم). (3) «الفتاوى» (31/ 320 - 322)، «الاختيارات» للبعلي (281).
(1/641)
914 - إذا قال للوصي: تدفع هذا إلى يتامى فلان: - قال ابن مفلح: (ولو قال: تدفع هذا إلى يتامى فلان فإقرار بقرينة، وإلا وصية (1). ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 717 (7/ 496)] (2). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: إن لم تكن قرينة، فهو وصية). (2) «الفتاوى» (31/ 305)، «الاختيارات» للبعلي (281).
(1/642)
كتاب الفرائض
915 - أسباب الإرث: - قال ابن مفلح: (أسباب الإرث: نكاح، ورحم، وولاء عتق. وعنه: وعند عدمهن (1) بموالاة، وهى المؤاخاة، ومعاقدة، وهي المحالفة، وإسلامه على يديه، والتقاطه، وكونهما من أهل الديوان؛ اختاره شيخنا. ولا يرث المولى من أسفل، وقيل: بلى عند عدم؛ ذكره شيخنا. ونقل ابن الحكم: لا أدرى، فيتوجه منه: ينفق على المنعم؛ واختاره شيخنا) [الفروع 5/ 3 (8/ 7)] (2). 916 - عصبة الولد الذي انقطع نسبه من أبيه لا من أمه: - قال ابن مفلح: (ولو انقطع نسب ولدها وتعصيبه من أبيه لا من أمه، _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (سره: أن لا يتوهم أن الرواية جارية على ما كان في أول الإسلام: أن الأخ في الإسلام كان يرث أخاه دون قرابته، فاعلم أن هذه الرواية ليست كذلك، وتقييده بعدمهن ظاهره: أنه لا يثبت مع أحد الزوجين، والذي يظهر خلافه. وعبارة المصنف هنا كعبارة «المحرر» فالإشكال على عبارة كل منهما، وكلام شارح «المحرر» في حكاية الرواية يدل على أن مجرد الزوجية لا يمنع، فإنه قال: وقد روي عن أحمد أن الولاء يثبت عند عدم القريب والمولى المعتق بالموالاة، ولم يذكر النكاح). (2) «الاختيارات» للبعلي (282).
(1/643)
لكونه ولد زنًا، أو منفيًا بلعان، أو ادعته امرأة وألحق بها= ورثت أمه، وذو الفرض منه فرضهم، وعصبته بعد ذكور ولده ــ وإن نزل ــ عصبة أمه في الإرث؛ ويرث أخوه لأمه مع بنته لا أخته، ويعايا بها (1). ونقل حرب: ويعقلون عنه ... وعنه: أمه عصبته. اختاره أبو بكر وشيخنا) [الفروع 5/ 8 (8/ 14)] (2). 917 - الجدات الوارثات: - قال ابن مفلح: (ولا يرث غير ثلاث: أم الأم، وأم الأب، وأم أبي الأب، وإن علون أمومة. وقيل: وأبوة إلا مدلية بغير وارث، كأم أبي الأم. واختاره شيخنا) [الفروع 5/ 9 (8/ 16)] (3). 918 - الجد مع الإخوة الأشقاء والإخوة لأب: - قال ابن عبد الهادي: (والدليل على أن الجد أولى من الأخ: أن الجد له قرابة إيلاد وتعصبة فأشبه الأب؛ وإذا أزدحمت الفروض سقط الأخ دونه؛ ولا يسقطه أحد إلا الأب؛ والأخ والأخوات يسقطون بثلاثة؛ ويجمع له من الفرض والتعصيب كالأب، وهم ينفردون بواحد منهما؛ ويسقط ولد الأم وولد الأب يسقطون بهم بالإجماع إذا استغرقت الفروض المال، وكانوا عصبة، وكذلك ولد الأبوين في المشركة عن الأكثرين، ولأنه لا يقتل بقتل ابن _________ (1) انظر: «حاشية الفروع» لابن قندس (8/ 14). (2) «الاختيارات» للبعلي (282). (3) «الفتاوى» (31/ 353)، «الاختيارات» للبعلي (282).
(1/644)
ابنه، ولا يحد بقذفه، ولا يقطع بسرقة ماله، وتجب عليه نفقته، ويمنع من دفع ركابه إليه كالأب سواء؛ فدل ذلك على قربه، ولأن ابن الإبن وإن نزل يقوم مقام أبيه في الحجب، فكذلك أب الأب يجب أن يقوم مقام ابنه؛ ولذلك قال ابن عبَّاس: ألا يتقي الله زيد؟ ! يجعل ابن الإبن ابنا، ولا يجعل أب الأب أبا! ولأن أبا الأب و] إن] علا يسقط بني الإخوة، ولو كانت قرابة الأخ والجد واحدة، لوجب أن يكون أب الجد مساويا لبني الأخ، لتساوي درجة من أدليا به. واعلم أن لشيخنا العلامة أبي العبَّاس في هذه المسألة مصنفا جليلا، فمن أحب الوقوف عليه فيسارع إليه، ثم إني بعد [أن] كتبت هذا الكلام بمدة جمعت الآثار الواردة في هذه المسألة وذكرت ما جاء عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الاختلاف فيها في عدة كراريس، ثم حكيت كلام شيخنا بحروفه في آخر ذلك، والله أعلم) [تنقيح التحقيق 4/ 267 ــ 268]. - وقال ابن مفلح: (ويسقط جد بأب، وأبعد بأقرب، وولد ابن به، وكل جدة بالأم، وولد الأبوين بابن وابن ابن وأب، وولد الأب بهم، وبأخ لأبوين. وعنه: يسقط ولد الأبوين والأب بجد، وهو أظهر؛ اختاره شيخنا، قال: وهو قول طائفة من أصحاب الإمام أحمد، كأبي حفص البرمكي والآجري، وذكره ابن الزاغوني عن أبي حفص العكبري والآجري؛ وذكر ابن الجوزي: الآجري من أعيان أعيان أصحاب أحمد) [الفروع 5/ 11 (8/ 18)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (31/ 342 - 343)، «جامع المسائل» (2/ 305 - 307)، «منهاج السنة» (56/ 499 - 500، 503 - 506).
(1/645)
919 - حديث «أفرضكم زيد»: - قال ابن عبد الهادي: (وقد كان شيخنا الإمام العلامة أبو العباس أحمد بن تيمية - رحمه الله - يتكلم في هذا الحديث، ويقول: هو حديث ضعيف. قال: ولا أعلم أن زيد بن ثابت تكلم في الفرائض على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل ولا على عهد أبي بكر، ولهذا لم يختلفوا في الجد على عهد أبي بكر، وإنما وقع النِّزاعُ بينهم فيه في خلافة عمر - رضي الله عنه -، ولم يكن زيد معروفًا بالفرائض في خلافة أبي بكر) [جزء في الكلام على حديث «أفرضكم زيد»]. - وقال ابن مفلح: (ونقل أبو طالب: أقول بقول زيد: ليس الجد أبًا، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفرضكم زيد» ضعَّفه شيخنا) [الفروع 5/ 11 (8/ 18 - 19] (1). 920 - الوقف المخصص للأسير يتسلمه وكيله ومن ينتقل إليه بعده: - قال ابن مفلح: (وإن حصل لأسير من وقف تسلَّمَه (2) وحَفِظَهُ وكيلُه ومن ينتقل إليه بعده جميعًا. ذكره شيخنا) [الفروع 5/ 38 (8/ 49)] (3). _________ (1) «الفتاوى» (31/ 342). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هو جواب «إن» الشرطية في قوله: «وإن حصل» أي: إذا كان على الأسير وقف، وينتقل بعده إلى غيره، فإذا حصل من ريع الوقف شيء في حال غيبة الأسير في الأسر، فإنه يكون تحت يد وكيله، وتحت يد من ينتقل إليه الوقف بعد، فيتسلمانه جميعا، ولا ينفرد بتسلمه وحفظه أحدهما، لأنه يحتمل أن الأسير موجود فيكون له، ويحتمل أن الأسير معدوم فيكون لمن ينتقل إليه). (3) «الاختيارات» للبعلي (263).
(1/646)
921 - إذا جهل السابق في الوفاة: - قال ابن مفلح: (وإن ادعى ورثة كل ميت سبق الآخر ولا بينة، أو تعارضت تحالفا ولم يتوارثا، نص عليه، اختاره الأكثر. وقال جماعة: بلى، وخرجوا منها: المنع في جهلهم الحال، واختاره شيخنا) [الفروع 5/ 44 (8/ 57)] (1). 922 - المطلقة في مرض الموت: - قال ابن مفلح: (وإن لم يتهم بقصد حرمانها كتعليقه إبانتها في مرض موته على فعل لها منه بد فتفعله عالمة به، أو أبانها بسؤالها فيه، فكصحيح. وعنه: كمتهم، صححها في «المستوعب» وشيخنا، كمن سألته طلقة فطلقها ثلاثا) [الفروع 5/ 47 (8/ 60)]. 923 - إذا تزوج في حال مرض موته بقصد المضارة: - قال ابن مفلح: (وجزم بعضهم: إن انتفت التهمة بقصد حرمانها الإرث أو بعضه= لم ترثه في الأصح، فيتوجه منه: لو تزوج في مرضه مضارَّة لينقص إرث غيرها وأقرت به= لم ترثه. ومعنى كلام شيخنا ـ وهو ظاهر كلام غيره ـ: ترثه؛ لأن له أن يوصي بالثلث، قال: ولو وصى بوصايا أخر، أو تزوجت المرأة بزوج يأخذ النصف _________ (1) «الفتاوى» (31/ 356)، «الاختيارات» للبعلي (282)، وانظر: «الإنصاف» للمرداوي (7/ 257 - 258. ط: الفقي).
(1/647)
فهذا الموضع فيه نظر، فإن المفسدة إنما هي في هذا) [الفروع 5/ 48 (8/ 62)] (1). 924 - إرث المسلم من قريبه الذمي: - قال ابن القيم: (وأما توريث المسلم من الكافر فاختلف فيه السلف، فذهب كثير منهم إلى أنه: لا يرث كما لا يرث الكافر المسلم، وهذا هو المعروف عند الأئمة الأربعة وأتباعهم. وقالت طائفة منهم: بل يرث المسلمُ الكافرَ دون العكس، وهذا قول معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان ومحمد بن الحنفية ومحمد بن علي بن الحسين وسعيد بن المسيب ومسروق بن الأجدع وعبدالله بن مغفل ويحيى بن يعمر وإسحاق بن راهويه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. قالوا: نرثهم ولا يرثوننا كما ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا، والذين منعوا الميراث عمدتهم الحديث المتفق عليه: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم»، وهو عمدة من منع ميراث المنافق الزنديق وميراث المرتد. قال شيخنا: وقد ثبت بالسنة المتواترة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجري الزنادقة المنافقين في الأحكام الظاهرة مجرى المسلمين، فيرثون ويورثون، وقد مات عبد الله بن أبي وغيره ممن شهد القرآن بنفاقهم، ونهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة عليه والاستغفار له، وورثهم ورثتهم المؤمنون، كما ورث عبد الله بن أُبي ابنُه، ولم يأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - من تركة أحد من المنافقين شيئا، _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (283).
(1/648)
ولا جعل شيئا من ذلك فيئا، بل أعطاه لورثتهم، وهذا أمر معلوم بيقين، فعلم أن الميراث مداره على النصرة الظاهرة لا على إيمان القلوب والموالاة الباطنة، والمنافقون في الظاهر ينصرون المسلمين على أعدائهم، وإن كانوا من وجه آخر يفعلون خلاف ذلك، فالميراث مبناه على الأمور الظاهرة لا على ما في القلوب ... إلى أن قال: وقال شيخنا: ومما يؤيد القول بأن المسلم يرث الذمي ولا يرثه الذمي= أن الاعتبار في الإرث بالمناصرة، والمانع هو المحاربة، ولهذا قال أكثر الفقهاء: إن الذمي لا يرث الحربي. وقد قال تعالى في الدية: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، فالمقتول إن كان مسلما فديته لأهله، وإن كان من أهل الميثاق فديته لأهله، وإن كان من قوم عدو للمسلمين فلا دية له، لأن أهله عدو للمسلمين وليسوا بمعاهدين، فلا يعطون ديته ولو كانوا معاهدين لأعطوا الدية. ولهذا لا يرث هؤلاء المسلمين، فإنهم ليس بينهم وبينهم إيمان ولا أمان، ولهذا لما مات أبو طالب ورثه عقيل دون علي وجعفر، مع أن هذا كان في أول الإسلام، وقد ثبت في «الصحيح» أنه قيل له - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: ألا تنزل في دارك؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل من رباع؟ ! ». وذلك لاستيلاء عقيل على رباع بني هاشم لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ليس هو لأجل ميراثه فإنه أخذ دار النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كانت له التي ورثها من أبيه، وداره التي كانت لخديجة، وغير ذلك مما لم يكن لأبي طالب، فاستولى على رباع بني هاشم بغير طريق الإرث، بل كما استولى سائر المشركين على ديار المهاجرين
(1/649)
الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، كما استولى أبو سفيان بن حرب على دار أبي أحمد بن جحش، وكانت دارا عظيمة، فكان المشركون لما هاجر المسلمون من كان له قريب أو حليف استولى على ماله، ثم لما أسلموا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «من أسلم على شيء فهو له». ولم يرد إلى المهاجرين دورهم التي أخذت منهم، بل قال: «هذه أخذت في الله، أجورهم فيها على الله»، وقال لابن جحش: «ألا ترضى أن يكون لك مثلها في الجنة؟ »، وكان المسلمون ينتظرون ما يأمر به في دار ابن جحش، فإن ردها عليه طلبوا هم أن يرد عليهم، فأرسل إليه مع عثمان هذه الرسالة، فسكت، وسكت المسلمون، وهذا كان عام الفتح، فلما دخل مكة في حجة الوداع قيل له: ألا تنزل في دارك؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل من دار؟ ! ». قال الشيخ (1): وهذا الحديث قد استدل به طوائف على مسائل: فالشافعي احتج به على جواز بيع رباع مكة، وليس في الحديث أنه باعها. قلت (2): الشافعي إنما احتج بإضافة الدار إليه بقوله: في دارك، وأردفه بقوله تعالى: {وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [آل عمران: 195]، والمنازعون له يقولون: الإضافة قد تصح بأدنى ملابسة، فهي إضافة اختصاص لا إضافة ملك، لأن الله سبحانه جعل الناس في الحرم سواء العاكف فيه والباد. المسألة الثانية: المنع من توريث المسلم من الكافر، فإنه قد روي أنه _________ (1) هو ابن تيمية، والله أعلم. (2) القائل ابن القيم، والله أعلم.
(1/650)
قاله عقيب هذا القول، وكان قد استولى على بعضها بطريق الإرث من أبي طالب، وعلى بعضها بطريق القهر والغلبة، والظاهر أنه استولى على نفس ملك النبي - صلى الله عليه وسلم - وداره التي هي له، فإنه قيل له: ألا تنزل في دارك؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل من دار؟ ! ». يقول: هو أخذ داري ودار غيري من بني هاشم، وكان عقيل لم يسلم بعد، بل كان على دين قومه، وكان حمزة وعبيدة بن الحارث وعلي وغيرهم قد هاجروا إلى المدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجعفر هاجر إلى الحبشة، فاستولى عقيل على رباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى رباع آل أبي طالب، وأما رباع العباس فالعباس كان مستوليا عليها، وكذلك الحارث بن عبد المطلب كان بمكة ابنه أبو سفيان وابنه ربيعة، وأما أبو طالب فلم يبق له بمكة إلا عقيل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أخ، فاستولى عقيل على هذا وهذا، فلهذا قال: «وهل ترك لنا عقيل من رباع؟ »، وإلا فبأي طريق يأخذ ملك النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حي ولم يكن هو وارثه لو كان يورث؟ فتبين بهذا أن الكفار المحاربين إذا استولوا على أموال المسلمين، ثم أسلموا، كانت لهم ولم ترد إلى المسلمين، لأنها أخذت في الله، وأجورهم فيها على الله، لما أتلفه الكفار من دمائهم وأموالهم، فالشهداء لا يضمنون، ولو أسلم قاتل الشهيد لم يجب عليه دية ولا كفارة بالسنة المتواترة واتفاق المسلمين، وقد أسلم جماعة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد عرف من قتلوه، مثل: وحشي بن حرب قاتل حمزة، ومثل: قاتل النعمان بن قوقل، وغيرهما، فلم يطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا بشيء عملا بقوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، وكذلك المرتدون، قد أسلم طليحة الأسدي بعد ردته وقد قتل عكاشة بن محصن، فلم يضمنه أبو بكر وعمر
(1/651)
وسائر الصحابة لا دية ولا كفارة، وكذلك سائر من قتله المرتدون والمحاربون لما عادوا إلى الإسلام لم يضمنهم المسلمون شيئا من ذلك. وهذا فيه نزاع في مذهب الشافعي وأحمد، وطائفة من أصحابهما ينصرون الضمان، وكثير من متأخري أصحاب أحمد يظن أن هذا هو ظاهر مذهبه، وأن عدم الضمان هو قول أبي بكر عبد العزيز، ولم يعلم أن أحمد نص على قول أبي بكر، وأن أهل الردة والمحاربين لا يضمنون ما أتلفوه من النفوس والأموال كأهل الحرب الكفار الأصليين، فإن فيهم نزاعا في مذهب الشافعي وأحمد، والصواب فيهم الذي عليه الجمهور، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وغيرهما. وكذلك البغاة المتأولون من أهل القبلة كالمقتتلين بالجمل وصفين لا يضمنون ما أتلفه بعضهم على بعض في القتال، وهذا هو المنصور عند أصحاب أحمد، قال الزهري: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، فأجمعوا أن كل دم أو جرح أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر، أنزلوهم منزلة الجاهلية. يعني: لما كانوا متأولين أنزلوهم منزلة أهل الجاهلية، وإن كانوا مخطئين في التأويل، كالكفار والمرتدين، وإنما يضمن من كان يعلم أنه لا يحل له أن يقتل، ويؤاخذ كالطائفتين المقتتلتين على عصبية، وكل منهما يعلم أنه يقاتل عصبية لا على حق، فهؤلاء تضمن كل طائفة ما أتلفته على الأخرى، وفي ذلك نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178]. والمحاربون قطاع الطريق العالمون بأن ما فعلوه محرم يضمنون، وإذا
(1/652)
تابوا قبل القدرة عليهم سقطت عنهم حدود الله كما تسقط عن الكفار الممتنعين إذا أسلموا قبل القدرة عليهم، وهل يعاقبون بحدود الآدميين، مثل أن يقتل أحدهم قصاصا؟ فيه قولان للعلماء، قيل: يؤخذون بحقوق الآدميين، كالقود؛ وقيل: لا يؤخذون، وما كان معهم من أموال الناس يؤخذ بلا نزاع، وما أتلفوه هل يضمنونه مع العقوبات البدنية؟ فيه نزاع، كالسارق فإنه إذا وجد معه المال أخذ سواء قطعت يده أو لم تقطع، وإن كان قد أتلفه فهل يغرم مع القطع؟ على ثلاثة أقوال، قيل: يغرم كقول الشافعي وأحمد؛ وقيل: لا يغرم كقول أبي حنيفة؛ وقيل: يغرم مع اليسار دون الإعسار كقول مالك. والمقصود هنا أن قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] دل به على أن المحاربين لا يرثون المسلمين ولا يعطون ديتهم فإنهم كفار، والكفار لا يرثون المسلمين. وقد قيل: إن هذا فيمن أسلم ولم يهاجر، فتثبت في حقه العصمة المورثة دون المضمنة، كما يقول ذلك أبو حنيفة وغيره. وقيل: بل فيمن ظنه القاتل كافرا وكان مأمورا بقتله، فسقطت عنه الدية لذلك، كما يقوله الشافعي وأحمد في أحد القولين. وهؤلاء يخصون الآية بمن ظاهره الإسلام، وأولئك يخصونها بمن أسلم ولم يهاجر، والآية في المؤمن إذا قتل وهو من قوم عدو لنا، وهو سبحانه قال: {عَدُوٍّ لَكُمْ} ولم يقل: من عدوكم، فدل على أن القتل إذا كان خطأ ــ كمن رمى عرضا فأصاب مسلما ــ فإنه لا دية فيه وإن علم أنه مسلم،
(1/653)
لأن أهله لا يستحقون الدية، ولا يستحقها المسلمون، ولا بيت المال، فهؤلاء الكفار لا يرثون مثل هذا المسلم، كما قال: «لا يرث الكافر المسلم»، لأنه حربي، والمناصرة بينهم منقطعة، فإنهم عدو للمسلمين، والميراث لا يكون مع العداوة الظاهرة، بل مع المناصرة الظاهرة، وأهل الذمة ليسوا عدوا محاربا، وقتيلهم مضمون، فإذا ورث المسلم منهم كان هذا موافقا للأصول. وقوله: «الكافر» أريد به الكافر المطلق، وهو المعادي المحارب، لم يدخل فيه المنافق ولا المرتد ولا الذمي، فإذا كان المؤمن يرث المنافق لكونه مسالما له مناصرا له في الظاهر، فكذلك الذمي، وبعض المنافقين شر من بعض أهل الذمة ... ) [أحكام أهل الذمة 2/ 462 - 472] (1). - وقال ابن مفلح: (وورَّث شيخنا المسلم من ذمي، لئلا يمتنع قريبه من الإسلام، ولوجوب نصرهم (2)، ولا ينصروننا ولا موالاة، كمن آمن ولم يهاجر ننصره (3) ولا ولاء له، للآية؛ فهؤلاء لا ينصروننا (4) ولا هم بدارنا لننصرهم دائمًا، فلم يكونوا يرثون ولا يورثون، والإرث كالعقل، وقد بين في قوله: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} [الأحزاب: 6] في الأحزاب: أن القريب المشارك في _________ (1) انظر: «الفتاوى» (7/ 210). وقال ابن عبد الهادي في «العقود الدرية» (ص: 339): (وكان ــ أي: ابن تيمية ــ يميل أخيرا لتوريث المسلم من الكافر الذمي, وله في ذلك مصنف, وبحث طويل) ا. هـ. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: نصر أهل الذمة، و «لا ينصروننا» فلذلك نرثهم ولا يرثوننا، لكونهم لا ينصروننا). (3) في ط 1: (ينصره) والمثبت من ط 2. (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: من آمن ولم يهاجر).
(1/654)
الإيمان والهجرة أولى ممن ليس بقرابة وإن كان مؤمنًا مهاجرًا، ولما فتحت مكة توارثوا، ومن لزمته الهجرة ولم يهاجر: فالآية فيه، إلا من له هناك نصرة وجهاد بحسبه فيرث) [الفروع 5/ 50 (8/ 63)] (1). وانظر: ما يأتي في المسألة بعد التالية. 925 - إرث المسلم من قريبه المرتد: - قال ابن القيم: (وكثير من العلماء يورث المسلم مال المرتد إذا مات على ردته، وهذا القول هو الصحيح، وهو اختيار شيخنا) [أحكام أهل الذمة 2/ 646 ــ 647]. - وقال ابن مفلح: (ولا يرث مرتد أحدًا، فإن أسلم قبل القسمة فالروايتان؛ وإن قتل عليها أو مات: فماله فيء. وعنه: لوارث مسلم؛ اختاره شيخنا، لأنه المعروف عن الصحابة: عليّ وابن مسعود، ولأن ردته كمرض موته) [الفروع 5/ 51 (8/ 65)] (2). 926 - توريث المعتق عبده الكافر بالولاء: 927 - من أسلم على ميراث قبل قسمته: - قال ابن القيم: (وهذه المسائل الثلاث من محاسن الشريعة، وهي: توريث من أسلم على ميراث قبل قسمته، وتوريث المعتق عبده الكافر بالولاء، وتوريث المسلم قريبه الذمي، وهي مسألة نزاع بين الصحابة _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (283). (2) «الاختيارات» للبعلي (283).
(1/655)
والتابعين، وأما المسألتان الأخيرتان (1) فلم يعلم عن الصحابة فيهما نزاع، بل المنقول عنهم التوريث. قال شيخنا: والتوريث في هذه المسائل على وفق أصول الشرع، فإن المسلمين لهم إنعام وحق على أهل الذمة، بحقن دمائهم، والقتال عنهم، وحفظ دمائهم وأموالهم، وفداء أسراهم، فالمسلمون يمنعونهم وينصرونهم ويدفعون عنهم، فهم أولى بميراثهم من الكفار. والذين منعوا الميراث قالوا: مبناه على الموالاة، وهي منقطعة بين المسلم والكافر، فأجابهم الآخرون: بأنه ليس مبناه على الموالاة الباطنة التي توجب الثواب في الآخرة، فإنه ثابت بين المسلمين وبين أعظم أعدائهم، وهم المنافقون الذين قال الله فيهم: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون: 4]، فولاية القلوب ليست هي المشروطة في الميراث، وإنما هو بالتناصر، والمسلمون ينصرون أهل الذمة فيرثونهم، ولا ينصرهم أهل الذمة فلا يرثونهم، والله أعلم) [أحكام أهل الذمة 2/ 474]. 928 - إذا مات أبوه الكافر وهو حمل: - قال ابن القيم: (فإن قيل: فما تقولون لو مات أبوه الكافر وهو حمل، هل يرثه؟ قلنا: لا يرثه، لأنا نحكم بإسلامه بمجرد موته قبل الوضع، نص على هذا أحمد، فيسبق الإسلام المانع من الميراث لاستحقاق الميراث، وهذا _________ (1) كذا، ولعلها: (الأخريان).
(1/656)
بناء على أنه لا يرث المسلم الكافر، وأما على القول الذي اختاره شيخنا فإنه يرثه، وكذلك لو كان الحمل من غيره فأسلمت أمه قبل وضعه، بأن يموت الذمي ويترك امرأة أخيه حاملا من أخيه الذمي، فتسلم أمه قبل وضعه، فنحكم بإسلامه قبل استحقاقه الميراث) [أحكام أهل الذمة 2/ 495]. 929 - قتل الزنادقة إذا أظهروا الزندقة: - قال ابن مفلح: (والزنديق ـ وهو المنافق ـ كمرتد. قال في «الفصول»: وآكد، حيث لا تقبل توبته؛ فالمراد: إذا لم يتب أو تاب ولم نقبلها، وذكر الروايتين إذا تاب في قتله، وأحكام الإسلام الظاهرة. واحتج جماعة، منهم الشيخ: بكف النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم بإظهار الشهادة مع علم الله له بباطنهم. وكذا قال ابن الجوزي بعد أن ذكر: هل جهادهم بالكلام أم بالسيف؟ وأورد على الثاني أنه لم يقع؛ فأجاب: أنه إذا أظهروه، فإن لم (1) فإنه أمر أن يأخذ بظاهرهم ولا يبحث عن سرهم. وكذا قال شيخنا: هذا كان أولًا، ثم نزل {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب: 61] فعلم أنهم إن أظهروه كما كانوا قتلوا) [الفروع 5/ 52 (8/ 67)] (2). _________ (1) أي: إن لم يظهروه. (2) انظر: «الفتاوى» (13/ 20 - 21).
(1/657)
930 - ميراث الزنديق: 931 - وتسمية من فعل بعض المعاصي منافقا: - قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: يرث ويورث، لأنه عليه السلام لم يأخذ من تركة منافق شيئا، ولا جعله فيئا؛ فعلم أن الميراث مداره على النصرة الظاهرة، قال: واسم الإسلام يجري عليهم في الظاهر «ع». وعند شيخنا وغيره: قد يسمى من فعل بعض المعاصي منافقًا، للخبر) [الفروع 5/ 53 (8/ 67)] (1). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (283).
(1/658)
كتاب العتق
932 - مسألة: - قال ابن مفلح: (وعتق ذكر أفضل. وعنه: أنثى لأنثى. وعنه: أمتين كعتقه رجلًا) ..... إلى أن قال: (قال شيخنا: وتزويجه بها وعتقه من انعقد سبب حريتها أفضل، ويتوجه في الثانية عكسه) [الفروع 5/ 77 (8/ 97 - 98)]. 933 - لا يملك البائع استرجاع من عتق برحم لفلس مشتر: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا فيمن عتق برحم: لا يملك بائعه استرجاعه لفلس مشتر) [الفروع 5/ 81 (8/ 102)]. 934 - سريان عتق العبد المشترك: - قال ابن القيم: (هل يسري العتق عقب إعتاقه، أو لا يعتق حتى يؤدي الثمن؟ على قولين للشافعي، وهما في مذهب أحمد، قال شيخنا: والصحيح أنه لا يعتق إلا بالأداء) [تهذيب السنن 6/ 178]. - وقال ابن مفلح: (وإن أعتق من عبد مشترك كله، أو نصيبه منه موسر بقيمة حق شريكه ــ على ما تقدم في زكاة فطر؛ نص عليه، وفي «المغني»: مقتضى نصه لا يباع له أصل مال (1) ــ أو كاتبه فأدى إليه، أو ملكه ممن يعتق عليه بفعله، وفيه (2) رواية في المذهب. _________ (1) ساق ابن قندس في «حواشيه على الفروع» كلام صاحب «المغني». (2) كذا في ط 1، وفي ط 2: (وفي رواية في المذهب).
(1/659)
وعنه: أو قهرا كإرث، عتق كله عليه، للخبر، ولأن الرق لا يتجزأ، كنكاح، فلو قال إمام لأسير: أرققت نصفك، لم يصح، ويضمن حق شريكه وقت عتقه. وفي «الإرشاد» وجه: يوم تقويمه، ويقبل فيها قول المعتق. وقيل: يعتق بدفع قيمته (1). واختاره شيخنا) [الفروع 5/ 85 (8/ 106 - 107)] (2). 935 - إذا كان المعتِق بعض عبد مشترك لا يملك قيمة بقيته: - قال ابن مفلح: (ويعتق على الموسر ببعضه بقدره (3) في المنصوص، والمعسر يعتق حقه فقط، بخلاف القياس (4)، أو لضرر الغير. _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (فعلى الأول: يعتق وقت عتقه، قبل دفع القيمة، وعلى الثاني: لا يعتق إلا بدفع قيمته). (2) «الاختيارات» للبعلي (287). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: إذا كان المعتق موسرا ببعض نصيب شريكه= يعتق عليه ذلك البعض). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: أن القياس يقتضي أن الشريك إذا أعتق حصته يعتق نصيب شريكه، وإن كان المعتق معسرا، وذلك لأن الحرية تتبعض، لما روي أن رجلا أعتق شقصا له من مملوك، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل خلاصه عليه في ماله، وقال: «ليس لله شريك»، ولكن قد ورد في الأحاديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أعتق شركا له في عبد، وكان معه ما يبلغ ثمن العبد، قوِّم عليه قيمة العدل، وأعطى شركاءه حصصهم، وعتق جميع العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق» فخولف القياس لظاهر الحديث). وقوله: «لأن الحرية تتبعض» كذا في المطبوع، ولعل الصواب: «لا تتبعض»، والله أعلم.
(1/660)
وعنه: كله، ويستسعى (1) العبد في بقيته، نصره في «الانتصار»، واختاره أبو محمد الجوزي وشيخنا في كونه قبل أدائها، كحر أو معتق بعضه) [الفروع 5/ 85 (8/ 108 - 109)] (2). 936 - إذا استكره عبده المملوك أو أمة غيره على الفاحشة: - قال ابن القيم: ( ... ونظير هذا الظن الكاذب والغلط الفاحش، ظن كثير من الجهال: أن الفاحشة بالمملوك كالمباحة، أو مباحة، أو أنها أيسر من ارتكابها من الحر، وتأولت هذه الفرقة القرآن على ذلك، وأدخلت المملوك في قوله: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] حتى إن بعض النساء لتمكن عبدها من نفسها، وتتأول القرآن على ذلك، كما رفع إلى عمر بن الخطاب امرأة تزوجت عبدها، وتأولت هذه الآية، ففرق عمر - رضي الله عنه - بينهما، وأدبها، وقال: ويحك، إنما هذا للرجال لا للنساء. ومن تأول هذه الآية على وطء الذكران من المماليك= فهو كافر باتفاق الأمة. قال شيخنا: ومن هؤلاء من يتأول قوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221] على ذلك، قال: وقد سألني بعض الناس عن هذه الآية، وكان ممن يقرأ القرآن، فظن أن معناها في إباحة ذكران العبيد المؤمنين. _________ (1) نقل ابن قندس في «حاشيته على الفروع» كلاما طويلا عن «شرح مختصر الخرقي» للزركشي حول هذه المسألة. (2) «الاختيارات» للبعلي (287).
(1/661)
قال: ومنهم من يجعل ذلك مسألة نزاع، يبيحه بعض العلماء، ويحرمه بعضهم، ويقول: اختلافهم شبهة! وهذا كذب وجهل، فإنه ليس في فرق الأمة من يبيح ذلك، بل ولا في دين من أديان الرسل، وإنما يبيحه زنادقة العالم، الذين لا يؤمنون بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر. قال: ومنهم من يقول: هو مباح للضرورة، مثل: أن يبقى الرجل أربعين يومًا لا يجامع، إلى أمثال هذه الأمور التي خاطبني فيها وسألني عنها طوائف من الجند والعامة والفقراء. قال: ومنهم من قد بلغه خلاف بعض العلماء في وجوب الحد فيه، فظن أن ذلك خلاف في التحريم، ولم يعلم أن الشيء قد يكون من أعظم المحرمات: كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، وليس فيه حد مقدر، ثم ذلك الخلاف: قد يكون قولًا ضعيفًا، فيتولد من ذلك القول الضعيف الذي هو من خطأ بعض المجتهدين، وهذا الظن الفاسد الذي هو خطأ بعض الجاهلين: تبديل الدين، وطاعة الشيطان، ومعصية رب العالمين، فإذا انضافت الأقوال الباطلة إلى الظنون الكاذبة، وأعانتها الأهواء الغالبة فلا تسأل عن تبديل الدين بعد ذلك، والخروج عن جملة الشرائع بالكلية. ولما سهل هذا الأمر في نفوس كثير من الناس صار كثير من المماليك يتمدح: بأنه لا يعرف غير سيده، وأنه لم يطأه سواه، كما تتمدح الأمة والمرأة: بأنها لا تعرف غير سيدها وزوجها، وكذلك كثير من المردان: يتمدح بأنه لا يعرف غير خدينه وصديقه، أو مؤاخيه، أو معلمه، وكذلك كثير من الفاعلين: يتمدح بأنه عفيف عما سوى خدنه، الذي هو قرينه وعشيره كالزوجة، أو عما سوى مملوكه، الذي هو كسريته.
(1/662)
ومنهم من يرى أن التحريم: إنما هو إكراه الصبي على فعل الفاحشة، فإذا كان مختارًا راضيًا: لم يكن بذلك بأس، فكأن المحرم عنده من ذلك: إنما هو الظلم والعدوان بإكراه المفعول به. قال شيخنا: وحكى لي من أثق به: أن بعض هؤلاء أخذ على هذه الفاحشة، فحكم عليه بالحد، فقال: والله، هو ارتضى بذلك، وما أكرهته، ولا غصبته، فكيف أعاقب؟ فقال نصير المشركين ــ وكان حاضرًا ــ: هذا حكم محمد بن عبد الله، وليس لهؤلاء ذنب) [إغاثة اللهفان 2/ 204 ــ 206]. - وقال أيضًا: (ومما قيل: إنه من أبعد الأحاديث عن القياس: حديث الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في رجل وقع على جارية امرأته: إن كان استكرهها فهي حرة، وعليه لسيدتها مثلها، وإن كانت طاوعته فهي له، وعليه لسيدتها مثلها. وفي رواية أخرى: وإن كانت طاوعته فهي ومثلها من ماله لسيدتها. رواه أهل السنن، وضعَّفه بعضهم من قبل إسناده، وهو حديث حسن، يحتجون بما هو دونه في القوة، ولكن لإشكاله أقدموا على تضعيفه، مع لين في سنده. قال شيخ الإسلام: وهذا الحديث يستقيم على القياس، مع ثلاثة أصول صحيحة، كل منها قول طائفة من الفقهاء: أحدها: أن من غير مال غيره، بحيث فوت مقصوده عليه= فله أن يضمنه بمثله، وهذا كما لو تصرف في المغصوب بما أزال اسمه، ففيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره: أحدها: أنه باق على ملك صاحبه، وعلى الغاصب ضمان النقص، ولا
(1/663)
شيء عليه (1) في الزيادة، كقول الشافعي. والثاني: يملكه الغاصب بذلك، ويضمنه لصاحبه، كقول أبي حنيفة. والثالث: يخير المالك بين أخذه وتضمين النقص، وبين المطالبة بالبدل، وهذا أعدل الأقوال وأقواها. فإن فوت صفاته المعنوية، مثل أن ينسيه صناعته، أو يضعف قوته، أو يفسد عقله أو دينه، فهذا أيضا يخير المالك فيه: بين تضمين النقص، وبين المطالبة بالبدل، ولو قطع ذنب بغلة القاضي: فعند مالك: يضمنها بالبدل ويملكها، لتعذر مقصودها على المالك في العادة، أو يخير المالك. الأصل الثاني: أن جميع المتلفات تضمن بالجنس بحسب الإمكان، مع مراعاة القيمة، حتى الحيوان، فإنه إذا اقترضه رد مثله، كما اقترض النبي - صلى الله عليه وسلم - بكرًا، ورد خيرا منه، وكذلك المغرور يضمن ولده بمثلهم، كما قضت به الصحابة، وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره، وقصة داود وسليمان عليهما السلام من هذا الباب، فإن الماشية كانت قد أتلفت حرث القوم، فقضى داود بالغنم لأصحاب الحرث، كأنه ضمنهم ذلك بالقيمة، ولم يكن لهم مال إلا الغنم، فأعطاهم الغنم بالقيمة، وأما سليمان: فحكم بأن أصحاب الماشية يقومون على الحرث حتى يعود كما كان، فضمنهم إياه بالمثل، وأعطاهم الماشية، يأخذون منفعتها عوضا عن المنفعة التي فاتت من غلة الحرث إلى أن يعود، وبذلك أفتى الزهري لعمر بن عبد العزيز فيمن أتلف له شجرا، فقال الزهري: يغرسه، حتى يعود كما كان، وقال ربيعة وأبو الزناد: عليه القيمة، فغلظ الزهري القول فيهما. _________ (1) كذا، وفي «الفتاوى»: (له).
(1/664)
وقول الزهري وحكم سليمان هو موجب الأدلة، فإن الواجب: ضمان المتلف بالمثل بحسب الإمكان، كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، وقال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وقال: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194]، وقال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]. وإن كان مثل الحيوان والآنية والثياب من كل وجه متعذرا، فقد دار الأمر بين شيئين: الضمان بالدراهم المخالفة للمثل في الجنس والصفة والمقصود والانتفاع، وإن ساوت المضمون في المالية؛ والضمان بالمثل ــ بحسب الإمكان (1) ــ المساوي للمتلف في الجنس والصفة والمالية والمقصود والانتفاع، ولا ريب أن هذا أقرب إلى النصوص والقياس والعدل. ونظير هذا: ما ثبت بالسنة واتفاق الصحابة من القصاص في اللطمة والضربة، وهو منصوص أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد ... وإذا كانت المماثلة من كل وجه متعذرة، حتى في المكيل والموزون، فما كان أقرب إلى المماثلة فهو أولى بالصواب، ولا ريب أن الجنس إلى الجنس أقرب مماثلة من الجنس إلى القيمة، فهذا هو القياس وموجب النصوص، وبالله التوفيق. والأصل الثالث: أن من مثل بعبده عتق عليه، وهذا مذهب فقهاء الحديث، وقد جاءت بذلك آثار مرفوعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، كعمر بن _________ (1) في «الفتاوى»: (مع مراعاة القيمة بحسب الإمكان).
(1/665)
الخطاب وغيره. فهذا الحديث موافق لهذه الأصول الثلاثة، الثابتة بالأدلة الموافقة للقياس العادل، فإذا طاوعته الجارية: فقد أفسدها على سيدتها، فإنها مع المطاوعة تنقص قيمتها، إذ تصير زانية، ولا تمكن سيدتها من استخدامها حق الخدمة، لغيرتها منها، وطمعها في السيد، واستشراف السيد إليها، وتتشامخ على سيدتها، فلا تطيعها كما كانت تطيعها قبل ذلك، والجاني إذا تصرف في المال بما ينقص قيمته= كان لصاحبه المطالبة بالمثل، فقضى الشارع لسيدتها بالمثل، وملكه الجارية، إذ لا يجمع لها بين العوض والمعوض، وأيضا: فلو رضيت سيدتها أن تبقى الجارية على ملكها، وتغرمه ما نقص من قيمتها= كان لها ذلك، فإذا لم ترض، وعلمت أن الأمة قد فسدت عليها، ولم تنتفع بخدمتها كما كانت قبل ذلك= كان من أحسن القضاء: أن يغرم السيد مثلها، ويملكها. فإن قيل: فاطردوا هذا القياس، وقولوا: إن الأجنبي إذا زنى بجارية قوم حتى أفسدها عليهم أن لهم القيمة، أو يطالبوه ببدلها. قيل: نعم، هذا موجب القياس، إن لم يكن بين الصورتين فرق مؤثر، وإن كان بينهما فرق انقطع الإلحاق، فإن الإفساد الذي في وطء الزوج بجارية امرأته ــ بالنسبة إليها ــ أعظم من الإفساد الذي في وطء الأجنبي. وبالجملة، فجواب هذا السؤال جواب مركب، إذ لا نص فيه، ولا إجماع.
(1/666)
فصل وأما إذا استكرهها: فإن هذا من باب المثلة، فإن الإكراه على الوطء مثلة، فإن الوطء يجري مجرى الجناية، ولهذا لا يخلو عن عقر أو عقوبة، ولا يجري مجرى منفعة الخدمة، فهي لما صارت له بإفسادها على سيدتها= أوجب عليه مثلها، كما في المطاوعة، وأعتقها عليه لكونه مثل بها. قال شيخنا: ولو استكره عبده على الفاحشة عتق عليه، ولو استكره أمة الغير على الفاحشة عتقت عليه، وضمنها بمثلها، إلا أن يفرق بين أمة امرأته وبين غيرها، فإن كان بينهما فرق شرعي، وإلا فموجب القياس التسوية. وأما قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] فهذا نهي عن إكراههن على كسب المال بالبغاء، كما قيل: إن عبد الله بن أُبي ــ رأس المنافقين ــ كان له إماء يكرههن على البغاء، وليس هذا استكراها للأمة على أن يزني بها هو، فإن هذا بمنزلة التمثيل بها، وذاك إلزام لها بأن تذهب هي فتزني. مع أنه يمكن أن يقال: العتق بالمثلة لم يكن مشروعًا عند نزول الآية، ثم شرع بعد ذلك. قال شيخنا: والكلام على هذا الحديث من أدق الأمور، فإن كان ثابتا: فهذا الذي ظهر في توجيهه، وإن لم يكن ثابتا: فلا يحتاج إلى الكلام عليه. قال: وما عرفت حديثًا صحيحًا، إلا ويمكن تخريجه على الأصول الثابتة.
(1/667)
قال: وقد تدبرت ما أمكنني من أدلة الشرع، فما رأيت قياسًا صحيحًا يخالف حديثًا صحيحًا، كما أن المعقول الصحيح لا يخالف المنقول الصحيح، بل متى رأيت قياسًا يخالف أثرًا، فلا بد من ضعف أحدهما، لكن التمييز بين صحيح القياس وفاسده= مما يخفى كثير منه على أفاضل العلماء، فضلًا عمن هو دونهم، فإن إدراك الصفة المؤثرة في الأحكام على وجهها، ومعرفة المعاني التي علقت بها الأحكام= من أشرف العلوم، فمنه الجلي الذي يعرفه أكثر الناس، ومنه الدقيق الذي لا يعرفه إلا خواصهم. فلهذا صارت أقيسة كثير من العلماء تجيء مخالفة للنصوص، لخفاء القياس الصحيح، كما يخفى على كثير من الناس ما في النصوص من الدلائل الدقيقة، التي تدل على الأحكام. انتهى) [إعلام الموقعين 2/ 43 - 47] (1). 937 - مسألة: - قال ابن مفلح: (وإن قال: إن كان هذا الطائر غرابا فعبدي حر، وقال الآخر: إن لم يكن، فعبدي حر، ولم يعلماه، فلا عتق. فإن اشترى أحدهما عبد الآخر، فقيل: يعتق أحدهما بقرعة، وقيل: يعتق المشتري، وقيل: إن تكاذبا. وفي نظيرتها في النكاح أحكام الطلاق باقية، ويحرم عليهما الوطء إلا مع اعتقاد أحدهما خطأ الآخر، في الأصح فيهما. نقل ابن القاسم: فليتقيا الشبهة. _________ (1) هذا النقل ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 57 - 58)، وهذا النص في «الفتاوى» (20/ 561 - 568)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (287).
(1/668)
وفي «المنتخب»: إمساكه عن تصرفه في العبيد كوطئه ولا حنث. واختار أبو الفرج وابن عقيل والحلواني وابنه في «التبصرة» وشيخنا: بلى) [الفروع 5/ 100 (8/ 130)].
(1/669)
باب الكتابة
938 - موافقة الكتابة للقياس: - قال ابن القيم: (وأما الكتابة فمن قال: هي على خلاف القياس، قال: هي بيع السيد ماله بماله، وهذا غلط، وإنما باع العبد نفسه بمال في ذمته، والسيد لا حق له في ذمة العبد، وإنما حقه في بدنه، فإن السيد حقه في مالية العبد، لا (1) في إنسانيته، وإنما يطالب العبد بما في ذمته بعد عتقه، وحينئذ فلا ملك للسيد عليه. وإذا عرف هذا فالكتابة بيعه نفسه بمال في ذمته، ثم إذا اشترى نفسه كان كسبه له ونفعه له، وهو حادث على ملكه الذي استحقه بعقد الكتابة. ومن تمام حكمة الشارع: أنه أخر فيها العتق إلى حين الأداء، لأن السيد لم يرض بخروجه عن ملكه، إلا بأن يسلم له العوض، فمتى لم يسلم له العوض، وعجز العبد عنه= كان له الرجوع في البيع، فلو وقع العتق لم يمكن رفعه بعد ذلك، فيحصل السيد على الحرمان، فراعى الشارع مصلحة السيد ومصلحة العبد، وشرع الكتابة على أكمل الوجوه وأشدها مطابقة للقياس الصحيح. وهذا هو القياس في سائر المعاوضات، وبه جاءت السنة الصحيحة الصريحة، الذي لا معارض لها: أن المشتري إذا عجز عن الثمن كان للبائع الرجوع في عين ماله، وسواء حكم الحاكم بفلسه أم لا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم _________ (1) سقطت كلمة (لا) من مطبوعة «الفتاوى».
(1/670)
يشترط حكم الحاكم، ولا أشار إليه، ولا دل عليه بوجه ما، فلا وجه لاشتراطه، وإنما المعنى الموجب للرجوع هو الفلس، الذي حال بين البائع وبين الثمن، وهذا المعنى موجود بدون حكم الحاكم، فيجب ترتيب أثره عليه، وهو محض العدل، وموجب القياس، فإن المشتري لو اطلع على عيب في السلعة كان له الفسخ بدون حكم حاكم، ومعلوم أن الإعسار عيب في الذمة، لو علم به البائع لم يرض بكون ماله في ذمة مفلس، فهذا محض القياس الموافق للنص ومصالح العباد، وبالله التوفيق. وطرد هذا القياس: عجز الزوج عن الصداق، أو عجزه عن الوطء، وعجزه عن النفقة والكسوة. وطرده: عجز المرأة عن العوض في الخلع، أن للزوج الرجعة، وهذا هو الصواب بلا ريب، فإنه لم يخرج البضع عن ملكه إلا بشرط سلامة العوض. وطرده: الصلح عن القصاص، إذا لم يحصل له ما يصالح عليه فله العود إلى طلب القصاص، فهذا موجب العدل، ومقتضى قواعد الشريعة وأصولها. وبالله التوفيق) [إعلام الموقعين 2/ 20 - 21] (1). _________ (1) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 57 - 58)، وهذا النص في «الفتاوى» (20/ 530 - 531) وما هنا فيه زيادة.
(1/671)
باب أحكام أمهات الأولاد
939 - بيع أمهات الأولاد: - قال ابن القيم: (قال (1): ومن ذلك (2): منعه بيع أمهات الأولاد، إنما كان رأيًا منه رآه للأمة، وإلا فقد بعن في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومدة خلافة الصديق، ولهذا عزم علي بن أبي طالب على بيعهن. وقال: إن عدم البيع كان رأيا اتفق عليه هو وعمر، فقال له قاضيه عَبيدة السلماني: يا أمير المؤمنين، رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك، فقال: اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الخلاف. فلو كان عنده نصٌّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتحريم بيعهن لم يضف ذلك إلى رأيه ورأي عمر، ولم يقل: إني رأيت أن يبعن) [الطرق الحكمية 14]. 940 - الخلاف في أمهات الأولاد شبهة: - قال ابن مفلح: (وحكم أم الولد كالأمة، نقله الجماعة، لا (3) في بيع وهبة ورهن ووقف ووصية بها. وعنه: يحد قاذفها. وعنه: إن كان لها ابن، لأنه إنما أراده، كذا قال ابن عمر. وعنه: يكره بيعها، فقيل: لا تعتق بموته، وهل هذا الخلاف شبهة؟ فيه _________ (1) أي: شيخ الإسلام ابن تيمية. (2) أي: من السياسة الشرعية التي عمل بها عمر - رضي الله عنه -. (3) كذا في ط 1، وفي ط 2: (إلا).
(1/672)
نزاع، والأقوى شبهة، قاله شيخنا، وأنه ينبني عليه لو وطئ معتقدًا تحريمه هل يلحقه نسبه أو يرجم المحصن؟ أما التعزير فواجب) [الفروع 5/ 132 (8/ 165 - 166)] (1). 941 - من وطئ أمة بينه وبين آخر: - قال ابن مفلح: (ومن وطئ أمة بينه وبين آخر أدّب، قال شيخنا: ويقدح في عدالته ... ) [الفروع 5/ 133 (8/ 166)]. 942 - حكم الولد إذا وطئ أمته الحامل من غيره: - قال ابن مفلح: (وإن وطئ أمته الحامل من غيره= حرم بيع الولد، ويعتقه، نقله صالح وغيره. ونقل الأثرم ومحمد بن حبيب: يعتق عليه، وجزم به في «الروضة». قال شيخنا: يستحب، وفي وجوبه خلاف في مذهب أحمد وغيره. وقال أيضًا: يعتق، وأنه يحكم بإسلامه، وهو يسري كالعتق، ولا يثبت نسبه) [الفروع 5/ 136 (8/ 168 - 169)]. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (289).
(1/673)
اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية لدى تلاميذه جمع وإعداد سامي بن محمد بن جاد الله
(2/674)
كتاب النكاح
943 - معنى النكاح: - قال ابن مفلح: (وهو حقيقة في العقد، جزم به الحلواني وأبو يعلى الصغير، واختاره الشيخ؛ واختار (1) القاضي في «شرح الخرقي» و «أحكام القرآن» و «عيون المسائل» و «الانتصار»: في الوطء، والأشهر مشترك. وقيل: حقيقة فيهما. وقال شيخنا: في الإثبات لهما، وفي النهي لكل منهما، بناء على أنه إذا نُهي عن شيء نُهي عن بعضه، والأمر به أمر بكله في الكتاب والسنة والكلام (2)) [الفروع 5/ 145 (8/ 175)] (3). 944 - حكم تزوج الفقير: - قال ابن مفلح: (وجزم في «النظم»: لا يتزوج فقير إلا ضرورة، وكذا قيدها ابن رزين بالموسر. ونقل صالح: يقترض ويتزوج. _________ (1) في ط 2: (واختاره)، والمثبت من ط 1. (2) قال المرداوي في «الإنصاف» (8/ 6. ط: الفقي) موضحا كلام الشيخ: (فإذا قيل ــ مثلا ــ: انكح ابنة عمك= كان المراد العقد والوطء، وإذا قيل: لا تنكحها= تناول كل واحد منهما). (3) «الاختيارات «(290).
(2/675)
وقال شيخنا: فيه نزاع في مذهب أحمد وغيره) [الفروع 5/ 146 (8/ 175 - 176)] (1). 945 - إذا أمره والداه بنكاح من لا يريدها: - قال ابن مفلح: (قال أحمد: إن خاف العنت أمرته يتزوج (2)، وإن أمره والداه أمرته يتزوج (3)، والذي يحلف بالطلاق لا يتزوج أبدًا إن أمره أبوه تزوج. قال شيخنا: وليس لهما إلزامه بنكاح من لا يريدها، [فلا يكون عاقا كأكل ما لا يريد] (4) [الفروع 5/ 148 (8/ 176 - 177)]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين ــ - رحمه الله - ــ: إنه ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر منه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه كان النكاح كذلك وأولى، فإن أكل المكروه مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول تؤذي صاحبه ولا يمكنه فراقه. انتهى كلامه. _________ (1) «الفتاوى» (32/ 6). (2) كذا في ط 1، وفي ط 2: (أن يتزوج). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يحتمل أن يكون التقدير: وإن أمره والداه يتزوج أمرته يتزوج، وإن لم يخف العنت، وإنما الأمر هنا لأجل أمر والديه، ويدل على ذلك قوله بعد ذلك: «والذي يحلف ... لا يتزوج أبدا إن أمره أبوه تزوج» فأمره بالزواج، لأمر أبيه به). (4) زيادة استدركت من ط 2.
(2/676)
وقال أحمد ــ في رواية أبي داود ــ: إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثا، إن فعل لم آمره أن يفارقها، وإن كان له والدان يأمرانه بالتزويج أمرته أن يتزوج، وإن كان شابا يخاف العنت أمرته أن يتزوج، وإذا قال له والده: تزوج فلانة فإنه يمكنه أن يتزوج غيرها. وهذا مع ما نقله الفضل بن زياد. وقال الشيخ تقي الدين في «مسائل له في العقود»: كان يأمر بالورع احتياطا أن لا يأتي الشبهات، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، إلا إذا أمره الشارع بالتزوج إما لحاجته، أو لأمر أبويه، فهنا إن ترك ذلك كان عاصيا، فلا تترك الشبهة بركوب معصية، وهذا كما أن رجلا سأله: إن أبي مات وعليه دين، وله مال فيه شبهة، وأنا أكره أن أوفيه، قال: أتدع ذمة أبيك مرتهنة؟ يعني: أن قضاء الدين واجب، فلا تتقى شبهة بترك واجب) [الآداب الشرعية 1/ 474] (1). 946 - استحلال النظر بشهوة: 947 - والنظر مع خوف تحرك الشهوة: 948 - والنظر إلى الأمرد: - قال ابن مفلح: (ويحرم النظر بشهوة، ومن استحله كفر «ع»، قاله شيخنا، ونصه: وخوفها، واختاره شيخنا؛ وذكر قول جمهور العلماء في الأمرد إلى الكل، فعلى الأول: في كراهته إلى أمرد وجهان في «الترغيب» _________ (1) انظر: «الفتاوى» (32/ 30)، «الاختيارات» (290).
(2/677)
وغيره (1)) [الفروع 5/ 155 (8/ 187)] (2). 949 - حكم التلذذ بلمس الأجنبية: - قال ابن مفلح: (وليس صوت الأجنبية عورة، على الأصح، ويحرم التلذذ بسماعه ولو بقراءة، واللمس قيل: كالنظر، وقيل: أولى. اختاره شيخنا) (3) [الفروع 5/ 157 (8/ 190)]. 950 - حكم الخلوة بالمرأة لغير محرم: 951 - وحكم الخلوة بالأمرد: - قال ابن مفلح: (وتحرم الخلوة لغير محرم للكل مطلقًا، ولو بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه، كالقرد، ذكره ابن عقيل وابن الجوزي وشيخنا. وقال: الخلوة بأمرد حسن ومضاجعته كامرأة، ولو لمصلحة تعليم وتأديب، والمقر موليه عند من يعاشره كذلك ملعون ديوث، ومن عرف بمحبتهم أو معاشرة بينهم منع من تعليمهم) [الفروع 5/ 158 (8/ 190)] (4). _________ (1) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (ومراده بغير شهوة، واعلم أن النظر إلى الأمرد بغير شهوة على قسمين: ... ) وبسط الكلام في المسألة. (2) «الاختيارات» (290)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 251، 255). (3) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (القول الثاني: هو الصواب بلا شك ... والقول الأول لا أعلم من اختاره، وهو ضعيف بالنسبة إلى الأول في بعض الصور، ويحتمل الرجوع في ذلك إلى الناظر واللامس، إن كان التأثير بهما عنده سواء، فهما كذلك، وإلا فاللمس). (4) «الاختيارات» للبعلي (291) , وانظر: «الفتاوى» (11/ 505، 546؛ 32/ 247 - 249).
(2/678)
952 - من فرض له ولي الأمر على الصدقات أو غيرها ما يستحقه فنحى من يزاحمه، أو ينزعه منه: - قال ابن مفلح: (ويحرم ــ وقيل -: يكره ــ خطبة مسلم لا كافر، كما لا ينصحه، نص عليهما، إن أجيب صريحًا، ويصح العقد على الأصح كالخطبة في العدة ويتوجه فيه تخريج، وفي تعريض روايتان، فإن لم يعلم أجيب أم لا؟ فوجهان، وظاهر نقل الميموني جوازه، فإن رد أو أذن جاز، وأشد تحريمًا من فرض له ولي الأمر على الصدقات أو غيرها ما يستحقه فنحى من يزاحمه، أو ينزعه منه، قاله شيخنا) [الفروع 5/ 159 - 160 (8/ 194)]. 953 - حكم صلاة الضحى في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -: 954 - وحديث: «ثلاث هن علي فرائض»: - قال ابن مفلح: (وفي «الرعاية»: وجب عليه الضحى. قال شيخنا: هذا غلط، والخبر «ثلاث هن عليَّ فرائض» موضوع، ولم يكن يداوم على الضحى باتفاق العلماء بسنته) [الفروع 5/ 162 (8/ 196)] (1). 955 - آية المواريث لا تشمل النبي - صلى الله عليه وسلم -: - قال ابن مفلح: (وظاهر كلامهم: لا يمنع من الإرث، وفي «رد شيخنا على الرافضي»: أن آية المواريث لم تشمله، واحتج بالسياق قبلها وبعدها. _________ (1) «الفتاوى» (22/ 283).
(2/679)
فقيل له: لو مات أحد من أولاد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورثه كما ماتت بناته الثلاث في حياته ومات ابنه إبراهيم؟ فقال: الخطاب في الآية للمورث دون الوارث، فلا يلزم إذا دخل أولاده في كاف الخطاب؛ لكونهم مورثين أن يدخلوا إذا كانوا وارثين. فقيل له: ففي آية الزوجين قال: {وَلَكُمْ}، {وَلَهُنَّ} [النساء: 12]؟ فقال: لم تمت إلا خديجة بمكة قبل نزولها، وزينب الهلالية بالمدينة، ومن أين يعلم أنها كانت نزلت، وأنها خلفت مالا؟ ثم لا يلزم من شمول أحد الكافين له شمول الأخرى) [الفروع 5/ 163 - 164 (8/ 198)] (1). _________ (1) «منهاج السنة النبوية» (4/ 202 - 206) باختصار.
(2/680)
باب أركان النكاح وشروطه
956 - صيغة عقد النكاح: - قال ابن عبد الهادي: (قال شيخنا العلامة أبو العبَّاس: أصحُّ قولي العلماء أنَّ النكاح ينعقد بكل لفظٍ يدلُّ عليه، وهذا مذهب جمهور العلماء، كأبي حنيفة ومالك وأحد القولين في مذهب أحمد، بل نصوصه لم تدلَّ إلاَّ على هذا الوجه. وأمَّا الوجه الآخر ــ وهو: أنَّه إنَّما ينعقد بلفظ الإنكاح أو التزويج ــ فهو قول أبي عبد الله بن حامدٍ وأتباعه، كالقاضي ومتبعيه. وأمَّا قدماء أصحاب أحمد وجمهورهم= فلم يقولوا بهذا الوجه، وقد نصَّ أحمد في غير موضعٍ على أنَّه إذ قال: «أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها» انعقد النكاح، وليس هذا لفظ نكاحٍ وتزويجٍ، ولهذا ذكر ابن عقيلٍ وغيره أنَّ هذا يدل على أنَّه لا يختص النكاح بلفظٍ. وأمَّا ابن حامدٍ فطرد قوله، فقال: لا بدَّ أن يقول مع ذلك: وتزوجتها. والقاضي أبو يعلى جعل هذا خارجًا عن القياس، فجوَّز النكاح هنا بدون لفظ الإنكاح والتزويج. وأصول أحمد ونصوصه تخالف هذا، فإنَّ من أصله أنَّ العقود تنعقد بما يدلُّ على مقصودها من قولٍ وفعلٍ، فهو لا يرى اختصاصها بالصيغ. وقال شيخنا في موضعٍ آخر: وقد ظن بعض الناس أنَّ المراد بكلمة الله قولُه: (انكحتك وزوجتك)، وليس كذلك، فإنَّ هذا ليس كلام الله، بل هذا
(2/681)
كلام المخلوقين، وهو مخلوقٌ، وكلام الله غير مخلوقٍ، وأمَّا كلمته: فما تكلم به، وهو شرعه وإباحته وإذنه في ذلك) [تنقيح التحقيق 4/ 336]. - وقال ابن مفلح: (وقال شيخنا: ينعقد بما عدَّه الناس نكاحًا بأي لغة ولفظ وفعل كان، وأن مثله كل عقد، وأن الشرط بين الناس ما عدوه شرطًا، فالأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع، وتارة باللغة، وتارة بالعرف، وكذلك العقود) [الفروع 5/ 169 (8/ 202)] (1). 957 - القبول والإيجاب في النكاح: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: وذكر أبو الخطاب أن تقدم القبول على الإيجاب لا يضر في النكاح، مثل أن يقول: تزوجت، فيقول: زوجتك، صرح به في مسألة النكاح الموقوف، قال: وكذا ذكر أبو حفص العكبري ــ يعني في كتاب «الخلاف» له بين مالك وأحمد -. وقال أيضا: واشترط تقدم الإيجاب على القبول فيما إذا كان أحد المتعاقدين موجبا والآخر قابلا، سواء أوجب في امرأة أو امرأتين، فأما إن كان كل منهما موجبا قابلا، مثل مسألة الشغار ــ إذا صححناه (2) ــ إذا قال أحدهما: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، فقد أتى بالقبول بصيغة المضارع المقترن بـ «أن»، وقد ذكر هذا القاضي وغيره. وإن تقدم لفظ القبول فيهما بأن يقول: زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، أو زوجني بنتك وأزوجك بنتي= فهذا قد ذكره الإمام أحمد، لكن _________ (1) «الفتاوى» (20/ 433 - 434؛ 29/ 448)، «الاختيارات» (293). (2) قال المحقق في الحاشية: (بهامش الأصل: الذي قاله الشيخ تقي الدين في «شرح المحرر»: إذا صححناه مع تسمية الصداق) ا. هـ.
(2/682)
كلامه محتمل للخطبة والعقد، فقياس قولنا: أن لا يصح هنا، حتى يقول ذلك: قد زوجتك، ثم يقول الأول: قبلت، لأنه جعل القبول أصلا والإيجاب تبعا، وجعل الإيجاب بلفظة المضارعة المستقبلة، ومن جوَّز تقدم القبول على الإيجاب صحَّحه) [النكت على المحرر 1/ 256 - 257]. - وقال أيضًا: (قال القاضي: قد علق القول في رواية أبي طالب في رجل مشى إليه قوم، فقالوا: زوج فلانًا، فقال: فقد زوجته على ألف، فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقال: قد قبلت= هل يكون هذا نكاحًا؟ قال: نعم. قال: وظاهر هذا: أنه حكم بصحته بعد التفرق عن مجلس العقد. قال: وهذا محمول على أنه قد كان وكل من قبل العقد عنه، ثم أخبر بذلك فأمضاه. وقال أبو بكر في كتاب «المقنع»: مسألة أبي طالب متوجهة على قولين: أحدهما: لا يجوز باتفاق الولي والزوج والشهود في مجلس واحد، قال: وعلى ظاهر مسألة أبي طالب: يجوز، وبالأول أقول. وقال ابن عقيل: وهذا يعطي أن النكاح الموقوف صحيح، وشيخنا (1) حمل المسألة على أنه وكل ذلك في قبوله، ولا وجه لترك ظاهر كلام الرجل، والرواية ظاهرة، ولا يترك ظاهرها بغير دلالة من كلامه فيها، لا في غيرها، لأنا لو صرفنا رواية عن ظاهرها برواية لم يبق لنا في المذهب روايتان (2)! _________ (1) هو القاضي أبو يعلى، والكلام متصل لابن عقيل. (2) قال ابن مفلح في «الفروع» (4/ 340): (قال ابن عقيل: هذا دأب شيخنا أن يحمل النادر من كلام أحمد - رضي الله عنه - على أظهره، ويصرفه عن ظاهره، والواجب أن يقال: كل لفظ رواية ونصحح الصحيح. قال الأزجي: ينبغي أن يعول في المذهب على هذا، لئلا يصير المذهب رواية واحدة) ا. هـ.
(2/683)
قال الشيخ تقي الدين: قد أحسن ابن عقيل، وهو طريقة أبي بكر، فإن هذا ليس تراخيًا للقبول عن المجلس، وإنما هو تراخ للإجازة، والعقد انعقد بقوله: زوجت فلانًا، فيكون قد تولى واحد طرفي العقد، وإن كان في أحدهما فضوليًا، لا سيما إن جعل قول أولئك له: زوج فلانًا، قبولًا منهم متقدمًا، هم فيه فضوليون. قال: ويجوز أن يقال: إن العاقد الآخر إن كان حاضرًا اعتبر قبوله، وإن كان غائبًا جاز تراخي القبول عن المجلس، كما قلنا في ولاية القضاء، مع أن أصحابنا قد قالوا في الوكالة: إنه يجوز قبولها على الفور والتراخي، وفي ولاية القضاء فرقوا بين حضور المولى وغيبته، وإنما الولاية نوع من جنس الوكالة. وقال أيضًا: مسألة أبي طالب وكلام أبي بكر، فيما إذا لم يكن الزوج حاضرًا في مجلس الإيجاب، وهذا أحسن، أما إذا تفرقا عن مجلس الإيجاب: فليس في كلام أحمد وأبي بكر ما يدل على ذلك، وكذلك قال في «المجرد». انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 258 - 259] (1). - وقال أيضا: (وذكر القاضي في «المجرد» وابن عقيل في «الفصول» في تتمة رواية أبي طالب المذكورة، فقال: قد قبلت، صح إذا حضره شاهدان. قال الشيخ تقي الدين: وهو يقتضي أن إجازة العقد الموقوف إذا قلنا بانعقاده يفتقر إلى شاهدين كأصله، وهو مستقيم حسن، لأن العقد إنما يتم بهما، بخلاف الإذن للولي، فإنه شرط العقد لإتمام العقد، والشهادة معتبرة في نفس النكاح، لا في شروطه) [النكت على المحرر 1/ 259] (2). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (21/ 139 - 140؛ 13/ 411). (2) «الاختيارات» (293 - 294).
(2/684)
958 - إن أجبرت المرأة وعينت كفوا: 959 - والجد يجبر كالأب: - قال ابن مفلح: (فإن أجبرت امرأة فهل يؤخذ بتعيينها كفوًا ــ وهو ظاهر المذهب، ذكره شيخنا «و: ش» ــ أو تعيينه؟ فيه وجهان. نقل أبو طالب: إن أرادت الجارية رجلًا وأراد الولي غيره اتبع هواها. وفي «الواضح» رواية: أن الجد يجبر كالأب، اختاره شيخنا) [الفروع 5/ 172 - 173 (8/ 208)] (1). 960 - عتيقة المرأة كأمتها في ولاية النكاح: - قال ابن مفلح: (وعتيقتها كأمتها ــ اختاره ابن أبي الحجر وشيخنا، وهو ظاهر الخرقي ــ إن طلبت وأذنت، وقلنا: تلي عليها، في رواية) [الفروع 5/ 176 (8/ 213)] (2). 961 - والي البلد وكبيره يكون وليا للمرأة إذا لم يكن لها ولي من النسب: - قال ابن مفلح: (وأحق ولي بنكاح حرة: أبوها، ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وإن نزل، وقيل: عكسه ... ثم أخوها لأبويها، ثم لأبيها، اختاره أبو بكر وجماعة، وعنه: هما سواء، اختاره الأكثر ... ثم المولى المعتق، ثم أقرب عصبته، وقيل: يقدم أبو المعتقة على ابنها، ثم السلطان أو نائبه. قال الإمام أحمد - رحمه الله -: والقاضي أحب إلي من الأمير في هذا. وعنه: أو والي البلد _________ (1) «الاختيارات» (295) , وانظر: «الفتاوى» (32/ 23). (2) انظر: «الفتاوى» (32/ 58 - 59).
(2/685)
وكبيره، واختاره شيخنا، وعنه: أو من أسلمت على يده) [الفروع 5/ 178 (8/ 217 - 218)] (1). 962 - حكم تزويج الأيامى: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: تزويج الأيامى فرض كفاية «ع») [الفروع 5/ 178 (8/ 218)] (2). 963 - إذا طلق على غيره زوجته: - قال ابن مفلح: (فإن زوج الأبعد بدون ذلك فكفضولي، وإن تزوج لغيره فقيل: لا يصح، كذمته (3)، وقيل: كفضولي، وعند شيخنا طلاق كفضولي (4)) [الفروع 5/ 181 (8/ 222)]. 964 - وصي المال يزوج الصغير: - قال ابن مفلح: (وإن تزوج صغير بوصية كأنثى، وكذا في «المغني» وغيره في تزويج صغير بوصية فيه، وفي «الخرقي»: أو وصي ناظر له في التزويج، وظاهر كلام القاضي و «المحرر»: الوصي مطلقًا، وجزم به شيخنا، وأنه قولهما أن وصي المال يزوج الصغير) [الفروع 5/ 184 (8/ 225 - 226)] (5). _________ (1) «الفتاوى» (32/ 35)، «الاختيارات» (295). (2) «الاختيارات» (296). (3) في ط 1: (كذمية) والمثبت من ط 2. (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: إذا طلق على غيره زوجته، يكون حكمه كفضولي). (5) «الاختيارات» للبعلي (296).
(2/686)
965 - حكم شهادة البينة الفاسقة: - قال ابن مفلح: (وفي شهادة عدوي الزوجين أو أحدهما أو الولي وجهان، وفي متهم لرحم روايتان، وعنه: وفاسقة، وأسقطها أكثرهم، وذكرها في «عيون المسائل»، وقال شيخنا: هي ظاهر كلام الخرقي) [الفروع 5/ 118 (8/ 230 - 231)]. 966 - مسألة: - قال ابن مفلح: (فلا تزوج عفيفة بفاجر، ولا حرة بعبد، وعنه: ولا عتيق وابنه بحرة الأصل، ولا موسرة بمعسر، وظاهره ولو كان متوليا، قاله (1) شيخنا) [الفروع 5/ 190 (8/ 233)]. 967 - الإشهاد على إذن المرأة: 968 - وإذا أنكرت الإذن: - قال ابن مفلح: ( ... وكذا في «تعليق ابن المني» في شهادة الفاسق في النكاح: لا تعتبر الشهادة على رضى المرأة، لأن رضى الولي أقيم مقام رضاها، ويأتي كلامه في «الانتصار» في العدالة باطنًا، وكلام شيخنا في قسمة الإجبار، قال: وفي المذهب خلاف شاذ: يشترط الإشهاد على إذنها. قال: ولا يزوجها العاقد نائب الحاكم بطريق الولاية ــ لا بوكالة الولي ــ حتى يعلم إذنها. وإن ادعى الزوج إذنها صدقت قبل الدخول لا بعده، لتمكينها له، _________ (1) في ط 1: (وقاله)، والمثبت من ط 2.
(2/687)
وأطلق في «عيون المسائل»: تصدق الثيب، لأنها تزوج بإذنها ظاهرًا، بخلاف البكر فإنه يزوجها أبوها بلا إذنها. كذا قال، وهو يقتضي اختصاصه ببكر زوجها أبوها وقلنا: يجبرها. ويتوجه في دعوى الولي إذنها كذلك، وذكر شيخنا: قولها، وإن ادعت الإذن فأنكر ورثته صُدِّقت، وفي «الروضة»: إن ادعى الولي إذنها فزوجها فإن أجازت ما ذكره صح، وإلا حلفت وينفسخ النكاح، قال: والذي أراه للولي الإشهاد، لئلا تنكر فيحتاج إلى بينة، والله أعلم) [الفروع 5/ 191 - 192 (8/ 234 - 235)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (32/ 41 - 42).
(2/688)
باب المحرمات في النكاح
969 - تحريم نظير المصاهرة بالرضاع: - قال ابن القيم: (وهل يحرم نظير المصاهرة بالرضاع، فيحرم عليه أم امرأته من الرضاع، وبنتها من الرضاعة، وامرأة ابنه من الرضاعة، أو يحرم الجمع بين الأختين من الرضاعة، أو بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها من الرضاعة؟ فحرَّمه الأئمة الأربعة، وأتباعهم، وتوقف فيه شيخنا، وقال: إن كان قد قال أحد بعدم التحريم= فهو أقوى. قال المحرمون: تحريم هذا يدخل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فأجرى الرضاعة مجرى النسب، وشبهها به، فثبت تنزيل ولد الرضاعة وأبي الرضاعة منزلة ولد النسب وأبيه، فما ثبت للنسب من التحريم ثبت للرضاعة، فإذا حرمت امرأة الأب والابن، وأم المرأة وابنتها، من النسب، حرمن بالرضاعة، وإذا حرم الجمع بين أختي النسب حرم بين أختي الرضاعة، هذا تقدير احتجاجهم على التحريم. قال شيخ الإسلام: الله سبحانه حرم سبعًا بالنسب، وسبعًا بالصهر، كذا قال ابن عباس. قال: ومعلوم، أن تحريم الرضاعة لا يسمى صهرًا، وإنما يحرم منه ما يحرم من النسب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة». وفي رواية: «ما يحرم من النسب» ولم يقل: وما يحرم بالمصاهرة ... الخ) [زاد المعاد 5/ 557].
(2/689)
- وقال ابن مفلح: (قال الإمام أحمد - رحمه الله - في «طاعة الرسول»: يرجع في حليلة الابن من الرضاعة إلى قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». ونقل حنبل: نكاح ابن الرجل من لبنه بمنزلة نكاح ابنه من صلبه، تأولت فيه: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وحديث أبي القعيس. وقال شيخنا: ولم يقل الشارع: ما يحرم بالمصاهرة، فأم امرأته برضاع أو امرأة أبيه أو ابنه من الرضاعة التي لم ترضعه، وبنت امرأته بلبن غيره حرمن بالمصاهرة لا بالنسب، ولا نسب ولا مصاهرة بينه وبينهن فلا تحريم) [الفروع 5/ 193 - 194 (8/ 236 - 237)] (1). 970 - وطء الحرام والشبهة لا ينشر تحريم المصاهرة: 971 - وتحريم زوجة الأب بنكاح فاسد: - قال ابن مفلح: (ويحرم بالصهر من ملك أو شبهة ــ ولو بوطء دبر، ذكره في «المستوعب» و «المغني» و «الترغيب»، وقيل: لا، ونقل بشر بن موسى (2): لا يعجبني. ونقل الميموني: إنما حرم الله الحلال على ظاهر الآية، والحرام مباين للحلال، بلغني أن أبا يوسف سئل عمن فجر بامرأة: هل لأبيه نظر شعرها؟ قال: نعم. قال: ما أعجب هذا بشبهة بالحلال، وقاسوه عليه. ونقل المروذي في بنته من الزنا: عمر - رضي الله عنه - ألحق أولاد _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (308). (2) كذا في ط 1 والمخطوط, وفي ط 2: (بن أبي موسى) خطأ.
(2/690)
الزنا في الجاهلية بآبائهم، يروى ذلك من وجهين، وقد قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالولد للفراش، وقال: «احتجبي منه يا سودة». واحتج جماعة بأنه فعل يوجب تحريمًا، كالرضاع إذا غصب لبنها وأرضع طفلًا نشر الحرمة، وكالوطء في دبر وحيض، وكالمتغذية بلبن ثار بوطئه، وهو لبن الفحل، فالمخلوقة من مائه أولى، وكما تحرم بنت ملاعنة ومجوسية ومرتدة ومطلقة ثلاثًا مع عدم أحكام النكاح. وذكر ابن رزين: لا ينشر في وجه، وعند شيخنا: لا ينشر (1)، واعتبر في موضع التوبة حتى في اللواط، وحرم بنته من زنا، وأن وطأه بنته غلطًا لا ينشر، لكونه لم يتخذها زوجة، ولم يعلن نكاحًا (2) ـ أربعٌ (3): زوجة أبيه وكل جد ولو برضاع، وزوجة ابنه كذلك وإن نزل، بالعقد، ولو كان نكاح الأب الكافر فاسدًا، ذكره شيخنا «ع» دون بناتهن وأمهاتهن) [الفروع 5/ 194 - 195 (8/ 237 - 238)] (4). _________ (1) في ط 1: (ينشر)، وقال محققها في الحاشية: (في مخطوط الأزهر: «لا ينشر»)، وهو الصواب كما في «الاختيارات» للبعلي، و «الإنصاف» للمرداوي. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قوله: «ولم يعلن نكاحا» من تتمة التعليل الذي قبله، والتقدير: لكونه لم يتخذها زوجة، ولكونه لم يعلن نكاحا). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قوله: «أربع» فاعل: «يحرم بالصهر» أي: يحرم بالصهر أربع بالعقد). وفي هامش ط 1: (بهامش مخطوط الأزهر ما يأتي: قوله: «أربع» هو فاعل قوله قبل ذلك: «ويحرم بالصهر من ملك أو شبهة» «أربع» ثم عدد الأربع، وقوله قبل لفظ أربع: «ولم يعلن نكاحا» من تتمة تعليل شيخ المصنف، وهو الشيخ تقي الدين). (4) انظر: «الاختيارات» (305).
(2/691)
972 - الربيبة: - قال ابن كثير: (وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أنبأنا هشام ــ يعني ابن يوسف ــ، عن ابن جريج، حدثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان، قال: كانت عندي امرأة فتوفيت، وقد ولدت لي، فوجِدت عليها، فلقيني علي بن أبي طالب فقال: مالك؟ فقلت: توفيت المرأة. فقال علي: لها ابنة؟ قلت: نعم، وهي بالطائف. قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا هي بالطائف. قال: فانكحها. قلت: فأين قول الله عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23]؟ قال: إنها لم تكن في حجرك، إنما ذلك إذا كانت في حجرك. هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب، على شرط مسلم، وهو قول غريب جدًّا، وإلى هذا ذهب داود بن علي الظاهري وأصحابه، وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك ــ - رحمه الله - ــ واختاره ابن حزم، وحكى لي شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي أنه عَرَض هذا على الشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية ــ - رحمه الله - ــ فاستشكله، وتوقف في ذلك، والله أعلم) [تفسير القرآن العظيم 2/ 252 (سورة النساء: 23)]. 973 - الجمع بين الأختين ونحوهما مع الرضاع: - قال ابن مفلح: (يحرم جمعه بنكاح بين أختين ... وبين كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرًا والأخرى أنثى حرم نكاحه، قال أحمد: خال أبيها بمنزلة خالها ــ ولو رضيتا ــ بنسب أو رضاع، وخالف فيه شيخنا؛ لأن تفريق
(2/692)
الملك يجمع النكاح (1)، ولم يعرف هو: قوله هنا، وفي تحريم المصاهرة برضاع، عن أحد (2)، لكن قال: من لم يحرّم بنت امرأته من النسب إذا لم تكن في حجره، فكيف يحرم ابنتها من الرضاع؟ قال: ومن ادعى الإجماع في ذلك كذب) [الفروع 5/ 199 (8/ 243)]. 974 - نكاح الواطئ بشبهة في عدته: - قال ابن مفلح: (ومن وطئت بشبهة حرم نكاحها في العدة، وهل للواطئ نكاحها في عدته؟ فعنه: له ذلك، ذكرها شيخنا واختارها) [الفروع 5/ 205 (8/ 250 - 251)] (3). 975 - كراهية نكاح الكتابية بلا حاجة: - قال ابن مفلح: (ويحرم نكاح كافر مسلمة ولو وكيلًا، ونكاح مسلم ولو عبدًا كافرة، إلا حرة كتابية، والأولى تركه، وكرهه القاضي وشيخنا، وأنه قول أكثر العلماء، كذبائحهم بلا حاجة) [الفروع 5/ 207 (8/ 252)] (4). 976 - من اختار دين أهل الكتاب ولم يكن أبواه كتابيين: - قال ابن مفلح: (ومن أحد أبويه كتابي فاختار دينه فالأشهر تحريم مناكحته وذبيحته، وعنه: لا في الأولة، ويحرمان ممن شك فيه مع أخذ الجزية، وفيها خلاف يأتي، وإن كانا غير كتابيين فالتحريم، وقيل عنه: لا، _________ (1) كذا في ط 1 والنسخة الخطية, وفي ط 2: (كجمع النكاح). (2) انظر: ما تقدم في المسألة رقم (964). (3) «الاختيارات» (308). (4) «الاختيارات» (313)، وانظر: «الفتاوى» (32/ 181 - 182).
(2/693)
وجزم به في «المغني» على الثانية في التي قبلها (1)، واختاره شيخنا اعتبارًا بنفسه، وأنه منصوص أحمد في عامة أجوبته، وأنه مذهب «هـ م»، والجمهور أن قول أحمد في الرواية الأخرى لم يكن لأجل النسب، بل لأنهم لم يدخلوا إلا فيما يشتهونه من الخمر ونحوه) [الفروع 5/ 207 (8/ 253 - 254)] (2). 977 - وطء من حرم نكاحها بملك اليمين: - قال ابن مفلح: (ومن حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمن، وجَوَّزه شيخنا، كأمة كتابية) [الفروع 5/ 210 (8/ 258)] (3). 978 - لا يحرم في الجنة زيادة العدد والجمع بين المحارم وغيره: - قال ابن مفلح: (ولا يحرم في الجنة زيادة العدد والجمع بين المحارم وغيره. ذكره شيخنا) [الفروع 5/ 210 (8/ 258)] (4). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: جزم في «المغني» بعدم التحريم فيما إذا كان أبواه غير كتابيين على الثانية، أي: الرواية الثانية في المسألة التي قبل هذه المسألة، وهي: ما إذا كان أحد أبويه غير كتابي، فعلى هذا: تكون مسألة إذا كان أبواه غير كتابيين كمسألة ما إذا كان أحد أبويه غير كتابي، لكن المصنف لم يصرح بذكر رواية في الذبيحة، إنما ذكر الرواية في مناكحتهم بقوله: «وعنه: لا في الأولة» وأخذ الرواية في قوله: «فالأشهر تحريم مناكحتهم» فيكون خلاف الأشهر رواية: يحل النكاح والذبيحة، مشكلٌ فإن خلاف الأشهر عنده قول، لا رواية على ما ذكره في الخطبة، والرواية ثابتة وإن لم يصرح بها). (2) «الفتاوى» (7/ 55 - 56؛ 35/ 223 - 224). (3) «الفتاوى» (32/ 182 - 186). (4) «الاختيارات» (314).
(2/694)
979 - التحايل لتصحيح النكاح الفاسد: 980 - والتحايل لفسخ النكاح: 981 - والتحايل لتحليل المرأة له أو لغيره: 982 - وقتل الزوج لتحليل المرأة له أو لغيره: 983 - وثبوت تحريم المصاهرة بالمباشرة المحرمة: - قال ابن القيم: (قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وتجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة، فإن الشارع يسد الطريق إلى ذلك المحرم بكل ممكن، والمحتال يتوسل إليه بكل ممكن، ولهذا اعتبر الشارع في البيع والصرف والنكاح وغيرها شروطًا سد ببعضها التذرع إلى الربا والزنا، وكمل بها مقصود العقود، ولم يمكن المحتال الخروج منها في الظاهر، ومن يريد الاحتيال على ما منع الشارع منه، فيأتي بها مع حيلة أخرى توصله بزعمه إلى نفس ذلك الشيء الذي سد الشارع الذريعة إليه لم يبق لتلك الشروط التي أتى بها فائدة ولا حقيقة، بل تبقى بمنزلة العبث واللعب، وتطويل الطريق إلى المقصود من غير فائدة. قال: واعتبر هذا بالشفعة، فإن الشارع أباح انتزاع الشقص من مشتريه، والشارع لا يخرج الملك عن مالكه بقيمة أو غيرها إلا لمصلحة راجحة، وكانت المصلحة هاهنا تكميل العقار للشريك، فإنه بذلك يزول ضرر المشاركة والمقاسمة، وليس في هذا التكميل ضرر على البائع، لأن مقصوده من الثمن يحصل بأخذه من المشتري، شريكًا كان أو أجنبيا، فالمحتال لإسقاطها مناقض لمقصود الشارع، مضاد له في حكمه، فالشارع يقول: لا
(2/695)
يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، والمحتال يقول: لك أن تتحيل على منع الشريك من الأخذ بأنواع من الحيل، التي ظاهرها مكر وخداع، وباطنها منع الشريك مما أباحه له الشارع ومكنه منه، وتفويت نفس مقصود الشارع، والمصيبة الكبرى: إظهار المحتال أنه إنما فعل ما أذن له الشارع في فعله، وأنه مكنه من الخداع والمكر، والتحيل على إسقاط حق الشريك! وهذا بين لمن تأمله. قال: والمقصود بيان تحريم الحيل، وأن صاحبها متعرض لسخط الله تعالى وأليم عقابه، ويترتب على ذلك أن ينقض على صاحبها مقصوده منها بحسب الإمكان، وذلك في كل حيلة بحسبها، فلا يخلو الاحتيال: إما أن يكون من واحد، أو اثنين فأكثر. فإن كان من اثنين فأكثر، فإن كان عقد بيع تواطآ عليه تحيلًا على الربا، كما في العينة حكم بفساد العقدين، ويرد إلى الأول رأس ماله، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، وكان بمنزلة المقبوض بعقد ربا لا يحل الانتفاع به، بل يجب رده إن كان باقيًا، وبدله إن كان تالفًا، وكذلك إن جمعا بين بيع وقرض، أو إجارة وقرض، أو مضاربة، أو شركة، أو مساقاة، أو مزارعة وقرض= حكم بفسادهما، فيجب أن يرد عليه بدل ماله الذي جعلاه قرضًا، والعقد الآخر فاسد، حكمه حكم العقود الفاسدة. وكذلك إن كان نكاحًا تواطآ عليه، كان حكمه حكم الأنكحة الفاسدة، وكذلك إن تواطآ على هبة أو بيع لإسقاط الزكاة، أو على هبة لتصحيح نكاح فاسد أو وقف فاسد، مثل أن تريد مواقعة مملوكها، فتهبه لرجل، فيزوجها به، فإذا قضت وطرها منه استوهبته من الرجل، فوهبها إياه، فانفسخ النكاح،
(2/696)
فهذا البيع والهبة فاسدان في جميع الأحكام. وإن كان الاحتيال من واحد، فإن كانت الحيلة يستقل بها لم يحصل بها غرضه، فإن كانت عقدًا كان فاسدًا، مثل: أن يهب لابنه هبة، يريد أن يرجع فيها، لئلا تجب عليه الزكاة، فإن وجود هذه الهبة كعدمها، ليست هبة في شيء من الأحكام، لكن إن ظهر المقصود ترتب الحكم عليه ظاهرًا وباطنًا، وإلا كانت فاسدة في الباطن فقط، وإن كانت حيلة لا يستقل بها، مثل أن ينوي التحليل، ولا يظهره للزوجة، أو يرتجع المرأة إضرارا بها، أو يهب ماله إضرارًا للورثة ونحو ذلك، كانت هذه العقود بالنسبة إليه وإلى من علم غرضه باطلة، فلا يحل له وطء المرأة، ولا يرثها لو ماتت، وإذا علم الموهوب له أو الموصى له غرضه باطلًا لم يحصل له الملك في الباطن، فلا يحل له الانتفاع به، بل يجب رده إلى مستحقه، وأما بالنسبة إلى العاقد الآخر الذي لم يعلم فإنه صحيح، يفيد مقصود العقود الصحيحة، ولهذا نظائر كثيرة في الشريعة. وإن كانت الحيلة له وعليه، كطلاق المريض، صح الطلاق من جهة أنه أزال ملكه، ولم يصح من جهة أنه يمنع الإرث، فإنه إنما منع من قطع الإرث، لا من إزالة ملك البضع. وإن كانت الحيلة فعلًا يفضي إلى غرض له، مثل أن يسافر في الصيف ليتأخر عنه الصوم إلى الشتاء لم يحصل غرضه، بل يجب عليه الصوم في هذا السفر. قلت (1): ونظير هذا ما قالت المالكية: إنه لا يستبيح رخصة المسح _________ (1) القائل: ابن القيم.
(2/697)
على الخفين إذا لبسهما لنفس المسح، فلو مسح لذلك لم يجزه، وعليه إعادة الصلاة أبدًا، وإنما تثبت الرخصة في حق من لبسهما لحاجة، كالبرد والركوب ونحوهما، فيمسح عليهما لمشقة النزع، وخالفهم باقي الفقهاء في ذلك، والمنع جار على أصول من راعى المقاصد. قال شيخنا: وإن كان يفضي إلى سقوط حق غيره، مثل أن يطأ امرأة أبيه أو ابنه لينفسخ نكاحه، أو مثل أن تباشر المرأة ابن زوجها أو أباه عند من يرى ذلك موجبا للتحريم، فهذه الحيل بمنزلة الإتلاف للملك بقتل أو غصب، لا يمكن إبطالها، لأن حرمة المرأة بهذا السبب حق الله تعالى، يترتب عليه فسخ النكاح ضمنًا، والأفعال الموجبة للتحريم لا يعتبر لها العقل فضلًا عن القصد. وهذا بمنزلة أن يحتال على نجاسة مائع، فإن تنجيس المائعات بالمخالطة، وتحريم المصاهرة بالمباشرة أحكام تثبت بأمور حسية، فلا ترفع الأحكام مع وجود تلك الأسباب. قلت (1): هذا كان قول الشيخ أولا، ثم رجع إلى أن تحريم المصاهرة لا يثبت بالمباشرة المحرمة، وحينئذ فصورة ذلك: أن ترضع ابنته الكبيرة أو أمته امرأته الصغيرة لينفسخ نكاحها، فإن فسخ النكاح ههنا لا يتوقف على العقل ولا على القصد، بل لو كانت المرضعة مجنونة يثبت التحريم، فهو بمنزلة أن يلقي في مائعه ما ينجسه. قال: وإن كانت الحيلة فعلًا يفضي إلى تحليل له أو لغيره، مثل أن يقتل _________ (1) القائل: ابن القيم.
(2/698)
رجلًا ليتزوج امرأته أو يزوجها غيره، فهاهنا تحل المرأة لغير من قصد تزويجها به، فإنها بالنسبة إليه كمن مات عنها زوجها، أو قتل بحق، أو في سبيل الله، وأما بالنسبة إلى من قصد بالقتل أن يتزوج المرأة ـ إما بمواطأة منها، أو بدونها ـ فهذا يشبه من بعض الوجوه ما لو خلل الخمر بنقلها من موضع إلى موضع، من غير أن يطرح فيها شيئا، والصحيح أنها لا تطهر، وإن كانت تطهر إذا تخللت بفعل الله تعالى، وكذلك هذا الرجل لو مات بدون هذا القصد حلت المرأة، فإذا قتله لهذا القصد أمكن أن يقال: تحرم عليه، مع حلها لغيره. ويشبه هذا: الحلال إذا صاد الصيد وذبحه لحرام، فإنه يحرم على ذلك المحرم، ويحل للحلال. ومما يؤيد هذا أن القاتل يمنع الإرث، ولا يمنعه غيره من الورثة، لكن لما كان مال الرجل تتطلع إليه نفوس الورثة كان القتل مما يقصد به المال، بخلاف الزوجة، فإن ذلك لا يكاد يقصد، فإن التفات الرجل إلى امرأة غيره بالنسبة إلى التفات الورثة إلى مال المورث قليل، وكونه يقتله ليتزوجها فهذا أقل، فلذلك لم يشرع أن من قتل رجلًا حرمت عليه امرأته، كما شرع أن من قتل مورثًا منع ميراثه، فإذا قتله ليتزوج بها فقد وجدت الحكمة فيه، فيعاقب بنقيض قصده. وأكثر ما يقال في رد هذا: أن الأفعال المحرمة لحق الله تعالى لا تفيد الحل، كذبح الصيد، وتخليل الخمر، والتذكية في غير المحل، أما المحرم لحق الآدمي ـ كذبح المغصوب ـ: فإنه يفيد الحل. أو يقال: إن الفعل المشروع لثبوت الحكم يشترط فيه وقوعه على الوجه المشروع كالذكاة، والقتل لم يشرع لحل المرأة، وإنما انقضاء النكاح
(2/699)
بانقضاء الأجل، فحصل الحل ضمنا وتبعا. ويمكن أن يقال في جواب هذا: إن قتل الآدمي حرام لحق الله تعالى وحق الآدمي، ولهذا لا يستباح بالإباحة، بخلاف ذبح المغصوب فإنه حرم لمحض حق الآدمي، ولهذا لو أباحه حل، فالمحرم هناك إنما هو تفويت المالية على المالك، لا إزهاق الروح. وقد اختلف في الذبح بآلة مغصوبة، وفيه عن أحمد روايتان، واختلف العلماء في ذبح المغصوب، وقد نص أحمد: على أنه ذكي، وفيه حديث رافع ابن خديج: في ذبح الغنم المنهوبة، والحديث الآخر: في المرأة التي أضافت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذبحت له شاة، أخذتها بدون إذن أهلها، فقال: «أطعموها الأسارى» وفي هذا دليل: على أن المذبوح بدون إذن أهله يمنع من أكله المذبوح له، دون غيره، كالصيد إذا ذبحه الحلال لحرام= حرم على الحرام دون الحلال. وقد نقل صالح عن أبيه، فيمن سرق شاة فذبحها: لا يحل أكلها ـ يعني: له ـ قلت لأبي: فإن ردها على صاحبها؟ قال: تؤكل. فهذه الرواية قد يؤخذ منها: أنها حرام على الذابح مطلقًا، لأن أحمد لو قصد التحريم من جهة أن المالك لم يأذن له في الأكل لم يخص الذابح بالتحريم. فهذا القول الذي دل عليه الحديث في الحقيقة حجة لتحريم مثل هذه المرأة على القاتل ليتزوجها دون غيره، بطريق الأولى. هذا كله كلام شيخنا) [إغاثة اللهفان 1/ 550 ــ 555] (1). _________ (1) «بيان الدليل» (298 - 305).
(2/700)
984 - وطء أحد الأختين اللتين أسلمتا معه قبل انقضاء عدة الأخرى: 985 - ونكاح الأخت في عدة أختها: 986 - وإذا اختار أربعا من الثمان اللائي أسلمن معه: - قال ابن القيم: (وإذا تزوج أختين ودخل بهما، ثم أسلم وأسلمتا معه، فاختار إحداهما= لم يطأها حتى تنقضي عدة أختها؛ لئلا يكون واطئا لإحدى الأختين في عدة الأخرى. وكذلك إذا أسلم وتحته ثمان قد دخل بهن، فأسلمن معه، فاختار أربعا وفارق البواقي= لم يطأ واحدة من المختارات حتى تنقضي عدة واحدة من المفارقات ... وهذا مبني على أن الرجل إذا طلق امرأته لم ينكح أختها ولا الخامسة في عدة المطلقة؛ لئلا يكون جامعا لمائه في رحم أختين أو أكثر من أربع، قال ذلك أصحابنا قياسا على نص أحمد فيما إذا طلق إحدى الأختين أو الخامسة، وذلك لحديث زرارة بن أوفى: ما أجمع أصحاب محمد على شيء ما أجمعوا على أن الأخت لا تنكح في عدة أختها. ولأنه بذلك يكون جامعا ماءه في رحم أختين، فلا يجوز، كجمع العقد وأولى. وعندي أنه إذا اختار أربعا جاز وطؤهن من غير انتظار لانقضاء عدة المفارقات، وهو قول الجمهور ... فإن قلتم: هذا بعينه وارد فيمن طلق إحدى الأختين أو واحدة من أربع. فالجواب من وجهين: أحدهما: أن الحكم في صورة النقض لم يثبت بنص يجب التسليم له،
(2/701)
ولا إجماع لا تجوز مخالفته. وأما ما ذكرتم من إجماع الصحابة، فسألت شيخنا عنه، فقال لي: الظاهر أنه أراد عدة الرجعية، وههنا يتحقق الإجماع، وأما البائن فأين الإجماع فيها ... الخ) [أحكام أهل الذمة 388 - 390].
(2/702)
باب الشروط في النكاح
987 - الشروط التي يتفقان عليها قبل العقد: 988 - وإذا شرطت عليه: إن تزوج عليها فلها تطليقها: 989 - وإذا شرطت عليه: عدم السفر بها: - قال ابن مفلح: (إذا شرطت في العقد ــ قاله في «المحرر»، وقال حفيده: أو اتفقا قبله في ظاهر المذهب (1)، وأن على هذا جواب الإمام أحمد ــ - رحمه الله - تعالى ــ في مسائل الحيل؛ لأن الأمر بالوفاء بالشروط والعقود والعهود يتناول ذلك تناولًا واحدًا ــ أن لا يخرجها من دارها أو _________ (1) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (الذي قاله في «المحرر» قطع به في «الرعايتين» و «الحاوي الصغير» و «النظم» و «تذكرة ابن عبدوس» وغيرهم، وقاله القاضي في موضع من كلامه، والذي قاله الشيخ تقي الدين قال عنه الزركشي: هو ظاهر إطلاق الخرقي وأبي الخطاب وأبي محمد وغيرهم. قال: وقال الشيخ تقي الدين: هو ظاهر المذهب، ومنصوص أحمد، وقول قدماء أصحابه، ومحقق المتأخرين. انتهى. قلت: وهو الصواب، قال الشيخ تقي الدين: وعلى هذا جواب أحمد في مسائل الحيل، لأن الأمر بالوفاء بالشروط والعقود والعهود يتناول ذلك تناولا واحدا. قال الشيخ تقي الدين: كذا قال القاضي وغيره: كما قال الجد: إذا شرط لها في العقد. قال: ولعل مرادهم بذلك الاحتراز عما شرط بعد العقد، كما دل عليه كلام أحمد. انتهى. فنقل الشيخ تقي الدين في المسألة عن القاضي وغيره، كما قال في «المحرر»، ولم يطلع عليه المصنف، فلذلك عزاه إلى صاحب «المحرر») اهـ.
(2/703)
بلدها، أو لا يتزوج عليها، أو لا يتسرى، قال شيخنا: أو إن تزوج [عليها] (1) فلها تطليقها= صح، فإن خالفه فلها (2) الفسخ، نص عليه، كزيادة مهر، أو نقد معين، وشرط ترك سفره بعبد مستأجر، وذكر جماعة طريقة: لا يجوز له السفر، كهذه الصورة، قال شيخنا: ولو خدعها فسافر بها ثم كرهته لم يكرهها) [الفروع 5/ 211 - 212 (8/ 259)] (3). 990 - إذا شرط لها أن يسكنها بمنزل أبيه، ثم طلبت سكنى منفردة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا فيمن شرط لها أن يسكنها بمنزل أبيه فسكنت، ثم طلبت سكنى منفردة وهو عاجز: لا يلزمه ما عجز عنه، بل لو كان قادرًا فليس لها عند «م» وأحد القولين في مذهب أحمد وغيرهما غير ما شرط (4) لها، كذا قال) [الفروع 5/ 213 (8/ 261)] (5). 991 - إذا زوج وليته رجلا على أن يزوجه وليته فأجابه ولا مهر: - قال ابن مفلح: (وإن زوج وليته رجلًا على أن يزوجه وليته فأجابه _________ (1) كذا في ط 1 وط 2، وقال في حاشية ط 2: (ليست في النسخ الخطية، والمثبت من ط)، وط هي ط 1، والكلام مستقيم بدون الزيادة. (2) في ط 2: (فله)، والمثبت من ط 1. (3) «الاختيارات» (314) , وانظر: «الفتاوى» (29/ 353؛ 32/ 164 - 167). (4) في ط 1: (شرطت)، والمثبت من ط 2. (5) «الفتاوى» (32/ 168)، «الاختيارات» (315) , وفي مطبوعة «الفتاوى»: (وسئل عن رجل شرط على امرأته بالشهود أن لا يسكنها في منزل أبيه ... ) ويبدو أن (لا) مقحمة، وصواب العبارة: (أن يسكنها) كما يقتضيه الجواب ويؤيده ما هنا، والله أعلم.
(2/704)
ولا مهر لم يصح العقد، كشرطه، وعنه: بلى (1)، وهو شغار، ويصح مع مهر مستقل غير قليل حيلة به (2)، نص عليه، وقيل: بمهر المثل، وفي الخرقى و «الانتصار»: لا يصح، وذكره ابن عقيل رواية، وقيل: لا يصح مع قوله: وبضع كل واحدة مهر الأخرى (3) فقط، وظاهر كلام ابن الجوزي يصح معه بتسمية، وذكر شيخنا وجها اختاره (4): أن بطلانه لاشتراط عدم المهر) [الفروع 5/ 215 (8/ 263 - 264)] (5). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أما قوله: «كشرطه» فمعناه: إذا قال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ولا مهر بيننا، وأما الصورة التي قال فيها: ولا مهر، فالمراد ولله أعلم أن المهر لم يذكر بالكلية لا نفيا ولا إثباتا، قال الزركشي: إذا زوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته، ولم يسموا مع ذلك صداقا، فلا خلاف عن أحمد نعلمه، ولا نزاع بين الأصحاب في بطلان النكاح، وخرج أبو الخطاب في «هدايته» ومن تبعه رواية ببطلان الشرط وصحة العقد، وقال أيضا: فإن قال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، ومهر كل واحدة منهما مائة صح، وإن قال: ومهر كل واحدة منهما مائة وبضع الأخرى لم يصح، للتصريح بالتشريك المقتضي للبطلان، وعند الشيخ وابن عقيل والقاضي في «الجامع الكبير» و «المجرد»: أن هذه الصورة لا تصح بلا خلاف). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (فالضمير في قوله «به» يعود على «قليل» والمعنى: أنه إذا سمي مهر قليل لأجل الحيلة على صحة النكاح لم يصح، فيكون معناه: ويصح مع مهر إلا القليل لأجل الحيلة به، فإنه لا يصح). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (المعنى على هذا القول: لا يصح في هذه الصورة فقط). (4) في ط 1: (واختاره)، والمثبت من ط 2. (5) «الفتاوى» (29/ 352 - 353)، «الاختيارات» (315).
(2/705)
992 - من عزم على تزويجه بالمطلقة ثلاثا ووعدها سرا: - قال ابن مفلح: (ومن عزم على تزويجه بالمطلقة ثلاثًا ووعدها سرًا كان أشد تحريمًا من التصريح بخطبة معتدة «ع» لاسيما وينفق عليها ويعطيها ما تحلل به، ذكره شيخنا) [الفروع 5/ 216 (8/ 266)] (1). 993 - حديث «لعن الله المحلل والمحلل له»: - قال ابن القيم: (وفي كتاب «العلل» للترمذي: ثنا محمد بن يحيى ثنا معلى بن منصور عن عبد الله بن جعفر المخرمي عن عثمان بن محمد الأخنس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن المحلل والمحلل له. قال الترمذي: سألت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وعبد الله بن جعفر المخرمي صدوق، وعثمان بن محمد الأخنس ثقة، وكنت أظن أن عثمان لم يسمع من سعيد المقبري. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا إسناد جيد) [إعلام الموقعين 3/ 44 ــ 45] (2). 994 - حديث: «ألا أخبركم بالتيس المستعار ... »: - قال ابن القيم: (وأما حديث عقبة بن عامر ففي «سنن ابن ماجه» عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟» قالوا: بلى، يا _________ (1) «الفتاوى» (32/ 11 - 12). (2) «بيان الدليل» (320).
(2/706)
رسول الله. قال: «هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له». رواه الحاكم في «صحيحه» من حديث الليث بن سعد عن مِشْرح بن هاعان عن عقبة بن عامر ... فذكره. وقد أعل هذا الحديث بثلاث علل ... والعلة الثالثة: ما ذكره الجوزجاني في «مترجمه» فقال: كانوا ينكرون على عثمان هذا الحديث إنكارا شديدا ... وأما التعليل الثالث فقال شيخ الإسلام: إنكار من أنكر هذا الحديث على عثمان غير جيد، وإنما هو لتوهم انفراده به عن الليث، وظنهم أنه لعله أخطأ فيه، حيث لم يبلغهم عن غيره من أصحاب الليث، كما قد يتوهم بعض من يكتب الحديث أن الحديث إذا انفرد به عن الرجل من ليس بالمشهور من أصحابه كان ذلك شذوذا فيه، وعلة قادحة، وهذا لا يتوجه ههنا لوجهين: أحدهما: أنه قد تابعه عليه أبو صالح كاتب الليث عنه، رويناه من حديث أبي بكر القطيعي: ثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثني العباس المعروف بأبي فريق ثنا أبو صالح حدثني الليث به، فذكره، ورواه أيضًا الدارقطني في «سننه»: ثنا أبو بكر الشافعي ثنا إبراهيم بن الهيثم أخبرنا أبو صالح، فذكره. الثاني: أن عثمان بن صالح هذا المصري [ثقة] (1)، روى عنه البخاري في «صحيحه»، وروى عنه ابن معين، وأبو حاتم الرازي، وقال: هو شيح صالح، سليم التأدية، قيل له: كان يلقن؟ قال: لا. ومن كان بهذه المثابة كان _________ (1) في الأصل: (نفسه) , والتصويب من «بيان الدليل».
(2/707)
ما ينفرد به حجة، وإنما الشاذ: ما خالف به الثقات، لا ما انفرد به عنهم، فكيف إذا تابعة مثل أبي صالح، وهو كاتب الليث، وأكثر الناس حديثًا عنه، وهو ثقة أيضًا، وإن كان قد وقع في بعض حديثه غلط؟ ومِشْرح بن هاعان، قال فيه ابن معين: ثقة، وقال فيه الإمام أحمد: هو معروف، فثبت أن هذا الحديث: حديث جيد، وإسناده حسن، انتهى) [إعلام الموقعين 3/ 46] (1). - وقال أيضا: (وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ » قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له» رواه ابن ماجه بإسناد رجاله كلهم موثقون، لم يجرح واحد منهم. وعن عمرو بن دينار ــ وهو من أعيان التابعين ــ، أنه سئل عن رجل طلق امرأته، فجاء رجل من أهل القرية بغير علمه ولا علمها، فأخرج شيئًا من ماله، فتزوجها ليحلها له؟ فقال: لا، ثم ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن مثل ذلك؟ فقال: «لا، حتى ينكح مرتغبًا لنفسه، فإذا فعل ذلك لم يحل له حتى يذوق العسيلة» ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في «المصنف» بإسناد جيد. وهذا المرسل قد احتج به من أرسله، فدل على ثبوته عنده، وقد عمل به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي، وهو موافق لبقية الأحاديث الموصولة، ومثل هذا حجة باتفاق الأئمة، وهو والذي قبله نص في التحليل المنوي، وكذلك حديث نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلًا قال له: امرأة _________ (1) «بيان الدليل» (287 - 288. ط: السلفي).
(2/708)
تزوجتها أحلها لزوجها، لم يأمرني، ولم يعلم؟ قال: لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكتها، وإن كرهتها فارقتها، وإن كنا لنعد هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفاحًا. ذكره شيخ الإسلام في «إبطال التحليل») [إغاثة اللهفان 1/ 410] (1). 995 - نكاح التحليل: - قال ابن القيم: (قال شيخ الإسلام: وهذه الآثار عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم -، مع أنها نصوص فيما إذا قصد التحليل ولم يظهره، ولم يتواطآ عليه، فهي مُبَيّنة أن هذا هو التحليل، وهو المحلل الملعون على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بمراده ومقصوده، لا سيما إذا رووا حديثًا وفسروه بما يوافق الظاهر، هذا مع أنه لم يعلم أن أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرق بين تحليل وتحليل، ولا رخص في شيء من أنواعه، مع أن المطلقة ثلاثًا ــ مثل امرأة رفاعة القرظي ــ قد كانت تختلف إليه المدة الطويلة وإلى خلفائه، لتعود إلى زوجها، فيمنعونها من ذلك، ولو كان التحليل جائزًا لدلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فإنها لم تكن تعدم من يحللها لو كان التحليل جائزًا. قال: والأدلة الدالة على أن هذه الأحاديث النبوية قصد بها التحليل وإن لم يشترط في العقد كثيرة جدًا، ليس هذا موضع ذكرها. انتهى) [إغاثة اللهفان 1/ 412] (2). _________ (1) «بيان الدليل» (351 - 353. ط: السلفي). (2) انظر: «بيان الدليل» (135 - 136، 405)
(2/709)
996 - نكاح المتعة خير من نكاح التحليل: - قال ابن القيم: (وسمعت شيخ الإسلام يقول: نكاح المتعة خير من نكاح التحليل من عشرة أوجه: أحدها: أن نكاح المتعة كان مشروعًا في أول الإسلام، ونكاح التحليل لم يشرع في زمن من الأزمان. الثاني: أن الصحابة تمتعوا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن في الصحابة محلل قط. الثالث: أن نكاح المتعة مختلف فيه بين الصحابة، فأباحه ابن عباس ــ وإن قيل: إنه رجع عنه ــ وأباحه عبد الله بن مسعود، ففي «الصحيحين» عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس لنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]. وفتوى ابن عباس بها مشهورة، قال عروة: قام عبد الله بن الزبير بمكة، فقال: إن ناسًا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم، يفتون بالمتعة ــ يُعَرِّض بعبد الله بن عباس ــ فناداه، فقال: إنك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين ـ يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ــ. فقال له ابن الزبير: فجرب نفسك، فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك. فهذا قول ابن مسعود وابن عباس في المتعة، وذاك قولهما وروايتهما في نكاح التحليل. الرابع: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجئ عنه في لعن المستمتع والمستمتع
(2/710)
بها حرف واحد، وجاء عنه في لعن المحلل والمحلل له، وعن الصحابة ما تقدم. الخامس: أن المستمتع له غرض صحيح في المرأة، ولها غرض أن تقيم معه مدة النكاح، فغرضه: المقصود بالنكاح مدة، والمحلل لا غرض له سوى أنه مستعار للضراب، كالتيس، فنكاحه غير مقصود له، ولا للمرأة، ولا للولي، وإنما هو كما قال الحسن: مسمار نار في حدود الله. وهذه التسمية مطابقة للمعنى. قال شيخ الإسلام: يريد الحسن أن المسمار: هو الذي يثبت الشئ المسمور، فكذلك هذا يثبت تلك المرأة لزوجها، وقد حرمها الله عليه. السادس: أن المستمتع لم يحتل على تحليل ما حرم الله، فليس من المخادعين الذين يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان، بل هو ناكح ظاهرًا وباطنًا. والمحلل: ماكر مخادع، متخذ آيات الله هزوًا، ولذلك جاء في وعيده ولعنه ما لم يجئ في وعيد المستمتع مثله، ولا قريب منه. السابع: أن المستمتع يريد المرأة لنفسه، وهذا سر النكاح ومقصوده، فيريد بنكاحه حلها له، ولا يطؤها حرامًا، والمحلل لا يريد حلها لنفسه، وإنما يريد حلها لغيره، ولهذا سمي محللا، فأين من يريد أن يحل له وطئ امرأة يخاف أن يطأها حرامًا إلى من لا يريد ذلك، وإنما يريد بنكاحها: أن يحل وطأها لغيره؟ فهذا ضد شرع الله ودينه، وضد ما وضع له النكاح. الثامن: أن الفطر السليمة، والقلوب التي لم يتمكن منها مرض الجهل والتقليد تنفر من التحليل أشد نفار، وتعير به أعظم تعيير، حتى إن كثيرًا من النساء تعير المرأة به أكثر مما تعيرها بالزنا، ونكاح المتعة لا تنفر منه الفطر
(2/711)
والعقول، ولو نفرت منه لم يبح في أول الإسلام. التاسع: أن نكاح المتعة يشبه إجارة الدابة مدة للركوب، وإجارة الدار مدة للانتفاع والسكنى، وإجارة العبد للخدمة مدة، ونحو ذلك مما للباذل فيه غرض صحيح، ولكن لما دخله التوقيت أخرجه عن مقصود النكاح الذي شرع بوصف الدوام والاستمرار، وهذا بخلاف نكاح المحلل، فإنه لا يشبه شيئًا من ذلك، ولهذا شبهه الصحابة - رضي الله عنهم - بالسفاح، وشبهوه باستعارة التيس للضراب. العاشر: أن الله سبحانه نصب هذه الأسباب ــ كالبيع والإجارة والهبة والنكاح ــ مفضية إلى أحكام جعلها مسببات لها ومقتضيات، فجعل البيع سببًا لملك الرقبة، والإجارة سببًا لملك المنفعة أو الانتفاع، والنكاح سببًا لملك البضع وحل الوطء، والمحلل مناقض معاكس لشرع الله تعالى ودينه، فإنه جعل نكاحه سببًا لتمليك المُطلِّق البضع وإحلاله له، ولم يقصد بالنكاح ما شرعه الله له من ملكه هو للبضع وحله له، ولا له غرض في ذلك، ولا دخل عليه، وإنما قصد به أمرًا آخر لم يشرع له ذلك السبب، ولم يجعل طريقا له. الحادي عشر: أن المحلل من جنس المنافق، فإن المنافق يظهر أنه مسلم، ملتزم لعقد الإسلام ظاهرًا وباطنًا، وهو في الباطن غير ملتزم له، وكذلك المحلل يظهر أنه زوج، وأنه يريد النكاح، ويسمي المهر، ويشهد على رضى المرأة، وفي الباطن بخلاف ذلك، لا يريد أن يكون زوجا، ولا أن تكون المرأة زوجة له، ولا يريد بذل الصداق، ولا القيام بحقوق النكاح، وقد أظهر خلاف ما أبطن، وأنه مريد لذلك، والله يعلم والحاضرون والمرأة وهو
(2/712)
والمُطلِّق: أن الأمر ليس كذلك، وأنه غير زوج على الحقيقة، ولا هي امرأته على الحقيقة. الثاني عشر: أن نكاح المحلل لا يشبه نكاح أهل الجاهلية، ولا نكاح أهل الإسلام، فكان أهل الجاهلية يتعاطون في أنكحتهم أمورًا منكرة، ولم يكونوا يرضون نكاح التحليل، ولا يفعلونه، ففي «صحيح البخاري» عن عروة بن الزبير: أن عائشة - رضي الله عنها - أخبرته: أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته، فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان، فاستبضعي منه، فيعتزلها زوجها، ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة، كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت، ومر ليالي بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه، فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع عنه، ونكاح رابع: يجتمع الناس الكثير، فيدخلون على المرأة، لا تمتنع ممن جاءها، وهن البغايا ــ كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علمًا، فمن أرادهن دخل عليهن ــ فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها، جمعوا لها، ودعوا لها القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به، ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث الله تعالى محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق= هدم نكاح الجاهلية كله، إلا نكاح الناس اليوم.
(2/713)
ومعلوم أن نكاح المحلل ليس من نكاح الناس الذي أشارت إليه عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقره ولم يهدمه، ولا كان أهل الجاهلية يرضون به، فلم يكن من أنكحتهم، فإن الفطر والأمم تنكره، وتعير به) [إغاثة اللهفان 1/ 417 ــ 422] (1). 997 - إذا علق النكاح بشرط: - قال ابن مفلح: (ومتى شرط نفي الحل في نكاح أو علق ابتداءه على شرط فسد العقد، على الأصح، كالشرط، وقال شيخنا: ذكر القاضي وغيره روايتين في تعليقه بشرط، والأنص من كلامه جوازه، كالطلاق، قال: والفرق بأن هذا معاوضة أو إيجاب، وذاك إسقاط غير مؤثر، وبأنه ينتقض بنذر التبرر وبالجعالة) [الفروع 5/ 216 (8/ 266)] (2). 998 - شرط نفي المهر: 999 - وشرط عدم الوطء: - قال ابن مفلح: (وفي «مفردات ابن عقيل»: ذكر أبو بكر فيما إذا شرط أن لا يطأ أو (3) لا ينفق أو إن فارق رجع بما أنفق روايتين، يعني في صحة العقد، واختاره شيخنا (4) [بنفي مهر] (5)، وأنه قول أكثر السلف، كما في مذهب «م» وغيره، لحديث الشغار. _________ (1) انظر: «الفتاوى» (32/ 93 - 97)، و «بيان الدليل» (10). (2) انظر: الفتاوى (29/ 350 - 351). (3) في ط 1: (و)، والمثبت من ط 2. (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: اختار فساد العقد). (5) استدركت من ط 2.
(2/714)
وقيل: بعدم وطئه، ونقل الأثرم توقفه في الشرط، قال شيخنا: فيخرج على وجهين، واختار صحته، كشرطه ترك ما يستحقه، وفرق القاضي بأن له مخلصًا لملكه طلاقها، وأجاب شيخنا: بأن عليه المهر، وأن ابن عقيل سوى بينهما، فإن صح وطلبته فارقها وأخذ المهر، وهو في معنى الخلع، فإن وجبت الفرقة ثم وجبت هنا، وأن على الأول للفائت غرضه الجاهل بفساده الفسخ بلا شيء، كالبيع وأولى) [الفروع 5/ 217 (267 - 268)] (1). 1000 - شرط الخيار: - قال ابن مفلح: (وإن شرطا أو أحدهما فيه خيارًا أو إن جاءها بالمهر وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما ففي صحة العقد روايتان، وعنه: صحتهما، واختار شيخنا صحتهما في شرط الخيار. قال: وإن بطل الشرط لم يلزم العقد بدونه، فإن الأصل في الشروط الوفاء، وشرط الخيار له مقصود صحيح. وقال شيخنا: وكذا تعليق النكاح على شرط فيه ثلاث روايات، وذكر ابن عقيل في الثانية رواية: يفسد المهر، لأنه يأخذ قسطًا، فبتأخيره عن أجله يحصل مجهولًا) [الفروع 5/ 217 - 218 (8/ 268)] (2). 1001 - إن شرط بكرًا أو جميلة أو نسيبة أو نفي عيب لا يثبت الفسخ، فبانت بخلافه: - قال ابن مفلح: (وإن شرط بكرًا أو جميلة أو نسيبة أو نفي عيب لا _________ (1) انظر: «الفتاوى» (29/ 174 - 176، 344، 352). (2) «الفتاوى» (29/ 349 - 352)، «الاختيارات» (315).
(2/715)
يثبت الفسخ، فبانت بخلافه، فعنه: له الفسخ، اختاره في «الترغيب» وشيخنا «و: م ق»، وفي «الإيضاح» واختاره في «الفصول» في شرط بكر: إن لم يملكه رجع بما بين المهرين، ويتوجه: مثله في بقية الشروط، وفي «الفنون» في شرط بكر: يحتمل فساد العقد، لأن لنا قولًا إذا تزوجها على صفة فبانت بخلافها بطل العقد، قال شيخنا: ويرجع على الغار) [الفروع 5/ 220 (8/ 270 - 271)] (1). وانظر ما يأتي تحت المسألة رقم (1008). 1002 - إذا أوهمته أنها زوجته أو سريته: 1003 - وإذا جهل فساد نكاح لتغرير غار: - قال ابن مفلح: (ولو أوهمته أنها زوجته أو سريته فظنه فوطؤه شبهة، أو أوهمه سيدها به فلا مهر، وإن جهلت تحريمه، وتعزر عالمة، ذكره شيخنا، قال: وإن جهل فساد نكاح لتغرير غارٍّ [كأخته من رضاع] (2) فالمهر على الغار) [الفروع 5/ 224 (8/ 276)] (3). 1004 - إذا شرطت صفة فبان أقل: - قال ابن مفلح: (وإن شرطت صفة فبان (4) أقل، فلا فسخ إلا شرط _________ (1) «الفتاوى» (29/ 175؛ 32/ 172)، «الاختيارات» (315). (2) ليست في ط 2، واستدركت من ط 1. (3) «الاختيارات» (322). (4) في ط 1: (فبانت)، والمثبت من ط 2.
(2/716)
حرية (1)، وقيل: ونسب لم يخل بكفاءة (2)، وقيل فيه: ولو مماثلًا، وفي «الجامع الكبير»: وغيرهما (3)، واختاره شيخنا «و: م» كشرطه وأولى، لملكه طلاقها) [الفروع 5/ 225 (8/ 276)] (4). 1005 - إذا عتقت الأمة وهي تحت حُرٍّ: 1006 - وإذا شرط عليها المعتق دوام النكاح تحت حر أو عبد: - قال ابن مفلح: (ومن عتقت ــ وعنه: أو بعضها ــ تحت عبد ــ وعنه: أو معتق بعضه، وعنه: وليس فيه بقدر حريتها، وعنه: أو تحت حرٍّ، وجزم في «الترغيب»: أو عتقت تحت معتق بعضه ــ فلها الفسخ، ولو ارتد بلا حاكم، ما لم ترضاه أو تعتق (5) أو يطأ طوعًا، وليس طلاقًا، قال الإمام أحمد: لأن الطلاق ما تكلم به فتقول: فسخته أو اخترت نفسي وطلقتها، كناية عن الفسخ، واختار شيخنا وغيره: لها الفسخ تحت حرٍّ، وإن كان زوج بريرة عبدًا، لأنها ملكت رقبتها وبضعها، فلا يملك عليها إلا باختيارها، وتمليك العتيق رقبته ومنفعته أقوى من البيع؛ لأنه ينفذ فيما لم يعتقه ويسري في حصة الشريك، بخلاف البيع، وقد استوفى الزوج المنفعة بالوطء، فلم يسقط له حق، كما لو طرأ رضاع أو حدوث عيب مما يزيل النكاح أو يفسخه، وأنه إن _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (إذا شرطته حرا فبان عبدا، ظاهره: ولها الخيار، وإن كانت أمة. ذكره في «المغني»). (2) في ط 1: (لمن تحل بكفاءة) والمثبت من ط 2. (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: غير حرية ونسب). (4) «الفتاوى» (29/ 175). (5) كذا في ط 1 وط 2، ولعل الصواب: (يعتق)، والله أعلم.
(2/717)
شرط عليها دوام النكاح تحت حر أو عبد فرضيت لزمها، وأنه يقتضيه مذهب أحمد، فإنه يجوز العتق بشرط) [الفروع 5/ 225 (8/ 277)] (1). 1007 - نكاح التلجئة: انظر: ما يأتي في المسألة رقم (1020). _________ (1) «الاختيارات» (321).
(2/718)
باب العيوب في النكاح
1008 - التفريق بين عيوب الفرج وغيرها: - قال ابن مفلح: (وقيل لشيخنا: لم فرق بين عيوب الفرج وبين غيرها؟ قيل: قد علم أن عيوب الفرج المانعة من الوطء لا يرضى بها في العادة، فإن المقصود بالنكاح الوطء، بخلاف اللون والطول والقصر ونحو ذلك مما ترد به الأمة، فإن الحرة لا تقلب كما تقلب الأمة، والزوج قد رضي رضًا مطلقًا، وهو لم يشترط صفة فبانت بدونها، فإن شرط فقولان في مذهب الشافعي وأحمد، والصواب أن له الفسخ، وكذا بالعكس، وهو مذهب «م»، والشرط إنما يثبت لفظًا أو عرفًا، ففي البيع دل العرف على أنه لم يرض إلا بسليم من العيوب، وكذلك في النكاح لم يرض بمن لا يمكن وطؤها، والعيب الذي يمنع كمال الوطء ــ لا أصله ــ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره. وأما ما أمكن معه الوطء وكماله فلا تنضبط فيه أغراض الناس، والشارع قد أباح النظر ــ بل أحبه ــ إلى المخطوبة، وقال: «فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» وهو دليل على أن النكاح يصح وإن لم يرها، فإنه لم يعلل الرؤية بأنه يصح معها النكاح، فدل على أن الرؤية لا تجب، ويصح النكاح بدونها، وليس من عادة المسلمين ولا غيرهم أن يصفوا المرأة المنكوحة، فدل على أنه يصح نكاحها بلا رؤية ولا صفة، ويلزم النكاح لأنه رضي بذلك، بخلاف البيع.
(2/719)
قال: وهذا الفرق إنما هو الفرق بين النساء والأموال: أن النساء يرضى بهن في العادة في الصفات المختلفة، والأموال لا يرضى بها على الصفات المختلفة، إذ المقصود بها التموُّل، وهو يختلف باختلاف الصفات، والمقصود من النكاح المصاهرة والاستمتاع، وذلك يحصل باختلاف الصفات، فهذا فرق شرعي معقول في عرف الناس. أما إذا عرف أنه لم يرض لاشتراطه صفة فبانت بخلافها وبالعكس فإلزامه بما لم يرض به مخالف للأصول، ولو قال: ظننتها أحسن مما هي أو ما ظننت فيها هذا ونحو ذلك كان هو المفرط، حيث لم يسأل عن ذلك، ولم يرها، ولا أرسل من رآها، وليس من الشرع والعادة أن توصف له في العقد كما توصف الإماء في السلم، فإن الله سبحانه وتعالى صان الحرائر عن ذلك، وأحب سترهن، ولهذا نهيت المرأة أن تعقد نكاحها، فإذا كن لا يباشرن العقد فكيف يوصفن؟ أما الرجل فأمره ظاهر، يراه من شاء، فليس فيه عيب يوجب الرد، والمرأة إذا فرط الزوج فالطلاق بيده) [الفروع 5/ 234 - 236 (8/ 287 - 289)] (1). 1009 - الفسوخ لا تتوقف على حكم الحاكم: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: الحاكم ليس هو الفاسخ، وإنما (2) يأذن ويحكم به، فمتى أذن أو حكم لأحد باستحقاق عقد أو فسخ، فعقد أو فسخ لم يحتج بعد ذلك إلى حكم بصحته بلا نزاع، لكن لو عقد هو أو فسخ فهو فعله، وفيه الخلاف لكن إن عقد المستحق أو فسخ بلا حكم فأمر _________ (1) «الفتاوى» (29/ 354 - 356). (2) في ط 1: زيادة: (هو).
(2/720)
مختلف فيه، فيحكم بصحته. وخرَّج شيخنا: بلا حكم في الرضا بعاجز عن الوطء كعاجز عن النفقة (1)) [الفروع 5/ 238 - 239 (8/ 292)] (2). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: خرّج الفسخ فيما إذا رضيت الزوجة بعاجز عن الوطء، ثم أرادت الفسخ كما إذا رضيت بعاجزٍ عن النفقة، ثم أرادت الفسخ). (2) «الاختيارات» (320).
(2/721)
باب نكاح الكفار
1010 - إذا أسلم الزوجان في مجلس واحد: - قال ابن القيم: ( ... بل إذا أسلما في المجلس الواحد فقد اجتمعا على الإسلام، ولا يؤثر سبق أحدهما الآخر بالتلفظ به، وهذا اختيار شيخنا) [أحكام أهل الذمة 1/ 318] (1). 1011 - إذا أسلم أحد الزوجين قبل الآخر: - قال ابن القيم: (وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد زينب ابنته على أبي العاص بالنكاح الأول بعد ست سنين. قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد زينب على أبي العاص بالنكاح الأول، لم يحدث شيئا. وفي لفظ له: بعد ست سنين. وفي لفظ: بعد سنتين. قال شيخ الإسلام: هذا هو الثابت عند أهل العلم بالحديث، والذي روي أنه جدَّد النكاح ضعيف. قال: وكذلك كانت المرأة تسلم ثم يسلم زوجها بعدها والنكاح بحاله، مثل أم الفضل امرأة العباس بن عبد المطلب، فإنها أسلمت قبل العباس بمدة، قال عبد الله بن عباس: كنت أنا وأمي ممن عذر الله بقوله: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء: 98]. _________ (1) انظر: «الفتاوى» (32/ 336 - 337).
(2/722)
ولما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة أسلم نساء الطلقاء، وتأخر إسلام جماعة منهم ــ مثل: صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وغيرهما ــ الشهرين والثلاثة وأكثر، ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فرقا بين ما قبل انقضاء العدة وما بعدها، وقد أفتى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بأنها ترد إليه وإن طال الزمان، وعكرمة بن أبي جهل قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة بعد رجوعه من حصار الطائف وقسم غنائم حنين في ذي القعدة، وكان فتح مكة في رمضان، فهذا نحو ثلاثة أشهر يمكن انقضاء العدة فيها وفيما دونها، فأبقاه على نكاحه ولم يسأل امرأته هل انقضت عدتك أم لا؟ ولا سأل عن ذلك امرأة واحدة مع أن كثيرا منهن أسلم بعد مدة يجوز انقضاء العدة فيها، وصفوان بن أمية شهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حنينا وهو مشرك، وشهد معه الطائف كذلك، إلى أن قسم غنائم حنين بعد الفتح بقريب من شهرين، فإن مكة فتحت لعشر بقين من رمضان، وغنائم حنين قسمت في ذي القعدة، ويجوز انقضاء العدة في مثل هذه المدة. قال: وبالجملة فتجديد رد المرأة على زوجها بانقضاء العدة لو كان هو شرعه الذي جاء به لكان هذا مما يجب بيانه للناس من قبل ذلك الوقت، فإنهم أحوج ما كانوا إلى بيانه، وهذا كله مع حديث زينب يدل على أن المرأة إذا أسلمت وامتنع زوجها من الإسلام فلها أن تتربص وتنتظر إسلامه، فإذا اختارت أن تقيم منتظرة لإسلامه فإذا أسلم أقامت معه فلها ذلك، كما كان النساء يفعلن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كزينب ابنته وغيرها، ولكن لا يمكنه من وطئها ولا حكم له عليها ولا نفقة ولا قسم، والأمر في ذلك إليها لا إليه، فليس هو في هذه الحال زوجا مالكا لعصمتها من كل وجه، ولا يحتاج إذا أسلم إلى ابتداء عقد يحتاج فيه إلى ولي وشهود ومهر وعقد، بل إسلامه
(2/723)
بمنزلة قبوله للنكاح، وانتظارها بمنزلة الإيجاب، وسر المسألة أن العقد في هذه المدة جائز لا لازم، ولا محذور في ذلك ولا ضرر على الزوجة فيه، ولا يناقض ذلك شيئا من قواعد الشرع. وأما الرجل إذا أسلم وامتنعت المشركة أن تسلم فإمساكه لها يضر بها، ولا مصلحة لها فيه، فإنه إذا لم يقم لها بما تستحقه كان ظالما، فلهذا قال تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، فنهى الرجال أن يستديموا نكاح الكافرة، فإذا أسلم الرجل أمرت امرأته بالإسلام فإن لم تسلم فرق بينهما. قال شيخنا: وقد يقال بل هذا النهي للرجال ثابت في حق النساء، ويقال: إن قضية زينب منسوخة، فإنها كانت قبل نزول آية التحريم لنكاح المشركات، وهذا مما قاله طائفة منهم محمد بن الحسن. قلت: وهذا قاله غير واحد من العلماء، قال أبو محمد بن حزم: أما خبر زينب فصحيح ولا حجة فيه؛ لأن إسلام أبي العاص كان قبل الحديبية، ولم يكن نزل بعد تحريم المسلمة على المشرك. وكذلك قال البيهقي. قال شيخنا: لكن يقال: فهذه الآية كانت قبل فتح مكة بعد الحديبية، ثم لما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة رد نساء كثيرا على أزواجهن بالنكاح الأول لم يحدث نكاحا، وقد احتبس أزواجهن عليهن، ولم يأمر رجلا واحدا بتجديد النكاح البتة، ولو وقع ذلك لنقل، ولما أهملت الأمة نقله) [أحكام أهل الذمة 1/ 324 - 327]. - وقال أيضا: (قال شيخ الإسلام: وأما القول بأنه بمجرد إسلام أحد
(2/724)
الزوجين المشركين تحصل الفرقة قبل الدخول أو بعده= فهذا قول في غاية الضعف، فإنه خلاف المعلوم المتواتر من شريعة الإسلام، فإنه قد علم أن المسلمين الذين دخلوا في الإسلام كان يسبق بعضهم بعضا بالتكلم بالشهادتين، فتارة يسلم الرجل وتبقى المرأة مدة ثم تسلم، كما أسلم كثير من نساء قريش وغيرهم قبل الرجال، وروي أن أم سليم امرأة أبي طلحة أسلمت قبل أبي طلحة، وتارة يسلم الرجل قبل المرأة ثم تسلم بعده بمدة قريبة أو بعيدة. وليس لقائل أن يقول: هذا كان قبل تحريم نكاح المشركين لوجهين: أحدهما: أنه لو قدر تقدم ذلك فدعوى المدعي أن هذا منسوخ تحتاج إلى دليل. الوجه الثاني: أن يقال: لقد أسلم الناس ودخلوا في دين الله أفواجا بعد نزول تحريم المشركات، ونزول النهي عن التمسك بعصم الكوافر، فأسلم الطلقاء بمكة وهم خلق كثير، وأسلم أهل الطائف وهم أهل مدينة، وكان إسلامهم بعد أن حاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ونصب عليهم المنجنيق ولم يفتحها، ثم قسم غنائم حنين بالجعرانة واعتمر عمرة الجعرانة، ثم رجع بالمسلمين إلى المدينة، ثم وفد وفد الطائف فأسلموا، ونساؤهم بالبلد لم يسلمن، ثم رجعوا وأسلم نساؤهم بعد ذلك ... الخ (1)) [أحكام أهل الذمة: 342]. - وقال ابن مفلح: (واختار شيخنا فيما إذا أسلمت قبله بقاء نكاحه قبل الدخول وبعده ما لم تنكح غيره، والأمر إليها، ولا حكم له عليها، ولا حق _________ (1) والكلام متصل حول هذه المسألة، ولم أتحقق من موضع انتهاء كلام شيخ الإسلام.
(2/725)
عليه، لأن الشارع لم يستفصل، وهو مصلحة محضة، وكذا عنده إن أسلم قبلها، وليس له حبسها، وأنها متى أسلمت ــ ولو قبل الدخول وبعد العدة ــ فهي امرأته إن اختار) [الفروع 5/ 247 (8/ 301)] (1). 1012 - إذا ارتد أحد الزوجين: - قال ابن مفلح: (والمهر يسقط بردتها، ويتنصف بردته، وفيه بردتهما معا وجهان، وهل تتنجز الفرقة بعد الدخول أو تقف على فراغ العدة؟ فيه روايتان واختار شيخنا كما تقدم (2)) [الفروع 5/ 250 (8/ 304)] (3). 1013 - إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة: - قال ابن القيم: (فإن طلق (4) إحداهما أو طلق ما زاد على الأربع ثبت النكاح في غير المطلقة، وكانت المطلقة هي المفارقة. ذكره شيخنا) [أحكام أهل الذمة 1/ 360] (5). 1014 - النكاح ينفسخ بسباء المرأة: - قال ابن القيم: (والصواب الذي دل عليه القرآن وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في _________ (1) انظر: «الفتاوى» (32/ 337 - 339)، «الاختيارات» (325). (2) قال المرداوي في «الإنصاف» (8/ 216. ط: الفقي) تحت هذه المسألة: (واختار الشيخ تقي الدين - رحمه الله - هنا مثل اختياره فيما إذا أسلم أحدهما بعد الدخول كما تقدم قريبا). يشير إلى النص المنقول في المسألة التي قبل هذه. (3)» الاختيارات» (325). (4) أي: الكافر إذا أسلم. (5) «الفتاوى» (32/ 302، 318 - 319).
(2/726)
السبايا والقياس= أن النكاح ينفسخ بسباء المرأة مطلقا، فإنها قد صارت ملكا للسابي وزالت العصمة عن ملك الزوج لها كما زالت عن ملكه لرقبتها ومنافعها، وهذا اختيار أبي الخطاب وشيخنا وهو مذهب الشافعي) [أحكام أهل الذمة 1/ 370] (1). _________ (1) «الفتاوى» (31/ 380).
(2/727)
باب الصداق
1015 - إذا تزوجها على خمر أو خنزير: 1016 - والبضع متقوم في دخوله إلى ملك الزوج وخروجه عنه: 1017 - وخلع الأب ابنته بشيء من مالها: 1018 - وإذا أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول: - قال ابن القيم: (إذا تزوجها على خمر أو خنزير صحَّ النكاح، واستحقَّت مهر المثل، ولو خالعها على خمر أو خنزير صحَّ الخلع، ولم تستحق عليه شيئًا ــ في أحد القولين ــ. والفرق بينهما عند بعض الأصحاب: أن البضع متقوم في دخوله إلى ملك الزوج، ولا يتقوم في خروجه عن ملكه .... ) إلى أن قال: (وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية ــ - رحمه الله - ورضي عنه ــ يضعف هذا القول جدًا، ويذهب إلى أنَّ خروج البضع من ملكه متقومٌ، ويحتج عليه بالقرآن. قال: لأن الله تعالى أمر المسلمين أن يردوا إلى من ذهبت امرأته إلى الكفار مهره إذا أخذوا من الكفار مالًا، بغنيمة أو غيرها، فقال تعالى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11]، ومعنى عاقبتم: أصبتم منهم عقبى، وهي الغنيمة، هذا قول المفسرين. والمقصود أنه قال: {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} وهو
(2/728)
المهر، وقال تعالى في هذه القصة: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة: 10] فأمر المسلمين أن يسألوا مهور نسائهم، ويسأل الكفار مهور نسائهم اللاتي هاجرن وأسلمن، ولولا أن خروج البضع متقوم لم يكن لأحد الفريقين على الآخر مهرًا. واختلف أهل العلم في رد مهر من أسلم من النساء إلى أزواجهن في هذه القصة، هل كان واجبًا، أو مندوبًا؟ على قولين، أصلهما: أن الصلح هل كان قد وقع على رد النساء، أم لا؟ والصحيح أن الصلح كان عامًا، على رد من جاء مسلمًا مطلقًا، ولم يكن فيه تخصيص، بل وقع بصيغة «من» المتناولة للرجال والنساء، ثم أبطل الله تعالى منه رد النساء، وعوض منه رد مهورهن. وهذه شبهة من قال: إن حكم هذه الآية منسوخ، ولم ينسخ منه إلا رد النساء خاصة، وكان رد المهور مأمورًا به، والظاهر أنه كان واجبًا، لأن الله تعالى قال: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة: 10]، فثبت أن رد المهور حق لمن يسأله، فيجب رده إليه. قال الزهري: ولولا الهدنة، والعهد الذي كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء، ولم يردد الصداق. وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد، فلما نزلت هذه الآية أقر المسلمون بحكم الله تعالى، وأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم، وأبي المشركون أن يقروا بحكم الله تعالى فيما أمر، من رد نفقات المسلمين إليهم، فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11] فهذا
(2/729)
ظاهر القرآن، يدل على أن خروج البضع من ملك الزوج متقوم. قلت (1): ويدل عليه، أن الشارع كما جعله متقومًا في دخوله، فكذلك في خروجه، لأنه لم يدخله إلى ملك الزوج إلا بقيمة، وحكمُ الصحابة - رضي الله عنهم - في المفقود، بما حكموا به من رد صداق امرأته إليه بعد دخول الثاني بها= دليلٌ على أنه متقوم في خروجه، وهذا ثابت عن خمسة من الصحابة، منهم عمر وعلي. قال أحمد: أي شيء يذهب من خالفهم؟ فهذا القرآن والسنة وأقوال الخلفاء الراشدين دالة على تقويمه، ولو لم يكن له قيمة لما صح بذل نفائس الأموال فيه، بل قيمته عند الناس من أغلى القيم، ورغبتهم فيه من أقوى الرغبات، وخروجه عن ملك الرجل من أعظم المغارم، حتى يعده غرمًا أعظم من غرم المال. قلت لشيخنا: لو كان خروجه من ملكه متقومًا عليه لكانت المرأة إذا وطئت بشبهة، يكون المهر للزوج دونها، فحيث كان المهر لها دل على أن الزوج لم يملك البضع، وإنما يملك الاستمتاع، فإذا خرج البضع عنه لم يخرج عنه شيء كان مالكه؟ فقال لي: الزوج إنما ملك البضع ليستمتع به، ولم يملكه ليعاوض عليه، فإذا حصل لها بوطء الشبهة عوض كان لها، لأن عقد النكاح لم يقتض ملك الزوج المعاوضة عن بضع امرأته، فصار ما يحصل لها بجناية الواطئ بمثابة ما يحصل لها بغيره من أروش الجنايات. _________ (1) القائل: ابن القيم.
(2/730)
قلت له: فما تقول في خلع المريض بدون مهر المثل؟ فقال: هو يملك إخراج البضع مجانًا بالطلاق، فإذا أخذ منها شيئًا فقد زاد الورثة خيرًا. قال: ونحن إنما منعناه من المحاباة فيما ينتقل إلى الورثة، لأنه يُفَوِّتُه عليهم، وبضع الزوجة لا حق للورثة فيه ألبتة، ولا ينتقل إليهم، فإذا أخرجه بدون مهر المثل لم يفوتهم حقًا ينتقل إليهم. انتهى. قلت (1): وأما منع الأب من خلع ابنته بشيء من مالها فليست مسألة وفاق، بل فيها قولان مشهوران، ونحن إذا قلنا أن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب، وأن له أن يعفو عن صداق ابنته قبل الدخول ــ وهو الصحيح، لبضعه عشر دليلًا، قد ذكرتها في موضع آخر ــ فكذلك خلعها بشيء من مالها، بل هو أولى، لأنه إذا ملك إسقاط مالها مجانًا، فلأن يملك إسقاطه ليخلصها من رق الزوج وأسره ويزوجها بمن هو خير لها منه أولى وأحرى، وهذه رواية عن أحمد، ذكرها أبو الفرج في «مبهجه» وغيره، واختارها شيخنا (2). وأما قولكم: إنه يخرج من ملكه قهرًا بغير عوض، فيما إذا طلق عليه الحاكم، لإعسار، أو عنت، أو غيرها. فجوابه: أن الشارع إنما ملكه البضع بالمعروف، وإنما ملكه بحقه، فإذا لم يستمتع به بالمعروف ــ الذي هو حقه ــ أخرجه الشارع عنه، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ _________ (1) القائل: ابن القيم. (2) وانظر: ما يأتي في المسألة رقم (1026).
(2/731)
بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، وقال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، فأوجب الله تعالى على الزوج أحد الأمرين: إما أن يمسك بمعروف، وإما أن يسرح بإحسان، فإذا لم يمسك بمعروف، ولم يسرح بإحسان، سرح الحاكم عليه قهرًا. قلت لشيخنا: فلو قُتلت الزوجة، لم يجب للزوج المهر على قاتلها، مع كونه قد أخرج البضع عن ملكه، وفوته إياه، فلو كان خروجه متقومًا لوجب له على القاتل المهر؟ فقال: النكاح معقود على مدة الحياة، فإذا قتلت زال وقت النكاح، وانقضى أمده، فلا يجب للزوج شيء بعد ذلك، كما لو ماتت. قلت له: فلو أفسد مفسد نكاحها بعد الدخول لاستقر المهر على الزوج، ولم يرجع على المفسد؟ فضعَّف هذا القول، وقال: عندي أنه يرجع به، وهو المنصوص عن أحمد، وهو مبنيٌّ على هذا الأصل، فإذا ثبت أن خروج البضع من ملكه متقوم= فله قيمته على من أخرجه من ملكه. قلت (1): ويرد عليه ما لو أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول، فإن مهرها لا يسقط، قولًا واحدًا. ولم أسأله عن ذلك، وكان يمنع ذلك، ويختار سقوط المهر، ويثبت الخلاف في المذهب، ولا فرق بين ذلك وبين إفساد الأجنبي، فطرد قول من طرد هذا الأصل، وقال بالتقويم في حال الخروج= أن يسقط إذا أفسدته هي، _________ (1) القائل: ابن القيم.
(2/732)
ولو قيل: إن مهرها لا يسقط بذلك، قولًا واحدًا. وإن قلنا: بأن خروج البضع متقوم فيجب لها مهرها المسمى في العقد، وعليها مهر المثل وقت الإفساد، [لأن اعتبار خروجه من] (1) ملكه حيئذ= لكان متوجها. ولكن يشكل على هذا: أن الله سبحانه وتعالى اعتبر في خروج البضع ما أنفق الزوج، وهو المسمى، لا مهر المثل، وكذلك الصحابة حكموا للمفقود بالمسمى الذي أعطاها، لا بمهر المثل، فطرد هذه القاعدة: أن مهرها يسقط بإفسادها، وهو الذي كان شيخنا يذهب إليه) [بدائع الفوائد 3/ 142 ـ 145 (3/ 1108 - 1114)]. 1019 - إذا تعذر المهر المعين: - قال ابن مفلح: (وإن بان حرًا صحَّ، ولها قيمته، وكذا إن بان أحدهما، وعنه: قيمتهما، وإن بان نصفه مستحقًا، أو أصدقها ألف ذراع فبان تسعمائة= خيرت بين أخذه وقيمة الفائت وبين قيمة الكل، وإن بان خمرًا فمثله، وقيل: قيمته، وقدم في «الإيضاح»: مهر مثلها، وعند شيخنا: لا يلزمه فيهن، وكذا قال في مهر معين تعذر، وإن كان المنع من جهته، وأن الكل قالوا: لها بدله. وقال: إن لم يحصل لها ما أصدقته لم يكن النكاح لازمًا، وإن أعطيت بدله، كالبيع وأولى، وإنما يلزم ما ألزم به الشارع أو التزمه. وقال عن قول غيره: هذا ضعيف مخالف للأصول، فإن لم نقل بامتناع _________ (1) في ط 2: (اعتبارا بخروجه عن).
(2/733)
العقد بتعذر تسليم المعقود عليه فلا أقل من أن تملك المرأة الفسخ، فإنها لم ترض ولم تبح فرجها إلا بهذا، وهم يقولون: المهر ليس بمقصود أصلي فيقال: كل شرط فهو مقصود، والمهر أوكد من الثمن، لكن الزوجان معقود عليهما، وهما عاقدان، بخلاف البيع، فإنهما عاقدان غير معقود عليهما، وهذا يقتضي إذا فات فالمرأة مخيرة بين الفسخ وبين المطالبة بالبدل، كالعيب في البيع، لكن المعقود عليه وهما الزوجان باقيان، فالفائت جزء من المعقود عليه، فهو كالعيب في السلعة، وإن كان الشرط باطلًا ولم يعلم المشترط بطلانه (1) لم يكن العقد لازمًا إن رضي بدون الشرط وإلا فله الفسخ، وأما إلزامه بعقد لم يرض به ولا ألزمه الشارع أن يعقده فمخالف لأصول الشرع والعدل) [الفروع 5/ 264 - 265 (8/ 320 - 322)] (2). 1020 - إذا أصدق صداقا في السر وآخر في العلن: - قال ابن القيم: (وقال في رواية الأثرم، في رجل أصدق صداقًا سرًا، وصداقًا علانية: يؤخذ بالعلانية، إذا كان قد أقر به. قيل له: فقد أشهد شهودًا في السر بغيره؟ قال: وإن، أليس قد أقر بهذا أيضًا عند شهود؟ يؤخذ بالعلانية. قال شيخنا: ومعنى قوله: «أقر به» أي رضي به والتزمه، لقوله تعالى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] وهذا يعم التسمية في العقد، والاعتراف بعده، ويقال: أقر بالجزية، وأقر للسلطان بالطاعة، وهذا _________ (1) في ط 2: (ببطلانه)، والمثبت من ط 1 والمخطوطة. (2) «الفتاوى» (29/ 351 - 352، 408 - 410)، «الاختيارات» (329).
(2/734)
كثير في كلامهم. وقال في رواية صالح ــ في الرجل يعلن مهرا ويخفي آخر -: آخذ بما يعلن لأن العلانية قد أشهد على نفسه بها، وينبغي لهم أن يفوا له بما كان أسرَّه. وقال في رواية ابن منصور: إذا تزوج امرأة في السر بمهر، وأعلنوا مهرا آخر، ينبغي لهم أن يفوا، وأما هو فيؤخذ بالعلانية. قال القاضي وغيره: فقد أطلق القول بمهر العلانية، وإنما قال: «ينبغي لهم أن يفوا بما أسروا» على طريق الاختيار، لئلا يحصل منهم غرور له في ذلك، وهذا القول هو قول الشعبي وأبي قلابة وابن أبي ليلى وابن شبرمة والأوزاعي، وهو قول الشافعي المشهور عنه، وقد نص في موضع آخر: أنه يؤخذ بمهر السر، فقيل: في هذه المسألة قولان، وقيل: بل ذلك في الصورة الثانية كما سيأتي. وقال كثير من أهل العلم ــ أو أكثرهم -: إذا علم الشهود أن المهر الذي يظهره سمعة، وأن أصل المهر كذا وكذا، ثم تزوج وأعلن الذي قال، فالمهر هو السر، والسمعة باطلة، وهذا هو قول الزهري والحكم بن عتيبة ومالك والثوري والليث وأبي حنيفة وأصحابه وإسحاق، وعن شريح والحسن كالقولين، وذكر القاضي عن أبي حنيفة: أنه يبطل المهر ويجب مهر المثل، وهو خلاف ما حكاه عنه أصحابه وغيرهم. وقد نقل عن أحمد ما يقتضي: أن الاعتبار بالسر، إذا ثبت أن العلانية تلجئة، فقال: إذا كان رجل قد أظهر صداقًا، وأسر غير ذلك= نظر في البينات والشهود، وكان الظاهر أوكد، إلا أن تقوم بينة تدفع العلانية.
(2/735)
قال القاضي: وقد تأول أبو حفص العكبري هذا، على أن بينة السر عدول، وبينة العلانية غير عدول، فحكم بالعدول. قال القاضي: وظاهر هذا أنه يحكم بمهر السر إذا لم تقم بينة عادلة بمهر العلانية. وقال أبو حفص: إذا تكافأت البينات، وقد شرطوا في السر: أن الذي يظهر في العلانية الرياء والسمعة، فينبغي لهم أن يفوا له بهذا الشرط، ولا يطالبوه بالظاهر، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «المؤمنون على شروطهم». قال القاضي: وظاهر هذا الكلام من أبي حفص أنه قد جعل السر حكمًا. قال: والمذهب على ما ذكرناه. قال شيخنا: كلام أبي حفص الأول فيما إذا قامت البينة بأن النكاح عقد في السر بالمهر القليل، ولم يثبت نكاح العلانية، وكلامه الثاني فيما إذا ثبت نكاح العلانية، ولكن تشارطوا، أن ما يظهرون من الزيادة على ما اتفقوا عليه للرياء والسمعة. قال شيخنا: وهذا الذي ذكره أبو حفص أشبه بكلام الإمام أحمد وأصوله، فإن عامة كلامه في هذه المسألة، إنما هو إذا اختلف الزوج والمرأة، ولم تثبت بينة ولا اعتراف أن مهر العلانية سمعة، بل شهدت البينة أنه تزوجها بالأكثر، وادعى عليه ذلك، فإنه يجب أن يؤخذ بما أقر به، إنشاء أو إخبارا، فإذا أقام شهودا يشهدون أنهم تراضوا بدون ذلك عمل على البينة الأولى، لأن التراضي بالأقل في وقت لا يمنع التراضي بما زاد عليه في وقت
(2/736)
آخر، ألا ترى أنه قال: آخذ بالعلانية، لأنه قد أشهد على نفسه؟ وينبغي لهم أن يفوا بما كان أسره، فقوله: لأنه قد أشهد على نفسه، دليل على أنه: إنما يلزمه في الحكم فقط، وإلا فما يجب بينه وبين الله لا يعلل بالإشهاد. وكذلك قوله: «ينبغي لهم أن يفوا له، وأما هو فيؤخذ بالعلانية» دليل على أنه يحكم عليه به، وأن أولئك يجب عليهم الوفاء، وقوله «ينبغي» يستعمل في الواجب أكثر مما يستعمل في المستحب. ويدل على ذلك: أنه قد قال أيضا ــ في امرأة تزوجت في العلانية على ألف، وفي السر على خمسمائة، فاختلفوا في ذلك -: فإن كانت البينة في السر والعلانية سواء أخذ بالعلانية، لأنه أحوط، وهو فرج يؤخذ بالأكثر. وقيدت المسألة بأنهم اختلفوا، وأن كليهما قامت به بينة عادلة، وإنما يظهر ذلك بالكلام في الصورة الثانية، وهو: ما إذا تزوجها في السر بألف، ثم تزوجها في العلانية بألفين، مع بقاء النكاح الأول، فهنا قال القاضي في «المجرد» و «الجامع»: إن تصادقا على نكاح السر لزم نكاح السر بمهر السر، لأن النكاح المتقدم قد صح ولزم، والنكاح المتأخر عنه لا يتعلق به حكم، ويحمل مطلق كلام أحمد والخرقي على مثل هذه الصورة، وهذا مذهب الشافعي. وقال الخرقي: إذا تزوجها على صداقين، سر وعلانية، أخذ بالعلانية، وإن كان السر قد انعقد النكاح به. وهذا منصوص كلام أحمد في قوله: «إن تزوجت في العلانية على ألف، وفي السر على خمسمائة»، وعموم كلامه المتقدم يشمل هذه الصورة،
(2/737)
والتي قبلها، وهذا هو الذي ذكره القاضي في «خلافه»، وعليه أكثر الأصحاب، ثم طريقته وطريقة جماعة في ذلك أن ما أظهراه زيادة في المهر، والزيادة فيه بعد لزومه لازمة، وعلى هذا: فلو كان السر هو الأكثر أخذ به أيضا، وهو معنى قول الإمام أحمد: آخذ بالعلانية، أي: يؤخذ بالأكثر. ولهذا القول طريقة ثانية: وهو أن نكاح السر إنما يصح، إذا لم يكتموه، على إحدى الروايتين، بل أنصّهما، فإذا تواصوا بكتمان النكاح الأول كانت العبرة إنما هي بالنكاح الثاني. فقد تحرر أن الأصحاب مختلفون: هل يؤخذ بصداق العلانية ظاهرًا وباطنًا، أو ظاهرا فقط؟ فيما إذا كان السر تواطؤا من غير عقد، وإن كان السر عقدًا فهل هي كالتي قبلها، أو يؤخذ هنا بالسر في الباطن بلا تردد؟ على وجهين: فمن قال: إنه يؤخذ به ظاهرًا فقط، وأنهم في الباطن لا ينبغي لهم أن يأخذوا إلا بما اتفقوا عليه لم يرد نقضا، وهذا قول له شواهد كثيرة. ومن قال: إنه يؤخذ به ظاهرًا وباطنا، بنى ذلك على أن المهر من توابع النكاح وصفاته، فيكون ذكره سمعة كذكره هزلًا، والنكاح جده وهزله سواء، فكذلك ذكر ما هو فيه، يحقق ذلك: أن حل البضع مشروط بالشهادة على العقد، والشهادة وقعت على ما أظهره، فيكون وجوب المشهود به شرطا في الحل. هذا كلام شيخ الاسلام في مسألة مهر السر والعلانية، في كتاب «إبطال التحليل»، نقلته بلفظه.
(2/738)
ولهذه المسألة عدة صور، هذه إحداها ... إلى أن قال: الصورة الرابعة: أن يظهرا نكاحا تلجئة لا حقيقة له، فاختلف الفقهاء في ذلك: فقال القاضي، وغيره من الأصحاب: إنه صحيح، كنكاح الهازل، لأن أكثر ما فيه أنه غير قاصد للعقد، بل هازل به، ونكاح الهازل صحيح. قال شيخنا: ويؤيد هذا أن المشهور عندنا، أنه لو شرط في العقد رفع موجبه، مثل: أن يشترط أنه لا يطأها، أو أنها لا تحل له، أو أنه لا ينفق عليها، ونحو ذلك= صح العقد دون الشرط، فالاتفاق على التلجئة حقيقته: أنهما اتفقا على أن يعقدا عقدا لا يقتضي موجبه، وهذا لا يبطله. قال شيخنا: ويتخرج في نكاح التلجئة: أنه باطل، لأن الاتفاق الموجود قبل العقد بمنزلة المشروط في العقد في أظهر الطريقين لأصحابنا، ولو شرطا في العقد: أنه نكاح تلجئة لا حقيقة، لكان نكاحًا باطلًا، وإن قيل: إن فيه خلافًا، فإن أسوأ الأحوال أن يكون كما لو شرطا أنها لا تحل له، وهذا الشرط يفسد العقد، على الخلاف المشهور) [إعلام الموقعين 3/ 89 ـ 93] (1). 1021 - وقت استحقاق مؤخر الصداق: 1022 - ولا يحبس الزوج إذا تأخر في دفع الصداق: - قال ابن القيم: ( .... الإلزام بالصداق الذي اتفق الزوجان على تأخير المطالبة به، وإن لم يسميا أجلًا، بل قال الزوج: مائة مقدمة، ومائة مؤخرة= _________ (1) «بيان الدليل» (112 - 113، 115 - 119)، وانظر: «الفتاوى» (32/ 199).
(2/739)
فإن المؤخر لا يستحق المطالبة به، إلا بموت أو فرقة. هذا هو الصحيح، وهو منصوص أحمد، فإنه قال في رواية جماعة من أصحابه: إذا تزوجها على العاجل والآجل= لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة. واختاره قدماء شيوخ المذهب، والقاضي أبو يعلى، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية) [إعلام الموقعين 3/ 81] (1). - وقال أيضا: (قال شيخنا - رحمه الله -: وكذلك لم يحبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أحد من الخلفاء الراشدين زوجا في صداق امرأته أصلا، وفي رسالة الليث إلى مالك ــ التي رواها يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ في «تاريخه» ــ: عن أيوب عن يحيى بن عبيد الله بن أبي بكر المخزومي، قال: هذه رسالة الليث بن سعد إلى مالك ... فذكرها، إلى أن قال: ومن ذلك أن أهل المدينة يقضون في صدقات النساء أنها متى شاءت أن تكلم في مؤخر صداقها تكلمت، فيدفع إليها، وقد وافق أهل العراق أهل المدينة على ذلك، وأهل الشام وأهل مصر، ولم يقض أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من بعده لامرأة بصداقها المؤخر، إلا أن يفرق بينهما موت أو طلاق، فتقوم على حقها ..... إلى أن قال: قال شيخنا - رحمه الله -: ومن حين سُلط النساء على المطالبة بالصدقات المؤخرة، وحبس الأزواج عليها حدث من الشرور والفساد ما الله به عليم، وصارت المرأة إذا أحست من زوجها بصيانتها في البيت، ومنعها من البروز _________ (1) «الفتاوى» (34/ 76)، «الاختيارات» للبعلي (331).
(2/740)
والخروج من منزله، والذهاب حيث شاءت= تدعي بصداقها، وتحبس الزوج عليه، وتنطلق حيث شاءت، فيبيت الزوج ويظل يتلوى في الحبس، وتبيت المرأة فيما تبيت فيه!) [الطرق الحكمية 49] (1). وانظر: ما تقدم في المسألة رقم (722). 1023 - إذا أهدى شيئا قبل العقد وقد وُعِدَ بالزواج: 1024 - وما قبض بسبب النكاح: - قال ابن مفلح: (وليست هديته من المهر، نص عليه، فإن كانت قبل العقد وقد وُعد به، فزوجوا غيره رجع، قاله شيخنا. وقال: ما قبض بسبب نكاح فكمهر. وقال فيما كتب فيه المهر: لا يخرج منها بطلاقها) [الفروع 5/ 268 (8/ 325)] (2). 1025 - إذا وطء بعد العقد وادعى عدم علمه بها: - قال ابن مفلح: (ولا تقبل دعواه عدم علمه بها، والمنصوص: ولو أنه أعمى؛ لأن العادة أنه لا يخفى عليه ذلك، فقد قدَّم أصحابنا هنا العادة على الأصل، فكذا دعوى إنفاقه، فإن العادة هناك أقوى، قاله شيخنا) [الفروع 5/ 272 (8/ 329)]. _________ (1) انظر: «الفتاوى» (32/ 199). (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (334).
(2/741)
1026 - الذي بيده عقدة النكاح: - قال ابن القيم: (الذي بيده عقدة النكاح: هو الزوج، وقد قال قوم: هو الولي، فإذا عفا الرجل: أعطاها المهر كاملًا، أو يعفون، قال: تكون المرأة تترك للزوج ما عليه، فتكون قد عفت. قلت: ونص أحمد في رواية أخرى: أنه الأب، وهو مذهب مالك، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية) [بدائع الفوائد 3/ 102]. - وقال ابن مفلح: (والذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، فإذا طلق قبل الدخول صح عفو مالك التبرع منهما عن حقه، ولا عفو للأب، كعفوه عن مهر ابنه الراجع إليه، لأنه لم يكسبه إياه، وعنه: أنه الأب، قدمه ابن رزين، واختاره شيخنا، قال (1): ومثله سيد الأمة فيعفو عن نصف مهر ابنته المطلقة قبل الدخول المجنونة والصغيرة) [الفروع 5/ 285 (8/ 345)] (2). وانظر: ما تقدم في المسألة رقم (1017). 1027 - المتعة للمطلقة: - قال ابن مفلح: (ومتى فرض فكالمسمى، وعنه: يسقط وتجب المتعة، فإن دخل فلا متعة، ونقل حنبل: لكل مطلقة (3)، واختاره شيخنا في موضع، وقال: كما دل عليه ظاهر القرآن ... وقال أحمد فيما خرجه في محبسه: قال ابن _________ (1) في ط 2: (قيل)، والمثبت من ط 1 والمخطوط، وفي هامش ط 1: (في مخطوط الدار: وقال). (2) «الاختيارات» (342 - 343)، وانظر: «الفتاوى» (32/ 26). (3) وقع في ط 2 زيادة: (أي: المتعة تجب)، وهي حاشية في المخطوط (ص: 285) , فيبدو أن الناسخ أو الطابع أقحمها في الجوف.
(2/742)
عمر: لكل مطلقة متاع إلا التي لم يدخل بها وقد فرض لها، واختاره شيخنا في «الاعتصام بالكتاب والسنة») [الفروع 5/ 288 - 289 (8/ 350 - 351)] (1). 1028 - مهر المكرهة على الزنا: 1029 - ومهر الموطوءة بشبهة: - قال ابن مفلح: (وأطلق شيخنا رواية أنه لا مهر لمكرهة، واختارها (2)، وأنه خبيث، وظاهر كلامه: ولا بشبهة، لأنه قال: البضع إنما يتقوم على زوج أو شِبْهِه (3) فيملكه به) [الفروع 5/ 293 (8/ 355)] (4). 1030 - إذا خرجت المرأة من الزوج بغير اختياره: 1031 - ورجوع الزوج بالمهر على الغار: 1032 - وضمان مهر المرأة إذا أسلمت تحت كافر: 1033 - ومهر المرأة إذا ارتدت: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: متى خرجت منه بغير اختياره بإفسادها أو لا، أو بيمينه: لا تفعل شيئا ففعلته، فله مهره، وذكره رواية، كالمفقود، لأنها استحقت المهر بسبب هو تمكينها من وطئها، وضمنته بسبب هو _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (341)، وانظر: «الفتاوى» (32/ 26 - 27). (2) في ط 2: (واختاره)، والمثبت من ط 1 والمخطوط (ص: 285). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الذي يظهر أنها بكسر الشين والهائين، أي: شبه الزوج، وأن الهاء الأخيرة ضمير يعود على الزوج). (4) انظر: «الاختيارات» للبعلي (344 - 345).
(2/743)
إفسادها، واحتج بالمختلعة التي تسببت إلى الفرقة. قال: والملاعنة لم تفسد النكاح، ويمكن توبتها، وتبقى معه، مع أن جواز عضل الزانية يدل أن له حقا في مهرها إذا أفسدت نكاحه. وقال: في رجوعه بالمهر على الغارِّ في نكاح فاسد ومعيبة ومدلسة وإذا أفسده عليه (1) ونحوه روايتان، بناء على أن خروج البضع متقوم، وصحَّحه، وأن أكثر نصوصه تدل عليه، واحتج بالآية أن لزوج المسلمة إذا ارتدَّت المهر، وللمعاهد (2) الذي شرط رد المرأة إذا لم ترد المهر، والمنصوص المسمى لا مهر المثل. قال القاضي وجماعة: أداء المهر وأخذه من الكفار وتعويض الزوج من الغنيمة، ومن صداق وجب رده على أهل الحرب، منسوخ عند جماعة، ونص عليه أحمد. قال شيخنا: هو إحدى الروايتين، وأن الآية دلت أن من أسلمت وهاجرت أو ارتدت ولحقت بالكفار فلزوجها ما أنفق، فيلزم المهاجرة الموسرة وإلا لزمنا كفداء الأسير، لولا العهد بيننا وبينهم للمصلحة لمنع المسلم امرأته من اللحاق بهم ولم تطمع به، فلزمنا المهر له من المصالح، وقد يقال: يجوز لحاجة من الأربعة الأخماس، لأنهم نالوها بالعهد، فالزوج كالرد، ولهذا أقام عثمان على رقية يوم بدر وقسم له لتمكن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغزو، وإنما أخذ منهم مهر المعاهد وأعطيه من ارتدت امرأته، وهو لم _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع «: (يعني: مفسد). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: للمعاهد أداء المهر في المسألة المذكورة).
(2/744)
يحبس امرأته، لأن الطائفة الممتنعة كشخص واحد فيما أتلفوه. قال: والمرتدة بدون هذا العهد والشرط، فقد ذكروا مذاهب الأئمة الأربعة لا مهر له، وذلك لأنها إن لحقت بدار الحرب فمحاربة، كإباق عبده، فلا شيء له، وإن أقامت بدارنا فهي امرأته إن عادت، وإن أبت حتى قتلت فكموتها. وقال: والنسخ بنبذ العهد في «براءة» فيه نظر، وكون الرد استحبابا ضعيف) [الفروع 5/ 574 - 575 (9/ 285 - 286)] (1). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (14/ 83).
(2/745)
باب وليمة العرس
1034 - غسل اليدين قبل الأكل: - قال ابن مفلح: (يستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده، وعنه: يكره، اختاره القاضي كذا ذكره السامري وغيره .... قال الشيخ تقي الدين: من كرهه قال: هذا من فعل اليهود، فيكره التشبه بهم) [الآداب الشرعية 3/ 212 - 213] (1). 1035 - غسل اليدين بالمطعوم: - قال ابن مفلح: (قال في «المغني»: واستدل الخطابي على ذلك بحديث الملح، والملح طعام ففي معناه ما أشبهه. قال الشيخ تقي الدين: وهذا من أبي محمد يقتضي جواز غسلها بالمطعوم، وهذا خلاف المشهور. ويأتي كلامه على هذه المسألة) [الآداب الشرعية 3/ 155]. - ثم قال: (قال الشيخ تقي الدين: يستدل على كراهة الاغتسال بالأقوات، بأن ذلك يفضي إلى خلطها بالأدناس والأنجاس، فنهي عنه كما نهي عن إزالة النجاسة بها، والملح ليست قوتا وإنما يصلح بها القوت، نعم ينهى في الاستنجاء عن قوت الآدميين والبهائم للإنس والجن، فعلى هذا لا يستنجي بالنخالة وإن غسل يده بها، فأما إن دعت الحاجة إلى استعمال القوت، مثل الدبغ بدقيق الشعير أو التطبب للجرب باللبن والدقيق ونحو _________ (1) «الفتاوى» (22/ 319)، وانظر: «الاختيارات» لابن عبد الهادي (88).
(2/746)
ذلك، فينبغي أن يرخص فيه كما رخص في قتل دود القز بالتشميس لأجل الحاجة، إذ لا تكون حرمة القوت أعظم من حرمة الحيوان. وبهذا قد يجاب عن الملح أنها استعملت لأجل الحاجة، وعلى هذا فقد يستدل بهذا الأصل الشرعي على المنع من إهانتها بوضع الإدام فوقها كما ذكره الشيخ عبد القادر. ودليل آخر وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلعق الأصابع والصحفة، وأخذ اللقمة الساقطة، وإماطة الأذى عنها، كل ذلك كيلا يضيع شيء من القوت، والتدلك به إضاعة له لقيام غيره مقامه، وهو من أنواع التبذير الذي هو من فعل الشيطان. وسُئلت عن مثل هذه، وهو غسل الأيدي بالمسك، فقلت: إنه إسراف، بخلاف تتبع الدم بالفرصة الممسكة فإنه يسير لحاجة، وهذا كثير لغير حاجة، فاستعمال الطيب في غير التطيب وغير حاجة كاستعمال القوت في غير التقوت وغير حاجة، وحديث البقرة: «إنا لم نخلق للركوب» يستأنس به في مثل هذا. ويستدل على ما فعله أحمد من مسح اليد عند كل لقمة بأن وضع اليد في الطعام يخلط أجزاء من الريق في الطعام، فهو في معنى ما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التنفس في الإناء، لكن يسوغ فيه لمشقة المسح عند كل لقمة، فمن يحشم المسح، فذلك حسن منه، انتهى كلامه. وظاهر كلام الأصحاب رحمهم الله أنه لا يكره غسل اليد بطيب ولو كثر لغير حاجة، ويتوجه تحريم الاغتسال بمطعوم كما هو ظاهر تعليل الشيخ تقي الدين) [الآداب الشرعية 3/ 201].
(2/747)
1036 - زيادة «الرحمن الرحيم» في التسمية عند الأكل: 1037 - وزيادتها عند الذبح: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولو زاد «الرحمن الرحيم» عند الأكل كان حسنًا، فإنه أكمل بخلاف الذبح، فإنه قد قيل: لا يناسب ذلك) [الفروع 5/ 300 (8/ 364 - 365)] (1). 1038 - التسمية على كل نوع: - قال ابن مفلح: (وفي كلام الشيخ تقي الدين - رحمه الله - قال: من القرَّاء من يفصل بالبسملة بين السورتين، ومنهم من لا يفصل؛ لأن القرآن كله كلام الله فلا يفصلون بها بين السورتين، كمن سمَّى إذا أكل أنواعا من الطعام، ومنهم من يسمي في أول كل سورة وهو حسن، لمتابعته لخط المصحف وهو بمنزلة رفع الطعام ووضع طعام فالتسمية عنده أفضل. انتهى كلامه) [الآداب الشرعية 3/ 164]. 1039 - القِران في الطعام: - قال ابن مفلح: (ويكره ... قرانه في التمر قيل: مطلقًا، وقيل: مع شريك لم يأذن (2)، قال في «الترغيب» وشيخنا: ومثله قران ما العادة جارية بتناوله إفرادًا) [الفروع 5/ 301 (8/ 365)]. _________ (1) «الاختيارات» (351). (2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (يعني: هل يكره القران مطلقا، أو مع شريك لم يأذن).
(2/748)
- وقال أيضًا: (ويكره القران في التمر ... . والقران في غير التمر مثله إلا أن ذلك لا يقصد ولا تظهر فائدته إلا في الفواكه وما في معناها، قال الشيخ تقي الدين: وعلى قياسه قران كل ما العادة جارية بتناوله إفرادا) [الآداب الشرعية 3/ 158] (1). 1040 - تصغير اللقم في الأكل: - قال ابن مفلح: (ويسن أن يصغر اللقم ويجيد المضغ، قال الشيخ تقي الدين: إلا أن يكون هناك ما هو أهم من إطالة الأكل. على أن هذه المسألة لم أجدها مأثورة ولا عن أبي عبد الله لكن فيها مناسبة. وقال أيضا: هو نظير ما ذكره الإمام أحمد من استحباب تصغير الأرغفة) [الآداب الشرعية 3/ 162]. 1041 - الأكل حتى يتخم، والإسراف فيه: - قال ابن مفلح: (وكره شيخنا أكله حتى يتخم، وحرَّمه أيضًا، وحرَّم أيضًا الإسراف، وهو مجاوزة الحد) [الفروع 5/ 302 (8/ 366)] (2). - وقال أيضا: (وعن سمرة بن جندب أنه قيل له: إن ابنك بات البارحة بشما. قال: أما لو مات لم أصل عليه! قال الشيخ تقي الدين: يعني أنه أعان على قتل نفسه، فيكون كقاتل نفسه. _________ (1) «الاختيارات» (351). (2) انظر: «الفتاوى» (32/ 212).
(2/749)
وقال في موضع آخر: يكره أن يأكل حتى يتخم، ثم ذكر ما سبق عن سمرة) [الآداب الشرعية 3/ 185 - 186] (1). 1042 - الإسراف: - قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين في موضع آخر: الإسراف في المباحات هو مجاوزة الحد، وهو من العدوان المحرم، وترك فضولها هو من الزهد المباح، وأما الامتناع من فعل المباحات مطلقا كالذي يمتنع من أكل اللحم أو أكل الخبز أو شرب الماء، أو من لبس الكتان والقطن ولا يلبس إلا الصوف، ويمتنع من نكاح النساء، ويظن أن هذا من الزهد المستحب= فهذا جاهل ضال ... إلى أن ذكر: أن الله أمر بالأكل من الطيبات، والشكر له، والطيب هو ما ينفع الإنسان ويعينه على الطاعة، وحرم الخبائث وهو ما يضره في دينه، وأمر بشكره وهو العمل بطاعته بفعل المأمور به وترك المحظور. قال: فمن أكل من الطيبات ولم يشكر ربه ولم يعمل صالحا كان معاقبا على ما تركه من فعل الواجبات، ولم يحل (2) له الطيبات، فإن الله تعالى إنما أحلها لمن يستعين بها على طاعته، ولم يحلها لمن يستعين بها على معصيته، كما قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة: 93]. قال: ولهذا لا يجوز أن يعان الإنسان بالمباحات على المعاصي، مثل _________ (1) انظر: «الفتاوى» (24/ 287، 290)، «الاختيارات» للبعلي (351). (2) لعلها: (تحل).
(2/750)
من يعطي اللحم والخبز لمن يشرب عليه الخمر، ويستعين به على الفواحش. قال: وقوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] أي: عن الشكر على النعيم، فيطالب العبد بأداء شكر الله على النعيم، فإن الله تعالى لا يعاقب على ما أباح، وإنما يعاقب على ترك مأمور وفعل محذور. انتهى كلامه) [الآداب الشرعية 3/ 187 - 188]. وانظر: ما تقدم برقم (146، 147). 1043 - الشرب والأكل قائما: - قال ابن مفلح: (ولا يكره شربه قائمًا، نقله الجماعة، وعنه: بلى، وجزم به في «الإرشاد»، واختاره شيخنا، وسأله صالح عن شربه قائمًا في نفس، ونائمًا، قال: أرجو، ويتوجه: كأكل، وظاهر كلامهم: لا يكره أكله قائمًا، ويتوجه: كشرب، قاله شيخنا) [الفروع 5/ 302 (8/ 367)] (1). 1044 - الأكل من بيت القريب والصديق بلا إذن: - قال ابن مفلح: (ويحرم أكله بلا إذن صريح أو قرينة، كدعائه إليه، نص عليه، ولو من بيت قريبه أو صديقه ولم يحرزه عنه، نقله ابن القاسم وابن النضر، وجزم به في «الجامع»، وظاهر كلام ابن الجوزي وغيره: يجوز، واختاره شيخنا) [الفروع 5/ 304 (8/ 368)] (2). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (32/ 210 - 211)، «الاختيارات» للبعلي (351). (2) «الاختيارات» (351).
(2/751)
1045 - دخول الكنيسة والبيعة مع وجود الصور: 1046 - وليس لأهل الذمة منع من أراد أن يعبد الله في البيعة أو الكنيسة: 1047 - والسفر إلى أرض الكفار للتجارة: 1048 - وبيعه لهم ما يعملون به كنيسة أو تمثالا: 1049 - وفعل ما فيه تخصيص لعيد الكفار وتمييز له: 1050 - وإذا دعاه الكفار لوليمة عيدهم: - قال ابن مفلح: (وله دخول بيعة وكنيسة والصلاة فيهما، وعنه: يكره، وعنه: مع صور (1)، وظاهر كلام جماعة تحريم دخوله معهما، وقاله شيخنا، وأنها كالمسجد على القبر. وقال: وليست ملكًا لأحد، وليس لهم منع من يعبد الله، لأنا صالحناهم عليه، والعابد بينهم وبين الغافلين أعظم أجرًا. ويحرم شهود عيد ليهود أو نصارى، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] نقله مهنا، وقاله الآمدي، وترجمه الخلال بالكراهة، وفيه تنبيه على المنع أن يفعل كفعلهم، قاله شيخنا. لا البيع لهم فيها، نقله مهنا، وحرَّمه شيخنا، وخرَّجه على ما ذكره من روايتين منصوصتين في حمل التجارة إلى دار حرب، وأن مثله مهاداتهم لعيدهم، وجزم غيره بكراهة التجارة والسفر إلى أرض كفر ونحوه. _________ (1) في ط 1: (مع صورة)، والمثبت من ط 2.
(2/752)
وقال شيخنا أيضًا: لا يمنع منه إذا لم يلزموه بفعل محرم أو ترك واجب، وينكر ما يشاهده من المنكر بحسبه. قال: ويحرم بيع ما يعملون به كنيسة أو تمثالًا ونحوه. قال: وكل ما فيه تخصيص لعيدهم وتمييز له، فلا أعلم خلافًا أنه من التشبه، والتشبه بالكفار منهي عنه «ع». قال: ولا ينبغي إجابة هذه الوليمة. قال: ولما صارت العمامة الصفراء والزرقاء من شعارهم لم يجز لبسها (1)، فكيف بمن يشاركهم في عباداتهم وشرائع دينهم، بل ليس لمسلم أن يحضر مواسمهم بشيء مما يخصونها به، وليس لأحد أن يجيب دعوة مسلم في ذلك ويحرم الأكل والذبح، ولو أنه فعله لأنه اعتاده وليفرح أهله، ويعزر إن عاد) [الفروع 5/ 307 - 308 (8/ 373 - 374)] (2). 1051 - الرغائب وليلة النصف: 1052 - تخصيص يوم من الأيام بطعام أو نحوه موافقة للكفار: - قال ابن مفلح: (وأما موسم خاص، كالرغائب وليلة النصف، فلعل ظاهر كلامهم: لا يكره، وكرهه شيخنا، وأنه بدعة، ولعله ظاهر تعليل أحمد بزي الأعاجم. قال: وقد كره طوائف من الأئمة والسلف كأنس والحسن وأحمد صوم أعيادهم لأن فيه نوع تعظيم لها، فكيف بتخصيصها بنظير ما يفعلونه؟! _________ (1) انظر: «منهاج السنة النبوية» (4/ 155). (2) «الاختيارات» للبعلي (349).
(2/753)
بل نهى أئمة الدين عما ابتدعه الناس، كما يفعلونه يوم عاشوراء أو في رجب وليلة نصف شعبان، ونحو ذلك من الصلاة والاجتماع والأطعمة والزينة وغير ذلك، فكيف بأعياد المشركين؟ ! والناهي عن هذه المنكرات مطيع لله ورسوله، والمجاهد في ذلك من المجاهدين في سبيل الله. وذكر في موضع آخر أنَّه لا يجوز تخصيص ذلك بطعام غيره) [الفروع 5/ 309 - 310 (8/ 375 - 376)] (1). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (23/ 132 - 135، 414)، «الاختيارات» للبعلي (349).
(2/754)
باب عشرة النساء
1053 - يجب على الزوج أن يطأ امرأته بالمعروف: - قال ابن القيم: ( ... وقالت طائفة أخرى: بل يجب عليه أن يطأها بالمعروف، كما ينفق عليها ويكسوها ويعاشرها بالمعروف؛ بل هذا عمدة المعاشرة ومقصودها، وقد أمر الله سبحانه وتعالى أن يعاشرها بالمعروف؛ فالوطء داخل في هذه المعاشرة ولا بد. قالوا: وعليه أن يشبعها وطئًا إذا أمكنه ذلك، كما عليه أن يشبعها قوتًا. وكان شيخنا - رحمه الله - يرجح هذا القول ويختاره) [روضة المحبين 227] (1). 1054 - حق الفسخ لامرأة من علم خبره كأسير ومحبوس: - قال ابن مفلح: (وأما إذا اعتبر قصد الإضرار (2) فالإيلاء دلَّ على قصد الإضرار فيكفي ولو لم يظهر منه قصده، وقال شيخنا: خرَّج ابن عقيل قولًا: لها الفسخ بالغيبة المضرة بها، ولو لم يكن مفقودًا، كما لو كوتب فلم يحضر بلا عذر (3)، وفي «المغني» في امرأة من علم خبره كأسير ومحبوس: _________ (1) «الفتاوى» (28/ 242؛ 32/ 271)، «الاختيارات» (354). (2) في ط 2: (إذا اعتبر الإضرار)، والمثبت من ط 1 والمخطوط (ص: 288). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال في «الاختيارات»: وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتض للفسخ بكل حال، سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد، ولو مع قدرته وعجزه، كالنفقة وأولى، للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعا، وعلى هذا فالقول في امرأة الأسير والمحبوس ونحوهما مما يتعذر انتفاع امرأته به إذا طلبت فرقته كالقول في امرأة المفقود، ولا فرق في ذلك ولا إجماع، كما قالها أبو محمد المقدسي. انتهى. ووجدت على نسخة من «الاختيارات» حاشية وعلم عليها على «المحبوس»: وكلام ابن عقيل في «عمد الأدلة» و «المفردات» يوافق ذلك. قال [كذا, ولعلها: قاله] أبو يعلى الصغير، وهذه الحاشية أشار المصنف إلى معناها بقوله: «وخرج ابن عقيل» وقوله: «قاله أبو يعلى الصغير») ا. هـ.
(2/755)
لها الفسخ بتعذر النفقة من ماله وإلا فلا «ع»، قال شيخنا: لا إجماع) [الفروع 5/ 322 (8/ 389 - 390)] (1). 1055 - إذا حبست المرأة زوجها بحقها وخاف خروجها بلا إذنه: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا فيمن حبسته بحقها: إن خاف خروجها بلا إذنه أسكنها حيث لا يمكنها، فإن لم يكن له من يحفظها غير نفسه حبست معه، فإن عجز عن حفظها أو خيف حدوث شرٍّ أسكنت في رباط ونحوه) [الفروع 5/ 328 (8/ 398)] (2). وانظر: ما تقدم في المسألة رقم (722). 1056 - خدمة المرأة لزوجها: - قال ابن مفلح: (وليس عليها عجن وخبز وطبخ ونحوه، نصَّ عليه، خلافًا للجوزجاني، وأوجب شيخنا: المعروف من مثلها لمثله، وخرَّج أيضًا الوجوب من نصه على نكاح الأمة لحاجة الخدمة، وفيه نظر، لأنه ليس فيه وجوب الخدمة عليها) [الفروع 5/ 329 (8/ 398)] (3). _________ (1) انظر: «الاختيارات» (355). (2) «مختصر الفتاوى» (607 - 608). (3) «الفتاوى» (34/ 90 - 91)، «الاختيارات» (352)، وانظر: «الفتاوى» (28/ 384؛ 32/ 260).
(2/756)
1057 - التسوية بين الزوجات في النفقة والكسوة: - قال ابن مفلح: (القسم مستحق على غير طفل، فيلزمه التسوية بين زوجاته، حتى حائض ومعيبة ورتقاء ومظاهر منها ومن سافر بها بقرعة ومجنونة مأمونة وكتابية، نصَّ عليه، وصغيرة ــ قيل: توطأ، وقيل: مميزة ــ في القسم فقط، نص عليه، وقال شيخنا: والنفقة والكسوة) [الفروع 5/ 229 - 230 (8/ 399)] (1). 1058 - الحاكمان بين الزوجين: - قال ابن مفلح: (ولا يجبران على التوكيل، وعنه: بلى بعوض وغيره، فإن أبيا جعله الحاكم للحكمين، اختاره ابن هبيرة وشيخنا) [الفروع 5/ 342 (8/ 415)] (2). _________ (1) «الفتاوى» (32/ 269 - 270)، «الاختيارات» (356). (2) انظر: «الفتاوى» (32/ 25 - 26؛ 35/ 386)، «الاختيارات» للبعلي (356).
(2/757)
باب الخلع
1059 - حكم الإجابة للخلع: - قال ابن مفلح: (يباح لسوء عشرة بين الزوجين، وتستحب الإجابة إليه، واختلف كلام شيخنا في وجوبه) [الفروع 5/ 343 (8/ 417)]. - وقال أيضا: (المذهب: يكره ويصح وحالهما مستقيمة، وعنه: يحرم ولا يصح، واعتبر شيخنا خوف قادر على القيام بالواجب أن لا يقيما حدود الله، فلا يجوز انفرادهما به، لقراءة حمزة: (أن يُخافا) بالضم، ولا يصح «هـ» مع منعه حقها وظلمه لتختلع منه، فيقع رجعيًّا إن قيل: هو طلاق، وقيل: بائنًا إن صح الخلع بلا عوض، ولو لم يقصد بظلمه لتختلع لم يحرم «و: هـ ش» ولنا نزاع، قاله شيخنا) [الفروع 5/ 343 (8/ 417)] (1). 1060 - إذا ادعت المرأة أو وليها السفه حال إبرائها له: - قال ابن مفلح: (ولا يبطل الإبراء بدعواها السفه، قال شيخنا: ولو مع بينة أنها سفيهة وليست تحت الحجر، ويتوجه: بلى مع بينة، قال: ولو أبرأته وولدت عنده، ومالها بيده يتصرف فيه، لم يصدق أبوها أنها كانت سفيهة تحت حجره بلا بينة) [الفروع 5/ 344 (8/ 418)] (2). 1061 - الخلع فسخ بأي لفظ كان: - قال ابن القيم: (وإذا كانت أحكام الفدية غير أحكام الطلاق: دل _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (359). (2) «الفتاوى» (32/ 285).
(2/758)
على أنها من غير جنسه، فهذا مقتضى النص، والقياس، وأقوال الصحابة. ثم، من نظر إلى حقائق العقود ومقاصدها، دون ألفاظها: يعد الخلع فسخًا بأي لفظ كان، حتى بلفظ الطلاق، وهذا أحد الوجهين لأصحاب أحمد، وهو اختيار شيخنا، قال: وهذا ظاهر كلام أحمد، وكلام ابن عباس وأصحابه) [زاد المعاد 5/ 200]. - وقال ابن مفلح: (وهو بصريح طلاق أو نيته طلاق بائن، وعنه: مطلقا، وقيل: عكسه، قال شيخنا: وعليه دل كلام أحمد وقدماء أصحابه، ومراده ما قال عبد الله: رأيت أبي كان يذهب إلى قول ابن عباس، وابن عباس صح عنه: ما أجازه المال فليس بطلاق، وصح عنه: الخلع تفريق وليس بطلاق) [الفروع 5/ 346 (8/ 421)] (1). 1062 - إذا خالع بلا عوض أو بمحرم: - قال ابن القيم: (والصواب: أن الرجعة حق لله تعالى، ليس لهما أن يتفقا على إسقاطها، وليس له أن يطلقها بائنة، ولو رضيت الزوجة، كما أنه: ليس لهما أن يتراضيا بفسخ النكاح بلا عوض. فإن قيل: فكيف يجوز الخلع بغير عوض، في أحد القولين، في مذهب مالك وأحمد؟ وهل هذا إلا اتفاق من الزوجين على فسخ النكاح بغير عوض؟ قيل: إنما يُجَوِّز أحمد في إحدى الروايتين بلا عوض إذا كان طلاقا، فأما إذا كان فسخا فلا يجوز بالاتفاق، قاله شيخنا - رحمه الله -، قال: ولو جاز هذا: _________ (1) «الفتاوى» (32/ 289 - 315؛ 33/ 153)، «الاختيارات» للبعلي (361).
(2/759)
لجاز أن يتفقا، على أن يبينها مرة بعد مرة، من غير أن ينقص عدد الطلاق، ويكون الأمر إليهما، إذا أرادا أن يجعلا الفرقة بين الثلاث جعلاها، وإن أرادا لم يجعلاها من الثلاث) [زاد المعاد 5/ 675 - 676]. - وقال ابن مفلح: (وإن خالع بلا عوض (1) أو بمحرم يعلمانه لم يصح، فيقع رجعيا بنية طلاق، وعنه: يصح ولا يلزمه شيء، وجعله شيخنا كعقد البيع (2) حتى في الإقالة، وأنه لا يجوز إذا كان فسخا بلا عوض «ع») [لفروع 5/ 346 (8/ 422 - 424)] (3). وانظر: ما تقدم برقم (1015). 1063 - إذا قالت المرأة: إن طلقتني فلك كذا أو أنت بريء منه: 1064 - وإذا التزم دينا لا على وجه المعاوضة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وقولها: إن طلقتني فلك كذا، أو أنت بريء منه، كـ: إن طلقتني فلك علي ألف، وأولى، وليس فيه النزاع في تعليق البراءة بشرط، أما لو التزم دينا لا على وجه المعاوضة، كـ: إن تزوجت فلك _________ (1) لابن قندس في «حاشيته على الفروع» كلام طويل حول هذه المسألة. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: يصح من غير ذكر العوض، ولكن يجعل عوضه الصداق، كما يصح البيع من غير ذكر الثمن ويرجع على ما اختاره، كما يصح النكاح من غير ذكر الصداق، وينصرف إلى صداق المثل، نقل في «الاختيارات» عن أبي العباس ما يوافق هذا، ثم قال: وقال أبو العباس في موضع آخر: هل للزوج إبانة امرأته بلا عوض؟ وذكر كلاما طويلا فيه بعض مخالفة لما ذكر المصنف، فينظر في «الاختيارات»). (3) انظر: «الفتاوى» (32/ 302 - 303)، «الاختيارات» للبعلي (361 - 362).
(2/760)
في ذمتي ألف، أو جعلت لك في ذمتي ألفا، لم يلزمه، عند الجمهور) [الفروع 5/ 352 (8/ 432)]. 1065 - إذا قال: «أنت طالق على ألف»: - قال ابن مفلح: (وإن قال ابتداء: أنت طالق بألف، أو على ألف (1)، أو: وعليك ألف، فقبلته في المجلس ــ وأجراه في «المغني» كـ: إن أعطيتني ــ بانت واستحقه، وله الرجوع قبل قبولها، وإن لم تقبل فنصه: يقع رجعيًا، وقيل: يقع في الأولى، وقيل: والثانية (2)، وخُرِّج من نظيرتِهن في العتق _________ (1) (أو على ألف) ليست في ط 2، وأثبتت من ط 1 والمخطوط (ص: 291). (2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (صوابه:: لا يقع في الأولى، وقيل: والثانية .... إلى أن قال: تنبيه: ظهر مما تقدم أن نقل المصنف القولين الأخيرين غير موافق لما نقل عن الأصحاب من الخلاف، لأنه في القول الثاني أوقع الطلاق في المسألة الأولى رجعيا، وهو قوله «بألف»، ولم يوقع في الثانية والثالثة، وهو قوله «على ألف» أو «وعليك ألف» حتى تقبل، وأوقعه في القول الثالث في المسألة الأولى والثانية رجعيا، ولم يوقعه في الثالثة حتى تقبل، وهو مخالف للمنقول عن الأصحاب، والصواب أن في كلامه نقصا، وهو لفظة «لا» بعد القول، وبه يستقيم الكلام، فتقديره «وقيل: لا يقع في الأولى، وقيل: والثانية»، فلفظة «لا» سقطت من الكاتب، فعلى هذا التقدير يكون موافقا لما قاله القاضي الذي نقله عنه في «الحاوي»، واختاره الشارح، أعني القول الثاني، وموافقا لما قاله ابن عقيل، أعني القول الثالث، ولم يذكر المصنف ما نقله الشيخ عن القاضي في «المجرد»، والمصنف تابع الشيخ في «المحرر»، فإنه وجد نسخة قرئت على المصنف وعليها خطه: وقال القاضي في موضع: لا تطلق إلا في الصورة الأولى، فعلى هذه النسخة تطلق في قوله: «بألف» رجعيا، ولا تطلق في الثانية والثالثة، وهما قوله «على ألف» أو «وعليك ألف» وهو مشكل، إذ لم ينقله أحد عن القاضي ولا غيره في «وعليك ألف»، فلذلك لما قرئ هذا المكان على الشيخ تقي الدين بن تيمية كشط لفظة «لا» فبقي: وقال القاضي: تطلق إلا في الصورة الأولى، وهو موافق لما نقله في «الحاوي» عنه، واختاره الشارح، ولو اعتذر عن المصنف بأنه تابع الشيخ في «المحرر» قلنا: لم يتابعه في القول الأخير، وهو اختيار ابن عقيل، فحصل بذلك الخلل، وعلى ما قدرنا يزول الإشكال ويوافق كلام الأصحاب، والله أعلم).
(2/761)
عدمه فيهن، ولا ينقلب بائنًا ببذلها في المجلس، وقيل: بلى في الأولتين، قال شيخنا: مع أن «على» للشرط اتفاقًا) [الفروع 5/ 353 - 354 (8/ 436)] (1). 1066 - إذا قال: «متى أعطيتني ألفا فأنت طالق»: - قال ابن مفلح: (وإذا قال: متى، أو: إذا، أو: إن أعطيتني، أو أقبضتني ألفًا، فأنت طالق، لزم من جهته، خلافًا لشيخنا) [الفروع 5/ 356 (8/ 439)]. 1067 - من حلف بطلاق أو عتق ثم أبان المرأة وباع المملوك: - قال ابن مفلح: (ومن حلف بطلاق أو عتق على شيء ثم أبانها وباعه (2) ثم عاد إليه= فيمينه باقية؛ لأن غرضه منعه في ملكه، كقوله لأجنبيّة: _________ (1) انظر: «الفتاوى» (31/ 103). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: باع الذي حلَفَ بعتقِه، قال في «الفائق» في العتق: ولو خرج عن ملكه ثم عاد قبل وجود الصفة أو بعدها لم تَعُد الصفة في رواية حكاها شيخنا، وعنه: تعود مطلقا، وعنه: إن وجدت حالة زواله لم تعد، وهي أرجح. والفرق بين الرواية التي ذكرها المصنف بقوله: «وعنه: لا، ذكره شيخنا»، وبين الرواية المذكورة بقوله: «وعنه: تنحلُّ في العتق بفعل المحلوف= أن هذه الرواية مقيَّدةٌ بفعل المحلوف عليه، والتي ذكرها الشيخ لم تقيَّد بذلك، بل تنحلُّ اليمين بمجرَّد الخروج عن الملك، وجد المحلوف عليه أو لا).
(2/762)
إن طلّقتك فعبدي حرٌّ، أو زوجتي طالق، بخلاف اليمين بالله، لحنثه وانعقادها وحلها في غير ملك، وعنه: لا، ذكره شيخنا، وذكره أيضًا قولا) [الفروع 5/ 361 (8/ 445)]. 1068 - إذا اعتقد البينونة بحيلة فعلها، ثم فعل ما حلف عليه: 1069 - وخلع اليمين: - قال ابن مفلح: (والحيل خداع لا تحل ما حرم الله، فلو اعتقد البينونة ففعل ما حلف فكمطلِّقٍ معتقد أجنبية فتبين امرأته، ذكره شيخنا، وقال: خلع اليمين هل يقع رجعيًّا أو لغوًا ــ وهو أقوى -؟ فيه نزاع؛ لأن قصده ضده كالمحلل) [الفروع 5/ 362 (8/ 447)].
(2/763)
كتاب الطلاق
1070 - إذا أمرته أمه بالطلاق: - قال ابن مفلح: (ويجب (1) في المُوْلِي والحكَمَين، وعنه: لا، وعنه: ولأمر أبيه، وعنه: العدل، فإن أمرته أمه فنصه: لا يعجبني طلاقه، ومنعه شيخنا منه) [الفروع 5/ 363 (9/ 7)]. - وقال أيضا: (وقد قال الشيخ تقي الدين فيمن تأمره أمه بطلاق امرأته، قال: لا يحل له أن يطلقها، بل عليه أن يبرها وليس تطليق امرأته من برها) [الآداب الشرعية 1/ 475] (2). 1071 - طلاق الأب على ابنه الصغير والمجنون: - قال ابن مفلح: (ويصح من زوج مكلف حتى كتابي وسفيه، نص عليهما، وكذا مميز يعقله، نقله واختاره الأكثر، وعنه: ابن عشر، وعنه: اثنتي عشرة، وعنه: لا يقع، اختاره ابن أبي موسى وغيره، وقدَّمه في «المحرر»، وجزم به الآدمي، وعنه: لأبِ صغيرٍ ومجنونٍ فقط الطلاق، نصره القاضي وأصحابه، وفي «الترغيب»: هي أشهر، وذكره شيخنا ظاهر المذهب) [الفروع 5/ 363 (9/ 8)] (3). _________ (1) أي: الطلاق. (2) «الفتاوى» (33/ 112). (3) انظر: «الفتاوى» (32/ 26)، «الاختيارات» للبعلي (365).
(2/765)
1072 - طلاق الإغلاق: - قال ابن عبد الهادي: (وقد فُسِّر الإغلاق بـ: الإكراه ... وفُسِّر أيضا بـ: الغضب، قال أبو داود: أظنه الغضب. وقد نص الإمام أحمد على هذا التفسير في رواية حنبل. قال شيخنا: والصواب أنَّه يعمُّ الإكراه والغضب والجنون، وكُلَّ أمر انغلق على صاحبه علمه وقصده، مأخوذٌ من: غلق الباب؛ بخلاف من علم ما يتكلَّم به وقصده وأراده، فإنَّه انفتح له بابه، ولم يغلق عليه، والله أعلم) [تنقيح التحقيق 4/ 409]. - وقال ابن القيم: (قال شيخنا: والإغلاق: انسداد باب العلم، والقصد عليه، يدخل فيه: طلاق المعتوه، والمجنون، والسكران، والمكره، والغضبان الذي لا يعقل ما يقول، لأن كلًا من هؤلاء قد أغلق عليه باب العلم والقصد، والطلاق إنما يقع من قاصد له، والله أعلم) [تهذيب السنن 6/ 187]. - وقال أيضا: (وأما طلاق الإغلاق: فقد قال الإمام أحمد في رواية حنبل: وحديث عائشة - رضي الله عنها -: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق» يعني: الغضب. هذا نص أحمد، حكاه عنه الخلال، وأبو بكر في «الشافي»، و «زاد المسافر»، فهذا تفسير أحمد. وقال أبو داود في «سننه»: أظنه الغضب، وترجم عليه: باب الطلاق على غلط، وفسره أبو عبيد: بأنه الإكراه، وفسره غيرهما: بالجنون، وقيل: هو نهي عن إيقاع الطلقات الثلاث واحدة، فيغلق عليه الطلاق حتى لا يبقى منه شيء، كغلق الرهن. حكاه أبو عبيد.
(2/766)
قال شيخنا: وحقيقة الإغلاق: أن يغلق على الرجل قلبه فلا يقصد الكلام، أو لا يعلم به، انغلق عليه قصده وإرادته. قلت: قال أبو العباس المبرد: الغلق: ضيق الصدر، وقلة الصبر، بحيث لا يجد مخلصا. قال شيخنا: ويدخل في ذلك: طلاق المكره، والمجنون، ومن زال بسكر، أو غضب، وكل من لا قصد له، ولا معرفة له بما قال ... الخ) [زاد المعاد 5/ 214 - 215]. - وقال أيضا: (وقد نص الإمام أحمد على تفسير الإغلاق في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا طلاق في إغلاق» بأنه الغضب، وفسره به غير واحد من الأئمة، وفسروه بالإكراه والجنون. قال شيخنا: وهو يعم هذا كله، وهو من الغلق، لانغلاق قصد المتكلم عليه، فكأنه لم ينفتح قلبه لمعنى ما قاله) [مدارج السالكين 1/ 231]. 1073 - طلاق الغضبان: - قال ابن القيم: (وقسم شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدَّس الله روحه ــ الغضب إلى ثلاثة أقسام: قسم يزيل العقل، كالسكر، فهذا لا يقع معه طلاق بلا ريب. وقسم يكون في مبادئه، بحيث لا يمنعه من تصور ما يقول وقصده، فهذا يقع معه الطلاق. وقسم يشتد بصاحبه ولا يبلغ به زوال عقله، بل يمنعه من التثبت
(2/767)
والتروي، ويخرجه عن حال اعتداله، فهذا محل اجتهاد) [إعلام الموقعين 4/ 50] (1). - وقال ابن مفلح: (وتعتبر إرادة لفظ الطلاق لمعناه، فلا طلاق لفقيه يكرره وحاك عن نفسه، خلافا لبعض الشافعية، حكاه ابن عقيل كغيره، ونائم وزائل العقل (2)، ولو ذكر المغمى عليه أو المجنون لما أفاق أنه طلق وقع، نص عليه، قال الشيخ: هذا فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية، فأما المُبَرْسَمُ ومن به نِشَافٌ فلا يقع، وفي «الروضة» أن المُبَرْسَمَ والموَسْوَسَ إن عقل الطلاق لزمه. ويدخل في كلامهم من غضب حتى أُغمي عليه أو غُشي عليه (3)، قال شيخنا: بلا ريب، ذكر أنه طلق أم لا. ويقع من غيره في ظاهر كلامهم .... وعند شيخنا: إن غيره ولم يزل عقله لم يقع، لأنه ألجأه وحمله عليه فأوقعه وهو يكرهه ليستريح منه، فلم يبق له قصد صحيح، فهو كالمكره، ولهذا لا يجاب دعاؤه على نفسه وماله، ولا يلزمه نذر الطاعة فيه، وفي صحة حكمه الخلاف، وإنما انعقدت يمينه، لأن ضررها يزول بالكفارة، وهذا إتلاف) [الفروع 5/ 364 - 365 (9/ 9 - 10)] (4). _________ (1) انظر: «زاد المعاد» (5/ 215). (2) لابن قندس تعليق على هذا الموضع في «حاشيته على الفروع». (3) أي: أن طلاقه لا يقع، كما يفهم من «الإنصاف» (8/ 432). (4) انظر: «الفتاوى» (33/ 109).
(2/768)
1074 - طلاق السكران: 1075 - وحكم صلاته: - قال ابن القيم - رحمه الله - تعالى: ( ... وهذا (1) هو الصحيح، وهو الذي رجع إليه الإمام أحمد أخيرًا ... إلى أن قال: وهو اختيار الطحاوي، وأبي الحسن الكرخي، وإمام الحرمين، وشيخ الإسلام ابن تيمية) [إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان 36]. - وقال ابن مفلح: (ويقع ممن زال عقله بسكر محرم، وعنه: لا، اختاره أبو بكر والشيخ وشيخنا، وقال: كمكره لم يأثم في الأصح، ونقل الميموني: كنت أقول يقع حتى تبينته، فغلب علي أنه لا يقع. ونقل أبو طالب: الذي لا يأمر بالطلاق إنما أتى خصلة واحدة، والذي يأمر به أتى ثنتين: حرمها عليه وأحلها لغيره. وعنه: الوقف. وهو من يخلط في كلامه أو لم يعرف ثوبه أو هذى. وذكر شيخنا وجها: أن الخلاف فيمن قد يفهم، وإلا لم يقع، قال شيخنا: وزعم طائفة من أصحاب «م ش» وأحمد: أن النزاع إنما هو في النشوان الذي قد يفهم ويغلط، فأما الذي تم سكره بحيث لا يفهم ما يقول: فإنه لا يقع به، قولًا واحدًا، والأئمة الكبار جعلوا النزاع في الجميع. والروايتان في أقواله وكل فعل يعتبر العقل له، وعنه: في حد، وعنه: وقول كمجنون، وغيرهما كصاح، وعنه: أنه فيما يستقل به كعتقه وقتله كصاح. _________ (1) أي: عدم وقوع طلاق السكران.
(2/769)
قال جماعة: ولا تصح عبادته، قال شيخنا: ولا تقبل صلاته أربعين يومًا حتى يتوب، للخبر، وقاله الإمام أحمد) [الفروع 5/ 367 - 368 (9/ 13 - 14)] (1). 1076 - قصد إزالة العقل بلا سبب شرعي: - قال ابن مفلح: (والبنج ونحوه كجنون، لأنه لا لذة به، نص عليه، وذكر جماعة: يقع لتحريمه، ولهذا يعزر، قال شيخنا: قصد إزالة العقل بلا سبب شرعي محرم) [الفروع 5/ 367 - 368 (9/ 14)] (2). 1077 - إذا ظن الضرر من شخص بلا تهديد: - قال ابن مفلح: (ومن أكره عليه ظلمًا ــ وعنه: من سلطان ــ بإيلامه بضربه أو حبسه، والأصح: أو لولده، ويتوجه: أو والده ونحوه، أو أخذ مال يضره، أو هدَّده بأحدها قادر يظن إيقاعه، فطلق تبعًا لقوله، وقال شيخنا: أو ظن أنه يضره ــ بلا تهديد ــ في نفسه أو أهله أو ماله= لم يقع) [الفروع 5/ 368 (9/ 14)] (3). 1078 - إذا سحره ليطلق: - قال ابن مفلح: (وإن سحره ليطلق فإكراه، قاله شيخنا) [الفروع 5/ 368 (9/ 15)] (4). _________ (1) «الفتاوى» (14/ 115 - 117؛ 33/ 102)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (365). (2) «الفتاوى» (11/ 11)، «الاختيارات» (365). (3) «الاختيارات» للبعلي (366). وقال البعلي: (وقال أبو العباس في موضع آخر: كونه يغلب على ظنه تحقيق تهديده ليس بجيد, بل الصواب: أنه لو استوى الطرفان لكان إكراها, وأما إن خاف وقوع التهديد وغلب على ظنه عدمه فهو محتمل في كلام أحمد وغيره) ا. هـ. (4) «الاختيارات» (366).
(2/770)
1079 - إذا قال: أنت طالق في آخر طهرك، ولم يطأ فيه: - قال ابن مفلح: (وإن طلق مدخولًا بها في حيض أو طهر وطئ فيه حرم ووقع، نص عليه، وفي «المحرر»: وكذا أنت طالق في آخر طهرك ولم يطأ فيه، وكلام الكل - واختاره شيخنا -: مباح إلا على رواية القروء: الأطهار (1)) [الفروع 5/ 370 (9/ 17 - 18)] (2). 1080 - الطلاق في الطهر المتعقب للرجعة: - قال ابن مفلح: (وطلاقها في الطهر المتعقِّب للرجعة بدعةٌ في ظاهر المذهب، اختاره الأكثر، ذكره شيخنا) [الفروع 5/ 371 (9/ 18)]. 1081 - طلاق الحائض: 1082 - والطلاق في طهر جامع فيه: 1083 - وطلاق الثلاث مجموعة أو مفرقة قبل الرجعة: - قال ابن القيم - رحمه الله - تعالى: (والمقصود: أن هؤلاء يشترطون في وقوع الطلاق إذن الشارع فيه، وما لم يأذن فيه الشارع فهو عندهم لاغٍ غير منفذ. _________ (1) قال المرداوي في «الإنصاف» (8/ 449): (قال في «المحرر»: وكذا الحكم لو طلقها في آخر طهر لم يصبها فيه. يعني: أنه طلاق بدعة ومحرم ويقع، وتبعه شارحه على ذلك، وصاحب «الحاوي الصغير» وسبقهم إليه القاضي في «المجرد»، وجماهير الأصحاب على: أنه مباح والحالة هذه، إلا على رواية أن القروء: الأطهار، واختاره الشيخ تقي الدين - رحمه الله - أيضا) ا. هـ. (2) «الاختيارات» (368).
(2/771)
قال شيخ الإسلام: وقولهم أصح في الدليل من قول من يوقع الطلاق الذي لم يأذن فيه الله ورسوله، ويراه صحيحًا لازمًا) [إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان 59 - 60]. - وقال أيضا: (والمقصود: أن المسألة (1) من مسائل النزاع، لا من مسائل الإجماع، فأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد: أنه لا يقع الطلاق في زمن الحيض، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وبالله التوفيق) [الصواعق المرسلة 2/ 631]. - وقال أيضا: (وأفتى به بعض أصحاب أحمد، حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عنه، قال: وكان الجد يفتي به أحيانًا) [إعلام الموقعين 3/ 35]. - وقال أيضا: ( .... أما المسألة الأولى: وهي إذا طلق امرأته ثلاثا جملة، فهذه مما يحتج لها ولا يحتج بها، وللناس فيها أربعة أقوال: أحدها: الإلزام بها. والثاني: إلغاءها جملة، وإن كان هذا إنما يعرف عن الفقهاء الشيعة. والثالث: أنها واحدة، وهذا قول أبى بكر الصديق وجميع الصحابة في زمانه، وإحدى الروايتين عن ابن عباس، واختيار أعلم الناس بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - محمد بن إسحاق والحارث العكلي وغيره، وهو أحد القولين في مذهب مالك، حكاه التلمساني في «شرح تفريع ابن الجلاب»، وأحد القولين في مذهب أحمد، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ... ) [إعلام الموقعين 3/ 275]. _________ (1) أي: مسألة الطلاق في زمن الحيض.
(2/772)
- وقال أيضا: (وحكاه شيخ الإسلام عن بعض أصحاب أحمد، وهو اختياره، وأسوأ أحواله أن يكون كبعض أصحاب الوجوه في مذهبه، كالقاضي وأبي الخطَّاب، وهو أجل من ذلك، فهذا قول في مذهب أحمد بلا شك) [إغاثة اللهفان 1/ 436]. - وقال أيضا: ( ... أن شيخنا حكى عن جده أبي البركات أنه كان يفتي بذلك أحيانا سرا، وقال في بعض مصنفاته: هذا قول أصحاب مالك وأبي حنيفة وأحمد) [إغاثة اللهفان 1/ 484]. - وقال أيضا: (وأما ما اعتمد عليه الشافعي من طلاق الملاعِن ثلاثًا بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم ينكره، فلا دليل فيه؛ لأن الملاعنة يحرم عليه إمساكها، وقد حرمت تحريمًا مؤبدًا، فما زاد الطلاق الثلاث هذا التحريم الذي هو مقصود اللعان إلا تأكيدًا وقوّة، وهذا جواب شيخنا - رحمه الله -) [إغاثة اللهفان 1/ 467 ــ 468]. - وقال أيضا: ( ... وقوع الثلاث بكلمة واحدة، فاختلف الناس فيها على أربعة مذاهب ... الثالث: أنه يقع به واحدة رجعية، وهذا ثابت عن ابن عباس، ذكره أبو داود عنه. قال الإمام أحمد: وهذا مذهب ابن إسحاق، يقول: خالف السنة، فيرد إلى السنة. انتهى. وهو قول طاووس، وعكرمة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية) [زاد المعاد 5/ 247 - 248]. - وقال أيضا: ( ... الوجه التاسع: أنه أحد القولين في مذهب أحمد، حكاه شيخنا واختاره، وأفتى به، وأقل درجات اختياراته يكون وجهًا في
(2/773)
المذهب، ومن الممتنع أن يكون اختيار ابن عقيل وأبي الخطاب والشيخ أبي محمد وجهًا يفتى بها، واختيارات شيخ الإسلام لا تصل إلى هذه المرتبة) [الصواعق المرسلة 2/ 624]. - وقال أيضا: (قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ومن ذلك إلزامه للمطلق ثلاثًا بكلمة واحدة بالطلاق، وهو يعلم أنها واحدة، ولكن لما أكثر الناس منه رأى عقوبتهم بإلزامهم به، ووافقه على ذلك رعيته من الصحابة، وقد أشار هو إلى ذلك، فقال: إن الناس قد استعجلوا في شيء كانت لهم فيه أناة، فلو أنا أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم، ليقلوا منه، فإنهم إذا علموا أن أحدهم إذا أوقع الثلاث جملة واحدة وقعت، وأنه لا سبيل له إلى المرأة أمسك عن ذلك، فكان الإلزام به عقوبة منه، لمصلحة رآها، ولم يكن يخفى عليه أن الثلاث كانت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر كانت تجعل واحدة، بل مضى على ذلك صدر من خلافته، حتى أكثر الناس من ذلك، وهو اتخاذ لآيات الله هزوا. كما في «المسند» و «سنن النسائي» وغيرهما من حديث محمود بن لبيد: أن رجلا طلق امرأته ثلاثا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ » فقال رجل: ألا أضرب عنقه يا رسول الله؟ فلما أكثر الناس من ذلك عاقبهم به. ثم إنه ندم على ذلك قبل موته، كما ذكره الإسماعيلي في «مسند عمر». فقلت لشيخنا: فهلا تبعت عمر في إلزامهم به عقوبة، فإن جمع الثلاث يحرم عندك؟
(2/774)
فقال: أكثر الناس اليوم لا يعلمون أن ذلك محرم، ولا سيما والشافعي يراه جائزا، فكيف يعاقب الجاهل بالتحريم؟ قال: وأيضًا فإن عمر ألزمهم بذلك، وسد عليهم باب التحليل، وأما هؤلاء فيلزمونهم بالثلاث، وكثير منهم يفتح لهم باب التحليل، فإنه لابد للرجل من امرأته، فإذا علم أنها لا ترجع إليه إلا بالتحليل سعى في ذلك، والصحابة لم يكونوا يسوغون ذلك، فحصلت مصلحة الامتناع من الجمع، من غير وقوع مفسدة التحليل بينهم. قال: ولو علم عمر أن الناس يتتابعون في التحليل لرأى أن إقرارهم على ما كان عليه الأمر في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدرا من خلافته أولى. وبسط شيخنا الكلام في ذلك بسطًا طويلًا) [الطرق الحكمية 13 ـ 14]. - وقال أيضا: (قال شيخنا - رضي الله عنه -: وأبو داود لما لم يرو في «سننه» الحديث الذي في «مسند أحمد» ــ يعني: الذي ذكرناه آنفا ـ، فقال: حديث البتة أصح من حديث ابن جريج: أن ركانة طلق امرأته ثلاثًا، لأنهم أهل بيته. ولكن الأئمة الأكابر، العارفون بعلل الحديث والفقه ــ كالإمام أحمد وأبي عبيد والبخاري ــ ضعفوا حديث البتة، وبينوا أنه رواية قوم مجاهيل، لم تعرف عدالتهم وضبطهم، وأحمد أثبت حديث الثلاث، وبين أنه الصواب، وقال: حديث ركانة لا يثبت: أنه طلق امرأته البتة. وفي رواية عنه: حديث ركانه في البتة ليس بشيء؛ لأن ابن إسحاق يرويه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن ركانة طلق امرأته ثلاثا، وأهل المدينة يسمون الثلاث: البتة.
(2/775)
قال الأثرم: قلت لأحمد: حديث ركانة في البتة، فضعَّفه) [إعلام الموقعين 3/ 32 - 33] (1). - وقال أيضًا: (وقال شيخنا - رحمه الله -: الأئمة الكبار، العارفون بعلل الحديث ــ كالإمام أحمد والبخاري وأبي عبيد وغيرهم ــ ضعَّفوا حديث ركانه البتة، وكذلك أبو محمد بن حزم، وقالوا: إن رواته قوم مجاهيل، لا تعرف عدالتهم وضبطهم. قال: وقال الإمام أحمد: حديث ركانة أنه طلق امرأته البتة، لا يثبت. وقال أيضًا (2): حديث ركانة في البتة ليس بشيء، لأن ابن إسحاق يرويه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس: أن ركانة طلق امرأته ثلاثًا، وأهل المدينة يسمون من طلق ثلاثًا: طلق البتة. فإن قيل: فقد قال أبو داود: حديث البتة أصح من حديث ابن جريج: أن ركانة طلق امرأته ثلاثًا، لأنهم أهل بيته، وهم أعلم به ــ يعني: وهم الذين رووا حديث البتة ــ. فقد قال شيخنا في الجواب: أبو داود إنما رجح حديث البتة على حديث ابن جريج؛ لأنه روى حديث ابن جريج من طريق فيها مجهول، فقال: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني بعض ولد أبي رافع عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق عبد يزيد أبو ركانة وإخوته أم ركانة ثلاثًا ... الحديث، ولم يرو الحديث الذي رواه أحمد في «مسنده» _________ (1) «الفتاوى» (33/ 15). (2) أي: الإمام أحمد.
(2/776)
عن إبراهيم بن سعد حدثني أبي عن محمد بن إسحاق حدثنا داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فلهذا رجح أبو داود حديث البتة على حديث ابن جريج، ولم يتعرض لهذا الحديث، ولا رواه في «سننه»، ولا ريب أنه أصح من الحديثين، وحديث ابن جريج شاهد له وعاضد. فإذا انضم حديث أبي الصهباء إلى حديث ابن إسحاق، إلى حديث ابن جريج ــ مع اختلاف مخارجها، وتعدد طرقها= أفادت العلم بأنها أقوى من حديث البتة، بلا شك، ولا يمكن من شم روائح الحديث ولو على بعد أن يرتاب في ذلك، فكيف يقدم الحديث الضعيف الذي ضعَّفه الأئمة ورواته مجاهيل على هذه الأحاديث؟ ! ) [إغاثة اللهفان 1/ 469 ــ 470]. - وقال ابن مفلح: (ولم يوقع شيخنا طلاق حائض، وفي طهر وطئ فيه، وأوقع من ثلاث مجموعة أو مفرقة قبل رجعة واحدة. وقال: إنه لا يعلم أحدًا فرق بين الصورتين، وحكاه فيها عن جده؛ لأنه محجور عليه إذن فلا يصح، وكالعقود المحرمة لحق الله، ومنع ابن عقيل في «الواضح» في مسألة النهي وقوعه في حيض؛ لأن النهي للفساد. وقال عن قول عمر في إيقاع الثلاث: إنما جعله (1) لإكثارهم منه، فعاقبهم على الإكثار منه لما عصوا بجمع الثلاث، فيكون عقوبة لمن لم يتق الله، من التعزير الذي يرجع فيه إلى اجتهاد الأئمة، كالزيادة على الأربعين في حد الخمر لما أكثر الناس منها وأظهروه ساغت الزيادة عقوبة، ثم هذه _________ (1) في ط 1 والمخطوط (ص: 293): (جعلهم)، والمثبت من ط 2.
(2/777)
العقوبة إن كانت لازمة مؤبدة كانت حدًا، كما يقوله من يقوله في جلد الثمانين في الخمر، ومن يقول بوقوع الثلاث بمن جمعها، وإن كان المرجع فيها إلى اجتهاد الإمام كانت تعزيرًا، ومتى كان الأمر كذلك اتفقت النصوص والآثار، لكن فيه عقوبة بتحريم ما تمكن إباحته له. وهذا كالتعزير بالعقوبات المالية، وهو أجود من القول بوقوع طلاق السكران عقوبة، لأن هذا قول محرم يعلم قائله أنه محرم، وإذا أفضى إيقاع الثلاث إلى التحليل كان ترك إيقاعها خيرًا من إيقاعها، ويؤذن لهم في التحليل. ولعل إيقاع بعض من أوقع الطلاق بالحلف به من هذا الباب، فإن الحالف بالنذر يخير بين التكفير والإمضاء، فإذا قصد عقوبته لئلا يفعل ذلك أمر بالإمضاء، كما قال ابن القاسم لابنه: أفتيتك بقول الليث، وإن عدت أفتيتك بقول مالك، وعبد الرحمن بن القاسم إمام في الفقه والدين، فرأى سائغًا له أن يفتي ابنه ابتداء بالرخصة، فإن أصر على فعل ما نهي عنه أفتاه بالشدة، وهذا هو بعينه هو التعزير في بعض المواضع بالشديد، إما في الإيجاب وإما في التحريم فإن العقوبة بالإيجاب كالعقوبة بالتحريم. وحديث ركانة ضعَّفه أحمد وليس فيه إذا أراد الثلاث بيان حكمه، وبتقدير أن يكون حكمه جواز إلزامه بالثلاث يكون قد عمل بموجب دلالة المفهوم، وقد يكون الاستفهام لاستحقاق التعزير بجمع الثلاث، فيعاقب على ذلك ويغتاظ عليه كما اغتاظ على ابن عمر لما طلَّق في الحيض، لكن التعزير لمن علم التحريم، وكانوا قد علموا النهي عن الطلاق في الحيض.
(2/778)
والعجز ــ في قول ابن عمر ــ: ضد الكيس، يستحق العقوبة، فيوقع به، وأما من لم يبلغه أن هذا الطلاق منهي عنه، فلا يستحق العقوبة. قال: وقد يقال من هذا الباب أمر طائفة من الصحابة لمن صام في السفر أن يعيد لامتناعه من قبول الرخصة، وكثيرًا ما يكون النزاع واقعًا فيما يسوغ فيه الأمران في نفس الأمر. وقال: إن من ذلك بيع أمهات الأولاد، لولي الأمر منع الناس منه إذا رآه مصلحة، وله أن يأذن في ذلك) [الفروع 5/ 372 - 374 (9/ 19 - 22)] (1). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (33/ 7 - 9، 66، 67، 71، 72، 130)، «جامع المسائل» (1/ 243 - 292، 293 - 348، 349 - 367)، «الاختيارات» للبعلي (367).
(2/779)
باب صريح الطلاق وكنايته
1084 - صيغة الطلاق: - قال ابن مفلح: (وصريحه: لفظ الطلاق، وما تصرف منه بغير أمر ومضارع، وعنه: أنت مطلقة «و: م»، وقيل: وطلقتُكِ كناية، فيتوجه عليه أنه يحتمل الإنشاء والخبر، وعلى الأول هو إنشاء، وذكر القاضي في مسألة الأمر أن العقود الشرعية بلفظ الماضي أخبار، وقال شيخنا: هذه الصيغ إنشاء من حيث إنها هي التي أثبتت الحكم وبها تم، وهي أخبار لدلالتها على المعنى الذي في النفس) [الفروع 5/ 378 (9/ 28)] (1). 1085 - إذا قال: إن أبرأتني فأنت طالق: - قال ابن مفلح: ( ... ويوافق هذا ما قال شيخنا في: إن أبرأتِني فأنت طالقٌ، فقالت: أبرأكَ الله مما تَدَّعي النساء على الرجال، فظن أنه يبرأُ، فطلَّق، قال: يبرأ) [الفروع 5/ 386 (9/ 38)] (2). 1086 - إذا أشهد عليه بطلاق ثلاث، ثم أفتي بأنه لا شيء عليه: - قال ابن مفلح: (ومن أُشهِد عليه بطلاق ثلاث، ثم أُفتي بأنه لا شيء عليه، لم يؤاخذ بإقراره لمعرفة مستنده، ويقبل بيمينه أن مستنده في إقراره ذلك ممن يجهله مثله، ذكره شيخنا) [الفروع 5/ 392 (9/ 47)] (3). _________ (1) «بيان الدليل» (460)، «الاختيارات» للبعلي (368). (2) «الفتاوى» (32/ 352)، «الاختيارات» للبعلي (370). (3) «الاختيارات» للبعلي (369)، وانظر: «الفتاوى» (34/ 13).
(2/780)
1087 - دعوى الموكل الرجوع في الوكالة قبل تصرف الوكيل: - قال ابن مفلح: (وتقبل دعوى الزوج في أنه رجع قبل إيقاع وكيله عند أصحابنا، قاله في «المحرر»، ونص أحمد ــ ذكره في «المجرد» و «الفصول» ــ في تعليق الوكالة، في رواية أبي الحارث: لا يقبل إلا ببينة، وجزم به في «الترغيب» والأزجي في عزل الموكل له، وجزم به شيخنا قال: وكذا دعوى عتقه ورهنه ونحوه) [الفروع 5/ 393 - 394 (9/ 50)] (1). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (370).
(2/781)
باب الاستثناء في الطلاق
1088 - مسألة: - قال ابن مفلح: (وإن قال: ثلاثا إلا ربعَ طلقة، أو: إلا ثلاثا إلا واحدة، أو: إلا ثنتين إلا واحدة، أو: إلا واحدة إلا واحدة، أو: أنت طالقٌ وطالقٌ وطالقٌ إلا طلقةً، أو: إلا طالقا، أو: ثنتين وثنتين إلا ثنتين، أو: إلا واحدة، أو: ثنتين وواحدة إلا واحدة، أو: ثنتين ونصفا إلا طلقة، فقيل: يقع ثلاث، كعطفه بغير واو للترتيب، ذكره الشيخ وغيره، وسوَّى شيخنا) [الفروع 5/ 408 (9/ 73 - 74)] (1). 1089 - الاستثناء بعد تكميل ما ألحقه به: - قال ابن مفلح: (ويعتبر للاستثناء ونحوه (2): اتصالٌ معتاد، قاله (3) القاضي وغيره، وقطع به في «المحرر»، واختاره في «الترغيب»، ونيتُه قبل تكميل ما ألحقه به، وقيل: وبعده، قطع به في «المبهج» و «المستوعب» و «المغني»، وفي «الترغيب» أنه ظاهر كلام أصحابنا، واختاره شيخنا، وقال: دل عليه كلام أحمد، وعليه متقدمو أصحابه، وأنه لا يضر فصل يسير بالنية وبالاستثناء، واحتج بالأخبار الواردة في الأيمان. وقال: في القرآن جمل قد فصل بين أبعاضها بكلام آخر، كقوله تعالى: _________ (1) انظر: «الفتاوى» (31/ 151). (2) في ط 1: (ونحو) والمثبت من ط 2 والمخطوط (ص: 296). (3) في ط 1 والمخطوط (ص: 296): (قال)، والمثبت من ط 2.
(2/782)
{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آل عمران: 72 - 73] , فصل بين أبعاض الكلام المحكي عن أهل الكتاب، وله نظائر. وسأله أبو داود عمن تزوج امرأة فقيل له: ألك امرأة سوى هذه؟ فقال: كل امرأة لي طالق، فسكت، فقيل: إلا فلانة، قال: إلا فلانة فإني لم أعنها. فأبى أن يفتي فيه) [الفروع 5/ 413 - 414 (9/ 80 - 82)] (1). 1090 - مسألة: - قال ابن مفلح: (يصح بنية جاهل بالعربية، وإن نواه عالم فروايتا: أنت طالق، ثم يريد إن قمت وإلا لم يصح، لأنه لم يأت بحرف شرط، وتطلق، كقوله: لقد فعلت كذا، وتبعه في «الترغيب»، وذكر شيخنا أنه خلاف الإجماع القديم) [الفروع 5/ 418 (9/ 87)]. _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (371 - 372).
(2/783)
باب تعليق الطلاق بالشروط
1091 - قوله: «أنت طالق لأفعلن»: - قال ابن مفلح: (يصح مع تقدم الشرط «و» كعتق على وجه النذر «ع»، أو لا (1)، وكذا إن تأخر، وعنه: يتنجز، ونقله ابن هانئ في العتق، قال شيخنا: وتأخر القَسَم، كأنت طالق لأفعلن، كالشرط، وأولى بأن لا يلحق) [الفروع 5/ 424 (9/ 98)]. 1092 - الحلف بالطلاق: - قال ابن عبد الهادي: (ومن أقواله المعروفة المشهورة التي جرى بسبب الإفتاء بها محن وقلاقل قوله بالتكفير في الحلف بالطلاق، وأن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة، وأن الطلاق المحرم لا يقع. وله في ذلك مصنفات ومؤلفات كثيرة منها: قاعدة كبيرة سماها «تحقيق الفرقان بين التطليق والأيمان» نحو أربعين كراسة، وقاعدة سماها «الفرق المبين بين الطلاق واليمين» بقدر النصف من ذلك، و «قاعدة في أن جميع أيمان المسلمين مكفرة» مجلد لطيف، و «قاعدة في تقرير أن الحلف بالطلاق من الأيمان حقيقة»، وقاعدة سماها «التفصيل بين التكفير والتحليل»، وقاعدة سماها «اللمعة». وغير ذلك من القواعد والأجوبة في ذلك، لا ينحصر ولا ينضبط، وله في ذلك جواب اعتراض ورد عليه من الديار المصرية، وهو جواب طويل، _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: على وجه النذر، أو لا على وجه النذر).
(2/784)
في ثلاث مجلدات بقطع نصف البلدي. وكان القاضي شمس الدين بن مسلم الحنبلي - رحمه الله - في يوم الخميس منتصف شهر ربيع الآخر من سنة ثمان عشرة وسبعمائة قد اجتمع بالشيخ، وأشار عليه بترك الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق، فقبل الشيخ إشارته، وعرف نصيحته، وأجاب إلى ذلك، وكان قد اجتمع إلى القاضي جماعة من الكبار حتى فعل ذلك. فلما كان يوم السبت مستهل جمادى الأولى من هذه السنة ورد البريد إلى دمشق، ومعه كتاب السلطان بالمنع من الفتوى في مسألة الحلف بالطلاق التي رآها الشيخ تقي الدين بن تيمية، وأفتى فيها، وصنف فيها، والأمر بعقد مجلس في ذلك. فعقد يوم الاثنين ثالث الشهر المذكور بدار السعادة، وانفصل الأمر على ما أمر به السلطان، ونودي بذلك في البلد يوم الثلاثاء، رابع الشهر المذكور، ثم إن الشيخ عاد إلى الإفتاء بذلك، وقال: لا يسعني كتمان العلم. فلما كان يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من شهر رمضان سنة تسع عشرة وسبعمائة جمع القضاة والفقهاء عند نائب السلطنة بدار السعادة، وقرئ عليهم كتاب السلطان، وفيه فصل يتعلق بالشيخ بسبب الفتوى في هذه المسألة، وأحضر وعوتب على فتياه بعد المنع، وأكد عليه في المنع من ذلك. فلما كان بعد ذلك بمدة في يوم الخميس الثاني والعشرين من رجب من سنة عشرين وسبعمائة عقد مجلس بدار السعادة، حضره النائب، والقضاة، وجماعة من المفتين، وحضر الشيخ، وعاودوه في الإفتاء بمسألة الطلاق،
(2/785)
وعاتبوه على ذلك، وحبسوه بالقلعة، فبقي فيها خمسة أشهر وثمانية عشر يومًا. ثم ورد مرسوم السلطان بإخراجه، فأخرج منها يوم الاثنين يوم عاشوراء من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وتوجه إلى داره) [العقود الدرية 324 - 326]. - وقال الذهبي: (وذهب شيخنا ابن تيمية ــ وهو من أهل الاجتهاد؛ لاجتماع الشرائط فيه ــ: أن الحالف على شيء بالطلاق لم تطلق منه امرأته بهذه اليمين، سواء حنث أو بر، ولكن إذا حنث في يمينه بالطلاق مرة قال: يكفر كفارة يمين. وقال: إن كان قصد الحالف حضاً أو منعاً ولم يرد الطلاق فهي يمين، وإن قصد بقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، شرطاً وجزاءاً فإنها تطلق ولا بد، وكما إذا قال لها: إن أبريتني من الصداق فأنت طالق، وإن زنيت فأنت طالق، وإذا فرغ الشهر فأنت طالق= فإنها تطلق منه بالإبراء، والزنا، وفراغ الشهر، ونحو ذلك. لكن ما علمنا أحداً سبقه إلى هذا التقسيم، ولا إلى القول بالكفارة، مع أن ابن حزم نقل في كتاب «الإجماع» له خلافاً في الحالف بالعتاق والطلاق، هل يكفر كفارة يمين أم لا؟ ولكنه لم يسم من قال بالكفارة، والله أعلم. والذي عرفناه من مذهب غير واحد من السلف القول بالكفارة في الحلف بالعتق وبالحج، وبصدقة ما يملك، ولم يأتنا نص عن أحد من البشر بكفارة لمن يحلف بالطلاق، وقد أفتى بالكفارة شيخنا ابن تيمية مدة أشهر، ثم حرم الفتوى بها على نفسه من أجل تكلم الفقهاء في عرضه، ثم منع من
(2/786)
الفتوى بها مطلقاً (1)) [تاريخ الإسلام 7/ 165]. - وقال أيضا في أثناء كلامه عن أحداث سنة (719): (وجاء كتاب سلطاني بمنع ابن تيمية من فتياه بالكفارة في الحلف بالطلاق، وجمع له القضاة، وعوتب في ذلك، واشتد المنع، فبقي أتباعه يفتون بها خفية) [ذيل العبر 4/ 52]. - وقال أيضا في حوادث سنة (720): (وحبس بقلعة دمشق ابن تيمية لإفتائه في الطلاق) [ذيل العبر 4/ 56]. 1093 - إذا أراد بتعليق الطلاق الجزاء: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا إن أراد الجزاء بتعليقه (2) كره _________ (1) وقد أشار الذهبي في «السير» (14/ 279) إلى هذا الاختيار, ولكنه لم يصرح باسم الشيخ, فقال: (وذهب إمام في زماننا إلى أن من حلف على حض أو منع بالطلاق، أو العتاق، أو الحج ونحو ذلك فكفارته كفارة يمين، ولا طلاق عليه). وقال في «تذكرة الحفاظ» (2/ 714 - 715): (وذهب إمام من علماء عصرنا إلى أن الحلف بالطلاق تلزمه كفارة إذا فعل المحلوف عليه، ولم تطلق منه زوجته إلا بطلاق غير معلق على حض أو منع، أو أن يقصد بالشرط الجزاء، ولم يقصد اليمين, كأن يقول لها: إن زنيت فأنت طالق, أو إن تركت الصلاة فأنت طالق مني, فهذه تطلق منه بوجود ذلك منها ... الخ). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هذا عائد إلى قوله: «ويقع بوجود شرطه» التقدير: ويقع بوجود شرطه، واختار شيخنا إن أراد الجزاء بتعليقه، أي: اختار شيخنا يقع بوجود شرطه إن أراد الجزاء بتعليقه). وقال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 137/ب): (أي: اختار أنه يقع بوجود شرطه إن أراد الجزاء بتعليقه، أي: لا إن أراد الحض أو المنع).
(2/787)
الشرط (1) أو لا، وكذا عنده الحلف به (2) وبعتق وظهار وتحريم، وأن عليه دل كلام أحمد. وقال: نقل حرب: أنه توقف عن وقوع العتق (3). وما توقف فيه يخرجه أصحابه على وجهين، قال: ومنهم من يجعله رواية. قال شيخنا: كما سلم الجمهور أن الحالف بالنذر ليس ناذرا (4)، ولأنه لو علق إسلامه أو كفره لم يلزمه، وإن قصد الكفر تنجز (5)، وما لزم منجزا مع تعليقه أبلغ، فإذا كان هذا (6) إذا قصد اليمين به معلقا (7) لا يلزم فذاك _________ (1) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 137/ب): (كقوله: إن دخلت الحمَّام وهو يكره دخولها لكنه أراد إيقاعه عنده). (2) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 137/ب): (نحو: الطلاق يلزمني لأفعلن كذا، أو لا أفعله). (3) في حاشية ط 1: (بهامش مخطوط الأزهر ما يأتي: قال الشيخ تقي الدين في «شرح المحرر» ــ في أثناء مسألة من قال لرجل: اشترني من فلان فإني رقيقه ــ: وقال القاضي على ظهر موضع من «الخلاف»: لا يصح تعليق الإسلام بشرط لوجهين: أحدهما: أنه عقد من العقود، فلا يصح تعليقه بشرط كالبيع والهبة والإجارة، ولا يلزم عليها المضاربة والوكالة والوصية، لأن العقد هناك لم يتعلق وإنما تعلقت أحكامه، الثاني: أن الإسلام إخبار عما في القلب، وذلك لا يحصل بوجود الشرط. انتهى). (4) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 137/ب): (نحو: علي رقبة لا فعلت كذا، أو: إن فعلت كذا فعلي الحج أو صوم شهر). (5) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: إذا قصد أنه يكفر عند وجود الشرط، فإنه يكفر عند التعليق ولا يتأخر، بل يتنجز كفره). (6) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 137/ب): (قوله: «هذا» أي: تعليق الإسلام والكفران اللذان يتنجزان بالقصد مع التعليق). (7) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 137/ب): (أي: من غير قصد كفر).
(2/788)
أولى (1)، فعلى هذا إذا حنث فإنه في العتق إن لم يختره لزمه كفارة يمين، وفي غيره (2) مبني على نذره، فيكفر وإلا التزم ذلك بما يحدثه من قول أو فعل يكون مؤقِّتًا لموجب عقده، ولا يجيء التخيير بينه وبين الكفارة عند من يوجب الكفارة عينا في الحلف بنذر الطاعة، وأما أنه لا شيء عليه ولا تطلق قبله (3) ذهب أحمد إلى قول أبي ذر: أنت حر إلى الحول. وعنه: بلى مع تيقن وجوده، وخصها شيخنا بالثلاث؛ لأنه الذي يصيره كمتعة) [الفروع 5/ 425 - 426 (9/ 100 - 101)] (4). وانظر: ما يأتي برقم (1107). - وقال ابن كثير في حوادث سنة (719): (قال الشيخ علم الدين (5): وفي يوم الخميس منتصف ربيع الأول، اجتمع قاضي القضاة شمس الدين ابن مسلم بالشيخ الإمام العلامة تقي الدين ابن تيمية، وأشار عليه في ترك الافتاء في مسألة الحلف بالطلاق، فقبل الشيخ نصيحته، وأجاب إلى ما _________ (1) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 137/ب): (المشار إليه تعليق الطلاق ونحوه كالطهارة والعتق). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: غير العتق من الطلاق والظهار وغيرهما). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: قبل وجود الشرط). (4) «الفتاوى» (33/ 44 - 61؛ 68 - 70؛ 215 - 225) , «الاجتماع والافتراق في الحلف بالطلاق» (59 - 102)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (رقم 9) , «الاختيارات» للبعلي (378). (5) هو الحافظ البرزالي أحد كبار تلاميذ الشيخ, توفي سنة (739) , وقد ذكر كثيرا من أخبار الشيخ في كتابه «المقتفي لتاريخ أبي شامة» انظرها: في «الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية» (202 - 215).
(2/789)
أشار به، رعاية لخاطره وخواطر الجماعة المفتين. ثم ورد البريد في مستهل جمادى الأولى بكتاب من السلطان فيه منع الشيخ تقي الدين من الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق، وانعقد بذلك مجلس، وانفصل الحال على ما رسم به السلطان، ونودي به في البلد، وكان قبل قدوم المرسوم قد اجتمع بالقاضي ابن مسلم الحنبلي جماعة من المفتين الكبار، وقالوا له أن ينصح الشيخ في ترك الإفتاء في مسألة الطلاق، فعلم الشيخ نصيحته، وأنه إنما قصد بذلك ترك ثوران فتنة وشر) [البداية والنهاية 14/ 99]. - وقال أيضًا في ترجمة ابن القيم: (وقد كان متصديا للإفتاء بمسألة الطلاق التي اختارها الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وجرت بسببها فصول يطول بسطها مع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وغيره) [البداية والنهاية: 14/ 217]. 1094 - إذا علل الطلاق بعلة ثم تبين انتفاؤها: - قال ابن القيم: ( ... والمقصود أنه إذا علل الطلاق بعلة ثم تبين انتفاؤها فمذهب أحمد أنه لا يقع بها الطلاق، وعند شيخنا: لا يشترط ذكر التعليل بلفظه، ولا فرق عنده بين أن يطلقها لعلة مذكورة في اللفظ أو غير مذكورة، فإذا تبين انتفاؤها لم يقع الطلاق، وهذا هو الذي لا يليق بالمذهب غيره، ولا تقتضي قواعد الأئمة غيره، فإذا قيل له: امرأتك قد شربت مع فلان، أو: باتت عنده، فقال: اشهدوا على أنها طالق ثلاثا، ثم علم أنها كانت تلك الليلة في بيتها قائمة تصلي، فإن هذا الطلاق لا يقع به قطعا) [إعلام الموقعين 4/ 90 - 91].
(2/790)
- وقال أيضًا: (وقد أفتى غير واحد من الفقهاء، منهم ابن عقيل وشيخنا وغيرهما، فيمن قيل له: إن امرأتك قد خرجت من بيتك، أو: قد زنت بفلان، فقال: هي طالق، ثم تبين له أنها لم تخرج من البيت، وأن الذي رميت به في بلد بعيد، لا يمكن وصوله إليها، أو أنه حين رميت به كان ميتًا، ونحو ذلك مما يعلم به أنها لم تزن، فإنه لا يقع عليها الطلاق، لأنه إنما طلقها بناء على هذا السبب، فهو كالشرط في طلاقها) [إغاثة اللهفان 2/ 128] (1). 1095 - إذا علق الطلاق بشرط، فظن وقوعه، فقال: اذهبي فأنت طالق: - قال ابن القيم: (وصرَّحوا أن الرجل لو علق طلاق امرأته بشرط، فظن أن الشرط قد وقع، فقال: اذهبي فأنت طالق، وهو يظن أن الطلاق قد وقع بوجود الشرط، فبان أن الشرط لم يوجد، لم يقع الطلاق، ونص على ذلك شيخنا قدس الله روحه) [إعلام الموقعين 4/ 91]. 1096 - إذا قال: إن أكلت رمانة وإن أكلت نصفها فأنت طالق: - قال ابن مفلح: (وإن قال: إن أكلت رمانة وإن أكلت نصفها فأنت طالق، فأكلت رمانة، فثنتان، واختار شيخنا واحدة) [الفروع 5/ 429 (9/ 105)]. 1097 - إذا قال: أنت طالق لا قمت ولا قعدت: - قال ابن مفلح: ( ... وذكر جماعة في «الفاء» و «ثم» رواية كالواو، وبالواو كـ «إن قمت وقعدت»، أو: «لا قمت وقعدت»، تطلق بوجودهما، وعنه: أو أحدهما، كـ «إن قمت وإن قعدت»، وكالأصح في «لا قمت ولا قعدت»، _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (377).
(2/791)
وذكره شيخنا في هذه اتفاقا، وأنه لا يتكرر حنثه) [الفروع 5/ 432 (9/ 109)]. 1098 - العمل بعرف المتكلم وقصده في مسمى اليمين: - قال ابن مفلح: (إذا قال: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم أعاده، أو علقه بشرط فيه حث أو منع، والأصح أو تصديق خبر أو تكذيبه، وقيل: وغيره، كطلوع الشمس وقدوم الحاج، سوى تعليقه بمشيئتها أو حيض وطهر، ومنا من لم يستثن هذه الثلاثة، ذكره شيخنا, واختار العمل بعرف المتكلم وقصده في مسمى اليمين, وأنه موجب أصول أحمد ونصوصه، وأن مثله: والله لا أحلف يمينا= طلقت في الحال طلقة في مرة (1)) [الفروع 5/ 442 (9/ 123)]. 1099 - إذا قال: أنت طالق، أو عبدي حر، إن شاء الله: - قال ابن مفلح: (وإن قال: أنت طالق، أو عبدي حرٌّ، إن شاء الله، أو قدم الاستثناء وقعا، لقصده (2) به تأكيد الإيقاع، وذكر أحمد قول قتادة: قد شاء الله الطلاق حين أذن فيه، وكالمنصوص في إلا أن يشاء الله، وعنه: لا، اختاره جماعة، قال شيخنا: ويكون معناه هي طالق إن شاء الله الطلاق بعد هذا, والله لا يشاؤه إلا بتكلمه به بعد ذلك) [الفروع 5/ 452 (9/ 135)]. 1100 - إذا علق الطلاق بشرط أو صفة: - قال ابن مفلح: (قال جماعة: اليمين المطلقة إنما تنصرف إلى _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: في إعادته مرة، وإن أعادَه أكثر من مرة فإن الطلاق يتعدد كما ذكره المصنف بعد يسير). (2) في ط 2: (كقصده).
(2/792)
الحلف بالله، قال أبو يعلى الصغير: ولهذا لو حلف: لا حلفت فعلق طلاقا بشرط أو صفة لم يحنث. وقال شيخنا: إن قصد اليمين حنث، بلا نزاع أعلمه، قال: وكذا ما علق لقصد اليمين) [الفروع 5/ 452 (9/ 135 - 136)] (1). 1101 - استعمال القرعة في تعيين المرأة المطلقة: - قال ابن القيم: (قال (2): وهكذا الحكم في كل موضع وقع الطلاق على امرأة بعينها، ثم اشتبهت بغيرها، مثل: أن يرى امرأة في روزنة أو مُوَلِّية، فيقول: أنت طالق، ولا يعلم عينها من نسائه، وكذلك إذا أوقع الطلاق على واحدة من نسائه في مسألة الطائر وشبهها، فإنه يحرم عليه جميع نسائه حتى تتبين المطلقة، ويؤخذ بنفقة الجميع، لأنهن محبوسات عليه، وإن أقرع بينهن لم تفد القرعة شيئًا، ولا يحل لمن وقعت عليها القرعة التزويج لأنها يجوز أن تكون غير مطلقة، ولا تحل للزوج غيرها، لاحتمال أن تكون المطلقة. قال أصحابنا: إذا أقرع بينهن فخرجت القرعة على إحداهن ثبت حكم الطلاق فيها، فحل لها النكاح بعد انقضاء عدتها، وحل للزوج من سواها، كما لو كان الطلاق في واحدة غير معينة. وقال شيخنا: الصحيح استعمال القرعة في الصورتين) [إغاثة اللهفان 1/ 261] (3). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (33/ 46). (2) أي: ابن قدامة، صاحب «المغني». (3) انظر: «الفتاوى» (31/ 371 - 372).
(2/793)
باب الرجعة
1102 - إذا لم يرد المطلق الإصلاح: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: لا يُمَكَّن من الرجعة إلا من أراد إصلاحا وأمسك بمعروف، فلو طلق إذن ففي تحريمه الروايات (1)، وقال: القرآن يدل على أنه لا يملكه (2)، وأنه لو أوقعه لم يقع، كما لو طلق البائن، ومن قال: إن الشارع ملك الإنسان ما حرمه عليه فقد تناقض) [الفروع 5/ 464 (9/ 151 - 152)] (3). 1103 - إعلان الرجعة والتسريح والإشهاد عليهما: - قال ابن مفلح: (وألزم شيخنا بإعلان الرجعة والتسريح أو الإشهاد (4) _________ (1) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 145/ب): (قوله «فلو طلق» أي من لا يريد الإصلاح، قوله «إذن» أي الرجعية قبل ارتجاعها في زمن العدة إذا لم يرد بردها إصلاحا, فتكون حينئذ كالبائن فلا يلحقها طلاقه، وقوله «ففي تحريمه الروايات» أي: المذكورات فيما إذا طلق اثنتين أو ثلاثا بكلمة أو كلمات في طهر فما فوقه من غير مراجعة هل هو للسنة أو للبدعة أو الجمع في طهر للبدعة والتفريق في أطهار للسنة، ومراده أن ذلك على المذهب في أن له رجعتها ولو لم يرد الإصلاح لا على اختيار من أنه لا رجعة إذا لم يرد الإصلاح, فإنه عنده حينئذ بمنزلة البائن, فلا يلحقها طلاقه, كما صرح به). (2) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 146/أ): (قوله «القرآن يدل أنه» أي: من لا يريد الإصلاح، قوله: «لا يملكه» أي: الطلاق). (3) انظر: «الاختيارات» للبعلي (395). (4) في ط 2: (والإشهاد)، والمثبت من ط 1، وهو موافق لما في «الاختيارات» للبعلي.
(2/794)
كالنكاح والخلع عنده، لا على ابتداء الفرقة، لقوله: {وَأَشْهِدُوا} [الطلاق: 2] ولئلا يكتم طلاقها) [الفروع 5/ 466 (9/ 155)] (1). 1104 - إذا جاءت امرأة إلى الحاكم وادعت أن زوجها طلقها وانقضت عدتها: - قال ابن مفلح: (والمرأة إذا عرفت بصدق يقبل منها, ولو كذبها الثاني صدقت في حلها للأول, وكذا دعوى نكاح حاضر منكر, في الأصح, ومثل الأولة من جاءت إلى حاكم (2) فادعت أن زوجها طلقها وانقضت عدتها، فله تزويجها إن ظن صدقها, كمعاملة عبد لم يثبت عتقه, قاله شيخنا) [الفروع 5/ 471 (9/ 160)]. _________ (1) «الفتاوى» (32/ 129)، «الاختيارات» للبعلي (392). (2) في ط 2: (جاءت حاكما).
(2/795)
باب الإيلاء
1105 - مسألة: - قال ابن مفلح: (وهو أن يحلف ــ في الرضا والغضب، ولو قبل الدخول ــ زوجٌ .... بالله أو صفة من صفاته، لاختصاص سقوط الدعوى بها، واختصاصها باللعان، وعنه: وبيمين مكفرة، كنذر وظهار، اختاره أبو بكر، وعنه: وبعتق وطلاق بأن يحلف بهما، لنفعها (1)، أو على رواية تركه ضرارا، ليس كمُولٍ، اختاره شيخنا وألزم عليه كونه يمينا مكفرة يدخلها الاستثناء، وخرج على الأولى أن الحلف بغير الله وصفته لغوٌ= على ترك وطء زوجتِه (2) _________ (1) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل: 150/أ): (أي: لكونها ضعيفة لا تحمل الوطء، فيحلف بالطلاق أو بالعتق، أي: لا يطأها سنة أو نحوها، فهذا يكون إيلاء، يعني: أن اليمين بهما لا تكون إيلاء إلا أن يحلف بهما على ترك الوطء لنفعها بلا يمين لم يكن موليا بلا خلاف [كذا بالنسخة، وكأن في الكلام سقط [, فإذا التزمه باليمين بهما حصل بذلك امتناع من الوطء بسبب اليمين من غير ضرر لها فيكون كما لو حلف على ذلك بالله، وأما إذا ترك الوطء مضرا لها ففيه خلاف، هل هو كمول ــ وهو الأصح ــ أو لا؟ فعلى القول بأنه مول لا حاجة إلى الحلف بطلاق وعتق في ذلك لحصوله بدونهما، وعلى القول بأنه غير مول يصير بالحلف بهما موليا لامتناعه بهما من الوطء، أشبه الحلف بالله، وفيه نظر، وغير المصنف كصاحب «المحرر» وغيره يحكون هذه الرواية من غير تقييد لها بهذه الزيادة، يعني قوله: «بهما لنفعها»، فيكون في حكاية هذه الرواية طريقان: أحدهما: يصير بالحلف بهما موليا مطلقا، كالحلف بالله، والثانية: لا يكون بهما موليا إذا حلف بهما على ترك الوطء لنفعها، أو على رواية أن ترك الوطء مضرا ليس إيلاء). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (التقدير: أن يحلف بالله على ترك وطء زوجته).
(2/796)
في الفرج لا الدبر أبدا، أو يطلق، أو فوق أربعة أشهر، أو ينويها) [الفروع 5/ 474 (9/ 162 - 163)] (1). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (33/ 52 - 53).
(2/797)
باب الظهار
1106 - إذا قال لأجنبية: أنت عَلَيَّ كظهر أمي: - قال ابن مفلح: (وإن نجَّزه لأجنبية فنصه: يصحُّ، ولم يطأ إن تزوَّج حتى يكفِّر، وقيل: لا يصحُّ، قال في «الانتصار»: هو قياس المذهب، كطلاق. وذكره شيخنا رواية، والفرق أنه يمين، والطلاق حل عقد، ولم يوجد) [الفروع 5/ 490 (9/ 182)]. 1107 - إذا حلف بظهار أو حرام أو طلاق أو عتق وحنث: - قال ابن القيم: (وفي المسألة مذهب آخر وراء هذا كله، وهو: أنه إن أوقع التحريم كان ظهارًا، ولو نوى به الطلاق، وإن حلف به كان يمينًا مكفرة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية) [إعلام الموقعين 3/ 72]. - وقال أيضا: (المذهب الثالث عشر: الفرق بين أن يوقع التحريم منجزًا، أو معلقًا تعليقًا مقصودًا، وبين أن يخرجه مخرج اليمين: فالأول: ظهار، بكل حال، ولو نوى به الطلاق، ولو وصله بقوله: أعني به الطلاق. والثاني: يمين، يلزمه به كفارة يمين، فإذا قال: أنت عليَّ حرام، أو إذا دخل رمضان فأنت علي حرام= فظهار. وإذا قال: إن سافرت، أو: إن أكلت هذا الطعام، أو: كلمت فلانًا، فامرأتي علي حرام= فيمين مكفرة. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية) [زاد المعاد 5/ 306].
(2/798)
- وقال أيضا: (وفرّق شيخ الإسلام بين البابين، على أصله في التفريق بين الإيقاع والحلف، كما فرّق الشافعي وأحمد رحمهما الله، ومن وافقهما بين البابين في النذر، بين أن يحلف به، فيكون يمينا مكفرة، وبين أن ينجزه، أو يعلقه بشرط يقصد وقوعه فيكون نذرا لازم الوفاء ... قال: فيلزمهم على هذا، أن يفرقوا بين إنشاء التحريم وبين الحلف، فيكون في الحلف به حالفا، يلزمه كفارة يمين، وفي تنجيزه أو تعليقه بشرط مقصود مظاهرا، يلزمه كفارة الظهار. وهذا مقتضى المنقول عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، فإنه مرة جعله ظهارًا، ومرة جعله يمينًا) [زاد المعاد 5/ 312 ـ 313]. - وقال أيضا: (وأما من قال: إنه يمين مكفرة بكل حال، فمأخذ قوله: أن تحريم الحلال من الطعام واللباس يمين تكفر بالنص والمعنى وآثار الصحابة، فإن الله سبحانه قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1 ــ 2] ولا بد أن يكون تحريم الحلال داخلًا تحت الفرض لأنه سببه، وتخصيص محل السبب من جملة العام ممتنع قطعًا، إذ هو المقصود أولا، فلو خص لخلا سبب الحكم عن البيان، وهو ممتنع، وهذا استدلال في غاية القوة. فسألت عنه شيخ الإسلام - رحمه الله - تعالى، فقال: نعم، التحريم يمين كبرى في الزوجة، كفارتها كفارة الظهار، ويمين صغرى فيما عداها كفارتها كفارة اليمين بالله، وهذا معنى قول ابن عباس وغيره من الصحابة ومن بعدهم: أن التحريم يمين تكفر) [زاد المعاد 5/ 313].
(2/799)
- وقال ابن مفلح: (فإن حلف به أو بحرام أو طلاق أو عتق وحنث لزمه، وخَرَّج شيخنا على أصول أحمد ونصوصه عدمه في غير ظهار، ومطلقا إن قصد اليمين، واختاره، ومَثَّلَ (1) بـ: الحِلِّ عَلَيَّ حرامٌ لأفعلن، أو: إن فعلته فالحِلُّ عَلَيَّ حرامٌ، أو: الحرام يلزمني لأفعلن، أو: إن لم أفعله فالحرام يلزمني، وأن صيغة القسم والتعليق يمين اتفاقا، وأنه ما لم يقصد وقوع الجزاء عند الشرط يُكفِّر، لأنها يمين اتفاقا، لأن قصده الحض أو المنع، أو التصديق أو التكذيب، وهو مؤكد لذلك، فالجزاء أكره إليه من الشرط (2)، وأنه إن قصده وقع طلاقا أو غيره، ولا يجزئه كفارة يمين اتفاقا، وليس بيمين، ولا حالفا شرعا ولغة، بل عرفًا حادثًا كالعرف الحادث في المنجَّز. وقال: إذا حلف بالحرام وأطلق فكفارة يمين عند «هـ وش» وأحمد، وعند «م» طلاقٌ) [الفروع 5/ 492 - 493 (9/ 185)] (3). انظر: ما تقدم برقم (1093). 1108 - إذا أعتق ولد زنا: 1109 - وشفاعة ولد الزنا في أمه: - قال ابن مفلح: (وإن أعتق من قُطع أنفه وأذناه، ومجبوبا، وخصيا، وأحمق، وأعرج يسيرا، أو أعور يبصر بعين ... أو ولد زنا مع كمال أجره، _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: مثَّل شيخنا هذه المسألة بمسألة: الحلُّ عليَّ حرامٌ). (2) في ط 1 زيادة: (بكثير). (3) انظر: «الفتاوى» (33/ 57 - 58، 74).
(2/800)
ــ قاله شيخنا «م»، وأنه يشفع مع صغره في أمه لا أبيه (1) ــ ... أجزأ (2)) [الفروع 5/ 499 - 500 (9/ 193)] (3). 1110 - إذا غَدَّى المساكين أو عشَّاهم: - قال ابن مفلح: (ويعطي ما يجزئ فطرة من البرِّ مُدٌّ ومن غيره مُدَّان لا أقل مطلقا، ولا مدٌّ مدٌّ «م»، وذكره في «الإيضاح»، وذكره صاحب «المحرر» رواية، ونقله الأثرم، وعنه: ورطلا خبز برٍّ عراقيَّةٍ، أو ما علم مدًّا أو ضعفَه من شعيرٍ، ويستحب أدمُه، نص عليه، وعنه: أنه ذكر قول ابن عباس: بأدمه. وذكره شيخنا رواية، لكل مسكين، اختاره الأكثر كالوصية لهم، وعنه: وقوت بلده، اختاره أبو الخطاب والشيخ وغيرهما، وعنه: والقيمة، وغداؤهم وعشاؤهم بالواجب، ولم يقل شيخنا: «بالواجب»، وهو ظاهر نقل أبي داود وغيره) [الفروع 5/ 506 (9/ 199)] (4). 1111 - الواجب في الإطعام: - قال ابن مفلح: (وأوجب شيخنا وسطه قدرا ونوعا مطلقا بلا تقدير ولا تمليك، وأنه قياس المذهب، كزوجة، وأن الأدم يجب إن كان يطعمه أهله) [الفروع 5/ 507 (9/ 201)] (5). _________ (1) قال المرداوي في «الإنصاف» (9/ 220): (قال الشيخ تقي الدين - رحمه الله -: ويحصل له أجره كاملا، خلافا لمالك - رحمه الله -، فإنه يشفع ــ مع صغره ــ لأمه لا أبيه). (2) قال ابن قندس: («قوله: «أجزأ» هو جواب لقوله: «وإن أعتق من قطع ... »). (3) انظر: «الفتاوى» (31/ 376). (4) «الفتاوى» (35/ 352). (5) انظر: «الفتاوى» (35/ 351 - 352)، «الاختيارات» للبعلي (396).
(2/801)
باب اللعان
1112 - إذا التعن الزوج ونكلت الزوجة: - قال ابن مفلح: (وإن التعن ونكلت، فعنه: تخلى، وعنه: تحبس حتى تقر أربعا، وقيل: ثلاثا، أو تلاعن، وقال الجوزجاني وأبو الفرج وشيخنا: تحد، وهو قوي) [الفروع 5/ 515 (9/ 212)] (1). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (398) , وانظر: «الفتاوى» (15/ 351؛ 20/ 390).
(2/802)
باب ما يلحق من النسب 1113 - الزوجة لا تصير فراشا إلا بالدخول: - قال ابن القيم: (واختلف الفقهاء فيما تصير به الزوجة فراشًا، على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه نفس العقد، وإن علم أنه لم يجتمع بها، بل لو طلقها عقيبه في المجلس، وهذا مذهب أبي حنيفة. والثاني: أنه العقد مع إمكان الوطء، وهذا مذهب الشافعي وأحمد. والثالث: أنه العقد مع الدخول المحقق، لا إمكانه المشكوك فيه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إن أحمد أشار إليه في رواية حرب، فإنه نص في روايته فيمن طلق قبل البناء، وأتت امرأته بولد، فأنكره= أنه ينتفي عنه بغير لعان. وهذا هو الصحيح المجزوم به، وإلا فكيف تصير المرأة فراشًا، ولم يدخل بها الزوج، ولم يبن بها لمجرد إمكان بعيد؟ وهل يعد أهل العرف واللغة المرأة فراشا قبل البناء بها؟ وكيف تأتي الشريعة بإلحاق نسب بمن لم يبن بامرأته، ولا دخل بها، ولا اجتمع بها بمجرد إمكان ذلك؟ وهذا الإمكان قد يقطع بانتفائه عادة، فلا تصير المرأة فراشًا إلا بدخول محقق، وبالله التوفيق. وهذا الذي نص عليه في رواية حرب، هو الذي تقتضيه قواعده وأصول مذهبه، والله أعلم) [زاد المعاد 5/ 415].
(2/803)
- وقال ابن مفلح: (ونقل حرب فيمن طلق قبل الدخول وأتت بولد فأنكره: ينتفي بلا لعان، وأخذ شيخنا من هذه الرواية أن الزوجة لا تصير فراشا إلا بالدخول، واختاره شيخنا وغيره من المتأخرين) [الفروع 5/ 518 (9/ 216)] (1). 1114 - إذا ادعى البائع أنه ما باع حتى استبرأ، وحلف المشتري أنه ما وطئها: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا فيما إذا ادعى البائع أنه ما باع حتى استبرأ، وحلف المشتري أنه ما وطئها، فقال: إن أتت به بعد الاستبراء لأكثر من ستة أشهر فقيل: لا يقبل قوله (2) ويلحقه النسب، قاله القاضي في «تعليقه»، وهو ظاهر كلام أحمد، وقيل: ينتفي النسب، اختاره القاضي في «المجرد» وابن عقيل وأبو الخطاب وغيرهم، وهو مذهب «م ش»، فعلى هذا هل يحتاج إلى اليمين على الاستبراء؟ فيه وجهان في مذهب مالك وأحمد، والاستحلاف قول «ش» والمشهور: لا يحلف) (3) [الفروع 5/ 524 (9/ 222 - 223)]. 1115 - يلحقه الولد بوطء شبهة: - قال ابن مفلح: (ويلحقه الولد بوطء شبهة كعقد، نصه عليه، وذكره _________ (1) انظر: «الفتاوى» (34/ 17)، «الاختيارات» للبعلي (399). (2) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 156/أ): (لعله بناء على أن الاستبراء لا يقطع الفراش). (3) قال المرداوي في «تصحيح الفروع» بعد نقله الفقرة السابقة: (انتهى كلام تقي الدين ... فأطلق الوجهين .. الخ).
(2/804)
شيخنا «ع» خلافا لأبي بكر) [الفروع 5/ 525 (9/ 223)]. 1116 - تبعض أحكام النسب: - قال ابن مفلح: (ولا أثر لشبهة مع فراش، ذكره جماعة، واختار شيخنا: تبعض الأحكام، لقوله: «واحتجبي منه يا سودة»، وعليه نصوص أحمد، لأنه احتج به على أن الزنا يُحَرِّم، وأن بنته من الزنا تحرم، وبما يروى عن عمر من وجهين أنه ألحق أولاد المعاهرين في الجاهلية بآبائهم) [الفروع 5/ 526 (9/ 224)] (1). 1117 - إذا لم يكن هناك فراش واستلحق ولده من الزنا: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا أنه إن استلحق ولده من الزنا ولا فراش لحقه) [الفروع 5/ 526 (9/ 224)] (2). 1118 - تبعية الولد: - قال ابن مفلح: (وتبعية النسب للأب «ع» ما لم ينتف منه، كابن ملاعنة، فولد قرشي من غير قرشية قرشي لا عكسه، وتبعية حرية ورق للأم «ع» إلا من عذر للعيب أو غرور (3)، وظاهره ولد (4)، ويتبع خيرهما دينا، _________ (1) «الفتاوى» (32/ 136 - 137، 139)، «الاختيارات» للبعلي (399 - 400). (2) «الفتاوى» (33/ 112 - 113)، «الاختيارات» للبعلي (400). (3) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 157/ب): (لم يعرف معنى قوله «للعيب» وأما الغرور فظاهر، ولا يعرف البياض ما سقط منه). وانظر ما يأتي في التعليق التالي. (4) في حاشية ط 2: (بعدها في الأصل بياض بمقدار كلمة)، وقال المرداوي في «تصحيح الفروع» [5/ 520 (9/ 218) [: (تنبيه: كل ما في كلام المصنف من بياض من قوله: «وللعاهر الحجر، حديث صحيح» إلى قوله: «على امرأة ادعته» فإنه مكان حِبْرٍ وقع على الأصل، وقد حزر بعضه فكتب على الهامش فليعلم ذلك).
(2/805)
وقاله شيخنا) [الفروع 5/ 529 - 530 (9/ 228)] (1). 1119 - إذا تنازع أكثر من رجل في الولد: - قال ابن القيم: (وهذا الحديث (2) اشتمل على أمرين: ... إلى أن قال: الأمر الثاني: جعله ثلثي الدية على من وقعت عليه القرعة، وهذا مما أشكل على الناس، ولم يعرف له وجه، وسألت عنه شيخنا؟ فقال: له وجه، ولم يزد) [تهذيب السنن 6/ 258]. _________ (1) «الفتاوى» (32/ 55، 67). (2) يشير إلى ما رواه أبو داود (2271) عن زيد بن أرقم قال: كنت جالسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل من اليمن، فقال: إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا يختصمون إليه في ولد، وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال لاثنين منهما: طيبا بالولد لهذا، فغليا، ثم قال لاثنين: طيبا بالولد لهذا، فغليا، ثم قال: لاثنين طيبا بالولد لهذا، فغليا، فقال: أنتم شركاء متشاكسون، إني مقرع بينكم، فمن قرع فله الولد وعليه لصاحبيه ثلثا الدية، فأقرع بينهم، فجعله لمن قرع، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أضراسه أو نواجذه.
(2/806)
كتاب العِدد
1120 - سن اليأس: - قال ابن القيم: ( ... وقال آخرون ــ منهم شيخ الإسلام ابن تيمية ــ: اليأس يختلف باختلاف النساء، وليس له حد يتفق فيه النساء، والمراد بالآية: أن يأس كل امرأة من نفسها، لأن اليأس ضد الرجاء، فإذا كانت المرأة قد يئست من الحيض، ولم ترجه، فهي آيسة وإن كان لها أربعون أو نحوها، وغيرها لا تيأس منه وإن كان لها خمسون) [زاد المعاد 5/ 658]. - وقال أيضا: (قال شيخنا: وليس للنساء في ذلك عادة مستمرة، بل فيهن من لا تحيض وإن بلغت، وفيهن من تحيض حيضًا يسيرًا، يتباعد ما بين أقرائها حتى تحيض في السنة مرة، ولهذا اتفق العلماء على أن أكثر الطهر بين الحيضتين لا حد له، وغالب النساء يحضن كل شهر مرة، ويحضن ربع الشهر، ويكون طهرهن ثلاثة أرباعه، ومنهن من تطهر الشهور المتعددة لقلة رطوبتها، ومنهن من يسرع إليها الجفاف فينقطع حيضها وتيأس منه، وإن كان لها دون الخمسين، بل والأربعين، ومنهن من لا يسرع إليها الجفاف، فتجاوز الخمسين وهي تحيض. قال: وليس في الكتاب ولا السنة تحديد اليأس بوقت، ولو كان المراد بالآيسة من المحيض من لها خمسون سنة، أو ستون سنة، أو غير ذلك، لقيل: واللائي يبلغن من السن كذا وكذا، ولم يقل: يئسن) [زاد المعاد 5/ 662].
(2/807)
1121 - الحكمة من عدة الوفاة: - قال ابن القيم: (وقد اضطرب الناس في حكمة عدة الوفاة وغيرها ... قال شيخنا: والصواب أن يقال: أما عدة الوفاة، فهي حرم لانقضاء النكاح، ورعاية لحق الزوج، ولهذا تحد المتوفى عنها في عدة الوفاة، رعاية لحق الزوج، فجعلت العدة حريما لحق هذا العقد، الذي له خطر وشأن، فيحصل بهذه فصل بين نكاح الأول ونكاح الثاني، ولا يتصل الناكحان، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عظم حقه حرم نساؤه بعده؟ وبهذا اختص الرسول، لأن أزواجه في الدنيا هن أزواجه في الآخرة، بخلاف غيره، فإنه لو حرم على المرأة أن تتزوج بغير زوجها تضررت المتوفى عنها، وربما كان الثاني خيرًا لها من الأول، ولكن لو تأيمت على أولاد الأول، لكانت محمودة على ذلك، مستحبا لها، وفي الحديث: «أنا وامرأة سفعاء الخدين، كهاتين يوم القيامة» وأومأ بالوسطى والسبابة «امرأة آمت من زوجها، ذات منصب وجمال، وحبست نفسها على يتامى لها، حتى بانوا أو ماتوا». وإذا كان المقتضى لتحريمها قائمًا فلا أقل من مدة تتربصها، وقد كانت في الجاهلية سنة، فخففها الله سبحانه بأربعة أشهر وعشر، وقيل لسعيد بن المسيب: ما بال العشر؟ قال: فيها ينفخ الروح، فيحصل بهذه المدة براءة الرحم، حيث يحتاج إليه، وقضاء حق الزوج إذا لم يحتج إلى ذلك) [زاد المعاد 5/ 665 ــ 666]. 1122 - امرأة المفقود: - قال ابن القيم: (ومما ظن أنه على خلاف القياس: ما حكم به
(2/808)
الخلفاء الراشدون في امرأة المفقود، فإنه قد ثبت عن عمر بن الخطاب: أن أجل امرأته أربع سنين، وأمرها أن تتزوج، فقدم المفقود بعد ذلك، فخيّره عمر بين امرأته، وبين مهرها، فذهب الإمام أحمد إلى ذلك، وقال: ما أدري من ذهب إلى غير ذلك إلى أي شيء يذهب؟ وقال أبو داود في «مسائله»: سمعت أحمد ــ وقيل له: في نفسك شيء من المفقود؟ ــ فقال: ما في نفسي منه شيء، هذا خمسة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمروها أن تتربص. قال أحمد: من ضيق علم الرجل أن لا يتكلم في امرأة المفقود. وقد قال بعض المتأخرين من أصحاب أحمد: إن مذهب عمر في المفقود يخالف القياس، والقياس أنها زوجة القادم بكل حال، إلا أن نقول: الفرقة تنفذ ظاهرًا وباطنًا، فتكون زوجة الثاني بكل حال. وغلا بعض المخالفين لعمر في ذلك، فقالوا: لو حكم حاكم بقول عمر في ذلك لنقض حكمه، لبعده عن القياس. وطائفة ثالثة: أخذت ببعض قول عمر، وتركوا بعضه، فقالوا: إذا تزوجت، ودخل بها الثاني، فهي زوجته، ولا ترد إلى الأول، وإن لم يدخل بها ردت إلى الأول. قال شيخنا: من خالف عمر لم يهتد إلى ما اهتدى إليه عمر، ولم يكن له من الخبرة بالقياس الصحيح مثل خبرة عمر، وهذا إنما يتبين بأصل، وهو وقف العقود، إذا تصرف الرجل في حق الغير بغير إذنه، هل يقع تصرفه مردودًا، أو موقوفًا على إجازته؟ على قولين مشهورين، هما روايتان عن أحمد:
(2/809)
إحداهما: أنها تقف على الإجازة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك. والثانية: أنها لا تقف، وهو أشهر قولي الشافعي. وهذا في النكاح والبيع والإجارة. وظاهر مذهب أحمد: التفصيل، وهو: أن المتصرف إذا كان معذورًا لعدم تمكنه من الاستئذان، وكان به حاجة إلى التصرف، وقف العقد على الإجازة، بلا نزاع عنده، وإن أمكنه الاستئذان، أو لم تكن به حاجة إلى التصرف ففيه النزاع. فالأول: مثل من عنده أموال لا يعرف أصحابها ــ كالغصوب، والعواري، ونحوها ــ فإذا تعذر عليه معرفة أرباب الأموال، ويئس منها، فإن مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد: أنه يتصدق بها عنهم، فإن ظهروا بعد ذلك كانوا مخيرين بين الإمضاء، وبين التضمين، وهذا مما جاءت به السنة في اللقطة، فإن الملتقط يأخذها بعد التعريف، ويتصرف فيها، ثم إن جاء صاحبها كان مخيرا بين إمضاء تصرفه، وبين المطالبة بها، فهو تصرف موقوف، لما تعذر الاستئذان، ودعت الحاجة إلى التصرف، وكذلك الموصي بما زاد على الثلث وصيته موقوفة على الإجازة عند الأكثرين، وإنما يخيرون بعد الموت. فالمفقود المنقطع خبره، إن قيل: إن امرأته تبقى إلى أن يعلم خبره بقيت لا أيما، ولا ذات زوج، إلى أن تبقى من القواعد أو تموت، والشريعة لا تأتي بمثل هذا، فلما أجلت أربع سنين، ولم يكشف خبره حكم بموته ظاهرًا.
(2/810)
فإن قيل: يسوغ للإمام أن يفرق بينهما للحاجة، فإنما ذلك بعد اعتقاد موته، وإلا فلو علمت حياته، لم يكن مفقودًا، وهذا كما ساغ التصرف في الأموال التي تعذر معرفة أصحابها، فإذا قدم الرجل تبينا أنه كان حيا، كما إذا ظهر صاحب المال، والإمام قد تصرف في زوجته بالتفريق فيبقى هذا التفريق موقوفًا على إجازته، فإن شاء أجاز ما فعل الإمام، وإن شاء رده، وإذا أجازه صار كالتفريق المأذون فيه، ولو أذن للإمام أن يفرق بينهما ففرق وقعت الفرقة بلا ريب، وحينئذ فيكون النكاح الثاني صحيحًا، وإن لم يجز ما فعله الإمام كان التفريق باطلًا، فكانت باقية على نكاحه، فتكون زوجته. فكان القادم مخيرًا بين إجازة ما فعله الإمام، ورده، وإذا أجاز فقد أخرج البضع من ملكه، وخروج البضع عن ملك الزوج متقوم عند الأكثرين كمالك والشافعي وأحمد في [أنص] (1) الروايتين، والشافعي يقول: هو مضمون بمهر المثل. والنزاع بينهم فيما إذا شهد شاهدان أنه طلق امرأته، ثم رجعا عن الشهادة: فقيل: لاشيء عليهما، بناء على أن خروج البضع من ملك الزوج ليس بمتقوم، وهذا قول أبى حنيفة، وأحمد في إحدى الروايتين، اختارها متأخرو أصحابه، كالقاضى أبى يعلى وأتباعه. وقيل: عليهما مهر المثل، وهو قول الشافعى، وهو وجه في مذهب أحمد. _________ (1) «في الأصل: (نص)، والمثبت من «الفتاوى».
(2/811)
وقيل: عليهما المسمى، وهو مذهب مالك، وهو أشهر في نص أحمد، وقد نص على ذلك فيما إذا أفسد نكاح امرأته برضاع: أنه يرجع بالمسمى، والكتاب والسنة يدلان على هذا القول، فإن الله تعالى قال: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10 ـ 11]، وهذا هو المسمى دون مهر المثل، ولذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زوج المختلعة أن يأخذ ما أعطاها دون مهر المثل، وهو سبحانه إنما يأمر في المعاوضات المطلقة بالعدل. فحكم أمير المؤمنين في المفقود ينبني على هذا الأصل، والقول بوقف العقود عند الحاجة متفق عليه بين الصحابة، ثبت ذلك عنهم في قضايا متعددة، ولم يعلم أن أحدا منهم أنكر ذلك، مثل قضية ابن مسعود في تصدقه عن سيد الجارية التي ابتاعها بالثمن الذي كان له عليه في الذمة، لما تعذرت عليه معرفته، وكتصدق الغال بالمال المغلول من الغنيمة، لما تعذر قسمه بين الجيش، وإقرار معاوية له على ذلك، وتصويبه له، وغير ذلك من القضايا. مع أن القول بوقف العقود مطلقا هو الأظهر في الحجة، وهو قول الجمهور، وليس في ذلك ضرر أصلًا، بل هو إصلاح بلا إفساد، فإن الرجل قد يرى أن يشتري لغيره، أو يبيع له، أو يؤجر له، أو يستأجر له، ثم يشاوره فإن رضي، وإلا لم يحصل له ما يضره، وكذلك في تزويج وليته، ونحو ذلك، وأما مع الحاجة فالقول به لا بد منه. فمسألة المفقود: هي مما يوقف فيها تفريق الإمام على إذن الزوج إذا
(2/812)
جاء، كما يقف تصرف الملتقط على إذن المالك إذا جاء، والقول برد المهر إلى الزوج بخروج بضع امرأته عن ملكه (1). ولكن تنازعوا في المهر الذي يرجع به: هل هو ما أعطاها هو، أو ما أعطاها الثاني، وفيه روايتان عن أحمد: إحداهما: يرجع بما مهرها الثاني، لأنها هي التي أخذته، والصواب: أنه إنما يرجع بما مهرها هو، فإنه الذي يستحقه، وأما المهر الذي أصدقها الثاني فلا حق له فيه. وإذا ضمن الثاني للأول المهر، فهل يرجع به عليها؟ فيه روايتان عن أحمد: إحداهما: يرجع، لأنها هي التي أخذته، والثاني قد أعطاها المهر الذي عليه، فلا يضمن مهرين، بخلاف المرأة فإنها لما اختارت فراق الزوج الأول، ونكاح الثاني فعليها أن ترد المهر، لأن الفرقة جاءت من جهتها. والثانية: لا يرجع، لأن المرأة تستحق المهر بما استحل من فرجها، والأول يستحق المهر بخروج البضع عن ملكه، فكان على الثاني. وهذا المأثور عن عمر في مسألة المفقود، وهو عند طائفة من الفقهاء من أبعد الأقوال عن القياس، حتى قال بعض الأئمة: لو حكم به حاكم نقض حكمه! وهو مع هذا أصح الأقوال وأحراها في القياس، وكل قول قيل سواه فهو خطأ. فمن قال: إنها تعاد إلى الأول بكل حال، أو تكون مع الثاني بكل حال، _________ (1) كذا.
(2/813)
فكلا القولين خطأ، إذ كيف تعاد إلى الأول، وهو لا يختارها ولا يريدها، وقد فرق بينه وبينها تفريقا سائغًا في الشرع، وأجاز هو ذلك التفريق؟ فإنه وإن تبين للإمام أن الأمر بخلاف ما اعتقده فالحق في ذلك للزوج، فإذا أجاز ما فعله الإمام زال المحذور. وأما كونها زوجة الثاني بكل حال، مع ظهور زوجها، وتبين أن الأمر بخلاف ما فعل الإمام فهو خطأ أيضًا، فإنه مسلم لم يفارق امرأته، وإنما فرق بينهما بسبب ظهر أنه لم يكن كذلك، وهو يطلب امرأته، فكيف يحال بينه وبينها؟ وهو لو طلب ماله، أو بدله، رد إليه، فكيف لا ترد إليه امرأته، وأهله أعز عليه من ماله؟ وإن قيل: حق الثاني تعلق بها. قيل: حقه سابق على حق الثاني، وقد ظهر انتقاض السبب الذي به استحق الثاني أن تكون زوجة له، وما الموجب لمراعاة حق الثاني دون الأول؟ فالصواب ما قضى به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ولهذا تعجب أحمد ممن خالفه، فإذا ظهر صحة ما قاله الصحابة - رضي الله عنهم - وصوابه في مثل هذه المشكلات التي خالفهم فيها مثل: أبي حنيفة ومالك الشافعي، فلأن يكون الصواب معهم فيما وافقهم هؤلاء بطريق الأولى. قال شيخنا: وقد تأملت من هذا الباب ما شاء الله، فرأيت الصحابة أفقه الأمة وأعلمها، واعتبر هذا بمسائل الأيمان والنذور، والعتق، وغير ذلك، ومسائل تعليق الطلاق بالشروط، فالمنقول فيها عن الصحابة هو أصح الأقوال، وعليه يدل الكتاب والسنة والقياس الجلي، وكل قول سوى ذلك فمخالف للنصوص، مناقض للقياس.
(2/814)
وكذلك في مسائل غير هذه: مثل مسألة ابن الملاعنة، ومسألة ميراث المرتد، وما شاء الله من المسائل، لم أجد أجود الأقوال فيها، إلا أقوال الصحابة، وإلى ساعتي هذه ما علمت قولًا قاله الصحابة، ولم يختلفوا فيه إلا كان القياس معه، لكن العلم بصحيح القياس وفاسده من أجل العلوم، وإنما يعرف ذلك من كان خبيرا بأسرار الشرع ومقاصده، وما اشتملت عليه شريعة الإسلام من المحاسن التي تفوق التعداد، وما تضمنته من مصالح العباد في المعاش والمعاد، وما فيها من الحكمة البالغة، والنعمة السابغة، والعدل العام، والله أعلم. انتهى) [إعلام الموقعين 2/ 53 - 57] (1). 1123 - لا يفتقر فسخ نكاح امرأة المفقود إلى حكم الحاكم: - قال ابن مفلح: (امرأة المفقود تتربص ما تقدم في ميراثه ثم تعتد للوفاة، وفي اعتبار حكمٍ بضرب المدة والعدة واعتبار طلاق الولي بعدها، ثم تعتد بالأقراء إن طلق= روايتان، قال ابن عقيل: لا يعتبر فسخ النكاح الأول، على الأصح، كضرب المدة، وكذا قال شيخنا: إن على الأصح لا يعتبر الحاكم، فلو مضت المدة والعدة تزوجت بلا حكم) [الفروع 5/ 545 - 546 (9/ 248 - 249)] (2). 1124 - إذا تزوجت امرأة المفقود ثم قدم: - قال ابن مفلح: (فإن تزوجت ثم قدم قبل وطء الثاني فهي له، وعنه: يخير، وبعده له أخذها زوجة بعقده الأول، والمنصوص: وإن لم يطلق _________ (1) هذا الكلام ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 57 - 58) , وهو في «الفتاوى» (20/ 576 - 583) مع بعض الاختلاف. (2) «الاختيارات» للبعلي (404).
(2/815)
الثاني، ويطأ بعد عدته، وله تركها معه، وقال الشيخ: بعقد ثان، فإن تركها ففي أخذه ما مهرها هو أو الثاني، وفي رجوع الثاني عليها به، روايتان، وقال ابن عقيل: القياس لا يأخذه، وقال جماعة: القياس أنها للأول بلا خيار، إلا أن تقع الفرقة باطنا فللثاني، ونقل أبو طالب: لا خيار للأول مع موتها، وأن الأمة كنصف حرة، كالعدة. وقال شيخنا: هي زوجة الثاني ظاهرا وباطنا وترثه (1)، ذكره أصحابنا، وهل ترث الأول؟ قال أبو جعفر (2): ترثه، وخالفه غيره (3)، وأن متى ظهر الأول فالفرقة ونكاح الثاني موقوف، فإن أخذها بطل نكاح الثاني حينئذ، وإن أمضى ثبت نكاح الثاني) [الفروع 5/ 546 - 548 (9/ 250 - 252)] (4). 1125 - إذا فرق بين الزوجين لسبب يوجب الفرقة ثم بان انتفاؤه: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: متى فرق بينهما لسبب يوجب الفرقة، _________ (1) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 164/أ): (قوله: «وترثه» لعل إرثها له ما لم يظهر الأول، فلهذا قال بعده: «وأن متى ظهر الأول» فدل على أن الكلام الأول في حال فقد الأول قبل ظهوره). (2) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 164/أ): (كذا في النسخ، وصوابه: أبو حفص). (3) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (تنبيه: قوله «وقال شيخنا: هي زوجة الثاني ظاهرا وباطنا وترثه، ذكره أصحابنا، وهل ترث الأول؟ قال أبو جعفر: ترثه، وخالفه غيره» انتهى، يحتمل أن يكون هذا من تتمة كلام الشيخ تقي الدين، وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون من كلام المصنف، وعلى كل تقدير الصحيح من المذهب أنها لا ترثه، كما قاله غير الشريف أبي جعفر). (4) «الاختيارات» للبعلي (404)، وانظر: «الفتاوى» (20/ 576 - 582).
(2/816)
ثم بان انتفاؤه فكمفقود (1)) [الفروع 5/ 550 (9/ 254)] (2). 1126 - عدة المختلعة ونحوها: - قال ابن القيم: (وفي أمره - صلى الله عليه وسلم - المختلعة أن تعتد بحيضة واحدة دليل على حكمين: أحدهما: أنه لا يجب عليها ثلاث حيض، بل تكفيها حيضة واحدة، وهذا كما أنه صريح السنة، فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان ... وذهب إلى هذا المذهب: إسحاق بن راهويه والإمام أحمد في رواية عنه، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية) [زاد المعاد 5/ 197]. - وقال أيضا: ( ... وقد روى حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن جمهان: أن أم بكرة الأسلمية كانت تحت عبد الله بن أسيد، واختلعت منه، فندما، فارتفعا إلى عثمان بن عفان، فأجاز ذلك، وقال: هي واحدة، إلا أن تكون سمت شيئًا، فهو على ما سمت ... قال شيخنا: وكيف يصح عن عثمان، وهو لا يرى فيه عدة، وإنما يرى الاستبراء فيه بحيضة؟ فلو كان عنده طلاقًا لأوجب فيه العدة. وجمهان الراوي لهذه القصة عن عثمان لا نعرفه بأكثر من أنه مولى الأسلميين) [زاد المعاد 5/ 198]. - وقال أيضا: (وقد ذكرنا حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المختلعة: أنها تعتد _________ (1) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 165/أ): (أي: إذا تزوجت ودخل بها الثاني فللأول الخيار). (2) «الاختيارات» للبعلي (404 - 405).
(2/817)
بحيضة، وأن هذا مذهب عثمان بن عفان، وابن عباس، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، اختارها شيخنا) [زاد المعاد 5/ 677]. - وقال أيضا: (وقال شيخنا: عدتهن حيضة واحدة، وكذلك عدة المختلعة، وسائر من فسخ نكاحها؛ لأن العدة إنما جعلت ثلاثة قروء لتمكن الزوج من الرجعة فيها، وأما الفسوخ كالخلع وغيره فالمقصود منها براءة الرحم، فيكتفى فيها بحيضة. قال: وبذلك أفتى النبي - صلى الله عليه وسلم - المختلعة. قال: وهو مذهب ابن عباس، ولا يعرف له مخالف من الصحابة. قلت له: فما تقول في المطلقة تمام الثلاث؟ فقال: الطلقة الثالثة من جنس الطلقتين اللتين قبلها، فكان حكمها حكمهما، هذا إن كان في المسألة إجماع. انتهى) [أحكام أهل الذمة 1/ 380]. - وقال ابن مفلح: (وعنه: عدة مختلعة حيضة، واختاره شيخنا في بقية الفسوخ، وأومأ إليه في رواية صالح) [الفروع 5/ 542 (9/ 244)] (1). 1127 - عدة الشابة إذا ارتفع حيضها: - قال ابن مفلح: (ونقل حنبل: إن كانت لا تحيض أو ارتفع حيضها أو صغيرة فعدتها ثلاثة أشهر، ونقل أبو الحارث في أمة ارتفع حيضها لعارض: _________ (1) «الفتاوى» (33/ 110)، «الاختيارات لدى مترجميه» (7)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (7) , «الاختيارات» للبعلي (405).
(2/818)
تستبرأ بتسعة أشهر للحمل، وشهر للحيض، واختار شيخنا: إن علمت عدم عوده فكآيسة، وإلا سنة (1)) [الفروع 5/ 544 - 545 (9/ 248)] (2). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (فائدة: قال في «الفتاوى المصرية» في امرأة شابة لم تبلغ سن الإياس، وكانت عادتها أن تحيض، فشربت دواء فانقطع دمها، واستمر انقطاعه نحو خمس سنين من حين طلقها زوجها على هذه الحالة، فهل تكون عدتها من حين الطلاق بالشهور، أو تتربص حتى تبلغ سن الآياسات؟ الجواب: إن كانت تعلم أن الدم [لا] يأتي فيما بعد [بحال [، فعدتها ثلاثة شهور، وإن كان يمكن أن يعود الدم، ويمكن أن لا يعود، فإنها تتربص سنة ثم تتزوج، كما قضى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في المرأة يرتفع حيضها لا تدري ما رفعه، فإنها تتربص سنة، وهذا مذهب الجمهور كمالك [وأحمد] والشافعي [في قول [، ومن قال: [تنتظر حتى] تدخل في سن الآياسات فهذا قول ضعيف جدا، مع ما فيه من الضرر الذي لا تتأتى الشريعة بمثله، تمنع من النكاح وقت حاجتها إليه، ويؤذن لها فيه حين لا تحتاج إليه، والله أعلم. ذكره في باب الحيض، واعلم أن قضية عمر - رضي الله عنه - التي فيها إنما هي فيمن لا تدري ما رفعه، والصورة فيمن شربت دواء، أو هذه قد عرفت ما رفعه، ومثل هذا لا يخفى على الشيخ، فلعل الشيخ عنده أن وصف «لا تدري» ملغى بتحقق المناط، فتكون «لا تدري ما رفعه» هو من صفات الواقعة، أي: وقع في امرأة هذه حالتها، فيحتمل أن يكون المفتي في ذلك جعل هذا الوصف من جملة علة الحكم، فيكون الحكم خاصا بمن يأخذ فيها ذلك، ويحتمل أن تكون علة الحكم رفع الحيض وعدم عوده في المستقبل، وأما كون تدري ما رفعه أو لا تدريه، فليس من جملة العلة على ما هو مقرر في باب القياس عند ذكر تحقيق المناط) ا. هـ. وهذه الفتوى موجودة في «مجموع الفتاوى» ولكن سقط منها بعض الكلمات، تستدرك من هنا، وقد وضعتها بين معكوفات. (2) «الفتاوى» (34/ 24). تنبيه: قال البعلي في «الاختيارات» (406): (ومن ارتفع حيضها ولا تدري ما رفعه إن علمت عدم عوده فتعتد بالأشهر [وفي نسخة: فكالآيسة] وإلا اعتدت بسنة) ا. هـ. وعلق الشيخ العلامة ابن عثيمين ــ - رحمه الله - ــ على هذا الموضع بقوله: (نقل في «الإنصاف» عن الشيخ تقي الدين هذا الحكم فيمن ارتفع حيضها تعلم ما رفعه, وهذا هو الظاهر ومما يدل عليه قوله: «إن علمت عدم عوده» فإنها إذا كانت لا تدري ما رفعه فكيف تعلم عدم عوده؟ والله أعلم. قلت: وكذلك في «حاشية المقنع» وفي «الفروع» عن شيخه أن هذا الحكم فيمن ارتفع حيضها وهي تعرف ما رفعه, ولم ينقل عنه شيئا فيمن ارتفع وهي لا تدري, والله أعلم) ا. هـ. وانظر: ما سبق في التعليق السابق.
(2/819)
1128 - عدة المطلقة آخر ثلاث تطليقات: 1129 - وعدة الموطوءة بشبهة أو نكاح فاسد والزانية والأمة المزوجة: - قال ابن القيم: ( ... فذهب ابن اللبان الفرضي، صاحب «الإيجاز» وغيره: إلى أن المطلقة ثلاثا ليس عليها غير استبراء بحيضة، ذكره عنه أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى، فقال: مسألة: إذا طلق امرأته ثلاثا بعد الدخول، فعدتها ثلاثة أقراء، إن كانت من ذوات الأقراء، وقال ابن اللبان: عليها الاستبراء بحيضة، دليلنا، قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]. ولم يقف شيخ الإسلام على هذا القول، وعلق تسويغه على ثبوت الخلاف، فقال: إن كان فيه نزاع كان القول بأنه ليس عليها، ولا على المعتقة المخيرة إلا الاستبراء قولا متوجها. ثم قال: ولازم هذا القول، أن الآيسة لا تحتاج إلى عدة بعد الطلقة الثالثة.
(2/820)
قال: وهذا لا نعلم أحدًا قاله. وقد ذكر الخلاف أبو الحسين، فقال: مسألة إذا طلق الرجل زوجته ثلاثا، وكانت ممن لا تحيض لصغر أو هرم، فعدتها ثلاثة أشهر، خلافا لابن اللبان: أنه لا عدة عليها، دليلنا: قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]. قال شيخنا: وإذا مضت السنة بأن على هذه ثلاثة أقراء لم يجز مخالفتها، ولو لم يجمع عليها، فكيف إذا كان مع السنة إجماع؟ ! قال: وقوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت قيس: «اعتدي» قد فهم منه: أنها تعتد ثلاثة قروء، فإن الإستبراء قد يسمى عدة) [زاد المعاد 5/ 673]. - وقال أيضا: (وأما الزانية والموطوءة بشبهة، فموجب الدليل: أنها تستبرأ بحيضة فقط، ونص عليه أحمد في الزانية، واختاره شيخنا في الموطوءة بشبهة، وهو الراجح، وقياسهما على المطلقة الرجعية من أبعد القياس وأفسده) [إعلام الموقعين 2/ 90]. - وقال ابن مفلح: (وعدة موطوءة بشبهة أو نكاح فاسد كمطلقة، ذكره في «الانتصار» «ع»، وكذا الزانية، وعنه: لا عدة بل تستبرأ، اختاره الحلواني وابن رزين كأمة مزوجة، واختاره شيخنا في الكل، وفي كل فسخٍ وطلاقٍ ثلاثٍ، وأن لنا في وطء الشبهة وجهين، وأنها دون المختلعة. وقال أيضا في الطلقة الثالثة: تعتد بثلاثة قروء «ع» لخبر فاطمة «اعتدي»، وقد جاء تسمية الاستبراء عدة، فإن كان فيه نزاع فالقول بالاستبراء متوجه، ونقل صالح وعبد الله في أم الولد: تعتق بالموت، قال بعضهم: تعتد
(2/821)
ثلاث حيض، ولا وجه له، إنما تعتد ثلاث حيض المطلقة، ولا توطأ في هذه المدة، وفيما دونه وجهان (1)، ولا ينفسخ نكاح بزنا، نقله الجماعة. وقال: حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن سأله «لا ترد يد لامس» لا يصح، وإن أمسكها يستبرئها، والحديث على ظاهره أنها كانت وطئت) [الفروع 5/ 550 - 551 (9/ 254 - 255)] (2). 1130 - لا توطأ الأمة الحامل حتى تضع: - قال ابن القيم: (وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف يورثه، وهو لا يحل له؟ كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟». كان شيخنا يقول في معناه: كيف يجعله عبدًا موروثًا عنه، ويستخدمه استخدام العبيد، وهو ولده؟ لأن وطأه زاد في خلقه) [زاد المعاد 5/ 155]. - وقال في موضع آخر: (وقوله: «كيف يورثه، وهو لا يحل له؟» سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول فيه: أي: كيف يجعله تركة موروثة عنه، فإنه يعتقده عبده، فيجعله تركة تورث عنه، ولا يحل له ذلك، لأن ماءه زاد في خلقه، ففيه جزء منه) [زاد المعاد 5/ 730] (3). 1131 - لا يحل للمرأة أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج: - قال ابن مفلح: (ولا يحل أن تحد فوق ثلاث إلا على زوجها، باتفاق _________ (1) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 165/ب): (أي: دون الوطئ من مباشرة، أو وفي الوطئ دون الفرج وجهان). (2) انظر: «الفتاوى» (32/ 109 - 113، 143 - 144، 334 - 342)، «الاختيارات لدى مترجميه» (7) , «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (6) , «الاختيارات» للبعلي (406). (3) انظر: «الفتاوى» (34/ 70)، «درء تعارض العقل والنقل» (7/ 373).
(2/822)
الأئمة، قاله شيخنا) [الفروع 5/ 555 (9/ 259)]. 1132 - المكان الذي تعتد فيه المبتوتة: - قال ابن مفلح: (وإن شاء (1) إسكانها في منزله أو غيره إن صلح لها تحصينا لفراشه ولا محذور لزمها، ذكره القاضي وغيره، وإن لم تلزمه نفقتها كمعتدة لشبهة أو نكاح فاسد أو مستبرأة لعتق، وظاهر كلام جماعة: لا يلزمها، وقال شيخنا: إن شاء وأنفق عليها فله ذلك) [الفروع 5/ 558 (9/ 264)] (2). 1133 - سفر الرجل بأخت زوجته: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ويحرم سفره بأخت زوجته ولو معها. قال في ميت عن امرأة شهد قوم بطلاقه ثلاثا مع علمهم عادة بخلوته بها: لا يقبل، لأن إقرارهم يقدح فيهم) [الفروع 5/ 558 (9/ 265)]. _________ (1) أي: زوج البائن. (2) «الاختيارات» للبعلي (406)، وانظر: «مختصر الفتاوى» (449).
(2/823)
باب الاستبراء
1134 - استبراء الأمة البكر، والآيسة: 1135 - ومن اشتراها من رجل صادق وأخبره أنه لم يطأها أو وطئها واستبرأها: - قال ابن القيم: (وقد قال أبو العباس ابن سريج، وأبو العباس ابن تيمية: إنه لا يجب استبراء البكر) [زاد المعاد 5/ 717]. - وقال ابن مفلح: (من ملك أمة مطلقا، حائلا، نص عليه، وعنه: تحيض ولا يتأخر، حرم الاستمتاع بها، كحامل، وعنه: بالوطء، ذكره في «الإرشاد»، واختاره في «الهدي»، واحتج بجواز الخلوة والنظر، وأنه لا يعلم في جواز هذا نزاع، وعنه: بالوطء في المسبية، وعنه: ومن لا تحيض، حتى يستبرئها، وعنه: لا يلزم مالكا من طفل أو امرأة، كامرأة، على الأصح، وعنه: وطفل، وعنه: لا يلزم في مسبية، ذكره الحلواني، وفي «الترغيب» وجه: لا يلزم في إرث. وفي صغيرة لا يوطأ مثلها روايتان، وخالف شيخنا في بكر كبيرة وآيسة، وخبر صادق (1) لم يطأ أو استبرأ (2)) [الفروع 5/ 561 (9/ 268 - 269)] (3). _________ (1) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 168/أ): (أي: بائع صادق بأنه لم يطأ). (2) أي: لا يجب استبراء من اشتراها من رجل صادق وأخبره أنه لم يطأ، أو وطئ واستبرأ. (3) «الفتاوى» (19/ 255؛ 34/ 70)، «الاختيارات» للبعلي (407).
(2/824)
1136 - الاستمتاع بالمستبرأة بغير الوطء: - قال ابن القيم: (فإن قيل: فهل تمنعون من الاستمتاع بالمستبرأة بغير الوطء في الموضع الذي يجب فيه الاستبراء؟ قيل: أما إذا كانت صغيرة لا يوطأ مثلها، فهذه لا تحرم قبلتها، ولا مباشرتها، وهذا منصوص أحمد في إحدى الروايتين عنه، اختارها أبو محمد المقدسي وشيخنا وغيرهما) [زاد المعاد 5/ 738].
(2/825)
باب الرضاع
1137 - زمن الرضاع المحرِّم: - قال ابن القيم: (وفي قصة سالم مسلك آخر، وهو أن هذا كان موضع حاجة، فإن سالما كان قد تبناه أبو حذيفة ورباه، ولم يكن له منه ومن الدخول على أهله بد، فإذا دعت الحاجة إلى مثل ذلك فالقول به مما يسوغ فيه الاجتهاد، ولعل هذا المسلك أقوى المسالك، وإليه كان شيخنا يجنح، والله أعلم) [إعلام الموقعين 4/ 347]. - وقال أيضا: ( ... المسلك الثالث: أن حديث سهلة ليس بمنسوخ، ولا مخصوص، ولا عام في حق كل أحد، وإنما هو رخصة للحاجة، لمن لا يستغني عن دخوله على المرأة، ويشق احتجابها عنه، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير، إذا أرضعته للحاجة أثر رضاعه، وأما من عداه فلا يؤثر، إلا رضاع الصغير، وهذا مسلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تعالى) [زاد المعاد 5/ 593]. - وقال ابن مفلح: (والرضاع المحرِّم في الحولين فقط مطلقا، وقال شيخنا: قبل الفطام، وقال: أو كبير لحاجة، نحو جعله محرما) [الفروع 5/ 570 (9/ 281)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (34/ 60)، «الاختيارات» للبعلي (408).
(2/826)
كتاب النفقات
1138 - ترك الحناء والزينة التي نهى عنها الزوج: - قال ابن مفلح: (ويلزمها ترك حناء وزينة نهى عنها، ذكره شيخنا) [الفروع 5/ 579 (9/ 293)]. 1139 - تمليك الزوج زوجته نفقتها: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: لا يلزمه تمليك، بل ينفق ويكسو بحسب العادة، فإن الإنفاق بالمعروف ليس هو التمليك، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن حقها عليك أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت»، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في المملوك، ثم المملوك لا يجب له التمليك إجماعا، وإن قيل: إنه يملك بالتمليك) [الفروع 5/ 582 (9/ 297)] (1). 1140 - يقضى في النفقة بقول من يشهد له العرف: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا في النفقة قول من يشهد له العرف؛ لأنه تعارض الأصل والظاهر، والغالب أنها تكون راضية، وإنما تطالبه عند الشقاق، كما لو أصدقها تعليم شيء فادعت أن غيره علمها، وأولى، لأن هنا تعارض أصلان. قال: وأكثر العلماء ــ كأبي حنيفة ومالك وأحمد ــ يقضون باليد العرفية وتقديمها على اليد الحسية فيما إذا تداعى الزوجان في متاع البيت، أو _________ (1) «الفتاوى» (34/ 83، 85 - 89)، «الاختيارات» (409).
(2/827)
صانعان في متاع الحانوت) [الفروع 5/ 587 (9/ 302)]. 1141 - تضحي المرأة عن أهل البيت من مال الزوج بغير إذنه: - قال ابن مفلح: (ولا تقترض على الأب، ولا تنفق على الصغير من ماله بلا إذن وليه، وعند شيخنا: تضحي عن أهل البيت أيضا) [الفروع 5/ 589 (9/ 305)] (1). وانظر: ما تقدم في المسألة رقم: (555). 1142 - نفقة الحامل: - قال ابن مفلح: (وهل نفقة الحامل له أو لها لأجله؟ فعنه: لها، فلا تجب لناشز وحامل من شبهة وفاسد وملك يمين، وتجب مع رق أحد الزوجين، وعلى غائب، ومعسر، ولا ينفق بقية قرابة حمل، وعنه: له، فتنعكس الأحكام، اختاره الخرقي وأبو بكر والقاضي وأصحابه، وأوجبها شيخنا له ولها لأجله، وجعلها كمرضعة له بأجرة) [الفروع 5/ 592 - 593 (9/ 309 - 310)] (2). 1143 - نفقة الصغير وأجرة مرضعته: - قال ابن القيم: (وقال القاضي: الحجة التي يرجع إليها في الاستحسان هي: الكتاب تارة، والسنة تارة، والإجماع تارة، والاستدلال بترجح بعض الأصول على بعض، فالاستحسان لأجل الكتاب: كما في شهادة أهل الذمة على المسلمين في الوصية في السفر، إذا لم يجد مسلمًا. _________ (1) «الفتاوى» (26/ 137، 305)، «الاختيارات» للبعلي (178). (2) «الفتاوى» (34/ 73 - 74)، «الاختيارات» للبعلي (412 - 413).
(2/828)
ومما قلنا فيه بالاستحسان السنة: فيمن غصب أرضًا وزرعها، الزرع لرب الأرض، وعلى صاحب الأرض النفقة، لحديث رافع بن خديج، والقياس أن يكون الزرع لزارعة. ومما قلنا فيه بذلك الإجماع: جواز سلم الدراهم والدنانير في الموزونات، والقياس أن لا يجوز ذلك، لوجود الصفة المضمومة إلى الجنس، وهي الوزن، إلا أنهم استحسنوا فيه الإجماع. انتهى. قال شيخنا: ومن ذلك أن نفقة الصغير وأجرة مرضعته على أبيه دون أمه، بالنص والإجماع) [بدائع الفوائد 4/ 107 (4/ 1530 - 1531)] (1). _________ (1) «جامع المسائل» (2/ 176).
(2/829)
باب نفقة القريب والرقيق والبهائم
1144 - النفقة على ذوي الأرحام: - قال ابن مفلح: (ولا نفقة لذوي الأرحام، نقله جماعة، ونقل جماعة: تجب لكل وارث، واختاره شيخنا؛ لأنه من صلة الرحم، وهو عام كعموم الميراث في ذوي الأرحام، بل أولى. قال: وعلى هذا ما ورد من حمل الخال للعقل، وقوله: «ابن أخت القوم منهم»، وكان مسطح ابن خالة أبي بكر، فيدخلون في قوله: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26]، وأوجبها جماعة لعمودي نسبه فقط) [الفروع 5/ 596 (9/ 314)] (1). 1145 - الاستدانة على من تلزمه نفقته إذا لم ينفق عليه: - قال ابن مفلح: (ومن تركه لم يلزمه الماضي، أطلقه الأكثر، وجزم به في «الفصول»، وذكر بعضهم إلا بفرض حاكم، لأنه تأكد بفرضه، كنفقة الزوجة، وفي «المحرر»: وإذنه في الاستدانة (2)، وظاهر ما اختاره شيخنا: ويستدين عليه، فلا يرجع إن استغنى بكسب أو نفقة متبرع) [الفروع 5/ 599 (9/ 317 - 318)] (3). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (15/ 350)، «الاختيارات» للبعلي (413). (2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (ظاهره أن في «المحرر»: يلزمه بشيئين، بفرض حاكم وإذنه في الاستدانة، والذي في «المحرر» أنها لا تلزمه وإن فرضت، وتلزمه في الاستدانة بإذن حاكم). (3) انظر: «الفتاوى» (34/ 94).
(2/830)
1146 - من أُنفق عليه بإذن حاكم: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: من أُنفق عليه بإذن حاكم رجع عليه، وبلا إذن فيه خلاف) [الفروع 5/ 599 (9/ 318)] (1). 1147 - إذا استأجر زوجته لرضاع ولده: - قال ابن مفلح: (وتلزمه نفقة ظئر صغير حولين من تلزمه نفقته، وليس لأبيه منع أمه من رضاعه، وقيل: بلى إذا كانت في حباله، كخدمته، نص عليها. ولها أخذ أجرة المثل حتى مع رضا (2) زوج ثان (3)، ولو مع متبرعة، وفي «الواضح»: وفوقها (4) مما يتسامح به، ونقل أبو طالب: هي أحق بما يطلب به من الأجرة لا بأكثر. وفي «المنتخب»: إن استأجرها من هي تحته لرضاع ولده لم يجز، لأنه استحق نفعها، كاستئجارها للخدمة شهرا ثم فيه لبناء (5)، وعند شيخنا: لا أجرة مطلقا، فيحلفها أنها أنفقت عليه ما أخذت منه) [الفروع 5/ 600 - 601 (9/ 320)] (6). 1148 - خروج المرأة للرعي ونحوه لا يعد سفرا: - قال ابن مفلح: (وقد ذكر صاحب «المحرر» عن نقل أسماء النوى _________ (1) انظر: «الفتاوى» (34/ 93 - 94). (2) كذا في ط 1 وط 2، وفي «حاشية ابن قندس على الفروع»: (حتى مع رضاع). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: ولو كانت ترضع ولدا لزوج ثانٍ). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: وفوق أجرة المثل). (5) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: ثم استأجرها في ذلك الشهر لبناء حائط ونحوه). (6) انظر: «الاختيارات» (412 - 413).
(2/831)
على رأسها للزبير نحو ثلثي فرسخ من المدينة= أنه حجة في سفر المرأة السفر القصير بغير محرم، ورعي جارية معاوية بن الحكم في معناه وأولى، فيتوجه على هذا الخلاف، وأما [على] (1) كلام شيخنا ــ ومعناه لغيره ــ فيجوز مثل هذا قولا واحدا، لأنه ليس بسفر شرعا ولا عرفا ولا يتأهب له أهبته) [الفروع 5/ 603 (9/ 323)]. 1149 - إذا كان سيد العبد يأمره بترك المأمور وفعل المنهي: 1150 - وإذا لم تلائم أخلاق العبد أخلاق سيده: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا في مسلم بجيش ببلاد التتار أبى بيع عبده وعتقه ويأمره بترك المأمور وفعل المنهي: فهربه منه إلى بلاد الإسلام واجب، فإنه لا حرمة لهذا، ولو كان في طاعة المسلمين، والعبد إذا هاجر من أرض الحرب فإنه حر. وقال: ولو لم تلائم أخلاق العبد أخلاق سيده لزمه إخراجه عن ملكه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فما لا يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله» كذا قال) [الفروع 5/ 604 (9/ 324)]. _________ (1) زيادة من ط 2.
(2/832)
باب الحضانة
1151 - الأحق بالحضانة: - قال ابن القيم: (وقد ضبط هذا الباب شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية بضابط آخر، فقال: أقرب ما يضبط به باب الحضانة، أن يقال: لما كانت الحضانة ولاية تعتمد الشفقة والتربية والملاطفة كان أحق الناس بها أقومهم بهذه الصفات، وهم أقاربه، يقدم منهم أقربهم إليه، وأقومهم بصفات الحضانة. فإن اجتمع منهم اثنان فصاعدا، فإن استوت درجتهم: قدم الأنثى على الذكر، فتقدم الأم على الأب، والجدة على الجد، والخالة على الخال، والعمة على العم، والأخت على الأخ. فإن كانا ذكرين أو انثيين قدم أحدهما بالقرعة، يعني: مع استواء درجتهما. وإن اختلفت درجتهما من الطفل، فإن كانوا من جهة واحدة: قدم الأقرب إليه، فتقدم الأخت على ابنتها، والخالة على خالة الأبوين، وخالة الأبوين على خالة الجد والجدة، والجد أبو الأم على الأخ للأم، هذا هو الصحيح؛ لأن جهة الأبوة والأمومة في الحضانة أقوى من جهة الأخوة فيها، وقيل: يقدم الأخ للأم؛ لأنه أقوى من أب الأم في الميراث، والوجهان في مذهب أحمد، وفيه وجه ثالث: أنه لا حضانة للأخ من الأم بحال؛ لأنه ليس من العصبات، ولا من نساء الحضانة، وكذلك الخال أيضا فإن صاحب هذا الوجه يقول: لا حضانة له، ولا نزاع أن أبا الأم وأمهاته أولى من الخال.
(2/833)
وإن كانوا من جهتين، كقرابة الأم وقرابة الأب، مثل: العمة والخالة، والأخت للأب والأخت للأم، وأم الأب وأم الأم، وخالة الأب وخالة الأم، قدم من في جهة الأب في ذلك كله على إحدى الروايتين فيه، هذا كله إذا استوت درجتهم، أو كانت جهة الأب أقرب إلى الطفل، وأما إذا كانت جهة الأم أقرب وقرابة الأب أبعد كأم الأم وأم أب الأب، وكخالة الطفل وعمة أبيه، فقد تقابل الترجيحان، ولكن يقدم الأقرب إلى الطفل لقوة شفقته وحنوه على شفقة الأبعد، ومن قدم قرابة الأب فإنما يقدمها مع مساواة قرابة الأم لها، فأما إذا كانت أبعد منها قدمت قرابة الأم القريبة، وإلا لزم من تقديم القرابة البعيدة لوازم باطلة لا يقول بها أحد. فبهذا الضابط يمكن حصر جميع مسائل هذا الباب، وجريها على القياس الشرعي واطرادها وموافقتها لأصول الشرع، فأي مسألة وردت عليك أمكن أخذها من هذا الضابط، مع كونه مقتضى الدليل، ومع سلامته من التناقض ومناقضة قياس الأصول، وبالله التوفيق) [زاد المعاد 5/ 450]. - وقال أيضًا: (وسمعت شيخنا - رحمه الله - يقول: تنازع أبوان صبيا عند بعض الحكام، فخيره بينهما، فاختار أباه، فقالت له أمه: سله، لأي شيء يختار أباه؟ فسأله، فقال: أمي تبعثني كل يوم للكتاب، والفقيه يضربني، وأبي يتركني للعب مع الصبيان، فقضى به للأم، قال: أنتِ أحق به. قال شيخنا: وإذا ترك أحد الأبوين تعليم الصبي، وأمره الذي أوجبه الله عليه، فهو عاص، ولا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته فلا ولاية له، بل إما أن ترفع يده عن الولاية، ويقام من يفعل الواجب، وإما أن يضم إليه من يقوم معه بالواجب، إذ المقصود طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان.
(2/834)
قال شيخنا: وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء، سواءً كان الوارث فاسقا أو صالحا، بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب والعلم به، وفعله بحسب الإمكان. قال: فلو قدر، أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرة، فالحضانة هنا للأم قطعًا. قال: ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم الأبوين مطلقًا، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقًا، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقًا، بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البر العادل المحسن. والله أعلم) [زاد المعاد 5/ 475 - 476]. 1152 - الخالة والعمة: - قال ابن القيم: (وفي القصة (1) حجة لمن قدم الخالة على العمة، وقرابة الأم على قرابة الأب، فإنه قضى بها لخالتها، وقد كانت صفية عمتها موجودة إذ ذاك، وهذا قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى _________ (1) يشير إلى قصة ابنة حمزة التي ذكرها قبل ذلك (3/ 374)، قال: (ولما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - الخروج من مكة، تبعتهم ابنة حمزة تنادي: يا عم، يا عم، فتناولها علي بن أبى طالب رضى الله عنه، فأخذ بيدها، وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك، فحملتها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، فقال علي: أنا أخذتها، وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالتها، وقال: «الخالة بمنزلة الأم»، وقال لعلي: «أنت مني وأنا منك»، وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي»، وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا». متفق على صحته).
(2/835)
الروايتين عنه، وعنه رواية ثانية: أن العمة مقدمة على الخالة، وهي اختيار شيخنا) [زاد المعاد 3/ 376]. - وقال أيضا: (ومن يدلي من الخالات والعمات بأم، ومن يدلي منهن بأب، ففيه روايتان عن الإمام أحمد: إحداهما: تقديم أقارب الأم على أقارب الأب. والثانية: ــ وهي أصح دليلًا، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ــ تقديم أقارب الأب) [زاد المعاد 5/ 438]. - وقال ابن مفلح: (وتقدم أمُّ أمٍّ على أمِّ أبٍ، وأختٌ لأمٍ على أختٍ لأبٍ، وخالةٌ على عمَّةٍ، وخالةُ أمٍّ على خالةِ أبٍ، وخالةُ أبٍ على عمتِه، ومدل من خالة وعمة بأم «و»، وعنه: عكسه في الكل، واختاره شيخنا وغيره، لأن الولاية للأب، وكذا قرابته، لقوته بها، وإنما قدمت الأم؛ لأنه لا يقوم مقامها هنا في مصلحة الطفل، وإنما قدم الشارع خالة ابنة حمزة على عمتها صفية؛ لأن صفية لم تطلب، وجعفر طلب نائبا عن خالتها، فقضى الشارع بها لها في غيبتها) [الفروع 5/ 614 (9/ 237 - 238)] (1). _________ (1) «الفتاوى» (31/ 354؛ 34/ 122)، «الاختيارات» للبعلي (414 - 415).
(2/836)
كتاب الجنايات
1153 - الدال غيره على القتل: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا أن الدال يلزمه القود إن تعمد وإلا الدية، وأن الآمر لا يرث) [الفروع 5/ 627 (9/ 358)] (1). 1154 - إمساك الحيات جناية: - قال ابن مفلح: (ومن أمسك الحية كمدعي المشيخة فقتلته فقاتل نفسه، وإن قيل: إنه ظن أنها لا تقتل، فشبه عمد، بمنزلة من أكل حتى بشم، وإمساك الحيات جناية فإنه محرم، ذكره شيخنا) [الفروع 5/ 635 (9/ 366)]. _________ (1) «الفتاوى» (34/ 157)، «الاختيارات» للبعلي (416).
(2/837)
باب شروط القود
\ 1155 - التوبة بعد الجرح أو بعد الرمي قبل الإصابة: - قال ابن مفلح: (وليست التوبة بعد الجرح أو بعد الرمي قبل الإصابة مانعة من القود، في ظاهر كلامهم، وجزم به شيخنا، كما بعد الزهوق «ع»، وقد ذكر ابن عقيل صحتها، وأن الإثم واللائمة يزول من جهة الله وجهة المالك، ولا يبقى إلا حق الضمان للمالك. وفهم منه شيخنا سقوط القود، وقال: هذا ليس بصحيح، وإن فرقا بين الخطأ ابتداء والخطأ في أثناء الفعل. وقد يكون مراد ابن عقيل ببقاء الضمان القود) [الفروع 5/ 640 (9/ 374 - 375)] (1). 1156 - إذا قتل من اعتدى على حريمه: 1157 - وإذا ادعى القاتل أن المقتول زنى وهو محصن بشاهدين: - قال ابن القيم: ( ... وإن كان صاحب «المستوعب» قد قال: وإن وجد مع امرأته رجلا ينال منها ما يوجب الرجم، فقتله، وادعى أنه قتله لأجل ذلك، فعليه القصاص فى ظاهر الحكم، إلا أن يأتى بينة بدعواه، فلا يلزمه القصاص، قال: وفى عدد البينة روايتان، إحداهما: شاهدان، اختارها أبو بكر؛ لأن البينة على الوجود لا على الزنى، والأخرى لا يقبل أقل من أربعة، والصحيح أن البينة متى قامت بذلك، أو أقر به الولي سقط القصاص _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (416).
(2/838)
محصنا كان أو غيره ... وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، وقال: ليس هذا من باب دفع الصائل، بل من باب عقوبة المعتدي المؤذي، وعلى هذا فيجوز له فيما بينه وبين الله تعالى قتل من اعتدى على حريمه، سواءً كان محصنًا، أو غير محصن، معروفًا بذلك أو غير معروف) [زاد المعاد 5/ 406]. - وقال ابن مفلح: (وإن ادعى زنا محصن بشاهدين (1) ــ نقله ابن منصور، واختاره أبو بكر وغيره، ونقل أبو طالب وغيره: أربعة، اختاره الخلال وغيره ــ قبل، وإلا ففيه باطنا وجهان، وقيل: وظاهرا. وقال في رواية ابن منصور بعد كلامه الأول: وقد روى عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «منزل الرجل حريمه، فمن دخل عليك حريمك فاقتله» فدل أنه لا يعزر، ولهذا ذكر في «المغني» وغيره: إن اعترف الولي بذلك فلا قود ولا دية، واحتج بقول عمر - رضي الله عنه -، وكلامهم وكلام أحمد السابق يدل على أنه لا فرق بين كونه محصنا أو لا، وكذا ما يروى عن عمر وعلي - رضي الله عنهما -، وصرح به بعض المتأخرين ــ كشيخنا وغيره ـ لأنه ليس بحد، وإنما هو عقوبة على فعله، وإلا لاعتبرت فيه شروط الحد، والأول ذكره في «المستوعب» وغيره) [الفروع 5/ 642 (9/ 374 - 375)] (2). _________ (1) أي: إذا ادعى القاتل أن المقتول زنى وهو محصن بشاهدين، كما في «الإنصاف» (9/ 476). (2) انظر: «الفتاوى» (13/ 22 - 23؛ 15/ 122؛ 28/ 320)، «الاختيارات» للبعلي (420).
(2/839)
باب القود فيما دون النفس
1158 - القصاص في اللطمة والضربة ونحوها: - قال ابن القيم: (وقد اختلف الناس في هذه المسألة، وهي: القصاص في اللطمة والضربة ونحوها، مما لا يمكن المقتص أن يفعل بخصمه مثل ما فعله به من كل وجه، هل يسوغ القصاص في ذلك، أو يعدل إلى عقوبته بجنس آخر، وهو التعزير؟ على قولين: أصحهما: أنه شرع فيه القصاص، وهو مذهب الخلفاء الراشدين، ثبت ذلك عنهم، حكاه عنهم أحمد وأبو إسحاق الجوزجاني في «المترجم»، ونص عليه الإمام أحمد في رواية الشالنجي وغيره، قال شيخنا - رحمه الله -: وهو قول جمهور السلف) [تهذيب السنن 12/ 175 - 176] (1). 1159 - كيفية القصاص إذا قتله بعصا أو خنقه أو شدخ رأسه بحجر: - قال ابن مفلح: (ونقل ابن منصور: إذا قتله بعصا أو خنقه أو شدخ رأسه بحجر، يقتل بمثل الذي قتل به، لأن الجروح قصاص. ونقل أيضا: كل شيء من الجراح والكسر يقدر على القصاص يقتص منه، للأخبار، واختاره شيخنا وأنه ثبت عن الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - أجمعين) [الفروع 5/ 650 (9/ 388)] (2). _________ (1) «الفتاوى» (11/ 547؛ 28/ 379؛ 34/ 162)، «الاختيارات» للبعلي (422). (2) «الفتاوى» (18/ 167 - 168؛ 20/ 351 - 352)، «الاختيارات» للبعلي (422).
(2/840)
باب استيفاء القود
1160 - القود يختص بالعصبة: - قال ابن مفلح: (ويستحق كل واحد القود بقدر إرثه من ماله، وعنه: يختص العصبة، ذكرها ابن البنا، وخرجها شيخنا واختارها) [الفروع 5/ 660 (9/ 400)] (1). 1161 - استيفاء القود بحضرة السلطان: - قال ابن مفلح: (ويحرم استيفاء قود إلا بحضرة سلطان، وفي النفس احتمال (2)، واختاره شيخنا ويقع الموقع) [الفروع 5/ 662 (9/ 402 - 403)] (3). 1162 - استيفاء القود في النفس يجوز بأن يفعل به كفعله ويجوز بالسيف: - قال ابن مفلح: (ولا يستوفى قود في النفس إلا بسيف، نص عليه، واختاره الأصحاب، كما لو قتله بمحرم في نفسه، كلواط وتجريع خمر. قال في «الانتصار» وغيره في قود: وحق الله لا يجوز في النفس إلا بسيف، لأنه أوحى (4)، لا بسكين ولا في طرف إلا بها لئلا يحيف وأن الرجم بحجر لا يجوز _________ (1) «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (72)، «الاختيارات» للبعلي (423). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: إذا كان القود في النفس ففيه احتمال, يستوفى بغير حضرة السلطان). (3) انظر: «الاختيارات» للبعلي (422). (4) أي: أسرع، قال في «المصباح المنير»: (و «الوَحَا» السرعة ــ يمد ويقصر ــ، وموت وَحِيٌّ، مثل: سريع ــ وزنا ومعنى ــ، فعيل بمعنى فاعل، وذكاة وَحِيَّةٌ، أي: سريعة أيضا) اهـ.
(2/841)
بسيف، وعنه: يجوز أن يفعل به كفعله وقتله بسيف، اختاره شيخنا) [الفروع 5/ 663 (9/ 404)] (1). _________ (1) «الاختيارات» (422).
(2/842)
باب العفو عن القود
1163 - أنواع العدل: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: العدل نوعان: أحدهما: هو الغاية، وهو العدل بين الناس. والثاني: ما يكون الإحسان أفضل منه، وهو عدل الإنسان بينه وبين خصمه في الدم والمال والعرض، فإن استيفاء حقه عدل، والعفو إحسان، والإحسان هنا أفضل، لكن هذا الإحسان لا يكون إحسانا إلا بعد العدل، وهو أن لا يحصل بالعفو ضرر، فإذا حصل منه ضرر كان ظلما من العافي، إما لنفسه وإما لغيره، فلا يشرع) [الفروع 5/ 668 (9/ 410)] (1). 1164 - العفو في قتل الغيلة: - قال ابن القيم: ( ... وعلى أن قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حدًا، فلا يسقطه العفو، ولا تعتبر فيه المكافأة، وهذا مذهب أهل المدينة، وأحد الوجهين في مذهب أحمد، اختاره شيخنا، وأفتى به) [زاد المعاد 4/ 49]. - وقال أيضا: (وأن القتل غيلة لا يشترط فيه إذن الولي، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يدفعه إلى أوليائها، ولم يقل: إن شئتم فاقتلوه، وإن شئتم فاعفوا عنه، بل قتله حتمًا، وهذا مذهب مالك، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية) [زاد المعاد 5/ 9]. _________ (1) «جامع المسائل» (6/ 38).
(2/843)
- وقال ابن مفلح: (واختار شيخنا أنه لا يصح العفو في قتل الغيلة لتعذر الاحتراز، كالقتل (1) مكابرة) [الفروع 5/ 669 (9/ 411)] (2). _________ (1) بعدها في ط 1: (في). (2) «الفتاوى» (28/ 316 - 317، 34/ 147)، «الاختيارات» للبعلي (422).
(2/844)
كتاب الديات
1165 - مسألة: - قال ابن مفلح: (واختار ابن عقيل في التائب العاجز عن مفارقة المعصية في الحال أو العاجز عن إزالة أثرها ــ كمتوسط المكان المغصوب، ومتوسط الجرحى ــ تصح توبته مع العزم والندم، وأنه ليس عاصيا بخروجه من الغصب، ومنه توبته بعد رمي السهم أو الجرح، وتخليصه صيد الحرم من الشَّرَك، وحمله المغصوب لربه، يرتفع الإثم بالتوبة والضمان باق، بخلاف ما لو كان ابتداء الفعل غير محرم، كخروج مستعير من دار انتقلت عن المعير، وخروج من أجنب بمسجد، ونزع مجامع طلع عليه الفجر، فإنه غير آثم اتفاقا. ونظير المسألة: توبة مبتدع لم يتب من أصله تصح، وعنه: لا، اختاره ابن شاقلا. وكذا توبة القاتل قد تشبه هذا وتصح على الأصح. وحق الآدمي لا يسقط إلا بالأداء إليه، وكلام ابن عقيل يقتضي ذلك؛ فإنه شبهه بمن تاب من قتل أو إتلاف مع بقاء أثر ذلك، لكنه قال: إن توبته في هذه المواضع تمحو جميع ذلك، ثم ذكر أن الإثم واللائمة والمعتبة تزول عنه من جهة الله سبحانه وجهة المالك، ولا يبقى إلا حق الضمان للمالك. قال شيخنا: هذا ليس بصحيح؛ لأن التائب بعد الجرح أو وجوب
(2/845)
القود ليس كالمخطئ ابتداء، فرقت الشريعة بين المعذور ابتداء وبين التائب في أثنائه وأثره. وأبو الخطاب منع أن حركات الغاصب للخروج طاعة، بل معصية، فعلها لدفع أكثر الغصبين بأقلهما، والكذب لدفع قتل إنسان، والقول الثالث هو الوسط. وكذا القول فيمن أضل غيره معتقدا أنه مضل، ومن لا يرى أنه إضلال فكالكافر الداعية يتوب، ذكره شيخنا) [الفروع 6/ 11 - 12 (9/ 430 - 431)]. 1166 - حمل العاقلة للدية موافق للقياس: - قال ابن القيم: (ومن هذا الباب قول القائل: حمل العاقلة الدية عن الجاني على خلاف القياس، ولهذا لا تحمل العمد ولا العبد ولا الصلح ولا الاعتراف ولا ما دون الثلث، ولا تحمل جناية الأموال، ولو كانت على وفق القياس: لحملت ذلك كله. والجواب، أن يقال: لا ريب أن من أتلف مضمونا: كان ضمانه عليه، ولا تزر وازرة وزر أخرى، ولا تؤخذ نفس بجريرة غيرها، وبهذا جاء شرع الله سبحانه وجزاؤه، وحمل العاقلة الدية غير مناقض لشيء من هذا، كما سنبينه. والناس متنازعون في العقل: هل تحمله العاقلة ابتداء، أو تحملا؟ على قولين. كما تنازعوا في صدقة الفطر التي يجب أداؤها عن الغير ــ كالزوجة والولد ــ هل تجب ابتداء، أو تحملًا؟ على قولين.
(2/846)
وعلى ذلك ينبني ما لو أخرجها من تحملت عنه عن نفسه بغير إذن المتحمل لها. فمن قال: هي واجبة على الغير تحملًا، قال: تجزئ في هذه الصورة، ومن قال: هي واجبة عليه ابتداء، قال: لا تجزئ، بل هي كأداء الزكاة عن الغير. وكذلك القاتل، إذا لم تكن له عاقلة: هل تجب الدية في ذمة القاتل، أو لا؟ على قولين، بناء على هذا الأصل، والعقل فارق غيره من الحقوق في أسباب اقتضت اختصاصه بالحكم، وذلك أن دية المقتول مال كثير، والعاقلة إنما تحمل الخطأ، ولا تحمل العمد، بالاتفاق، ولا شبهه ــ على الصحيح ــ، والخطأ يعذر فيه الإنسان، فإيجاب الدية في ماله ضرر عظيم عليه، من غير ذنب تعمده، وإهدار دم المقتول من غير ضمان بالكلية فيه إضرار بأولاده وورثته، فلا بد من إيجاب بدله. فكان من محاسن الشريعة، وقيامها بمصالح العباد: أن أوجب بدله على من عليه موالاة القاتل ونصرته، فأوجب عليهم إعانته على ذلك، وهذا كإيجاب النفقات على الأقارب، وكسوتهم، وكذا مسكنهم، وإعفافهم إذا طلبوا النكاح، وكإيجاب فكاك الأسير من بلد العدو، فإن هذا أسيف بالدية التي لم يتعمد سبب وجوبها، ولا وجبت باختيار مستحقها، كالقرض والبيع، وليست قليلة، فالقاتل في الغالب لا يقدر على حملها، وهذا بخلاف العمد فإن الجاني ظالم، مستحق للعقوبة، ليس أهلا أن يحمل عنه بدل القتل، وبخلاف شبه العمد، لأنه قاصد للجناية متعمد لها، فهو آثم معتدٍ، وبخلاف بدل المتلف من الأموال فإنه قليل في الغالب، لا يكاد المتلف يعجز عن
(2/847)
حمله، وشأن النفوس غير شأن الأموال، ولهذا لا تحمل العاقلة ما دون الثلث عند الإمام أحمد ومالك، لقلته واحتمال الجاني حمله، وعند أبي حنيفة: لا تحمل ما دون أقل المقدر كأرش الموضحة، وتحمل ما فوقه، وعند الشافعي: تحمل القليل والكثير، طردا للقياس، وظهر بهذا كونها لا تحمل العبد، فإنه سلعة من السلع، ومال من الأموال، فلو حملت بدله لحملت بدل الحيوان والمتاع. وأما الصلح والاعتراف فعارض هذه الحكمة فيهما معنى آخر، وهو: أن المدعي والمدعى عليه قد يتواطآن على الإقرار بالجناية، ويشتركان فيما تحمله العاقلة، ويتصالحان على تغريم العاقلة، فلا يسري إقراره، ولا صلحه، فلا يجوز إقراره في حق العاقلة، ولا يقبل قوله فيما يجب عليها من الغرامة. وهذا هو القياس الصحيح، فإن الصلح والاعتراف يتضمن إقراره ودعواه على العاقلة، بوجوب المال عليهم، فلا يقبل ذلك في حقهم، ويقبل بالنسبة إلى المعترف، كنظائره. فتبين أن إيجاب الدية على العاقلة من جنس ما أوجبه الشارع من الإحسان إلى المحتاجين، كأبناء السبيل والفقراء والمساكين، وهذا من تمام الحكمة التي بها قيام مصلحة العالم، فإن الله سبحانه قسم خلقه إلى غني وفقير، ولا تتم مصالحهم إلا بسد خلة الفقير، فأوجب سبحانه في فضول أموال الأغنياء ما يسد به خلة الفقراء، وحرم الربا الذي يضر بالمحتاج، فكان أمره بالصدقة، ونهيه عن الربا، أخوين شقيقين، ولهذا جمع الله بينهما في قوله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]، وقوله: {وَمَا آتَيْتُمْ
(2/848)
مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39]، وذكر الله سبحانه أحكام الناس في الأموال في آخر سورة البقرة، وهي ثلاثة: عدل، وظلم، وفضل، فالعدل: البيع، والظلم: الربا، والفضل: الصدقة، فمدح المتصدقين وذكر ثوابهم، وذم المرابين وذكر عقابهم، وأباح البيع والتداين إلى أجل مسمى. والمقصود أن حمل الدية من جنس ما أوجبه من الحقوق لبعض العباد على بعض، كحق المملوك والزوجة والأقارب والضيف، ليست من باب عقوبة الإنسان بجناية غيره، فهذا لون، وذاك لون، والله الموفق) [إعلام الموقعين 2/ 35 - 37] (1). _________ (1) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 57 - 58) , وهذا النص في «الفتاوى» (20/ 552 - 554).
(2/849)
باب القسامة
1167 - اللَّوث: - قال ابن مفلح: (ويشترط لها اللَّوث، وهو العداوة، ولو مع سيد عبد، قال في «الرعاية»: وعصبة مقتول، نحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر، وكالقبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر، ونقل علي بن سعيد: عداوة أو عصبية. وعنه: أنه ما يغلب على الظن صحة الدعوى به، كتفرق جماعة عن قتيل، ووجود قتيل عند من معه سيف ملطخ بدم، وشهادة من لا يثبت بشهادتهم قتل، اختاره أبو محمد الجوزي وابن رزين وشيخنا وغيرهم) [الفروع 6/ 46 (10/ 16)] (1). 1168 - القسامة في الأموال: - قال ابن القيم: (وقد ذكر أصحاب مالك: القسامة في الأموال، وذلك فيما إذا غار قوم على بيت رجل، وأخذوا ما فيه، والناس ينظرون إليهم، ولم يشهدوا على معاينة ما أخذوه، ولكن علموا أنهم أغاروا وانتهبوا. فقال ابن القاسم وابن الماجشون: القول قول المنتهب، مع يمينه. وقال مطرف، وابن كنانة، وابن حبيب: القول قول المنهوب مع يمينه فيما يشبه. وقد تقدم ذلك، وذكرنا أنه اختيار شيخ الإسلام، وحكينا كلامه - رحمه الله - (2)) [الطرق الحكمية 147 ــ 148]. _________ (1) «الفتاوى» (34/ 154)، «الاختيارات» للبعلي (425). (2) يأتي برقم (1445).
(2/850)
كتاب الحدود
1169 - العقوبات الشرعية: - قال ابن القيم: (قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه: واجبات الشريعة التي هي حق الله تعالى ثلاثة أقسام: عبادات: كالصلاة والزكاة والصيام. وعقوبات: إما مقدرة، وإما مفوضة. وكفارات. وكل واحد من أقسام الواجبات ينقسم: إلى بدني، وإلى مالي، وإلى مركب منهما. فالعبادات البدنية: كالصلاة والصيام، والمالية: كالزكاة، والمركبة: كالحج. والكفارات المالية: كالإطعام، والبدنية: كالصيام، والمركبة: كالهدي يذبح ويقسم. والعقوبات البدنية: كالقتل والقطع، والمالية: كإتلاف أوعية الخمر، والمركبة: كجلد السارق من غير حرز وتضعيف العزم عليه، وكقتل الكفار وأخذ أموالهم. والعقوبات البدنية: تارة تكون جزاء على ما مضى كقطع السارق، وتارة تكون دفعا عن الفساد المستقبل، وتارة تكون مركبة كقتل القاتل.
(2/851)
وكذلك المالية: فإن منها ما هو من باب إزالة المنكر، وهي تنقسم كالبدنية: إلى إتلاف، وإلى تغيير، وإلى تمليك. فالأول: المنكرات من الأعيان والصور، يجوز إتلاف محلها تبعا لها، مثل: الأصنام المعبودة من دون الله، لما كانت صورها منكرة جاز إتلاف مادتها، فإذا كانت حجرا أو خشبا ونحو ذلك: جاز تكسيرها وتحريقها، وكذلك آلات الملاهي كالطنبور: يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء، وهو مذهب مالك، وأشهر الروايتين عن أحمد ... الخ) [الطرق الحكمية 210] (1). 1170 - إقامة الحد من غير الإمام ونائبه: - قال ابن مفلح: (تحرم إقامة حد إلا لإمام أو نائبه، واختار شيخنا إلا لقرينة، كتطلب الإمام له ليقتله) [الفروع 6/ 53 (10/ 29)] (2). 1171 - وجوب إقامة الحد ولو من الشريك أو المعين: 1172 - وإقامة السيد الحد على رقيقه: - قال ابن مفلح: (ويأتي في التعزير (3) وجوب إقامة الحد وظاهره: ولو كان من يقيمه شريكا لمن يقيمه عليه في المعصية أو عونا له، وقاله شيخنا، واحتج بما ذكره العلماء من أصحابنا وغيرهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يسقط بذلك، بل عليه أن يأمر وينهى، ولا يجمع بين معصيتين. _________ (1) «الفتاوى» (28/ 112 - 113). (2) انظر: «الفتاوى» (34/ 175 - 176). (3) أي: من «الفروع».
(2/852)
وقال شيخنا: إن عصى الرقيق علانية أقام السيد عليه الحد، وإن عصى سرا فينبغي أن لا يجب عليه إقامته بل يخير بين ستره واستتابته بحسب المصلحة في ذلك، كما يخير الشهود على إقامة الحد بين إقامتها عند الإمام وبين الستر على المشهود عليه واستتابته بحسب المصلحة، فإن ترجح أنه يتوب ستروه، وإن كان في ترك إقامة الحد عليه ضرر للناس كان في الراجح رفعه إلى الإمام، ولهذا لم يقل أصحابنا إلا أن له (1) إقامة الحد بعلمه، ولم يقولوا إن ذلك عليه، وذلك لأنه لو وجب على من علم من رقيقه حدا أن يقيمه عليه مع إمكان استتابته لأفضى ذلك إلى وجوب هتك كل رقيق، وأنه لا يستر على أحد منهم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة». كذا قال، ويقال: السيد في إقامته كالإمام، فيلزمه إقامته بثبوته عنده كالإمام، ولا يلزم ما ذكره بدليل الإمام، وإنما قال الأصحاب: للسيد إقامته لأنه استثنوه من التحريم، ويتوجه من قول شيخنا تخريج في الإمام، وغايته تخصيص ظاهر الأخبار وتقييد مطلقها، وهو جائز، لكن الشأن في تحقيق دليل التخصيص والتقييد) [الفروع 6/ 54 - 55 (10/ 31 - 32)] (2). 1173 - الموالاة في الحدود: - قال ابن مفلح: (ولا تعتبر الموالاة في الحدود، ذكره القاضي وغيره في موالاة الوضوء لزيادة العقوبة، ولسقوطه بالشبهة، وقال شيخنا: فيه نظر، وما قاله أظهر) [الفروع 6/ 55 (10/ 33)]. _________ (1) كلمة (له) سقطت من ط 2، وهي ثابتة في المخطوط (ص: 326). (2) انظر: «الصارم المسلول» (2/ 519)، «الاختيارات» للبعلي (442).
(2/853)
1174 - الحكمة من شرع العقوبات: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا في تتمة كلامه السابق في آخر الصلح (1): فعلى الإنسان أن يكون مقصوده نفع الخلق والإحسان إليهم، وهذا هو الرحمة التي بعث بها محمد - صلى الله عليه وسلم - في قوله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] لكن للاحتياج (2) إلى دفع الظلم شرعت العقوبات، وعلى المقيم لها أن يقصد بها النفع والإحسان، كما يقصد الوالد بعقوبة الولد، والطبيب بدواء المريض، فلم يأمر الشرع إلا بما هو نفع للعباد، وعلى المؤمن أن يقصد ذلك) [الفروع 6/ 56 (10/ 34)] (3). 1175 - اجتماع الحدود: - قال ابن مفلح: (وإن اجتمعت حدود لله عز وجل فإن كان فيها قتل استوفي وحده، قال في «المغني»: لا يشرع غيره، وإلا تداخل الجنس، فظاهره لا يجوز إلا حد واحد، قال أحمد: يقام عليه الحد مرة، لا الأجناس (4)، وذكر ابن عقيل رواية: لا تداخل في السرقة. وفي «البلغة»: فقطع واحد، على الأصح. وفي «المستوعب» رواية: إن طالبوا متفرقين قطع لكل واحد، قال أبو بكر: هذه رواية صالح، والعمل على خلافها. _________ (1) سبق برقم (716). (2) في ط 1 والمخطوط (ص: 327): (الاحتياط)، والمثبت من ط 2 و «جامع المسائل». (3) «جامع المسائل» (6/ 37). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (المعنى: تداخل الجنس لا الأجناس).
(2/854)
ثم قال شيخنا: قول الفقهاء «تتداخل» دليلٌ على أن الثابت أحكام وإلا فالشيء الواحد لا يعقل فيه تداخل، فالصواب أنها أحكام، وعلى ذلك نص الأئمة، كما قال أحمد في بعض ما ذكره: هذا مثل لحم خنزير ميت، فأثبت فيه تحريمين) [الفروع 6/ 61 (10/ 41 - 42)] (1). 1176 - إذا تعدى أهل مكة أو غيرهم على الركب في الحرم: 1177 - والعصمة في الأشهر الحرم: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: إن تعدى أهل مكة أو غيرهم على الركب دفع الركب كما يدفع الصائل، وللإنسان أن يدفع مع الركب بل يجب إن احتيج إليه، وفي «التعليق» وجه في حرم المدينة كالحرم، وفي مسلم عن أبي سعيد مرفوعا: «إني حرمت المدينة وما بين مأزميها، أن لا يهراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح لقتال». ولا تعصم الأشهر الحرم للعمومات ولغزو الطائف وإقرارهم، وتردد كلام شيخنا) [الفروع 6/ 64 (10/ 46 - 47)] (2). _________ (1) «جامع المسائل» (6/ 94) بتقديم وتأخير. (2) انظر: «الفتاوى» (26/ 118).
(2/855)
باب حد الزنا
1178 - حد اللواط: - قال ابن القيم: (ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى في اللواط بشيء، لأن هذا لم تكن تعرفه العرب، ولم يرفع إليه - صلى الله عليه وسلم - ... وقال ابن القصار وشيخنا: أجمعت الصحابة على قتله، وإنما اختلفوا في كيفية قتله: فقال أبو بكر الصديق: يرمى من شاهق، وقال علي - رضي الله عنه -: يهدم عليه حائط، وقال ابن عباس: يقتلان بالحجارة. فهذا اتفاق منهم على قتله، وإن اختلفوا في كيفيته) [زاد المعاد 5/ 40] (1). - وقال ابن مفلح: (وفي «رد شيخنا على الرافضي» إذا قيل: الفاعل كزان فقيل: يقتل المفعول به مطلقا، وقيل: لا، وقيل بالفرق، كفاعل) [الفروع 6/ 71 (10/ 54)] (2). 1179 - الاختلاف في دخول المفعول به الجنة: - قال ابن القيم: (وقد اختلف الناس هل يدخل الجنة مفعول به؟ على قولين، سمعت شيخ الإسلام يحكيهما) [الداء والدواء 254]. 1180 - الجهل بتحريم النكاح الباطل إجماعا شبهة تمنع إقامة الحد: - قال ابن مفلح: (ويشترط انتفاء الشبهة، فلو وطئ امرأته في حيض أو _________ (1) «الفتاوى» (28/ 335). (2) «منهاج السنة» (3/ 422).
(2/856)
نفاس أو في دبر، أو أمة له أو لمكاتبه فيها شِرْك (1) أو لبيت المال فله فيه حق، أو امرأة على فراشه أو منزله ظنها امرأته، أو جهل تحريمه لقرب إسلامه أو نشوئه ببادية بعيدة، أو تحريم نكاح باطل (2) إجماعا، أطلقه جماعة (3)، وقاله شيخنا وقدمه في «المغني») [الفروع 6/ 73 (10/ 57)]. 1181 - الإكراه وما يباح به: - قال ابن مفلح: (وإن أُكره رجل فزنى فنصه: يحد. اختاره الأكثر، وعنه: لا، كامرأة مكرهة أو غلام بإلجاء أو تهديد أو منع طعام مع اضطرار ونحوه، وعنه فيهما: لا بتهديد ونحوه، ذكره شيخنا، قال: بناء على أنه لا يباح بالإكراه الفعل، بل القول) [الفروع 6/ 75 (10/ 61)] (4). 1182 - إذا وطئ أمة امرأته وقد أحلتها له: - قال ابن مفلح: (ومن وطئ أمة امرأته وقد أحلتها له عزر بمائة جلدة، وعنه: إلا سوطا، وعنه: بعشر، ولا يلحقه الولد، في رواية، نقله الجماعة، قال أبو بكر: عليه العمل، قال أحمد: لما لزمه من الجلد أو الرجم، وعنه: بلى. وقال شيخنا: إن ظن جوازه لحقه، وإلا فروايتان فيه وفي حده) [الفروع 6/ 75 (10/ 61)]. _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (التقدير: له فيها شِرْكٌ أو لمكاتبه). (2) أي: أو جهل تحريم نكاح باطل. (3) أي: لم يقيدوه بقرب إسلامه أو نشأته في بادية، والله أعلم. (4) انظر: «الفتاوى» (8/ 502 - 503؛ 15/ 115 - 116؛ 32/ 114).
(2/857)
1183 - إذا وطئ أمة امرأته: 1184 - وإذا أتلف عبد غيره بما يتعذر معه انتفاع مالكه به: - قال ابن مفلح: (وعنه فيمن وطئ أمة امرأته: إن أكرهها عتقت وغرم مثلها وإلا ملكها بمثلها، لخبر سلمة بن المحبق، لأنه إتلاف، كمن مثل بعبده، فمن أتلف عبد غيره بما يتعذر معه انتفاع مالكه به عتق، ولمالكه قيمته، وليس ببعيد من الأصول، قاله شيخنا، وأن من هذا جدع مركوب الحاكم ونحوه، والرواية المذكورة حكاها شيخنا، فقال: حكي عن أحمد وإسحاق القول به) [الفروع 6/ 76 (10/ 62)] (1). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (20/ 566 - 567).
(2/858)
باب القذف
1185 - الغيرة عذر في الغيبة: - قال ابن مفلح: (ويحد بقذف على جهة الغيرة ــ بفتح الغين -، ويتوجه احتمال «و: م»، وأنها عذر في غيبة ونحوها، وتقدم في الطلاق (1) كلام ابن عقيل وشيخنا، لقول عائشة - رضي الله عنها - للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن خديجة: وما تذكر من عجوز حمراء الشدقين، وقوله: «إني أعرف إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى»، ولدعائها وجعلها رجليها بين الإذخر تقول: يا رب سلط علي عقربا أو حية تلدغني، وذلك في «الصحيحين» وفيهما من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قالت: والله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله، فإذا هي قد هلكت، وأن عمر قال هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فتبسم. وفيه: وكان قد أقسم لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله عز وجل) [الفروع 6/ 83 - 84 (10/ 72)]. - وقال أيضا: (وليست الغيرة عذرا في غيبة ونحوها في ظاهر كلام أحمد والأصحاب؛ لعموم الأدلة، ويتوجه احتمال، وهو معنى كلام ابن عقيل في «الفنون» فإنه قال: قل أن يصح رأي مع فورة طبع، فوجب التوقف إلى حين الاعتدال. وهو أيضا معنى ما اختاره الشيخ تقي الدين، فإنه اختار أن لا يقع طلاق من غضب حتى تغير، ولم يزل عقله كالمكره) [الآداب الشرعية 2/ 526]. _________ (1) انظر: رقم (1067، 1068).
(2/859)
1186 - قذف الرجل لامرأته: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: إذا قال أخبرتني أنها زنت فكذبته ففي كونه قاذفا نزاع في مذهب أحمد وغيره، فإن جعل قذفا أو قذفها صريحا فله لعانها، ولو حلف بالطلاق أنها قالت له فأنكرته لم تطلق باتفاق الأئمة، ولو أسقطت جنينا بسبب القذف لم يضمنه لأنه إذا جاز قذفه فلا عدوان، فدل أنه لو حرم قذفه ضمنه) [الفروع 6/ 87 (10/ 78)] (1). 1187 - إذا قال له: «أنت عِلْقٌ»: - قال ابن مفلح: (وإن قال: زنأت في الجبل فصريح، وقيل: إن عرف العربية، وقال: أردت الصعود في الجبل، قيل: فإن لم يقل: في الجبل فوجهان، وقيل: لا قذف ويتوجه مثله في لفظة «عِلْقٌ» (2) وذكرها شيخنا صريحة (3)) [الفروع 6/ 89 (10/ 81)]. - وقال أيضا: (قال شيخنا: إن «علق» تعريض (4)) [الفروع 6/ 91 (10/ 84)] (5). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (34/ 184). (2) في «المطلع» (317): (علقت الأنثى ــ بكسر اللام ــ: حملت). (3) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (تنبيه: قوله: «وإن لم يقل في الجبل فوجهان، وقيل: لا قذف، ويتوجه مثلها لفظة «علق»، وذكرها شيخنا صريحة» انتهى. وقال بعد ذلك بقريب من عشرين سطرا أو أكثر: «وقال شيخنا إن «علق» تعريض» انتهى. فلعله قال هذا أولا، ثم اطلع على نقل بأنها صريح، أو له قولان، والله أعلم). (4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قد تقدم في أوائل هذا الفصل أن شيخنا ذكر أن لفظة «علق» صريحة، فيكون وجد للشيخ كلامان). وانظر التعليق السابق. (5) «الاختيارات» للبعلي (398)، وانظر: «الفتاوى» (34/ 185).
(2/860)
1188 - حد القذف لا يستوفى إلا بطلب المقذوف: - قال ابن مفلح: (وهو حق لآدمي، فيسقط بعفوه، قال القاضي وأصحابه: عنه: لا عن بعضه، وعنه: لله، فلا يسقط، وعليهما: لا يحد، ولا يجوز أن يعرض له إلا بالطلب، وذكره شيخنا «ع») [الفروع 6/ 93 (10/ 86)] (1). 1189 - قذف نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -: - قال ابن مفلح: (ومن قذف أم النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر ويقتل، وعنه: إن تاب لم يقتل، وعنه: كافر بإسلام، وهي مخرجة من نصه من التفرقة بين الساحر المسلم والساحر الذمي، قال في «المنثور»: وهذا كافر قتل من سبه، فيعايا بها. وقذفه عليه السلام كقذف أمه، ويسقط سبه بالإسلام، كسب الله، وفيه خلاف في المرتد، قاله الشيخ وغيره (2). قال شيخنا: وكذا من قذف نساءه لقدحه في دينه، وإنما لم يقتلهم (3) _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (398)، و «الفتاوى» (28/ 382) ونص كلامه: (وهذا الحد ــ أي حد القذف ــ يستحقه المقذوف، فلا يستوفى إلا بطلبه باتفاق الفقهاء، فإن عفا عنه سقط عند جمهور العلماء، لأن المغلب فيه حق الآدمي، كالقصاص والأموال، وقيل: لا يسقط، تغليبا لحق الله، لعدم المماثلة، كسائر الحدود). (2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (ليس في هذا خلاف مطلقا عند المصنف، بل قد قدم حكما، وهو أن ساب الله تعالى يسقط عنه حكمه بالإسلام، ولكن الشيخ ذكر فيه خلافا). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: الذين قذفوا عائشة - رضي الله عنها - لإمكان المفارقة، أي: لإمكان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يفارقها في حياته، ويخرجها عن زوجيته، فتخرج بالمفارقة من أمهات المؤمنين).
(2/861)
لأنهم تكلموا قبل علمه براءتها وأنها من أمهات المؤمنين لإمكان المفارقة فتخرج بها منهن وتحل لغيره في وجه، وقيل: لا، وقيل: في غير مدخول بها (1)) [الفروع 6/ 95 (10/ 89 - 90)] (2). 1190 - إخبار المقذوف والمغتاب واستحلالهما: 1191 - والتعريض إذا سأله المقذوف أو المغتاب: 1192 - وإذا زنى بزوجة غيره ثم تاب: - قال ابن القيم: (وإن كانت المظلمة بقدح فيه بغيبة أو قذف: فهل يشترط في توبته منها إعلامه بذلك بعينه والتحلل منه؟ أو إعلامه بأنه قد نال من عرضه، ولا يشترط تعيينه؟ أو لا يشترط لا هذا، ولا هذا، بل يكفي في توبته أن يتوب بينه وبين الله تعالى من غير إعلام من قذفه وإعتابه؟ على ثلاثة أقوال ... والقول الآخر: أنه لا يشترط الإعلام بما نال من _________ (1) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (يعني لو حصل مفارقة لأحد من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - هل تخرج من أمهات المؤمنين وتحل لغيره أو لا؟ أو تخرج إن كان قبل الدخول؟ حكى أقوالا، ظاهرها إطلاق الخلاف فيها. قلت: قد صرح المصنف بهذه المسألة، وقدم أنه يحرم نكاحها مطلقا، وأن ابن حامد وغيره قال: يجوز نكاح من فارقها في حياته، فقال في الخصائص في كتاب النكاح: وحرم على غيره نكاح زوجاته فقط، وجوّز ابن حامد وغيره نكاح من فارقها في حياته). (2) «الفتاوى» (32/ 119).
(2/862)
عرضه وقذفه واغتيابه بل يكفي توبته بينه وبين الله، وأن يذكر المغتاب والمقذوف في مواضع غيبته وقذفه بضد ما ذكره به من الغيبة، فيبدل غيبته بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وقذفَه بذكر عفته وإحصانه، ويستغفر له بقدر ما اغتابه، وهذا اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ) [مدارج السالكين 1/ 291]. - وقال ابن مفلح: (ولا يشترط لصحة توبة من قذف وغيبة ونحوهما إعلامه والتحلل منه، وحرمه القاضي وعبد القادر، ونقل مهنا: لا ينبغي أن يعلمه، قال شيخنا: والأشبه أنه يختلف، وعنه: يشترط، وقيل: إن علم به المظلوم وإلا دعا له واستغفر ولم يعلمه، وذكره شيخنا عن أكثر العلماء، قال: وعلى الصحيح من الروايتين لا يجب الاعتراف لو سأله فيعرض ولو مع استحلافه، لأنه مظلوم، لصحة توبته. ومن جوَّز التصريح في الكذب المباح هنا نظر، ومع عدم توبة وإحسان تعريضُه كذب، ويمينه غموس، قال: واختيار أصحابنا: لا يعلمه، بل يدعو له في مقابلة مظلمته. قال: وزناه بزوجة غيره كغيبته) [الفروع 6/ 97 (10/ 93)]. - وقال أيضا: (وأن (1) يستحل من الغيبة والنميمة ونحوهما ... وقيل: إن علم به المظلوم وإلا دعا له واستغفر ولم يعلمه، وذكر الشيخ تقي الدين أنه قول الأكثرين، وذكر غير واحد: إن تاب من قذف إنسان أو غيبته قبل علمه به هل يشترط لتوبته إعلامه والتحليل منه؟ على روايتين، واختار القاضي أنه لا يلزمه ... _________ (1) أي: ومن شروط التوبة.
(2/863)
وقال الشيخ تقي الدين بعد أن ذكر الروايتين في المسألة المذكورة قال: فكل مظلمة في العرض من اغتياب صادق، وبهت كاذب، فهو في معنى القذف، إذ القذف قد يكون صدقا فيكون في المغيب غيبة، وقد يكون كذبا فيكون بهتا، واختار أصحابنا أنه لا يعلمه بل يدعو له دعاء يكون إحسانا إليه في مقابلة مظلمته، كما روي في الأثر. ومن هذا الباب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أيما مسلم شتمته، أو لعنته، أو سببته، أو جلدته، فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة تقربه إليك يوم القيامة» وهذا صحيح المعنى من وجه. كذا قال، وهذا المعنى في «المسند» و «الصحيحين» وغيرهم، وفيه اشتراط ذلك على ربه وفيه: «إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر» ... ولعل مراد الشيخ تقي الدين ــ - رحمه الله - تعالى ــ إن شاء الله تعالى ما في «شرح مسلم» وغيره أنه أجاب العلماء بوجهين: أحدهما: المراد ليس بأهل لذلك عند الله عز وجل في باطن الأمر، ولكنه في الظاهر مستوجب له، فيظهر له النبي - صلى الله عليه وسلم - استحقاقه لذلك بأمارة شرعية، ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك، وهو - صلى الله عليه وسلم - مأمور بالحكم الظاهر، والله تعالى يتولى السرائر. والثاني: أن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامهم بلا نية، كقولهم: تربت يمينك، وعقرى وحلقى، لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء، فخاف أن يصادف إجابة، فسأل ربه سبحانه ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة، وطهورا وأجرا، وإنما كان يقع هذا منه نادرا، ولم يكن - صلى الله عليه وسلم -
(2/864)
فاحشا ولا متفحشا، ولا لعانا، ولا منتقما لنفسه، وفي الحديث: أنهم قالوا: ادع على دوس، فقال: «اللهم اهد دوسا»، وقال: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون») [الآداب الشرعية 1/ 93 - 94]. - وقال أيضا: (قال: وإذا لم يجب عليه الإقرار فليس له أن يكذب بالجحود الصريح؛ لأن الكذب الصريح محرم، والمباح لإصلاح ذات البين، هل هو التعريضُ أو الصريح؟ فيه خلاف: فمن جوّز الصريح هناك فهل يجوز هنا؟ فيه نظر، ولكن يعرِّض؛ فإن في المعاريض مندوحة عن الكذب، وهذا هو الذي يروى عن حذيفة بن اليمان: أنه بلغ عثمان - رضي الله عنه - شيء عنه، فأنكر ذلك بالمعاريض وقال: أرقع ديني بعضه ببعض أو كما قال. وعلى هذا فإذا استُحلف على ذلك، جاز له أن يحلف ويعرّض، لأنه مظلوم بالاستحلاف، فإذا كان قد تاب وصحت توبته لم يبق لذلك عليه حق فلا يجب اليمين عليه. لكن مع عدم التوبة والإحسان إلى المظلوم وهو باق على عداوته وظلمه فإذا أنكر بالتعريض كان كاذبًا، فإذا حلف كانت يمينه غموسًا. وقال الشيخ تقي الدين أيضًا: سئلت عن نظير هذه المسألة وهو: رجل تعرض لامرأةِ غيره، فزنى بها ثم تاب من ذلك، وسأله زوجها عن ذلك فأنكر، فطلب استحلافه، فإن حلف على نفي الفعل كانت يمينه غموسًا، وإن لم يحلف قويت التهمة، وإنْ أقر جرى عليه وعليها من الشر أمر عظيم؟ فأفتيته أنه يضم إلى التوبة فيما بينه وبين الله الإحسان إلى الزوج بالدعاء والاستغفار والصدقة عنه ونحو ذلك مما يكون بإزاء إيذائه له في أهله: فإن الزنا بها تعلق به حق الله تعالى، وحق زوجها من جنس حقه في عرضه،
(2/865)
وليس هو مما ينجبر بالمثل كالدماء والأموال، بل هو من جنس القذف الذي جزاؤه من غير جنسه، فتكون توبة هذا كتوبة القاذف، وتعريضه كتعريضه، وحلفه على التعريض كحلفه. وأما لو ظلمه في دم أو مال فإنه لابد من إيفاء الحق فإن له بدلًا، وقد نص أحمد في الفرق بين توبة القاتل وبين توبة القاذف. وهذا الباب ونحوه فيه خلاص عظيم، وتفريج كربات النفوس من آثار المعاصي والمظالم، فإنَّ الفقيه كُلَّ الفقيه الذي لا يؤيس الناس من رحمة الله عز وجل، ولا يجرئهم على معاصي الله تعالى. وجميع النفوس لابد أن تذنب فتعريفُ النفوس ما يخلصها من الذنوب من التوبة والحسنات الماحيات كالكفارات والعقوبات هو من أعظم فوائد الشريعة، انتهى كلامه) [الآداب الشرعية 1/ 97 - 98] (1). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (3/ 291)، «الاختيارات» للبعلي (399).
(2/866)
باب حد المسكر
1193 - الإكراه على فعل المحرمات لحق الله تعالى: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يرخص أكثر العلماء فيما يكره عليه من المحرمات (1) لحق الله عز وجل، كأكل الميتة وشرب الخمر، وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد - رحمه الله -) [الفروع 6/ 99 - 100 (10/ 97)] (2). 1194 - مقدار الجلد في حد الخمر: - قال ابن مفلح: ( ... فعلى (3) الحر الحد ثمانون جلدة، وجوَّزها شيخنا للمصلحة وأنه الرواية الثانية، وعنه: أربعون) [الفروع 6/ 101 (10/ 99)] (4). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: يكره الإنسان عليه). (2) انظر: «الفتاوى» (8/ 503). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هذا جواب: «إذا» في أول الباب، في قوله: «فإذا شربه مسلم»). (4) «الفتاوى» (28/ 336 - 337؛ 34/ 216)، «الاختيارات» للبعلي (432).
(2/867)
باب التعزير
1195 - تعزير غير المكلف على الفاحشة: - قال ابن مفلح: (وفي «رد شيخنا على الرافضي»: لا نزاع بين العلماء أن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيرا بليغا، وكذا المجنون يضرب على ما فعل لينزجر لكن لا عقوبة بقتل أو قطع) [الفروع 6/ 106 (10/ 107)] (1). 1196 - القصاص من غير المكلف: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: القصاص موافق لأصول الشريعة، واحتج بثبوته في الأموال، وبوجوب دية الخطأ، وبقتال البغاة المغفور لهم. قال: فتبين بذلك أن الظلم والعدوان يؤدى فيه حق المظلوم مع عدم التكليف، فإنه من العدل، وحرم الله تعالى الظلم على نفسه، وجعله محرما بين عباده. كذا قال، وبتقديره فإنما يدل في الآدميين) [الفروع 6/ 107 (10/ 108)] (2). 1197 - حديث: «لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله»: - قال ابن مفلح: (وعنه: الكل بعشر فأقل، نقله ابن منصور وغيره، _________ (1) «منهاج السنة» (6/ 50). (2) «جامع المسائل» (3/ 237).
(2/868)
للخبر (1)، ومراده عند شيخنا: إلا في محرم لحق الله) [الفروع 6/ 107 - 108 (10/ 109)] (2). 1198 - صفة ما يكون به التعزير: 1199 - ومن أصر على الخلوة بالأجنبية ولم يتب: 1200 - ومن اتخذ الطواف بالصخرة دينا: 1201 - ومن قال: انذروا لي لتقضى حاجتكم: 1202 - ومن تكرر شربه للخمر ولم ينته بدون القتل: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: بما يردعه، كعزل متول، وأنه لا يتقدر، لكن ما فيه مقدر لا يبلغه، فلا يقطع بسرقة دون نصاب، ولا يحد حد الشرب بمضمضة خمر ونحوه، وأنه رواية، واختيار طائفة من أصحابه، وقد يقال بقتله للحاجة، وأنه يقتل مبتدع داعية، وذكره وجها «و: م»، ونقله إبراهيم بن سعيد الأطروش في الدعاة من الجهمية. وقال في الخلوة بأجنبية، واتخاذ الطواف بالصخرة دينا، وفي قول الشيخ: انذروا لي لتقضى حاجتكم، أو استعينوا بي: إن أصر ولم يتب قتل، ومن تكرر شربه ما لم ينته بدونه، للأخبار فيه) [الفروع 6/ 109 (10/ 111)] (3). _________ (1) أي: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله». (2) «الفتاوى» (28/ 348). (3) «الفتاوى» (11/ 546؛ 28/ 343 - 349)، «الاختيارات» للبعلي (432 - 433).
(2/869)
1203 - التعزير بالنفي: - قال ابن مفلح: (ونقل ابن منصور: لا نفي إلا في الزنا والمخنث، وقال القاضي: نفيه دون عام، واحتج به شيخنا وبنفي عمر نصر بن حجاج لما خاف الفتنة به، نفاه من المدينة إلى البصرة، فكيف من عرف ذنبه، ويمنعه العزب السكنى بين متأهلين وعكسه، وأن امرأة تجمع بين الرجال والنساء شر منهم، وهو القوادة، فيفعل ولي الأمر المصلحة. وقال أيضا: إنما العقوبة على ذنب ثابت، أما المنع والاحتراز فيكون للتهمة، لمنع عمر اجتماع الصبيان بمتهم بالفاحشة) [الفروع 6/ 115 (10/ 119)] (1). 1204 - العقوبة بما لم يرد في الشرع: 1205 - وأعمال توجب التعزير: - قال ابن مفلح: (وفي «الفنون»: للسلطان سلوك السياسة، وهو الحزم عندنا، ولا تقف السياسة على ما نطق به الشرع، إذ الخلفاء الراشدون - رضي الله عنهم - قد قتلوا ومثلوا وحرقوا المصاحف، ونفى عمر نصر بن حجاج خوف فتنة النساء. قال شيخنا: مضمونه جواز العقوبة، ودفع المفسدة، وهذا من باب المصالح المرسلة. قال: وقد سلك القاضي في «الأحكام السلطانية» أوسع من هذا. قال: _________ (1) «الفتاوى» (28/ 106، 10 - 109؛ 34/ 181)، «الاختيارات» للبعلي (432، 440).
(2/870)
وقوله: الله أكبر عليك، كالدعاء عليه وشتمه بغير فرية، نحو: يا كلب، فله قوله له، أو تعزيره، ولو لعنه فهل له أن يلعنه؟ ينبني على جواز لعنه المعين. ومن لعن نصرانيا أدب أدبا خفيفا، لأنه ليس له أن يلعنه بغير موجب إلا أن يكون صدر من النصراني ما يقتضي ذلك. قال: والأربع التي من كن فيه كان منافقا خالصا محرمة لحق الله لا قصاص فيهن. وفي «الصحيحين» أن عمر قال يوم بيعة أبي بكر: قتل الله سعدا. قال ابن الجوزي: إنما قال هذا لأن سعدا أراد الولاية وما كان يصلح أن يتقدم أبا بكر. قال: وقال الخطابي: أي احسبوه في عداد من مات، لا تعتدوا بحضوره. قال: ومن قال لمخاصمة الناس: تقرأ تاريخ آدم؟ وظهر منه معرفتهم بخطيئته عزر ولو كان صادقا. قال: ومن امتنع من لفظة القطع متدينا عزر، لأنه بدعة، وكذا من يمسك الحية ويدخل النار ونحوه. وقال فيمن فعل كالكفار في عيدهم: اتفقوا على إنكاره، وأوجبوا عقوبة من يفعله. قال: والتعزير على شيء دليل على تحريمه. وقال فيمن غضب فقال: فما نحن مسلمين: إن أراد ذم نفسه لنقص دينه فلا حرج فيه ولا عقوبة.
(2/871)
ومن قال لذمي: يا حاج عزر، لأن فيه تشبيه قاصد الكنائس بقاصد بيت الله، وفيه تعظيم لذلك، فإنه بمنزلة من شبه أعيادهم بأعياد المسلمين وتعظيمهم. وكذا يعزر من يسمي من زار القبور والمشاهد حاجا، ومن سماه حجا أو جعل له مناسك فإنه ليس لأحد أن يفعل في ذلك ما هو من خصائص حج البيت العتيق وأنه منكر، وفاعله ضال) [الفروع 6/ 115 - 117 (10/ 120)] (1). 1206 - القصاص ممن اعتدى عليه بالقول: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ومن دعي عليه ظلما له أن يدعو على ظالمه بمثل ما دعا به عليه، نحو: أخزاك الله، أو لعنك الله، أو يشتمه بغير فرية، نحو: يا كلب، يا خنزير، فله أن يقول له مثل ذلك، لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] فعلم أنه لا سبيل إلا على الظالم للناس الباغي، وإذا كان له أن يستعين بالمخلوق من وكيل وولي أمر وغيرهما فاستعانته بخالقه أولى بالجواز. قال الإمام أحمد: الدعاء قِصَاصٌ، ومن دعا على ظالمه فما صبر. يريد بذلك أن الداعي منتصر، والانتصار وإن كان جائزا لكن قال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة لما دعت على السارق: «لا تسبِّخي» أي: لا تخففي عنه، ثم ذكر قصة أبي بكر الأخيرة التي رواها أبو داود. _________ (1) انظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (514)، «الاختيارات» للبعلي (440).
(2/872)
قال (1): وإذا دعا عليه بما آلمه بقدر ألم ظلمه فهذا عدل، وإن اعتدى في الدعاء كمن يدعو بالكفر على من شتمه أو أخذ ماله فذلك سرف محرم. ومن حبس نقد غيره عنه مدة ثم أداه إليه عزر، فإن لم يتعمد الإثم فلا ضمان في الدنيا لأجل الربا، وهنا يعطي الله عز وجل صاحب الحق من حسنات الآخر تمام حقه، فإذا كان هذا الظالم لا يمكنه تعزيره فله أن يدعو عليه بعقوبة بقدر مظلمته، وإذا كان ذنب الظالم إفساد دين المظلوم لم يكن له أن يفسد دينه، لكن له أن يدعو الله بما يفسد به دينه مثل ما فعل به (2). وكذا لو افترى عليه الكذب لم يكن له أن يفتري عليه الكذب، لكن له أن يدعو الله عليه بمن يفتري عليه الكذب نظير ما افتراه، وإن كان هذا الافتراء محرما، لأن الله إذا عاقبه بمن يفعل به ذلك لم يقبح منه ولا ظلم فيه؛ لأنه اعتدى بمثله، وأما من العبد فقبيح ليس له فعله، ومن هذا الباب قول موسى: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا} الآية [يونس: 88]، ودعا سعد على الذي طعن في سيرته ودينه) [الفروع 6/ 118 - 119 (10/ 123 - 124)] (3). _________ (1) في ط 2: (وقال)، والمثبت من ط 1. (2) في ط 2: (له)، والمثبت من ط 1. (3) انظر: «الفتاوى» (11/ 547 - 548؛ 28/ 380 - 381؛ 34/ 135 - 136، 163)، «الاختيارات» للبعلي (441).
(2/873)
باب السرقة
1207 - اشتراط مطالبة المسروق منه بماله للقطع: - قال ابن مفلح: (وتثبت بعدلين وصفاها ... أو إقرار مرتين ووصفها ... وصدقه المقر له على سرقة نصاب ... وطالبه هو أو وكيله، أو وليه بالسرقة لا بالقطع، وعنه: أو لم يطالبه، اختاره أبو بكر وشيخنا كإقراره بزنا بأمة غيره، وجب قطعه) [الفروع 6/ 122 - 123 (10/ 128 - 129)] (1). 1208 - إذا كان المسروق ثلاثة دراهم مغشوشة: - قال ابن مفلح: (ونصابها ثلاثة دراهم خالصة ومغشوشة، قاله شيخنا) [الفروع 6/ 126 (10/ 134)]. وانظر: ما تقدم برقم (112). 1209 - قتل السارق في الخامسة: - قال ابن مفلح: (وقال أبو مصعب المالكي: يقتل السارق في الخامسة، وقياس قول شيخنا: إنه كالشارب في الرابعة: يقتل عنده إذا لم ينته بدونه (2)) [الفروع 6/ 136 (10/ 148)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (426) , وانظر: «الفتاوى» (28/ 297 - 298). (2) قال المرداوي في «الإنصاف» (10/ 216) (بل هذا أولى عنده وضرره أعم) ا. هـ. (3) انظر: «الفتاوى» (28/ 346 - 347؛ 34/ 216 - 217).
(2/874)
1210 - مضاعفة ضمان المسروق من غير حرز: - قال ابن مفلح: (ومن سرق تمرا (1) أو كَثَرًا (2) أو ماشية من غير حرز أضعفت القيمة، اختاره الأكثر، وعنه: وغيرهما، اختاره شيخنا (3)) [الفروع 6/ 139 (10/ 154)] (4). _________ (1) في ط 2: (ثمرا). (2) قال في «المصباح المنير»: (و «الكَثَرُ» بفتحتين: الجمّار، ويقال: الطلع، وسكون الثاء لغة) ا. هـ. (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع» ــ ضمن كلام له ــ: (وقد قال أبو العباس: والثمر الذي يكون في الصحراء بلا حافظ، والماشية التي لا راعي عندها ونحو ذلك فلا قطع فيه، لكن يعزر الآخذ، ويضاعف عليه الغرم) ا. هـ، ويبدو أن هذا منقول عن الشيخ من كتابه «شرح المحرر»، والله أعلم. (4) «الاختيارات» للبعلي (426) , وانظر: «الفتاوى» (28/ 331 - 332).
(2/875)
باب حد قاطع الطريق
1211 - حكم الآمر بقطع الطريق أو السرقة: - قال ابن مفلح: (والردء (1) فيها والطليع كمباشر، وذكر أبو الفرج السرقة كذلك، فردء غير مكلف كهو، وقيل: يضمن المال آخذه، وقيل: قراره عليه. وفي «الإرشاد»: من قاتل اللصوص وقُتِل= قُتِل القاتل فقط. واختار شيخنا الآمر كردء، وأنه في السرقة كذلك) [الفروع 6/ 142 (10/ 157 - 158)] (2). 1212 - إذا طلع إليهم عسكر فأخذوا رجلا ليس منهم فغرموه: 1213 - والمرأة التي تحضر النساء للقتل: - قال ابن مفلح: (ولو طلع إليهم عسكر فأخذوا رجلا ليس منهم فغرموه فله طلبهم به، إن ساغ أخذه منهم، قاله شيخنا، وأن المرأة التي تحضر النساء للقتل تقتل) [الفروع 6/ 142 (10/ 158)] (3). 1214 - إذا تاب الخارجي والباغي والمرتد المحارب قبل القدرة عليهم: - قال ابن مفلح: (ومن تاب قبل القدرة عليه سقط حق الله وحق الآدمي إليه، وأطلق في «المبهج»: في حق الله روايتين، وهذا فيمن تحت حكمنا، وفي خارجي وباغ ومرتد محارب الخلاف في ظاهر كلامهم، وقاله _________ (1) في ط 1 (الردة)، والتصويب من ط 2. (2) «الفتاوى» (14/ 84؛ 28/ 311، 322 - 323)، «الاختيارات» للبعلي (427). (3) «الاختيارات» للبعلي (427).
(2/876)
شيخنا (1)) [الفروع 6/ 142 - 143 (10/ 158 - 159)]. 1215 - إذا تاب من فعل ما يوجب الحد قبل القدرة عليه: 1216 - وإذا تاب وهرب أثناء إقامة الحد: - قال ابن القيم: (وسألت شيخنا عن ذلك، فأجاب بما مضمونه: بأن الحد مطهر، وأن التوبة مطهرة، وهما (2) اختارا التطهير بالحد على التطهير بمجرد التوبة، وأبيا إلا أن يطهرا بالحد، فأجابهما النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك، وأرشد إلى اختيار التطهير بالتوبة على التطهير بالحد، فقال في حق ماعز: «هلا تركتموه يتوب، فيتوب الله عليه»، ولو تعين الحد بعد التوبة لما جاز تركه، بل الإمام مخير: بين أن يتركه، كما قال لصاحب الحد الذي اعترف به: «اذهب فقد غفر الله لك»، وبين أن يقيمه، كما أقامه على ماعز والغامدية، لما اختارا إقامته وأبيا إلا التطهير به، ولذلك رددهما النبي - صلى الله عليه وسلم - مرارًا، وهما يأبيان إلا إقامته عليهما. وهذا المسلك وسط بين مسلك من يقول: لا تجوز إقامته بعد التوبة البتة، وبين مسلك من يقول: لا أثر للتوبة في إسقاطه البتة، وإذا تأملت السنة رأيتها لا تدل إلا على هذا القول الوسط، والله أعلم) [إعلام الموقعين 2/ 98]. - وقال أيضا: ( ... وأن المقر إذا استقال في أثناء الحد، وفر: ترك، ولم يتمم عليه الحد، فقيل: لأنه رجوع، وقيل: لأنه توبة قبل تكميل الحد، فلا يقام عليه، كما لو تاب قبل الشروع فيه، وهذا اختيار شيخنا) [زاد المعاد 5/ 33]. _________ (1) في «الإنصاف»: (في ظاهر كلامه. قاله شيخنا). (2) أي: ماعز والغامدية.
(2/877)
- وقال ابن مفلح: (ويسقط حد زنا وشرب وسرقة بتوبته، اختاره الأكثر، وقيل: وصلاح عمله مدة، قيل: قبل توبته، وقيل: قبل القدرة، وقيل: قبل إقامته (1). وفي بحث القاضي: التفرقة بين علم الإمام بهم أو لا، واختار شيخنا: ولو في الحد لا يُكَمَّل (2)، وأن هربه فيه توبة له) [الفروع 6/ 143 (10/ 159 - 160)] (3). 1217 - استيفاء حد القذف من الكافر إذا أسلم: - قال ابن مفلح: (وفي «عيون المسائل» في سقوط الجزية بإسلام: إذا أسلم سقطت عنه العقوبات الواجبة بالكفر، كالقتل وغيره من الحدود. وفي «المبهج» احتمال يسقط حد زنا ذمي، ويستوفى حد قذف، قاله شيخنا) [الفروع 6/ 144 (10/ 160 - 161)]. 1218 - القتال دفاعا عن مال غيره: - قال ابن مفلح: (ويلزمه (4) عن نفس غيره، لأنه لا يتحقق منه إيثار الشهادة، وكإحيائه ببذل طعامه، ذكره القاضي وغيره، واختار صاحب «الرعاية»: مع ظن سلامة الدافع. _________ (1) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (يعني: إذا قلنا: يسقط بتوبته، فهل محل التوبة يكون قبل ثبوت الحد، أو قبل القدرة، أو قبل إقامته؟ ... الخ). (2) في «الإنصاف» للمرداوي: (واختار الشيخ تقي الدين - رحمه الله -: تقبل ولو في الحد .. ). (3) انظر: «الفتاوى» (16/ 31 - 32؛ 34/ 179 - 180؛ 35/ 110)، «الاختيارات» (427 - 428). (4) أي: القتال.
(2/878)
وكذا ماله مع ظن سلامتهما، وذكر جماعة: يجوز وإلا حرم، وقيل: وفي جوازه عنهما (1) وعن حرمته روايتان، نقل حرب الوقف في مال غيره، ونقل الترمذي (2) وغيره: لا يقاتله، لأنه لم يبح له قتله لمال غيره، وأطلق في «التبصرة» وشيخنا لزومه عن مال غيره، قال في «التبصرة»: فإن أبى أعلم مالكه، فإن عجز لزمه إعانته. قال شيخنا في جند قاتلوا عربا نهبوا أموال تجار ليردوه إليهم: هم مجاهدون في سبيل الله، ولا ضمان عليهم بقود ولا دية ولا كفارة. قال: ومن أمر (3) للرئاسة والمال لم يثب (4)، يأثم على فساد نيته كالمصلي رياء وسمعة) [الفروع 6/ 147 (10/ 164)] (5). 1219 - المفاضلة بين الانتصار والعفو: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: إن في الآية المذكورة (6) فائدة عظيمة، وهو أنه حمدهم على أنهم هم ينتصرون عند البغي عليهم، كما أنهم هم يعفون عند الغضب. ليسوا مثل الذي ليس له قوة الانتصار وفعله، لعجزهم أو كسلهم أو _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: نفس غيره ومال غيره). (2) في ط 1: (ونقل أحمد والترمذي)، والمثبت من ط 2. (3) في «الاختيارات» للبعلي: (آمن). (4) في ط 2: (لم يثبت). (5) انظر: «الفتاوى» (28/ 317 - 320؛ 34/ 241، 242)، «الاختيارات» (428). (6) يشير إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39 [.
(2/879)
وهنهم أو ذلهم أو حزنهم، فإن أكثر من يترك الانتصار بالحق إنما يتركه لهذه الأمور وأشباهها. وليسوا مثل الذي إذا غضب لا يغفر ولا يعفو، بل يعتدى أو ينتقم حتى يكف من خارج، كما عليه أكثر الناس إذا غضبوا وقدروا لا يقفون عند العدل فضلا عن الإحسان، فحمدهم على أنهم هم ينتصرون وهم يغفرون، ولهذا قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يُستذلُّوا، فإذا قدروا عفوا ... إلى أن ذكر (1) الروايتين في دفع الإنسان عن نفسه، ثم قال: ويشبه أن لا يجب مع مفسدة تقاوم مفسدة الترك أو تفضي إلى فساد أكثر، وعلى هذا تخرج قصة ابن آدم (2) وعثمان - رضي الله عنه -، بخلاف من لم يكن في دفعه إلا إتلاف مال الغير الظالم أو حبسه أو ضربه، فهنا الوجوب أوجه، وهذا معنى قوله: {هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39]، فالانتصار قد يكون مستحبا تارة، وقد يكون واجبا أخرى، كالمغفرة سواء) [الفروع 6/ 149 - 150 (10/ 167 - 168)] (3). 1220 - إذا قفز إلى بلد العدو ولم يندفع ضرره إلا بقتله: - قال ابن مفلح: (ومن قفز إلى بلد العدو ولم يندفع ضرره إلا بقتله جاز قتله، كالصائل ذكره شيخنا) [الفروع 6/ 150 (10/ 168)] (4). _________ (1) أي: ابن تيمية، والكلام لابن مفلح. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (لما أراد أخوه قتله لم يدفعه). (3) انظر: «الفتاوى» (11/ 547 - 552). (4) انظر: «الفتاوى» (28/ 319)، «الاختيارات» للبعلي (433).
(2/880)
باب قتال أهل البغي
1221 - ابتداء الإمام بقتال البغاة والخوارج: - قال ابن مفلح: (ويلزمه مراسلتهم (1) وإزالة شبهتهم، فإن فاءوا وإلا لزم القادرَ قتالهم، وعند شيخنا: الأفضل تركه حتى يبدءوه «و: م» وهو ظاهر اختيار الشيخ، وقالا في الخوارج: له قتلهم ابتداء وتتمة الجريح (2)، وهو خلاف ظاهر رواية عبدوس بن مالك، وفي «المغني» في الخوارج: ظاهر قول المتأخرين من أصحابنا أنهم بغاة، لهم حكمهم وأنه قول جمهور العلماء، كذا قال، وليس بمرادهم، لذكرهم كفرهم أو فسقهم، بخلاف البغاة، ولهذا قال شيخنا: يُفرِّق جمهور العلماء بين الخوارج والبغاة المتأولين، وهو المعروف عن الصحابة، وعليه عامة أهل الحديث والفقهاء والمتكلمين ونصوص أكثر الأئمة وأتباعهم من أصحاب «م ش» وأحمد وغيرهم. واختيار شيخنا يخرج على وجه من صوب غير معين أو وقف، لا أن عليا هو المصيب وهي أقوال في مذهبنا وأن أكثر الصحابة وغيرهم رأى ترك قتالهما، وأنه لا يجب مع واحدة (3). وقال في «تفضيل مذهب أهل المدينة على الكوفة»: أكثر المصنفين لقتال أهل البغي يرى القتال من ناحية علي، ومنهم من يرى الإمساك، وهو _________ (1) أي: الإمام يراسل البغاة. (2) في ط 2: (قتل الجريح). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: القتال لا يجب مع واحدة من الطائفتين).
(2/881)
المشهور من قول أهل المدينة وأهل الحديث مع رؤيتهم لقتال من خرج عن الشريعة كالحرورية ونحوهم، وأنه يجب، والأخبار في أمر الفتنة توافق هذا، فاتبعوا النص الصحيح والقياس المستقيم، ولهذا كان المصنفون لعقائد أهل السنة والجماعة يذكرون فيه ترك القتال في الفتنة، والإمساك عما شجر بين الصحابة - رضي الله عنهم -. وقال في «رده على الرافضي»: السلف والأئمة يقول أكثرهم «هـ م» وأحمد وغيرهم: لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية، فإن الله لم يأمر به ابتداء بل بالصلح، ثم إن بغت إحداهما قوتلت، وهؤلاء قوتلوا قبل أن يبدءوا بقتال، ولهذا كان هذا القتال عند أحمد وغيره كمالك قتال فتنة، وأبو حنيفة يقول: لا يجوز قتال البغاة حتى يبدءوا بقتال ... إلى أن قال شيخنا: ولكن علي كان أقرب إلى الحق من معاوية، وأن بعض أصحابنا صوَّب كلا منهما بناء على أن كل مجتهد مصيب، ذكره ابن حامد. وفي كتاب ابن حامد كقول شيخنا) [الفروع 6/ 152 - 153 (10/ 170 - 172)] (1). 1222 - المستحل لأذى من أمره ونهاه بتأويل: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا في المستحل لأذى من أمره ونهاه بتأويل كمبتدع ونحوه: يسقط بتوبته حق العبد، واحتج بما أتلفه البغاة؛ لأنه من الجهاد الذي يجب فيه الأجر على الله، ولا حد مع تأويل، كمالٍ) [الفروع 6/ 156 (10/ 175)] (2). _________ (1) «الفتاوى» (20/ 394؛ 35/ 54)، «منهاج السنة» (4/ 390 - 392)، «الاختيارات» (428 - 429). (2) «الاختيارات» للبعلي (429).
(2/882)
1223 - تفسيق البغاة: - قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا أن ابن عقيل وغيره فسقوا البغاة، قال: وهؤلاء نظروا إلى من عدوه بغاة في زمنهم فرأوهم فساقا) [الفروع 6/ 157 (10/ 176)] (1). 1224 - قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام: 1225 - والرافضة شر من الخوارج: 1226 - وقتال الواحد من أهل البدع: - قال ابن مفلح: (ونقل ابن منصور: يقاتل من منع الزكاة، وكل من منع فريضة فعلى المسلمين قتاله حتى يأخذوها منه، واختاره أبو الفرج وشيخنا وقال: أجمعوا أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولى، ولهذا اتفقوا أن البدع المغلظة شر من الذنوب وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتال الخوارج عن السنة، وأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم، وأن الرافضة شر من الخوارج اتفاقا. قال: وفي قتل الواحد منهما ونحوهما وكفره روايتان، والصحيح جواز قتله كالداعية ونحوه، وأن ما قالوه مما تعلم مخالفته للرسول كفر، وكذا فعلهم من جنس فعل الكفار بالمسلمين كفر أيضا) [الفروع 6/ 159 - 160 (10/ 180)] (2). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (429). (2) «الفتاوى» (28/ 468 - 471، 474 - 476)، «الاختيارات» للبعلي (429 - 430).
(2/883)
1227 - أسباب الفتن: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: عامة الفتن التي وقعت من أعظم أسبابها قلة الصبر، إذ الفتنة لها سببان: إما ضعف العلم، وإما ضعف الصبر، فإن الجهل والظلم أصل الشر، وفاعل الشر إنما يفعله لجهله بأنه شر، ولكون نفسه تريده، فبالعلم يزول الجهل، وبالصبر يحبس الهوى والشهوة، فتزول تلك الفتنة) [الفروع 6/ 160 (10/ 181)]. 1228 - تكفير أهل البدع: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: نصوصه (1) صريحة على عدم كفر الخوارج والقدرية والمرجئة وغيرهم وإنما كفر الجهمية لا أعيانهم (2). قال: وطائفة تحكي عنه روايتين في تكفير أهل البدع مطلقا، حتى المرجئة والشيعة المفضلة لعلي. قال: ومذاهب الأئمة أحمد وغيره مبنية على التفضيل (3) بين النوع والعين) [الفروع 6/ 161 (10/ 182)] (4). 1229 - التفريق بين قتال الخوارج وأهل الردة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: قتال التتار ولو كانوا مسلمين كقتال _________ (1) أي: الإمام أحمد. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: أنه يكفر الجهمية من غير تعيين الأشخاص، فيقول مثلا للجهمية: كفار، ولا يقول: فلان الجهمي كافرٌ. وهذا معنى قول المصنف: «لا أعيانهم» أي: لا يكفر الأشخاص المعينة). (3) كذا في ط 1، وط 2، وفي حاشية ط 2: (في النسخ الخطية: «التفصيل»، والمثبت من ط)، وما في «الفتاوى» موافق لما في النسخ الخطية، وهو الصواب. (4) «الفتاوى» (23/ 348).
(2/884)
الصديق - رضي الله عنه - مانعي الزكاة، ويؤخذ مالهم وذريتهم والمتحيز (1) إليهم ولو ادعى إكراها، ومن أجهز على جريح لم يأثم ولو تشاهد، ومن أخذ منهم شيئا خمسه وبقيته له، ومن ابتاع منهم مال مسلم أخذه ربه، وإن جهله أعطى ما اشتراه به، وهو للمصالح. كذا قال، مع أنه قال في الرافضة الجبلية: يجوز أخذ مالهم فإن عليا - رضي الله عنه - أوهب عسكره ما كان في عسكر الخوارج، ولأنهم نهبوا من المسلمين أضعاف ما يؤخذ منهم، ثم خَرَّج سبي حريمهم على تكفيرهم، وأن الصحابة لم تسب الخوارج. وفي «رده على الرافضي» أن عليا - رضي الله عنه - لم يسب للخوارج ذرية، ولم يغنم مالهم، فعلم أن سيرته وسيرة الصحابة فيهم تخالف سيرتهم في أهل الردة) [الفروع 6/ 162 - 163 (10/ 183 - 184)] (2). 1230 - إن اقتتلت طائفتان لعصبية أو رياسة: - قال ابن مفلح: (وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو رياسة فظالمتان ضامنتان وتضمن، قال شيخنا: فأوجبوا الضمان على مجموع الطائفة وإن لم يعلم عين المتلف. وقال: وإن تقابلا (3) تقاصا؛ لأن المباشر والمعين سواء عند الجمهور. _________ (1) في ط 1: (المقفز). (2) انظر: «الفتاوى» (28/ 544 - 553)، «منهاج السنة» (5/ 241)، «الاختيارات» للبعلي (429). (3) في ط 2: (تقاتلا).
(2/885)
وقال: وإن جهل قدر ما نهبه كل طائفة من الأخرى تساوتا، كمن جهل قدر المحرم بماله أخرج نصفه والباقي له، ومن دخل للصلح فجُهل قاتله ضمنتاه) [الفروع 6/ 163 (10/ 185)] (1). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (28/ 312 - 313)، «الاختيارات» للبعلي (429 - 430).
(2/886)
باب حكم المرتد
1231 - بعض أسباب الردة: - قال ابن مفلح: (من كفر طوعا ولو هازلا بعد إسلامه، قيل: طوعا، وقيل: وكرها، والأصح بحقٍّ فمرتد، بأن أشرك بالله تعالى أو جحد صفة له، قال في «الفصول»: متفقا على إثباتها، أو بعض كتبه، أو رسله، أو سبه، أو رسوله، أو ادعى النبوة. قال شيخنا: أو كان مبغضا لرسوله ولما جاء به اتفاقا. وقال: أو ترك إنكار منكر بقلبه، أو جحد حكما ظاهرا مجمعا عليه، كعبادة من الخمس، أو تحريم خمر ونحوه، أو شك فيه ومثله لا يجهله. قال شيخنا: ولهذا لم يكفر به النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل الشاك في قدرة الله وإعادته، لأنه لا يكون إلا بعد بلاغ الرسالة، وأن منه قول عائشة: يا رسول الله، مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال: «نعم») [الفروع 6/ 164 (10/ 186 - 187)]. - وقال أيضا: (قال شيخنا وغيره: في الإجماع إجماعا قطعيا (1)، وذكر أن كثيرا من أصحابنا وغيرهم فسقه فقط. قال: أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم «ع») [الفروع 6/ 165 (10/ 187 - 188)]. - وقال أيضا: (قال شيخنا: أو توهم أن من الصحابة أو التابعين أو _________ (1) في «الاختيارات» للبعلي (أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا).
(2/887)
تابعيهم قاتل مع الكفار، أو أجاز ذلك) [الفروع 6/ 165 (10/ 188)] (1). 1232 - لعن المعين: - قال ابن مفلح: (قال (2): ومن أصحابنا من أخرج الحجاج عن الإسلام لأنه أخاف المدينة، وانتهك حرم الله وحرم رسوله، فيتوجه عليه: يزيد ونحوه، ونص أحمد خلاف ذلك، وعليه الأصحاب، وأنه لا يجوز التخصيص باللعنة، خلافا لأبي الحسين وابن الجوزي وغيرهما، وقال شيخنا: ظاهر كلامه الكراهة) [الفروع 6/ 167 (10/ 190)] (3). - وقال أيضا: (ويجوز لعن الكفار عاما، وهل يجوز لعن كافر معين؟ على روايتين. قال الشيخ تقي الدين: ولعن تارك الصلاة على وجه العموم جائز، وأما لعنة المعين فالأولى تركها؛ لأنه يمكن أن يتوب. وقال في موضع آخر: قيل لأحمد بن حنبل: أيؤخذ الحديث عن يزيد؟ فقال: لا، ولا كرامة، أو ليس هو فعل بأهل المدينة ما فعل؟! وقيل له: إن أقواما يقولون: إنا نحب يزيد؟ فقال: وهل يحب يزيد من يؤمن بالله واليوم الآخر؟! فقيل له: أو لا تلعنه؟ فقال: متى رأيت أباك يلعن أحدا. وقال الشيخ تقي الدين أيضا في موضع آخر: في لعن المعين من _________ (1) انظر: «الفتاوى» (1/ 124) , «الاختيارات» للبعلي (443). (2) القائل هو القاضي أبو يعلى. (3) انظر: «الفتاوى» (4/ 484 - 485)، «منهاج السنة» (4/ 569)، «جامع المسائل» (4/ 139).
(2/888)
الكفار من أهل القبلة وغيرهم، ومن الفساق بالاعتقاد أو بالعمل، لأصحابنا فيها أقوال: أحدها: أنه لا يجوز بحال، وهو قول أبي بكر وعبد العزيز. والثاني: يجوز في الكافر دون الفاسق. والثالث: يجوز مطلقا. قال ابن الجوزي في لعنة يزيد: أجازها العلماء الورعون منهم أحمد بن حنبل. وأنكر ذلك عليه الشيخ عبد المغيث الحربي، وأكثر أصحابنا، لكن منهم من بنى الأمر على أنه لم يثبت فسقه، وكلام عبد المغيث يقتضي ذلك، وفيه نوع انتصار ضعيف، ومنهم من بنى الأمر على أن لا يلعن الفاسق المعين، وشنع ابن الجوزي على من أنكر استجازة ذم المذموم، ولعن الملعون كيزيد. قال: وقد ذكر أحمد في حق يزيد ما يزيد على اللعنة، وذكر رواية مهنا: سألت أحمد عن يزيد، فقال: هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل. قلت: فيذكر عنه الحديث؟ قال: لا يذكر عنه الحديث، لا ينبغي لأحد أن يكتب عنه حديثا. قلت: ومن كان معه حين فعل؟ فقال: أهل الشام. قال الشيخ تقي الدين: هذا أكثر ما يدل على الفسق لا على لعنة المعين. وذكر ابن الجوزي ما ذكره القاضي في «المعتمد» من رواية صالح: وما لي لا ألعن من لعنه الله عز وجل في كتابه ــ إن صحت الرواية ــ، قال: وقد صنف القاضي أبو الحسين كتابا في «بيان من يستحق اللعن»، وذكر
(2/889)
فيهم يزيد، قال: وقد جاء في الحديث لعن من فعل ما لا يقارب معشار عشر ما فعل يزيد، وذكر الفعل العام كلعن الواصلة وأمثاله. وذكر رواية أبي طالب: سألت أحمد بن حنبل عمن قال: لعن الله يزيد بن معاوية. فقال: لا تكلم في هذا، الإمساك أحب إلي. قال ابن الجوزي: هذه الرواية تدل على اشتغال الإنسان بنفسه عن لعن غيره، والأولى على جواز اللعنة كما قلنا في تقديم التسبيح على لعنة إبليس. وسلم ابن الجوزي أن ترك اللعن أولى، وقد روى مسلم عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، ادع الله على المشركين، قال: «إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة». قال ابن الجوزي: وقد لعن أحمد بن حنبل من يستحق اللعن، فقال في رواية مسدد: قالت الواقفية الملعونة، والمعتزلة الملعونة. وقال عبيد الله بن أحمد الحنبلي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: على الجهمية لعنة الله، وكان الحسن يلعن الحجاج، وأحمد يقول: الحجاج رجل سوء. قال الشيخ تقي الدين: ليس في هذا عن أحمد لعنة معين، لكن قول الحسن نعم. وقال ابن الجوزي قال الفقهاء: لا تجوز ولاية المفضول على الفاضل إلا أن يكون هناك مانع إما خوف فتنة، أو يكون الفاضل غير عالم بالسياسة لحديث عمر في السقيفة، وحديث أبي بكر في تولية عمر - رضي الله عنهما -، وأجاب من قال: كان خارجيا بأن الخارجي من خرج على مستحق، وإنما خرج
(2/890)
الحسين - رضي الله عنه - لدفع الباطل وإقامة الحق. وقال ابن الجوزي: نقلت من خط ابن عقيل قال: قال رجل: كان الحسين - رضي الله عنه - خارجيا، فبلغ ذلك من قلبي، فقلت: لو عاش إبراهيم - رضي الله عنه - صلح أن يكون نبيا، فهب أن الحسن والحسين نزلا عن رتبة إبراهيم مع كونه سماهما ابنيه، أو لا يصيب ولد ولده أن يكون إماما بعده؟ فأما تسميته خارجيا وإخراجه عن الإمامة لأجل صولة بني أمية هذا ما لا يقتضيه عقل ولا دين. قال ابن عقيل: ومتى حدثتك نفسك بوفاء الناس فلا تصدق، هذا ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر الناس حقوقا على الخلق ... إلى أن قال: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، فقتلوا أصحابه وأهلكوا أولاده. وقال الشيخ تقي الدين: فقد جوز ابن الجوزي الخروج على غير العادل، وفسر ابن عقيل الآية بالتفسير المرجوح. وفي البخاري عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم» وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد في خلافة أبيه معاوية، وكان في الجيش أبو أيوب الأنصاري. قال الشيخ تقي الدين: والجيش عدد معين لا مطلق، وشمول المغفرة لآحاد هذا الجيش أقوى من شمول اللعنة لكل واحد واحد من الظالمين، فإن هذا حصر، والجيش معينون، ويقال: إن يزيد إنما غزا القسطنطينية لأجل هذا الحديث.
(2/891)
وقال القاضي في «المعتمد»: من حكمنا بكفرهم من المتأولين وغيرهم فجائز لعنتهم نص عليه، وذكر أنه قال في اللفظية على من جاء بهذا: لعنه الله، عليه غضب الله، وذكر أنه قال عن قوم معينين: هتك الله الخبيث، وعن قوم: أخزاه الله، وقال في آخر: ملأ الله قبره نارا. قال الشيخ تقي الدين: لم أره نقل لعنة معينة إلا لعنة نوع، أو دعاء على معين بالعذاب، أو سبا له، لكن قال القاضي: لم يفرق بين المطلق، والمعين، وكذلك جدنا أبو البركات. قال القاضي: فأما فساق أهل الملة بالأفعال كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وقتل النفس، ونحو ذلك، فهل يجوز لعنهم أم لا؟ فقد توقف أحمد عن ذلك في رواية صالح: قلت لأبي: الرجل يذكر عنده الحجاج أو غيره يلعنه؟ فقال: لا يعجبني، لو عَمَّ فقال: ألا لعنة الله على الظالمين. وقال أبو طالب: سألت أحمد عن من نال يزيد بن معاوية، قال: لا تكلم في هذا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعن المؤمن كقتله». قال: فقد توقف عن لعنة الحجاج مع ما فعله، ومع قوله: الحجاج رجل سوء، وتوقف عن لعنة يزيد بن معاوية مع قوله في رواية مهنا، وقد سأله عن يزيد بن معاوية فقال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل، قتل بالمدينة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونهبها، لا ينبغي لأحد أن يكتب حديثه. قال أبو بكر الخلال في «كتاب السنة»: الذي ذكره أبو عبد الله في التوقف في اللعنة ففيه أحاديث كثيرة لا تخفى على أهل العلم، ويتبع فيه قول الحسن وابن سيرين، فهما الإمامان في زمانهما، ويقول: لعن الله من قتل الحسين بن علي، لعن الله من قتل عثمان، لعن الله من قتل عليا، لعن الله
(2/892)
من قتل معاوية بن أبي سفيان، ونقول: لعنة الله على الظالمين إذا ذكر لنا رجل من أهل الفتن، على ما تقلده أحمد. قال القاضي: فقد صرح الخلال باللعنة، قال: وقال أبو بكر عبد العزيز فيما وجدته في «تعاليق أبي إسحاق»: ليس لنا أن نلعن إلا من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على طريق الإخبار عنه. قال الشيخ تقي الدين: المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق العام، لا المقيد المعين، كما قلنا في نصوص الوعيد والوعد، وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار، فإنا نشهد بأن المؤمنين في الجنة، وأن الكافرين في النار، ونشهد بالجنة والنار لمن شهد له الكتاب والسنة، ولا نشهد بذلك لمعين إلا لمن شهد له النص، أو شهد له الاستفاضة على قول، فالشهادة في الخبر كاللعن في الطلب، والخبر والطلب نوعا الكلام، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الطعانين واللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة». فالشفاعة ضد اللعن، كما أن الشهادة ضد اللعن. وكلام الخلال يقتضي أنه لا يلعن المعينين من الكفار، فإنه ذكر قاتل عمر، وكان كافرا، ويقتضي أنه لا يلعن المعين من أهل الأهواء، فإنه ذكر قاتل علي، وكان خارجيا. ثم استدل القاضي للمنع بما جاء من ذم اللعن، وأن هؤلاء ترجى لهم المغفرة، ولا تجوز لعنتهم؛ لأن اللعن يقتضي الطرد والإبعاد بخلاف من حكم بكفره من المتأولين، فإنهم مبعدون من الرحمة كغيرهم من الكفار، واستدل على جواز ذلك وإطلاقه بالنصوص التي جاءت في اللعن، وجميعها مطلقة كالراشي والمرتشي، وآكل الربا وموكله، وشاهديه، وكاتبيه.
(2/893)
قال الشيخ تقي الدين: فصار للأصحاب في الفساق ثلاثة أقوال: أحدها: المنع عموما وتعينا إلا برواية النص. والثاني: إجازتها. والثالث: التفريق وهو المنصوص. لكن المنع من المعين هل هو منع كراهة، أو منع تحريم؟ ثم قال في «الرد على الرافضي»: لا يجوز، واحتج بنهيه عليه السلام عن لعنة الرجل الذي يدعى حمارا. وقال هنا: ظاهر كلامه الكراهة، وبذلك فسره القاضي فيما بعد لما ذكر قول أحمد: لا تعجبني لعنة الحجاج ونحوه، لو عم فقال: ألا لعنة الله على الظالمين. قال القاضي: فقد كره أحمد لعن الحجاج، قال: ويمكن أن يتأول توقف أحمد عن لعنة الحجاج ونظرائه أنه كان من الأمراء، فامتنع من ذلك من وجهين: أحدهما: نهي جاء عن لعنة الولاة خصوصا. الثاني: أن لعن الأمراء ربما أفضى إلى الهرج وسفك الدماء والفتن، وهذا المعنى معدوم في غيرهم. قال الشيخ تقي الدين: والذين اتخذوا أئمة في الدين من أهل الأهواء هم أعظم من الأمراء عند أصحابهم، وقد يفضي ذلك إلى الفتن. وذكر ــ يعني القاضي ــ ما نقله من خط أبي حفص العكبري أسنده إلى
(2/894)
صالح بن أحمد قلت لأبي: إن قوما ينسبون إلي تولي يزيد، فقال: يا بني، وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: ولم لا تلعنه؟ فقال: ومتى رأيتني ألعن شيئا؟ لم لا نلعن من لعنه الله عز وجل في كتابه؟ فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقرأ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22 - 23]، فهل يكون في قطع الرحم أعظم من القتل؟ قال القاضي: وهذه الرواية إن صحت فهي صريحة في معنى لعن يزيد. قال الشيخ تقي الدين: الدلالة مبنية على استلزام المطلق للمعين. انتهى كلامه. وقال في مكان آخر: وقد نقل عن أحمد لعنة أقوام معينين من دعاة أهل البدع، ولهذا فرق من فرق من الأصحاب بين لعنة الفاسق بالفعل، وبين دعاة أهل الضلال، إما بناء على تكفيرهم، وإما بناء على أن ضررهم أشد، ومن جوز لعنة المبتدع المكفر معينا، فإنه يجوز لعنة الكافر المعين بطريق الأولى، ومن لم يجوز أن يلعن إلا من ثبت لعنه بالنص، فإنه لا يجوز لعنة الكافر المعين، فمن لم يجوز إلا لعن المنصوص يرى أن لا يجوز ذلك لا على وجه الانتصار ولا على وجه الجهاد، وإقامة الحدود كالهجرة، والتعزير والتحذير. وهذا مقتضى حديث أبي هريرة الذي في «الصحيح»: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يدعو لأحد أو على أحد قنت بعد الركوع، وقال فيه: «اللهم العن فلانا وفلانا» لأحياء من العرب، حتى نزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128].
(2/895)
قال: وكذلك من لم يلعن المعين من أهل السنة، أو من أهل القبلة، أو مطلقا، وأما من جوز لعنة الفاسق المعين على وجه البغض في الله عز وجل، والبراءة منه والتعزير، فقد يجوز ذلك على وجه الانتصار أيضا، ومن يرجح المنع من لعن المعين، فقد يجيب عما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بأحد أجوبة ثلاثة: إما بأن ذلك منسوخ، كلعن من لعن في القنوت على ما قاله أبو هريرة. وإما أن ذلك مما دخل في قوله: «اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما مسلم سببته أو لعنته، وليس كذلك فاجعل ذلك له صلاة وزكاة ورحمة تقربه بها إليك يوم القيامة»، لكن قد يقال: هذا الحديث لا يدل على تحريم اللعنة، وإنما يدل أنه يفعلها باجتهاده بالتعزير، فجعل هذا الدعاء دافعا عمن ليس لها بأهل. وإما أن يقال: اللعن من النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابت بالنص فقد يكون اطلع على عاقبة الملعون. وقد يقال: الأصل مشاركته في الفعل، ولو كان لا يلعن إلا من علم أنه من أهل النار لما قال: «إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما مسلم سببته، أو شتمته، أو لعنته فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة». فهذا يقتضي أنه كان يخاف أن يكون لعنه بما يحتاج أن يستدرك بما يقابله من الحسنات، فإنه معصوم، والاستدراك بهذا الدعاء يدفع ما يخافه من إصابة دعائه لمن لا يستحقه، وإن كان باجتهاد، إذ هو اجتهاده الشرعي معصوم لأجل التأسي به.
(2/896)
وقد يقال: نصوص الفعل تدل على الجواز للظالم كما يقتضي ذلك القياس، فإن اللعنة هي البعد عن رحمة الله، ومعلوم أنه يجوز أن يدعى عليه من العذاب بما يكون مبعدا عن رحمة الله عز وجل في بعض المواضع كما تقدم، فاللعنة أولى أن تجوز، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن لعن من علم أنه يحب الله ورسوله، فمن علم أنه مؤمن في الباطن يحب الله ورسوله لا يلعن؛ لأن هذا مرحوم بخلاف من لا يكون كذلك. انتهى كلامه) [الآداب الشرعية 1/ 285 - 292]. 1233 - من ولد على الفطرة ثم ارتد: - قال ابن مفلح: (ويقتل زنديق، وهو المنافق، ومن تكررت ردته أو كفر بسحره أو سبّ الله أو رسوله ... وعنه: مثلهم من ولد على الفطرة ثم ارتد، ذكره شيخنا) [الفروع 6/ 170 (10/ 193 - 194)] (1). 1234 - توبة الداعية إلى بدعته: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: قد بيَّن الله تعالى أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع (2)) [الفروع 6/ 170 _________ (1) قال - رحمه الله - ــ كما في «الفتاوى» (35/ 228) ــ: (ولهذا تنازع الناس فيمن ولد على الفطرة إذا ارتد ثم عاد إلى الإسلام: هل تقبل توبته؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد) ا. هـ. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال الشيخ تقي الدين في كتاب «الإيمان والإسلام» في أواخر النصف الأول: فإن قيل: فإذا كان الإيمان المطلق يتناول جميع ما أمر الله تعالى به ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فمتى ذهب بعض ذلك بطل الإيمان، فيلزم تكفير أهل الذنوب =
(2/897)
(10/ 195)] (1). _________ = كما يقوله الخوارج، أو تخليدهم بالنار وسلبهم اسم الإيمان بالكلية كما يقول المعتزلة، وكلا القولين شرٌّ من قول المرجئة، فإن المرجئة منهم جماعة من العلماء والعباد المذكورين عند الأمة بخير، وأما الخوارج والمعتزلة فأهل السنة والجماعة من جميع الطوائف مطبقون على ذمهم .. قيل: أولا ينبغي أن يعرف أن القول الذي لم يوافق الخوارج والمعتزلة عليه أحد من أهل السنة، هو القول بتخليد أهل الكبائر في النار، فإن هذا القول من البدع المشهورة، وقد اتفق الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين على أنه لا يخلد في النار أحد ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وقد نقل بعض الناس ممن يذكر الاختلاف عن الصحابة في ذلك خلافا كما روي عن ابن عباس أن القاتل لا توبة له، وهذا غلط على الصحابة، فإنه لم يقل أحد منهم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشفع لأهل الكبائر، ولا قال: إنهم يخلدون في النار، لكن ابن عباس في إحدى الروايتين عنه قال: إن القاتل لا توبة له، وعن أحمد بن حنبل في قبول توبة القاتل روايتان أيضا، والنزاع في التوبة غير النزاع في التخليد، وذلك أن القتل يتعلق به حق آدمي، فلهذا حصل النزاع فيه، وأما قول القائل: إن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله، فهذا ممنوع، وهذا هو الأصل الذي تفرعت منه في الإيمان أقوال أهل البدع، فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله، لم يبق منه شيءٌ، ثم قالت الخوارج: هو مجموع ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، كما قاله أهل الحديث، وقالوا: إذا ذهب منه شيءٌ لم يبق مع صاحبه شيءٌ من الإيمان، فيخلد في النار، وقالت المرجئة على اختلاف فرقهم: لا يذهب بالكبائر وبترك الواجبات الظاهرة شيء منه، إذ لو ذهب شيء منه لم يبق منه شيءٌ، فيكون شيئا واحدا، يستوي فيه البر والفاجر، ونصوص الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه تدل على ذهاب بعضه وبقاء بعضه، كقوله: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان») ا. هـ. وهو في «الفتاوى» (7/ 222). (1) «الفتاوى» (18/ 186).
(2/898)
1235 - عصمة دم ومال المرتد إذا أسلم لا تفتقر إلى حكم حاكم: 1236 - ومن شهدت عليه بينة بالردة فأنكر: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: اتفق الأئمة أن المرتد إذا أسلم عصم دمه وماله وإن لم يحكم به حاكم، بل مذهب الإمام أحمد في المشهور عنه «و: هـ ش» أن من شهدت عليه بينة بالردة فأنكر حكم بإسلامه، ولا يحتاج أن يقر بما شهد به عليه، فإذا لم يشهد عليه عدل لم يفتقر الحكم إلى إقراره «ع» بل إخراجه إلى ذلك قد يكون كذبا، ولهذا لا يجوز بناء حكم على هذا الإقرار، كإقرار الصحيح فإنه قد علم أنه لقنه وأنه فعله خوف القتل وهو إقرار تلجئة) [الفروع 6/ 172 - 173 (10/ 200)] (1). 1237 - ضمان المرتد ما أتلفه زمن ردته: - قال ابن مفلح: (ويضمن ما أتلفه، نص عليه، وعنه: إن فعله بدار حرب أو في جماعة مرتدة ممتنعة فلا، اختاره الخلال وصاحبه والشيخ، واختاره شيخنا، لفعل الصحابة وكالكافر الأصلي إجماعا. قال: وإن المرتد تحت حكمنا ليس محاربا يضمن إجماعا) [الفروع 6/ 175 (10/ 204 - 205)] (2). 1238 - التنجيم: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: التنجيم كالاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية من السحر، قال: ويحرم إجماعا، وأقر أولهم _________ (1) «الفتاوى» (35/ 205)، «الاختيارات» (443). (2) «الاختيارات» (444).
(2/899)
وآخرهم أن الله تعالى يدفع عن أهل العبادة والدعاء ببركته ما زعموا (1) أن الأفلاك توجبه، وأن لهم من ثواب الدارين ما لا تقوى الأفلاك أن تجلبه) [الفروع 6/ 178 (10/ 208)] (2). 1239 - مسألة: - قال ابن مفلح: (وإن أسلم أبوا حمل أو طفل أو أحدهما، لا جده وجدته، والمنصوص: أو مميز لم يبلغ، نقل ابن منصور: لم يبلغ عشرا، فمسلم، وكذا إن سباه مسلم منفردا، وعنه: كافر، كسبيه معهما على الأصح، وإن سبي مع أحدهما فمسلم، وعنه: يتبع أباه، وعنه: المسبي معه منهما، اختاره الآجري، ويتبع سابيا ذميا كمسلم، وقيل: إن سباه منفردا فمسلم، ونقل عبد الله والفضل بن زياد: يتبع مالكا مسلما كسبي، اختاره شيخنا) [الفروع 6/ 182 (10/ 213)]. 1240 - إرث الحمل من أب كافر إذا أسلمت أمه قبل الوضع: - قال ابن مفلح: (وظاهر «الفصول»: أنه كمن أسلم قبل قسم التركة، وقال في مكان آخر ــ بعد رواية الكحال (3) ــ: جعل تجدد الإسلام مانعا من _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: ببركة الدعاء، يعني: أهل الإسلام أجمعوا على هذا، وقوله: «زعموا» أي: أهل الأفلاك). (2) «الفتاوى» (35/ 197)، «الاختيارات» للبعلي (444). (3) ذكرها ابن مفلح قبل هذا الكلام، وهي في نصراني مات عن نصرانية حامل، فأسلمت، ثم ولدت، قال: (لا ترث، إنما ترث بالولادة، وحكم بالإسلام) كذا في ط 1، وط 2، ولعل الصواب: (لا يرث، إنما يرث بالولادة) كما في الإنصاف: (7/ 333).
(2/900)
إرثه مع كوننا نجعل للحمل حكما في باب الإرث، وذلك أن من أصله أن يورث القريب الكافر إذا أسلم قبل القسم. وقال شيخنا: قيد ذلك بما إذا أسلمت أمه قبل الوضع، فإنه في هذه الصورة يصير مسلما بلا ريب. قال: وتعليل ابن عقيل ضعيف) [الفروع 6/ 183 (10/ 214 - 215)]. وانظر: ما سبق برقم: (928). 1241 - حكم أطفال الكفار، ومن بلغ منهم مجنونا في الآخرة: - قال ابن مفلح: (وأطفال الكفار في النار، وعنه: الوقف، واختار ابن عقيل وابن الجوزي: في الجنة كأطفال المسلمين، ومن بلغ منهم مجنونا، واختار شيخنا تكليفهم في القيامة للأخبار) [الفروع 6/ 183 - 184 (10/ 215 - 216)] (1). 1242 - الطفل إذا مات أبواه الكافران أو أحدهما: - قال ابن القيم: ( ... لكن تنازعوا في الطفل إذا مات أبواه أو أحدهما هل يحكم بإسلامه؟ وعن أحمد في ذلك ثلاث روايات: إحداهن: يحكم بإسلامه بموت الأبوين، أو أحدهما، لقوله: «فأبواه يهودانه وينصرانه»، وهذا ليس معه أبواه وهو على الفطرة، وهي الإسلام ... فيكون مسلما. _________ (1) «الفتاوى» (4/ 246 - 247)، «الاختيارات» للبعلي (444)، وانظر: «الفتاوى» (10/ 739؛ 24/ 372)، «درء التعارض» (8/ 401 - 402).
(2/901)
والثانية: لا يحكم بإسلامه بذلك، وهذا قول الجمهور، قال شيخنا: وهذا القول هو الصواب، بل هو إجماع قديم من السلف والخلف، بل هو ثابت بالسنة التي لا ريب فيها، فقد علم أن أهل الذمة كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ووادي القرى وخيبر ونجران واليمن وغير ذلك، وكان فيهم من يموت وله ولد صغير، ولم يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلام أهل الذمة ولا خلفاؤه، وأهل الذمة كانوا في زمانهم طبق الأرض بالشام ومصر والعراق وخراسان، وفيهم من يتاماهم عدد كثير، ولم يحكموا بإسلام واحد منهم، فإن عقد الذمة اقتضى أن يتولى بعضهم بعضا، فهم يتولون حضانة يتاماهم كما كان الأبوان يتولون تربيتهم، وأحمد يقول: إن الذمي إذا مات ورثه ابنه الطفل، مع قوله في إحدى الروايات أنه يصير مسلما، لأن أهل الذمة ما زال أولادهم يرثوهم، لأن الإسلام حصل مع استحقاق الإرث، لم يحصل قبله) [شفاء العليل 2/ 812 - 813]. - وقال أيضا: ( ... فأما المسألة الأولى: وهي موت الأبوين أو أحدهما، فاختلف فيها على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يصير بذلك مسلما، بل هو على دينه، وهذا قول الجمهور، وربما ادعي فيه أنه إجماع معلوم متيقن، لأنا نعلم أن أهل الذمة لم يزالوا يموتون ويخلفون أولادا صغارا، ولا نعرف قط أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحدا من الخلفاء الراشدين بعده ولا من بعدهم من الأئمة حكموا بإسلام أولاد الكفار بموت آبائهم، ولا نعرف أن ذلك وقع في الإسلام مع امتناع إهمال هذا الأمر وإضاعته عليهم، وهم أحرص الناس على الزيادة في الإسلام والنقصان من الكفر، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد ــ في إحدى الروايتين
(2/902)
عنه ــ، اختارها شيخنا - رحمه الله -) [أحكام أهل الذمة 1/ 492] (1). 1243 - الحكم بإسلام الطفل المولود لأبوين كافرين إذا سباه مسلم: 1244 - والحكم بإسلام الطفل الذي انقطع نسبه عن أبيه الكافر: 1245 - والحكم بإسلام الطفل إذا اشتراه مسلم: - قال ابن القيم: (فإن قيل: فاجعلوه تابعا لسابيه في الإسلام وإن كان معه أبواه أو أحدهما، فإن تبعيته لأبويه قد انقطعت وصار السابي هو أحق به. قيل: نعم، وهكذا نقول سواء، وهو قول إمام أهل الشام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ونص عليه أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ... فإن قيل: فهل تطردون هذا فيما انقطع نسبه عن الأب، مثل كونه ولد زنا، أو منفيا بلعان؟ قيل: نعم، لوجود المقتضي لإسلامه بالفطرة، وعدم المانع، وهو وجود الأبوين. ولكن الراجح في الدليل قول الجمهور، وأنه لا يحكم بإسلامه بذلك، وهو الرواية الثانية عنه، اختارها شيخ الإسلام ... فإن قيل: فهل تطردون هذا الأصل في جعله تبعًا للمالك، فتقولون: إذا اشترى المسلم طفلًا كافرًا يكون مسلمًا تبعًا له، أو تتناقضون فتفرقون بينه وبين السابي؟ _________ (1) «درء التعارض» (8/ 434).
(2/903)
وصورة المسألة: فيما إذا زوَّج الذمي عبده الكافر من أمته، فجاءت بولد، أو تزوج الحر منهم بأمة، فأولدها، ثم باع السيد هذا الولد لمسلم. قيل: نعم، نطرده، ونحكم بإسلامه، قاله شيخنا قدس الله روحه. ولكن جادة المذهب: أنه باقٍ على كفره، كما لو سبي مع أبويه، وأولى. والصحيح قول شيخنا، لأن تبعيته للأبوين قد زالت وانقطعت الموالاة والميراث، والحضانة بين الطفل والأبوين، وصار المالك أحق به، وهو تابع له، فلا يفرد عنه بحكم، فكيف يفرد عنه في دينه؟ وهذا طرد الحكم بإسلامه في مسألة السباء، وبالله التوفيق) [إعلام الموقعين 2/ 67 - 70]. 1246 - حكم من لم تبلغه الدعوة: - قال ابن مفلح: (ونقل ابن منصور فيمن ولد أعمى أبكم أصم وصار رجلا: هو بمنزلة الميت، هو مع أبويه، وإن كانا مشركين ثم أسلما بعد ما صار رجلا، قال: هو معهما، ويتوجه: مثلهما من لم تبلغه الدعوة، وقاله شيخنا) [الفروع 6/ 184 - 185 (10/ 216)] (1). 1247 - من تعدى بلفظه على حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم تاب: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا فيمن شُفِع عنده في شخص، فقال: لو جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يشفع فيه ما قبل: إن تاب بعد القدرة عليه قتل، لا قبلها، في أظهر قولي العلماء فيهما، ويسوغ تعزيره، وهذا اختيار المالكية يعزر بعد التوبة. _________ (1) انظر: «درء التعارض» (8/ 435 - 436).
(2/904)
ووجه شيخنا هذا المعنى في مكان آخر بأن قتله من حيث هو رسولٌ حقٌّ لله، وقد سقط، فيعزر لحق البشرية، كتعزير ساب المؤمنين بعد إسلامه. قال: ومن لم يعاقبه بشيء قال: اندرج حق البشرية في حق الرسالة، فإن الجريمة الواحدة إذا أوجبت القتل لم يجب غيره، عند أكثر الفقهاء، ولهذا اندرج حق الله في حق الآدمي بعفوه عن قود وحد قذف. قال: وفي الأصلين خلاف، فمذهب «م»: يعزر القاتل بعد العفو، ومذهب «هـ»: لا يسقط حد القذف بالعفو، ولهذا تردد من أسقط القتل بالإسلام، هل يؤدب حدا أو تعزيرا على خصوص القذف والسب؟ ) [الفروع 6/ 188 (10/ 221 - 222)] (1). _________ (1) انظر: «الصارم المسلول» (3/ 627 - 629)، «الاختيارات» للبعلي (443 - 444).
(2/905)
كتاب الجهاد
1248 - الجهاد بالمال للعاجز عنه ببدنه: - قال ابن مفلح: (وهو فرض كفاية على مكلف ذكر حر ــ فإنَّ فرض الكفاية لا يلزم رقيقا ولو أذن له سيده (1) ــ صحيحٍ (2) ــ ولو أعور ــ واجد ــ وفي «المحرر»: ولو من الإمام ــ ما يحتاجه هو وأهله لغيبته، ومع مسافة قصر مركوبا، وعنه: يلزم عاجزا ببدنه في ماله، اختاره الآجري وشيخنا كحج على معضوب (3) وأولى) [الفروع 6/ 189 (10/ 225)] (4). 1249 - أنواع الجهاد: - قال ابن القيم: (وسمعت شيخنا يقول: جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين، فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولًا حتى يخرج إليهم) [روضة المحبين 475 ــ 476]. - وقال ابن مفلح: (وذكر شيخنا الأمر بالجهاد: فمنه بالقلب، والدعوة، والحجة والبيان، والرأي والتدبير، والبدن، فيجب بغاية ما يمكنه، والحرب خدعة: _________ (1) في ط 1: (ولو أذن سيد)، والمثبت من ط 2. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (صفة لمكلف، أي: على مكلف صحيح). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: كوجوب حج على معضوب). (4) «الفتاوى» (28/ 87، 421)، «الاختيارات» (445).
(2/907)
الرأيُ قبل شجاعةِ الشجعانِ ... هو أولٌ وهي المحلُّ الثاني فإذا هما اجتمعا لعبد مرَّةً ... بلغَا (1) من العلياءِ كلَّ مكانِ (2) قال: وعلى الرسول (3) أن يحرضهم على الجهاد، ويقاتل بهم عدوه بدعائهم ورأيهم وفعلهم، وغير ذلك مما يمكن الاستعانة به على الجهاد) [الفروع 6/ 189 ـ 190 (10/ 226 - 227)] (4). 1250 - ما لا تكفره الشهادة: 1251 - والحقوق التي لا يسقطها الحج: 1252 - وحكم من اعتقد أن الحج يسقط ما وجب عليه من الواجبات: - قال ابن مفلح: (وتكفِّر الشهادة غير الدَّين، قال شيخنا: وغير مظالم العباد كقتلٍ وظلمٍ، وزكاةٍ وحجٍّ أخرهما. وقال شيخنا: ومن اعتقد أن الحج يسقط ما وجب عليه من الصلاة والزكاة فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، ولا يسقط حق الآدمي من دم أو مال أو عرض بالحج «ع») [الفروع 6/ 194 (10/ 233)]. _________ (1) في «ديوان المتنبي»: (فإذا هما اجتمعا لنفسٍ مِرَّةٍ بلغت ... )، وكذا في «منهاج السنة» (7/ 174). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (وتكملته: ولربَّما طعَنَ الفتى أقرانَه ... بالرأي قبل تطاعنِ الفرسانِ) (3) في ط 1: (الأمير)، والمثبت من ط 2. (4) «منهاج السنة» (8/ 63 - 64، 390)، «الاختيارات» للبعلي (449).
(2/908)
1253 - الطهارة والصلاة وصيام رمضان والحج ونحوها لا تكفر إلا الصغائر: - قال ابن مفلح: (وتكفر طهارة وصلاة ورمضان وعرفة وعاشوراء الصغائر فقط، قال شيخنا: وكذا حج؛ لأن الصلاة ورمضان أعظم منه) [الفروع 6/ 194 (10/ 233)] (1). 1254 - الأعمال الظاهرة يعظم قدرها بما في القلوب من الإيمان: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من عرف أن الأعمال الظاهرة تعظيم قدرها بما في القلوب من الإيمان ــ وهو متفاضل لا يعلم مقاديره إلا الله تعالى -= عرف أن ما قاله الرسول حق، ولم يضرب بعضه ببعض، وقد يفعل النوع الواحد بكمال إخلاص وعبودية فيغفر له به كبائر كصاحب السجلات، والبغي التي سقت الكلب فغفر لها. كذا قال) [الفروع 6/ 195 (10/ 234 - 235)] (2). 1255 - الرباط أفضل من المقام بمكة: - قال ابن مفلح: (وتمام الرباط أربعون يوما، قاله الإمام أحمد، ويستحب ولو ساعة، نص عليه، وقال الآجري: أقله ساعة، وهو أفضل من مقام بمكة، وذكره شيخنا «ع») [الفروع 6/ 196 (10/ 235)] (3). _________ (1) «مختصر الفتاوى المصرية» (290)، «الاختيارات» للبعلي (99). (2) «منهاج السنة» (6/ 136 - 137). (3) «الفتاوى» (27/ 51 - 53؛ 28/ 5)، «جامع المسائل» (5/ 339 وما بعدها)؛ «الاختيارات» للبعلي (449).
(2/909)
1256 - الانغماس في العدو: - قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا: يستحب انغماسه لمنفعة المسلمين وإلا نهي عنه، وهو من التهلكة) [الفروع 6/ 202 (10/ 243)] (1). 1257 - جهاد الدفع: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: جهاد الدفع للكفار يتعين على كل أحد، ويحرم فيه الفرار من مثليهم؛ لأنه جهاد ضرورة لا اختيار، وثبتوا يوم أحد والأحزاب وجوبا، وكذا لما قدم التتر دمشق) [الفروع 6/ 202 (10/ 244)] (2). 1258 - الاستعانة بالمشركين في العمالة والكتابة: 1259 - وحكم من تولى منهم ديوانا للمسلمين: - قال ابن مفلح: (ويتوجه: يكره أن يستعين بكافر إلا لضرورة، وذكر جماعة: لحاجة، وعنه: يجوز مع حسن رأي فينا، زاد جماعة وجزم به في «المحرر»: وقوته بهم وبالعدو، وفي «الواضح» روايتان: الجواز وعدمه بلا ضرورة، وبناهما على الإسهام له، كذا قال، وفي «البلغة»: يحرم إلا لحاجة بحسن الظن، قال: وقيل: إلا لضرورة، وأطلق أبو الحسين وغيره أن الرواية لا تختلف أنه لا يستعان بهم ولا يعاونون، وأخذ القاضي من تحريم _________ (1) انظر: «جامع المسائل» (5/ 311 - 312، 324 - 329)، «مختصر الفتاوى المصرية» (508). (2) انظر: «الفتاوى» (28/ 358 - 359)، «جامع المسائل» (5/ 323 - 324)، «الاختيارات» للبعلي (449).
(2/910)
الاستعانة تحريمها في العمالة والكتبة، وسأله أبو طالب عن مثل الخراج؟ فقال: لا يستعان بهم في شيء. وأخذ القاضي منه أنه لا يجوز كونه عاملا في الزكاة، فدل أن المسألة على روايتين، والأولى المنع واختاره شيخنا وغيره أيضا؛ لأنه يلزم منه مفاسد أو يفضي إليها، فهو أولى من مسألة الجهاد. وقال شيخنا: من تولى منهم ديوانا للمسلمين انتقض عهده؛ لأنه من الصغار (1)) [الفروع 6/ 205 (10/ 247 - 248)] (2). 1260 - تصرفات إمام المسلمين تبنى على المصلحة في المال وغيره: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: للإمام عمل المصلحة في مال وغيره، كعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأهل مكة) [الفروع 6/ 213 (10/ 257 - 258)] (3). 1261 - من قتل غيره متأولا: - قال ابن مفلح: (وفي «رد شيخنا على الرافضي»: الأمة يقع منها التأويل في الدم والمال والعرض، ثم ذكر قتل أسامة للرجل الذي أسلم بعد أن علاه بالسيف، وخبر المقداد. قال: فقد ثبت أنهم مسلمون يحرم قتلهم، ومع هذا فلم يضمن المقتول، بقود ولا دية ولا كفارة، لأن القاتل كان متأولا، هذا قول أكثرهم كالشافعي وأحمد وغيرهما، وكما لا يلزم الحربي إذا أسلم شيء لأنه متأول، وقال أسيد بن حضير لسعد بن عبادة في قصة الإفك: إنك منافق. وقال عمر _________ (1) في «الإنصاف» (4/ 105): (لأنه ينافي الصغار). (2) «الاختيارات» للبعلي (450). (3) «الفتاوى» (34/ 118)، «الاختيارات» للبعلي (450).
(2/911)
عن حاطب: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. وقال بعض الصحابة عن مالك بن الدخشم: إنه منافق، وذلك في «الصحيحين»، فأنكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكفر أحدا، وفي البخاري: أن بعضهم لعن رجلا يدعى حمارا لكثرة شربه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله» ولم يعاقبه للعنه (1) له، فالمتأول المخطئ مغفور له بالكتاب والسنة. وقال بعضهم ــ كأبي حنيفة وبعض المالكية ــ: كانوا أسلموا ولم يهاجروا فثبت في حقهم العصمة المؤثمة دون المضمنة، كذرية حرب. وقد ذكر شيخنا بعد ذلك قصة خالد كما تقدم, ولم يتكلم على ما فيها من التضمين المخالف عنده لقصة أسامة، بل قال: إنه وقع منه كما وقع من أسامة، فدل أنهما سواء. فإما أن يقال: ظاهر قصة أسامة لا تضمين، وقصة خالد ترغيبا في الإسلام، أن التضمين ليس في «المسند»، ولا «الكتب الستة». أو يقال: قصة خالد فيها التضمين، وفي قصة أسامة مسكوت عنه، ومثل أسامة يعلمه كما يعلم الكفارة، ولم يطالب إما لعسرته، أو لأن المستحق بيت المال، وللإمام العفو مجانا. وظاهر كلام شيخنا هذا أن من قتل باغيا في غير حرب متأولا لا شيء فيه، وأن قتل الباغي للعادل كذلك للتأويل. وذكر في مكان آخر قتل خالد مالك بن النويرة فلم يقتله أبو بكر، كما أن أسامة لما قتل لم يوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - قودا ولا دية ولا كفارة، وكما أنه لما _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: لم يعاقب الرجل الذي لعنه).
(2/912)
قتل بني جذيمة لم يقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - للتأويل) [الفروع 6/ 216 - 217 (10/ 262 - 264)] (1). 1262 - التمثيل بالكفار: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: المثلة حق لهم، فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر، ولهم تركها والصبر أفضل، وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد، ولا يكون نكالا لهم عن نظيرها، فأما إذا كان في التمثيل السائغ دعاء لهم إلى الإيمان، أو زجر لهم عن العدوان، فإنه هنا من إقامة الحدود، والجهاد المشروع، ولم تكن القصة في أحد كذلك، فلهذا كان الصبر أفضل، فأما إذا كان المغلب حق الله تعالى فالصبر هناك واجب، كما يجب حيث لا يمكن الانتصار، ويحرم الجزع. هذا كلامه) [الفروع 6/ 218 (10/ 265 - 266)] (2). _________ (1) «منهاج السنة» (4/ 452 - 458؛ 5/ 518). (2) انظر: «الفتاوى» (28/ 314 - 315)، «الاختيارات» للبعلي (450 - 451).
(2/913)
باب قسمة الغنيمة
1263 - الحرمان من السلب: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: ومن العقوبة المالية حرمانه عليه السلام السلب للمددي لما كان في أخذه عدوانٌ على ولي الأمر) [الفروع 6/ 225 (10/ 275 - 276)] (1). 1264 - الأموال التي ملكها الله للعباد: - قال ابن مفلح: (وفي «رد شيخنا على الرافضي» عن بعض أصحابنا «و: ش»: إن الله أضاف هذه الأموال إضافة ملك كسائر أملاك الناس، ثم اختار قول بعض العلماء إنها ليست ملكا لأحد، بل أمرها إلى الله والرسول، ينفقها فيما أمره الله به، فيثاب عليها كلها، بخلاف ما ملكه الله تعالى لعباده، فإن له (2) صرفه في المباح) [الفروع 6/ 228 (10/ 279 - 280)] (3). 1265 - مصرف الخمس والفيء: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا إعطاء الإمام من شاء منهم (4) للمصلحة، كزكاة، واختار أيضا أن الخمس والفيء واحد، يصرف في المصالح «و: م». _________ (1) «الفتاوى» (28/ 109 - 111)، «الاختيارات» للبعلي (453). (2) في ط 2: (لهم)، والمثبت من ط 1. (3) «منهاج السنة» (4/ 208 - 214). (4) أي: أصحاب الأسهم.
(2/914)
وفي «رده على الرافضي» أنه قول في مذهب أحمد، وأن عن أحمد ما يوافق ذلك فإنه جعل مصرف خمس الركاز (1) مصرف الفيء، وهو تبع لخمس الغنائم، وذكره أيضا رواية) [الفروع 6/ 229 (10/ 281)]. - وقال أيضا: (قال شيخنا: للإمام على الصحيح أن يخص طائفة بصنف كالفيء، قال: وليس للغانمين إعطاء أهل الخمس قدره من غيرها) [الفروع 6/ 230 (10/ 282 - 283)]. - وقال ابن كثير: (وقال آخرون: إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين، كما يتصرف في مال الفيء. وقال شيخنا الإمام العلامة ابن تيمية - رحمه الله -: وهذا قول مالك وأكثر السلف، وهو أصح الأقوال) [تفسير القرآن العظيم 4/ 62، الأنفال: 41] (2). 1266 - تحريق رحل الغال: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا وبعض المتأخرين أن تحريق رحل الغال من باب التعزير لا الحد الواجب، فيجتهد الإمام فيه بحسب المصلحة، وهذا أظهر) [الفروع 6/ 237 (10/ 293 - 294)] (3). _________ (1) في ط 1: (الزكاة)، والتصويب من ط 2. (2) انظر: «منهاج السنة» (4/ 212؛ 5/ 179)، «الاختيارات» للبعلي (453). (3) «الاختيارات» للبعلي (453)
(2/915)
باب حكم الأرضين المغنومة
1267 - إذا لم ينتفع بأرض الخراج: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولو يبست الكروم بجراد أو غيره سقط من الخراج حسبما تعطل من النفع. قال: وإذا لم يمكن النفع به ببيع أو إجارة أو عمارة أو غيره لم تجز المطالبة بالخراج، ومن عجز عن عمارتها أجبر على إجارتها أو رفع يده) [الفروع 6/ 242 (10/ 298)] (1). 1268 - حكم بيع رباع مكة: - قال ابن مفلح: (ومكة فتحت عنوة «و: هـ م» فيحرم بيعها وإجارتها، «و: هـ م» كبقاع المناسك، وجوزهما الشيخ، واختار شيخنا البيع فقط) [الفروع 6/ 243 (10/ 299 - 300)] (2). 1269 - أجرة رباع مكة: - قال ابن مفلح: (وإن سكن بأجرة فعنه: لا يأثم بدفعها، جزم به الشيخ، وعنه: إنكار عدمه، جزم به القاضي لالتزامه، قال أحمد: لا ينبغي لهم أخذه، ويتوجه مثله فيمن عامل بعينة (3) ونحوها في الزيادة عن رأس ماله، _________ (1) «الاختيارات» (192 - 193). (2) «الفتاوى» (17/ 489 - 491؛ 29/ 209 - 214)؛ «جامع المسائل» (4/ 374 - 376)، «الاختيارات» لابن اللحام (179 - 180). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: مسألة العينة المذكورة في الربا).
(2/916)
وقال شيخنا: هي ساقطة يحرم بذلها) [الفروع 6/ 243 - 244 (10/ 300 - 301)] (1). 1270 - الكلف السلطانية التي تطلب من البلدان: - قال ابن مفلح: (والكلف التي تطلب من البلدان (2) بحق أو غيره، يحرم توفير (3) بعضهم، وجعل قسطه على غيره، ومن قام فيها بنية العدل وتقليل الظلم مهما أمكن لله فكالمجاهد في سبيل الله. ذكره شيخنا) [الفروع 6/ 245 - 246 (10/ 302 - 303)] (4). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (179 - 180). (2) في ط 2: (البلد)، والمثبت من ط 1 (3) في ط 2: (توقير)، والمثبت من ط 1. (4) «الفتاوى» (30/ 336).
(2/917)
باب الأمان
1271 - إذا كان عقد الأمان لأكثر من سنة: - قال ابن مفلح: (ويحرم الأمان للقتل والرق, قاله الأصحاب, وفي «الترغيب»: ويحتمل أن لا يصح أمان امرأة عن الرق, قال: ويشترط للأمان عدم الضرر علينا, وأن لا تزيد مدته على عشر سنين ... ويعقد لرسول (1) ومستأمن، ولا جزية مدة الأمان، نص عليه، وقال أيضا: وذلك إذا أمنه الإمام، وقيل: بلى إن أقام سنة، واختاره شيخنا (2)) [الفروع 6/ 250 (10/ 309)]. _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: الأمان). (2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (تنبيه: قوله: «قال في «الترغيب»: يشترط للأمان عدم الضرر علينا, وأن لا تزيد مدته على عشر سنين, وفي جواز إقامتهم بدارنا هذه المدة بلا جزية وجهان» انتهى. الظاهر أن هذا من تتمة كلام صاحب «الترغيب» , بل هو الصواب, لأن المصنف قال بعد ذلك بأسطر: «ويعقد لرسول ومستأمن ولا جزية مدة الأمان, نص عليه, وقيل: بلى إن أقام سنة, واختاره شيخنا. انتهى. ولعل صاحب «الترغيب» خص ذلك بعشر سنين, وعلى كل حال الصحيح من المذهب الجواز, اختاره القاضي وغيره, وقدمه في «المقنع» وغيره, والقول بعدم الجواز اختاره أبو الخطاب والشيخ تقي الدين وغيرهما) ا. هـ.
(2/918)
باب الهدنة
1272 - عقد الهدنة الجائز: 1273 - وإذا قال: هادنتكم ما شئنا أو شاء فلان: 1274 - وإذا قال: نقركم ما أقركم الله: - قال ابن مفلح: (ولا يصح إلا حيث جاز تأخير الجهاد مدة معلومة لازمة، قال شيخنا: وجائزة (1) ... وإن قال: هادنتكم ما شئنا أو شاء فلان= لم يصح، في الأصح، كقوله: نقركم ما أقركم الله، واختار شيخنا صحته أيضا، وأن معناه: ما شئنا، وصحتها مطلقة، لكن جائزة ويعمل بالمصلحة، لأن الله تعالى أمر بنبذ العهود المطلقة وإتمام الموقتة «هـ» إلا بسبب) [الفروع 6/ 253 (10/ 312)] (2). 1275 - رد عوض المرأة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: رد المال الذي هو عوض عن رد المرأة _________ (1) قال المرداوي في «الإنصاف» (5/ 212): (يكون العقد لازما على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب، وقال الشيخ تقي الدين: ويكون أيضا جائزا) ا. هـ. وقال في موضع آخر (4/ 212): (قوله «وإن هادنهم مطلقا لم يصح» هذا المذهب، وعليه الأصحاب، وقال الشيخ تقي الدين: تصح، وتكون جائزة، ويعمل بالمصلحة. لأن الله تعالى أمر بنبذ العهود المطلقة وإتمام المؤقتة). (2) انظر: «الفتاوى» (29/ 140 - 141) , «الجواب الصحيح» (1/ 175 - 177)، «الاختيارات» للبعلي (455).
(2/919)
المشروط (1) ردها منسوخ، أما رده نفسه (2) فلا ناسخ له، ولو لم تبق امرأة يشترط ردها فلا يرد مهرها لعدم سببه فإن وجد سببه ــ وهو إفساد النكاح ــ فالآية دلت عليه ولم ينسخ (3)، وفي لزوم مسلم تزوجها رد مهرها الذي كان دفعه إليها زوج كان إليه روايتان (4)، ولم يستدل بشيء) [الفروع 6/ 255 - 256 (10/ 314 - 315)] (5). 1276 - شراء المعاهدين من سابيهم: - قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا رواية منصوصة: لنا شراؤهم من سابيهم «و: هـ» ولنا شراء ولدهم وأهلهم منهم، كحرب) [الفروع 6/ 256 (10/ 316)]. 1277 - نقض العهد: 1278 - وإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة عهد: - قال ابن القيم: (وبهذا أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بغزو نصارى المشرق لما أعانوا عدو المسلمين على قتالهم، فأمدوهم بالمال والسلاح، وإن كانوا لم يغزونا ولم يحاربونا، ورآهم بذلك ناقضين للعهد كما نقضت _________ (1) في ط 1: (الشروط)، والمثبت من ط 2. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الظاهر: أن مراده إذا شرط أن يبعث إليهم مالا، وإن عجز عنه عاد إليهم). (3) في ط 1: (ولم يفسخ)، والمثبت من ط 2. (4) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (هذا من تتمة كلام الشيخ تقي الدين، ولهذا عقبه المصنف بقوله: «لم يستدل بشيء»). (5) «مختصر الفتاوى المصرية» (540 - 541).
(2/920)
قريش عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعانتهم بني بكر بن وائل على حرب حلفائه، فكيف إذا أعان أهل الذمة المشركين على حرب المسلمين؟ والله أعلم) [زاد المعاد 3/ 138]. - وقال أيضا: ( ... وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد= جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم، ويغنم أموالهم، إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى ملطية وسبيهم، مستدلًا بقصة أبي بصير مع المشركين) [زاد المعاد 3/ 309]. - وقال ابن مفلح: (قيل لشيخنا عن سبي ملطية مسلميها ونصاراهم؟ فحرم مال المسلمين وأباح سبي النصارى وذريتهم وما لهم، كسائر الكفار، لأنه لا ذمة لهم ولا عهد، لأنهم نقضوا عهدهم السابق من الأئمة بالمحاربة وقطع الطريق، وما فيه غضاضة علينا، والإعانة على ذلك، ولا يعقد لهم إلا من يقاتلهم، حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وهؤلاء التتر لا يقاتلونهم على ذلك، بل بعد إسلامهم لا يقاتلون الناس على الإسلام، ولهذا وجب قتال التتر حتى يلتزموا شرائع الإسلام، منها الجهاد وإلزام أهل الذمة بالجزية والصغار، ونواب التتر الذين (1) يسمون الملوك لا يجاهدون على الإسلام وهم تحت حكم التتر. قال: ونصارى ملطية وأرض المشرق ويهودهم لو كان لهم ذمة وعهد من ملك مسلم يجاهدهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية كأهل المغرب واليمن، ثم لم يعاملوا أهل مصر والشام معاملة أهل العهد، جاز لأهل مصر _________ (1) في ط 2: (الذي)، والمثبت من ط 1.
(2/921)
والشام غزوهم واستباحة دمهم ومالهم؛ لأن أبا جندل وأبا بصير حاربوا أهل مكة مع أن بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عهدا. قال: وهذا باتفاق الأئمة، لأن العهد والذمة إنما يكون من الجانبين) [الفروع 6/ 256 - 257 (10/ 316 - 317)] (1). 1279 - إذا اشتبه ما أخذ من كافر بمسلم: 1280 - وإذا كسب شيئا فادعاه رجل وأخذه: - قال ابن مفلح: (وإن اشتبه ما (2) أخذ من كافر بمسلم فينبغي الكف، ويتوجه: يحرم، كما قاله شيخنا في سبي مشتبه يحرم استرقاقه، قال: ومن كسب شيئا فادعاه رجل وأخذه فللأول على الثاني ما غرمه (3) عليه من نفقة وغيرها إن لم يعرفه ملك الغير أو عرف وأنفق غير متبرع) [الفروع 6/ 257 (10/ 317)] (4). 1281 - مصرف الأموال التي أعدها أهل البدعة لنشر بدعتهم: - قال ابن كثير في حوادث سنة (716): (وكان صاحب مكة الأمير خميصة بن أبي نمي الحسني، قد قصد ملك التتر خربندا لينصره على أهل مكة، فساعده الروافض هناك، وجهزوا معه جيشًا كثيفًا من خراسان، فلما _________ (1) انظر: «الفتاوى» (30/ 397)، «الاختيارات» للبعلي (455 - 456). (2) في ط 1: (أن ما) وفي المخطوط (ص: 353): (إنما) , والمثبت من ط 2. (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الأول: هو الذي كسبه، الثاني: هو الذي ادعاه وأخذه). (4) «الاختيارات» للبعلي (457).
(2/922)
مات خربندا لبطل ذلك بالكلية، وعاد خميصة خائبًا خاسئًا، وفي صحبته أمير من كبار الروافض من التتر، يقال له: الدلقندي، وقد جمع لخميصة أموالًا كثيرة ليقيم بها الرفض في بلاد الحجاز، فوقع بهما الأمير محمد بن عيسى أخو مهنا، وقد كان في بلاد التتر أيضًا ومعه جماعة من العرب، فقهرهما ومَن كان معهما، ونهب ما كان معهما من الأموال، وحضرت الرجال، وبلغت أخبار ذلك إلى الدولة الإسلامية فرضي عنه الملك الناصر وأهل دولته، وغسل ذلك ذنبه عنده، فاستدعى به السلطان إلى حضرته، فحضر سامعًا مطيعًا، فأكرمه نائب الشام، فلما وصل إلى السلطان أكرمه أيضًا. ثم إنه استفتى الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وكذلك أرسل إليه السلطان يسأله عن الأموال التي أخذت من الدلقندي، فأفتاهم: أنها تصرف في المصالح التي يعم نفعها على المسلمين، لأنها كانت معدة لعناد الحق، ونصرة أهل البدعة على السنة) [البداية والنهاية: 14/ 88 - 89].
(2/923)
باب عقد الذمة
1282 - الجزية: - قال ابن القيم: (قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فالجزية: هي الخراج المضروب على رؤوس الكفار إذلالا وصغارا، والمعنى: حتى يعطوا الخراج عن رقابهم، واختلف في اشتقاقها، فقال القاضي في «الأحكام السلطانية»: اسمها مشتق من الجزاء، إما جزاءا على كفرهم لأخذها منهم صغارا، أو جزاءا على أماننا لهم لأخذها منهم رفقا. قال صاحب «المغني»: هي مشتقة من جزاه بمعنى قضاه كقوله (1): {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] فتكون الجزية مثل الفدية. قال شيخنا: والأول أصح، وهذا يرجع إلى أنها عقوبة أو أجرة) [أحكام أهل الذمة 1/ 22 - 23] (2). 1283 - من تؤخذ منه الجزية: 1284 - والكتاب الذي زوره اليهود في إسقاط الجزية عن أهل خيبر: - قال ابن القيم: (وأهل خيبر وغيرهم من اليهود في الذمة والجزية سواء، لا يعلم نزاع بين الفقهاء في ذلك، ورأيت لشيخنا في ذلك فصلا نقلته _________ (1) في الأصل: (لقوله). (2) انظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (512).
(2/924)
من خطه بلفظه قال: والكتاب الذي بأيدي الخيابرة الذي يدعون أنه بخط علي في إسقاط الجزية عنهم باطل، وقد ذكر ذلك الفقهاء من أصحابنا وأصحاب الشافعي وغيرهم، كأبي العباس بن شريح (1)، والقاضي أبي يعلى، والقاضي الماوردي، وأبي محمد المقدسي وغيرهم، وذكر الماوردي أنه إجماع، وصدق. قال: هذا الحكم ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ثابت بالعموم لفظا ومعنى، وهو عموم منقول بالتواتر لم يخصه أحد من علماء الإسلام، ولا دليل على شيء أوله الشرع، فيمتنع تخصيصه بما لا تعرف صحته، ولا وجد أيضا في الشريعة للمخصص (2)، فإن الواحد من المسلمين مثل أبي بردة ابن نيار (3) وسالم أبي حذيفة إنما خص بحكم لقيام معنى اختص به، وليس كذلك اليهود وأعقابهم، بل الخيابرة قد صدر منهم محاربة الله ورسوله، وفي قتال علي - رضي الله عنه - لهم ما يكونون به أحق بالإهانة، فأما الإكرام وترك الجهاد إلى الغاية التي أمر الله بها في أهل دينهم فلا وجه له. وأيضا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضرب جزية راتبة على من حاربه من اليهود، لا بني قينقاع، ولا النضير، ولا قريظة، ولا خيبر، بل نفى بني قينقاع إلى أذرعات، وأجلى النضير إلى خيبر، وقتل قريظة، وقاتل أهل خيبر فأقرهم فلاحين ما شاء الله، وأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، لكن _________ (1) كذا، والصواب: (سريج) بالسين والجيم, وانظر: «روضة الطالبين» (10/ 307). (2) قال محقق الأصل: (كذا بالأصل). (3) في الأصل: (دينار).
(2/925)
لما بعث معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر. قلت (1): ومقصود شيخنا أن أهل خيبر وغيرهم من اليهود كانوا في حكمه سواء، فلم يأخذ الجزية من غيرهم حتى أسقطها عنهم، فإن الجزية إنما نزلت فريضتها بعد فراغه من اليهود وحربهم، فإنها نزلت في سورة «براءة» عام حجة الصديق - رضي الله عنه -، سنة تسع، وقتاله لأهل خيبر كان في السنة السابعة، وكانت خيبر بعد صلح الحديبية، جعلها الله سبحانه شكرانا لأهل الحديبية وصبرهم، كما جعل فتح قريظة بعد الخندق شكرانا وجبرا لما حصل للمسلمين في تلك الغزوة، وكما جعل النضير بعد أحد كذلك، وجعل قينقاع بعد بدر، وكل واقعة من وقائع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأعداء الله اليهود كانت بعد غزوة من غزوات الكفار، ولم تكن الجزية نزلت بعد، فلما نزلت أخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نصارى نجران، وهم أول من أخذت منهم الجزية كما تبين، وبعث معاذ فأخذها من يهود اليمن. فإن قيل: فلم يأخذها من أهل خيبر بعد نزولها؟ قيل: كان قد تقدم صلحه لهم على إقرارهم في الأرض بنصف ما يخرج منها ما شاء، فوفى لهم عهدهم ولم يأخذ منهم غير ما شرط عليهم، فلما أجلاهم عمر - رضي الله عنه - إلى الشام ظنوا أنهم يستمرون على أن يعفوا منها، فزوروا كتابا يتضمن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسقطها عنهم بالكلية، وقد صنف الخطيب والقاضي وغيرهما في إبطال ذلك الكتاب تصانيف، ذكروا فيها وجوها تدل على أن ذلك الذي بأيديهم موضوع باطل. _________ (1) القائل: ابن القيم.
(2/926)
قال شيخنا: ولما كان عام إحدى وسبع مئة أحضر جماعة من يهود دمشق عهودا ادعوا أنها قديمة، وكلها بخط علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وقد غشوها بما يقتضي تعظيمها، وكانت قد نفقت على ولاة الأمور من مدة طويلة، فأسقطت عنهم الجزية بسببها، وبأيديهم تواقيع ولاة، فلما وقفت عليها تبين في نفسها ما يدل على كذبها من وجوه كثيرة جدا: منها: اختلاف الخطوط اختلافا متفاقما في تأليف الحروف، الذي يعلم معه أن ذلك لا يصدر عن كاتب واحد، وكلها نافية أنه خط علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. ومنها: أن فيها من اللحن الذي يخالف لغة العرب ما لا يجوز نسبة مثله إلى علي - رضي الله عنه - ولا غيره. ومنها: الكلام الذي لا يجوز نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق اليهود، مثل قوله: أنهم يعاملون بالإجلال والإكرام، وقوله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وقوله: أحسن الله بكم الجزاء، وقوله: وعليه أن يكرم محسنكم ويعفو عن مسيئكم، وغير ذلك. ومنها: أن في الكتاب إسقاط الخراج عنهم مع كونهم في أرض الحجاز، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضع خراجا قط، وأرض الحجاز لا خراج فيها بحال، والخراج أمر يجب على المسلمين، فكيف يسقط عن أهل الذمة؟ ! ومنها: أن في بعضها إسقاط الكلف والسخر عنهم، وهذا مما فعله الملوك المتأخرون، لم يشرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه. وفي بعضها: أنه شهد عنده عبد الله بن سلام وكعب بن مالك
(2/927)
وغيرهما من أحبار اليهود، وكعب بن مالك لم يكن من أحبار اليهود فاعتقدوا أنه كعب بن مالك (1) وذلك لم يكن من الصحابة، وإنما أسلم على عهد عمر - رضي الله عنه -. ومنها: أن لفظ الكلام ونظمه ليس من جنس كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - . ومنها: أن فيه من الإطالة والحشو ما لا يشبه عهود النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفيها وجوه أخر متعددة، مثل: أن هذه العهود لم يذكرها أحد من العلماء المتقدمين قبل ابن شريح (2)، ولا ذكروا أنها رفعت إلى أحد من ولاة الأمور فعملوا بها، ومثل ذلك مما يتعين شهرته ونقله) [أحكام أهل الذمة 1/ 51 - 54]. - وقال أيضًا: (ولما كان في بعض الدول التي خفيت فيها السنة وأعلامها، أظهر طائفة منهم كتابا قد عتقوه وزوروه، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقط عن يهود خيبر الجزية، وفيه: شهادة علي بن أبي طالب وسعد بن معاذ وجماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -. فراج ذلك على من جهل سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومغازيه وسيره، وتوهموا ــ بل ظنوا ــ صحته، فجروا على حكم هذا الكتاب المزور، حتى ألقي إلى شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وطلب منه أن يعين على تنفيذه، والعمل عليه، فبصق عليه، واستدل على كذبه بعشرة أوجه: منها: أن فيه شهادة سعد بن معاذ، وسعد توفي قبل خيبر قطعًا. _________ (1) كذا، ولعل الصواب: (كعب بن ماتع) وهو كعب الأحبار, والله أعلم. (2) كذا، والصواب: (سريج) كما سبق قريبا.
(2/928)
ومنها: أن في الكتاب أنه أسقط عنهم الجزية، والجزية لم تكن نزلت بعد، ولا يعرفها الصحابة حينئذ، فإن نزولها كان عام تبوك، بعد خيبر ثلاثة أعوام. ومنها: أنه أسقط عنهم الكلف والسخر، وهذا محال، فلم يكن في زمانه كلف ولا سخر تؤخذ منهم، ولا من غيرهم، وقد أعاذه الله، وأعاذ أصحابه من أخذ الكلف والسخر، وإنما هي من وضع الملوك الظلمة، واستمر الأمر عليها. ومنها: أن هذا الكتاب لم يذكره أحد من أهل العلم على اختلاف أصنافهم، فلم يذكره أحد من أهل المغازي والسير، ولا أحد من أهل الحديث والسنة، ولا أحد من أهل الفقه والإفتاء، ولا أحد من أهل التفسير، ولا أظهروه في زمان السلف، لعلمهم أنهم إن زوروا مثل ذلك عرفوا كذبه وبطلانه، فلما استخفوا بعض الدول في وقت فتنة، وخفاء بعض السنة زوروا ذلك وعتقوه، وأظهروه، وساعدهم على ذلك طمع بعض الخائنين لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يستمر لهم ذلك، حتى كشف الله أمره، وبين خلفاء الرسل بطلانه وكذبه) [زاد المعاد 3/ 152 ــ 153]. - وقال ابن مفلح: (واختار شيخنا في «رده على الرافضي» أخذها من الكل، وأنه لم يبق أحد من مشركي العرب بعد نزول الجزية بل كانوا أسلموا. وقال في «الاعتصام بالكتاب والسنة»: من أخذها من الجميع أو سوى بين المجوس وأهل الكتاب فقد خالف ظاهر الكتاب والسنة، وقد أمر الله تعالى بقتال المشركين في آيات ولم يقل: حتى يعطوا الجزية، وخبر بريدة
(2/929)
فيه: «وإذا حاصرت أهل حصن» ولا حصون للمشركين، ولم يدع النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا منهم إليها وهي نزلت سنة تسع عام تبوك آخر مغازيه، وقيدها بأهل الكتاب) [الفروع 6/ 259 - 260 (10/ 319 - 320)] (1). 1285 - تحمل المسلم الجزية عن الكافر: - قال ابن القيم: ( .... ولم أر لأصحابنا في هذه المسألة كلاما إلا ما ذكره أبو عبد الله بن حمدان في «رعايته» فقال: وهل للمسلم أن يتوكل لذمي في أداء جزيته، أو أن يضمنها عنه، أو أن يحيل الذمي عليه بها؟ يحتمل وجهين، أظهرهما المنع. انتهى. وعلى هذا يجري الخلاف فيما إذا تحملها عنه مسلم أو ذمي، والحمالة أن يقول: أنا ملتزم لما على فلان بشرط براءة ذمته منه، وقد اختلف الفقهاء في أصل هذه الحمالة: فالشافعي وأحمد لا يصححانها، هكذا ذكره أصحابه عنه، ولا نص له في المنع، والصحيح الجواز، وهو مقتضى أصوله، وهو اختيار شيخنا) [أحكام أهل الذمة 1/ 89]. 1286 - انتقال الكتابي أو المجوسي إلى غير دينه: 1287 - وإذا اشترى اليهود نصرانيا فجعلوه يهوديا: - قال ابن مفلح: (وإن انتقل كتابي أو مجوسي إلى غير دينه فعنه: إن لم يسلم قتل، وعنه: ويقر بدينه الأول، وعنه: يقر بأفضل منه، كمجوسي _________ (1) «منهاج السنة» (5/ 179)، وانظر: «الفتاوى» (28/ 664)، «الاختيارات» للبعلي (457).
(2/930)
تهود، وفي «الوسيلة» وجه: أو يهودي تنصر. وقال شيخنا: اتفقوا على التسوية بين اليهود والنصارى، لتقابلهما وتعارضهما. قال: ويسمون بهما قبل نسخ وتبديل ومؤمنين ومسلمين. قال: وإن اشترى اليهود نصرانيا فجعلوه يهوديا عزروا على جعله يهوديا، ولا يكون إلا مسلما) [الفروع 6/ 260 (10/ 320 - 321)]. 1288 - ما يؤخذ ممن لا تلزمه الجزية: 1289 - وأخذ الجزية من الراهب الموسر: - قال ابن مفلح: (ولا تلزم صبيا ومجنونا وزمنا وأعمى وشيخا فانيا وراهبا بصومعة، وفيه وجه، ولا يبقى بيده مال إلا بلغته فقط، ويؤخذ ما بيده، قاله شيخنا. قال: ويؤخذ منهم ما لنا، كالرزق الذي للديورة (1) والمزارع إجماعا. قال: ويجب ذلك. قال: ومن له تجارة أو زراعة وهو مخالط أو معاونهم على دينهم كمن يدعو إليه من راهب وغيره يلزمه إجماعا وحكمه حكمهم بلا نزاع) [الفروع 6/ 265 (10/ 327 - 328)] (2). _________ (1) جمع دير. (2) انظر: «الفتاوى» (28/ 659 - 662)، «مختصر الفتاوى المصرية» (512)، «الاختيارات» للبعلي (461).
(2/931)
1290 - تغيير الإمام للعقد الذي عقده الخلفاء مع نصارى بني تغلب للمصلحة: - قال ابن مفلح: (ويؤخذ عوض الجزية زكاتين من أموال بني تغلب، مما تجب فيه زكاة، حتى ممن لا تلزمه جزية، وفيه وجه، اختاره الشيخ، وليس للإمام تغييره، لأن عقد الذمة مؤبد، وقد عقده عمر معهم هكذا، واختار ابن عقيل: يجوز لاختلاف المصلحة باختلاف الأزمنة، وجعله جماعة كتغيير خراج وجزية، وقاله شيخنا) [الفروع 6/ 267 (10/ 331 - 332)].
(2/932)
باب أحكام الذمة
1291 - تمييز قبور أهل الذمة: 1292 - ومنعهم من التكني بكنية المسلمين وألقابهم: - قال ابن مفلح: (ويلزم تمييز قبورهم عن قبورنا تمييزا ظاهرا، كالحياة. وأولى، ذكره شيخنا، وأن لا يكتنوا بكنية المسلمين، كأبي القاسم وأبي عبد الله، وكذا اللقب، كعز الدين ونحوه، قاله شيخنا) [الفروع 6/ 269 (10/ 333)] (1). 1293 - لباس أهل الذمة: - قال ابن القيم ــ في معرض كلامه عن المفتي وأن عليه أن يفطن لحقيقة السؤال وصورته، وأن بعض المستفتين قد يصوغ السؤال في قالب مزخرف ليفتى بما يوافق هواه ــ: (وأذكر لك من هذا مثالا وقع في زماننا، وهو أن السلطان أمر أن يلزم أهل الذمة بتغيير عمائمهم، وأن تكون خلاف ألوان عمائم المسلمين، فقامت لذلك قيامتهم، وعظم عليهم، وكان في ذلك من المصالح وإعزاز الإسلام وإذلال الكفرة ما قرت به عيون المسلمين، فألقى الشيطان على ألسنة أوليائه وإخوانه أن صَوَّرُوا فتيا يتوصلون بها إلى إزالة هذا الغبار، وهي: ما تقول السادة العلماء في قوم من أهل الذمة أُلزموا بلباس غير لباسهم المعتاد، وزيٍّ غير زيهم المألوف، فحصل لهم بذلك ضرر عظيم في الطرقات والفلوات، وتجرأ عليهم بسببه السفهاء والرعاة، _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (459).
(2/933)
وآذوهم غاية الأذى، فطمع بذلك في إهانتهم والتعدي عليهم، فهل يسوغ للإمام ردهم إلى زيهم الأول، وإعادتهم إلى ما كانوا عليه مع حصول التميز بعلامة يعرفون بها؟ وهل في ذلك مخالفة للشرع أم لا؟ فأجابهم من منع التوفيق وصد عن الطريق بجواز ذلك، وأن للإمام إعادتهم إلى ما كانوا عليه، قال شيخنا: فجاءتني الفتوى، فقلت: لا تجوز إعادتهم، ويجب إبقاؤهم على الزي الذي يتميزون به عن المسلمين، فذهبوا ثم غيروا الفتوى، ثم جاءوا بها في قالب آخر، فقلت: لا تجوز إعادتهم. فذهبوا، ثم أتوا بها في قالب آخر، فقلت: هي المسألة المعينة، وإن خرجت في عدة قوالب. ثم ذهب إلى السلطان وتكلم عنده بكلام عجب منه الحاضرون، فأطبق القوم على إبقائهم، ولله الحمد) [إعلام الموقعين 4/ 193 - 194] (1). 1294 - منع أهل الذمة من حمل سلاح والمقاتلة بثقاف ورمي وغيره: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: ومِنْ (2) حَمْلِ سلاحٍ والمقاتلَة بثقافٍ ورمي وغيره، لأنه مشروط عليهم) [الفروع 6/ 269 - 270 (10/ 334)] (3). 1295 - عيادة أهل الذمة وتعزيتهم وتهنئتهم: - قال ابن مفلح: (وتحرم العيادة والتهنئة والتعزية لهم، كالتصدير والقيام، وكمبتدع يجب هجره، وعنه: يجوز «و: هـ ش»، وعنه: لمصلحة _________ (1) «الفتاوى» (28/ 658)، وهي منقولة من كلام ابن القيم مع بعض الاختلاف. (2) أي: ويمنعون من حمل سلاح .. الخ. (3) «الاختيارات» للبعلي (459).
(2/934)
راجحة، كرجاء إسلام، اختاره شيخنا، ومعناه اختيار الآجري، وأنه قول العلماء: يعاد ويعرض عليه الإسلام) [الفروع 6/ 270 (10/ 334)] (1). 1296 - الدعاء للشخص بالبقاء: - قال ابن مفلح: (وقد كره الإمام أحمد الدعاء لكل أحد بالبقاء ونحوه، لأنه شيء فرغ منه، واختاره شيخنا) [الفروع 6/ 270 (10/ 334)] (2). 1297 - تحية الذمي بـ: كيف أنت، وكيف أصبحت، ونحو ذلك: - قال ابن مفلح: (وتحرم البداءة بالسلام، وفي الحاجة احتمال، نقل أبو داود فيمن له حاجة إليه: لا يعجبني، ومثله: كيف أنت، أو أصبحت، أو حالك، نص عليه، وجَوَّزه شيخنا) [الفروع 6/ 271 (10/ 336)] (3). 1298 - رد تحية الذمي: 1299 - وقول: أهلا وسهلا له: - قال ابن مفلح: (وإن سلم أحدهم لزم رد عليكم، أو: عليك، وهل الأولى الواو؟ فيه وجهان، وعند شيخنا: يرد تحيته، وأنه يجوز: أهلا وسهلا) [الفروع 6/ 272 (10/ 336)] (4). _________ (1) «الفتاوى» (24/ 265)، «الاختيارات» للبعلي (460). (2) «الاختيارات» للبعلي (460) (3) «الاختيارات» للبعلي (460). (4) «الاختيارات» للبعلي (460).
(2/935)
1300 - قول: «يهديكم الله» للذمي إذا عطس: - قال ابن مفلح: (وكره أحمد مصافحته، قيل له: فإن عطس يقول له: يهديكم الله؟ قال: أي شيء يقال له؟ كأنه لم يره، وقال القاضي: ظاهره أنه لم يستحبه، كما لا يستحب بداءته بالسلام، وعن أبي موسى: إن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله، فكان يقول لهم: «يهديكم الله ويصلح بالكم» رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه. وقال شيخنا: فيه الروايتان، قال: والذي ذكره القاضي: يكره، وهو ظاهر كلام أحمد، وابن عقيل إنما نفى الاستحباب) [الفروع 6/ 272 (10/ 336 - 337)]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: وقد نص أحمد على أنه لا يستحب تشميت الذمي، ذكره أبو حفص في «كتاب الأدب» عن الفضل بن زياد قال: قلت: يا أبا عبد الله، لو عطس يهودي قلت له: يهديكم الله ويصلح بالكم؟ قال: أي شيء يقال لليهودي؟! كأنه لم يره. قال القاضي: ظاهر كلام أحمد أنه لم يستحب تشميته؛ لأن التشميت تحية له فهو كالسلام ولا يستحب أن يبدأ بالسلام كذلك التشميت. ويدل عليه ما رواه أبو حفص بإسناده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن للمسلم على المسلم ست خصال، إن ترك منهن شيئا ترك حقا واجبا عليه: إذا دعاه أن يجيبه، وإذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يحضره، وإذا لقيه أن يسلم عليه، وإذا استنصحه أن ينصحه، وإذا عطس أن يشمته أو يسمته» فلما
(2/936)
خص المسلم بذلك دل على أن الكافر بخلافه، وهو في «السنن» إلا قوله «حقا واجبا عليه». ولأحمد ومسلم من حديث أبي هريرة: «حق المسلم على المسلم ست ... » وذكره. قال الشيخ تقي الدين: التخصيص بالوجوب أو الاستحباب إنما ينفي ذلك في حق الذمي كما ذكره أحمد في النصيحة، وإجابة الدعوة لا تنفي جواز ذلك في حق الذمي من غير استحباب ولا كراهة، كإجابة دعوته، والذي ذكره القاضي ــ وهو ظاهر كلام أحمد ــ أنه يكره، وكلام ابن عقيل إنما نفى الاستحباب، وفي المسألة حديث تعاطس اليهود عند النبي وكان يجيبهم بالهداية، وإذا كان في التهنئة والتعزية والعيادة روايتان فالتشميت كذلك. انتهى كلامه) [الآداب الشرعية 2/ 320 - 321]. 1301 - الكنائس والمعابد في الأرض التي فتحت عنوة: 1302 - وعقد الذمة مع إبقاء المعابد بأيديهم: 1303 - وإذا انتقض عهدهم جاز أخذ كنائس الصلح منهم: 1304 - وما أحدث من الكنائس والمعابد بعد الفتح: 1305 - والزيادة في الكنيسة: - قال ابن القيم: (وورد على شيخنا استفتاء في أمر الكنائس، صورته: ما يقول السادة العلماء وفقهم الله في إقليم توافق أهل الفتوى في هذا الزمان على أن المسلمين فتحوه عنوة من غير صلح ولا أمان، فهل ملك المسلمون ذلك الإقليم المذكور بذلك؟
(2/937)
وهل يكون الملك شاملا لما فيه من أموال الكفار من الأثاث والمزارع والحيوان والرقيق والأرض والدور والبيع والكنائس والقلايات والديورة ونحو ذلك، أو يختص الملك بما عدا متعبدات أهل الشرك؟ فإن ملك جميع ما فيه فهل يجوز للإمام أن يعقد لأهل الشرك من النصارى واليهود بذلك الإقليم أو غيره الذمة، على أن يبقى ما بالإقليم المذكور من البيع والكنائس والديورة ونحوها متعبدا لهم، وتكون الجزية المأخوذة منهم في كل سنة في مقابلة ذلك بمفرده أو مع غيره أم لا؟ فإن لم يجز لأجل ما فيه من تأخير ملك المسلمين عنه، فهل يكون حكم الكنائس ونحوها حكم الغنيمة يتصرف فيه الإمام تصرفه في الغنائم أم لا؟ وإن جاز للإمام أن يعقد الذمة بشرط بقاء الكنائس ونحوها فهل يملك من عقدت له الذمة بهذا العقد رقاب البيع والكنائس والديورة ونحوها ويزول ملك المسلمين عن ذلك بهذا العقد أم لا، لأجل أن الجزية لا تكون عن ثمن مبيع؟ وإذا لم يملكوا ذلك وبقوا على الانتفاع بذلك، وانتقض عهدهم بسبب يقتضي انتقاضه، إما بموت من وقع عقد الذمة معه ولم يعقبوا، أو أعقبوا فإن قلنا: إن أولادهم يستأنف معهم عقد الذمة ــ كما نص عليه الشافعي فيما حكاه ابن الصباغ وصححه العراقيون، واختاره ابن أبي عصرون في «المرشد» ــ فهل لإمام الوقت أن يقول: لا أعقد لكم الذمة إلا بشرط ألا تدخلوا الكنائس والبيع والديورة في العقد، فتكون كالأموال التي جهل مستحقوها وأيس من معرفتها، أم لا يجوز له الامتناع من إدخالها في عقد
(2/938)
الذمة، بل يجب عليه إدخالها في عقد الذمة؟ فهل ذلك يختص بالبيع والكنائس والديورة التي تحقق أنها كانت موجودة عند فتح المسلمين، ولا يجب عليه ذلك عند التردد في أن ذلك كان موجودا عند الفتح أو حدث بعد الفتح، أو يجب عليه مطلقا فيما تحقق أنه كان موجودا قبل الفتح أو شك فيه؟ وإذا لم يجب في حالة الشك، فهل يكون ما وقع الشك في أنه كان قبل الفتح وجهل الحال فيمن أحدثه لمن هو لبيت المال أم لا؟ وإذا قلنا: إن من بلغ من أولاد من عقدت معهم الذمة وإن سلفوا ومن غيرهم لا يحتاجون أن تعقد لهم الذمة، بل يجري عليهم حكم من سلف إذا تحقق أنه من أولادهم، يكون حكم كنائسهم وبيعهم حكم أنفسهم، أم يحتاج إلى تجديد عقد وذمة؟ وإذا قلنا: إنهم يحتاجون إلى تجديد عقد عند البلوغ فهل تحتاج كنائسهم وبيعهم إليه أم لا؟ فأجاب: الحمد لله، ما فتحه المسلمون كأرض خيبر التي فتحت على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكعامة أرض الشام وبعض مدنها، وكسواد العراق إلا مواضع قليلة فتحت صلحا، وكأرض مصر، فإن هذه الأقاليم فتحت عنوة على خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وقد روي في أرض مصر أنها فتحت صلحا، وروي أنها فتحت عنوة، وكلا الأمرين صحيح على ما ذكره العلماء المتأهلون للروايات الصحيحة في هذا الباب، فإنها فتحت أولا صلحا، ثم نقض أهلها العهد فبعث عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - يستمده، فأمده بجيش كثير فيهم الزبير بن العوام، ففتحها
(2/939)
المسلمون الفتح الثاني عنوة، ولهذا روي من وجوه كثيرة أن الزبير سأل عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - أن يقسمها بين الجيش، كما سأله بلال قسم الشام، فشاور الصحابة في ذلك، فأشار عليه كبراؤهم كعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أن يحبسها فيئا للمسلمين، ينتفع بفائدتها أول المسلمين وآخرهم، ثم وافق عمر على ذلك بعض من كان خالفه، ومات بعضهم، فاستقر الأمر على ذلك. فما فتحه المسلمون عنوة فقد ملكهم الله إياه كما ملكهم ما استولوا عليه من النفوس والأموال والمنقول والعقار، ويدخل في العقار معابد الكفار ومساكنهم وأسواقهم ومزارعهم وسائر منافع الأرض، كما يدخل في المنقول سائر أنواعه من الحيوان والمتاع والنقد، وليس لمعابد الكفار خاصة تقتضي خروجها عن ملك المسلمين، فإن ما يقال فيها من الأقوال ويفعل فيها من العبادات إما أن يكون مبدلا، أو محدثا لم يشرعه الله قط، أو يكون الله قد نهى عنه بعدما شرعه، وقد أوجب الله على أهل دينه جهاد أهل الكفر حتى يكون الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا، ويرجعوا عن دينهم الباطل إلى الهدى ودين الحق، الذي بعث الله به خاتم المرسلين، ويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ولهذا لما استولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أرض من حاربه من أهل الكتاب وغيرهم كبني قينقاع والنضير وقريظة كانت معابدهم مما استولى عليه المسلمون، ودخلت في قوله سبحانه: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: 27]، وفي قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} [الحشر: 6]، و {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7]، لكن وإن ملك المسلمون ذلك فحكم الملك متبوع، كما يختلف
(2/940)
حكم الملك في المكاتب والمدبر وأم الولد والعبد، وكما يختلف حكمه في المقاتلين الذين يؤسرون، وفي النساء والصبيان الذين يسبون، كذلك يختلف حكمه في المملوك نفسه والعقار والأرض والمنقول، وقد أجمع المسلمون على أن الغنائم لها أحكام مختصة بها لا تقاس بسائر الأموال المشتركة، ولهذا لما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر أقر أهلها ذمة للمسلمين في مساكنهم، وكانت المزارع ملكا للمسلمين، عاملهم عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشطر (1) ما يخرج منها من ثمر أو زرع، ثم أجلاهم عمر - رضي الله عنه - في خلافته واسترجع المسلمون ما كانوا أقروهم فيه من المساكن والمعابد. فصل وأما أنه هل يجوز للإمام عقد الذمة مع إبقاء المعابد بأيديهم فهذا فيه خلاف معروف في مذاهب الأئمة الأربعة: منهم من يقول: لا يجوز تركها لهم، لأنه إخراج ملك المسلمين عنها، وإقرار الكفر بلا عهد قديم. ومنهم من يقول بجواز إقرارهم فيها إذا اقتضت المصلحة ذلك، كما أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر فيها، وكما أقر الخلفاء الراشدون الكفار على المساكن والمعابد التي كانت بأيديهم. فمن قال بالأول قال: حكم الكنائس حكم غيرها من العقار، منهم من يوجب إبقاءه كمالك في المشهور عنه وأحمد في رواية، ومنهم من يخير الإمام فيه بين الأمرين بحسب المصلحة، وهذا قول الأكثرين، وهو مذهب _________ (1) في الأصل: (بشرط) ..
(2/941)
أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه، وعليه دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قسم نصف خيبر وترك نصفها لمصالح المسلمين. ومن قال: يجوز إقرارها بأيديهم= فقوله أوجه وأظهر، فإنهم لا يملكون بهذا الإقرار رقاب المعابد كما يملك الرجل ماله، كما أنهم لا يملكون ما ترك لمنافعهم المشتركة كالأسواق والمراعي، كما لم يملك أهل خيبر ما أقرهم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المساكن والمعابد، ومجرد إقرارهم ينتفعون بها ليس تمليكا، كما لو أقطع المسلم بعض عقار بيت المال ينتفع بغلته، أو سلم إليه مسجد أو رباط ينتفع به، لم يكن ذلك تمليكا له، بل ما أقروا فيه من كنائس العنوة يجوز للمسلمين انتزاعها منهم إذا اقتضت المصلحة ذلك، كما انتزعها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل خيبر بأمره بعد إقرارهم فيها، وقد طلب المسلمون في خلافة الوليد بن عبد الملك أن يأخذوا من النصارى بعض كنائس العنوة التي خارج دمشق، فصالحوهم على إعطائهم الكنيسة التي داخل البلد، وأقر ذلك عمر بن عبد العزيز أحد الخلفاء الراشدين ومن معه في عصره من أهل العلم، فإن المسلمين لما أرادوا أن يزيدوا جامع دمشق بالكنيسة التي إلى جانبه، وكانت من كنائس الصلح، لم يكن لهم أخذها قهرا، فاصطلحوا على المعاوضة بإقرار كنائس العنوة التي أرادوا انتزاعها، وكان ذلك الإقرار عوضا عن كنيسة الصلح التي لم يكن لهم أخذها عنوة. فصل ومتى انتقض عهدهم جاز أخذ كنائس الصلح منهم، فضلا عن كنائس العنوة، كما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان لقريظة والنضير لما نقضوا العهد، فإن
(2/942)
ناقض العهد أسوأ حالا من المحارب الأصلي، كما أن ناقض الإيمان بالردة أسوأ حالا من الكافر الأصلي، ولذلك لو انقرض أهل مصر من الأمصار، ولم يبق من دخل في عهدهم، فإنه يصير للمسلمين جميع عقارهم ومنقولهم من المعابد وغيرها فيئا، فإذا عقدت الذمة لغيرهم كان كالعهد المبتدأ، وكان لمن يعقد لهم الذمة أن يقرهم في المعابد، وله ألا يقرهم، بمنزلة ما فتح ابتداء، فإنه لو أراد الإمام عند فتحه هدم ذلك جاز بإجماع المسلمين، ولم يختلفوا في جواز هدمه، وإنما اختلفوا في جواز بقائه، وإذا لم تدخل في العهد كانت فيئا للمسلمين. أما على قول الجمهور الذين لا يوجبون قسم العقار فظاهر، وأما على قول من يوجب قسمه فلأن عين المستحق غير معروف، كسائر الأموال التي لا يعرف لها مالك معين، وأما تقدير وجوب إبقائها فهذا تقدير لا حقيقة له، فإن إيجاب إعطائهم معابد العنوة لا وجه له، ولا أعلم به قائلا، فلا يفرع عليه، وإنما الخلاف في الجواز. نعم قد يقال في الأبناء ــ إذا لم نقل بدخولهم في عهد آبائهم ــ لأن لهم شبهة الأمان والعهد، بخلاف الناقضين، فلو وجب لم يجب إلا ما تحقق أنه كان له، فإن صاحب الحق لا يجب أن يعطى إلا ما عرف أنه حقه، وما وقع الشك فيه على هذا التقدير فهو لبيت المال، وأما الموجودون الآن إذا لم يصدر منهم نقض عهد فهم على الذمة، فإن الصبي يتبع أباه في الذمة وأهل داره من أهل الذمة، كما يتبع في الإسلام أباه وأهل داره من المسلمين، لأن الصبي لما لم يكن مستقلا بنفسه جعل تابعا لغيره في الإيمان والأمان، وعلى هذا جرت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه والمسلمين، في إقرارهم صبيان أهل الكتاب بالعهد القديم، من غير تجديد عقد آخر.
(2/943)
وهذا الجواب حكمه فيما كان من معابدهم قديما قبل فتح المسلمين، أما ما أحدث بعد ذلك فإنه يجب إزالته، ولا يمكنون من إحداث البيع والكنائس، كما شرط عليهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في الشروط المشهورة عنه: ألا يجددوا في مدائن الإسلام، ولا فيما حولها، كنيسة، ولا صومعة، ولا ديرا، ولا قلاية، امتثالا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تكون قبلتان ببلد واحد» رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد، ولما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لا كنيسة في الإسلام. وهذا مذهب الأئمة الأربعة في الأمصار، ومذهب جمهورهم في القرى، وما زال من يوفقه الله من ولاة أمور المسلمين ينفذ ذلك ويعمل به، مثل عمر بن عبد العزيز الذي اتفق المسلمون على أنه إمام هدى، فروى الإمام أحمد عنه أنه كتب إلى نائبه عن اليمن أن يهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين، فهدمها بصنعاء وغيرها. وروى الإمام أحمد عن الحسن البصري أنه قال: من السنة أن تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة. وكذلك هارون الرشيد في خلافته أمر بهدم ما كان في سواد بغداد. وكذلك المتوكل لما ألزم أهل الكتاب بشروط عمر استفتى علماء وقته في هدم الكنائس والبيع فأجابوه، فبعث بأجوبتهم إلى الإمام أحمد، فأجابه بهدم كنائس سواد العراق، وذكر الآثار عن الصحابة والتابعين، فمما ذكره ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: أيما مصر مصرته العرب ــ يعني المسلمين ــ فليس للعجم ــ يعني أهل الذمة ــ أن يبنوا فيه كنيسة، ولا يضربوا فيه ناقوسا، ولا يشربوا فيه خمرا، وأيما مصر مصرته العجم، ففتحه
(2/944)
الله على العرب، فإن للعجم ما في عهدهم، وعلى العرب أن يوفوا بعهدهم، ولا يكلفوهم فوق طاقتهم) [أحكام أهل الذمة 2/ 677 ــ 686]. - وقال أيضا: (وفصل الخطاب أن يقال: إن الإمام يفعل في ذلك ما هو الأصلح للمسلمين، فإن كان أخذها منهم أو إزالتها هو المصلحة، لكثرة الكنائس أو حاجة المسلمين إلى بعضها وقلة أهل الذمة= فله أخذها أو إزالتها بحسب المصلحة، وإن كان تركها أصلح لكثرتهم وحاجتهم إليها، وغنى المسلمين عنها= تركها، وهذا الترك تمكين لهم من الانتفاع بها لا تمليك لهم رقابها، فإنها قد صارت ملكا للمسلمين، فكيف يجوز أن يجعلها ملكا للكفار؟ وإنما هو امتناع بحسب المصلحة، فللإمام انتزاعها متى رأى المصلحة في ذلك، ويدل عليه أن عمر بن الخطاب والصحابة معه أجلوا أهل خيبر من دورهم ومعابدهم بعد أن أقرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، ولو كان ذلك الإقرار تمليكا لم يجز إخراجهم عن ملكهم إلا برضى أو معاوضة، ولهذا لما أراد المسلمون أخذ كنائس العنوة التي خارج دمشق في زمن الوليد بن عبد الملك صالحهم النصارى على تركها وتعويضهم عنها بالكنيسة التي زيدت في الجامع، ولو كانوا قد ملكوا تلك الكنائس بالإقرار لقالوا للمسلمين: كيف تأخذون أملاكنا قهرا وظلما؟ بل أذعنوا إلى المعاوضة لما علموا أن للمسلمين أخذ تلك الكنائس منهم، وأنها غير ملكهم، كالأرض التي هي بها، فبهذا التفصيل تجتمع الأدلة، وهو اختيار شيخنا) [أحكام أهل الذمة 2/ 690 - 691]. - وقال ابن مفلح: (ويمنعون من إحداث الكنائس والبيع، ذكره شيخنا إجماعا، إلا فيما شرطوه فيما فتح صلحا على أنه لنا.
(2/945)
وفي لزوم هدم الموجود في عنوة وقت فتحه وجهان، وهما في «الترغيب» إن لم يقر به أحد بجزية وإلا لم يلزم. قال شيخنا: وبقاؤه ليس تمليكا، فنأخذه لمصلحة. وقاله أيضا في مشتبه (1)، كما لم يملك أهل خيبر المعابد، وكغيرها. وقال: لو انقرض أهل مصر ولم يبق من دخل في عهدهم فلنا العقار والمنقول والمعابد فيئا، فإن عقد لغيرهم ذمة فكعقد مبتدأ، فإن انتقض فكمفتوح عنوة. وقال: وقد أخذ المسلمون منهم كنائس كثيرة من أرض العنوة، وليس في المسلمين من أنكر ذلك، فعلم أن هدم كنائس العنوة جائز مع عدم الضرر علينا، فإعراض من أعرض عنهم كان لقلة المسلمين ونحو ذلك من الأسباب، كما أعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اليهود حتى أجلاهم عمر، وولي الأمر إذا حكم في مسائل الاجتهاد بأحد القولين لمصلحة المسلمين وجبت طاعته «ع»، ومن قال: إنه ظالم وجبت عقوبته، ولا يجوز في مسائل الاجتهاد أن يفعلوا شيئا بغير أمر ولي الأمر) [الفروع 6/ 273 (10/ 338 - 339)]. - وقال أيضا: (ولهم رم ما تشعث منها، وعنه: وبناؤها إذا انهدمت، وعنه: منعهما، اختاره الأكثر، قاله ابن هبيرة، كمنع الزيادة، قال شيخنا: ولو في الكيفية، وقال: لا أعلى ولا أوسع، اتفاقا) [الفروع 6/ 274 (10/ 339 - 340)] (2). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يحتمل أن يكون مراده في المشتبه الذي لا يدرى: أكان وقت فتحه، أو أحدثوه؟ ). (2) انظر: «الفتاوى» (28/ 634 - 641)، «الاختيارات» للبعلي (458 - 459).
(2/946)
1306 - تعلية الذمي بناءه على بناء لمسلم وذمي: - قال ابن مفلح: (ويمنعون (1) من تعلية بناء على جار مسلم .... قال شيخنا: أو كان البناء لمسلم وذمي، لأن ما لا يتم اجتناب المحرم إلا باجتنابه فمحرم، ويجب هدمه) [الفروع 6/ 274 (10/ 340)] (2). 1307 - منع أهل الذمة من إظهار الأكل في رمضان: - قال ابن مفلح: (ويمنعون وجوبا إظهار خمر وخنزير، فإن فعلوا أتلفناهما وإلا فلا، نص عليه ... وإظهار عيد وصليب، وضرب ناقوس، ورفع صوت بكتاب أو على ميت، وقال شيخنا: ومثله إظهار أكل في رمضان) [الفروع 6/ 275 (10/ 341)]. - وقال أيضا: (وقال الشيخ تقي الدين ــ فيما إذا أظهر أحد من أهل الذمة الأكل في رمضان بين المسلمين ــ: ينهون عنه، فإن هذا من المنكرات في دين الإسلام، كما ينهون عن إظهار شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير. انتهى كلامه) [الآداب الشرعية 1/ 210] (3). 1308 - منع أهل الذمة من إظهار شعائر دينهم في دار الإسلام: - قال ابن مفلح: (قال في «الروضة» وغيرها: ويمنع من التعرض للذمة فيما لم يظهروا، مع أنه في مكان آخر قال: يمنعون من ضرب الناقوس وإظهار الخنازير، وظاهره: ليس لهم إظهار شيء من شعائر دينهم في دار _________ (1) أي: أهل الذمة. (2) «الفتاوى» (30/ 12)، «الاختيارات» للبعلي (458). (3) «الاختيارات» للبعلي (458).
(2/947)
الإسلام، لا وقت الاستسقاء، ولا لقاء الملوك، ولا غير ذلك، وقاله شيخنا) [الفروع 6/ 275 (10/ 341)] (1). 1309 - حدود الحجاز: - قال ابن مفلح: (ويمنعون مقام الحجاز، وهو مكة والمدينة واليمامة وخيبر والينبع وفدك ومخاليفها، وقال شيخنا: منه تبوك ونحوها, وما دون المنحنى وهو عقبة الصوان من الشام, كمعان) [الفروع 6/ 276 (10/ 342)] (2). 1310 - تعزير من سمى قاصد الكنيسة من أهل الذمة: حاجا: - قال ابن مفلح: (قال: ومن سمى من قصد منهم كنيسة حاجا، أو قال: حج المشاهد، عزر بما يردعه إلا أن يسمى حجا بقيد كحج الكفار وحج الضالين) [الفروع 6/ 276 (10/ 342)] (3). وانظر: ما تقدم برقم (1205). 1311 - أحكام أخذ العشور من تجار أهل الحرب: - قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا أن أخذ العشور من تجار أهل الحرب يدخل في أحكام الجزية وتقديرها، على الخلاف) [الفروع 6/ 279 (10/ 346)] (4). _________ (1) «مختصر الفتاوى المصرية» (517). (2) «الفتاوى» (28/ 630 - 631). (3) «الاختيارات» للبعلي (440). (4) انظر: «الفتاوى» (28/ 276، 563).
(2/948)
1312 - لا شيء على الذمي غير الجزية: - قال ابن مفلح: (وقال القاضي في «شرحه الصغير»: الذمي غير التغلبي يؤخذ منه الجزية، وفي غيرها روايتان: إحداهما: لا شيء عليهم غيرها، اختاره شيخنا، والثانية: عليهم نصف العشر في أموالهم) [الفروع 6/ 279 - 280 (10/ 346 - 347)]. 1313 - حكم الكلف التي يضربها الملوك على الناس: - قال ابن مفلح: (ويحرم تعشير الأموال والكلف التي ضربها الملوك على الناس (1) «ع» ذكره ابن حزم وشيخنا) [الفروع 6/ 280 (10/ 347)] (2). 1314 - مصرف المال الذي جهل ربه: 1315 - وللولي منع موليته من التزويج ممن لا ينفق عليها إلا من مال الكلف: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وما جهل ربه وجب صرفه في المصالح، كمغصوب، عند أكثر العلماء، وكذا إن علم وأبوا رده إليه، لأنه تقليل للظلم، وهذه الكلف دخلها التأويل والشبهة لا كمغصوب، والتورع عنها كالشبهات، فلا يفسق متأول، ولا يجب إنكاره، ولكن لولي يعتقد تحريمه منع موليته من التزويج ممن لا ينفق عليها إلا منه. _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: تعشير أموال المسلمين، والكلف التي تؤخذ منهم بغير طريق شرعي حرام). (2) انظر: «الفتاوى» (29/ 264).
(2/949)
وقال فيمن ضمنه ويأخذه ويعطيه الجند ويخفر: إن حرس أهل الطريق وأخذ كفايته جاز، وأما الضمان الذي يأخذه الجند ولا يمكنه دفعه فدركه على غيره، ولكن يلزمه نصح المسافر وحفظ ماله) [الفروع 6/ 280 (10/ 347 - 348)]. 1316 - إذا أبى الذمي الصغار: 1317 - وإذا اشتهر أنه زنى بمسلمة ولم يثبت ببينة: - قال ابن مفلح: (ومن أبى بذل الجزية أو الصغار ــ قاله شيخنا وغيره ــ أو التزام حكمنا، أو قاتلنا، والأشهر: أو لحق بدار حرب مقيما بها= انتقض عهده، وإن ذكر الله أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوء، أو تجسس للكفار، أو آوى جاسوسا، أو قتل مسلما، أو فتنه عن دينه، أو قطع عليه الطريق، أو زنى بمسلمة ــ قال شيخنا: ولو لم يثبت ببينة بل اشتهر بين المسلمين ــ أو أصابها بنكاح، فنصه: ينتقض) [الفروع 6/ 284 - 285 (10/ 352)] (1). 1318 - إذا لعن النصراني المسلم: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا في نصراني لعن مسلما: تجب عقوبته بما يردعه وأمثاله عن ذلك) [الفروع 6/ 286 (10/ 354)] (2). _________ (1) انظر: «الصارم المسلول» (1/ 483) , «الاختيارات» للبعلي (461). (2) «الفتاوى» (34/ 229)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (461 - 462).
(2/950)
1319 - الإسلام لا يسقط عن الذمي القتل إذا كان حدا: 1320 - وإذا أسلم من انتقض عهده: 1321 - وقتل الذمي إذا سب الله أو الرسول - صلى الله عليه وسلم -: - قال ابن القيم: (والإسلام لا يسقط القتل إذا كان حدا ممن هو تحت الذمة، ملتزما لأحكام الله، بخلاف الحربي إذا أسلم، فإن الإسلام يعصم دمه وماله، ولا يقتل بما فعله قبل الإسلام، فهذا له حكم، والذمي الناقض للعهد إذا أسلم له حكم آخر، وهذا الذي ذكرناه هو الذي تقتضيه نصوص الإمام أحمد وأصوله، ونص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وأفتى به في غير موضع) [زاد المعاد 3/ 137 ــ 138]. - وقال أيضا: (قال شيخنا في الذمي إذا زنا بالمسلمة: قتل، ولا يرفع عنه القتل الإسلام، ولا يشترط فيه أداء الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم، بل يكفي استفاضة ذلك واشتهاره. هذا نص كلامه) [الطرق الحكمية 156] (1). - وقال أيضا: (ذكر الأدلة من السنة على وجوب قتل الساب وانتقاض عهده: الدليل الأول: ما رواه الشعبي عن علي أن يهودية كانت تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمها. وهكذا رواه أبو داود في «السنن»، واحتج به الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله ... _________ (1) سبق نحوه في كلام ابن مفلح، تحت المسألة رقم (1317).
(2/951)
قال شيخنا: وهذا الحديث جيد، فإن الشعبي رأى عليا وروى عنه حديث شراحة الهمدانية، وكان في حياة علي قد ناهز العشرين سنة، وهو معه في الكوفة، وقد ثبت لقاؤه لعلي - رضي الله عنه -، فيكون الحديث متصلا، وإن يبعد سماع الشعبي من علي فيكون الحديث مرسلا، والشعبي عندهم صحيح المراسيل، لا يعرفون له إلا مرسلا صحيحا، وهو من أعلم الناس بحديث علي، وأعلمهم بثقات أصحابه، وله شاهد من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو: الدليل الثاني: قال الإمام أحمد: حدثنا روح حدثنا عثمان الشحام حدثنا عكرمة مولى ابن عباس أن رجلا كانت له أم ولد تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقتلها فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها، فقال: يا رسول الله، إنها كانت تشتمك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ألا إن دم فلانة هدر». رواه أبو داوود والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن عثمان الشحام عن عكرمة عن ابن عباس أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجمع الناس فقال: «أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام». فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتدلدل حتى قعد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها. فقال
(2/952)
النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ألا اشهدوا أن دمها هدر» ... قال شيخنا: فهذه القصة يمكن أن تكون هي الأولى وعليه يدل كلام الإمام أحمد، لأنه قيل له في رواية ابنه عبد الله: في قتل الذمي إذا سب أحاديث؟ قال: نعم، منها حديث الأعمى الذي قتل المرأة، قال سمعتها: تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - . ثم روى عنه عبد الله كلا الحديثين، وعلى هذا فيكون قد خنقها وبعج بطنها، أو تكون كيفية القتل غير محفوظة في إحدى الروايتين، ويؤيد ذلك أن وقوع قصتين مثل هذه لأعميين كل منهما كانت المرأة تحسن إليه وتكرر الشتم، وكلاهما قتلها وحده، وكلاهما نشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها الناس= بعيد في العادة، وعلى هذا التقدير المقتولة يهودية كما جاء مفسرا في تلك الرواية، ويمكن أن تكونا قصتين كما يدل عليه ظاهر الحديثين) [أحكام أهل الذمة 2/ 830 - 834] (1). - وقال أيضا: ( ... أن ابن أبي أويس قال: حدثني إبراهيم بن جعفر الحارثي عن أبيه عن جابر قال: لما (2) كان من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وبني قريظة ــ كذا فيه، قال شيخنا: أحسبه: وبني قينقاع ــ اعتزل ابن الأشرف ولحق بمكة وكان فيها، وقال: لا أعين عليه، ولا أقاتله. فقيل له بمكة: ديننا خير أم دين محمد وأصحابه؟ قال: دينكم خير وأقدم من دين محمد، ودين محمد حديث) [أحكام أهل الذمة 2/ 854 - 855] (3). - وقال أيضا: (قال شيخنا: وقد عرض لبعض السفهاء شبهة في قتل ابن _________ (1) «الصارم المسلول» (2/ 125 - 127، 140 - 144). (2) في الأصل: (لما قال)، والتصويب من «الصارم المسلول». (3) «الصارم المسلول» (2/ 169).
(2/953)
الأشرف، فظن أن دم مثل هذا معصوم بذمة أو بظاهر الأمان، وذلك نظير الشبهة التي عرضت لبعض الفقهاء حين ظن أن العهد لا ينتقض بذاك. فروى ابن وهب: أخبرني سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد ــ أخي سفيان بن سعيد الثوري ــ عن أبيه عن عباية قال: ذكر قتل ابن الأشرف عند معاوية فقال ابن يامين: كان قتله غدرا. فقال محمد بن مسلمة: يا معاوية، أيغدر عندك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تنكر، والله لا يظلني وإياك سقف بيت أبدا، ولا يخلو لي دم هذا إلا قتلته. قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: قال مروان بن الحكم ــ وهو على المدينة، وعنده ابن يامين النضري ــ: كيف كان قتل ابن الأشرف؟ فقال ابن يامين: كان غدرا. ومحمد بن مسلمة جالس، وهو شيخ كبير، فقال: يا مروان، أيغدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندك؟ ! والله ما قتلناه إلا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والله لا يؤويني وإياك سقف بيت إلا المسجد، وأما أنت يا ابن يامين فلله علي أن أفلتّ وقدرت عليك وفي يدي سيف إلا ضربت به رأسك. فكان ابن يامين لا ينزل في بني قريظة حتى يبعث رسولا ينظر محمد بن مسلمة، فإن كان في بعض ضياعه نزل فقضى حاجته، وإلا لم ينزل، فبينما محمد في جنازة وابن يامين بالبقيع، فرأى محمدا نعشا عليه جرائد رطبة لامرأة جاء فحله، فقام إليه الناس، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، ما تصنع؟ نحن نكفيك. فقام إليه فجعل يضربه بها جريدة جريدة، حتى كسر ذلك الجريد على وجهه ورأسه حتى لم يترك به مصحا، ثم أرسله ولا طباخ به (1)، ثم قال: والله لو قدرت على السيف لضربتك به. _________ (1) قال ابن الأثير في «النهاية» (3/ 246): (أصل الطباخ: القوة والسمن، ثم استعمل في غيره، فقيل: فلان لا طباخ له: أي لا عقل له، ولا خير عنده) ا. هـ.
(2/954)
قلت (1): ونظير هذا ما حصل لبعض الجهال بالسنة من بنائه بصفية عقيب سبائه لها، فقال: بنى بها قبل استبرائها، وهذا من جهله وكفره، أو من أحدهما، فإن في «الصحيح»: فلما انقضت عدتها بنى بها. فإن (2) قيل: فإذا كان هو وبنو النضير قبيلته موادعين، فما معنى ما ذكره ابن إسحاق، قال: حدثني مولى لزيد بن ثابت قال: حدثتني ابنة محيصة عن أبيها محيصة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ــ عقيب ذلك ــ: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه، فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة رجل من تجار اليهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله، وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم، وكان أسن من محيصة، فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله قتلته، أما والله لرب شحم في بطنك من ماله. فقال: والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك. فقال حويصة: والله إن دينا بلغ منك هذا لعجب! فكان هذا أول إسلام حويصة. وقال الواقدي ــ بالأسانيد المتقدمة ــ قالوا: فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه» فخافت يهود، فلم تطلع عظيما من عظمائهم، وخافوا أن يبيتوا كما بيت ابن الأشرف، وذكر قتل ابن سنينة إلى أن قال: وفزعت يهود ومن معها من المشركين ... وساق القصة كما تقدم. فإن هذا يدل على أنهم لم يكونوا موادعين، وإلا لما أمر بقتل من وجد _________ (1) القائل: ابن القيم. (2) هذا من تتمة النقل عن شيخه.
(2/955)
منهم، ويدل على أن العهد الذي كتبه بينه وبين اليهود كان بعد قتل ابن الأشرف وحينئذ فلا يكون ابن الأشرف معاهدا. فالجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر بقتل من ظفر به من اليهود لأن كعب بن الأشرف كان من ساداتهم، وقد تقدم أنه قال: ما عندكم في أمر محمد؟ قالوا: عداوته ما حيينا. وكانوا مقيمين خارج المدينة، فعظم عليهم قتله، وكان مما هيجهم على المحاربة وإظهار نقض العهد انتصارهم للمقتول وذبهم عنه، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل من جاء منهم، لأن مجيئه دليل على نقض العهد وانتصاره للمقتول، وأما من قر فهو مقيم على عهده المتقدم، لأنه لا يظهر العداوة، ولهذا لم يحاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يحاربهم حتى أظهروا عداوته بعد ذلك. وأما هذا الكتاب فهو شيء ذكره الواقدي وحده، وقد ذكر هو أيضا أن قتل ابن الأشرف كان في شهر ربيع الأول سنة ثلاث، وأن غزوة بني قينقاع كانت قبل ذلك في شوال سنة اثنتين بعد بدر بنحو شهر، وذكر أن الكتاب الذي وادع فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود كلها كان لما قدم المدينة بعد بدر، وعلى هذا فيكون هذا كتابا ثانيا خاصا لبني النضير، يجدد فيه العهد الذي بينه وبينهم، غير الكتاب الأول الذي كتبه بينه وبين جميع اليهود لأجل ما كانوا قد أرادوا من إظهار العداوة. وقد تقدم أن ابن الأشرف كان معاهدا، وتقدم أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب الكتاب لما قدم المدينة في أول الأمر، والقصة تدل على ذلك، وإلا لما جاء اليهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وشكوا إليه قتل صاحبهم، وإلا فلو كانوا محاربين له لم يستنكروا قتله، وكلهم ذكروا أن قتل ابن الأشرف كان بعد بدر، فإن معاهدة
(2/956)
النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت قبل بدر، كما ذكره الواقدي، قال ابن إسحاق: وكان فيما بين ذلك من غزو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بني قينقاع. يعني فيما بين بدر وغزوة الفرع من العام المقبل في جمادى الأولى، وقد ذكر أن بني قينقاع هم أول من حارب ونقض العهد) [أحكام أهل الذمة 2/ 865 - 869] (1). - وقال أيضا: (قال شيخنا: وأقوال أحمد كلها نص في وجوب قتله، وفي أنه قد نقض العهد، وليس عنه في هذا اختلاف، وكذلك ذكر عامة أصحابه متقدمهم ومتأخرهم لم يختلفوا في ذلك، إلا أن القاضي في «المجرد» ذكر الأشياء التي يجب على أهل الذمة تركها، وفيها ضرر على المسلمين وآحادهم في نفس أو مال، وهي الإعانة على قتال المسلمين، وقتل المسلم والمسلمة، وقطع الطريق عليهم، وأن يؤوي على المسلمين جاسوسا، وأن يعين عليهم بدلالة، مثل أن يكاتب المشركين بأخبار المسلمين، وأن يزني بمسلمة، أو يصيبها باسم نكاح، وأن يفتن مسلما عن دينه. قال: فعليه الكف عن هذا شرط أو لم يشرط، فإن خالف انتقض عهده، وذكر نصوص أحمد في نقضها، مثل نصه في الزنى بمسلمة، وفي التجسس للمشركين، وقتل المسلم وإن كان عبدا، كما ذكر الخرقي، ثم ذكر نصه في قذف المسلم على أنه لا ينتقض عهده بل يحد حد القذف. قال: فتخرج المسألة على روايتين، ثم قال: وفي معنى هذه الأشياء ذكره الله وكتابه ودينه ورسوله بما لا ينبغي، قال: فهذه أربعة أشياء الحكم فيها كالحكم في الثمانية التي قبلها، ليس ذكرها شرطا في صحة العقد، فإن أتوا واحدة منها نقضوا الأمان، سواء كان مشروطا في العهد أو لم يكن. _________ (1) «الصارم المسلول» (2/ 182 - 188).
(2/957)
وكذلك قال في «التعليق» بعد أن ذكر أن المنصوص انتقاض العهد بهذه الأفعال والأقوال، قال: وفيه رواية أخرى لا ينتقض عهده إلا بالامتناع من بذل الجزية، وجري أحكامنا عليهم، ثم ذكر نص أحمد على أن الذمي إذا قذف المسلم يضرب. قال: فلم يجعله ناقضا للعهد بقذف المسلم، مع ما فيه من الضرر عليه بهتك عرضه، وتبع القاضي جماعة من أصحابه ومن بعدهم كالشريف أبي جعفر وأبي الخطاب وابن عقيل والحلواني فذكروا أنه لا خلاف أنهم إذا امتنعوا من أداء الجزية والتزام أحكام الملة انتقض عهدهم. وذكروا في جميع هذه الأفعال والأقوال التي فيها الضرر على المسلمين وآحادهم في نفس أو مال أو فيها غضاضة على المسلمين في دينهم مثل سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما معه روايتين: إحداهما: ينتقض العهد، والأخرى: لا ينتقض عهده، ويقام فيه الحد، مع أنهم كلهم متفقون على أن المذهب انتقاض العهد بذلك. ثم إن القاضي والأكثرين لم يعدوا قذف المسلم من الأمور المضرة الناقضة، مع أن الرواية المخرجة إنما خرجت من نصه في القذف، وأما أبو الخطاب ومن تبعه فإنهم نقلوا حكم تلك الخصال إلى القذف كما نقلوا حكم القذف إليها، حتى حكوا في انتقاض العهد بالقذف روايتين. ثم إن هؤلاء كلهم وسائر الأصحاب ذكروا مسألة سب النبي - صلى الله عليه وسلم - في موضع آخر، وذكروا أن سابه يقتل وإن كان ذميا، وأن عهده ينتقض، وذكروا نصوص أحمد من غير خلاف في المذهب، إلا أن الحلواني قال: ويحتمل ألا يقتل من سب الله ورسوله إذا كان ذميا.
(2/958)
فصل وسلك القاضي أبو الحسين طريقا ثالثة في نواقض العهد، فقال: أما الثمانية التي فيها ضرر على المسلمين وآحادهم في مال أو نفس فإنها تنقض العهد في أصح الروايتين، وأما ما فيه إدخال غضاضة ونقص على الإسلام وهو ذكر الله وكتابه ودينه ورسوله بما لا ينبغي فإنه ينقض العهد، نص عليه، ولم يخرج في هذا رواية أخرى كما ذكر أولئك، وهذا أقرب من تلك الطريقة. وعلى الرواية التي تقول: لا ينتقض العهد بذلك، فإنما ذلك إذا لم يكن مشروطا عليهم في العهد، فأما إن كان مشروطا ففيه وجهان: أحدهما: ينتقض، قاله الخرقي، قال أبو الحسن الآمدي: وهو الصحيح في كل ما شرط عليهم تركه، فصحح قول الخرقي بانتقاض العهد إذا خالفوا شيئا مما شرط عليهم. والثاني: لا ينتقض، قاله القاضي وغيره. قال شيخنا: وهاتان الطريقتان ضعيفتان، والذي عليه عامة المتقدمين ومن تبعهم من المتأخرين إقرار نصوص أحمد على حالها، وهو قد نص في مسائل سب الله ورسوله على انتقاض العهد في غير موضع، وعلى أنه يقتل، وكذلك فيمن جسَّس على المسلمين، أو زنى بمسلمة، على انتقاض عهده وقتله في غير موضع، وكذلك نقله الخرقي فيمن قتل مسلما أو قطع الطريق. وقد نص أحمد على أن قذف المسلم وسحره لا يكون نقضا للعهد في غير موضع، وهذا هو الواجب، وهو تقرير المذهب، لأن تخريج حكم
(2/959)
إحدى المسألتين إلى الأخرى، وجعل الروايتين في الموضعين مسألتين لوجود (1) الفرق بينهما نصا واستدلالا، ولوجود معنى يجوز أن يكون مستندا للفرق غير جائز، ولم يخرج التخريج) [أحكام أهل الذمة 797 ــ 801] (2). - وقال ــ بعد أن ذكر ضمن أدلة من قال بقتل الذمي إذا طعن في ديننا، قوله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12]، واعتراض المخالفين بقولهم: الآية تدل على أن من نقض عهده وطعن في الدين فإنه يقاتل، فمن أين لكم أن من طعن في الدين ولم ينقض العهد يقاتل؟ ثم أجاب عن ذلك بأجوبة إلى أن قال ــ: (الجواب الرابع: أن الذمي إذا سب الله والرسول أو عاب الإسلام علانية فقد نكث يمينه وطعن في ديننا، ولا خلاف بين المسلمين أنه يعاقب على ذلك بما يردعه وينكل به، فعلم أنه لم يعاهدنا عليه، إذ لو كان معاهدا عليه لم تجز عقوبته عليه، كما لا يعاقب على شرب الخمر وأكل الخنزير ونحو ذلك، وإذا كنا عاهدناه على ألا يطعن في ديننا ثم طعن فقد نكث يمينه من بعد عهده، فيجب قتله بنص الآية. قال شيخنا: وهذه دلالة ظاهرة جدا، لأن المنازع سلم لنا أنه ممنوع من ذلك بالعهد الذي بيننا وبينه، لكنه يقول: ليس كل ما منع منه ينقض عهده كإظهار الخمر والخنزير، ولكن الفرق بين من وجد منه فعل ما منع منه العهد مما لا يضر بنا ضررا بينا كترك الغيار مثلا وشرب الخمر وإظهار الخنزير، _________ (1) كذا بالأصل، وفي «الصارم»: (مع وجود). (2) «الصارم المسلول» (2/ 19).
(2/960)
وبين من وجد منه فعل ما منع منه العهد مما فيه غاية الضرر بالمسلمين وبالدين، فإلحاق أحدهما بالآخر باطل. يوضح ذلك الجواب الخامس: أن النكث هو مخالفة العهد فمتى خالفوا شيئا مما صولحوا عليه فهو نكث مأخوذ من نكث الحبل، وهو نقض قواه، ونكث الحبل يحصل بنقض قوة واحدة، كما يحصل بنقض جميع القوى، لكن قد يبقى من قواه ما يتمسك به الحبل، وقد يهن بالكلية. وهذه المخالفة من المعاهد قد تبطل العهد بالكلية حتى تجعله حربيا، وقد تشعث العهد حتى تبيح عقوبتهم، كما أن فقد بعض الشروط في البيع والنكاح وغيرهما قد يبطله بالكلية وقد يبيح الفسخ والإمساك. وأما من قال: ينتقض العهد بجميع المخالفات فظاهر على قول قاله القاضي في «التعليق». واحتج القاضي بأنهم لو أظهروا منكرا في دار الإسلام مثل: إحداث البيع والكنائس في دار الإسلام، ورفع الأصوات بكتبهم، والضرب بالنواقيس، وإطالة البناء على أبنية المسلمين، وإظهار الخمر والخنزير، وكذلك ما أخذ عليهم تركه من التشبه بالمسلمين في ملبوسهم ومركوبهم وشعورهم وكناهم، قال: والجواب أن من أصحابنا من جعله ناقضا للعهد بهذه الأشياء، وهو ظاهر كلام الخرقي، فإنه قال: ومن نقض العهد بمخالفة شيء مما صولحوا عليه عاد حربيا، فعلى هذا لا نسلم، وإن سلمناه فلما تبين فيها أنه لا ضرر على المسلمين فيها، وإنما نهوا عن فعلها لما في إظهارها من المنكر، وليس كذلك في ملتنا؛ لأن في فعلها ضررا بالمسلمين فبان الفرق. انتهى كلامه.
(2/961)
قال شيخنا: فعلى التقديرين فقد اقتضى العقد ألا يظهروا شيئا من عيب ديننا، وأنهم متى أظهروه فقد نكثوا وطعنوا في الدين، فيدخلون في عموم الآية لفظا ومعنى، ومثل هذا العموم يبلغ درجة النص) [أحكام أهل الذمة 2/ 816 - 820] (1). - وقال ابن مفلح: (ومن نقضه بلحوقه بدار حرب فكأسير حربي، ومن نقضه بغيره فنصه: يقتل، قيل: يتعين قتله، والأشهر: يخير فيه، كحربي، وذكر أبو الفرج أن ما فيه ضرر علينا، أو ما في شروط عمر= يلزمه تركه وينتقض بفعله. ويحرم بإسلامه قتله، ذكره جماعة، وفي «المستوعب»: رقه «و: هـ ش» وإن رق ثم أسلم بقي رقه، وقيل (2): من نقض عهده بغير قتالنا ألحق بمأمنه، والمراد بتحريم القتل غير الساب، وأنه فيه الخلاف الذي في المرتد، ولهذا اقتصر في «المستوعب» على ما ذكره ابن أبي موسى أن ساب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتل ولو أسلم، وكذا ذكره ابن البنا في «الخصال»، وذكر شيخنا أنه صحيح المذهب، وذكر ما تقدم في قذف أم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأن اقتصار السامري على هذا مع ذكره الخلاف في توبة المسلم الساب فيه خلل، لأنه ذكر ما في «الإرشاد» و «الهداية»، وأن عكس هذه رواية تقدمت، ذكرها جماعة، وأنه قد توجه بأنه قد يكون وقع غلطا من المسلم لا اعتقادا له، وتقدم حد الزنا وتقدم حكم ماله. وفي «الخلاف» فيمن انتقض عهده وتاب: أنه يخير فيه كالأسير، _________ (1) انظر: «الصارم المسلول» (2/ 35 - 40). (2) (وقيل) استدركت من ط 2 والمخطوط (ص: 356).
(2/962)
وحمل كلام أحمد أنه يقتل: إن الإمام رآه مصلحة، ثم ذكر الوجهين في ماله، وأن ساب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتل لأنه قذف لميت فلا يسقط بتوبة) [الفروع 6/ 286 - 288 (10/ 354 - 356)]. - وقال أيضا: (وذكر شيخنا أن أحمد قال في ذمي فجر بمسلمة: يقتل، قيل له: فإن أسلم؟ قال: يقتل، هذا قد وجب عليه، وأن على قولنا يخير الإمام فيه، تشرع استتابته بالعود إلى الذمة، لأن إقراره بها جائز بعد هذا لكن لا تجب هذه الاستتابة رواية واحدة، وإن أوجبناها بالإسلام على رواية، وأن على رواية ذكرها الخطابي (1): يسقط القتل بإسلام الذمي مع أنه لا يستتاب كأسير حربي) [الفروع 6/ 288 (10/ 357)] (2). - وقال أيضا: (وقال شيخنا فيمن قهر مسلمين ونقلهم إلى دار حرب: ظاهر مذهب أحمد يقتل بعد إسلامه، وأنه أشبه بالكتاب والسنة، كالمحارب) [الفروع 6/ 288 (10/ 357)] (3). 1322 - إذا خالف أهل الذمة شيئا من الشروط: - قال ابن القيم: (قالوا (4): «ضمنا لك ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكيننا، وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق» _________ (1) في ط 1: (الخابي)، والمثبت من ط 2 والمخطوط (ص: 356). (2) «الصارم المسلول» (1/ 312 - 315). (3) انظر: «الاختيارات» للبعلي (461). (4) أي: أهل الذمة في الشروط العمرية.
(2/963)
هذا اللفظ صريح في أنهم متى خالفوا شيئا مما عوهدوا عليه انتقض عهدهم، كما ذهب إليه جماعة من الفقهاء. قال شيخنا: وهذا هو القياس الجلي، فإن الدم مباح بدون العهد، والعهد عقد من العقود، فإذا لم يف أحد المتعاقدين بما عاقد عليه، فإما أن ينفسخ العقد بذلك، أو يتمكن العاقد الآخر من فسخه، هذا أصل مقرر في عقد البيع والنكاح والهبة وغيرها من العقود، والحكمة فيه ظاهرة، فإنه إنما التزم ما التزمه بشرط أن يلتزم الآخر بما التزمه، فإذا لم يلتزم له الآخر صار هذا غير ملتزم، فإن الحكم المعلق بالشرط لا يثبت بعينه عند عدمه باتفاق العقلاء، وإنما اختلفوا في ثبوت مثله. إذا تبين هذا، فإن كان المعقود عليه حقا للعاقد بحيث له أن يبذله بدون الشرط لم ينفسخ العقد بفوات الشرط، بل له أن يفسخه، كما إذا شرط رهنا أو كفيلا أو صفة في البيع، وإن كان حقا له أو لغيره ممن يتصرف له بالولاية ونحوها لم يجز له إمضاء العقد، بل ينفسخ العقد بفوات الشرط، ويجب عليه فسخه كما إذا شرط أن تكون الزوجة حرة فظهرت أمة، وهو ممن لا يحل له نكاح الإماء، أو شرطت أن يكون الزوج مسلما فبان كافرا، أو شرط أن تكون الزوجة مسلمة فبانت وثنية، وعقد الذمة ليس هو حقا للإمام، بل هو حق لله ولعامة المسلمين، فإذا خالفوا شيئا مما شرط عليهم فقد قيل: يجب على الإمام أن يفسخ العقد، وفسخه أن يلحقه بمأمنه ويخرجه من دار الإسلام، ظنا أن العقد لا ينفسخ بمجرد المخالفة، بل يجب فسخه. قال: وهذا ضعيف، لأن الشروط إذا كانت حقا لله لا للعاقد انفسخ العقد بفواته من غير فسخ، وهذه الشروط على أهل الذمة حق لله، لا يجوز
(2/964)
للسلطان ولا لغيره أن يأخذ منهم الجزية ويمكنهم من المقام بدار الإسلام إلا إذا التزموها، وإلا وجب عليه قتالهم بنص القرآن) [أحكام أهل الذمة 2/ 793 ــ 795] (1). _________ (1) «الصارم المسلول» (2/ 399 - 400).
(2/965)
باب الفيء
1323 - ليس للسلطان إطلاق الفيء دائما: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وليس للسلطان إطلاقه دائما) [الفروع 6/ 290 (10/ 359)] (1). 1324 - لا حق للرافضة في الفيء: - قال ابن القيم: (وقد أفتى أئمة الإسلام، كمالك والإمام أحمد وغيرهما: أن الرافضة لا حق لهم في الفيء، لأنهم ليسوا من المهاجرين، ولا من الأنصار، ولا من الذين جاءوا من بعدهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، وهذا مذهب أهل المدينة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية) [زاد المعاد 5/ 86]. - وقال ابن مفلح: (واختار أبو حكيم وشيخنا: لا حق لرافضة) [الفروع 6/ 290 (10/ 359)] (2). 1325 - مصرف الفيء: - قال ابن مفلح: (ويبدأ بالأهم فالأهم، من الثغور، ثم الأنهار والقناطر، ورزق قضاة ومن نفعه عام، ثم يقسم بين المسلمين إلا العبيد، نص عليه، وعنه: يقدم المحتاج، وهي أصح عنه، قاله شيخنا) [الفروع 6/ 290 (10/ 359 - 360)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (462). (2) «الاختيارات» للبعلي (462). (3) «الفتاوى» (28/ 286 - 287)، «الاختيارات» للبعلي (462).
(2/966)
1326 - ليس لولاة الفيء أن يستأثروا منه فوق الحاجة: - قال ابن مفلح: (وليس لولاة الفيء أن يستأثروا منه فوق الحاجة كالإقطاع يصرفونه فيما لا حاجة إليه أو إلى من يهوونه، قاله شيخنا وغيره) [الفروع 6/ 291 (10/ 360)] (1). 1327 - إذا أخذ شيئا من بيت المال أو وقف على جهة عامة بغير حق: 1328 - وإذا أتلف شيئا من بيت المال: - قال ابن مفلح: (وبيت المال ملك للمسلمين يضمنه متلفه، ويحرم إلا بإذن إمام، ذكره في «عيون المسائل»، وذكره في «الانتصار» وغيره، وفيه: لا يجوز له الصدقة ويسلمه للإمام، وهو ظاهر كلامهم في السرقة منه. وقاله شيخنا، وأنه لو أتلفه ضمنه. وكذا قال في وقف على جهة عامة، كمسجد أو موصى به لجهة عامة. قال: ولا يتصور في المشترك بين عدد موصوف غير معين أن يكون مملوكا، نحو بيت المال والمباحات والوقف على مطلق، سواء تعين المستحق بالإعطاء أو بالاستعمال أو بالفرض والتنزيل أو غيره، فإن المالك يعتبر كونه معينا، ولكن هو مباح أو متردد بين المباح والمملوك، بخلاف المشترك بين معنيين) [الفروع 6/ 292 - 293 (10/ 362 - 363)]. 1329 - إذا اختان عمال بيت المال أو قبلوا الهدية والرشوة: 1330 - وإذا علم الإنسان تحريم بعض ما ورثه وجهل قدره: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا في عماله: إذا اختانوا منه وقبلوا هدية _________ (1) «الفتاوى» (28/ 266 - 268)، «الاختيارات» للبعلي (462).
(2/967)
ورشوة ممن فرض له دون أجرته أو دون كفايته وعياله بالمعروف لم يستخرج منه ذلك القدر. قال: وإن قلنا: لا يجوز لهم أخذ خيانة فإنه يلزم الإمام الإعطاء، فهو كأخذ المضارب حصته أو الغريم دينه بلا إذن، فلا فائدة في استخراجه ورده إليهم، بل إن لم يصرفه الإمام مصارفه الشرعية لم يعن على ذلك. قال: وقد ثبت أن عمر شاطر عماله (1) كسعد وخالد وأبي هريرة وعمرو بن العاص، ولم يتهمهم بخيانة بينة، بل بمحاباة اقتضت أن جعل أموالهم بينهم وبين المسلمين. قال: ومن علم تحريم بعض ما ورثه أو غيره وجهل قدره قسمه نصفين) [الفروع 6/ 293 (10/ 363 - 364)] (2). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: أخذ شطر مالهم). (2) «الاختيارات» للبعلي (462).
(2/968)
كتاب الأطعمة 1331 - الطيبات إنما تحل للمسلم: - قال ابن مفلح: (أصلها الحل فيحل ــ قال شيخنا: لمسلم، وقال أيضا: الله أمرنا بالشكر، وهو العمل بطاعته بفعل المأمور، وترك المحذور، فإنما أحل الطيبات لمن يستعين بها على طاعته لا على معصيته، كقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة: 93]، ولهذا لا يجوز أن يعان بالمباح على المعصية، كمن يعطي (1) الخبز واللحم لمن يشرب الخمر ويستعين به على الفواحش. وقوله: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] أي: عن الشكر عليه، فيطالب بالشكر، فإن الله سبحانه إنما يعاقب على ترك مأمور، أو فعل محظور .... - كل طعام (2) طاهر لا مضرة فيه) [الفروع 6/ 294 (10/ 367)] (3). 1332 - السنور الأهلي: - قال ابن مفلح: (ويحرم من حيوان برٍّ حمرٌ إنسية .... وسنور أهلي، قال أحمد: أليس مما يشبه السباع؟ قال شيخنا: ليس في كلامه هذا إلا الكراهة وجعله أحمد قياسا. وأنه قد يقال: يعمها اللفظ) [الفروع 6/ 295 (10/ 369 - 370)]. _________ (1) في ط 1: (يبيع)، والمثبت من ط 2 والمخطوط (ص: 357). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (فاعل «يحل» في أول الباب). (3) «الفتاوى» (22/ 135 - 137) باختصار، «الاختيارات» للبعلي (464).
(2/969)
1333 - الحيوان الذي يأكل الجيف: - قال ابن مفلح: (وما يأكل الجيف (1)، نص عليه، ونقل عبد الله وغيره: يكره، وجعل فيه شيخنا: روايتي الجلالة، وأن عامة أجوبة أحمد ليس فيها تحريم. وقال: إذا كان ما يأكلها من الدواب السباع فيه نزاع أو لم يحرموه، والخبر في «الصحيحين»، فمن الطير كنسر ورخم ولقلق وعقعق وغراب البين والأبقع (2)، واحتج فيه بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله، وتارة بأنه يأكل الجيف) [الفروع 6/ 296 (10/ 370 - 371)] (3). 1334 - القنفذ: - قال ابن مفلح: (وعلل أحمد القنفد بأنه بلغه أنه مسخ، أي: لما مسخ على صورته دل على خبثه. قاله شيخنا) [الفروع 6/ 296 (10/ 371)]. _________ (1) أي: ومما يحرم من حيوان البر: ما يأكل الجيف. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال الزركشي في باب ما يتوقى المحرم وما أبيح له: الأبقع الذي في بطنه وظهره بياض، قال في «المحرر»: والغراب الأبقع والغراب الأسود الكبير، وظاهره أن غراب البين هو الأسود الكبير، لأن التحريم مختص بالأبقع، وغراب البين وغراب الزرع حلال، لكن قال في «شرح المقنع»: ويباح غرابُ الزرع وهو الأسود الكبير الذي يأكل الزرع ويطير مع الزاغ، لأن مرعاهما الزرع والحبوب، أشبها الحجَل، وهذا كلام «المغني» بلفظه، وقال في غراب البين: هو أكبر الغربان، فتلخص أن غراب البين أسود كبير، وغراب الزرع أسود كبير، ولكن غرب البين أكبر). (3) «الاختيارات» للبعلي (464).
(2/970)
1335 - الخشاف (الخفاش): - قال ابن مفلح: (وكره أحمد الخشاف (1) لأنه مسخ، قال شيخنا: هل هي للتحريم؟ فيه وجهان (2)) [الفروع 6/ 296 (10/ 371)]. 1336 - ما يستخبثه العرب: - قال ابن مفلح: (وعند أحمد وقدماء أصحابه: لا أثر لاستخباث العرب فإن لم يحرمه الشرع حل، قاله شيخنا واختاره، وأن أول من قاله الخرقي، وأن مراده ما يأكل الجيف، لأنه تبع الشافعي، وهو حرمه بهذه العلة) [الفروع 6/ 297 (10/ 372)] (3). 1337 - المتولد من مأكول وغيره: - قال ابن مفلح: (ويحرم متولد من مأكول وغيره، نص عليه، كبغل، _________ (1) في ط 1: (الخفاش)، والمثبت من ط 2 والمخطوط (ص: 357). (2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (قوله: «وكره أحمد الخفاش لأنه مسخ، قال شيخنا: هل هو للتحريم؟ فيه وجهان» انتهى. قلت: قد أطلق المصنف في قول الإمام أحمد «أكره كذا» وجهين هل هو للكراهة أو التحريم، وصححنا ذلك في الخطبة، وذكرنا من قدم وأطلق، وذكرنا أن الصواب الرجوع في ذلك إلى القوانين، فإن دلت على تحريم أو كراهة عمل به، لكن هل هذه المسألة من ذلك القبيل أم لا؟ ظاهر كلام المصنف أنها ليست من ذلك القبيل إلا عند شيخه، ويؤيده قوله «لأنه مسخ» ويحتمل أنه لم يستحضر أصل المسألة، إذا علم ذلك فأحد الوجهين: أنه يحرم، وهو الصحيح، جزم به في «المغني» و «المحرر» و «الشرح» و «شرح ابن رزين» و «الرعاية الصغرى» و «الحاويين» وغيرهم، وقدمه في «الرعاية الكبرى»، والوجه الثاني: يكره). (3) «الفتاوى» (19/ 24)، «الاختيارات» للبعلي (464).
(2/971)
وسِمْعٍ ــ ولد ضبع من ذئب ــ وعِسْبَارٍ ــ ولد ذئبة من ضبعان ــ ولو تميز، كحيوان من نعجة، نصفه خروف ونصفه كلب، قاله شيخنا) [الفروع 6/ 297 (10/ 372)] (1). 1338 - لبن الفرس التي أحبلها حمار: - قال ابن القيم: (وسئل شيخنا أبو العباس ابن تيمية قدس الله روحه عن حمار نزا على فرس، فأحبلها، فهل يكون لبن الفرس حلالا أو حراما؟ فأجاب: بأنه حلال، ولا حكم للفحل في اللبن في هذا الموضع، بخلاف الأناسي، لأن لبن الفرس حادث من العلف، فهو تابع للحمها، ولم يسر وطء الفحل إلى هذا اللبن، فإنه لا حرمة هناك تنتشر، بخلاف لبن الفحل في الأناسي، فإنه تنتشر به حرمة الرضاع، ولا حرمة هنا تنتشر من جهة الفحل، إلا إلى الولد خاصة، فإنه يتكون منه ومن الأم، فغلب عليه التحريم، وأما اللبن فلم يتكون بوطئه، وإنما تكون من العلف، فلم يكن حراما، هذا بسط كلامه وتقريره) [مفتاح دار السعادة 2/ 687]. 1339 - الغراب: - قال ابن مفلح: (وذكر الخلال أن الغربان خمسة: الغُدَافُ وغراب البين يحرمان، والزاغ مباح، وكذا الأسود والأبقع إذا لم يأكلا الجيف، وأن هذا معنى قول أبي عبد الله. قال شيخنا: فإذا أباح الأبقع لم يكن للأمر بقتله أثر في التحريم، وقد سمَّاه فاسقا أيضا، وأن حربا وأبا الحارث رويا: لا ينهى عن الطير إلا ذي _________ (1) «الفتاوى» (35/ 209)، «الاختيارات» للبعلي (464).
(2/972)
المخلب وما أكل الجيف، ولهذا علل في الحدأة بأكلها الجيف، فلا يكون لقتله وتسميته فويسقا أثر، كمذهب مالك، لأنه قد يؤمر بقتل الشيء لصياله وإن لم يكن محرما، ولو كان قتله موجبا تحريمه لنهي عنه، وإن كان الصول عارضا، كجلالة عرض لها الجل (1)) [الفروع 6/ 299 (10/ 375 - 376)]. 1340 - من اضطر إلى أكل المحرم: - قال ابن مفلح: (ومن اضطر إلى غير سم (2) ونحوه فخاف تلفا، نقل حنبل: إذا علم أن النفس تكاد تتلف، وقيل: أو ضررا، وفي «المنتخب»: أو مرضا، أو انقطاعا عن الرفقة، ومراده: ينقطع فيهلك، كما ذكره في «الرعاية»، وذكر أبو يعلى الصغير: أو زيادة مرض، وأوجب الكسب على خائف محرما، وفي «الترغيب»: إن خاف مرضه فوجهان، وعنه: إن خاف في سفر، اختاره الخلال= أكل وجوبا، نص عليه، وذكره شيخنا وفاقا) [الفروع 6/ 303 (10/ 380)] (3). 1341 - مسألة: - قال ابن مفلح: (ويجب تقديم السؤال نقله عنه أبو الحارث، قيل له في رواية الأثرم: أيهما أفضل؟ قال: يأكل الميتة وهو مع الناس؟ هذا أشنع، وقال له يعقوب: أيهما أحب إليك؟ قال: الصدقة، ويأثم بتركه، قال أحمد لسائل: قم قائما ليكون لك عذر عند الله، قال القاضي: يأثم إذا لم يسأل، _________ (1) في ط 1 والمخطوط (ص: 358): (الحل)، والله أعلم. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: اضطر إلى محرم غير سم). (3) «الاختيارات» للبعلي (464).
(2/973)
وجزم به أيضا في «الخلاف» في الفقير والمسكين أيهما أشد حاجة، وأخذه شيخنا من الضيافة من طريق الأولى) [الفروع 6/ 303 (10/ 380 - 381)]. 1342 - حكم المسألة في حق المضطر: - قال ابن مفلح: (ونقل الأثرم: إن اضطر إلى المسألة فهي مباحة، قيل: فإن توقف؟ قال: ما أظن أحدا يموت من الجوع، الله يأتيه برزقه. ثم ذكر خبر أبي سعيد: «من استعفف أعفه الله»، وخبر أبي ذر أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «تعفف»، ثم قال أبو عبد الله: يتعفف خير له، وذكر شيخنا أنه لا يجب ولا يأثم، وأنه ظاهر المذهب) [الفروع 6/ 304 (10/ 381)] (1). 1343 - بذل الطعام للمضطر إذا كان صاحبه غير مضطر له: - قال ابن مفلح: (فإن لم يجد إلا طعام غيره فربه المضطر ــ وفي الخائف وجهان ــ أحق (2)، وهل له إيثاره؟ كلامهم يدل على أنه لا يجوز، وذكر صاحب «الهدي» في غزوة الطائف أنه يجوز، وأنه غاية الجود لقوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]، ولفعل جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - في فتوح الشام، وعد ذلك في مناقبهم، وإلا لزمه بذل ما له أكله (3) من الميتة بقيمته، نص عليه، _________ (1) «جامع المسائل» (4/ 358)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (90) , «الاختيارات» للبعلي (464). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: فربه المضطر أحق، وفي الخائف وجهان). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: وإن لم يكن ربه مضطرا، لزمه أن يبذل له من طعامه بقدر ما له أكله من الميتة، وقد تقدم فيه الخلاف، هل هو سد رمقه أو يشبعه؟).
(2/974)
ولو في ذمة معسر، وفيه احتمال لابن عقيل، وفي زيادة لا تجحف وجهان، وفي «عيون المسائل» و «الانتصار» قرضا بعوضه، وقيل: مجانا، واختاره شيخنا، كالمنفعة في الأشهر) [الفروع 6/ 306 (10/ 382 - 383)] (1). وانظر: ما تقدم في المسألة رقم (807). 1344 - القدر الواجب في الضيافة: - قال ابن مفلح: (والضيافة كفايته وأدم، وفي «الواضح»: ولفرسه تبن لا شعير، ويتوجه فيه وجه كأدمه (2)، وأوجب شيخنا المعروف عادة قال: كزوجة وقريب ورقيق (3)) [الفروع 6/ 308 (10/ 386 - 387)] (4). 1345 - من امتنع من الطيبات بلا سبب شرعي: 1346 - وما ذكر عن الإمام أحمد من أنه امتنع من أكل البطيخ: - قال ابن مفلح: (ومن امتنع من الطيبات بلا سبب شرعي فمذموم مبتدع، وما نقل عن الإمام أحمد أنه امتنع من أكل البطيخ لعدم علمه بكيفية أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - كذب، ذكره شيخنا) [الفروع 6/ 308 (10/ 387)] (5). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (29/ 191) , «الاختيارات» للبعلي (465). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قوله: «ولفرسه تبن لا شعير، ويتوجه وجه كذمة» كذا في النسخ، وكتب على حاشية نسخة: صوابه: «كأدمه»، والمراد أن الشعير للدابة كالأدم للآدمي). (3) في ط 1: (رفيق)، والمثبت من ط 2 والمخطوط (ص: 359). (4) «الفتاوى» (35/ 350) , «الاختيارات» للبعلي (467). (5) «الفتاوى» (32/ 212)، «الاختيارات» للبعلي (467).
(2/975)
باب الذكاة 1347 - إذا لم يقصد الذابح الأكل: 1348 - وإذا قصد مجرد حل يمينه: - قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا في «بطلان التحليل»: لو لم يقصد الأكل أو قصد مجرد حل يمينه لم يبح) [الفروع 6/ 310 (10/ 389 - 390)] (1). 1349 - إذا قطع أحد الأوداج مع الحلقوم أو المريء: - قال ابن مفلح: (وفي «الكافي» و «الرعاية»: يكفي قطع الأوداج، فقطع أحدهما مع الحلقوم أو المريء أولى بالحل، قاله شيخنا، وذكره رواية في الأولى، وذكر وجها: يكفي قطع ثلاث من الأربعة (2)) [الفروع 6/ 313 (10/ 394)] (3). _________ (1) «بيان الدليل» (422). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال في «شرح المقنع»: الحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى الطعام والشراب، والودجان عرقان محيطان بالحلقوم. ورأيت في مجموع فيه فتاوى منسوبة إلى الشيخ تقي الدين أجاب عنها، منها: فيمن ذبح شاة فقطع الحلقوم والودجين لكن فوق الجوزة؟ فأجاب: هذه المسألة فيها نزاع معروف، والصحيح أنها تحل، والله أعلم. قلت: وما صححه هو ما دل عليه كلام أشياخ المذهب، لكن لم يتعرض في السؤال والجواب إلى قطع المريء، والظاهر أنه قطع، وإنما قصد في السؤال كونه قطع من فوق الجوزة فقط). (3) «مختصر الفتاوى المصرية» (519)، «الاختيارات» للبعلي (468).
(2/976)
1350 - ما أصابه سبب الموت فذكاه: - قال ابن مفلح: (وما أصابه سبب الموت من منخنقة وموقوذة ومتردية ونطيحة وأكيلة سبع فذكاه وحياته يمكن زيادتها، وقال شيخنا: وقيل: تزيد على حركة المذبوح= حل، قيل: بشرط تحركه بيد أو طرف عين ونحوه، وقيل: أو لا، ونقل الأثرم وجماعة: ما علم موته بالسبب، وعنه: لدون أكثر يوم، لم يحل، وعنه: حل مذكى قبل موته، ذكره أبو الحسين، واختاره شيخنا) [الفروع 6/ 314 - 315 (10/ 396 - 397)] (1). 1351 - حكم إحسان الذبحة والقتلة: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا في قوله عليه السلام: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة»: في هذا الحديث أن الإحسان واجب على كل حال، حتى في حال إزهاق النفوس ناطقها وبهيمها، فعليه أن يحسن القتلة للآدميين، والذبحة للبهائم. هذا كلامه) [الفروع 6/ 317 - 318 (10/ 400 - 401)] (2). 1352 - حكم ما ذبحه الكتابي لعيده أو متقربا به إلى شيء يعظمه: - قال ابن مفلح: (وتحل ذبيحتنا لهم (3) مع اعتقادهم تحريمها، لأن الحكم لاعتقادنا، وإن ذبح لعيده أو متقربا به إلى شيء يعظمه لم يحرم، وعنه: بلى، اختاره شيخنا) [الفروع 6/ 319 (10/ 403)] (4). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (35/ 234 - 235). (2) انظر: «الفتاوى» (10/ 514)، «الاختيارات» للبعلي (469). (3) أي: لأهل الكتاب. (4) «الاختيارات» للبعلي (470)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 326)، «اقتضاء الصراط» (1/ 256).
(2/977)
1353 - الذبح عند القبر: - قال ابن مفلح: (ويحرم على الأصح أن يذكر عليه اسم غير الله، ونقل عبد الله: لا يعجبني ما ذبح للزهرة والكواكب والكنيسة، وكل شيء ذبح لغير الله، وذكر الآية، وسبق قبل زيارة القبور حديث النهي عن معاقرة الأعراب وأن أبا داود رواه فيكون عنده منهيا عنه، وهو نظير الذبح عند القبر، وقد كرهه أحمد، وحرمه شيخنا، والنهي ظاهر في التحريم) [الفروع 6/ 319 - 320 (10/ 403 - 404)] (1). 1354 - الذبيح هو إسماعيل عليه السلام: - قال ابن مفلح: (وهل الذبيح إسماعيل ــ اختاره ابن حامد وابن أبي موسى، وهو أظهر، قال شيخنا: هو قطعي ــ أو إسحاق ــ اختاره أبو بكر والقاضي قال ابن الجوزي: نصره أصحابنا -؟ فيه روايتان (2)) [الفروع 6/ 321 (10/ 405)] (3). 1355 - حكم الصيد بالرمي: - قال ابن مفلح: (ولا بأس بشبكة وفخ ودبق، قال الإمام أحمد: وكل _________ (1) انظر: «اقتضاء الصراط» (1/ 256). (2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (الصواب أنه إسماعيل، واختاره جماعة، الشيخ تقي الدين وابن القيم وغيره، واستدلوا بأنه إسماعيل بأكثر من عشرين وجها من القرآن والسنة). (3) «الاختيارات» للبعلي (470).
(2/978)
حيلة، وذكر جماعة: يكره بمثقل كبندق، وكذا كره شيخنا الرمي مطلقا (1)، لنهي عثمان) [الفروع 6/ 325 (10/ 428)] (2). _________ (1) في «الإنصاف» للمرداوي: (وكره الشيخ تقي الدين - رحمه الله -: الرمي بالبندق مطلقا). (2) «مختصر الفتاوى المصرية» (520).
(2/979)
كتاب الأيمان
1356 - الأحكام تتعلق بما أراده الناس بالألفاظ الملحونة: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: الأحكام تتعلق بما أراده الناس بالألفاظ الملحونة، كقوله: حلفت بالله رفعا ونصبا، والله باصوم أو باصلي ونحوه، وكقول الكافر: أشهد أن محمدٌ رسولَ الله برفع الأول ونصب الثاني، و: أوصيت لزيدا بمائة، وأعتقت سالمٌ ونحو ذلك، وأن من رام جعل الناس كلهم في لفظ واحد بحسب عادة قوم بعينهم فقد رام ما لا يمكن عقلا، ولا يصلح شرعا) [الفروع 6/ 338 (10/ 434)] (1). 1357 - اللام في قوله: «لأفعلن» لام القسم: - قال ابن مفلح: ( ... وتخريج لأفعلن. قال شيخنا: هذه لام القسم، فلا تذكر إلا معه مظهرا أو مقدرا) [الفروع 6/ 339 (10/ 436)] (2). 1358 - ما يرجع إليه في اليمين إذا لم تكن هناك نية معينة: - قال ابن القيم: (وقال أبو القاسم الخرقي في «مختصره»: ويرجع في الأيمان إلى النية، فإن لم ينو شيئا رجع إلى سبب اليمين وما هيجها. وقال أصحاب الإمام أحمد: إذا دعي إلى غداء فحلف أن لا يتغدى، أو قيل له: اقعد، فحلف أن لا يقعد، اختصت يمينه بذلك الغداء وبالقعود في ذلك الوقت، لأن عاقلا لا يقصد أن لا يتغدى أبدا، ولا يقعد أبدا. _________ (1) انظر: «الفتاوى» (31/ 47). (2) «الاختيارات» للبعلي (473).
(2/981)
ثم قال صاحب «المغنى»: إن كان له نية فيمينه على ما نوى، وإن لم تكن له نية فكلام أحمد يقتضي روايتين: إحداهما: أن اليمين محمولة على العموم، لأن أحمد سئل عن رجل حلف أن لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه، فزال الظلم، قال أحمد: النذر يوفى به. يعنى لا يدخله، ووجه ذلك: أن لفظ الشارع إذا كان عاما لسبب خاص، وجب الأخذ بعموم اللفظ دون خصوص السبب، وكذلك يمين الحالف. ونازعه في ذلك شيخنا، فقال: إنما منعه أحمد من دخول البلد بعد زوال الظلم لأنه نذر لله ألا يدخلها، وأكد نذره باليمين، والنذر قربة، فقد نذر التقرب إلى الله بهجران ذلك البلد، فلزمه الوفاء بما نذره، هذا هو الذي فهمه الإمام أحمد وأجاب به السائل، حيث قال: النذر يوفى به، ولهذا منع النبي - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين من الإقامة بمكة بعد قضاء نسكهم فوق ثلاثة أيام، لأنهم تركوا ديارهم لله، فلم يكن لهم العود فيها وإن زال السبب الذي تركوها لأجله، وذلك نظير مسألة ترك البلد للظلم والفواحش التي فيه إذا نذره الناذر، فهذا سر جوابه، وإلا فمذهبه الذي عليه نصوصه وأصوله اعتبار النية والسبب في اليمين، وحمل كلام الحالفين على ذلك، وهذا في نصوصه أكثر من أن يذكر، فلينظر فيها) [إعلام الموقعين 4/ 108 - 109] (1). 1359 - قول ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا: - قال ابن مفلح: (ويحرم الحلف بغير الله، وعن ابن مسعود وغيره: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا. قال شيخنا: لأن _________ (1) انظر: «الفتاوى» (33/ 234).
(2/982)
حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك) [الفروع 6/ 340 (10/ 437)] (1). 1360 - حكم الحلف بالعتق أو الطلاق ونحو ذلك: 1361 - وإذا حلف بعتق أو طلاق ثم حنث: 1362 - وقوله: «الطلاق يلزمني»: 1363 - وإذا حلف بذلك ونوى النذر: - قال ابن القيم: ( ... ويزيد ذلك وضوحاً: أن الحالف بالتزام هذه الواجبات قصده ألا تكون، ولكراهته للزومها له حلف بها، فقصده ألا يكون الشرط فيها ولا الجزاء، ولذلك يسمى: نذر اللجاج والغضب، فلم يلزمه الشارع به، إذا كان غير مريد له، ولا متقرب به إلى الله، فلم يعقده لله، وإنما عقده به، فهو يمين محضة، فإلحاقه بنذر القربة إلحاق له بغير شبهه، وقطع له عن الإلحاق بنظيره. وعذر من ألحقه بنذر القربة شبهه به في اللفظ والصورة، ولكن الملحقون له باليمين أفقه وأرعى لجانب المعاني، وقد اتفق الناس على أنه لو قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، فحنث، أنه لا يكفر بذلك إن قصد اليمين، لأن قصد اليمين منع من الكفر. وبهذا وغيره احتج شيخ الإسلام ابن تيمية على أن الحلف بالطلاق والعتاق كنذر اللجاج والغضب، وكالحلف بقوله: إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نصراني، وحكاه إجماع الصحابة في العتق، وحكاه غيره إجماعاً لهم في _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (473)، وانظر: «الفتاوى» (33/ 123).
(2/983)
الحلف بالطلاق، على أنه لا يلزم. قال: لأنه قد صح عن علي بن أبي طالب، ولا يعرف له في الصحابة مخالف، ذكره ابن بزيزة في «شرح أحكام عبد الحق الإشبيلي». فاجتهد خصومه في الرد عليه بكل ممكن، وكان حاصل ما ردوا به قوله أربعة أشياء: أحدها: وهو عمدة القوم، أنه خلاف مرسوم السلطان. والثاني: أنه خلاف الأئمة الأربعة. والثالث: أنه خلاف القياس على الشرط والجزاء المقصودين، كقوله: إن أبرأتني فأنت طالق، ففعلت. والرابع: أن العمل قد استمر على خلاف هذا القول، فلا يلتفت إليه. فنقض حججهم، وأقام نحوا من ثلاثين دليلاً على صحة هذا القول، وصنف في المسألة قريبا من ألف ورقة، ثم مضى لسبيله راجيا من الله أجرا أو أجرين، وهو ومنازعوه يوم القيامة عند ربهم يختصمون) [إعلام الموقعين 2/ 133 ـ 134]. - وقال أيضا: (قال شيخ الإسلام: والقول بأنه يمين مكفرة هو مقتضى المنقول عن الصحابة في الحلف بالعتق، بل بطريق الأولى، فإنهم إذا أفتوا من قال: إن لم أفعل كذا فكل مملوك لي حر، بأنه يمين تكفر، فالحالف بالطلاق أولى. قال: وقد علق القول به أبو ثور، فقال: إن لم تجمع الأمة على لزومه فهو يمين تكفر، وقد تبين أن الأمة لم تجمع على لزومه.
(2/984)
وحكاه شيخ الإسلام عن جماعة من العلماء الذين سمت هممهم وشرفت نفوسهم، فارتفعت عن حضيض التقليد المحض إلى أوج النظر والاستدلال، ولم يكن مع خصومه ما يردون به عليه أقوى من الشكاية إلى السلطان، فلم يكن له بِردِّ هذه الحجة قِبَلٌ! وأما ما سواها فبيَّن فساد جميع حججهم ونقضها أبلغ نقض، وصنف في المسألة ما بين مطول ومتوسط ومختصر ما يقارب ألفي ورقة، وبلغت الوجوه التي استدل بها عليها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والقياس وقواعد إمامه خاصة وغيره من الأئمة زهاء أربعين دليلا، وصار إلى ربه وهو مقيم عليها، داع إليها، مباهل لمنازعيه، باذل نفسه وعرضه وأوقاته لمستفتيه، فكان يفتي في الساعة الواحدة فيها بقلمه ولسانه أكثر من أربعين فتيا، فعطلت لفتاواه مصانع التحليل، وهدمت صوامه (1) وبيعه، وكسدت سوقه، وتقشعت سحائب اللعنة عن المحللين والمحلل لهم من المطلقين، وقامت سوق الاستدلال بالكتاب والسنة والآثار السلفية، وانتشرت مذاهب الصحابة والتابعين وغيرهم من أئمة الإسلام للطالبين، وخَرج من حِبس تقليد المذهب المعين به مَنْ كرمت عليه نفسه من المستبصرين، فقامت قيامة أعدائه وحساده ومن لا يتجاوز ذكر أكثرهم باب داره أو محلته، وهجَّنوا ما ذهب إليه بحسب المستجيبين لهم غاية التهجين، فمن استخفوه من الطغام وأشباه الأنعام قالوا: هذا قد رفع الطلاق بين المسلمين، وكثر أولاد الزنا في العالمين، ومن صادفوا عنده مسكة عقل ولُبٍّ قالوا: هذا قد أبطل الطلاق المعلق بالشرط، وقالوا لمن تعلقوا به من الملوك والولاة هذا قد حَلَّ بيعة السلطان من أعناق _________ (1) كذا، ولعلها: (صوامعه) ..
(2/985)
الحالفين، ونسوا أنهم هم الذين حلوها بخلع اليمين، وأما هو فصرح في كتبه أن أيمان الحالفين لا تغير شرائع الدين، فلا يحل لمسلم حَلُّ بيعة السلطان بفتوى أحد من المفتين، ومن أفتى بذلك كان من الكاذبين المفترين على شريعة أحكم الحاكمين، ولعمر الله لقد مُني من هذا بما مُني به من سلف من الأئمة المرضيين، فما أشبه الليلة بالبارحة للناظرين، فهذا مالك بن أنس توصل أعداؤه إلى ضربه بأن قالوا للسلطان: إنه يحل عليك أيمان البيعة بفتواه أن يمين المكره لا تنعقد، وهم يحلفون مكرهين غير طائعين، فمنعه السلطان، فلم يمتنع لما أخذه الله من الميثاق على من آتاه الله علما أن يبينه للمسترشدين. ثم تلاه على أثره محمد بن إدريس الشافعي فوشى به أعداؤه إلى الرشيد أنه يحل أيمان البيعة بفتواه أن اليمين بالطلاق قبل النكاح لا تنعقد، ولا تطلق إن تزوجها الحالف، وكانوا يحلفونهم في جملة الأيمان: «وأن كل امرأة أتزوجها فهي طالق». وتلاهما على آثارهما شيخ الإسلام فقال حساده: هذا ينقض عليكم أيمان البيعة. فما فت ذلك في عضد أئمة الإسلام، ولا ثنى عزماتهم في الله وهممهم، ولا صدهم ذلك عما أوجب الله عليهم اعتقاده والعمل به من الحق الذي أداهم إليه اجتهادهم، بل مضوا لسبيلهم، وصارت أقوالهم أعلاما يهتدي بها المهتدون، تحقيقا لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]) [إعلام الموقعين 4/ 114 - 116].
(2/986)
- وقال أيضا: ( ... وهذا مذهب من يرى اليمين بالطلاق لا يوجب طلاقاً، وإنما يجزئه كفارة يمين، وهو قول أهل الظاهر وطاوس وعكرمة وجماعة من أهل الحديث، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه) [زاد المعاد 5/ 353]. - وقال أيضا: ( ... الطريق الخامسة: طريق من يفصل بين الحلف بصيغة الشرط والجزاء والحلف بصيغة الالتزام: فالأول: كقوله: إن فعلت كذا، أو: إن لم أفعله، فأنت طالق. والثاني: كقوله: الطلاق يلزمني، أو: لي لازم، أو علي الطلاق، إن فعلت، أو إن لم أفعل، فلا يلزمه الطلاق في هذا القسم إذا حنث دون الأول، وهذا أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب الشافعي، وهو المنقول عن أبي حنيفة وقدماء أصحابه ... وحكى شيخنا هذا القول عن بعض أصحاب أحمد) [إغاثة اللهفان 2/ 122 - 123]. - وقال ابن مفلح: (قيل لأحمد - رحمه الله -: يكره الحلف بعتق أو طلاق أو شيء؟ قال: سبحان الله، لم لا يكره؟ لا يحلف إلا بالله. وفي تحريمه وجهان، واختار شيخنا التحريم وتعزيره «و: م»، واختار في موضع: لا يكره، وأنه قول غير واحد من أصحابنا، لأنه لم يحلف بمخلوق، ولم يلتزم لغير الله شيئا، وإنما التزم لله كما يلتزم بالنذر، والالتزام لله أبلغ من الالتزام به، بدليل النذر له واليمين به، ولهذا لم ينكر الصحابة على من حلف بذلك، كما أنكروا على من حلف بالكعبة. واختار شيخنا فيمن حلف بعتق وطلاق وحنث، يخير بين أن يوقعه أو
(2/987)
يكفر كحلفه بالله ليوقعنه. وذكر أن: «الطلاق يلزمني» ونحوه يمين باتفاق العقلاء والأمم والفقهاء، وخرجه على نصوص لأحمد، وهو خلاف صريحها. وذكر أنه إن حلف به نحو: «الطلاق لي لازم» ونوى النذر كَفَّر عند الإمام أحمد) [الفروع 6/ 340 - 341 (10/ 438)] (1). 1364 - إذا حلف أحد بيمين، فقال له آخر: أنا معك: - قال ابن مفلح: (ومن حلف بأحدها (2) فقال آخر: يميني في يمينك، أو عليها، أو مثلها، ينوي التزام مثلها لزمه، نص عليه في طلاق، وفي المكفرة الوجهان. قال شيخنا: كذا: أنا معك، ينوي في يمينه) [الفروع 6/ 341 (10/ 439 - 440)]. 1365 - إبرار المقسم على معين: - قال ابن مفلح: (ولا يلزمه إبرار قسم، في الأصح، كإجابة سؤال بالله، وقال شيخنا: إنما يجب على معين، فلا تجب إجابة سائل يقسم على _________ (1) انظر: «الفتاوى» (33/ 45 - 46، 58 - 59، 68 - 69، 131 - 144، 215 - 225)، «الاختيارات» للبعلي (473). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: أحد الأيمان الخمسة، وهي: العتق والطلاق والظهار والنذر واليمين بالله تعالى، قال في «المحرر»: وحلف بيمين من هذه الخمسة، فقال له آخر: يميني في يمينك، أو: أنا على مثل يمينك، يريد التزام مثل يمينه، لزمه ذلك، إلا في اليمين بالله تعالى، فعلى وجهين).
(2/988)
الناس، وسبق في الزكاة (1)) [الفروع 6/ 342 (10/ 440 - 441)] (2). وانظر: ما سبق برقم (414). 1366 - إذا حلف بالعتاق أو الطلاق ونحو ذلك كاذبا عالما كذبه: - قال ابن مفلح: ( ... فإن حلف بالله على ماض كاذبا عالما كذبه فغموس، وعنه: يكفر ويأثم، كما يلزمه عتق وطلاق وظهار وحرام ونذر، فيكفر كاذب في لعانه، ذكره في «الانتصار» واحتج غير واحد على عدم التكفير بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية [آل عمران: 77]، فكيف يقال: إن الجزاء غير هذا، وإن الكفارات تمحص هذا؟ وقال شيخنا: من قال يكفر الغموس، قال يكفر الغموس في ذلك أيضا، وأما من قال: لا كفارة في المستقبل، أو أنه يلزمه فيه ما التزمه، فالماضي أولى، وأما من قال اليمين الغموس بالله لا تكفر، وأن اليمين بالنذر والكفر وغيرهما يكفر، فلهم في اليمين الغموس بذلك قولان: أحدهما: يلزمه ما التزمه من نذر وكفر، وغيرهما قاله بعض الحنفية وبعض الحنبلية، وقاله محمد بن مقاتل ــ يعني الحنفي ــ في الحلف بالكفر، وقاله جدنا أبو البركات في الحلف بالنذر ونحوه، وهؤلاء يحتجون _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: ( ... واختار أبو العباس ابن تيمية أنه إذا حلف على غيره ليفعلن وخالفه أنه لا يحنث، إذا قصد إكرامه لا إلزامه به، لأنه أمر، ولا يجب الأمر إذا فهم منه الإكرام، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر بالوقوف ولم يقف، والمسألة ذكرها المصنف في جامع الأيمان قبل الفصل الأخير بيسير فلتنظر هناك). (2) «الاختيارات» للبعلي (473).
(2/989)
بقوله عليه السلام: «من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال». والثاني ــ وهو قول الأكثرين ــ: أنه لا يلزمه ما التزمه في اليمين الغموس إلا إذا كان يلزمه ما التزمه في اليمين على المستقبل؛ لأنه في جميع صور الأيمان لم يقصد أن يصير كافرا ولا ناذرا ولا مطلقا ولا معتقا، لأنه إنما قصده في الماضي من الخبر التصديق أو التكذيب، وأكده باليمين كما يقصد الحض أو المنع في الأمر أو النهي، وأكده باليمين، فكما قالوا يجب الفرق في المستقبل بين من قصده اليمين وقصده الإيقاع، وأن الحالف لا يلتزم وقوعه عند (1) المخالفة، والموقع يلتزم ما يريد وقوعه عند المخالفة، فهذا الفرق موجود في التعليق على الماضي، فإنه تارة يقصد اليمين، وتارة يقصد الإيقاع، فالحالف يكره لزوم الجزاء، وإن حنث صدق أو كذب لم يقصد إيقاع ما التزمه إذا كذب، كما لم يقصد في الحض والمنع، والشارع لم يجعل من التزم شيئا يلزمه، سواء بر أو فجر، ولهذا لم يكفر باليمين الغموس إجماعا لأنه لم يقصد نفي حرمة الإيمان بالله، لكن فعل كبيرة مع اعتقاده أنها كبيرة، والقول في الخبر كنظائره كفر دون كفر (2)، وقد يجتمع في الإنسان شعبة من شعب الكفر والنفاق) [الفروع 6/ 343 - 344 (10/ 444 - 446)] (3). _________ (1) في ط 2: (عن)، والمثبت من ط 1، والنسخة الخطية (ص 363). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: الخبر المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو: «من حلف بملة غير الإسلام كاذبا، فهو كما قال»). (3) انظر: «الفتاوى» (33/ 127 - 129؛ 35/ 324 - 326).
(2/990)
1367 - إذا عقد اليمين على مستقبل ظانا صدقه فلم يكن: 1368 - وإذا ظن امرأة أجنبية فطلقها فبانت امرأته: - قال ابن مفلح: (وإن عقدها على ماض (1) ــ واختار شيخنا: أو مستقبل ــ ظانا صدقه فلم يكن، كمن حلف على غيره يظن أنه يعطيه فلم يفعل، أو ظن المحلوف عليه خلاف نية الحالف ونحو ذلك، وأن المسألة على روايتين كمن ظن امرأة أجنبية فطلقها فبانت امرأته ونحوها مما يتعارض فيه التعيين الظاهر والقصد، فلو كانت يمينه بطلاق ثلاث، ثم قال: أنت طالق مقرا بما وقع، أو مؤكدا له، لم يقع، وإن كان منشئا (2)، فقد أوقعه بمن يظنها أجنبية، فالخلاف، قاله شيخنا) [الفروع 6/ 344 - 345 (10/ 446)]. 1369 - كل يمين مكفرة حتى عتق وطلاق: - قال ابن مفلح: (وكل يمين مكفرة كاليمين بالله، قال شيخنا: حتى عتق وطلاق، وأن هل فيهما لغو؟ على قولين في مذهب أحمد ومراده ما سبق) [الفروع 6/ 345 (10/ 446)]. _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قوله: «وإن عقدها على ماض» إلى آخره، قال في «الاختيارات» في كتاب الأيمان: قال في «المحرر»: وإن عقدها يظن صدق نفسه، فبان بخلافه فهو كمن حلف على مستقبل وفعله ناسيا، قال أبو العباس: وهذا ذهول، فإن أبا حنيفة ومالكا يحنثان الناسي، ولا يحنثان هذا، لأن تلك اليمين انعقدت بلا شك، وهذه لم تنعقد، ولم يقل أحد: إن اليمين على شيء تغيره عن صفته، بحيث توجب إيجابا أو تحرم تحريما، لا ترفعه الكفارة). (2) في ط 1: (منسيا)، والمثبت من ط 2، والنسخة الخطية (ص 363).
(2/991)
1370 - عدم اعتبار قصد الاستثناء: 1371 - وإذا قال: «إن أراد الله» وقصد بالإرادة المشيئة: 1372 - وإذا شك في الاستثناء: - قال ابن مفلح: (وفي اعتبار قصد الاستثناء وجهان، فائدتهما فيمن سبق على لسانه عادة، أو أتى به تبركا، ولم يعتبره شيخنا، ولو أراد تحقيقا لإرادته ونحوه، لعموم المشيئة، وفي «الترغيب» وجه: يعتبر قصد الاستثناء أول كلامه، وكذا قوله: «إن أراد الله» وقصد بالإرادة المشيئة، لا محبته وأمره، ذكره شيخنا. وإن شك في الاستثناء فالأصل عدمه، وقال شيخنا: إلا ممن عادته الاستثناء، واحتج بالمستحاضة تعمل بالعادة والتمييز ولم تجلس أقل الحيض، والأصل وجوب العبادة) [الفروع 6/ 347 (10/ 448 - 449)] (1). 1373 - لا يشترط في صحة الاستثناء أن يسمع نفسه: - قال ابن القيم: ( .... إذا استحلف على شيء فأحب أن يحلف ولا يحنث، فالحيلة أن يحرك لسانه بقول: إن شاء الله، وهل يشترط أن يسمعها نفسه؟ فقيل: لا بد أن يسمع نفسه، وقال شيخنا: هذا لا دليل عليه، بل متى حرك لسانه بذلك كان متكلما، وإن لم يسمع نفسه، وهكذا حكم الأقوال الواجبة، والقراءة الواجبة) [إعلام الموقعين 4/ 370]. - وقال أيضا: (قال أصحاب أبي حنيفة ــ واللفظ لصاحب «الذخيرة» ــ: _________ (1) انظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (542)، «الاختيارات» للبعلي (384).
(2/992)
وشرط الاستثناء أن يتكلم بالحروف، سواء كان مسموعا أولم يكن، عند الشيخ أبي الحسن الكرخي، وكان الفقيه أبو جعفر يقول: لا بد وأن يسمع نفسه، وبه كان يفتى الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يميل إلى هذا القول، وبالله التوفيق) [إعلام الموقعين 4/ 81] (1). وانظر: ما سبق برقم (171). 1374 - الاستثناء في العتاق والطلاق، وفي الحلف بهما: - قال ابن القيم: (قال شيخنا: وقد روي في الفرق حديث موضوع على معاذ بن جبل يرفعه، فلو علق الطلاق على فعل يقصد به الحض أوالمنع كقوله: أنت طالق إن كلمت فلانا إن شاء الله، فروايتان منصوصتان عن الإمام أحمد: إحداهما: ينفعه الاستثناء، ولا تطلق إن كلمت فلانا، وهو قول أبي عبيد، لأنه بهذا التعليق قد صار حالفا، وصار تعليقه يمينا باتفاق الفقهاء، فصح استثناؤه فيها لعموم النصوص المتناوله للاستثناء في الحلف واليمين. والثانية: لا يصح الاستثناء، وهو قول مالك ... ، لأن الاستثناء إنما ينفع في الأيمان المكفرة، فالتكفير والاستثناء متلازمان، ويمين الطلاق والعتاق لا يكفران، فلا ينفع فيهما الاستثناء. ومن هنا خرج شيخنا على المذهب: إجزاء التكفير فيها، لأن أحمد _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (372).
(2/993)
- رضي الله عنه - نص على أن الاستثناء إنما يكون في اليمين المكفرة، ونص على أن الاستثناء ينفع في اليمين بالطلاق والعتاق، فيخرج من نصه إجزاء الكفارة في اليمين بهما. وهذا تخريج في غاية الظهور والصحة، ونص أحمد على الوقوع لا يبطل صحة هذا التخريج، كسائر نصوصه ونصوص غيره من الأئمة التي يخرج منها على مذهبه خلاف ما نص عليه، وهذا أكثر وأشهر من أن يذكر) [إعلام الموقعين 4/ 58 - 59]. - وقال أيضا: (فالتحقيق في المسألة أن المستثني: إما أن يقصد بقوله: إن شاء الله = التحقيق أوالتعليق، فإن قصد به التحقيق والتأكيد وقع الطلاق، وإن قصد به التعليق وعدم الوقوع في الحال لم تطلق، هذا هو الصواب في المسألة، وهو اختيار شيخنا وغيره من الأصحاب) [إعلام الموقعين 4/ 77] (1). 1375 - اليمين لا توجب إيجابا ولا تحرم تحريما لا ترفعه الكفارة: 1376 - والفرق بين العقد والعهد، واليمين والنذر: - قال ابن مفلح: (واليمين تنقسم إلى أحكام التكليف الخمسة، وهل يستحب على فعل طاعة أو ترك معصية؟ فيه وجهان، ولا تغير حكم المحلوف (2)، وفي «الانتصار»: يحرم حنثه وقصده لا المحلوف في نفسه ولا ما رآه خيرا، وفي «الإفصاح»: يلزم الوفاء بالطاعة، وأنه عند أحمد لا _________ (1) انظر: «الفتاوى» (13/ 44؛ 35/ 281 - 288). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: لا تغير اليمين حكم المحلوف عليه ... الخ).
(2/994)
يجوز عدول القادر إلى الكفارة (1) «ش م». قال شيخنا: لم يقل أحد إنها توجب إيجابا أو تحرم تحريما لا ترفعه الكفارة. قال: والعقود والعهود متقاربة المعنى أو متفقة، فإذا قال: أعاهد الله أني أحج العام، فهو نذر وعهد ويمين، ولو قال: أن لا أكلم زيدا، فيمين وعهد لا نذر، فالأيمان إن تضمنت معنى النذر ــ وهو أن يلتزم لله قربة ــ لزمه الوفاء، وهي عقد وعهد ومعاهدة لله، لأنه التزم لله ما يطلبه الله منه، وإن تضمنت معنى العقود التي بين الناس ــ وهو أن يلتزم كل من المتعاقدين للآخر ما اتفقا عليه ــ فمعاقدة ومعاهدة، يلزم الوفاء بها، ثم إن كان العقد لازما لم يجز نقضه، وإلا خير، ولا كفارة في ذلك لعظمه، ولو حلف لا يغدر كَفَّر للقسم لا لغدره، مع أن الكفارة لا ترفع إثمه بل يتقرب بالطاعات. قال: وهذه أيمان بنص القرآن، ولم يفرض الله ما يحل عقدتها إجماعا) [الفروع 6/ 348 - 349 (10/ 451 - 452)] (2). 1377 - معنى قولهم: هذا في ذمة فلان: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من جنسهما (3) لفظ الذمة، وقولهم: «هذا في ذمة فلان» أصله من هذا، أي: فيما لزمه بعهده وعقده) [الفروع 6/ 350 (10/ 453)]. _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: القادر على الوفاء بالطاعة التي حلف على فعلها). (2) «الاختيارات» للبعلي (474) , وانظر: «الفتاوى» (35/ 332). (3) أي: العهد والعقد.
(2/995)
1378 - إذا حلف بنذور مكررة أو بطلاق مكفر: - قال ابن مفلح: (ومن لزمته أيمان قبل التكفير فكفارة، اختاره الأكثر، وذكر أبو بكر أن أحمد رجع عن غيره، وعنه: لكل يمين كفارة، كما لو اختلف موجبها، كيمين وظهار، وعنه: إن كانت على أفعال، نحو: والله لا قمت، والله لا قعدت، كما لو كفر عن الأولة، وإلا كفارة كـ: والله لا قمت، والله لا قمت، ومثله: الحلف بنذور مكررة، أو بطلاق مكفر، قاله شيخنا) [الفروع 6/ 352 (10/ 455)] (1). 1379 - إذا قال: «الطلاق يلزمه لا أفعلن كذا»، وكرره: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا فيمن قال: الطلاق يلزمه لا أفعلن (2) كذا وكرره: لم يقع أكثر من طلقة إذا لم ينو، فيتوجه مثله: إن قمت فأنت طالق، وكرره ثلاثا، سبق فيما يخالف المدخول بها غيرها يقع بهما ثلاث) [الفروع 6/ 352 (10/ 455)]. 1380 - إذا حلف على يمين ثم نسيها: - قال ابن القيم: (وأما من حلف على يمين ثم نسيها ... وعلى قول شيخنا: يلزمه كفارة يمينٍ حسب، لأن ذلك موجب الأيمان كلها عنده) [إغاثة اللهفان 1/ 266]. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (474)، وانظر: «الفتاوى» (33/ 219). (2) في ط 1 والنسخة الخطية (ص 364): (لأفعلن)، والمثبت من ط 2.
(2/996)
باب جامع الأيمان
1381 - حكم المعاريض: - قال ابن القيم: (وقال شيخنا رضى الله عنه: والذي قيست عليه الحيل الربويه وليست مثله نوعان: أحدهما: المعاريض، وهي أن يتكلم الرجل بكلام جائز، يقصد به معنى صحيحا، ويوهم غيره أنه يقصد به معنى آخر، فيكون سبب ذلك الوهم كون اللفظ مشتركا بين حقيقتين لغويتين، أو عرفيتين، أو شرعيتين، أو لغوية مع إحداهما، أو عرفية مع إحداهما، أو شرعية مع إحداهما، فيعني أحد معنييه، ويوهم السامع له أنه إنما عنى الآخر، إما لكونه لم يعرف إلا ذلك، وإما لكون دلالة الحال تقتضيه، وإما لقرينة حالية أو مقالية يضمها إلى اللفظ، أو يكون سبب التوهم كون اللفظ ظاهرا في معنى فيعني به معنى يحتمله باطنا، بأن ينوي مجاز اللفظ دون حقيقته، أو ينوي بالعام الخاص، أو بالمطلق المقيد، أو يكون سبب التوهم كون المخاطب إنما يفهم من اللفظ غير حقيقته، لعرف خاص به، أو غفلة منه، أو جهل، أو غير ذلك من الأسباب، مع كون المتكلم إنما قصد حقيقته. فهذا كله إذا كان المقصود به رفع ضرر غير مستحق فهو جائز، كقول الخليل: هذه أختي، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نحن من ماء»، وقول الصديق رضى الله عنه: «هاد يهديني السبيل»، ومنه قول عبد الله بن رواحة: شهدت بأن وعد الله حق .... الأبيات
(2/997)
أوهم امرأته القرآن. وقد يكون واجبا إذا تضمن دفع ضرر يجب دفعه ولا يندفع إلا بذلك، وهذا الضرب وإن كان نوع حيلة في الخطاب، لكنه يفارق الحيل المحرمة من الوجه المحتال عليه، والوجه المحتال به. أما الأول: فلكونه دفع ضرر غير مستحق، فلو تضمن كتمان ما يجب إظهاره من شهادة أو إقرار أو علم أو نصيحة مسلم أو التعريف بصفة معقود عليه في بيع أو نكاح أو إجارة = فإنه غش محرم بالنص. قال مثنى الأنباري: قلت لأحمد بن حنبل: كيف الحديث الذي جاء في المعاريض؟ فقال: المعاريض لا تكون في الشراء والبيع، تكون في الرجل يصلح بين الناس، أو نحو هذا. قال شيخنا: والضابط أن كل ما وجب بيانه فالتعريض فيه حرام؛ لأنه كتمان وتدليس. ويدخل في هذا الإقرار بالحق، والتعريض في الحلف عليه، والشهادة على العقود، ووصف المعقود عليه، والفتيا والحديث والقضاء. وكل ما حرم بيانه فالتعريض فيه جائز، بل واجب إذا أمكن ووجب الخطاب، كالتعريض لسائل عن مال معصوم أو نفسه يريد أن يعتدي عليه. وإن كان بيانه جائزا أو كتمانه جائزا، فإما أن تكون المصلحة في كتمانه أو في إظهاره أو كلاهما متضمن للمصلحة. فإن كان الأول: فالتعريض مستحب، كتورية الغازي عن الوجه الذي يريده، وتورية الممتنع عن الخروج والاجتماع بمن يصده عن طاعة أو
(2/998)
مصلحة راجحة، كتورية أحمد عن المروذي، وتورية الحالف لظالم له أو لمن استحلفه يمينا لا تجب عليه ونحو ذلك. وإن كان الثاني: فالتورية فيه مكروهة، والإظهار مستحب، وهذا في كل موضع يكون البيان فيه مستحبا. وإن تساوى الأمران، وكان كل منهما طريقا إلى المقصود، لكون ذلك المخاطب التعريض والتصريح بالنسبة إليه سواء، جاز الأمران، كما لو كان يعرف بعدة ألسن وخطابه بكل لسان منها يحصل مقصوده، ومثل هذا ما لو كان له غرض مباح في التعريض، ولا حذر عليه في التصريح، والمخاطب لا يفهم مقصوده، وفي هذا ثلاثة أقوال للفقهاء، وهي في مذهب الإمام أحمد: أحدها: له التعريض، إذ لا يتضمن كتمان حق، ولا إضرار بغير مستحق. والثاني: ليس له ذلك، فإنه إيهام للمخاطب من غير حاجة إليه، وذلك تغرير، وربما أوقع السامع في الخبر الكاذب، وقد يترتب عليه ضرر به. والثالث: له التعريض في غير اليمين، وقال الفضيل بن زياد: سألت أحمد عن الرجل يعارض في كلامه، يسألني عن الشيء أكره أن أخبره به؟ قال: إذا لم يكن يمينا فلا بأس، في المعاريض مندوحة عن الكذب. وهذا عند الحاجة إلى الجواب، فأما الابتداء فالمنع فيه ظاهر، كما دل عليه حديث أم كلثوم أنه لم يرخص فيما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث، وكلها مما يحتاج إليه المتكلم، وبكل حال فغاية هذا القسم تجهيل السامع
(2/999)
بأن يوقعه المتكلم في اعتقاد ما لم يرده بكلامه، وهذا التجهيل قد تكون مصلحته أرجح من مفسدته، وقد تكون مفسدته أرجح من مصلحته، وقد يتعارض الأمران، ولا ريب أن من كان علمه بالشيء يحمله على ما يكرهه الله ورسوله، كان تجهيله به وكتمانه عنه أصلح له وللمتكلم، وكذلك ما كان في علمه مضرة على القائل، أو تفوت عليه مصلحة هي أرجح من مصلحة البيان، فله أن يكتمه عن السامع، فإن أبى إلا استنطاقه فله أن يعرض له. فالمقصود بالمعاريض: فعل واجب، أو مستحب، أو مباح أباح الشارع السعي في حصوله، ونصب له سببا يفضي إليه، فلا يقاس بهذه الحيل التي تتضمن سقوط ما أوجبه الشارع، وتحليل ما حرمه، فأين أحد البابين من الآخر؟ ! وهل هذا إلا من أفسد القياس؟ ! وهو كقياس الربا على البيع، والميتة على المذكى) [إعلام الموقعين 3/ 234 - 236] (1). - وقال ابن مفلح: (ويجوز التعريض في المخاطبة لغير ظالم بلا حاجة، اختاره الأكثر، وقيل: لا، ذكره شيخنا واختاره، لأنه تدليس كتدليس المبيع) [الفروع 6/ 353 (11/ 5)]. - وقال أيضا: (وأما الأصحاب فتجوز عندهم المعاريض، وقيل: تكره، وقيل: تحرم، ولم أجد أحدا منهم صرح بالفرق بين اليمين وغيرها. وقد قال أحمد: التدليس عيب، وقال: أكرهه، قال: لا يعجبني، وعلله بأنه يتزين للناس. فظاهر هذا أنه لا يحرم، وكذا اقتصر القاضي وأصحابه وأكثر العلماء _________ (1) «بيان الدليل» (198 - 202) باختصار.
(2/1000)
على كراهته، يؤيده قوله في رواية مهنا ــ وقيل له: كان شعبة يقول: التدليس كذب. فقال: لا، قد دلس قوم، ونحن نروي عنهم. ولو كره التعريض مطلقا أو حرم أو كان كذبا لعلل به لاطراده وعموم فائدته، بل علل بالتزين، وغالب صور التعريض أو كثير منها في غير رواية الحديث لا تزين فيها، ولا يتعلق به ذلك كالموضع الذي استعملها الشارع وغير ذلك، ولهذا اقتصر أبو الخطاب وغيره على هذا التعليل. قال القاضي: ولأنه يفعل ذلك كراهة الوضع في الحديث لراويه، ومن كره التواضع في الحديث فقد أساء، وهذا معنى قول أحمد يتزين. انتهى كلامه. فتدبر هذا، فإنه أمر يختص بالرواية، لكن لا يعارض هذا نصه في الفرق بين اليمين وغيرها. قال الشيخ تقي الدين: هل (1) كراهته هنا للتحريم يخرج على قولين في المعاريض إذا لم يكن ظالما ولا مظلوما، والأشبه التحريم، فإن التدليس في الرواية والحديث أعظم منه في البيع. كذا قال. قال القاضي وغيره: وذهب قوم من أصحاب الحديث إلى أنه لا يقبل خبره، وهذا غلط؛ لأنه ما كذب، بل صدق إلا أنه أوهم، ومن أوهم في خبره لم يرد خبره، كمن قيل له: حججت؟ فقال: لا مرة، ولا مرتين، يوهم أنه حج أكثر، وحقيقته أنه ما حج أصلا، فلا يكون كذبا. انتهى كلامه، وهو موافق لما سبق. _________ (1) في الأصل: (كل)، والتصويب من «المسودة».
(2/1001)
وقال الشيخ تقي الدين: ليس بصادق في الحقيقة العرفية) [الآداب الشرعية 1/ 43 - 44] (1). 1382 - إذا حلف ليتزوجن على امرأته: - قال ابن مفلح: (وإن حلف ليتزوجن = بر بعقد صحيح، وكذا قيل لو كانت يمينه على امرأته (2) ولا نية ولا سبب، واختاره الشيخ، كحلفه لا يتزوج عليها، والمذهب: يبر بدخوله بنظيرتها، والمراد ــ والله أعلم ــ بمن تغمها وتتأذى بها، كظاهر رواية أبي طالب، وفي «المفردات» وغيرها: أو مقاربتها، وقال شيخنا: إنما المنصوص أن يتزوج ويدخل، ولا يشترط مماثلتها) [الفروع 6/ 365 (11/ 25)] (3). 1383 - إذا نذر أن يهب له: - قال ابن مفلح: (وإن نذر أن يهب (4) له بر بالإيجاب، كيمينه، وقد يقال: يحمل على الكمال، ذكره شيخنا) [الفروع 6/ 367 (11/ 27)] (5). _________ (1) «المسودة» (1/ 594 - 550) , «الاختيارات» للبعلي (474). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: قال في يمينه: لأتزوجن على امرأتي). (3) «الاختيارات» للبعلي (474). (4) في ط 2: (يهبه)، والمثبت من ط 1 والنسخة الخطية (ص 366). (5) «الاختيارات» للبعلي (479)، وعلق عليها الشيخ ابن عثيمين ــ - رحمه الله - ــ بقوله: (ولعل مثله عقد بيع ونحوه، فيبر بالإيجاب وأولى، لأن الهبة يمكن فعلها بنفسه ويندر من لا يقبلها، بخلاف البيع ونحوه فإنه إذا نذر أن يبيعه وأوجبه ثم لم يقبل المشتري فالظاهر أن البائع بر بسبب الإيجاب، والله أعلم).
(2/1002)
1384 - الكلام يتضمن فعلا وما يقترن بالفعل من الحروف والمعاني: - قال ابن مفلح: (وإن حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح أو ذكر الله لم يحنث، وكذا قوله لمن دق بابه: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] يقصد التنبيه بقرآن، وفي المذهب وجهان، وإن لم يقصد به القرآن حنث، ذكره جماعة، وحقيقة الذكر ما نطق به، فتحمل يمينه عليه، ذكره في «الانتصار». قال شيخنا: الكلام يتضمن فعلا كالحركة، ويتضمن ما يقترن بالفعل من الحروف والمعاني، فلهذا يجعل القول قسيما للفعل، وقسما منه أخرى) [الفروع 6/ 380 - 381 (11/ 45 - 46)] (1). 1385 - الزيارة ليست سكنى: - قال ابن مفلح: (وإن حلف لا يسكن الدار فدخلها، أو كان فيها غير ساكن فدام جلوسه ففي حنثه وجهان، وقال القاضي: ولو بات ليلتين لم يحنث. قال شيخنا: [والزيارة] (2) ليست سكنى اتفاقا، ولو طالت مدتها) [الفروع 6/ 386 (11/ 53)] (3). 1386 - إذا حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا أو جاهلا: - قال ابن القيم: (وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد في ذلك، ففيه ثلاث روايات: _________ (1) «الفتاوى» (8/ 29)، «الاختيارات» للبعلي (475). (2) في ط 1 وط 2: (الزيادة)، والتصويب من «الاختيارات» للبعلي وغيرها. (3) «مختصر الفتاوى المصرية» (547)، «الاختيارات» للبعلي (475).
(2/1003)
إحداها: أنه لا يحنث في شيء من الأيمان بالنسيان، ولا الجهل بفعل المحلوف عليه مع النسيان، سواء كانت من الأيمان المكفرة أوغيرها، وعلى هذه الرواية فيمينه باقية لم تنحل بفعل المحلوف عليه مع النسيان والجهل، لأن اليمين كما لم يتناول حالة الجهل والنسيان بالنسبة إلى الحنث لم يتناولها بالنسبة إلى البر، إذا لو كان فاعلا للمحلوف عليه بالنسبة إلى البر لكان فاعلا له بالنسبة إلى الحنث، وهذه الرواية اختيار شيخ الإسلام وغيره، وهي أصح قولي الشافعي، اختاره جماعة من أصحابه) [إعلام الموقعين 4/ 86]. - وقال ابن مفلح: (وإن حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا أو جاهلا، واختار الشيخ وقاله في «المحرر» بالمحلوف (1) = حنث في عتق وطلاق فقط، اختاره الأكثر، وذكروه المذهب، وعنه: في يمين مكفرة، وعنه: لا حنث، ويمينه باقية، وهو أظهر، وقدمه في «الخلاصة»، وهو في «الإرشاد» عن بعض أصحابنا، واختاره شيخنا، وقال شيخنا: رواتها بقدر رواة التفرقة، وهذا (2) يدل أن أحمد جعله حالفا لا معلقا، والحنث لا يوجب وقوع المحلوف به) [الفروع 6/ 389 (11/ 59)] (3). _________ (1) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل: 186/أ): (إذا قيد الجهل بالمحلوف عليه خرج من ذلك ما لو فعله جاهلا باليمين، ومقتضى إطلاقه الأول أنهما سواء). (2) في ط 1 والنسخة الخطية (ص 368): (وأن هذا)، والمثبت من ط 2. (3) «الفتاوى» (33/ 208)، «الاختيارات» للبعلي (389).
(2/1004)
1387 - إذا حلف على غيره ليفعلن كذا فلم يفعل: 1388 - والخوف من استيلاء العدو إكراه على الخروج: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا فيمن حلف على غيره ليفعلنه فخالفه لم يحنث إن قصد إكرامه لا إلزامه به لأنه كالأمر، ولا يجب، لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر بوقوفه في الصف ولم يقف، ولأن أبا بكر أقسم عليه ليخبرنه بالصواب والخطأ لما فسر الرؤيا، فقال: «لا تقسم»، لأنه علم أنه لم يقصد الإقسام عليه مع المصلحة المقتضية للكتم. وقال: إن لم يعلم المحلوف عليه بيمينه فكناس، وعدم حنثه هنا أظهر. وقال: خوف استيلاء العدو إكراه على الخروج) [الفروع 6/ 390 (11/ 60 - 61)] (1). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (387، 390).
(2/1005)
باب النذر والوعد والعهد
1389 - حكم النذر: - قال ابن مفلح: (وهو (1) مكروه وفاقا، ولا يأت بخير، وقال ابن حامد: لا يرد قضاء، ولا يملك به شيئا محدثا، وتوقف شيخنا في تحريمه) [الفروع 6/ 395 (10/ 66)] (2). 1390 - قوله في النذر وغيره: «على مذهب من يلزم بذلك» ونحو هذا: - قال ابن مفلح: (الثاني (3): نذر لجاج وغضب، وهو تعليقه بشرط يقصد المنع منه أو الحمل عليه، نحو: إن كلمتك، أو إن لم أضربك، فعلي الحج أو العتق، أو مالي صدقة، فإذا وجد شرطه ففي «الواضح»: يلزمه، وعنه: تعيين كفارة يمين، والمذهب: يخير بينها وبينه، نقل صالح: إذا فعل المحلوف عليه فلا كفارة بلا خلاف، ولا يضر قوله: على مذهب من يلزم بذلك، أو لا أقلد من يرى الكفارة ونحوه، ذكره شيخنا، لأن الشرع لا يتغير بتوكيد، ويتوجه فيه: كأنت طالق بتة. قال شيخنا: وإن قصد لزوم الجزاء عند الشرط لزمه مطلقا عند أحمد) [الفروع 6/ 395 - 396 (11/ 68)] (4). _________ (1) أي: النذر. (2) «الاختيارات» للبعلي (475)، وانظر: «الفتاوى» (29/ 161 - 162). (3) أي: النوع الثاني من أنواع النذر. (4) «الفتاوى» (33/ 150 - 151)، «الاختيارات» للبعلي (475 - 476).
(2/1006)
1391 - إذا حلف بمباح أو معصية أو نذرهما: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: إذا حلف بمباح أو معصية لا شيء عليه، كنذرهما، فإن ما لم يلزم بنذره لا يلزم به شيء إذا حلف به، فمن يقول: لا يلزم الناذر شيء لا يلزم الحالف بالأولى، فإن إيجاب النذر أقوى من إيجاب اليمين) [الفروع 6/ 396 - 397 (11/ 68)]. 1392 - إذا قال: إن قدم فلان أصوم كذا: 1393 - وإذا قال: لئن ابتلاني لأصبرن، أو: لئن لقيت عدوا لأجاهدن: - قال ابن مفلح: ( ... وكذا قال شيخنا فيمن قال: إن قدم فلان أصوم كذا: هذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة، لا أعلم فيه نزاعا، ومن قال: ليس بنذر= فقد أخطأ. وقال: قول القائل: لئن ابتلاني لأصبرن، ولئن لقيت عدوا لأجاهدن، ولو علمت أي العمل أحب إلى الله لعملته، نذر معلق بشرط، كقول الآخر: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} الآية [التوبة: 75]، ونظير ابتداء الإيجاب تمني لقاء العدو ويشبهه سؤال الإمارة، فإيجاب المؤمن على نفسه إيجابا لم يحتج إليه بنذر وعهد وطلب وسؤال جهل منه وظلم، وقوله: لئن ابتلاني لصبرت ونحو ذلك، إن كان وعدا والتزاما فنذر، وإن كان خبرا عن الحال ففيه تزكية للنفس وجهل بحقيقة حالها) [الفروع 6/ 397 (11/ 69 - 70)] (1). _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (476).
(2/1007)
1394 - إذا نذر الصدقة بماله: - قال ابن مفلح: (وإن نذر من يستحب له الصدقة بماله يقصد القربة ــ نص عليه ــ أجزأه ثلثه، وعنه: كله، قال في «الروضة»: ليس لنا في نذر الطاعة ما يفي ببعضه إلا هذا الموضع، وعلله غير واحد بأنه تكره الصدقة بكله، واحتجوا للثانية بالخبر: «من نذر أن يطيع الله فليطعه»، وعنه: يشتمل النقد فقط، ويتوجه على اختيار شيخنا كل أحد بحسب عزمه) [الفروع 6/ 398 (11/ 71 - 72)]. 1395 - مصرف مال الصدقة المنذورة: - قال ابن مفلح: (وإن حلف أو نذر: لا رددت سائلا، فقياس قولنا أنه كمن حلف أو نذر الصدقة بماله، فإن لم يتحصل له إلا ما يحتاجه فكفارة يمين، وإلا تصدق بثلث الزائد. وحبة بر ليست سؤال السائل، والمقاصد معتبرة، ويحتمل خروجه من نذره بحبة بر، لتعليق حكم الربا عليها، ذكره في «الفنون»، وأن حنبليا آخر قال: إن لم يجد وعد، فإن الرد لا يتحقق مع العدة، فلا يقال: رد الفقير والساعي والغريم. ومصرفه كالزكاة، ذكره شيخنا (1)) [الفروع 6/ 399 _________ (1) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (تنبيه: لما ذكر المصنف إذا نذر الصدقة بكل ماله ونحوه، قال بعد ذلك: «ومصرفه كزكاة، ذكره شيخنا» واقتصر عليه، وقد ذكر المصنف في باب الحيض لما ذكر كفارة الوطء فيه، وما يجب بذلك قال: «وهو كفارة، قال الأكثر: يجوز إلى مسكين واحد، كنذر مطلق، وذكر شيخنا وجها، ومن له أخذ الزكاة لحاجته» انتهى، فجعل النذر المطلق يجوز صرفه إلى مسكين واحد، ولم يحك خلافا، وحكي عن الأصحاب أن المساكين مصرف الصدقات، وحقوق الله من الكفارات ونحوها، فإذا وجدت صدقة غير معينة الصرف انصرفت إليهم، كما لو نذر صدقة مطلقة).
(2/1008)
(11/ 73)] (1). 1396 - إذا نذر شيئا لمكان يعظمه أو لسكانه أو للمضافين إلى ذلك المكان: - قال ابن مفلح: (ومن يعظم شجرة أو جبلا أو مغارة أو قبرا إذا نذر له أو لسكانه أو للمضافين إلى ذلك المكان لم يجز، ولا يجوز الوفاء به إجماعا، قاله شيخنا، كقبر وكصدقته بمال غيره وشرب خمر وصوم يوم حيض) [الفروع 6/ 401 - 402 (11/ 76)] (2). 1397 - إذا نذر ذبح ولده أو نفسه: - قال ابن مفلح: (ونص أنه إن نذر ذبح ولده أو نفسه ذبح كبشا, قيل: مكانه، وقيل: كهدي، ونقل حنبل: يلزمانه, وعنه: إن قال إن فعلته فعلي كذا أو نحوه وقصد اليمين فيمين, وإلا فنذر معصية فيذبح في مسألة الذبح كبشا, اختاره شيخنا، وقال: عليه أكثر نصوصه. قال: وهو مبني على الفرق بين النذر واليمين، ولو نذر طاعة حالفا بها أجزأه كفارة يمين, بلا خلاف عن أحمد, فكيف لا يجزئه إذا نذر معصية حالفا بها؟! فعلى هذا على رواية حنبل يلزمان الناذر, والحالف يجزئه كفارة يمين, فتصير ستة أقوال) [الفروع 6/ 402 - 403 (11/ 77 - 78)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (476). (2) «الفتاوى» (24/ 319؛ 27/ 77)، «الاختيارات» للبعلي (476). (3) «الاختيارات» للبعلي (479) , وانظر: «جامع المسائل» (2/ 220)، «الفتاوى» (35/ 344).
(2/1009)
1398 - النذر لشيخ معين حي للاستعانة وقضاء الحاجة منه: - قال ابن مفلح: (وقدم ابن رزين: نذر معصية لغو، قال: ونذره لغير الله تعالى كنذره لشيخ معين حي للاستعانة وقضاء الحاجة منه كحلفه بغيره، وقال غيره: هو نذر معصية، وقاله شيخنا أيضا) [الفروع 6/ 403 - 404 (11/ 78)] (1). 1399 - إذا نذر قنديل نقد للنبي - صلى الله عليه وسلم -: 1400 - وإذا نذر شيئا للقبور: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا فيمن نذر قنديل نقد للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يصرف لجيران النبي - صلى الله عليه وسلم - قيمته، وأنه أفضل من الختمة، ويتوجه كمن وقفه على مسجد، لا يصح فكفارة يمين، على المذهب، وقيل: يصح ويكسر، وهو لمصلحته. وقال أيضا في النذر للقبور: هو للمصالح ما لم يُعلم ربُّه (2)، وفي الكفارة الخلاف، وأن من الحسن صرفه في نظيره من المشروع) [الفروع 6/ 404 (11/ 78)] (3). 1401 - فعل المعصية المنذورة لا يسقط الكفارة: - قال ابن مفلح: (فإن فعل المعصية لم يكفر، نقله مهنا، واختار القاضي: بلى، لبطلان الصلاة بدار غصب، وقيل: حتى المحلوف عليها، _________ (1) «الفتاوى» (11/ 504؛ 33/ 123). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (فظاهره إن علم ربُّه ردَّ إليه). (3) «الاختيارات» للبعلي (476).
(2/1010)
واختاره شيخنا) [الفروع 6/ 404 (11/ 79)] (1). 1402 - إذا نذر عبادة في زمن معين فانتقل إلى أفضل: - قال ابن مفلح: (وإن نذر عبادة وطاعة لزمه (2)، وذكر أبو يعلى الصغير عن بعض أصحابنا: إن وجب جنسها بالشرع وإلا فلا، وقيل: إن نذر الحج ماشيا، أو الصلاة بالبقرة، أو في جماعة، أو يعود مريضا، أو يشهد جنازة، أو يسلم على زيد، احتمل اللزوم والتخيير، وفي «الترغيب»: إن نذر صفة في الواجب، كحجه ماشيا، والصلاة بقراءة كثيرة، احتمل وجهين: اللزوم وعدمه، فيكفر، قال: ولو نذر الجهاد في جهة لزمه فيها، ومثله تجهيز ميت وغيره، فأما ما لا مال فيه، كصلاة جنازة، والأمر بمعروف، فالظاهر لزومه. وإن عين وقتا تعين، ولا يجزئه قبله «و: هـ» كيوم يقدم فلان «و»، وله تقديم الصدقة «و»، وعند شيخنا: الانتقال إلى زمن أفضل، وأن من نذر صوم الاثنين والخميس فله صوم يوم وإفطار يوم، كالمكان. قال: واستحب أحمد لمن نذر الحج مفردا أو قارنا أن يتمتع، لأنه أفضل كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بذلك في حجة الوداع) [الفروع 6/ 407 - 408 (11/ 83 - 84)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (479). (2) في ط 1: (لزمته)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص 361). (3) «الاختيارات» للبعلي (477) , وانظر: «الفتاوى» (25/ 289 - 290)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (23).
(2/1011)
1403 - إذا نذر شيئا فلم يقدر عليه: - قال ابن مفلح: (وكذا أطلق شيخنا فقال: القادر على فعل المنذور يلزمه وإلا فله أن يكفر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كفارة النذر كفارة يمين»، ولأمره لأخت عقبة بن عامر أن تمشي وتكفر) [الفروع 6/ 411 (11/ 88)] (1). 1404 - إذا نذر الطواف على أربع: - قال ابن مفلح: (وإن نذر الطواف فأقله أسبوع، وإن نذر الطواف على أربع فطوافان، نص عليه، قال شيخنا: هذا بدل واجب) [الفروع 6/ 414 (11/ 91)] (2). 1405 - الوفاء بالوعد: - قال ابن مفلح: (ولا يلزم الوفاء بالوعد، نص عليه «و: هـ ش» لأنه يحرم بلا استثناء، لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23 - 24] ولأنه في معنى الهبة قبل القبض، وذكر شيخنا وجها: يلزم، واختاره) [الفروع 6/ 415 (11/ 92)] (3). _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (478). (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (478). (3) «الاختيارات» للبعلي (479).
(2/1012)
كتاب القضاء
1406 - حكم تولي القضاء: - قال ابن مفلح: (وهو فرض كفاية كالإمام، على الأصح، قال شيخنا: وقد أوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، وهو تنبيه على أنواع الاجتماع، والواجب اتخاذها دينا وقربة، فإنها من أفضل القربات، وإنما فسد حال الأكثر لطلب الرياسة والمال بها، ومن فعل ما يمكنه لم يلزمه ما يعجز عنه) [الفروع 6/ 417 (11/ 97)] (1). 1407 - ما يستفيده القاضي بولايته: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: ما يستفيده بالولاية لا حد له شرعا، بل يتلقى من اللفظ والأحوال والعرف) [الفروع 6/ 420 (11/ 100)] (2). 1408 - يجوز لغير المجتهد الإفتاء بالتقليد عند الحاجة: - قال ابن مفلح: ( ... واختار في «الترغيب»: ومجتهدا في مذهب إمامه للضرورة، واختار في «الإفصاح» و «الرعاية»: أو مقلدا، وقيل فيه: يفتي ضرورة، وقال ابن بشار: ما أعيب على من يحفظ خمس مسائل لأحمد يفتي بها، وظاهر نقل عبد الله: يفتي غير مجتهد، ذكره القاضي، وحمله شيخنا على الحاجة) [الفروع 6/ 422 (11/ 104 - 105)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (480). (2) «الفتاوى» (28/ 68) , «الاختيارات» للبعلي (480). (3) انظر: «المسودة» (2/ 925 - 926).
(2/1013)
1409 - الحكم والفتيا بالهوى: 1410 - والحكم والفتيا بقول أو وجه من غير نظر في الترجيح: - قال ابن مفلح: (ويحرم الحكم والفتيا بالهوى إجماعا، وبقول أو وجه من غير نظر في الترجيح إجماعا، ويجب أن يعمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه إجماعا، قاله شيخنا) [الفروع 6/ 423 (11/ 107)] (1). 1411 - اشتراط الورع في القاضي: - قال ابن مفلح: (وقال الخرقي وصاحب «الروضة» والحلواني وابن رزين وشيخنا: ورعا (2)) [الفروع 6/ 423 (11/ 107)] (3). 1412 - أركان الولاية: 1413 - وشروط القاضي تعتبر حسب الإمكان: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: الولاية لها ركنان: القوة والأمانة، فالقوة في الحكم ترجع إلى العلم بالعدل وتنفيذ الحكم، والأمانة ترجع إلى خشية الله تعالى. وهذه الشروط تعتبر حسب الإمكان، ويجب تولية الأمثل فالأمثل، وأن على هذا يدل كلام أحمد وغيره، فيولى لعدم أنفع الفاسقين وأقلهما شرا، وأعدل المقلدين وأعرفهما بالتقليد، وهو كما قال، فإن المروذي نقل فيمن قال: لا أستطيع الحكم بالعدل: يصير الحكم إلى أعدل منه. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (480). (2) أي: يشترط في القاضي أن يكون ورعا. (3) «الاختيارات» للبعلي (481).
(2/1014)
قال شيخنا: قال بعض العلماء: إذا لم يوجد إلا فاسق عالم، أو جاهل دين قدم ما الحاجة إليه أكثر إذن) [الفروع 6/ 423 - 424 (11/ 107)] (1). 1414 - الترجيح بين الأقوال بالنظر في الأدلة: 1415 - وابتداء الحاكم الناس بقهرهم على ترك ما يسوغ فيه الخلاف: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وأكثر من تميز في العلم من المتوسطين إذا نظر وتأمل أدلة الفريقين بقصد حسن، ونظر تام = ترجح عنده أحدهما، لكن قد لا يثق بنظره، بل يحتمل أن عنده ما لا يعرف جوابه، والواجب على مثل هذا موافقته للقول الذي ترجح عنده بلا دعوى منه للاجتهاد، كمجتهد في أعيان المفتين والأئمة إذا ترجح عند أحدهما قلده. والدليل الخاص الذي يرجح به قولا على قول أولى بالاتباع من دليل عام على أن أحدهما أعلم وأدين، وعلم أكثر الناس بترجيح قول على قول في أكثر الأمور أيسر من علم أحدهم بأن أحدهما أعلم وأدين (2)؛ لأن الحق واحد ولا بد، ويجب أن ينصب الله على الحكم دليلا، وأدلة الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع، وتكلم فيها الصحابة وإلى اليوم (3) بقصد حسن، بخلاف الإمامين (4). _________ (1) «الفتاوى» (28/ 253 - 258) , «الاختيارات» للبعلي (480 - 481). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: تحصيل الراجح من الخلاف بالنظر بالدليل ومعرفته أيسر على الإنسان من تحصيل أي الإمامين أعلم وأدين حتى يأخذ بقوله ويقلده). (3) في ط 1: (وإلى الآن)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص 374). (4) كذا في ط 1 وط 2 والنسخة الخطية (ص 374) , وفي «الاختيارات» للبعلي: (الإمامية)، ويبدو أن معنى العبارة: أن نصب الأدلة على المسائل أظهر وأبين من نصب الأدلة على الأعلم والأدين من الإمامين المختلفين، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الحاشية المنقولة عن ابن قندس، والله أعلم.
(2/1015)
وقال أيضا: النبيه الذي سمع اختلاف العلماء وأدلتهم في الجملة عنده ما يعرف به رجحان القول. قال: وليس لحاكم وغيره أن يبتدئ الناس بقهرهم على ترك ما يسوغ وإلزامهم برأيه واعتقاده، اتفاقا، فلو جاز هذا لجاز لغيره مثله وأفضى إلى التفرق والاختلاف) [الفروع 6/ 425 - 426 (11/ 109 - 110)] (1). 1416 - الناظر المجرد يكون حاكيا لما رآه لا مفتيا: - قال ابن مفلح: (والعامي يخبر فقط فيقول: مذهب فلان كذا، ذكره ابن عقيل وغيره، وكذا قال شيخنا: الناظر (2) المجرد يكون حاكيا لما رآه لا مفتيا) [الفروع 6/ 428 (11/ 112)] (3). 1417 - لا يستفتى إلا من يفتي بعلم وعدل: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: لا يجوز استفتاء إلا ممن يفتي بعلم وعدل) [الفروع 6/ 429 (11/ 113)] (4). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (481 - 482)، وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (554 - 555). (2) كذا في ط 1 وط 2 والنسخة الخطية (ص 374) و «الإنصاف» (11/ 144) , وفي «الفتاوى»: (الناقل). (3) «الفتاوى» (26/ 203). (4) «الاختيارات» للبعلي (481).
(2/1016)
1418 - تعزير من يسأل بقصد التغليط لا الاستفتاء: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا ــ فيمن سأله عن رجل استولد أمة ثم وقفها في حياته هل يكون وقفا بعد موته؟ ــ قال: السائل لهذه المسألة يستحق التعزير البليغ الذي يزجره وأمثاله من الجهال عن مثل هذه الأغلوطات، فإن هذا السائل إنما قصد التغليط لا الاستفتاء، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أغلوطات المسائل، إذ لو كان مستفتيا لكان حقه أن يقول: هل يصح وقفها أم لا؟ أما سؤاله عن الوقف بعد الموت فقط مع ظهور حكمه فتلبيس على المفتي، وتغليط حتى أظن أن وقفها في الحياة صحيح) [الفروع 6/ 429 (11/ 114)]. 1419 - رد المفتي للفتيا: - قال ابن مفلح: (وإن حدث ما لا قول فيه تكلم فيه حاكم ومجتهد ومفت، وقيل: لا يجوز، وقيل: في الأصول، وله رد الفتيا إن كان بالبلد قائم مقامه، وإلا لم يجز (1)، وإن كان معروفٌ (2) عند العامة بالفتيا وهو جاهل تعين الجواب. وقال شيخنا: الأظهر: لا يجب في التي قبلها (3)، كسؤال عامي عما لم _________ (1) في ط 1 وط 2 والنسخة الخطية (375): (لم تجز)، والتصويب من «حاشية الفروع» لابن قندس. (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: («كان» تامة، و «معروفٌ» اسمها، أي: وإن وجد معروفٌ عند العامة بالفتيا وهو جاهل لم يجز لمن هو أهل رد الفتيا، خوفا من أن يفتي بها الجاهل). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (وهي: ما إذا لم يكن في البلد من يقوم مقامَه، قد ذكر المصنف أنه لا يجوز رد الفتيا بقوله: «وإلا لم يجز» والشيخ يقول: إذا كانت المسألة مما لم يقع لا يجب الجواب، وما ذكره الشيخ هو مقتضى كلام أحمد السابق لما سئل عن مسألة اللعان، فإنه قال: سل رحمك الله عما تنتفع به).
(2/1017)
يقع) [الفروع 6/ 433 - 434 (11/ 119 - 120)]. 1420 - عزل القاضي: 1421 - وعزل الوالي أو وكيل بيت المال والمحتسب ونحوهم: - قال ابن مفلح: (وإن زالت ولاية المولِّي (1) أو عزل من ولاه أو غيره المستحق للولاية، والأشهر: بل الصالح لها، لم ينعزل الحاكم، لأنه عقدٌ لمصلحة المسلمين، كعقده نكاح موليته لم يفسخه، ذكره الشيخ، وقيل: بلى، كنائبه بزوال ولاية مستنيبه (2)، وفيه في «الأحكام السلطانية» قول: لا، واختاره في «الترغيب»، وجزم بأنه ينعزل نائبه في أمر معين من سماع شهادة معينة، وإحضار مستعدًى عليه. فعلى هذا الوجه لو عزله في حياته لم ينعزل، وقيل: لا ينعزل بموته بل بعزله، اختاره جماعة، قال في «المغني»: كالوالي، قال شيخنا: كعقد وصي وناظر عقدا جائزا، كوكالة وشركة ومضاربة. ومثله كل عقد لمصلحة المسلمين، كوال، ومن ينصبه لجباية مال وصرفه، وأمر الجهاد ووكيل بيت المال والمحتسب، ذكره شيخنا، وهو _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (المراد به هنا: الإمام، قيده بذلك في «المحرر» ... الخ). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (المراد هنا بالمستنيب غير الإمام، كما إذا كان قاضيا ... الخ).
(2/1018)
ظاهر كلام غيره. وقال أيضا في الكل: لا ينعزل بانعزال المستنيب وموته حتى يقوم غيرُه مقامَه) [الفروع 6/ 436 - 437 (11/ 123 - 124)] (1). 1422 - إذا حكَّم الخصمان بينهما من يصلح له: 1423 - وإذا حكَّم أحدهما خصمه: 1424 - وإذا حكَّما مفتيا في مسألة اجتهادية: - قال ابن مفلح: (وإن حكَّما بينهما من يصلح له نفذ حكمه وهو كحاكم الإمام، وعنه: لا ينفذ في قود وحد قذف ولعان ونكاح، وظاهر كلامه: ينفذ في غير فرج، كتصرفه ضرورة في تركة ميت في غير فرج، ذكره ابن عقيل في «عمد الأدلة»، واختار شيخنا نفوذ حكمه بعد حكم حاكم لا إمام، وأنه إن حكَّم أحدهما خصمه (2)، أو حكَّما مفتيا في مسألة اجتهادية _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (487). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال في «الاختيارات»: وإذا حكم أحد الخصمين لخصمه جاز، لقصة ابن مسعود، وكذا إن حكّما مفتيا في مسألة اجتهادية، وهل يفتقر ذلك إلى تعيين الخصمين وحضورهما، أو يكفي وصف القضية له؟ الأشبه: أنه لا يفتقر، بل إذا تراضيا بقوله في قضية موصوفة مطابقة لقضيتهم فقد لزم. ولم يذكر ما ذكره المصنف من قوله: «نفوذ حكمه بعد حكم حاكم لا إمام»، قال المصنف: «واختار شيخنا نفوذ حكمه بعد حكم حاكم لا إمام» فلعله: «نفوذ حكمه لعدم حاكم» لكن الموجود في النسخ كما في الأصل، وقد تقدم أنه لم يذكر هذا في «الاختيارات»، فإن كان اللفظ: «نفوذ حكمه لعدم حاكم» فهو واضح، وإن كان ما في الأصل صحيحا، فالمعنى الظاهر منه: أنه لا ينفذ إلا بعد حكم حاكم يحكم بأنه نافذ، ويكون ذلك من باب ما إذا كان نفس الحكم مختلفا فيه، لا يلزم تنفيذه إلا أن يحكم به حاكم، كالحكم على الغائب، والحكم بالشاهد واليمين، على ما ذكره صاحب «المحرر»، والظاهر أن الأول أولى، وأن اللفظ حصل فيه تغيير، والله أعلم).
(2/1019)
جاز، وأنه يكفي وصف القصة له، يؤيده قول أبي طالب: نازعني ابن عمي الأذان فتحاكمنا إلى أبي عبد الله، قال: اقترعا. قال شيخنا: خصوا اللعان لأنه فيه دعوى وإنكارا، وبقية الفسوخ كإعسار قد يتصادقان فيكون الحكم إنشاء لا إبداء، ونظيره لو حكَّماه في التداعي بدين، وأقر به الورثة) [الفروع 6/ 440 - 441 (11/ 130)].
(2/1020)
باب أدب القاضي
1425 - من كسب مالا محرما برضا الدافع ثم تاب: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا فيمن كسب مالا محرما برضا الدافع ثم تاب ــ كثمن خمر، ومهر بغي، وحلوان كاهن ــ: أن له ما سلف، للآية، ولم يقل الله: فمن أسلم، ولا من تبين له التحريم. قال أيضا: لا ينتفع به، ولا يرده لقبضه عوضه، ويتصدق به، كما نص عليه أحمد في حامل الخمر. وقال في مال مكتسب من خمر ونحوه: يتصدق به، فإذا تصدق به فللفقير أكله، ولولي الأمر أن يعطيه أعوانه. وقال أيضا فيمن تاب: إن علم صاحبه دفعه إليه وإلا صرفه في مصالح المسلمين، وله مع حاجته أخذ كفايته. وفي «رده على الرافضي» في بيع سلاح في فتنة وعنب لخمر: يتصدق بثمنه، وأنه قول محققي الفقهاء، كذا قال، وقوله مع الجماعة أولى (1)) [الفروع 6/ 448 - 449 (11/ 140 - 141)] (2). وانظر: ما سبق برقم (785). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: قول ما يوافق قول الجماعة من هذه الأقوال المخالفة لقولهم لما ذكر المصنف من الأحاديث والآثار) ا. هـ وكأن في العبارة خللا، والله أعلم. (2) انظر: «منهاج السنة» (6/ 78) , «تفسير آيات أشكلت» (2/ 574 - 596) , «مختصر الفتاوى المصرية» (362 - 363)، «الاختيارات» للبعلي (242).
(2/1021)
1426 - إذن الحاكم: - قال ابن مفلح: ( ... وسبق (1) قول شيخنا: الحاكم ليس هو الفاسخ، وإنما يأذن أو يحكم به، فمتى أذن أو حكم لأحد باستحقاق عقد أو فسخ فعقد أو فسخ لم يحتج بعد ذلك إلى حكم بصحته، بلا نزاع، لكن لو عقد هو أو فسخ فهو فعله، وهل فعله حكم؟ فيه الخلاف المشهور. هذا كلامه (2)) [الفروع 6/ 454 (11/ 147)] (3). 1427 - فعل الحاكم حكم: 1428 - وإذا حكم الحاكم بصحة فعله: - قال ابن مفلح: (وفعله (4) حكم، كتزويج يتيمة (5)، وشراء عين غائبة، وعقد نكاح بلا ولي، ذكره الشيخ في عقد النكاح بلا ولي وغيره، وذكره شيخنا أصح الوجهين ... وذكر الأصحاب في القسمة والمطلقة المنسية: أن قرعة الحاكم كحكمه لا سبيل إلى نقضه، وفي «التعليق» و «المحرر»: فعله حكم إن حكم به هو أو غيره (6) «و» كفتياه، فإذا قال: _________ (1) انظر: رقم (1009). (2) نقل ابن قندس هنا في حاشيته كلاما طويلا عن ابن شيخ السلامية حول فعل الحاكم هل هو حكم أم لا؟ (3) انظر: «الفتاوى» (30/ 57). (4) أي: الحاكم. (5) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يحتمل أن مراده بالعين الغائبة المبيع بالصفة، فإنه مختلف فيه، وكذلك تزويج اليتيمة فيه خلاف). (6) انظر: «حاشية الفروع» لابن قندس.
(2/1022)
حكمت بصحته= نفذ حكمه باتفاق الأئمة، قاله شيخنا) [الفروع 6/ 454 - 455 (11/ 149 - 150)] (1). 1429 - نقض حكم الحاكم غير الصالح: - قال ابن مفلح: (ومَنْ لم يصلح نُقض حكمه، نقل عبد الله: إن لم يكن عدلا لم يجز حكمه، وقيل: غير الصواب (2)، قدَّمه في «الترغيب» واختاره شيخنا وفاقا لأبي حنيفة ومالك) [الفروع 6/ 457 (11/ 154 - 155)] (3). 1430 - الشهادة قبل حضور الخصم: - قال ابن مفلح: (ومن ادعى قبله (4) شهادة لم تسمع، ولم يعد عليه، _________ (1) انظر: «الفتاوى» (30/ 57 - 58). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (التقدير: نقض حكمه، وقيل: غير الصواب، قال في «شرح المقنع»: المخالفة للصواب تنقض كلها، سواء كانت مما يسوغ فيه الاجتهاد أو لا يسوغ، لأن حكمه غير صحيح، وقضاؤه كلا قضاء، لعدم شرط القضاء فيه، وليس في نقضه نقض الاجتهاد بالاجتهاد، لأن الأول ليس باجتهاد. وأما ما وافق الصواب، فذكر أن أبا الخطاب ذكر أنه ينقض، لأن وجود قضائه كعدمه، قال ــ أي: صاحب «الشرح الكبير» 28/ 387 ــ: وقال شيخنا: لا ينقض، لعدم الفائدة في نقضه، فإن الحق وصل إلى مستحقه، ولو وصل الحق إلى مستحقه بطريق القهر من غير حكم لم يعتبر ذلك، فكذلك إذا كان نقضا، لأن وجوده كعدمه. وذكر في «الاختيارات»: هل تنفذ المجتهدات من أحكامه أم يتعقبها العالم العادل؟ هذا فيه نظر). (3) «الاختيارات» للبعلي (488 - 489). (4) أي: قبل حضور الخصم, والله أعلم.
(2/1023)
ولم يحلف، خلافا لشيخنا في ذلك وأنه ظاهر نقل صالح وحنبل، وقال: ولو قال أنا أعلمها ولا أؤديها فظاهر، ولو نكل لزمه ما ادعى به إن قيل كتمانها موجب لضمان ما تلف، ولا يبعد، كما يضمن من ترك الإطعام الواجب، وكونه لا يحصل المقصود لفسقه بكتمانه لا ينفي ضمانه في نفس الأمر) [الفروع 6/ 459 (11/ 158 - 159)] (1). _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (434).
(2/1024)
باب طريق الحكم وصفته
1431 - إذا شهدت البينة أنه كان ملكه بالأمس اشتراه من رب اليد: 1432 - ومن بيده عقار فادعى رجل بمثبوت عند الحاكم أنه كان لجده إلى يوم موته ثم لورثته: 1433 - ومن بيده عقار فادعى آخر أنه كان ملكا لأبيه: 1434 - ومن شهدت له البينة بملكه إلى حين وقفه، وأقام وارث بينة بأن موروثه اشتراه من الواقف قبل وقفه: - قال ابن مفلح: (وإن ادعى أنه له الآن لم تسمع بينته أنه كان له أمس أو في يده، في الأصح، حتى يبين سبب يد الثاني نحو غاصبه، بخلاف ما لو شهدت أنه كان ملكه بالأمس اشتراه من رب اليد فإنه يقبل، وقال شيخنا: على القول الصحيح إن قال: «ولا أعلم له مزيلا» قبل، كعلم الحاكم أنه يُلبِّسُ عليه (1)، ولم يقل أحد فيما أعلم أنه يعتبر قول الشاهد، وهو باق في ملكه إلى الآن (2). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: كعلم الحاكم أن الشاهد الذي يشهد أنه كان ملكه بالأمس يلبس على الحاكم، فإنه لا يقبله، والصورة الشبيهة بهذه الصورة ــ والله أعلم ــ هي الصورة المفهومة من التقييد بالشرط، وهو قوله: «إن قال: ولا أعلم له مزيلا» ففهم منه أنه إن لم يقل ذلك لا يقبل، كما لا يقبل إذا علم الحاكم من الشاهد أنه يلبس عليه بهذه الشهادة، فيكون تقدير الكلام: إن قال: «ولا أعلم له مزيلا» قبل، وإلا فلا، كعلم الحاكم أنه يلبس عليه). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال أبو العباس: ولا يعتبر في أداء الشهادة، وأن الدين باق في ذمة الغريم إلى الآن، بل يحكم الحاكم باستصحاب الحال، إذا ثبت عنده سبق الحق إجماعا).
(2/1025)
وقال فيمن بيده عقار فادعى رجل بمثبوت عند (1) الحاكم أنه كان لجده إلى يوم موته ثم لورثته، ولم يثبت أنه مخلف عن موروثه: لا ينزع منه بذلك، لأن أصلين تعارضا، وأسباب انتقاله أكثر من الإرث، ولم تجر العادة بسكوتهم المدة الطويلة، ولو فتح هذا لانتزع كثير من عقار الناس بهذه الطريق. وقال في من بيده عقار فادعى آخر أنه كان ملكا لأبيه، فهل يسمع بغير بينة؟ قال: لا، إلا بحجة شرعية أو إقرار من هو بيده أو تحت حكمه. وقال في بينة شهدت له بملكه إلى حين وقفه وأقام وارث بينة بأن موروثه اشتراه من الواقف قبل وقفه: قدمت بينة وارث، لأن معها مزيد علم، كتقديم من شهد بأنه ورثه من أبيه وآخر بأنه باعه) [الفروع 6/ 462 (11/ 164 - 165)] (2). 1435 - اليمين على حق الله إذا تعلق بها حق آدمي: - قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين: فأما حقوق الله تعالى إذا تعلق بها حق آدمي معين أو غير معين، على الفرق بين الزكاة وغيرها، مثل أن يُدعَى على من يطلب ولاية المال أو النكاح أو الحضانة أنه فاسق، فينكر ذلك، فيحلف، فإن مضمون اليمين الحلف على استحقاق الولاية، أو على نفي ما يدفعها، وهو بمنزلة أن يدعى على الحاضنة أنها تزوجت فتنكر، أو تدعي على الولي أن ثمَّ وليًّا أقرب منه. _________ (1) في ط 1 والنسخة الخطية (ص 380): (على)، والمثبت من ط 2. (2) «الاختيارات» للبعلي (492 - 493).
(2/1026)
وكذا لو ادعى القريب الإرث، فقيل: إنه رقيق، فهل يحلف على نفي الرق كما يحلف لو ادعاه مدع؟ وكذلك لو تعلق بصلاته وصيامه حق الغير، مثل تعليق طلاق أو عتق به، ونحو ذلك، فهل يحلف على فعل ذلك؟ لكن هنا الحق المتعلق به ليس له ولاء (1) عليه، فهو أمين محض، بخلاف ما إذا كان الحق له أو عليه. وكذلك إذا ادعى المشهود عليه فسق الشاهد مفسرًا أو مطلقا، فهل له أن يحلفه على نفي ذلك السبب، أو على نفي الفسق؟ وكذلك إذا ادعى في الشاهد ما يوجب رد الشهادة: من قرابة، أو عداوة، أو تبرع، أو صداقة ملاطفة ــ على القول بها ــ وأنكر الشاهد ذلك، فهل له أن يحلف الشاهد على نفي ذلك؟ وسواء كان الشاهد مزكيًا، أو جارحا لشاهد، أو وال، فادعى عليه تهمة توجب رد التزكية والجرح، أو شاهد بغير صفة الشاهد والوالي. ولا يقال: الشاهد لا يحلف، فإنما ذلك إذا ثبت ما يوجب قبول شهادته. لكن يقال: لا بد أن يعلم الحاكم ما يقبل معه في الظاهر، ثم الشأن في وجود المعارض في الباطن، أو فوات بعض الشروط في الباطن، وإن لم يحلف الشاهد، فهل يحلف المشهود له بأنه لا يعلم هذا القادح؟ _________ (1) في ط 2: (ولا) , وفي حاشيتها: (في الأصل و «م»: «ولاء» ولعل المثبت هو الصواب) ا. هـ.
(2/1027)
وهذا متوجه إذا استحلفناه على ما شهد به في إحدى الروايتين، التي قضى بها علي - رضي الله عنه - وابن أبي ليلى. واليمين على حق الله المتعلق بها حق آدمي لها أصل في الشريعة، وهو اللعان، فإن دعوى الزنا دعوى ما يوجب الحد والقياس أن لا يمين فيها، لكن شرعت إذا ادعاه الزوج، لأن له حقًا في ذلك، وهو إفساد فراشه، وإفساد العارية، كما أقيمت يمينه مقام شهادة غيره في درء الحد عنه. وهكذا دعوى السرقة لا يحلفه على ما ينفي القطع، لكن على ما ينفي استحقاق المال، فينبغي أن يحلف أنه ما أخذ المال، لا أنه ما سرق، بخلاف القصاص وحد القذف، وأما اليمين في المحاربة (1)) [النكت على المحرر: 2/ 224 - 226 (3/ 58 - 60)]. 1436 - تحرير الدعوى: 1437 - والدعوى على مبهم: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا أن مسألة تحرير الدعوى وفروعها ضعيفة، لحديث الحضرمي (2)، وأن الثبوت المحض يصح بلا مدعى عليه. وقال: إذا قيل: لا تسمع إلا محررة فالواجب أن من ادعى مجملا استفصله الحاكم. وقال بأن المدعى عليه قد يكون مبهما، كدعوى الأنصار قتل _________ (1) كذا بالأصل. (2) أورده ابن قندس في «حاشيته على الفروع».
(2/1028)
صاحبهم (1)، ودعوى المسروق منه على بني الأبيرق (2)، ثم المجهول قد يكون مطلقا وقد ينحصر في قوم، كقولها: نكحني أحدهما، وقوله: زوجتي إحداهما. وقال فيمن ادعى على خصمه أن بيده عقارا استغله مدة معينة وعينه وأنه يستحقه فأنكر وأقام بينة باستيلائه لا باستحقاقه: لزم الحاكم إثباته والإشهاد به، كما يلزم البينة أن تشهد به، لأنه كفرع مع أصل، وما لزم أصلا الشهادة به لزم فرعه حيث يقبل، ولو لم يلزم إعانة مدع بشهادة وإثبات ونحوه إلا بعد ثبوت استحقاقه لزم الدور، بخلاف الحكم وهو الأمر بإعطائه ما ادعاه، ثم إن أقام بينة بأنه المستحق وإلا فهو كمال مجهول يصرف في المصالح) [الفروع 6/ 463 - 464 (11/ 167 - 170)] (3). 1438 - لو قال لمدعي دينارا: «لا يستحق علي حبة»: - قال ابن مفلح: (ولو قال المدعي (4) دينارا: لا يستحق علي حبة، فعند ابن عقيل: ليس بجواب، لأنه لا يكتفى في دفع الدعوى إلا بنص لا بظاهر، ولهذا لو حلف: والله إني لصادق فيما ادعيته عليه، أو حلف المنكر إنه لكاذب فيما ادعاه علي، لم يقبل، وعند شيخنا: يعم الحبات وما لم يندرج في لفظ حبة من باب الفحوى، إلا أن يقال: يعم حقيقة عرفية) [الفروع _________ (1) ذكر ابن قندس في «حاشيته على الفروع» خبرهم. (2) ذكر ابن قندس في «حاشيته على الفروع» خبره بطوله. (3) «الاختيارات» للبعلي (490 - 493). (4) كذا في ط 1 وط 2، وفي «الإنصاف» (11/ 242): (لمدعي) ولعله الصواب، والله أعلم.
(2/1029)
6/ 467 (11/ 175)] (1). 1439 - تسمية البينة: - قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا أن له طلب تسمية البينة ليتمكن من القدح بالاتفاق) [الفروع 6/ 470 (11/ 180)]. 1440 - الناس كلهم عدول إلا العدول: - قال ابن القيم: (ويروى عن ابن المبارك أنه قال: «الناس كلهم عدول إلا العدول» سمعته من شيخنا) [بدائع الفوائد 3/ 91]. 1441 - الجرح بالاستفاضة: 1442 - والفرق بين الجرح لرد الشهادة والولاية، وبين الجرح للتحذير منه: 1443 - وحكم بيان بدعة المبتدع والتحذير منها: - قال ابن مفلح: (والمذهب: لا يسمع جرح لم يبين سببه بذكر قادح فيه عن رؤية أو استفاضة، وفيها وجه: كتزكية، وفيها وجه، واختاره شيخنا. وقال: إن المسلمين يشهدون في مثل عمر بن عبد العزيز والحسن بما لا يعلمونه إلا بالاستفاضة. وقال: إنه لا يعلم في الجرح بالاستفاضة نزاعا بين الناس. قال: وهذا إذا كان فسقه لرد شهادته وولايته، فأما إذا كان المقصود التحذير منه اكتفي بما دون ذلك، كما قال ابن مسعود: اعتبروا الناس _________ (1) «المسودة» (378 - 379).
(2/1030)
بأخدانهم. وبلغ عمر - رضي الله عنه - أن رجلا يجتمع إليه الأحداث فنهى عن مجالسته. وقال: ولا بد من بيان بدعة المبتدع والتحذير منها لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) [الفروع 6/ 472 - 473 (11/ 185 - 186)] (1). 1444 - تحليف المدعى عليه: - قال ابن مفلح: (وإذا قال المدعي: ما لي بينة أعلمه الحاكم بأن له اليمين على خصمه، وله تحليفه مع علمه قدرته (2) على حقه، نص عليه، نقل ابن هانئ: إن علم عنده مالا لا يؤدي إليه حقه أرجو أن لا يأثم، وظاهر رواية أبي طالب: يكره، قاله شيخنا، ونقله من «حواشي تعليق القاضي» (3)، وهذا يدل _________ (1) «الفتاوى» (35/ 413 - 414). (2) في ط 2: (وقدرته)، والمثبت من ط 1. (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (لأن رواية ابن هانئ تدل على ذلك، لأن قوله: «إن علم أن عنده مالا .. أرجو أن لا يأثم» يدل على تحريم تحليف الظالم، لقوله: «لا يأثم» فعدم الإثم دليل على عدم التحريم في حق المستحلف، لكن هل يكره تحليفه لكونه يحلف بالله تعالى، فالمستحلف له يكون سببا للحلف بالله تعالى كاذبا، وهذا يدل على تحريم تحليف البريء دون الظالم، وفي «حواشي تعليق القاضي»: أو لا يكره، لأن اليمين حق للمدعي شرعا، فلا يكره طلب حقه، ظاهر كلام المصنف أن فيه روايتين، المقدم عدم الكراهة لقوله: «وله تحليفه ... نص عليه» ولم يذكر كراهة، ورواية ابن هانئ لم يذكر فيها كراهة، والرواية الأخرى: يكره، لقوله: «وظاهر رواية أبي طالب: يكره، ووجهه - والله أعلم - كون يكون سببا للحلف بالله تعالى كاذبا، وأما دلالته على تحريم تحليف البريء، فإن ظاهره: إذا لم يكن له مال يؤدي منه أنه لا يأثم، لأن المعسر يحرم مطالبته، كما هو مذكور في أول باب التفليس، وإذا كان المعسر يأثم بتحليفه فالبريء الذي ليس عليه شيء أولى بالتحريم، والله أعلم).
(2/1031)
على تحريم تحليف البريء دون الظالم) [الفروع 6/ 475 (11/ 189 - 190)]. - وقال أيضا: (ولا يعتد بيمينه إلا بأمر حاكم بمسألة المدعي طوعا، وعنه: يبرأ بتحليف المدعي، وعنه: ويحلفه له، وإن لم يحلفه، ذكرهما شيخنا من رواية مهنا أن رجلا اتهم رجلا بشيء فحلف له، ثم قال: لا أرضى إلا أن تحلف لي عند السلطان، أله ذلك؟ قال: لا، قد ظلمه وتعنته) [الفروع 6/ 476 (11/ 192)]. - وقال أيضا: (قال الإمام أحمد في رواية إسحاق بن منصور: إذا كان يعلم أن عنده مالًا لا يؤدى إليه حقه، فإن أحلفه أرجو أن لا يأثم. قال القاضي: وظاهر هذا أن له أن يحلفه مع علمه بكذبه. وقال الشيخ تقي الدين: هذا يدل على أن تحليف البريء حرام دون الظالم. وقال أيضًا: إن هذه الرواية تدل على الجواز، وظاهر كلام الإمام أحمد في رواية أبي طالب: الكراهة) [النكت على المحرر: 2/ 226]. 1445 - الحكم بالنكول: 1446 - وتحليف المدعي: 1447 - ورد اليمين عليه: - قال ابن القيم: (قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ورضي عنه: وليس المنقول عن الصحابة - رضي الله عنهم - في النكول ورد اليمين بمختلف، بل
(2/1032)
هذا له موضع، وهذا له موضع، فكل موضع أمكن المدعي معرفته والعلم به، فرد المدعى عليه اليمين= فإنه إن حلف استحق، وإن لم يحلف لم يحكم له بنكول المدعى عليه. وهذا كحكومة عثمان والمقداد، فإن المقداد قال لعثمان: احلف أن الذي دفعته إلي كان سبعة آلاف وخذها، فإن المدعي هنا يمكنه معرفة ذلك، والعلم به، كيف وقد ادعى به؟ فإذا لم يحلف لم يحكم له إلا ببينة أو إقرار. وأما إذا كان المدعي لا يعلم ذلك، والمدعى عليه هو المنفرد بمعرفته، فإنه إذا نكل عن اليمين حكم عليه بالنكول، ولم ترد على المدعي، كحكومة عبد الله بن عمر وغريمه في الغلام، فإن عثمان قضى عليه أن يحلف أنه باع الغلام، وما به داء يعلمه، وهذا يمكن أن يعلمه البائع، فإنه إنما استحلفه على نفي العلم، أنه لا يعلم به داء، فلما امتنع من هذه اليمين قضى عليه بنكوله. وعلى هذا إذا وجد بخط أبيه في دفتره أن له على فلان كذا وكذا، فادعى به عليه، فنكل، وسأله إحلاف المدعي أن أباه أعطاني هذا، أو أقرضني إياه لم ترد عليه اليمين، فإن حلف المدعى عليه، وإلا قضى عليه بالنكول، لأن المدعى عليه يعلم ذلك. وكذلك لو ادعى عليه: أن فلاناً أحالني عليك بمائة، فأنكر المدعى عليه، ونكل عن اليمين، وقال للمدعي: أنا لا أعلم أن فلانا أحالك، ولكن احلف وخذ، فههنا إن لم يحلف لم يحكم له بنكول المدعى عليه. وهذا الذي اختاره شيخنا - رحمه الله - هو فصل النزاع في النكول، ورد اليمين، وبالله التوفيق) [الطرق الحكمية 66].
(2/1033)
- وقال أيضا: (وقال الأوزاعي وشريح وابن سيرين والنخعي: إذا نكل ردت اليمين على المدعي، فإن حلف قضي له، وهذا مذهب الشافعي ومالك، وقد صوَّبه الإمام أحمد، واختاره أبو الخطاب وشيخنا في صورة الحكم بمجرد النكول في صورة) [الطرق الحكمية 89 ـ 90]. - وقال أيضا: (ولما كانت أفهام الصحابة - رضي الله عنهم - فوق أفهام جميع الأمة، وعلمهم بمقاصد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، وقواعد دينه وشرعه أتم من علم كل من جاء بعدهم عدلوا عن ذلك، إلى غير هذه المواضع الثلاثة، وحكموا بالرد مع النكول في موضع، وبالنكول وحده في موضع. وهذا من كمال فهمهم وعلمهم بالجامع والفارق، والحِكَم والمناسبات، ولم يرتضوا لأنفسهم عبارات المتأخرين، واصطلاحاتهم، وتكلفاتهم، فهم كانوا أعمق الأمة علما، وأقلهم تكلفا، والمتأخرون عكسهم في الأمرين. فعثمان بن عفان، قال لابن عمر: احلف بالله، لقد بعت العبد، وما به داء علمته، فأبى، فحكم عليه بالنكول، ولم يرد اليمين في هذه الصورة على المدعي، ويقول له: احلف أنت أنه كان عالما بالعيب، لأن هذا مما لا يمكن أن يعلمه المدعي، ويمكن المدعى عليه معرفته، فإذا لم يحلف المدعى عليه لم يكلف المدعي اليمين. فإن ابن عمر كان قد باعه بالبراءة من العيوب، وهو إنما يبرأ إذا لم يعلم بالعيب، فقال له: احلف أنك بعته، وما به عيب تعلمه، وهذا مما يمكن أن يحلف عليه دون المدعي، فإنه قد تتعذر عليه اليمين أنه كان عالما بالعيب، وأنه كتمه مع علمه به.
(2/1034)
وأما أثر عمر بن الخطاب، وقول المقداد: احلف أنها سبعة آلاف، فأبى أن يحلف فلم يحكم له بنكول عثمان. فوجهه أن المقرض إن كان عالما بصدق نفسه وصحة دعواه حلف وأخذه، وإن لم يعلم ذلك لم تحل له الدعوى بما لا يعلم صحته، فإذا نكل عن اليمين لم يقض له بمجرد نكول خصمه، إذ خصمه قد لا يكون عالما بصحة دعواه، فإذا قال للمدعي: إن كنت عالما بصحة دعواك فاحلف وخذ= فقد أنصفه جد الإنصاف. فلا أحسن مما قضى به الصحابة - رضي الله عنهم -، وهذا التفصيل في المسألة هو الحق، وهو اختيار شيخنا ــ قدس الله روحه ــ) [الطرق الحكمية 94 ـ 95]. - وقال أيضا: (وقولهم: إن الحلف حق، قد وجب عليه، فإذا أبى أن يقوم به ضرب حتى يؤديه. فيقال: إن في اليمين حقاً له، وحقاً عليه، فإن الشارع: مكنه من التخلص من الدعوى باليمين، وهي واجبة عليه للمدعي، فإذا امتنع من اليمين، فقد امتنع من الحق الذي وجب عليه لغيره، وامتنع من تخليص نفسه من خصمه باليمين. فقيل: يحبس، أو يضرب حتى يقر، أو يحلف. وقيل: يقضى عليه بنكوله، ويصير كأنه مقر بالمدعى. وقيل: ترد اليمين على المدعي. والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد، وقول رابع بالتفصيل، كما تقدم، وهو اختيار شيخنا) [الطرق الحكمية 95]. - وقال أيضا: (فأما تحليف المدعي ففي صور:
(2/1035)
أحدها: القسامة، وهي نوعان: قسامة في الدماء ... والثانية: القسامة مع اللوث في الأموال، وقد دل عليها القرآن كما سنذكره إن شاء الله تعالى ... وأما دلالة القرآن على ذلك: فقال شيخنا قدس الله روحه: لما ادعى ورثة السهمي الجام المفضض المخوص وأنكر الوصيان الشاهدان أنه كان هناك جام، وظهر الجام المدعى وذكر مشتريه أنه اشتراه من الوصيين، صار هذا لوثا يقوي دعوى المدعيين، فإذا حلف الأوليان بأن الجام كان لصاحبهم صدقا في ذلك. وهذا لوث في الأموال نظير اللوث في الدماء، لكن هناك ردت اليمين على المدعي بعد أن حلف المدعى عليه، فصارت يمين المطلوب وجودها كعدمها، كما أنه في الدم لا يستحلف ابتداء، وفي كلا الموضعين يعطى المدعي بدعواه مع يمينه، وإن كان المطلوب حالفا أو باذلا للحلف. وفي استحلاف الله للأوليين دليل على مثل ذلك في الدم حتى تصير يمين الأوليين مقابلة ليمين المطلوبين، وفي حديث ابن عباس: حلفا أن الجام لصاحبهم، وفي حديث عكرمة: ادعيا أنهما اشترياه منه، فحلف الأوليان أنهما ما كتما وغيبا، فكان في هذه الرواية أنه لما ظهر كذبهما بأنه لم يكن له جام ردت الأيمان على المدعيين في جميع ما ادعوا. فجنس هذا الباب: أن المطلوب إذا حلف ثم ظهر كذبه هل يقضى للمدعي بيمينه فيما يدعيه؛ لأن اليمين مشروعة في جانب الأقوى، فإذا ظهر صدق المدعي في البعض، وكذب المطلوب، قوي جانب المدعي، فحلف كما يحلف مع الشاهد الواحد، وكما يحلف صاحب اليد العرفية مقدما على
(2/1036)
اليد الحسية. انتهى) [الطرق الحكمية 210 - 212]. - وقال ابن مفلح: (وقال شيخنا: مع علم مدع وحده بالمدعى به لهم ردها، وإذا لم يحلف لم يأخذ، كالدعوى على ورثة ميت حقا عليه يتعلق بتركته، وإن كان المدعى عليه هو العالم بالمدعى به دون المدعي، مثل أن يدعي الورثة أو الوصي على غريم الميت فينكر، فلا يحلف المدعي، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تضطروا الناس في أيمانهم إلى ما لا يعلمون». قال: وأما إن كان المدعي يدعي العلم والمنكر يدعي العلم فهنا يتوجه القولان ــ يعني الروايتين ــ فإن حلف حكم له، وإن نكل صرفهما) [الفروع 6/ 477 (11/ 193 - 194)]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: سنح لي في الآية (1) أن ورثة السهمي لما ادعوا الجام المفضض والمخوَّص، فأنكر الوصيان الشاهدان أنه كان هناك جام، فلما ظهر الجام المدَّعَى، وذكر مشتريه أنه كان اشتراه من الوصيين، صار هذا لوثا يقوي دعوى المدعيين، فإذا حلف الأوْليان: أن الجام كان لصاحبهم صدقا في ذلك، وهذا لوث في الأموال، نظير اللوث _________ (1) يشير إلى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)}.
(2/1037)
في الدماء، لكن هناك ردت اليمين على المدَّعي بعد أن حلف المدعى عليه، فصارت يمين المطلوب وجودها كعدمها، كما أنه في الدم لا يستحلف ابتداء، وفي كلا الموضعين يعطى المدعي بدعواه مع يمينه، وإن كان المطلوب حالفا أو باذلا للحالف. وفي استحلاف الله للأوليين دليل على مثل ذلك في الدم، حتى تصير يمين الأوليين مقابلة ليمين المطلوبين، وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: حلفا أن الجام لصاحبهم، وفي حديث عكرمة: ادعيا أنهما اشترياه منه، فحلف الأوليان على أنهما ما كتما ولا غيبا، وهي أشياء، فكان في هذه الرواية: أنه لما كذبهما بأنه لم يكن له جام: ردت الأيمان على المدعيين في جميع ما ادعوه. فجنس هذا الباب: أن المطلوب إذا حلف ثم ظهر كذبه، هل يقضي للمدعي بيمينه فيما يدعيه؟ لأن اليمين مشروعة في جانب الأقوى، فإذا ظهر صدق المدعي في البعض، وكذب المطلوب، قوي جانب المدعي، فحلف كما يحلف مع شاهد واحد، وكما يحلف صاحب اليد العرفية مقدما على اليد الحسية. قال: وقال القاضي في «أحكام القرآن»: قوله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} يعني: ظهور شيء من مال الميت في يد الوصي لم يشهدا به {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} [المائدة: 107] يعني: في اليمين، لأن الوصي يحصل مدعيا، والورثة ينكرونه، فصارت اليمين عليهم، وعسي أنه لو لم يكن للميت إلا وارثان فكانا يدعيا عليها، لأن هذه الآية وردت على سبب
(2/1038)
معين، فيحتمل أن يكون الورثة اثنين (1). وقال في مسألة القضاء بالنكول: هذه الآية وردت في شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر إذا شهدوا على الميت، وحلف الشهود إذا كانوا من أهل الذمة، ثم ظهر في يد الوصي شيء من مال الميت، لم يشهد به الشهود، فإن للورثة أن يحلفوا أنه لم يوص به، لأنهم منكرون لدعوى الوصي أنه موصًى له، فيكون قوله تعالى: {أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: 108] يعني: أيمان الورثة فيما ظهر أنه لم يكن موصًى به بعد أيمان الشهود أنه كان موصى به. قال الشيخ تقي الدين: كيف بعد أيمان الشهود: أنه كان موصى به، وقد قال: لم يشهد به الشهود؟ ! لكن كأنه قصد بعد أيمان الشهود فيما شهدوا أنه موصى به، وهذا المعنى ضعيف؛ لأن رد اليمين بهذا الاعتبار لأوصيتم (2) على به حتى يحلفوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم، اللهم إلا أن يقال: هذا يحملهم على أن يشهدوا بجميع ما قبضه الوصي، ولا يكتموا الشهادة ببعض ما قبضه، لئلا ترد، لكن الشهادة عليه بالقبض ليست شهادة على الميت، وهل حكمها حكمها؟ قد بينته (3) في غير هذا الموضع. وقال ــ يعني: القاضي ــ: من يقول برد اليمين على المدعي إذا نكل المطلوب يقول: معنى الآية: أقر برد أيمان عند عدم أيمانهم. _________ (1) في ط 1: (اثنان) , والمثبت من ط 2. (2) في حاشية «النكت»: (كذا بالأصل). (3) في ط 2: (كبينته).
(2/1039)
وقال الشيخ تقي الدين: وقد ذكر المالكية مسألة يحكم فيها بيمين المدعيين على أحد القولين، وهو ما إذا غار قوم على بيت رجل فأخذوا ما فيه، والناس ينظرون إليهم، ولم يشهدوا على معاينة ما أخذوه، ولكن على أنهم أغاروا وانتهبوا. فقال ابن القاسم وابن الماجشون: القول قول المنتهب مع يمينه، لأن مالكا قال في منتهِب الصرَّة، يختلفان في عددها: القول قول المنتهب مع يمينه. وقال مطرف وابن كنانة وابن حبيب: القول قول المنتهب منه مع يمينه فيما يشبه، ويحمل على الظالم. قال مطرف: ومن أخذ من المغيرين ضمن ما أخذه رفاقه، لأن بعضهم عون لبعض، كالسراق والمحاربين، ولو أخذوا جميعًا وهم أملياء، كل واحد منهم ما ينوبه، وقاله ابن الماجشون، وأصبغ في الضمان، قالوا: والمغيرون كالمحاربين إذا شهروا السلاح على وجه المكابرة كان ذلك على أصل مأمرة بينهم، أو على وجه الفساد، وكذلك والي البلد يغير على أهل ولايته، وينهب ظلما مثل ذلك في المغيرين. قال الشيخ تقي الدين: المحاربون قصدهم المال مطلقا، والمغيرون قصدهم من قوم بأعيانهم. قال ابن القاسم: ولو ثبت أن رجلين غصبا عبدا ففات فله به أخذ قيمته من المليء، ويتبع المليء ذمة رفيقه المعدم بما ينوبه. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 278 - 280] (1). _________ (1) انظر: «الجواب الصحيح» (6/ 463 - 468)، «الاختيارات» للبعلي (495 - 496).
(2/1040)
وانظر: المسألة التالية. 1448 - المدعي يحلف ابتداء مع اللوث: 1449 - وحبس المتهم: 1450 - ولا يقبل في بينة الإعسار أقل من ثلاثة: 1451 - وتعزير مدع بسرقة على من تعلم براءته: 1452 - وخبر من له رئي من الجن: - قال ابن القيم: (ورأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ورضي عنه في ذلك جواباً وسؤالاً: هل السياسة بالضرب والحبس للمتهمين في الدعاوى وغيرها من الشرع، أم لا؟ وإذا كانت من الشرع فمن يستحق ذلك، ومن لا يستحقه؟ وما قدر الضرب، ومدة الحبس؟ فأجاب: الدعاوى التي يحكم فيها ولاة الأمور، سواء سموا قضاة، أو ولاة، أو ولاة الأحداث، أو ولاة المظالم، أو غير ذلك من الأسماء العرفية الاصطلاحية فإن حكم الله تبارك وتعالى شامل لجميع الخلائق، وعلى كل من ولي أمراً من أمور الناس، أو حكم بين اثنين أن يحكم بالعدل فيحكم بكتاب الله، وسنة رسوله، وهذا هو الشرع المنزل من عند الله، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]، وقال تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48].
(2/1041)
فالدعاوى قسمان: دعوى تهمة، ودعوى غير تهمة: فدعوى التهمة: أن يدعي فعل محرم على المطلوب، يوجب عقوبته، مثل: قتل، أو قطع طريق، أو سرقة، أو غير ذلك من العدوان الذي يتعذر إقامة البينة عليه في غالب الأحوال. وغير التهمة: أن يدعي عقداً: من بيع، أو قرض، أو رهن، أو ضمان، أو غير ذلك. وكل من القسمين قد يكون حدا محضا كالشرب والزنا، وقد يكون حقا محضا لآدمي، كالأموال، وقد يكون متضمنا للأمرين، كالسرقة وقطع الطريق. فهذا القسم إن أقام المدعي عليه حجة شرعية، وإلا فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، لما روى مسلم في «صحيحه» عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه». وفي رواية في «الصحيحين» عنه: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين على المدعى عليه. فهذا الحديث نص في أن أحدا لا يعطى بمجرد دعواه، ونص في أن الدعوى المتضمنة للإعطاء فيها اليمين ابتداء على المدعى عليه، وليس فيها أن الدعاوى الموجبة للعقوبات لا توجب اليمين إلا على المدعى عليه، بل قد ثبت عنه في «الصحيحين» في قصة القسامة: أنه قال لمدعي الدم: «تحلفون خمسين يمينا، وتستحقون دم صاحبكم» فقالوا: كيف نحلف، ولم نشهد، ولم نر؟ قال: «فتبرئكم يهود بخمسين يمينا».
(2/1042)
وثبت في «صحيح مسلم» عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بيمين وشاهد. وابن عباس هو الذي روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى باليمين على المدعى عليه، وهو الذي روى أنه قضى باليمين والشاهد. ولا تعارض بين الحديثين، بل هذا في دعوى، وهذا في دعوى. وأما الحديث المشهور على ألسنة الفقهاء: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر» فهذا قد روي، ولكن ليس إسناده في الصحة والشهرة مثل غيره، ولا رواه عامة أصحاب السنن المشهورة، ولا قال بعمومه أحد من علماء الأمة، إلا طائفة من فقهاء الكوفة، مثل: أبي حنيفة وغيره، فإنهم يرون اليمين دائما في جانب المنكر، حتى في القسامة يحلفون المدعى عليه، ولا يقضون بالشاهد واليمين، ولا يردون اليمين على المدعي عند النكول، واستدلوا بعموم هذا الحديث. وأما سائر علماء الأمة من أهل المدينة، ومكة، والشام، وفقهاء الحديث، وغيرهم، مثل: ابن جريج، ومالك، والشافعي، والليث، وأحمد، وإسحاق = فتارة يحلفون المدعى عليه، كما جاءت بذلك السنة، والأصل عندهم أن اليمين مشروعة في أقوى الجانبين، وأجابوا عن ذلك الحديث تارة بالتضعيف، وتارة بأنه عام، وأحاديثهم خاصة، وتارة بأن أحاديثهم أصح وأكثر، فالعمل بها عند التعارض أولى. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طلب البينة من المدعي، واليمين من المنكر في حكومات معينة، ليست من جنس دعاوى التهم، مثل ما خرجا في «الصحيحين» عن الأشعث بن قيس أنه قال: كان بيني وبين رجل حكومة في بئر، فاختصمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: «شاهداك، أو يمينه». فقلت: إذاً يحلف
(2/1043)
ولا يبالي. فقال: «من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان». وفي رواية: فقال: «بينتك أنها بئرك، وإلا فيمينه». وعن وائل بن حجر قال: جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال الذي من حضرموت: يا رسول الله، إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي. فقال الكندي: هي أرضي، في يدي، أزرعها، ليس له فيها حق. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ألك بينة؟ » قال: لا. قال: «فلك يمينه». فقال: يا رسول الله، الرجل فاجر، لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء. فقال: «ليس لك منه إلا ذلك» فلما أدبر الرجل ليحلف: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أما إن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض». رواه مسلم. ففي الحديث أنه لم يوجب على المطلوب إلا اليمين، مع ذكر المدعي لفجوره، وقال: «ليس لك منه إلا ذلك»، وكذلك في الحديث الأول، وكان خصم الأشعث بن قيس يهوديا، هكذا جاء في «الصحيحين»، ومع هذا لم يوجب عليه إلا اليمين. وفي حديث القسامة: أن الأنصار قالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ وهذا القسم لا أعلم فيه نزاعا أن القول فيه قول المدعى عليه مع يمينه إذا لم يأت المدعي بحجة شرعية، وهي البينة، لكن البينة ــ التي هي الحجة الشرعية ــ تارة تكون شاهدين عدلين ذكرين، وتارة تكون رجلا وامرأتين، وتارة أربعة رجال، وتارة ثلاثة، عند طائفة من العلماء، وذلك في دعوى إفلاس من علم له مال متقدم، كما ثبت في «صحيح مسلم» من حديث قبيصة بن مخارق، قال: «لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة
(2/1044)
اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه يقولون: لقد أصاب فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، فما سواهن يا قبيصة سحت، يأكلها صاحبها سحتا». فهذا الحديث صريح، في أنه لا يقبل في بينة الإعسار أقل من ثلاثة، وهو الصواب الذي يتعين القول به، وهو اختيار بعض أصحابنا، وبعض الشافعية. قالوا: ولأن الإعسار من الأمور الخفية، التي تقوى فيها التهمة بإخفاء المال فروعي فيها الزيادة في البينة، وجعلت بين مرتبة أعلى البينات، ومرتبة أدنى البينات. وتارة تكون الحجة شاهدا ويمين الطالب، وتارة تكون امرأة واحدة عند أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه، وامرأتين عند مالك وأحمد في رواية، وأربع نسوة عند الشافعي، وتارة تكون رجلاً واحداً في داء الدابة، وشهادة الطبيب إذا لم يوجد اثنان، كما نص عليه أحمد، وتارة تكون لوثا ولطخا مع أيمان المدعين، كما في القسامة، وامتازت بكون الأيمان فيها خمسين تغليظا لشأن الدم، كما امتاز اللعان بكون الأيمان فيه أربعا. والقسامة يجب فيها القود عند مالك وأحمد وأبي حنيفة، وتوجب الدية فقط عند الشافعي، وأما أهل الرأي فيحلفون فيها المدعى عليه خاصة، ويوجبون عليه الدية مع تحليفه ... (1). _________ (1) أضاف ابن القيم هنا كلاما من قبله حول أنواع البينات.
(2/1045)
قال شيخنا - رحمه الله -: وقد وقع فيه من التفريط من بعض ولاة الأمور، والعدوان من بعضهم: ما أوجب الجهل بالحق، والظلم للخلق، وصار لفظ «الشرع» غير مطابق لمعناه الأصلي، بل لفظ «الشرع» في هذه الأزمنة ثلاثة أقسام: الشرع المنزل: وهو الكتاب، والسنة، واتباع هذا الشرع: واجب، ومن خرج عنه: وجب قتاله، وتدخل فيه: أصول الدين، وفروعه، وسياسة الأمراء، وولاة المال، وحكم الحاكم، ومشيخة الشيوخ، وولاة الحسبة، وغير ذلك، فكل هؤلاء عليهم أن يحكموا بالشرع المنزل، ولا يخرجوا عنه. الثاني: الشرع المتأول: وهو مورد النزاع والاجتهاد بين الأئمة، فمن أخذ بما يسوغ فيه الاجتهاد: أقر عليه، ولم يجب على جميع الناس موافقته، إلا بحجة لا مرد لها من كتاب الله، وسنة رسوله. والثالث: الشرع المبدل: مثل ما يثبت بشهادات الزور، ويحكم فيه بالجهل والظلم، أو يؤمر فيه بإقرار باطل: لإضاعة حق، مثل: تعليم المريض أن يقر لوارث بما ليس له: ليبطل به حق بقية الورثة. والأمر بذلك: حرام، والشهادة عليه: محرمة، والحاكم إذا عرف باطن الأمر، وأنه غير مطابق للحق، فحكم به: كان جائرا آثما، وإن لم يعرف باطن الأمر: لم يأثم. فقد قال سيد الحكام صلوات الله وسلامه عليه، في الحديث المتفق عليه: «إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي بنحو مما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار».
(2/1046)
فصل القسم الثاني من الدعاوى: دعاوى التهم: وهي دعوى الجناية والأفعال المحرمة، كدعوى القتل، وقطع الطريق، والسرقة، والقذف، والعدوان. فهذا ينقسم المدعى عليه فيه إلى ثلاثة أقسام، فإن المتهم إما أن يكون بريئا ليس من أهل تلك التهمة، أو فاجرا من أهلها، أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم حاله. فإن كان بريئا لم تجز عقوبته اتفاقا, واختلفوا في عقوبة المتهم له على قولين، أصحهما أنه يعاقب، صيانة لتسلط أهل الشر والعدوان على أعراض البرآء. قال مالك وأشهب رحمهما الله: لا أدب على المدعي إلا أن يقصد أذية المدعى عليه وعيبه وشتمه، فيؤدب، وقال أصبغ: يؤدب قصد أذيته أو لم يقصد. وهل يحلف في هذه الصور؟ فإن كان المدعى حدا لله لم يحلف عليه، وإن كان حقا لآدمي ففيه قولان مبنيان على سماع الدعوى، فإن سمعت الدعوى حلف له، وإلا لم يحلف. والصحيح أنه لا تسمع الدعوى في هذه الصورة، ولا يحلف المتهم؛ لئلا يتطرق الأراذل والأشرار إلى الاستهانة بأولي الفضل والأخطار، كما تقدم من أن المسلمين يرون ذلك قبيحا.
(2/1047)
فصل القسم الثاني: أن يكون المتهم مجهول الحال, لا يعرف ببر ولا فجور فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام، والمنصوص عليه عند أكثر الأئمة أنه يحبسه القاضي والوالي، هكذا نص عليه مالك وأصحابه، وهو منصوص الإمام أحمد ومحققي أصحابه، وذكره أصحاب أبي حنيفة. وقال الإمام أحمد: قد حبس النبي - صلى الله عليه وسلم - في تهمة. قال أحمد: وذلك حتى يتبين للحاكم أمره. وقد روى أبو داود في «سننه» وأحمد وغيرهما من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس في تهمة. قال علي بن المديني: حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح. وفي «جامع الخلال» عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس في تهمة يوما وليلة. والأصول المتفق عليها بين الأئمة توافق ذلك، فإنهم متفقون على أن المدعي إذا طلب المدعى عليه الذي يسوغ إحضاره وجب على الحاكم إحضاره إلى مجلس الحكم حتى يفصل بينهما، ويحضره من مسافة العدوى ــ التي هي عند بعضهم بريد ــ وهو مالا يمكن الذهاب إليه والعود في يومه، كما يقوله بعض أصحاب الشافعي وأحمد وهو رواية عن أحمد، وعند بعضهم يحضره من مسافة القصر، وهي مسيرة يومين قاصدين كما هي الرواية الأخرى عن أحمد. ثم إن الحاكم قد يكون مشغولا عن تعجيل الفصل، وقد تكون عنده
(2/1048)
حكومات سابقة، فيكون المطلوب محبوسا معوقا من حين يطلب إلى أن يفصل بينه وبين خصمه، وهذا حبس بدون التهمة، ففي التهمة أولى، فإن الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق، وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، سواء كان في بيت أو مسجد، أو كان بتوكيل نفس الخصم أو وكيله عليه، وملازمته له، ولهذا سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - أسيرا، كما روى أبو داود وابن ماجه عن الهرماس بن حبيب عن أبيه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بغريم لي، فقال: «الزمه». ثم قال لي: «يا أخا بني تميم، ما تريد أن تفعل بأسيرك؟ ». وفي رواية ابن ماجه: ثم مر بي آخر النهار، فقال: «ما فعل أسيرك، يا أخا بني تميم؟ ». وكان هذا هو الحبس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، ولم يكن له محبس معد لحبس الخصوم، ولكن لما انتشرت الرعية في زمن عمر بن الخطاب ابتاع بمكة دارا وجعلها سجنا يحبس فيها. ولهذا تنازع العلماء ــ من أصحاب أحمد وغيرهم ــ هل يتخذ الإمام حبسا؟ على قولين: فمن قال: لا يتخذ حبسا، قال: لم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا لخليفته بعده حبس، ولكن يعوقه بمكان من الأمكنة، أو يقام عليه حافظ ــ وهو الذي يسمى الترسيم ــ، أو يأمر غريمه بملازمته، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومن قال: له أن يتخذ حبسا، قال: قد اشترى عمر بن الخطاب من صفوان بن أمية دارا بأربعة آلاف درهم, وجعلها حبسا.
(2/1049)
ولما كان حضور مجلس الحاكم تعويقا من جنس الحبس تنازع العلماء: هل يحضر الخصم المطلوب بمجرد الدعوى، أو لا يحضر حتى يبين المدعي أن للدعوى أصلا؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، والأول: قول أبي حنيفة والشافعي، والثاني: قول مالك. فصل ومنهم من قال: الحبس في التهم إنما هو لوالي الحرب دون القاضي، وقد ذكر هذا طائفة من أصحاب الشافعي كأبي عبد الله الزبيري والماوردي وغيرهما، وطائفة من أصحاب المصنفين في أدب القضاة وغيرهم. واختلفوا في مقدار الحبس في التهمة، هل هو مقدر أو مرجعه إلى اجتهاد الوالي والحاكم؟ على قولين، ذكرهما الماوردي وأبو يعلى وغيرهما، فقال الزبيري: هو مقدر بشهر، وقال الماوردي: غير مقدر. فصل القسم الثالث: أن يكون المتهم معروفا بالفجور، كالسرقة وقطع الطريق والقتل ونحو ذلك، فإذا جاز حبس المجهول فحبس هذا أولى. قال شيخنا ابن تيمية - رحمه الله -: وما علمت أحداً من أئمة المسلمين يقول: إن المدعى عليه في جميع هذه الدعاوى يحلف ويرسل بلا حبس ولا غيره، فليس هذا على إطلاقه مذهبا لأحد من الأئمة الأربعة، ولا غيرهم من الأئمة. ومن زعم أن هذا على إطلاقه وعمومه هو الشرع فقد غلط غلطا فاحشا، مخالفا لنصوص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولإجماع الأمة. وبمثل هذا الغلط الفاحش تجرأ الولاة على مخالفة الشرع، وتوهموا
(2/1050)
أن الشرع لا يقوم بسياسة العالم، ومصلحة الأمة، وتعدوا حدود الله، وتولد من جهل الفريقين بحقيقة الشرع خروج عنه إلى أنواع من الظلم، والبدع، والسياسة. جعلها (1) هؤلاء من الشرع، وجعلها هؤلاء قسيمة ومقابلة له، وزعموا أن الشرع ناقص، لا يقوم بمصالح الناس، وجعل أولئك ما فهموه من العموميات والإطلاقات هو الشرع، وإن تضمن خلاف ما شهدت به الشواهد والعلامات الصحيحة. والطائفتان مخطئتان في الشرع أقبح خطأ، وأفحشه، وإنما أتوا من تقصيرهم في معرفة الشرع، الذي أنزله الله على رسوله، وشرعه بين عباده، كما تقدم بيانه. فإنه أنزل الكتاب بالحق ليقوم الناس بالقسط، ولم يسوغ تكذيب صادق، ولا إبطال أمارة وعلامة شاهدة بالحق، بل أمر بالتثبت في خبر الفاسق، ولم يأمر برده مطلقا، حتى تقوم أمارة على صدقه فيقبل، أو كذبه فيرد، فحكمه دائر مع الحق، والحق دائر مع حكمه أين كان، ومع من كان، وبأي دليل صحيح كان. فتوسع كثير من هؤلاء، في أمور ظنوها علامات، وأمارات أثبتوا بها أحكاما، وقصر كثير من أولئك عن أدلة، وعلامات ظاهرة ظنوها غير صالحة لإثبات الأحكام. _________ (1) من هنا إلى كلمة (فصل) غير موجود في مطبوعة «الفتاوى» فلا أدري هل سقط منها، أم أنه من زيادات ابن القيم؟
(2/1051)
فصل ويسوغ ضرب هذا النوع من المتهمين، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الزبير بتعذيب المتهم، الذي غيب ماله حتى أقر به، في قصة ابن أبي الحقيق. قال شيخنا: واختلفوا فيه: هل الذي يضربه الوالي دون القاضي، أو كلاهما، أو لا يسوغ ضربه؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يضربه الوالي والقاضي، وهذا قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهم، منهم: أشهب بن عبد العزيز، قاضي مصر، فإنه قال: يمتحن بالحبس والضرب، ويضرب بالسوط مجردا. والقول الثاني: أنه يضربه الوالي دون القاضي، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وأحمد، حكاه القاضيان. ووجه هذا: أن الضرب المشروع هو ضرب الحدود والتعزيرات، وذلك إنما يكون بعد ثبوت أسبابها، وتحققها. والقول الثالث: أنه يحبس ولا يضرب، وهذا قول أصبغ، وكثير من الطوائف الثلاثة، بل قول أكثرهم، لكن حبس المتهم عندهم أبلغ من حبس المجهول. ثم قالت طائفة، منهم عمر بن عبد العزيز، ومطرف وابن الماجشون: إنه يحبس حتى يموت. ونَصَّ عليه الإمام أحمد في المبتدع الذي لم ينته عن بدعته: أنه يحبس حتى يموت. وقال مالك: لا يحبس إلى الموت.
(2/1052)
فصل والذين جعلوا عقوبته للوالي دون القاضي قالوا: ولاية أمير الحرب معتمدها المنع من الفساد في الأرض، وقمع أهل الشر والعدوان، وذلك لا يتم إلا بالعقوبة للمتهمين، المعروفين بالإجرام، بخلاف ولاية الحكم، فإن مقصودها إيصال الحقوق إلى أربابها، وإثباتها. قال شيخنا: وهذا القول هو في الحقيقة قول بجواز ذلك في الشريعة، لكن كل ولي أمر يفعل ما فوض إليه، فكما أن والي الصدقات يملك من أمر القبض والصرف ما لا يملكه والي الخراج وعكسه، وكذلك والي الحرب ووالي الحكم يفعل كل منهما ما اقتضته ولايته الشرعية، مع رعاية العدل، والتقيد بالشريعة. فصل وأما عقوبة من عرف أن الحق عنده، وقد جحده فمتفق عليها بين العلماء، لا نزاع بينهم أن من وجب عليه حق أو دين وهو قادر على أدائه وامتنع منه أنه يعاقب حتى يؤديه، ونصوا على عقوبته بالضرب، ذكر ذلك الفقهاء من الطوائف الأربعة. وقال أصحاب أحمد: إذا أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع أمر أن يختار إحدى الأختين أو أربعا، فإن أبى حبس وضرب حتى يختار، قالوا: وهكذا كل من وجب عليه حق هو قادر على أدائه فامتنع منه، فإنه يضرب حتى يؤديه. وفي «السنن» عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مطل الواجد يحل عرضه وعقوبته».
(2/1053)
والعقوبة لا تختص بالحبس بل هي بالضرب أظهر منها في الحبس، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مطل الغني ظلم»، والظالم يستحق العقوبة شرعا وقدرا. فصل واتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد وهي نوعان: ترك واجب، أو فعل محرم. فمن ترك الواجبات مع القدرة عليها، كقضاء الديون، وأداء الأمانات من الوكالات والودائع وأموال اليتامى والوقوف والأموال السلطانية، ورد الغصوب والمظالم = فإنه يعاقب حتى يؤديها، وكذلك من وجب عليه إحضار نفس لاستيفاء حق وجب عليها، مثل أن يقطع الطريق ويلتجئ إلى من يمنعه ويذب عنه، فهذا يعاقب حتى يحضره. وقد روى مسلم في «صحيحه» عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله من أحدث حدثا أو آوى محدثا». وروى أبو داود في «سننه» عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من خاصم في باطل ــ وهو يعلم ــ لم يزل في سخط الله حتى ينزع, ومن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره, ومن قال في مسلم ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال حتى يخرج مما عليه». قال: فما وجب إحضاره من النفوس والأموال استحق الممتنع من إحضاره العقوبة، وأما إذا كان إحضاره إلى من يظلمه، أو إحضار المال إلى من يأخذه بغير حق فهذا لا يجب، بل ولا يجوز، فإن الإعانة على الظلم ظلم) [الطرق الحكمية 79 - 81].
(2/1054)
- وقال ابن مفلح: (واختار شيخنا: أن المدعي يحلف ابتداء مع اللوث، وأن الدعوى في التهمة كسرقة يعاقب المدعى عليه الفاجر، وأنه لا يجوز إطلاقه. ويحبس المستور ليبين أمره أو ثلاثا على وجهين (1)، نقل حنبل: حتى يبين أمره، ونص أحمد ومحققو أصحابه على حبسه، واحتج أحمد بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس في تهمة، بخلاف دعوى بيع أو قرض ونحوه، لتفريطه بترك كتابته والإشهاد. وأن تحليف كل مدعى عليه وإرساله مجانا ليس مذهبا لإمام. واحتج في مكان آخر بأن قوما اتهموا أناسا بسرقة فرفعوهم إلى النعمان بن بشير فحبسهم أياما ثم أطلقهم، فقالوا له: خليت سبيلهم بغير ضرب ولا امتحان؟ فقال لهم: إن شئتم ضربتهم، فإن ظهر ما لكم وإلا ضربتكم مثل ما ضربتهم، فقالوا: هذا حكمك؟ فقال: حكم الله تعالى ورسوله. إسناده جيد رواه النسائي وأبو داود، وترجم عليه: باب في الامتحان بالضرب، وظاهره أنه قال به، وقال به شيخنا. وفي «الأحكام السلطانية»: يحبسه وال، قال: فظاهر كلام أحمد: وقاض، وأنه ليشهد له {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} الآية [النور: 8] حملنا على الحبس لقوة التهمة، وذكر شيخنا الأول قول أكثر العلماء. واختار تعزير مدع بسرقة ونحوها على من تعلم براءته. _________ (1) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (هذا من تتمة كلام الشيخ تقي الدين، وليس من الخلاف المطلق).
(2/1055)
واختار أن خبر من له رئي جني بأن فلانا سرق كذا كخبر إنسي مجهول، فيفيد تهمة كما تقدم ... قال شيخنا: إذا كان معروفا بالفجور المناسب للتهمة قال طائفة: يضربه الوالي والقاضي، وقال طائفة: الوالي دون القاضي، وقد ذكر ذلك طوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد. وفي «الصحيح»: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الزبير أن يمس بعض المعاهدين بالعذاب لما كتم إخباره بالمال الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عاهدهم عليه، وقال له: «أين كنز حيي بن أخطب؟» فقال: يا محمد، أذهبته النفقات والحروب، فقال: «المال كثير، والعهد أقرب من هذا». وقال للزبير: «دونك هذا». فمسه الزبير بشيء من العذاب، فدلهم على المال. وفي كتاب «الهدي» ما هو نفس كلام شيخنا أن في هذا الخبر دليلا على الاستدلال بالقرائن على صحة الدعوى وفسادها) [الفروع 6/ 479 - 480 (11/ 195 - 197)] (1). 1453 - الحكم في القضية الواحدة المشتملة على عدد أو أعيان: - قال ابن مفلح: ( ... وتقدم أن سؤال غريم الحجر كالكل، فيتوجه أن يفيد أن القضية الواحدة المشتملة على عدد أو أعيان كولد الأبوين في المشركة أن الحكم على واحد أو له يعمه وغيره. ذكر شيخنا المسألة، وأخذها من دعوى موت موروثه، وحكمه بأن _________ (1) «الفتاوى» (35/ 389 - 407)، وانظر: (14/ 484 - 487).
(2/1056)
هذا يستحق هذا أو الآن من وقف بشرط شامل يعم، وهل حكمه لطبقة حكم للثانية والشرط واحد؟ ردد النظر على وجهين (1)، ثم من أبدى ما يجوز أن يمنع الأول من الحكم عليه لو علمه فلثانٍ الدفع به، وهل هو نقض للأول كحكم مغيا بغاية أو هو فسخ (2)؟) [الفروع 6/ 487 (11/ 207 - 208)]. 1454 - إذا حكم له بما اعتقد تحريمه قبل الحكم: 1455 - وحكم ما أخذه بتأويل أو مع جهله: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: هل يباح له بالحكم ما اعتقد تحريمه قبل الحكم؟ فيه روايتان، وفي حل ما أخذه وغيره بتأويل أو مع جهله، وإن رجع المتأول فاعتقد التحريم روايتان، بناء على ثبوت الحكم قبل بلوغ الخطاب، قال: أصحهما حكمه كالحربي بعد إسلامه، وأولى، وجعل من ذلك وضع طاهر في اعتقاده في مائع لغيره، وفيه نظر) [الفروع 6/ 491 (11/ 213)] (3). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: ردد شيخنا النظر في هذه المسألة على وجهين). (2) في ط 1: (هل هو نسخ)، والمثبت من ط 2، قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (كذا في غالب النسخ، وفي بعض النسخ: «هل هو نقض للأول، كحكم مغيا بغاية، أو هو نسخ، فيه وجهان). وقال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (هذا من تتمة كلام الشيخ تقي الدين، والمصنف قدم حكما، وهو قوله قبل ذلك: «ويصح تبعا»، وقد اختار الشيخ تقي الدين في «الفتاوى المصرية» أن حكمه لطبقة ليس حكما لطبقة أخرى). (3) «جامع المسائل» (5/ 385).
(2/1057)
1456 - أمور الدين والعبادات المشتركة بين المسلمين لا يحكم فيها إلا الله ورسوله: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: أمور الدين والعبادات المشتركة بين المسلمين لا يحكم فيها إلا الله تعالى ورسوله إجماعا، وذكره غيره، فدل أن إثبات سبب الحكم كرؤية الهلال والزوال ليس بحكم، فمن لم يره سببا لم يلزمه شيء) [الفروع 6/ 492 (11/ 215)] (1). 1457 - إذا رفع إليه خصمان عقدا فاسدا عنده فقط، وأقرا بأن نافذ الحكم حكم بصحته: - قال ابن مفلح: (وإن رفع إليه خصمان عقدا فاسدا عنده فقط وأقرا بأن نافذَ الحُكْمِ حَكَمَ بصحته فله إلزامهما بذلك ورده (2) والحكم بمذهبه. وقال شيخنا: قد يقال قياس المذهب أنه كالبينة، ثم ذكر أنه كبينة إن عينا الحاكم) [الفروع 6/ 494 (11/ 218)] (3). 1458 - الحكم بالشاهد واليمين: - قال ابن القيم: (وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: القرآن لم يذكر الشاهدين، والرجل والمرأتين، في طرق الحكم التي يحكم بها الحاكم، _________ (1) انظر: «منهاج السنة» (5/ 132). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (وجه إلزامهما به: أنه حق أقرا به، فلزمهما، كما لو أقرا بغيره، ووجه رده والحكم فيه بمذهبه أن حكم الحاكم به لا يثبت بإقرارهما، وإنما يثبت بالبينة، ولا بينة هنا، ذكر هذا التوجيه شارح «المحرر» - رحمه الله -). (3) انظر: «الاختيارات» للبعلي (504).
(2/1058)
وإنما ذكر النوعين من البينات في الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] فأمرهم سبحانه بحفظ حقوقهم بالكتاب، وأمر من عليه الحق أن يملي الكاتب، فإن لم يكن ممن يصح إملاؤه أملى عنه وليه، ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين، فإن لم يجد فرجل وامرأتان، ثم نهى الشهداء المتحملين للشهادة عن التخلف عن إقامتها، إذا طلبوا لذلك، ثم رخص لهم في التجارة الحاضرة ألا يكتبوها، ثم أمرهم بالإشهاد عند التبايع، ثم أمرهم إذا كانوا على سفر، ولم يجدوا كاتباً أن يستوثقوا بالرهان المقبوضة. كل هذا نصيحة لهم، وتعليم، وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم، وما تحفظ به الحقوق شيء، وما يحكم به الحاكم شيء، فإن طرق الحكم أوسع من الشاهدين والمرأتين، فإن الحاكم يحكم بالنكول واليمين المردودة، ولا ذكر لهما في القرآن، فإن كان الحكم بالشاهد الواحد، واليمين مخالفا لكتاب الله فالحكم بالنكول والرد أشد مخالفة) [الطرق الحكمية 54] (1). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (20/ 389 - 390).
(2/1059)
1459 - الحكم بشهادة امرأة ويمين الطالب: - قال ابن القيم: (قال شيخنا قدس الله روحه: ولو قيل: يحكم بشهادة امرأة ويمين الطالب لكان متوجها، قال: لأن المرأتين إنما أقيمتا مقام الرجل في التحمل لئلا تنسى إحداهما، بخلاف الأداء، فإنه ليس في الكتاب ولا في السنة أنه لا يحكم إلا بشهادة امرأتين، ولا يلزم من الأمر باستشهاد المرأتين وقت التحمل ألا يحكم بأقل منهما، فإنه سبحانه أمر باستشهاد رجلين في الديون، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، ومع هذا فيحكم بشاهد واحد ويمين الطالب، ويحكم بالنكول والرد وغير ذلك. فالطرق التي يحكم بها الحاكم أوسع من الطرق التي أرشد الله صاحب الحق إلى أن يحفظ حقه بها، وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سأله عقبة بن الحارث، فقال: إني تزوجت امرأة، فجاءت أمة سوداء، فقالت: إنها أرضعتنا، فأمره بفراق امرأته، فقال: إنها كاذبة، فقال: «دعها عنك». ففي هذا: قبول شهادة المرأة الواحدة وإن كانت أمة، وشهادتها على فعل نفسها، وهو أصل في شهادة القاسم، والخارص، والوزان، والكيال، على فعل نفسه) [إعلام الموقعين 1/ 95 ـ 96] (1). وانظر: ما يأتي برقم (1528) ورقم (1530). _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (525).
(2/1060)
1460 - الحكم بشهادة امرأتين ويمين المدعي في الأموال: - قال ابن القيم: ( ... الطريق العاشر (1): الحكم بشهادة امرأتين، ويمين المدعي في الأموال وحقوقها، وهذا مذهب مالك، وأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد، حكاه شيخنا واختاره) [الطرق الحكمية 133] (2). _________ (1) أي: من طرق الحكم. (2) انظر: «الفتاوى» (31/ 294).
(2/1061)
باب كتاب القاضي إلى القاضي
1461 - قبول كتاب القاضي إلى القاضي: - قال ابن مفلح: (يقبل في كل حق آدمي ..... ويقبل فيما حكم به لينفذه وإن كانا ببلد واحد، وعند شيخنا: وفي حق الله تعالى. ويقبل فيما ثبت عنده ليحكم به في مسافة قصر، وعنه: فوق يوم، وعند شيخنا ــ وقال: خرجته في المذهب ــ: وأقل، كخبر (1). وقال القاضي: ويكون في كتابه: شهدا عندي بكذا، ولا يكتب: ثبت عندي، لأنه حكم بشهادتهما كبقية الأحكام، وقاله ابن عقيل وغيره. قال شيخنا: والأول أشهر أنه خبر بالثبوت (2) كشهود الفرع، لأن الحكم أمر ونهي يتضمن إلزاما، قاله شيخنا. فيتوجه لو أثبت حاكم مالكي وقفا لا يراه كوقف الإنسان على نفسه بالشهادة على الخط، فإن حكم للخلاف في العمل بالخط كما هو المعتاد فلحاكم حنبلي يرى صحة الحكم أن ينفذه في مسافة قريبة، وإن لم يحكم _________ (1) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 190/أ): (قوله: «وأقل» يشعر باشتراط المسافة على قول شيخه وإن قَلَّت، وقوله «كخبر» إنما خرجه على الخبر لأن المذهب أن خبر حاكم لآخر بحكمه يجب العمل به، فلولا أن حكم الحاكم كالخبر لما اكتفي به بخبره، ولما جاز للحاكم الآخر العمل حتى يشهد به عنده شاهدان). (2) قال ابن نصر الله في «حاشيته على الفروع» (ل 190/أ): (قوله: «والأول» أي: أن قوله «ثبت عندي» ليس حكما بشهادتهما، بل هو خبر بالثبوت أشهر، ولا يمتنع كتابته بثبت عندي).
(2/1062)
المالكي بل قال: ثبت كذا (1) فكذلك، لأن الثبوت عند المالكي حكم، ثم إن رأى الحنبلي الثبوت حكما نفذه وإلا فالخلاف في قرب المسافة، ولزوم الحنبلي تنفيذه ينبني على لزوم تنفيذ الحكم المختلف فيه، وحكم المالكي مع علمه باختلاف العلماء في الخط لا يمنع كونه مختلفا فيه، ولهذا لا ينفذه الحنفية حتى ينفذه حاكم، وللحنبلي الحكم بصحة الوقف المذكور مع بعد المسافة، ومع قربها الخلاف) [الفروع 6/ 498 - 499 (11/ 228 - 229)] (2). 1462 - تعيين القاضي الكاتبَ: - قال ابن مفلح: (وله الكتابة إلى قاض معين وإلى من يصل إليه من قضاة المسلمين، قال شيخنا: وتعيين القاضي الكاتب كشهود الأصل (3)، وقد يخير (4) المكتوب إليه) [الفروع 6/ 499 (11/ 229)]. 1463 - من عرف خطه عمل به: 1464 - وكتاب القاضي في غير عمله أو بعد عزله: - قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: من عرف خطه بإقرار أو إنشاء أو عقد أو شهادة عمل به كميت، فإن حضر وأنكر مضمونه فكاعترافه بالصوت وإنكار مضمونه. _________ (1) في ط 1: (كذلك)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص 386). (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (504). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال في باب الشهادة على الشهادة: «ويعتبر تعيينهم لهم، قال القاضي: حتى لو قال تابعيان: أشهدنا صحابيين لم يجز حتى يعيناهما» فعلى هذا لا بد من تعيين شهود الأصل). (4) في ط 1: (يجبر) والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص 386).
(2/1063)
وذكر قولا في المذهب أنه يحكم بخط شاهد ميت، وقال: الخط كاللفظ إذا عرف أنه خطه، وأنه مذهب جمهور العلماء، وهو يعرف أن هذا خطه كما يعرف أن هذا صوته، واتفق العلماء أنه يشهد على الشخص إذا عرف صوته مع إمكان الاشتباه، وجوز الجمهور كمالك وأحمد الشهادة على الصوت من غير رؤية المشهود عليه، والشهادة على الخط أضعف لكن جوازه قوي، أقوى من منعه. قال: وكتابه في غير عمله أو بعد عزله كخبره) [الفروع 6/ 500 (11/ 230)] (1). 1465 - إن سأل مع الإشهاد الكتابة: - قال ابن مفلح: (وإن سأله مع الإشهاد كتابته وأتاه بورقة لزمه في الأصح، قال أحمد: إذا أخذ الساعي زكاته كتب له براءة، وعند شيخنا: يلزمه إن تضرر بتركه) [الفروع 6/ 502 (11/ 234)] (2). _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (504). (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (504).
(2/1064)
باب القسمة
1466 - ما كان من القسمة فيه رد عوض فهو بيع: - قال ابن مفلح: (يحرم قسمة الأملاك التي لا تقسم إلا بضرر أو رد عوض إلا بتراضي الشركاء، كحمَّام ودور صغار وأرض ببعضها بئر أو بناء ونحوه لا يتعدل بأجزاء ولا قيمة. وهذه القسمة في حكم البيع، يجوز فيها ما يجوز فيه خاصة لمالك وولي ... وفي «التعليق» و «المبهج» و «الكافي»: البيع ما فيه رد فقط، واختاره شيخنا) [الفروع 6/ 505 (11/ 237)] (1). 1467 - إجبار الشريك على الإجارة فيما لا ينقسم إلا بضرر: - قال ابن مفلح: (ومن دعا شريكه إلى البيع فيها أجبر، فإن أبى بيع عليهما وقسم الثمن، نقله الميموني وحنبل، وذكره القاضي وأصحابه، وذكره صاحب «الإرشاد» و «الفصول» و «الإفصاح» و «الترغيب» وغيرها، وكلام الشيخ و «المحرر» يقتضي المنع، وكذا الإجارة، ولو في وقف، ذكره شيخنا) [الفروع 6/ 505 (11/ 237 - 238)] (2). 1468 - قسمة الوقف: - قال ابن مفلح: (ولا إجبار في قسمة المنافع (3)، وعنه: بلى، واختاره _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (505). (2) «الاختيارات» للبعلي (506) , قال: (ولو طلب أحد الشريكين الإشارة أجبر الآخر عليها, ذكره الأصحاب ولو في الوقف). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (صورة ذلك: دار لها منفعتها، مثل دار وقف عليهما أو مستأجرة لهما، وأراد قسمة منفعتها، فقسمتها بزمن: أن ينتفع أحدهما مدة، ثم ينتفع الآخر بعده مدة، وقسمتها بالمكان: أن يجعل لكل منهما من الدار مكان ينتفع به دون صاحبه).
(2/1065)
في «المحرر» في القسمة بالمكان ولا ضرر، وإن اقتسماها بزمن أو مكان صح جائزا، واختار في «المحرر»: لازما إن تعاقدا مدة معلومة، وقيل: لازما بالمكان مطلقا. فإن انتقلت كانتقال وقف فهل تنتقل مقسومة أو لا، فيه نظر، فإن كانت إلى مدة لزمت الورثة والمشتري، قال ذلك شيخنا. وقال أيضا: معنى القسمة هنا قريب من معنى البيع، فقد يقال: يجوز التبديل، كالحبيس والهدي. وقال أيضا: صرح الأصحاب بأن الوقف إنما يجوز قسمته إذا كان على جهتين، فأما الوقف على جهة واحدة فلا تقسم عينه قسمة لازمة اتفاقا، لتعلق حق الطبقة الثانية والثالثة، لكن تجوز المهايأة، وهي قسمة المنافع، ولا فرق في ذلك بين المناقلة بالمنافع وبين تركها على المهايأة بلا مناقلة (1). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (ذكر الشيخ زين الدين ابن رجب مسألة قسمة الوقف في آخر «قواعده» في فائدة القسمة، هل هي بيع أو إفراز؟ وفي كلامه مخالفة لكلام المصنف، قال: أما إذا كان الكل وقفا، فهل يجوز قسمته؟ فيه طريقان: أحدهما: أنه كإفراز الطلق من الوقف سواء، وهذا المجزوم به في «المحرر»، والثاني: لا تصح القسمة على الوجهين جميعا على الأصح، وهي طريقة «الترغيب»، وعلى القول بالجواز، فهو مختص بما إذا كان وقفا على جهتين، لا على جهة واحدة، صرح به الأصحاب، نقله الشيخ تقي الدين. فظاهر نقل الشيخ زين الدين في «القواعد»: عدم الجواز، وظاهر نقل المصنف: عدم اللزوم) ا. هـ.
(2/1066)
والظاهر أن ما ذكر شيخنا عن الأصحاب وجه، وظاهر كلامهم لا فرق، وهو أظهر) [الفروع 6/ 508 (11/ 241 - 242)] (1). 1469 - قسمة الحاكم عند غياب أحد الشريكين: - قال ابن مفلح: (وما لا ضرر فيه ولا رد عوض كقرية وبستان ودار كبيرة وأرض واسعة ومكيل وموزون من جنس، كدبس وخل ودهن ولبن إذا طلبها شريكه أجبر هو أو وليه، ومع غيبة ولي هل يقسم حاكم عليه؟ فيه وجهان في «الترغيب»، قال جماعة: إن ثبت ملكهما عنده ببينة، ولم يذكره آخرون، وجزم به في «الروضة»، واختاره شيخنا كبيع مرهون وجان، وأن كلام الإمام أحمد - رحمه الله - في بيع ما لا ينقسم وقسم ثمنه عام فيما ثبت أنه ملكهما وما لم يثبت، كجميع الأموال التي تباع، وأن مثل ذلك لو جاءته امرأة فزعمت أنها خلية لا ولي لها، هل يزوجها بلا بينة (2)؟ ونقل حرب فيمن أقام بينة بسهم من ضيعة بيد قوم فهربوا منه، يقسم عليهم ويدفع إليه حقه، قال شيخنا: وإن لم يثبت ملك الغائب فدل أنه يجوز _________ (1) انظر: «الفتاوى» (31/ 196 - 197). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الذي يظهر لي أنها كمسألة ما إذا غاب عن مطلقته ثلاثا، فذكرت أنها تزوجت من أصابها ثم طلقها، أو مات عنها، وانقضت عدتها منه، وكان ذلك ممكنا، فله أن ينكحها إذا كان يعرف منها الصدق والصلاح، فالذي يظهر أن التي تدعي أنه لا ولي لها إن غلب على الظن صدقها لدينها وصلاحها قبل، كما قيل في المطلقة).
(2/1067)
ثبوته، وأنه أولى) [الفروع 6/ 509 - 511 (11/ 244 - 246)] (1). 1470 - أجرة القاسم ونحوه: - قال ابن مفلح: (وهي (2) بقدر الأملاك (3)، نص عليه، زاد في «الترغيب»: إذا أطلق الشركاء العقد، وأنه لا ينفرد واحد بالاستئجار بلا إذن، وقيل: بعدد الملاك، وفي «الكافي»: على ما شرطا، فعلى النص أجرة شاهد يخرج لقسم البلاد ووكيل وأمين للحفظ على مالك وفلاح كأملاك ذكره شيخنا. قال: فإذا ما نهم الفلاح بقدر ما عليه ويستحقه الضيف حل لهم. قال: وإن لم يأخذ الوكيل لنفسه إلا قدر أجرة عمله بالمعروف والزيادة يأخذها المقطع، فالمقطع هو الذي ظلم الفلاحين، فإذا أعطى الوكيل المقطع من الضريبة ما يزيد على أجرة مثله ولم يأخذ لنفسه إلا أجرة عمله جاز له ذلك) [الفروع 6/ 513 (11/ 249)] (4). 1471 - لا قرعة في مكيل وموزون إلا للابتداء: - قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: لا قرعة في مكيل وموزون إلا للابتداء، فإن خرجت لرب الأكثر أخذ كل حقه، فإن تعدد سبب استحقاقه _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (508). (2) أي أجرة القاسم. (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: الأجرة). (4) «الفتاوى» (30/ 53)، «الاختيارات» للبعلي (509).
(2/1068)
توجه وجهان (1)) [الفروع 6/ 514 (11/ 250)] (2). 1472 - رجوع المستحق من الشريكين على شريكه: - قال ابن مفلح: (ومن كان بنى أو غرس فخرج مستحقا فقلع رجع على شريكه بنصف قيمته في قسمة إجبار إن قلنا: بيع، كقسمة تراض، وإلا فلا، وأطلق في «التبصرة» رجوعه، وفيه احتمال، قال شيخنا: إذا لم يرجع حيث لا يكون بيعا فلا يرجع بالأجرة ولا بنصف قيمة الولد في الغرور إذا اقتسما الجواري أعيانا، وعلى هذا، فالذي لم يستحق شيء من نصيبه يرجع الآخر عليه بما فوته من المنفعة هذه المدة. وهنا احتمالات: أحدها: التسوية بين القسمة والبيع، الثاني: الفرق مطلقا، الثالث: إلحاق ما كان من القسمة بيعا بالبيع (3)) [الفروع 6/ 515 (11/ 251 - 252)]. 1473 - إذا اقتسما فحصل طريق الماء في حصة أحدهما: - قال ابن مفلح: (وإن اقتسما فحصل الطريق في حصة واحد ولا منفذ للآخر بطلت، لعدم التعديل والنفع، قال شيخنا: كذا طريق ماء) [الفروع 6/ 516 (11/ 253)]. _________ (1) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (قوله: «فإن تعدد سبب استحقاقه توجه وجهان» انتهى، الظاهر أن هذا من تتمة كلام الشيخ تقي الدين، وأن المصنف قدم القرعة، وكذا قوله بعد ذلك بأسطر: «وهنا احتمالات: التسوية بين القسمة والبيع، والثاني: الفرق مطلقا، والثالث: إلحاق ما كان من القسمة بيعا بالبيع» وأن المصنف قدم حكما غير ذلك)، والموضع الثاني سيأتي في الفقرة التالية. (2) «الاختيارات» للبعلي (508). (3) انظر كلام المرداوي في التعليق السابق.
(2/1069)
باب الدعاوى
1474 - إذا تنازع الزوجان أو ورثتهما في قماش البيت: 1475 - وإذا تنازع صانعان في آلة دكانهما: - قال ابن مفلح: (وإن تنازع زوجان، أو ورثتهما، أو أحدهما وورثة الآخر ــ ولو أن أحدهما مملوك، نقله مهنا ــ في قُماش البيت (1)، فما صلح للرجل فهو له (2)، وعكسه بعكسه، وإلا فبينهما، وقيل: ولا عادة، نقل الأثرم: المصحف لهما، فإن كانت لا تقرأ أو لا تعرف بذلك فله. وكذا صانعان في آلة دكانهما، فآلة كل صنعة لصانعها. وقال القاضي في المسألتين: إن كان بيدهما المشاهدة فبينهما، وإن كان بيد أحدهما المشاهدة فله، ويتوجه طرده فيما تقدم. قال شيخنا: وكلام القاضي في «التعليق» يقتضي أن المدعى متى كان بيديهما، وإن لم يكونا بدكان كالزوجين) [الفروع 6/ 519 (11/ 257)]. 1476 - إذا كانت العين المدعاة بيد ثالث: - قال ابن مفلح: (وإن كانت بيد ثالث فادعاها لنفسه حلف لكل واحد يمينا، فإن نكل أخذاها منه وبدلها، واقترعا عليها (3)، وقيل: يقتسمانها كناكل _________ (1) أي: متاع البيت، كما في «المطلع» (281). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: للرجل مع يمينه، وللمرأة مع يمينها، ذكره في «المغني»). (3) في ط 2 والنسخة الخطية (ص 389): (عليهما)، والمثبت من ط 1.
(2/1070)
مقر لهما، وقيل: من قرع منهما وحلف فله، وقال شيخنا: قد يقال: تجزئ يمين واحدة (1)) [الفروع 6/ 519 (11/ 258)]. 1477 - سماع الشهادة في حق الآدمي غير المعين: 1478 - وسماع الدعوى مع عدم الخصم: - قال ابن مفلح: (ولا تصح الدعوى ولا تسمع ولا يستحلف في حق الله، كعبادة وحد وصدقة وكفارة ونذر، وفي «التعليق»: شهادة الشهود دعوى، وتقبل بينة عتق ولو أنكره العبد، ذكره الميموني، وذكره في «الموجز» و «التبصرة». وفي «الرعاية»: تصح دعوى حسبة، قيل لأحمد: في بينة الزنا تحتاج إلى مدع؟ فذكر خبر أبي بكرة، وقال: لم يكن مدع. وتصح قبلها الشهادة به (2)، وبحق آدمي غير معين، كوقف على الفقراء أو مسجد أو وصية له، قال شيخنا: وعقوبة كذاب مفتر على الناس والمتكلم فيهم، وتقدم في التعزير كلام أحمد والأصحاب. قال شيخنا في حفظ وقف وغيره بالثبات عن خصم (3) مقدر: تسمع الدعوى والشهادة فيه بلا خصم، وهذا قد يدخل في كتاب القاضي، وفائدته _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قد ذكر المصنف أنه إذا ادعاها لنفسه حلف لكل واحد يمينا، ثم ذكر عن شيخنا هذا). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: يصح قبل الدعوى الشهادة بحق الله تعالى). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (كذا في النسخ، والظاهر أن «عن» بمعنى «على»، كقولهم: رضي الله عنك، بمعنى: عليك).
(2/1071)
كفائدة الشهادة على الشهادة، وهو مثل كتاب القاضي إذا (1) كان فيه ثبوت محض، فإنه هناك يكون مدع فقط بلا مدعى عليه حاضر، لكن هنا المدعى عليه متخوف، وإنما المدعي يطلب من القاضي سماع البينة أو الإقرار، كما يسمع ذلك شهود الفرع، فيقول القاضي: ثبت ذلك عندي بلا مدعى عليه، وقد ذكره قوم من الفقهاء وفعله طائفة من القضاة، ولم يسمعها طوائف من الحنفية والشافعية والحنبلية، لأن القصد بالحكم فصل الخصومة، ومن قال بالخصم المسخر نصب الشر ثم قطعه. وذكر شيخنا أيضا ما ذكره القاضي من احتيال الحنفية على سماع البينة من غير وجود مدعى عليه، فإن المشتري المقر له بالبيع قد قبض المبيع وسلم الثمن، فهو لا يدعي شيئا ولا يُدَّعى عليه شيء، وإنما غرضه تثبيت الإقرار أو العقد، والمقصود سماع القاضي البينة وحكمه بموجبها، من غير وجود مدعى عليه، ومن غير مدع على أحد، لكن خوفا من حدوث خصم مستقبل، فيكون هذا الثبوت حجة بمنزلة الشهادة، فإن لم يكن القاضي يسمع البينة بلا هذه الدعوى، وإلا امتنع من سماعها مطلقا، وعطل هذا المقصود الذي احتالوا. قال شيخنا: وكلامه يقتضي أنه هو لا يحتاج إلى هذا الاحتيال، وأظن الشافعية موافقيه في إنكار هذا على الحنفية، مع أن جماعات من القضاة المتأخرين من الشافعية والحنبلية دخلوا مع الحنفية في ذلك، وسموه الخصم المسخر، وأما على أصلنا الصحيح وأصل مالك، فإما أن نمنع الدعوى على غير خصم منازع فتثبت الحقوق بالشهادات على الشهادات، _________ (1) في ط 1: (إذ)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص 390).
(2/1072)
كما ذكره من ذكره من أصحابنا، وإما أن تسمع الدعوى والبينة بلا خصم، كما ذكر طائفة من المالكية والشافعية، وهو مقتضى كلام الإمام أحمد وأصحابنا في مواضع، لأنا نسمع الدعوى والبينة على الغائب والممتنع، وكذا الحاضر في البلد في المنصوص (1)، فمع عدم خصم أولى، وإنما قال: بمحضر من خصمين جاز استماع وقبول البينة من أحدهما على الآخر من اشترط حضور الخصم في الدعوى والبينة، ثم احتال لعمل ذلك صورة بلا حقيقة، ولأن الحاكم يسمع الدعوى والبينة في غير وجه خصم ليكتب به إلى حاكم آخر. قال: وقال أصحابنا: كتاب الحاكم كشهود الفرع، قالوا: لأن المكتوب إليه يحكم بما قام مقام غيره؛ لأن إعلام القاضي للقاضي قائم مقام إعلام الشاهدين، فجعلوا كل واحد من كتاب الحاكم وشهود الفرع قائما مقام غيره، وهو بدل عن شهود الأصل، وجعلوا كتاب القاضي كخطابه، وإنما خصوه بالكتاب لأن العادة تباعد الحاكمين، وإلا فلو كانا في محل واحد كان مخاطبة أحدهما للآخر أبلغ من الكتاب. وبنوا ذلك على أن الحاكم يثبت عنده بالشهادة ما لم يحكم به، وأنه _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الذي ذكره المنصوص هنا من سماع الدعوى والبينة على الحاضر في البلد هو الذي صححه صاحب «المحرر» فيه، والذي قدمه المصنف في باب طريق الحكم: عدم السماع، ثم قال: «وقيل: يسمعان، ويحكم عليه، وعنه: يمتنع الحكم فقط»، قال في «المحرر»: وهو الأصح. والذي يظهر أن ذكر المنصوص هنا من جملة كلام الشيخ تقي الدين، لأنه في سياق كلامه، وإذا كان هو المرجح عند الشيخ تقي الدين لا يلزم أن يكون المرجح عند المصنف، فلا يعارض ما قدمه المصنف في باب طريق الحكم).
(2/1073)
يعلم به حاكما آخر ليحكم به، كما يعلم الفروع بشهادة الأصول، وهذا كله إنما يصح إذا سمعت الدعوى والبينة في غير وجه خصم، وهو يفيد أن كل ما يثبت بالشهادة على الشهادة يثبته القاضي بكتابه، ولأن الناس بهم حاجة إلى إثبات حقوقهم بإثبات القضاة، كإثباتها بشهادة الفروع، وإثبات القضاة أنفع، لأنه كفى مؤنة النظر في الشهود، وبهم حاجة إلى الحكم فيما فيه شبهة أو خلاف يدفع (1) وإنما يخافون من خصم حادث) [الفروع 6/ 524 - 526 (11/ 266 - 269)]. - وقال أيضا: (وقال الشيخ تقي الدين: وإذا كان الحق مؤبدا (2)، كالوقف وغيره، ويخاف إن لم يحفظ بالبينات أن ينسى شرطه أو يجحد ولا بينة ونحو ذلك، فهنا في سماع الدعوى والشهادة من غير خصم حفظ الحق الموجود عن خصم مقدر، وهذا أحد مقصودي القضاء، فلذلك يسمع طوائف من الحنفية والشافعية والحنابلة (3)، فعنده ليس للقضاء فائدة إلا فصل الخصومة، ولا خصومة فلا قضاء، فلذلك لا تسمع البينة إلا في وجه مدعًى عليه، لتظهر الخصومة، ومن قال بالخصم المسخر فإنه ينصب الشر ثم يقطعه، ومن قال: يسمع، فإنه يحفظ الحق الموجود، ويذر الشر المفقود. وقال أيضًا: وتارة تكون الدعوى خبرا ليس معها طلب أجل، كالإدعاء _________ (1) في ط 2: (لدفع)، والمثبت من ط 1 والنسخة الخطية (ص 390). (2) في حاشية «النكت»: (بهامش الأصل: الذي نقله ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين: «وإذا كان الحق في يد صاحبه» وهو أحسن). (3) في حاشية «النكت»: (الذي نقله ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين: «فلذلك يسمع ذلك ومن قال من الفقهاء: لا يسمع كما يقوله طوائف .. الخ»).
(2/1074)
بدين مؤجل، انتهى كلامه. وقال أيضًا: ومن الدعاوى ما يكون على غير مدعى عليه موجود، مثل رجل ابتاع شيئًا وتسلمه، فيدعي أنه ابتاع وتسلم، أو يدعي أن المكان الذي بيده وقف على كذا ونحو ذلك، فهذا مضمونه دعوى تَثَبُّت، لا دعوى حكم. فإن الطالب إما أن يطلب إقرارا أو إعطاء، وطلب الإقرار مقصوده هو الإعطاء، فإذا طلب إقرارا من معين لا طلب معه، فطلب من الحاكم تثبتا بأن يسمع الشهادة أو الإقرار، فهذا نوع واسع، لما احتاج إليه الناسُ أحدثوا الخصم المسخر، والدعوى المسخرة، وهو باطل وتلاعب بالشريعة، وهو موقوف على سماع الدعوى المقتضية للثبوت فقط لا الحكم، فائدته بقاء الحجة إن حدث منازع، وكأنه دعوى على خصم مظنون الوجود، أو خصم مقدر، وهذا قد يدخل في كتاب القاضي، وفائدته كفائدة الشهادة على الشهادة، وهو مثل كتاب القاضي إلى القاضي، إذا كان فيه ثبوت محض، فإنه هناك يكون مدع فقط من غير مدعى عليه حاضر، لكن هنا لا مدعى عليه حاضر ولا غائب، لكن المدعى عليه مخوف، فإنما المدعي يطلب من القاضي سماع البينة أو الإقرار، كما يسمع ذلك شهود الفرع، فيقول القاضي: ثبت ذلك عندي بلا مدعى عليه، وهذا ليس ببعيد، وقد ذكره قوم من الفقهاء، وفعله طائفة من القضاة. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 233 - 235]. 1479 - الشهادة قبل الدعوى في حق الآدمي المعين: - قال ابن مفلح: (ولا تقبل شهادة قبل الدعوى (1)، وقبلها في _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (المراد: إذا كانت الدعوى في حق لآدمي معين، لأنه في سياق الكلام عليه، وأما إذا كان في حق الله تعالى، أو لآدمي غير معين، فقد قدم في أول الفصل أنه لا يحتاج فيه إلى دعوى، وأن الشهادة تصح قبلها ... الخ).
(2/1075)
«التعليق» و «الانتصار» و «المغني» إن لم يعلم به، قال شيخنا: وهو غريب، وذكر الأصحاب: تسمع بالوكالة من غير حضور خصم، ونقله مهنا، قال شيخنا: ولو في البلد، وبناه القاضي وغيره على القضاء على الغائب، والوصية مثلها. قال شيخنا: الوكالة إنما تثبت استيفاء حق أو إبقاءه بحاله، وهو مما لا حق للمدعى عليه فيه، فإن دفعه إلى هذا الوكيل وإلى غيره سواء، ولهذا لم يشترط فيها رضاه، وأبو حنيفة يجعل للموكل عليه فيها حقا، ولهذا لا تجوز الخصومة إلا برضا الخصم، لكن طرد العلة ثبوت الحوالة بالحق من غير حضور المحال عليه، لعدم اعتبار رضاه، والوفاة وعدد الورثة يثبت من غير حضور المدين والمودع، ولو ادعى أنه ابتاع دار زيد الغائب فله أن يثبت ذلك من غير حضور من الدار في يده، وحاصله أن كل من عليه دين أو عنده عين فإذا لم يعتبر رضاه في إقباضها أو إخراجها عن ملكه لا يعتبر حضوره في ثبوتها، وعلى هذا فيجوز أن تثبت الوكالة بعلم القاضي، كما تثبت الشهادة، وتوكل (1) علي لعبد الله بن جعفر كالدليل على ذلك، فإنه أعلم الخلفاء أنه وكيله، ولم يشهد على ذلك ولا أثبتها في وجه خصم ... إلى أن قال (2): فالتوكيل مثل الولاية، وتثبت الولاية بالشهادة على المولى مع حضوره في البلد، ومن هذا كتاب الحاكم إلى الحاكم فيما حكم به) [الفروع 6/ 527 - 528 (11/ 270 - 272)]. _________ (1) كذا، ولعل الصواب: (توكيل) كما يأتي (ص 1078). (2) أي: ابن تيمية، والكلام لابن مفلح.
(2/1076)
- وقال أيضا: (وذكر القاضي في «التعليق»: أن الشهود لو شهدوا بحق قبل دعوى المدعي قبلت شهادتهم إن شهدوا بما لا يعلمه صاحب الحق، وإن شهدوا بما يعلمه قبل أن يدعيه لم تقبل. وفرق بينه وبين اليمين: أنه لو لم تسمع الشهادة أدى إلى ضياع حقه، لأنه غير عالم به فيطالب به، بخلاف اليمين، فإن الامتناع من سماعها بعد حضوره لا يؤدي إلى إسقاطها، لأنه حق له وهو عالم به، ولأن الشهود إذا علموا بالحق لزمهم إقامة الشهادة، لأن في الامتناع كتمانها، ولا يجوز أن يلزمهم إقامتها ولا تسميعها للحاكم. قال الشيخ تقي الدين ــ بعد ذكر كلام القاضي هذا ــ: وهذا الذي قاله القاضي ــ من صحة الشهادة قبل الدعوى ــ غريب. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 229 - 230]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: بناء هذه المسألة على القضاء على الغائب فيه نظر من وجهين: أحدهما: أنه يخرج فيها روايتان. الثاني: أن الخصم الحاضر في البلد لا يجوز القضاء عليه، إذا لم يمتنع، وهنا يثبتون الوكالة وإن كان الخصم حاضرًا في البلد، فليس هذا من هذا. بل الأجود أن يقال: الوكالة لا تثبت حقًا، وإنما تثبت استيفاء حق وإبقاءه، وذلك مما لا حق للمدعى عليه فيه، فإنه سيان عليه دفع الحق إلى هذا الوكيل أو إلى غيره، ولهذا لم يشترط فيها رضاه، وأبو حنيفة يجعل
(2/1077)
للموكل عليه فيها حقًا، ولهذا لا يجوز الوكالة بالخصومة إلا برضى الخصم، لكن طرد هذه العلة: أن الحوالة بالحق أيضا تثبت من غير حضور المحال عليه، لأنه لا يعتبر رضاه، وكذلك الوفاة، وعدد الورثة يثبت من غير حضور المدين والمودع، وكذلك لو ادعى أنه ابتاع دار زيد الغائب، فله أن يثبت ذلك من غير حضور مَنِ الدارُ في يده. وحاصله: أن كل من عليه دين لو عنده عين، إذا لم نعتبر رضاه في إقباضها أو إخراجها عن ملكه لا يعتبر حضوره في ثبوتها. وعلى هذا: فيجوز أن تثبت الوكالة بعلم القاضي كما تثبت الشهادة، وتوكيل علي بن أبي طالب لعبد الله بن جعفر كالدليل على ذلك، فإنه أعلم الخلفاء أنه وكله، ولم يشهد على ذلك، ولا أثبتها في وجه خصم. وهذا كله في غيبة الموكل عليه، فأما الموكل إذا كان حاضرا في البلد فلا ريب أن رضاه معتبر في الوكالة، وقد يكون عليه ضرر في ثبوتها، فإن اشترط حضوره تعذر إثباتها بالبينة، لأن جحوده عزل في أحد الوجهين، فهنا قد يقال: ليس في هذا قضاء عليه، بل هو له من وجه آخر، فإن التوكيل مثل الولاية بالشهادة على المولى، مع حضوره في البلد، ومن هذا كتاب الحاكم إلى الحاكم فيما حكم به. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 236 - 237]. - وقال أيضا: (وقال الجوزجاني: سئل الإمام أحمد عن رجل ادعى وكالة رجل غائب؟ قال: إذا ثبت ذلك عند الحاكم فهو جائز. قال الشيخ تقي الدين: في هذه المسألة ثبوت الوكالة، وسماع البينة بمجرد دعوى المدعي للوكالة من غير حضور مدعًى عليه، فكذلك الوصية،
(2/1078)
لأن الحاضرين الذين تقبض الأموال منهم وتخاصمهم ليسوا خصومًا لذلك في وصيته، وإنما هم خصوم في الموكل به، والموكل الذي يستوفي هذا على ماله غائب، والوكالة ليست قضاء عليه، بل قضاء له وعليه، فهذه المسألة ليست قضاء على الغائب، بل قضاء عليه وله. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 239]. - وقال أيضا: (وقال الشيخ تقي الدين أيضًا في تعليق آخر الدعاوى، قال: لما امتنع أصحاب أبي حنيفة من سماع البينة من غير المدعى عليه= رتبوا نصب خصم لا يستغنى به عن حضور المدعى عليه، من توكيل المدين والوصية إليه، وما يصنعه الوكيل والحاكم، لاشتراطهم مجلس الحكم مع الحاكم إياه، فأما وصف ما رتبوه فإنهم كتبوا توكيل المقر للمدين، وربما جعلوا التوكيل له ولابنه، أو له ولآخر معه، والوصية إليهما استظهارًا، ليكون إن مات أحدهما قبل أن يثبت الكسب يكون الآخر باقيًا، وإذا أشهد المقر على نفسه في كتاب الإقرار سفهًا (1)) [النكت على المحرر: 2/ 240 - 241]. 1480 - دعوى الاستيلاد: - قال ابن مفلح: (وفسر القاضي الاستيلاد بأن يدعي استيلاد أمة فتنكره. وقال شيخنا: بل هي المدعية (2)) [فروع 6/ 529 (11/ 273)] (3). _________ (1) في حاشية «النكت»: (كذا بالأصل). (2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (ظاهر هذه العبارة إطلاق الخلاف في تفسير الاستيلاد، فالقاضي يقول: إن المدعي هو السيد، والشيخ تقي الدين يقول: هي المدعية، وهو الصواب). (3) «الاختيارات» للبعلي (492).
(2/1079)
1481 - تغليظ اليمين: - قال ابن مفلح: (قوله: «وإن غلظها بزمان أو مكان أو لفظ جاز، ولم يستحب». وهذا اختيار القاضي وغيره، وقطع به في «المستوعب» وغيره، واختار أبو الخطاب الاستحباب، كمذهب الشافعي. وذكر الشيخ تقي الدين: أن أحد الأقسام معنى الأقوال أنه يستحب إذا رآه الإمام مصلحة) [النكت على المحرر: 2/ 220 (3/ 54)]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: قصة مروان تدل على أن القاضي إذا رأى التغليظ، فامتنع من الإجابة أدى ما ادعى به عليه، ولو لم يكن كذلك ما كان في التغليظ زجر قط. وهذا الذي قاله صحيح، والردع والزجر علة التغليظ، كما ذكره جماعة من أصحابنا وغيرهم، فلو لم يجب برأي الإمام لتمكن كل أحد من الامتناع منه، لعدم الضرر عليه في ذلك، وانتفت فائدته. وقال أيضًا: متى قلنا: هو مستحب للإمام، فينبغي أنه إذا امتنع منه الخصم صار ناكلا) [النكت على المحرر: 2/ 223] (1). 1482 - مكان تغليظ اليمين في القدس: - قال ابن مفلح: (وتجزئ اليمين بالله وحده، وللحاكم تغليظها فيما له خطر كجناية وعتق وطلاق ونصاب زكاة، وقيل: نصاب سرقة بزمن أو مكان _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (511 - 512).
(2/1080)
أو لفظ ... فالزمن بعد العصر، أو بين أذان وإقامة، والمكان بمكة بين الركن والمقام، وبالقدس عند الصخرة. وقال شيخنا: عند المنبر، كبقية البلاد) [الفروع 6/ 532 - 533 (11/ 278 - 279)]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين في «اقتضاء الصراط المستقيم» ــ بعد ذكره هذه المسألة ــ: ليس لها أصل في كلام الإمام أحمد ونحوه من الأئمة، بل السنة: أن تغلظ اليمين فيها كما تغلظ في سائر المساجد عند المنبر، ولا تغلظ اليمين بالتحليف عند ما لم يشرع للمسلمين تعظيمه، كما لا تغلظ بالتحليف عند المشاهد، ونحو ذلك) [النكت على المحرر: 2/ 221 - 222] (1). 1483 - لا يُحَلَّف بطلاقٍ: - قال ابن مفلح: (ولا يحلف بطلاق، ذكره شيخنا وفاقا، وابن عبد البر إجماعا) [الفروع 6/ 533 (11/ 280)]. 1484 - إذا تعارضت البينتان: - قال ابن مفلح: (وإن شهدت بينتان أنه أتلف ثوبا قالت بينة: قيمته عشرة، وبينة: عشرون، ثبت عشرة، وعنه: يسقطان لتعارضهما، وقيل: يقرع، وقيل: عشرون، وقاله شيخنا في نظيرها فيمن آجر حصة موليه، قالت بينة: بأجرة مثله، وبينة: بنصفها) [الفروع 6/ 543 (11/ 295 - 297)] (2). _________ (1) «اقتضاء الصراط» (2/ 820)، «الاختيارات» للبعلي (511). (2) «الاختيارات» للبعلي (510).
(2/1081)
كتاب الشهادات
1485 - إذا امتنع أداء الشهادة امتنعت كتابتها: - قال ابن مفلح: (وكتابة كشهادة، في ظاهر كلام الشيخ وشيخنا) [الفروع 6/ 549 (11/ 309)] (1). 1486 - أخذ الأجرة والجعل على الشهادة: - قال ابن مفلح: (ويحرم في الأصح أخذ أُجرة وجُعْلٍ، وقيل: إن تعينت، وقيل: ولا حاجة، وذكر شيخنا وجها: يجوز لحاجة تعينت أو لا، واختاره) [الفروع 6/ 550 (11/ 309)] (2). 1487 - كتم الشهادة: - قال ابن مفلح: (ولا يقيم شهادة لآدمي حتى يسأله، ولا يقدح فيها، كشهادة حسبة، ويقيمها بطلبه ولو لم يطلبها حاكم، ويحرم كتمها، قال شيخنا: ويقدح فيه، وقال: إن كان بيد من لا يستحقه ولا يصل إلى من يستحقه لم يلزمه إعانة أحدهما، ويعين متأولا مجتهدا على غيره) [الفروع 6/ 551 (11/ 310)] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (513)، ونصه: (وحيث امتنع أداء الشهادة امتنعت كتابتها في ظاهر كلام أبي العباس والشيخ أبي محمد المقدسي). (2) «الاختيارات» للبعلي (513) , وانظر: «الفتاوى» (28/ 573 - 574؛ 31/ 288). (3) «الاختيارات» للبعلي (513).
(2/1083)
1488 - أداء الشهادة قبل طلبها: - قال ابن مفلح: ( ... وقال شيخنا: الطلب العرفي أو الحالي كاللفظي (1)، علمها الآدمي أو لا، وأنه ظاهر الخبر، وأن خبر: «يشهد ولا يستشهد» على الزور (2)، وأنها ليست حقا لأحد، وإلا لتعين إعلامه، ولما تحملها بلا إذنه. وقال في «رده على الرافضي»: إذا أداها قبل طلبه قام بالواجب وكان أفضل، كمن عنده أمانة فأداها عند الحاجة، وأن المسألة تشبه الخلاف في الحكم قبل الطلب) [الفروع 6/ 551 (11/ 310 - 311)] (3). _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (ذكر هنا أداء الشهادة قبل طلبها، وأما أداؤها قبل الدعوى، فقد تقدم في آخر باب الدعاوى في فصل: ولا تصح الدعوى، ولا تسمع). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (وقد ورد خبران: أحدهما: فيه ذم الشاهد الذي يشهد، ولا يستشهد، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» قال الراوي: فلا أدري، أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة؟ ثم يأتي قوم ينذرون ولا يوفون، ويشهدون ولا يستشهدون» رواه البخاري، وروى أبو داود: «ألا أنبئكم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها». فبعضهم حمل حديث الذم على شاهد الزور، لأنه شهد، ولم يستشهد، وحمل خبر أبي داود على غيره، وحمل بعضهم حديث البخاري على ما إذا كان الشهادة يعلمها، وخبر أبي داود على عدم علمه). (3) «منهاج السنة» (8/ 385 - 386) «الاختيارات» للبعلي (513)، وانظر: «الفتاوى» (20/ 126).
(2/1084)
1489 - الشهادة بالاستفاضة: - قال ابن مفلح: (ويشهد باستفاضة عن عدد يقع بهم العلم، وقيل: عدلان، واختار في «المحرر» وحفيده: أو واحد يسكن إليه) [الفروع 6/ 553 (11/ 317)]. - وقال أيضا: (وفي «التعليق» وغيره: الشهادة بالاستفاضة خبر لا شهادة، وأنها تحصل بالنساء والعبيد. وقال شيخنا: هي نظير أصحاب المسائل عن الشهود، على الخلاف) [الفروع 6/ 553 (11/ 317 - 318)] (1). 1490 - الشاهد يشهد بما سمع، وإذا قامت بينة بتعيين ما دخل في اللفظ قبل: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: الشاهد يشهد بما سمع، وإذا قامت بينة بتعيين ما دخل في اللفظ قبل، كما لو أقر لفلان عندي كذا، وأن داري الفلانية أو المحدودة بكذا لفلان، ثم قامت بينة بأن هذا المعين هو المسمى والموصوف أو المحدود، فإنه يجوز باتفاق الأئمة) [الفروع 6/ 556 (11/ 322)] (2). 1491 - الشهادة على الخط: 1492 - ومن كتب وصيته وقال: اشهدوا علي بما فيها: - قال ابن القيم: (قال إسحاق بن إبراهيم: قلت لأحمد: الرجل يموت _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (514). (2) «الاختيارات» للبعلي (515).
(2/1085)
وتوجد له وصية تحت رأسه، من غير أن يكون أشهد عليها، أو أعلم بها أحدا، هل يجوز إنفاذ ما فيها؟ قال: إن كان قد عرف خطه، وكان مشهور الخط، فإنه ينفذ ما فيها. وقد نص في الشهادة أنه إذا لم يذكرها ورأى خطه لا يشهد حتى يذكرها، ونص فيمن كتب وصيته، وقال: اشهدوا علي بما فيها= أنهم لا يشهدون إلا أن يسمعوها منه، أو تقرأ عليه فيقر بها. فاختلف أصحابنا: فمنهم من خَرَّج في كل مسألة حكم الأخرى، وجعل فيها وجهين بالنقل والتخريج. ومنهم من امتنع من التخريج، وأقر النصين، وفرق بينهما. واختار شيخنا التفريق، قال: والفرق أنه إذا كتب وصيته، وقال: اشهدوا علي بما فيها= فإنهم لا يشهدون لجواز أن يزيد في الوصية وينقص ويغير، وأما إذا كتب وصيته ثم مات، وعرف أنه خطه، فإنه يشهد لزوال هذا المحذور) [الطرق الحكمية 301].
(2/1086)
باب شروط من تقبل شهادته وما يمنع قبولها
1493 - المصر على ترك الجماعة ليس بعدل: - قال ابن مفلح: (وكذا في «الفصول»: الإدمان على ترك هذه السنن الراتبة (1) غير جائز، واحتج بقول أحمد في الوتر، لأنه يعد راغبا عن السنة، وقال بعد قول أحمد في الوتر: وهذا يقتضي أنه حكم بفسقه، ونقل جماعة: من ترك الوتر ليس عدلا، وقاله شيخنا في الجماعة على أنها سنة (2)، لأنه يسمى ناقص الإيمان) [الفروع 6/ 561 (11/ 332)]. - وقال أيضاً: (وقال الشيخ تقي الدين ــ في المصرِّين على ترك الجماعة ــ: ترد شهادتهم، بل يقاتلون في أحد القولين، وهذا عند من لا يقول بوجوبها، فأما من قال بوجوبها: فإنه يقاتل تاركها، ويفسق المصرِّين على تركها، إذا قامت عليهم الحجة التي تبيح القتال والتفسيق، كما يقاتل أهل البغي بعد إزالة الشبهة ورفع المظلمة) [النكت على المحرر: 2/ 260] (3). 1494 - رد الشهادة بكذبة: - قال ابن مفلح: (وعنه: ترد بكذبة، وهو ظاهر «المغني»، واختاره شيخنا) [الفروع 6/ 562 (11/ 333)] (4). _________ (1) (الراتبة) ليست في ط 2 ولا في النسخة الخطية (ص 396). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: قال شيخنا فيمن ترك الجماعة على القول بأنها سنة). (3) «جامع المسائل» (4/ 130) , «الاختيارات» للبعلي (518). (4) «الاختيارات» للبعلي (517).
(2/1087)
1495 - رد شهادة القاذف: - قال ابن مفلح: (وقال القاضي: إذا عجز عن تصديق نفسه بإقامة البينة صار فاسقًا وسقطت شهادته. وقولهم: «يجوز أن يكون صادقا في قذفه» غير صحيح، لأنه إذا عجز عن إقامة البينة حكمنا بكذبه، ألا ترى أنه يوجب الحد عليه؟ ولا يجوز أن نوجب الحد عليه ولم نحكم بكذبه. قال الشيخ تقي الدين ــ عن كلام القاضي هذا ــ: وهذا الكلام يقتضي: أنه يفسق حين يجب عليه الحد، وذلك يستدعي مطالبة المقذوف، وقالت الحنفية: الحاكم لو شاهد رجلا يزني أو يسرق يحكم بفسقه ولم يقبل شهادته، ولو رآه يقذف لم يحكم بفسقه لجواز كونه صادقا، قال القاضي: إذا عجز عن إقامة البينة حكم بفسقه. وقال أبو الخطاب في «الانتصار»: ولا فرق بينهما، ولأنه لم يذكر شهادته بصورة الزنا والسرقة لجواز الشبهة، فإن انكشف له الحال بأنه زنى بانتفاء الشبهة رد حينئذ، كالقذف سواء إذا عجز عن إقامة البينة على صدقه وشهادته وحكم بفسقه وحده، ولا فرق بينهما. وقال القاضي بعد ذلك: لا يحكم بكذبه بنفس القذف، وإنما يحكم بالقذف والعجز عن تصديقه بالبينة، وذلك متأخر عن حال القذف بدليل قوله تعالى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] فحكم بكذبهم بالعجز عن الإيتاء بالشهادة (1). _________ (1) في حاشية «النكت»: (بهامش الأصل: الذي في «النكت» عن شيخ السلامية: عن الإتيان بالشهادة).
(2/1088)
ثم قال: فإن قيل: فيجب أن تقبل شهادته قبل عجزه عن إقامة البينة، لأنه لم يحكم بكذبه. قيل: إنما لم تقبل شهادته قبل ذلك، لأن القذف سبب في القدح في العدالة، فأكسب ذلك شبهة في قبولها، كطعن الخصم في الشهود. قال الشيخ تقي الدين: هذا يدل على أنه يتوقف عن القبول بعد القذف وقبل العجز، ثم قال: واحتج بأنه يجوز أن يأتى بالبينة قبل وقوع الحد عليه فلا يتبين عجزه عن إقامة البينة قبل وقوع الحد عليه، فيجب أن تقبل شهادته. والجواب: أن هذا التجويز لم يمنع من إقامة الحد عليه، كذلك لا يمنع من رد الشهادة، لأن الحد لا يجوز استيفاؤه إلا بعد ثبوت سببه كسائر الحدود، فلما جاز استيفاؤه في هذا الحال وجب الحكم بفسقه ورد شهادته. قال الشيخ تقي الدين: فقد تحرر أن القاذف له ثلاثة أحوال: أحدها: أن لا تطلب منه البينة. الثاني: أن تطلب منه فيعجز. الثالث: أن تطلب منه فيذهب ليأتي بها، وهنا يتوجه أن ينظر ثلاثة أيام، فمن عجز فهو فاسق، ومتى ذهب ليأتي بها فهو بمنزلة المطعون فيه. وإن لم يطالب بالحد ولا بالبينة فهنا على مقتضى كلام القاضي لم تزل عدالته، وهو ظاهر القرآن، ويحتمل كلامه الثاني: أن يكون مطعونا فيه، وعلى عموم كلامهم في أن القذف يوجب الفسق: لا تقبل شهادته. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 249 - 250].
(2/1089)
1496 - التفريق بين شهادة القاذف وخبره: - قال ابن مفلح: (قال القاضي في «العدة»: فأما أبو بكرة ومن جُلد معه فلا يرد خبرهم، لأنهم جاءوا مجيء الشهادة، وليس بصريح في القذف، وقد اختلفوا في وجوب الحد فيما يسوغ فيه الاجتهاد، ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد، ولأن نقصان العدد من معنى وجهة غيره، فلا يكون سببا في رد شهادته. انتهى كلامه. ويوجه بأنه أحد نوعي القذف، فاستوت فيه الشهادة والرواية في القبول كالنوع الآخر، فإن القاذف في الشتم لا تقبل شهادته ولا روايته حتى يتوب، وحكي هذا عن الشافعي. قال الشيخ تقي الدين ــ عقيب كلام القاضي المذكور ــ: مضمون هذا الكلام: أنه يقبل خبره وشهادته، وهو خلاف المشهور، والمحفوظ عن عمر في قوله لأبي بكرة: تب، أقبل شهادتك، ولكن الناس قبلوا رواية أبي بكرة، فيجوز أن ترد شهادته كما لو جلد، ويقبل خبره كالمتأول في شرب النبيذ ونحو ذلك، ولأن الخبر لا يرد بالتهمة التي ترد بها الشهادة، من قرابة أو صداقة أو عداوة أو نحو ذلك، أو لاشتراك المخبر والمخبر فيه بخلاف الشهادة. انتهى) [النكت على المحرر: 2/ 250 - 251]. 1497 - توبة القاذف: - قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين: ويتوجه أن يحمل قوله (1): «إذا أكذب نفسه» على الشهادة بالقذف، كقضية أبي بكرة) [النكت على المحرر: 2/ 255]. _________ (1) أي: الإمام أحمد.
(2/1090)
- وقال أيضا: (ثم إن القاضي ذكر بعد ذلك المسألة بخلاف ذلك، وقال: إن شهادته تقبل بمجرد التوبة، لأنا قد حكمنا بصحة التوبة في الباطن فلم نعتبر في قبول الشهادة إصلاح العمل كالتوبة عن الردة. وقال الشيخ تقي الدين ــ عند قوله: «إن القاذف تقبل شهادته إذا تاب» ــ: معناه: التوبة الصحيحة التي يعلم صحتها، وذلك لا يكون إلا بعد سنة، وصلاح العمل المذكور في القرآن إنما هو لتصحيح التوبة، وسقوط العقوبة لا يستلزم قبول الشهادة، فإن العقوبة تسقط بالشهادات، وبالدخول في أوائل الخير، وعلى هذا فلا فرق بين التوبة من الردة وغيرها. وقوله ــ يعني القاضي ــ: «قد حكمت بصحة التوبة في الباطن» فيه نظر، ونصوص أحمد تخالف ذلك، فإنه إن أراد أنه هو الذي حكم بذلك فقد يصدق، وأما نحن فلم نحكم بصحتها في الباطن. قال القاضي: ولأن القذف على ضربين: قذف بلفظ الشتم ــ كقوله: زنيت وأنت زان ــ، وقذف بلفظ الشهادة المردودة، ثم إذا كان بلفظ الشهادة المردودة قبلت شهادته بمجرد التوبة، كما دل عليه حديث عمر، فكذلك إذا كان بلفظ الشتم. قال: ولأنه يقبل خبره بمجرد التوبة، ولا يعتبر فيه صلاح العمل، كذلك في باب الشهادة. واستشهد بآية الفرقان والبقرة، وفي كلاهما نظر، قاله الشيخ تقي الدين) [النكت على المحرر: 2/ 256 (3/ 96)].
(2/1091)
1498 - توبة الفاسق والمبتدع: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وعنه (2): يعتبر معها (3) ــ في غير القاذف ــ إصلاح العمل سنة» لما تقدم، لأن فيها يتبين صلاحه لاختلاف الأهوية وتغير الطباع، وعن الشافعي كالروايتين، وقيل: إن فسخ بفعل وإلا فلا يعتبر فيه إصلاح ذلك، وقيل: يعتبر مضي مدة يعلم فيها حاله بذلك. وذكر القاضي في موضع: أن التائب من البدعة يعتبر له مضي سنة، لحديث صبيغ أن عمر - رضي الله عنه - لما ضربه أمر بهجرانه حتى بلغته توبته، فأمر أن لا يكلم إلا بعد سنة. رواه الإمام أحمد - رضي الله عنه -. وروى المروذي (4) عن أحمد أنه قال: لا يكلم التائب عن البدعة إلا بعد أن يأتي عليه سنة، كما أمر عمر بن الخطاب أن لا نكلم صبيغ إلا بعد سنة، وقال: من علامة توبته في هذه السنة أن ينظر إليه، فإن كان يوالي من عاداه على بدعته، ويعادي من والاه فهذه توبة صحيحة. واختار القاضي في موضع: أن التائب من البدعة كغيره في أنه لا يعتبر إصلاح العمل. وقال عن هذا النص: محمول على طريق الاختيار والاحتياط. وقال: وقد قال الإمام أحمد في رواية يعقوب ــ في رجل من الشكاك _________ (1) أي: صاحب «المحرر». (2) أي: الإمام أحمد. (3) أي: توبة الفاسق. (4) في الأصل: (المروزي).
(2/1092)
أظهر التوبة ــ فقال: يتوب فيما بينه وبين الله، ويجانب أهل مقالته حتى يعرف الناس أنه تائب. قال: وظاهر هذا أنه لم يجعل مجانبته شرطا في صحة توبته، وإنما جعلها ليكون ذلك دلالة على توبته عند من عرف ذلك منه، ولم يشترط معنى زائدا على ذلك. وهذا اختياره في «المغني»، قال: والصحيح أن التوبة من البدعة كغيرها، إلا أن تكون التوبة بفعل يشبه الإكراه كتوبة صبيغ، فتعتبر له مدة تظهر أن توبته عن إخلاص لا عن إكراه. وقال الشيخ تقي الدين: من تأمل كلام أحمد وجده إنما يعتبر في جميع المواضع التوبة، لكن نحن لا نعلم صدقه في توبته بمجرد قوله: قد تبت، فلا بد من انكفافه عن ذلك الذنب، وعلاماته سنة، ليكون هذا دليلا لنا على صدق توبته فيما بينه وبين الله، ويجانب أهل مقالته، حتى يعرف الناس أنه تائب، فجعل التوبة فيما بينه وبين الله صحيحة في الحال، وأما عند الناس فيترك مواضع الذنب، وهو مجانبة أصحاب الذنب. وقول القاضي: «إنما أمر بذلك ليكون دليلا على توبته عند من عرف ذلك منه» ضعيف، لأن المجانبة لأهل المقالة المبتدعة واجبة، وإنما أمر به لأن ملازمته دليل على القيام بموجب التوبة، ولأنه قال: حتى يعرف الناس منه ذلك، وهذا يقتضي معرفة من عرف أنه قد تاب، ومن لم يعرف أنه تاب، ألا ترى أن المسألة: أنه أظهر التوبة، فحقيقة التوبة عن إظهار، وكذلك قوله: «من علامة توبته موالاة من عاداه على البدعة، ومعاداة من والاه عليها»، وقال: «فهذه توبة صحيحة»، فعلمت أنه لا بد من علامة تدلنا على صحة
(2/1093)
التوبة، وإلا فلو كان مجرد التكلم بالتوبة موجبا لصحتها لم يحتج إلى علامة. ثم ذكر الشيخ تقي الدين كلامه المكتوب في القاذف (1)) [النكت على المحرر: 2/ 258 - 259]. 1499 - حد العدل: - قال ابن مفلح: (وظاهر «الكافي»: العدل من رجح خيره ولم يأت كبيرة، لأن الصغائر تقع مكفرة أولا فأولا فلا تجتمع، قال ابن عقيل: لولا الإجماع لقلنا به، وظاهر «العدة» للقاضي: ولو أتى كبيرة، قال شيخنا: صرَّح (2) به في قياس الشبه) [الفروع 6/ 563 (11/ 335)]. 1500 - حد الكبيرة: - قال ابن مفلح: (وهي (3) ما فيه حد أو وعيد، نص عليه، وعند شيخنا: أو غضب أو لعنة أو نفي الإيمان. قال: ولا يجوز أن يقع نفي الإيمان لأمر مستحب، بل لكمال واجب. قال: وليس لأحد أن يحمل (4) كلام أحمد (5) إلا على معنى يبين من كلامه ما يدل على أنه مراده، لا على ما يحتمله اللفظ في كلام كل أحد. _________ (1) سبق قريبا. (2) في ط 1: (خرج)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص 396). (3) أي: الكبيرة. (4) في ط 1: (يحكم)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص 396). (5) كذا في ط 1 وط 2 والنسخة الخطية (ص 396) , وفي «الفتاوى»: (أحد) والسياق يدل على أنه الصواب, والله أعلم.
(2/1094)
قال: ومن هذا الباب: «من غشنا فليس منا»، و «من حمل علينا السلاح فليس منا») [الفروع 6/ 564 (11/ 336)] (1). 1501 - من الكبائر: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من شهد على إقرار كذب مع علمه بالحال، أو تكرر نظره إلى الأجنبيات والقعود له بلا حاجة شرعية قدح في عدالته. قال: ولا يستريب أحد فيمن صلى محدثا، أو لغير القبلة، أو بعد الوقت، أو بلا قراءة، أنه كبيرة) [الفروع 6/ 565 (11/ 337)] (2). وانظر: ما يأتي برقم (1539). 1502 - خبر المبتدع: - قال ابن مفلح: (وذكر جماعة في خبر غير الداعية روايات (3): الثالثة إن كانت مفسقة قبل، وإن كانت مكفرة رد، وسبقت المسألة في البغاة, واختار شيخنا: لا يفسق أحد، وقاله القاضي في «شرح الخرقي» في المقلد كالفروع؛ لأن التفرقة بينهما ليست من أئمة الإسلام، ولا تصح، وإن نهى _________ (1) انظر: «الفتاوى» (7/ 36؛ 11/ 650 - 657). (2) «الاختيارات» للبعلي (517 - 518). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (المبتدع غير الداعية، هو الذي لم يدع إلى بدعته، اختار أبو الخطاب القبول، واختار القاضي وغيره عدمه، وأما الداعية فلا تقبل روايته عند جمهور العلماء منهم الشافعية، وجزم به القاضي وأبو الخطاب وغيرهما، وقبله بعض أصحابنا وغيرهم، وحكي عن الشافعي، قال ذلك المصنف في «أصوله»).
(2/1095)
الإمام أحمد عن الأخذ عنهم لعلة الهجر، وهي تختلف، ولهذا لم يرو الخلال عن قوم لنهي المروذي، ثم روى عنهم بعد موته. قال: وجعل القاضي الدعاء إلى البدعة قسما غير داخل في مطلق العدالة، والبدعة المفسقة) [الفروع 6/ 567 (11/ 339 - 340)] (1). 1503 - من أتى فرعا مختلفا فيه: - قال ابن مفلح: (ومن أتى فرعا مختلفا فيه يعتقد تحريمه ردت شهادته، نص عليه، وقيل: لا، كمتأول، وفيه في «الإرشاد»: إلا أن يجيز ربا الفضل، أو يرى الماء من الماء، لتحريمهما الآن، وذكرهما شيخنا مما خالف النص من جنس ما ينقض فيه حكم الحاكم. وقال: اختلف الناس في دخول الفقهاء في أهل الأهواء، فأدخلهم القاضي وغيره، وأخرجهم ابن عقيل وغيره) [الفروع 6/ 569 - 570 (11/ 343)] (2). 1504 - شارب النبيذ: - قال ابن مفلح: (وعنه: يفسق متأول، لم يسكر من نبيذ، اختاره في «الإرشاد» و «المبهج»، كحده، لأنه يدعو إلى المجمع عليه والسنة المستفيضة، وعلله ابن الزاغوني بأنه إلى الحاكم لا إلى فاعله، كبقية الأحكام، وفيه في «الواضح» روايتان، كذمي شرب خمرا، وهو ظاهر «الموجز»، واختلف كلام شيخنا) [الفروع 6/ 570 (11/ 343)]. _________ (1) «المسودة» (1/ 526). (2) «الفتاوى» (18/ 333).
(2/1096)
- وقال أيضا: (وقال ابن أبي موسى: الأظهر من قول الإمام أحمد: أنه لا تقبل شهادة من شرب النبيذ متأولا ولم يسكر، قال في «الرعاية»: لفسقه إذًا، وهذا قول مالك، واختاره الشيخ تقي الدين، وقال: ترد شهادته لاستحقاقه الهجر والعقوبة كالمبتدع، والعلة: أنه موجب للحد، وهذا لا يتعداه) [النكت على المحرر: 2/ 260] (1). 1505 - تتبع رخص العلماء: - قال ابن مفلح: (ومن أخذ بالرخص فنصه: يفسق، وذكره ابن عبد البر إجماعا. وقال شيخنا: كرهه العلماء) [الفروع 6/ 571 (11/ 344 - 345)]. - وقال أيضاً: (قال القاضي على ظهر أجزاء «العدة»: نقلت من «مجموع» (2) لأبي حفص البرمكي ــ من خط ولده أبي إسحاق ــ: عبد الله: سمعت أبي يقول: لو أن رجلا عمل بكل رخصة، بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في المشاع، وأهل مكة في المتعة، لكان فاسقا. قال القاضي: هذا محمول على أحد وجهين: إما أن يكون من أهل الاجتهاد ولم يؤده اجتهاده إلى الرخص، فهذا فاسق؛ لأنه ترك ما هو الحق عنده واتبع الباطل. أو يكون عاميا فأقدم على الرخص من غير تقليد، فهذا أيضا فاسق، لأنه أخل بفرضه وهو التقليد، فأما إن كان عاميا وقلد في ذلك لم يفسق، لأنه _________ (1) انظر: «الفتاوى» (3/ 199؛ 12/ 495؛ 32/ 134)، «جامع المسائل» (4/ 130). (2) في ط 1: (المجموع)، والمثبت من ط 2.
(2/1097)
قلد من يسوغ اجتهاده. قال الشيخ تقي الدين: قد فسق العاصي المجتهد إذا عمل برخصة مختلف فيها من غير اجتهاد، والعامي إذا عمل بها من غير تقليد، ومع هذا فكلام الإمام أحمد إنما هو فيمن يتبع الرخص مطلقًا المختلف فيها مع ضعفها، وهذا فاسق، لأنه يفعل الحرام قطعا. انتهى كلامه. ولم يقل في موضع آخر: مع ضعفها. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 261 - 262 (3/ 103)] (1). 1506 - الشهادة على العقد الفاسد المختلف فيه: - قال ابن مفلح: (فصل: هل يجوز أن يشهد العقد الفاسد المختلف فيه ويشهد به؟ ينبغي أن يقال: يدخل في كلام الأصحاب، فإن كان متأولا أو مقلدا لمتأول جاز، وفي بعض المواضع خلاف ... وإلا لم يجز. وقال الشيخ تقي الدين: قال القاضي: هل يجوز أن يشهد العقد الفاسد ويشهد به؟ فإن كان ذلك في عقد متفق على فساده ــ كعقد الربا، والعقد المشروط فيه الخيار المجهول، أو شرط باطل بإجماع ــ لم يجز شهوده، ولم تجز الشهادة به، فأما إن كان فساده مما يسوغ الاجتهاد فيه فلا يمنع، لأنه لا يقطع على فساده، نص عليه في رواية أحمد بن صدقة، وقد سأله: فإن كانوا يشهدون على ربا؟ قال: لا يشهدون على ربا إذا علموا. _________ (1) انظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (555).
(2/1098)
وقال في رواية حرب ــ في الرجل يدعى إلى الشهادة، ويظن أنه ربا أو بيع فاسد ــ قال: إذا علم ذلك فلا يشهد. وقال في رواية بكر بن محمد عن أبيه في الرجل يفضل بعض ولده يشهد؟ قال: لا يشهد، قيل له: فقد شهد؟ فقال: لا تشهد للذي أشهدك ولا لولده. وكذلك نقل إسماعيل بن سعيد: لا تشهد على عطية من لم يعدل فيها. وكذلك نقل أبو الحارث: إذا علمت أنه يريد أن يزوي ميراثه عن ورثته، يصيره لبعض دون بعض، لا تشهد له بشيء. قال: وظاهر هذا يقتضي أنه لا يشهد، وإن كان مختلفا فيه، لأن تفضيل بعضهم على بعض مختلف فيه، واحتج بقوله: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يشهد». ولحديث النعمان بن بشير، ولحديث: «لعن شاهدا الربا»، قال: ولأن فعل الفاسد منكر، وحضور المنكر منكر. فإن قيل: ما رويتموه من الأخبار في أحكام يسوغ فيها الاجتهاد، وهو الشهادة في نكاح المحرم، وإذا خص بعض أولاده؟ قيل: في هذا تنبيه على تحريم ذلك فيما اتفق على فساده، وإذا قام الدليل على المختلف فيه خصصناه وبقي تنبيهه على ظاهره. فإن قيل: فالشاهد لا يلزم بشهادته، وإنما ذلك إلى اجتهاد الحاكم؟ قيل: وإن لم يلزم فلا يجوز له أن يحضر المنكر، لأن حضوره منكر.
(2/1099)
فإن قيل: فلله حكم في الفاسد، كما له حكم في الصحيح، فهو ينقل الفاسد فينفذه الحاكم؟ قيل: فيجب أن يحضر المؤاجر المشاهد بيع الخمر فيشهد بذلك، وكذلك دور الفسق لشاهد الزنا، فيشهد بذلك، لأن لله فيه حكما، وهو سقوط ثمن الخمر، ومهر الزانية. قال الشيخ تقي الدين: الشهادة عليه إعانة على حصوله، والإعانة على المحرم محرمة، فأما إذا غلب على ظنه أنه يشهد عليه ليبطله فذلك شيء آخر. انتهى كلامه. وظاهر قول الشيخ تقي الدين كما تقدم في أول الفصل، وعليه ما ذكره القاضي في نص الإمام أحمد) [النكت على المحرر: 2/ 263 - 265]. - وقال أيضا: (وقال الشيخ تقي الدين في موضع آخر: فصل، الشهادة على الإقرار الذي يعلم أنه تلجئة أو كاذب أو فيه تأويل. وقد أبطل الإمام أحمد إقرار التلجئة، ونصه مكتوب عند مسألة الإقرار للزوجة إذا أبانها ثم تزوجها. وقال في موضع آخر: إن الأمر بإقرار باطل: مثل أمر المريض أن يقر لوارث بما ليس بحق ليبطل به حق بقية الورثة، فإن الأمر بذلك والشهادة عليه باطل) [النكت على المحرر: 2/ 266] (1). 1507 - التمذهب بمذهب من المذاهب: - قال ابن مفلح: (وأما لزوم التمذهب بمذهب وامتناع الانتقال إلى _________ (1) «الفتاوى» (35/ 396).
(2/1100)
غيره في مسألة ففيها وجهان، وفاقا لمالك والشافعي وعدمه أشهر، وفي اللزوم (1) طاعة غير النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل أمره ونهيه، وهو (2) خلاف الإجماع (3)، قاله شيخنا. وقال: جوازه فيه ما فيه. قال: ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وإن قال ينبغي كان جاهلا ضالا. قال: ومن كان متبعا لإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل أو لكون أحدهما أعلم وأتقى فقد أحسن ولم يقدح في عدالته، بلا نزاع. وقال أيضا: في هذه الحال يجوز عند أئمة الإسلام. وقال أيضا: بل يجب، وأن أحمد نص عليه) [الفروع 6/ 571 - 572 (11/ 345 - 346)] (4). 1508 - اللهو: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل لهو يلهو _________ (1) في ط 2 (وفي لزوم)، والمثبت من ط 1 والنسخة الخطية (ص 397). (2) في ط 1: (وهذا)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص 397). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: القول بأنه يلزم التمذهب بمذهب يأخذ برخصه وعزائمه، ويمنع من الانتقال إلى غيره في مسألة، فيه طاعة غير النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل أمره ونهيه، وهذا خلاف الإجماع، وهذا القول الذي يلزم منه خلاف الإجماع هو أحد الوجهين). (4) «جامع المسائل» (4/ 319 - 320) , «مختصر الفتاوى المصرية» (555)، «الاختيارات» للبعلي (482).
(2/1101)
به فهو باطل، إلا رمية بقوس، وتأديب فرسه، وملاعبته امرأته، فإنهن من الحق» يدخل في معنى الثلاثة ما كان من جنسهن. فإن ملاعبة السرية كملاعبة المرأة سواء. وأما تأديب الفرس: فقريب منه تأديب البعير؛ لأن كلاهما يشتركان في الإيجاف والسباق، ولهذا أسهم للبعير في إحدى الروايتين إذا كان للقتال لا للحمولة فقط، كما كانت زمن بدر. فأما تأديب الحمولة من البغال والحمير والإبل: فهل لها نصيب من تأديب الموجفة في القتال؟ وكذلك رميه بقوسه: في معناه عمله برمحه وسيفه، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أقر الحبشة في المسجد يوم العيد على اللعب بالحراب، وقد قال الإمام أحمد في العمل بالرمح والقوس: إنه أفضل من الصلاة في الثغر، وأما في غير الثغر فسوى بينهما، ولأنه سبحانه وتعالى قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] يتناول كلما يستطاع من القوة، فيدخل فيه ما يرمى به، وما يضرب به، وما يطعن به، سواء كان المرمي به سهمًا أو حربة، وسواء كان السهم منفردًا أو جاريًا في مجرى، وسواء كان يؤثر باليد أو بالرجل الذي يسمى الجرخ. وكذلك المضروب به يدخل فيه ما يقتل بحده كالسيف والخنجر والسكين، وما يقتل بثقله كاللت، وما يقتل بهما كالدبوس، فأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي» فقد أراد به القوة الكاملة، وهذا كثيرًا ما يكون لحصر الكمال لا لحصر أصل الاسم، كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ
(2/1102)
الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ولكن المسكين الذي لا يجد غنًى يغنيه» ونحو ذلك، وذلك لأن الرمي يصيب العدو البعيد مع الحائل من نهر ونحوه، ويدفع العدوَّ عن الإقدام، ففيه ثلاثة فوائد لا توجد في غيره من السلاح. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 246 - 247 (3/ 88 - 89)]. 1509 - اللعب بالشطرنج: - قال ابن مفلح: (ويحرم شطرنج في المنصوص، كمع عوض أو ترك واجب أو فعل محرم، إجماعا، وكنرد، وفاقا للائمة الثلاثة، وعند شيخنا: هو شر من نرد، وفاقا لمالك) [الفروع 6/ 573 (11/ 348)]. وانظر: ما سبق برقم (797). 1510 - شهادة القاسم: - قال ابن مفلح: (قال القاضي: دليلنا: أن القاسم بغير أجر يتصرف من جهة الحكم، فوجب أن يقبل قوله فيه، دليله: الحاكم يقبل قوله فيما يحكم به في حال ولايته عندهم، وعندنا يقبل في حال الولاية وبعد الولاية، ولا يلزم عليه إذا قسم بأجرة؛ لأن تصرفه لا يكون من جهة الحكم، لأنه أجير، وشهادة الأجير لا تجوز فيما يستحق عليه الأجرة، لأن لهما فيه منفعة، وهو استحقاق الأجرة متى صحت القسمة، وهذا معنى كلام أصحاب القاضي كأبي الخطاب والشريف. قال الشيخ تقي الدين: والتعليل الأول يقتضي: أن قول القاسم خبر لا شهادة، كالحاكم.
(2/1103)
والتعليل الثاني ضعيف، لأنه يوجب أن لا تقبل شهادتهما بالقيمة والقدر، لأنهما يستحقان عليه الأجرة، ولأن الأمناء تقبل أقوالهم فيما يستحقون عليه أجرة، كالوصي في العمل والإنفاق، وذلك لأنهما تراضيا بأن يكون حكما بينهما، يجعل كالحاكم لو أعطيناه جعلا على ما ذكره بعض أصحابنا، وشبيه بهذا: ما لو رضي الخصم بشهادة عدوه، أو أبي خصمه ومن يتهم عليه، أو رضي بقضائه، وكذلك شهادة الظئر المستأجرة بالرضاع، وشهادة القابلة بالولادة. انتهى كلام الشيخ تقي الدين. وقال أيضا: بناها القاضي على أن شهادة الإنسان على فعل نفسه تقبل كالمرضعة، ضَعَّف مأخذ من وافقه أنهما ليسا شهادة على فعل نفسه. انتهى كلامه. وقال القاضي: قال مالك والشافعي: لا تجوز شهادتهما. قال الشيخ تقي الدين: وكذلك قال القاضي في مسألة الحكم بالعلم: في حكمه بعلمه سبب يوجب التهمة، وهو أنه يثبت حكمه بقوله، فهو كقاسمي الحاكم إذا شهدا بالقسمة لم يحكم بشهادتهما، لأنهما أثبتا فعلهما بشهادتهما) [النكت على المحرر: 2/ 269 - 270 (3/ 112)]. 1511 - شهادة الكافر: - قال ابن القيم: (الطريق السابع عشر (1): الحكم بشهادة الكافر، وهذه مسألة لها صورتان: إحداهما: شهادة الكفار بعضهم على بعض. _________ (1) أي: من طرق الحكم.
(2/1104)
والثانية: شهادتهم على المسلمين. فأما المسألة الأولى فقد اختلف فيها الناس قديما وحديثا، فقال حنبل: حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن أبي حصين عن الشعبى قال: تجوز شهادة اليهودي على النصراني. قال حنبل: وسمعت أبا عبد الله قال: تجوز شهادة بعضهم على بعض، فأما على المسلمين فلا تجوز، وتجوز شهادة المسلم عليهم. وبالغ الخلال في إنكار رواية حنبل، ولم يثبتها رواية. وأثبتها غيره من أصحابنا، وجعلوا المسألة على روايتين. قالوا: وعلى رواية الجواز فهل يعتبر اتحاد الملة (1)؟ فيه وجهان. ونصروا كلهم عدم الجواز، إلا شيخنا، فإنه اختار الجواز) [الطرق الحكمية 137 ـ 138 (1/ 474 - 475)]. - وقال أيضا: (قال شيخنا - رحمه الله -: وقول الإمام أحمد في قبول شهادتهم في هذا الموضع (2): هو ضرورة، يقتضي هذا التعليل قبولها ضرورة حضرا وسفرا. وعلى هذا، لو قيل: يحلفون في شهادة بعضهم على بعض، كما يحلفون في شهاداتهم على المسلمين في وصية السفر لكان متوجها. ولو قيل: تقبل شهادتهم، مع أيمانهم في كل شيء عدم فيه المسلمون لكان له وجه، ويكون بدلا مطلقا. _________ (1) في ط 1: (المسألة) , والتصويب من ط 2. (2) أي: شهادة الكفار على المسلمين في السفر.
(2/1105)
قال الشيخ: ويؤيد هذا ما ذكره القاضي وغيره محتجا به، وهو في «الناسخ والمنسوخ» لأبي عبيد: أن رجلا من المسلمين خرج، فمر بقرية، فمرض، ومعه رجلان من المسلمين فدفع إليهما ماله، ثم قال: ادعوا لي من أشهده على ما قبضتماه، فلم يجد أحدا من المسلمين في تلك القرية، فدعوا أناسا من اليهود والنصارى فأشهدهم على ما دفع إليهما ... وذكر القصة، فانطلقوا إلى ابن مسعود فأمر اليهودي والنصراني أن يحلفا بالله لقد ترك من المال كذا وكذا، ولشهادتنا أحق من شهادة هذين المسلمين، ثم أمر أهل المتوفي أن يحلفوا أن شهادة اليهود والنصارى حق، فحلفوا، فأمرهم ابن مسعود أن يأخذوا من المسلمين ما شهد به اليهودي والنصراني، وذلك في خلافة عثمان - رضي الله عنه -. فهذه شهادة للميت على وصيته، وقد قضى بها ابن مسعود مع يمين الورثة لأنهم المدعون، والشهادة على الميت لا تفتقر إلى يمين الورثة، ولعل ابن مسعود أخذ هذا من جهة أن الورثة يستحقون بأيمانهم على الشاهدين إذا استحقا إثما، فكذلك يستحقون على الوصية مع شهادة الذميين بطريق الأولى. وقد ذكر القاضي هذا في مسألة دعوى الأسير إسلاما، فقال: وقد قال الإمام أحمد في السبي إذا ادعوا نسبا، وأقاموا بينة من الكفار: قبلت شهادتهم. نص عليه في رواية حنبل وصالح وإسحاق بن إبراهيم، لأنه قد تتعذر البينة العادلة، ولم يجز ذلك في رواية عبد الله، وأبي طالب. قال شيخنا ــ - رحمه الله - تعالى ــ: فعلى هذا كل موضع ضرورة، غير المنصوص فيه فيه روايتان، لكن التحليف ههنا لم يتعرضوا له، فيمكن أن
(2/1106)
يقال: لأنه إنما يحلف حيث تكون شهادتهم بدلا، كما في مسألة الوصية، بخلاف ما إذا كانوا أصولا، والله أعلم) [الطرق الحكمية 148 - 149]. - وقال أيضا: (قال شيخنا - رحمه الله -: وهل تعتبر عدالة الكافرين في الشهادة بالوصية في دينهما، عموم كلام الأصحاب يقتضي أنها لا تعتبر، وإن كنا إذا قبلنا شهادة بعضهم على بعض اعتبرنا عدالتهم في دينهم. وصرح القاضي بأن العدالة غير معتبرة في هذه الحال، والقرآن يدل عليه. وصرح القاضي أنه لا تقبل شهادة فساق المسلمين في هذا الحال، وجعله محل وفاق، واعتذر عنه، وفي اشتراط كونهم من أهل الكتاب روايتان، وظاهر القرآن: أنه لا يشترط، وهو الصحيح، لأنه سبحانه قال للمؤمنين: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] وغير المؤمنين هم الكفار كلهم، ولأنه موضع ضرورة، وقد لا يحضر الموصى إلا كفار من غير أهل الكتاب، وإن تقييده بأهل الكتاب لا دليل عليه، ولأن ذلك يستلزم تضييق محل الرخصة، مع قيام المقتضي لعمومه. فإن قيل: فهل يجوز في هذه الصورة أن يحكم بشهادة كافر وكافرتين؟ قيل: لا نعرف عن أحد في هذا شيئاً، ويحتمل أن يقال بجواز ذلك، وهو القياس، فإن الأموال يقبل فيها رجل وامرأتان، وهذا قول أبي محمد بن حزم، وهو يحتج بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أليست شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ » وهذا العموم جوز الحكم أيضا في هذه الصورة بأربع نسوة كوافر، وليس ببعيد عند الضرورة إذا لم يحضره إلا النساء، بل هو محض الفقه. فإن قيل: فهل ينقض حكم من حكم بغير حكم هذه الآية؟
(2/1107)
قيل: أصول المذهب تقتضي نقض حكمه، لمخالفة نص الكتاب. قال شيخنا ــ - رضي الله عنه - ــ في «تعليقه على المحرر»: ويتوجه أن ينقض حكم الحاكم إذا حكم بخلاف هذه الآية، فإنه خالف نص الكتاب العزيز بدلالات ضعيفة) [الطرق الحكمية 149 ـ 150]. - وقال ابن مفلح: (ولا شهادة لكافر إلا عند العدم بوصية ميت في سفر مسلم أو كافر، نقله الجماعة، وذكر في «المغني» و «الروضة» وشيخنا أنه نص القرآن، وفي «المذهب» رواية: لا تقبل، وفي اعتبار كونه كتابيا روايتان، بل رجلا (1)، وقيل: وذميا (2)، ويحلفه الحاكم، قيل: وجوبا، وقيل: ندبا، وفي «الواضح»: مع ريب، بعد العصر، ما خان ولا حرف وإنها لوصية الرجل، وعنه: وتقبل للحميل (3)، وعنه: وموضع ضرورة، وعنه: سفرا، ذكرهما شيخنا، قال: كما تقبل شهادة النساء في الحدود، إذا اجتمعن في العرس أو الحمَّام، وعنه: وبعضهم على بعض، نصره شيخنا وابن رزين) [الفروع 6/ 578 - 579 (11/ 354 - 356)]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: وهل تعتبر عدالة الكافرين في الوصية في دينهما؟ عموم كلام الأصحاب يقتضي: أنه لا يعتبر، وإن كنا إذا قبلنا شهادة بعضهم على بعض اعتبرنا عدالتهم في دينهم. _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: يعتبر كونه رجلا، فلا يقبل فيه امرأة). (2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: وقيل: ويعتبر كونه ذميا، فعلى هذا: لا يقبل حربي، لكن المقدم خلافه). (3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (المراد بالحميل: الغارم لإصلاح ذات البين، والله أعلم).
(2/1108)
وصرح القاضي: بأن العدالة غير معتبرة في هذه الحال، والقرائن تدل عليه، وكذلك الآثار المرفوعة والموقوفة. وأما المسلمون فصرح القاضي: أنه لا تقبل شهادة فساق المسلمين في هذه الحال، جعله محل وفاق، واعتذر عنه. انتهى كلامه. وسيأتي في ذكر مسألة: «ومالا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء» من كلامه ما يخالفه. وقال أكثر العلماء ــ منهم الأئمة الثلاثة ــ: لا تقبل شهادتهم على المسلمين بحال، ولم أجد بهذا قولا في مذهبنا) [النكت على المحرر: 2/ 272 - 273]. - وقال أيضا: (وقد ذكر القاضي أبو يعلى هذه المسألة، فقال: وقد قال الإمام أحمد في السبي إذا ادعوا نسبا، وأقاموا بينة من الكفار: قبلت شهادتهم، نص عليه في رواية حنبل وصالح وإسحاق بن إبراهيم، لأنه قد تتعذر البينة العادلة. ولم يجز ذلك في رواية عبد الله وأبي طالب، لأنه لا نص في ذلك. قال الشيخ تقي الدين: فعلى هذا كل موضع ضرورة غير المنصوص فيه روايتان، لكن التحليف هنا لم يتعرضوا له، فيمكن أن يقال: لأنه إنما يحلف حيث تكون شهادتهم بدلا في التحميل، بخلاف ما إذا كانوا أصولا قد علموا من غير تحميل. وقال أيضًا: نقل ابن صدقة عن الإمام أحمد: سئل الإمام أحمد عن الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويعتق، ولا يحضر إلا النساء، هل تجوز
(2/1109)
شهادتهن؟ قال: نعم، تجوز شهادتهن في الحقوق، ذكرها القاضي مستشهدًا بقبول الشهادة حال الضرورة. وظاهر هذه: أنه تقبل شهادة النساء منفردات في الوصية مطلقا، كما تقبل شهادة الكفار، وهذا يؤيد ما ذكرته، يعني ما تقدم من أنها تقبل في السفر والحضر إذا لم يكن ثم مسلم. وفي موضع آخر قال ــ يعني القاضي ــ: نقلت من خط أبي حفص عن سندي القزاز قال: وسئل عن الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويُعتِق ولا يحضره إلا النساء، هل تجوز شهادتهن في الحقوق؟ يحتمل أنها تقبل مع يمين الموصى له، كأحد الزوجين. ويتوجه أن يكون ذلك فيما ليس له منكر، فإن الشهادة على الميت ليست كالشهادة على الحي، فإنه إما أن يقر أو يجحد، فإن جحد كان جحده معارضا لأحدهما، وسلم الآخر، بخلاف مالا معارض له، ولهذا قلنا: إن الإمام لا يرجع حتى يسبح به اثنان في الصلاة، وهذا فرق معنوي. وقال أيضا: قول الإمام أحمد: «أقبل شهادتهم إذا كانوا في سفر ليس فيه غيرهم، هذه ضرورة» فيقتضى عمومه: أنها لا تقبل في السفر على كل شيء عند عدم المسلمين، فتقبل على الإقرار، وعلى نفس الموت لأجل انتقال الإرث، وزوال النكاح، وعلى القتال، وعلى غير ذلك، وهذا هو القياس الجلي، فإنها إذا قبلت على الوصية فلأن تقبل على الموت أولى وأحرى، وليس في الوصية معنى إلا وقد يوجد في غيرها مثله، أو أقوى، أو قريب، ولذلك قلنا: شهادتهم في إحدى الروايتين بالنسب والولادة في مسألة الحميل، إذ ليس هناك من يعلم النسب من المسلمين.
(2/1110)
قال: وقوله: «هذه ضرورة» يقتضى هذا التعليل قبولها في كل ضرورة، حضرًا وسفرًا، وعلى هذا: فشهادة بعضهم على بعض ضرورة، فلو قيل: إنهم يحلفون في شهادة بعضهم على بعض، كما يحلفون في شهادتهم على المسلمين وأصحابهم في وصية السفر لكان متوجهًا، ولو قيل: بقبول شهادتهم مع أيمانهم في كل شيء عُدم فيه المسلمون لكان له وجه، وتكون شهادتهم بدلًا مطلقا. يؤيد ما ذكرته: ما ذكره القاضي وغيره محتجا به ــ وهو في «الناسخ والمنسوخ» لأبي عبيد أن رجلا من المسلمين خرج، فمر بقرية، فمرض ومعه رجلان من المسلمين، فدفع إليهما ماله، ثم قال: ادعوا لي من أشهده على ما قبضتماه، فلم يجدوا أحدا من المسلمين في تلك القرية، فدعوا أناسا من اليهود والنصارى، فأشهدهم على ما دفع إليهما ... وذكر القصة، فانطلقوا إلى ابن مسعود، فأمر اليهود أن يحلفوا بالله: لقد ترك من المال كذا، ولشهادتنا أحق من شهادة هذين المسلمين، ثم أمر أهل المتوفى أن يحلفوا: أن شهادة اليهود والنصارى حق، فحلفوا، فأمرهم ابن مسعود أن يأخذوا من المسلمين ما شهدت به اليهود والنصارى، وكان ذلك في خلافة عثمان - رضي الله عنه -. قال أبو العباس: فهذه شهادة الميت على وصيته، قد قضى بها ابن مسعود مع يمين الورثة، لأنهم المدعون، والشهادة على الميت لا تفتقر إلى يمين الورثة، ولعل ابن مسعود أخذ هذا من جهة أن الورثة يستحقون بأيمانهم على الشاهدين إذا استحقا إثما، فلذلك يستحقون على الوصيين بشهادة الذميين بطريق الأولى، وهذا يؤيد ما ذكرته باطنها. انتهى كلامه.
(2/1111)
يعني: باطن الورقة، وسيأتي ذلك) [النكت على المحرر: 2/ 275 - 278]. - وقال أيضا: (قوله (1): «وعنه (2): تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض» نقل الجماعة ــ المروذي وأبو داود وحرب والميموني ــ: لا تجوز شهادة بعضهم على بعض، ولا على غيرهم، لأن الله تعالى قال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وليس الذمي ممن نرضى، وبه قال مالك والشافعي. قال القاضي: ونقل حنبل عنه: تجوز شهادة بعضهم على بعض. واختلف أصحابنا في ذلك، فقال أبو بكر الخلال وصاحبه: غلط حنبل فيما نقل، والمذهب: أنه لا تقبل. وكان شيخنا (3) يحمل المسألة على روايتين: إحداهما: تجوز شهادة بعضهم على بعض، على ظاهر ما رواه حنبل، والثانية: لا تجوز، وهو الصحيح. انتهى كلامه. قال أبو الخطاب: وقال ابن حامد وشيخنا: المسألة على روايتين، قال: _________ (1) أي: صاحب «المحرر». (2) أي: الإمام أحمد. (3) في حاشية «النكت»: (لعله يعني شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، لأنه شيخ ابن مفلح) ا. هـ. أقول: بل الكلام هنا لا زال للقاضي، ويريد بشيخه: ابن حامد، وانظر: «الروايتين والوجهين» للقاضي (3/ 82)، وقد ظهر بقراءة «النكت» أن ابن مفلح لا يذكر شيخه إلا بلقبه (تقي الدين)، أو كنيته (أبو العباس)، وأما في كتابه «الفروع» فالأكثر أنه يذكره بقوله: (شيخنا)، وإذا ذكر معه صاحب «المحرر»، نعته بـ (حفيده).
(2/1112)
وهو الصحيح، فإن حنبلا ثقة ضابط، وروايته أقوى في باب القياس، ويعضد هذا: أن الإمام أحمد - رحمه الله - تعالى أجاز شهادتهم على المسلمين في الوصية في السفر، فلولا كونهم أهلا للشهادة لما جازت، ونصر أبو الخطاب هذه الرواية، وهي قول أبي حنيفة وجماعة. قال الشيخ تقي الدين: وهي إن شاء الله أصح. انتهى كلامه. وقد روى جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاز شهادة بعضهم على بعض، رواه ابن ماجه وغيره من رواية مجالد، وهو ضعيف عند الأكثر. ويحتمل أنه أراد اليمين، فإنها تسمى شهادة، قال الله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: 6]. وقال الشيخ تقي الدين: وهذا الخلاف على أصلنا إنما هو حيث لا نجيز شهادتهم على المسلمين، فأما إذا أجزنا شهادتهم على المسلمين فعلى أنفسهم أولى، كما ذكره الجد في الوصية في السفر، وقد ذكر في قبول شهادتهم في كل ضرورة غير الوصية روايتين، كالشهادة على الأنساب التي بينهم في دار الحرب، فعلى هذه الرواية: تقبل شهادة بعضهم على بعض في كل موضع ضرورة، كما تقبل على المسلمين وأولى بنفي التحليف، وضرورة شهادة بعضهم على بعض أكثر من ضرورة المسلمين، فيقرب الأمر. انتهى كلامه. وقد تقدمت هذه الرواية التي ذكرها، وأما على الرواية التي تقبل شهادة بعضهم على بعض: فتقبل مطلقا، بعضهم تصريحا، وبعضهم ظاهرا، لما في تكليفهم إشهاد المسلمين من الحرج والمشقة، وعلى هذه الرواية لا يختلف.
(2/1113)
وتقدم كلام الشيخ تقي الدين، فتارة مال إليه مطلقا، وتارة فصل) [النكت على المحرر: 2/ 281 - 282] (1). 1512 - استحلاف من قبلت شهادته للضرورة: - قال ابن القيم: (وقد شرع سبحانه وتعالى تحليف الشاهدين، إذا كانا من غير أهل الملة على الوصية في السفر، وكذلك قال ابن عباس: بتحليف المرأة إذا شهدت الرضاع، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. قال القاضي: لا يحلف الشاهد على أصلنا إلا في موضعين، وذكر هذين الموضعين. قال شيخنا ــ قدس الله روحه ــ: هذان الموضعان قبل فيهما الكافر، والمرأة وحدها للضرورة، فقياسه أن كل من قبلت شهادته للضرورة استحلف) [الطرق الحكمية 110]. - وقال ابن مفلح: (قال القاضي: لا يحلف الشاهد على أصلنا إلا في موضعين: هنا، وفي شهادة المرأة بالرضاع. قال الشيخ تقي الدين: هذان الموضعان قبل فيهما الكافر والمرأة وحدها للضرورة، فقياسه: أن كل من قبلت شهادته للضرورة استحلف) [النكت على المحرر: 2/ 281]. - وقال أيضا: (قوله: «ويحلفهم الحاكم بعد العصر ما خانوا ولا حرفوا وإنها لوصية الرجل للآية، وتصريح خبر أبي موسى». قال ابن قتيبة: لأنه وقت يعظمه أهل الأديان. _________ (1) انظر: «الفتاوى» (14/ 78؛ 30/ 396)، «مختصر الفتاوى المصرية» (604)، «الاختيارات» للبعلي (519 - 520).
(2/1114)
قال الشيخ تقي الدين: هذا يناسب الشهادة والأمانة على المال ما خانوا في الأمانة، ولا حرفوا الشهادة. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 273 - 274]. - وقال أيضاً: (وقال القاضي في «أحكام القرآن»: يستحلف الشهود بعد صلاة العصر، إذا كانوا من غير أهل ملتنا، إذا اتهمهم الورثة في الشهادة، لأنه قال: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} ولو كان الموصي المشهود له من ذوي قربى الشهود {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] فيما أوصى به الميت، وأشهدهما عليه، ولذلك قال فيما بعد: {أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: 108] يعني أيمان الشهود عند ارتياب الورثة. قال الشيخ تقي الدين: وهذا يقتضي أن استحلاف الشهود حق للمشهود عليه، فإن شاء حلفهم، وإن شاء لم يحلفهم، ليست حقًا لله، وهو ظاهر القرآن) [النكت على المحرر: 2/ 274]. 1513 - الشهادة مع تعذر رؤية العين المشهود لها أو عليها أو بها: - قال ابن مفلح: (والأعمى كبصير فيما سمعه، وكذا ما رآه قبل عماه وعرف فاعله باسمه ونسبه، وما يتميز به، وإن عرفه يقينا بعينه أو صوته فوصفه للحاكم وشهد فوجهان، ونصه: يقبل. وقال شيخنا: وكذا إن تعذر رؤية العين المشهود لها أو عليها أو بها لموت أو غيبة) [الفروع 6/ 580 - 581 (11/ 358)]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين ــ بعد مسألة شهادة الأعمى ــ:
(2/1115)
كذلك إذا تعذر وجود (1) المشهود عليه بموت أو غيبة أو حبس، فشهد البصير على حليته، إذ في الموضعين تعذرت الرؤية من الشاهد. فأما الشاهد نفسه: هل له أن يعين من رآه وكتب صفته أو ضبطها، ثم رأى شخصا بتلك الصفة؟ هذا أبعد، فإن ذاك تعريف من الحاكم، وهذا تعريف من الشاهد، وهو شبيه بخطه إذا رآه، ولم يذكر الشهادة. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 290] (2). 1514 - شهادة الأصم: - قال ابن مفلح: (قوله (3): «وتجوز شهادة الأصم في المرئيات، وفيما سمعه قبل صممه» لأنه في ذلك كمن لا صمم به، ولأنه فيما رآه كغيره من الناس. وقال الشيخ تقي الدين: قال القاضي في مسألة الأعمى: العمى فقد حاسة لا تمنع النظر والسمع (4)، فلم تمنع من تحمل الشهادة كفقد الشم والذوق، ولا يلزم عليه الخرس، لأنه يمنع النطق، ولا يلزم عليه الصمم، لأنه يمنع السمع. ولذلك قال بعد ذلك: لا ينتقض بالأخرس وبالأطرش، ثم قال: الأصم لا يجوز قضاؤه، ويصح أداء الشهادة منه، ذكره محل وفاق) [النكت على المحرر: 2/ 287 - 288]. _________ (1) في حاشية «النكت»: (في نسخة أخرى: حضور). (2) «الاختيارات» للبعلي (521 - 522). (3) أي: صاحب «المحرر». (4) في حاشية «النكت»: (كذا بالأصل، ولعله: «تمنع النظر ولا تمنع السمع»).
(2/1116)
1515 - شهادة الأعمى: - قال ابن مفلح: (فأما الشهادة على الأفعال فلا تجوز. ذكره القاضي محل وفاق، واعتذر بأن الأفعال طريقها المشاهدة، وذلك لا يمكن حصوله من الأعمى، وكذلك ذكره غير القاضي. قال الشيخ تقي الدين: ما علمه بالاستفاضة كالولادة، شهد به على قول الخرقي. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 289 - 290]. - وقال أيضا: (فإن قال الأعمى: أشهد أن لفلان على هذا شيئًا، ولم يذكر اسمه ونسبه، أو شهد البصير على رجل من وراء حائل، ولم يذكر اسمه ونسبه: لم يصح. ذكره القاضي محل وفاق أصلا للمخالف، وفرق بأن المشهود عليه مجهول. قال الشيخ تقي الدين: قياس المذهب أنه إذا سمع صوته صحت الشهادة عليه أداء، كما تصح الشهادة عليه تحملا، فإنا لا نشترط رؤية المشهود عليه حين التحمل ولو كان الشاهد بصيراً، فكذلك لا نشترطها عند الأداء، وهذا نظير إشارة البصير إلى الحاضر إذا سماه ونسبه، وهو لا يشترط في أصح الوجهين، فكذلك إذا أشار إليه لا تشترط رؤيته. قال: وعلى هذا فتجوز شهادة الأعمى على من عرف صوته، وإن لم يعرف اسمه ونسبه، ويؤديها عليه إذا سمع صوته) [النكت على المحرر: 2/ 290 - 291]. - وقال أيضا: (قال القاضي ــ ضمن المسألة ــ: وأيضاً فإن حدوث العمى بعد تحمل الشهادة لم يتعذر معه إلا معاينة المشهود عليه، والإشارة
(2/1117)
إليه، وهذا لا يمنع من سماع شهادته وقبولها، لأن المقصود بمعاينته، والإشارة إليه هو تعيينه وتمييزه عن غيره ليصير معلوما عند الحاكم، فيتمكن بذلك من إنفاذ الحكم عليه، وهذا يحصل مع حدوث العمى بما يصفه بلسانه، من اسمه ونسبه وصفاته التي تميزه وتعينه. فإن قيل: لو كان التعيين باللسان يقوم مقام الإشارة لوجب أن يصح في البصر إذا شهد؟ قيل: يصح ذلك من البصير من غير حضور الخصم، ويكون التعيين باللسان بناء على قولنا في القضاء على الغائب، وسماع البينة عليه، فإن حضر الخصم احتمل أن تقبل الشهادة عليه من غير إشارة إليه إذا ذكر اسمه ونسبه، وهو الصحيح، واحتمل أن تجب الإشارة إليه مع الحضور، لأنه أقرب إلى علم الحاكم به، وفصل الحكم بينه وبين خصمه، بخلاف الأعمى فإن فصل الحكم يحصل بسماع كلامه لتعذر الإشارة من جهته، بدليل جواز الشهادة على الغائب عند المخالف بلا إشارة، وإذا حضر وجبت الإشارة. قال الشيخ تقي الدين: الأعمى تمكن منه الإشارة إذا عرف الصوت. قال القاضي: وأيضاً فإنه ليس من شرط صحة الشهادة معاينة المشهود عليه، بدليل اتفاقهم على جواز الشهادة على الميت والموكل الغائب. وقال أيضًا: تعيين المشهود عليه للحاكم يحصل بالتسمية والنسبة والصفة. قال الشيخ تقي الدين: فقد سووا بين شهادة الأعمى وبين شهادة البصير على الغائب والميت، وفي شهادة الأعمى بالصفة دون الاسم والنسب وجهان. فكذلك الشهادة على الغائب والميت.
(2/1118)
والضابط: أن كل شهادة على غير معاين، فإنه يشهد فيه بالاسم والنسب إن عرفه، وإن لم يعرفه ففي الشهادة بالحلية وجهان) [النكت على المحرر: 2/ 291 - 292] (1). 1516 - شهادة قوم في ديوان آجروا شيئا: 1517 - وشهادة ديوان الأموال السلطانية على الخصوم: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا في قوم في ديوان آجروا شيئا: لا تقبل شهادة أحد منهم على مستأجر، لأنهم وكلاء أو ولاة. قال: ولا شهادة ديوان الأموال السلطانية على الخصوم) [الفروع 6/ 582 (11/ 360)]. 1518 - الحسد: - قال ابن مفلح: (قال في «الفنون»: اعتبرت الأخلاق فإذا أشدها وبالا الحسد. قال ابن الجوزي: الإنسان مجبول على حب الترفع على جنسه، وإنما يتوجه الذم إلى من عمل بمقتضى التسخط على القدر، أو ينتصب لذم المحسود، قال: وينبغي أن يكره ذلك من نفسه. وذكر شيخنا أن عليه أن يستعمل معه التقوى والصبر، فيكره ذلك من نفسه ويستعمل معه الصبر والتقوى، وذكر قول الحسن: لا يضرك ما لم تعد به يدا و (2) لسانا. _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (522). (2) في ط 2: (أو)، والمثبت من ط 1.
(2/1119)
قال: وكثير ممن عنده دين لا يعين من ظلمه، ولا يقوم بما يجب من حقه، بل إذا ذمه أحد لم يوافقه، ولا يذكر محامده، وكذا لو مدحه أحد لسكت، وهذا مذنب في ترك المأمور (1) لا معتد، وأما من اعتدى بقول أو فعل فذاك يعاقب، ومن اتقى وصبر نفعه الله بتقواه، كما جرى لزينب بنت جحش - رضي الله عنها -) [الفروع 6/ 584 (11/ 362 - 363)] (2). 1519 - شهادة وإقرار الصبي: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: وذكر القاضي أنه لا يقبل إقراره وفاقا. قال: وهذا عندي عجيب، واعتذروا عنه بأن إقراره لا يكون إلا بالمال، إما عليه، وإما على غيره. قال: وذكر عنهم أن الخلاف في الشهادة على الجراح الموجب للقصاص، فأما الشهادة بالمال فلا تقبل. قال الشيخ تقي الدين: وهذا أيضا عجيب، فإن الصبيان لا قود بينهم، وإنما الشهادة بما يوجب المال، وما أظن إلا أنهم أسقطوا الإقرار، لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف بخلاف المشهود به، ولا تقبل في إتلاف بعضهم ثياب بعض. وهل تقبل شهادة الصبيان على المعلم؟ ذكر ابن القصار فيه خلافا بين أصحابه. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 285 - 286]. _________ (1) في ط 2: (الأمور)، والمثبت من ط 1. (2) «الفتاوى» (10/ 123).
(2/1120)
1520 - شهادة من يدفع عن نفسه ضررا: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «كشهادة من لا تقبل شهادته» (2). ليس مثالا، ومراده ــ والله أعلم ــ: شهادة من يدفع عن نفسه بها ضررا لا تقبل، ولو كان قال: «ولا شهادة من لا تقبل شهادته» كان حسنا. قال الشيخ تقي الدين عن كلامه في «المحرر»: هذا ما دفع الضرر عن نفسه، وإنما دفعه عمن لا يشهد له، فهو بمنزلة من جر بشهادته إلى من لا يشهد له، فلو قيل: لا تقبل شهادة من يجر إلى نفسه أو إلى من يتهم له أو يدفع عن نفسه، أو من يتهم له لعم، نعم لو جرح الشاهد على نفسه لدفع عن نفسه. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 296]. 1521 - شهادة العدو والصديق: - قال ابن مفلح: (قوله: «ولا تقبل شهادة العدو على عدوه، كمن شهد على من قذفه أو قطع الطريق عليه». أطلق العداوة وليس كذلك، ولعل المثال يؤخذ منه تقييد المطلق، وهو مراده. قال القاضي: شهادة العدو على عدوه غير مقبولة، ذكره الخرقي فقال: لا تقبل شهادة خصم، وإنما يكون هذا في عداوة لا تخرجه عن العدالة، مثل الزوج يقذف زوجته، لا تقبل شهادته عليها، وكذلك من قطع عليه الطريق، لا تقبل شهادته على القاطع. _________ (1) أي: صاحب «المحرر». (2) قال قبلها: (ولا تقبل شهادة من يدفع بها عن نفسه ضررا).
(2/1121)
وقد أومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور ــ في رجل خاصم مرة ثم ترك، ثم شهد ــ: لم تقبل، وهو قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: تقبل. وهذا في عداوة لا تخرج إلى الفسق، فإذا أخرجت فلا خلاف فيها ... قال القاضي: ولأنه متهم في شهادته بسبب منهي عنه، فوجب أن لا تقبل شهادته كالفاسق. قال الشيخ تقي الدين: وهذا جيد، والمقطوع والمقذوف ليس في حقه سبب منهي عنه، فهذا يخالف ما ذكره أولا، اللهم إلا أن يراد به عادى قاذفه وقاطعه، فإن هجره الهجرة (1) المنهي عنها فهذا أقرب، لكن يخالف ما ذكر أولا في الظاهر. وكذلك قال القاضي في الفرق بين عداوة المسلم للذمي وعداوته للمسلم، مع أن عداوة المسلم للذمي مأمور بها، وعداوة المسلم للمسلم منهي عنها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا»، فلم يكن اعتبار إحداهما بالأخرى؛ لأن المسلم يعادي الذمي من طريق الدين، وهو لا يدعوه إلى ما يخاف من ذنبه ومن الكذب عليه، وعداوة المسلم للمسلم عداوة تحاسد وتنافس وتباغض، وهذا يحمل من طريق العادة والجبلة على مخالفة الدين، والإضرار به بالكذب والمين. قال الشيخ تقي الدين: وهذا يقتضي أن عداوة المتدين بذلك متأولا لا تمنع قبول الشهادة، فصار على الظاهر فيها ثلاثة أوجه. انتهى كلامه. وقال أيضًا: ليس في كلام أحمد ولا الخرقي تعرض للعدو، وإنما هو _________ (1) (الهجرة) سقطت من ط 1, واستدركت من ط 2.
(2/1122)
الخصم، والتفريق بين الخصم في الحديث موافق لما قلت، وقد يخاصم من ليس بعدو، وقد يعادي من ليس بخصم، وإنما الخصم هو المدعي أو المدعى عليه، فشهادته شهادة مدع أو مدعى عليه، ولا يجوز أن يراد به أن كل من خاصم شخصا في شيء مرة لم تقبل شهادته عليه في غير ذلك، إذا لم يكن بينهما إلا مجرد المحاكمة، فإن محاكمته في ذلك الشيء بمنزلة مناظرته في علم، وقد يكون المتحاكمان عارفين للحق، لا يدعي أحدهما ظلم الآخر بمنزلة المحاكمة في المواريث، وموجبات العقود وهو أحد نوعي القضاء الذي هو إنشاء من غير إنكار ولا بينة ولا يمين، ولا يحمل كلام أحمد على هذا، وإنما أراد ــ والله أعلم ــ: أن من خاصم في شئ مرة، ثم شهد به لم تقبل شهادته؛ لأنه بمنزلة من ردت شهادته لتهمة ثم أعادها بعد زوال التهمة، وهنا المخاصم طالب، فإذا شهد بعد ذلك فهو متضمن تصديق نفسه فيما خاصم فيه أولا، وهذا يدخل فيه صور: منها: أن يخاصم في حقوق عين هي ملكه، ثم تنتقل العين إلى غيره فيشهد. ومنها: أن يكون وليا ليتيم أو وقف ونحوهما، ويخاصم في شيء من أموره، ثم يخرج عن الولاية ويشهد به. ومنها: أن يكون وكيلا فيخاصم، ثم تزول وكالته فيشهد فيما خاصم فيه. فإذا قيل: شهادة العدوّ غير مقبولة، فإنما هو من عادى، أما المقطوع عليه الطريق إذا شهد على قاطعه، فهذا لا معنى له، إذ يوجب أن لا يشهد مظلوم على ظالمه، مع أنه لم يصدر منه ما يوجب التهمة في حقه.
(2/1123)
والتحقيق أن العداوة المحرمة تمنع قبول الشهادة وإن لم تكن فسقا، لكونها صغيرة، أو صاحبها متأولا مخطئا، وفيه نظر، كعداوة الباغي للعادل، وكما كان بين بعض السلف، وكذلك مداعاة القاضي كذلك، وقد كتبته قبل (1) فأما المباحة ففيه نظر. انتهى كلامه. وقال أيضا: الواجب في العدو والصديق ونحوهما: أنه إن علم منهما العدالة الحقيقية قبلت شهادتهما، وأما إن كانت عدالتهما ظاهرة مع إمكان أن يكون الباطن بخلافها لم تقبل، ويتوجه مثل هذا في الأب، وسائر هؤلاء. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 297 - 299] (2). 1522 - شهادة البدوي على القروي: - قال ابن مفلح: (قوله (3): «وفي شهادة البدوي على القروي وجهان». أحدهما: تقبل ... والثاني: لا تقبل ... قال الشيخ تقي الدين: وبناه القاضي على أن العادة أن القروي إنما _________ (1) في هامش ط 1: (بهامش النكت: هذا المضروب بالأحمر ليس من كلام الشيخ تقي الدين، ولا فهمت ما هو ا. هـ. وهو الكلام الموضوع تحته خط) ا. هـ. وفي هامش ط 2: (بعدها في الأصل و «م»: «وكذلك مداعاة القاضي كذلك, وقد كتبته قبل» وأشير في الأصل إلى أنها نسخة) ا. هـ. (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (520). (3) أي: صاحب «المحرر».
(2/1124)
يشهد أهل القرية دون أهل البدو، فإذا كان البدوي قاطنا مع المدعين في القرية قبلت شهادته لزوال هذا المعنى. انتهى كلامه. وقد ذكر غير واحد من الأصحاب هذا التعليل، فيكون هذا قولا ثالثا. وقيل للقاضي: التهمة هنا ممن أشهد لا من الشاهد؟ فقال: التهمة هنا واقعة بهما، لأن صاحب الحق لا يعدل عن أهل بلده إلا لعلة في الملك، والشاهد أيضا في العادة إنما يشهد على أهل بلده، ولا يخرج إلى بلد آخر فيشهد فيه على غيره. وقال الشيخ تقي الدين: البدوي على الوصية في السفر ينبغي أن يقبل، لأنه ضرورة، وهو أولى من الذميين. انتهى كلامه. وهو حسن، لكنه قول رابع، قال مالك: لا تجوز شهادة البدوي على القروي إلا في الجراح والقود احتياطا للدماء) [النكت على المحرر: 2/ 302 - 303] (1). 1523 - شهادة المبتدع: - قال ابن مفلح: ( .... (2) وهو كالصريح ــ إن لم يكن صريحا ــ في أنه لا فرق بين الداعية وغيره، وبين من يكفر أو يفسق، وصرح به الشيخ تقي الدين على هذا التخريج. وهذا التخريج قد يقال: هو خلاف المذهب. _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (520). (2) في حاشية مطبوعة «النكت»: (قال بهامش الأصل: هنا سقط ثلاث ورقات).
(2/1125)
وإن قلنا برواية حنبل في قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض كما هو ظاهر قول جماعة من الأصحاب، وقد يقال: المذهب التسوية على رواية حنبل كما هو قول أبي الخطاب، وظاهر كلام غيره ممن بعده. ومن لم يذكر التخريج فإما أنه لم يثبت رواية حنبل هنا، وإما لأنها خلاف المذهب، فلم يشتغل بالتفريع عليها. والأول: اختيار الشيخ تقي الدين، فإنه قال: والفرق بينهما أن الذمي يقر على كفره، والداعية إلى البدعة لا يقر على بدعته. كذا قال. والبدعة إن كانت مفسقة أقر عليها الداعية وغيره، وإن كانت مكفرة لم يقر عليها الداعية ولا غيره، لكن قد يفرق بينهما بأن أهل الذمة إنما قبلت شهادة بعضهم على بعض لمظنة الحاجة إلى ذلك لانفرادهم، وعدم اختلاطهم بالمسلمين، ولأنه لا يلزم من قبول شهادة كافر على كافر قبول شهادة كافر أو فاسق على مسلم. قال الشيخ تقي الدين: والواجب أن روايته وشهادته واحدة، وفي روايته: الخلاف المسطور في أصول الفقه، ومأخذ رد شهادته: إنما هو استحقاقه الهجران، وعلى هذا فينبغي قبول شهادته حيث لا يهجر، إما للغلبة وإما للتألف، وتقبل عند الضرورة كما قبلنا شهادة الكتابي على المسلم عند الضرورة وأولى، فإن مَن كان من أصله قبول شهادة الكافر على المسلم للحاجة، فقبول شهادة المبتدع للحاجة أولى، وكذلك شهادة النساء، وكذلك شهادة بعض الفساق كما كتبته في موضع آخر، وهذا هو الاقتصاد في هذا الباب، فإنه إذا كثر أهل البدعة في مكان بحيث يلزم مَن رد شهادتهم فتنة وتعطيل الحقوق، لم يهجروا بل يتألفوا، وأما إذا كانوا مقهورين بحيث
(2/1126)
يهجرون لم تقبل شهادتهم، ولو قيل في الإمامة أيضًا مثل ذلك لتوجه، كما في علم الحديث، والفرق بين الاضطرار والاختيار، وبين القدرة والعجز أصل عظيم) [النكت على المحرر: 2/ 303 - 304] (1). 1524 - شهادة العبد: - قال ابن مفلح: ( ... وعن أحمد: التوقف في هذه المسألة، قال أبو الحارث: قلت للإمام أحمد: شهادة العبد؟ قال: قد اختلف الناس في ذلك، وأبى أن يجيب فيها. وقال أيضًا: أحب العافية من ذلك، وأبى أن يجيب، قال: وكذلك المكاتب والمدبر. وعن أحمد رواية خامسة: لا تقبل بحال، قال في رواية أبي طالب: العبد في جميع أمره ناقص ليس مثل الحر، ولا تقبل له شهادة في الطلاق والأحكام، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، لأنها مبنية على المروءة والكمال. قال الشيخ تقي الدين: قد يؤخذ عن الإمام أحمد رواية كذلك، وسيأتي في المسألة بعدها) [النكت على المحرر: 2/ 307 - 308]. 1525 - من ردت شهادته عند الحاكم ثم أعادها بعد زوال المانع: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «ومن شهد عند الحاكم فردت شهادته لكفره أو رقه أو صغره أو جنونه أو خرسه، ثم أعادها بعد زوال المانع قبلت _________ (1) انظر: «الفتاوى» (10/ 376 - 377؛ 13/ 125). (2) أي: صاحب «المحرر»
(2/1127)
في الأصح عنه». نقل عنه حنبل في الصبي: إذا بلغ جازت شهادته، وكذلك إذا شهد وهو عبد لم تجز، فإذا أعتق جازت إذا كان عدلا. واحتج القاضي أيضًا ــ مع أنه ذكر أن أحمد نص عليه ــ بقول الإمام أحمد في رواية أبي طالب في الصبي إذا حفظ الشهادة ثم كبر فشهد: جازت شهادته، وكذلك العبد إذا عتق، وكذلك اليهودي والنصراني إذا كان عدلا جازت شهادته إذا أسلم. قال الشيخ تقي الدين في رواية أبي طالب: الظاهر أنها فيما إذا لم تُرَدّ في زمان المنع. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 308]. - وقال أيضا: (قوله (1): «كما لو ردت لفسق». نص عليه، قال في رواية أحمد بن سعيد في شهادة الفاسق: إذا ردت مرة ثم تاب وأصلح فأقامها بعد ذلك: لم تجز، لأنه حكم قد مضى. ولم أجد فيه خلافا إلا قوله في «الرعاية الكبرى»: لم تقبل على الأصح، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، ورواية القبول قال بها أبو ثور والمزني وداود. قال ابن المنذر: والنظر يدل على هذا لغير (2) هذه الشهادة كالمسائل المتقدمة، وقد تقدم دليل المنع والفرق. _________ (1) أي: صاحب «المحرر». (2) كذا بالأصل، ولعلها: (كغير) كما في «النكت على الفروع» لابن قندس (11/ 366).
(2/1128)
قال الشيخ تقي الدين: وتعليلهم الفرق بين الكفر والفسق بأن الكفر يتدين به= يقتضي أن يلحق به الفسق بالاعتقاد، أو بعمل يستند إلى اعتقاد، كشرب النبيذ إن قيل به. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 309 - 310]. 1526 - إذا حدث مانع القبول بعد الشهادة: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإن حدث مانع من فسق أو تهمة منع الحكم بها». لم أجد فيه خلافا كما تقدم، وذكره القاضي محل وفاق: أن الشهود إذا ارتدوا أو فسقوا أو رجعوا قبل الحكم أنه لا يحكم بها، قال: لأنه يورث تهمة في حال الأداء. قال الشيخ تقي الدين: إدخال الردة في هذا مشكل. قال: وقد علل بأن الفسق والردة مما يستسر به، فيدل على نظائره مما قبله. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 311]. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1129)
باب ذكر المشهود به وأداء الشهادة
1527 - ما يقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو يمين: - قال ابن مفلح: (ويقبل فيما ليس بعقوبة ولا مال، ويطلع عليه الرجال غالبا، كنكاح وطلاق ورجعة ونسب وولاء وإيصاء، أو توكيل في غير مال= رجلان، وعنه: ورجل وامرأتان، وعنه: أو يمين، ذكرها الشيخ وغيره، واختارها شيخنا، ولم أجد مستندها عن أحمد) [الفروع 6/ 588 (11/ 369)]. - وقال أيضا: (وقال علي بن زكريا: قيل لأبي عبد الله: شهادة شاهد ويمين؟ قال: في الحقوق. قال الشيخ تقي الدين: هذا اللفظ يعم جميع الحقوق، وكذلك قال في رواية الميموني: نحن نذهب إلى شهادة واحد في الحقوق ويمينه. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 314]. - وقال أيضا: (وقال الشيخ تقي الدين: قصة خزيمة وقصة أبي قتادة وقصة ابن مسعود في قوله: «رأيته يذكر الإسلام» تنبيها بلا يمين. وقد قال (1): اليمين حق للمستحلف وللإمام، فله أن يسقطها، وهذا أحسن. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 315 (3/ 159)] (2). _________ (1) في «الاختيارات»: (وقد يقال) وهو الصواب. (2) «الاختيارات» للبعلي (159).
(2/1130)
1528 - ما يقبل في الأموال ونحوها: - قال ابن مفلح: (ويقبل في مال وما يقصد به، كبيع وأجله وخياره ورهن وتسمية مهر ورق مجهول ووصية لمعين ووقف عليه، وقيل: إن ملكه ما تقدم، قال في «الخلاف» وغيره في ابن لبون عن بنت مخاض: إنما شرط عدم الرجلين لأنه يكره حضور النساء مجلس الحكم مع وجود شاهدين من الرجال، ورجل ويمين المدعي (1)، قال أحمد: قضى بهما النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: وامرأتان ويمين. وقال شيخنا: لو قيل: امرأة ويمين توجه، لأنهما إنما أقيما مقام رجل في التحمل، وكخبر الديانة) [الفروع 6/ 589 (11/ 370)]. - وقال أيضاً: (قوله (2): ولا يقبل امرأتان ويمين مكان رجل ويمين. وكذا قطع به القاضي ولم يخرجه من المذهب. قال الشيخ تقي الدين: وقطع به أيضًا أبو الخطاب والشريف وغيرهما في كتب الخلاف، ونصره في «المغني» وغيره، لأنه انضم ضعيف إلى _________ (1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: («رجلٌ» عطفٌ على «ما» في قوله «ما تقدم»، ويجب تقديم شهادة الشاهد على اليمين، وذكر ابن عقيل في «عمد الأدلة»: أنه يجوز سماع اليمين قبل الشاهد في أحد الاحتمالين، ذكر المصنف المسألة في آخر باب الشهادة على الشهادة، في مسألة: إذا حكم بشاهد ويمين، فرجع الشاهد، وظاهر كلامهم أنه يقبل الشاهد واليمين في مسألة الدعوى على الغائب والصبي والمجنون، لأنهم لم يستثنوا ذلك، وقد ذكر المصنف في مسألة الدعوى على الغائب ما يدل على ذلك، فإنه قال: ولا يتعرض في يمينه لصدق البينة، وفي «الترغيب»: لكمالها، فيجب تعرضه إذا أقام شاهدا، وحلف معه، فدل كلامه على قبول الشاهد واليمين). (2) أي: صاحب «المحرر».
(2/1131)
ضعيف فلا يحكم به، كما لو شهد أربع نسوة، أو حلف المدعي يمينين، فإنه محل وفاق مع مالك وغيره، ذكره القاضي وغيره في «المغني» بالإجماع. قوله (1): «وقيل: يقبل» (2). لأن المرأتين في المال مقام رجل، وهو مذهب مالك. قال الشيخ تقي الدين: هذا يقتضيه كلام أحمد. يعني: ما نقله ابن صدقة: سئل أحمد عن الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويعتق، ولا يحضر إلا النساء: هل تجوز شهادتهن؟ قال: نعم تجوز شهادتهن في الحقوق. وذكر ابن حزم: أنهم اختلفوا في شهادة امرأة مع يمين الطالب ودون يمينه) [النكت على المحرر: 2/ 316 - 317]. - وقال أيضا: (قوله (3): «والوكالة في المال والإيصاء إليه». تبع فيه القاضي وغيره، قال القاضي: لأنها إن لم تكن مالا، فإنها تتضمن التصرف في المال، والدليل كما تقدم. وقد نقل عنه البرزاطي في الرجل يوكل وكيلا ويشهد على نفسه رجلا وامرأتين: إن كانت الوكالة بمطالبة بدين فأما غير ذلك فلا. _________ (1) أي: صاحب «المحرر». (2) أي: امرأتان ويمين مكان رجل ويمين. (3) أي: صاحب «المحرر»، وتمام كلامه: (وهل يقبل الرجل والمرأتان والشاهد واليمين في العتق والوكالة في المال والإيصاء إليه؟ ).
(2/1132)
وقال في رواية بكر بن محمد عنه: لا يقبل قوله إن وصى حتى يشهد الموصي رجلان عدلان، أو رجل عدل. قال القاضي: فظاهر هذا قبول الشاهد واليمين في الوصية والوكالة، وكلام جماعة يقتضي: أنه لا فرق بين الوكالة في المال وغيره والإيصاء إليه فيه وغيره، بل صريح كلام بعضهم، وأنه هل يقبل في ذلك رجل وامرأتان، أو شاهد ويمين، أو لا يقبل إلا رجلان؟ فيه روايتان. وقال الشيخ تقي الدين: نصه في الوكالة: فرق فيه بين الوكالة بمال وبين الوكالة بغيره، وأما الوصية فقد أطلق فيها رجل عدل، وتقدم نصه أيضا: أنه يقبل فيها شهادة النساء منفردات، فقد يقال: لا يفتقر في هذا إلى يمين، لأنه لا خصم جاحد فيه، لا في الحال ولا في الاستقبال، وهو يشبه القتل لاستحقاق السلب، وتحليف الوصي فيه نظر، لأنه لا يجر بهذا إلى نفسه منفعة بخلاف الموصى له، وقد قبل الناس شهادة رجاء بن حيوة بالعهد إلى عمر بن عبد العزيز وهو وحده، وما زال الولاة يرسلون الواحد في الولاية والعزل. وقال أيضا: وعلى طريقة أصحابنا في البينة هو الشاهد الواحد، وإنما اليمين احتياط، فهذا يقتضي شيئين: أحدهما: أنه لا يحتاج إليها إلا إذا كان ثَمَّ معارض، وفي دعوى السلب لا معارض، وعلى هذا يخرج حديث أبي قتادة. والثاني: أنه لو كان الحق لصبي أو مجنون لم يحتج إلى يمين، وفي هذا نظر إلا إذا كان على ميت أو صبي أو مجنون، ولعل حديث خزيمة بن ثابت يخرج على هذا.
(2/1133)
ونص أحمد في الوصية: «أو رجل عدل» ظاهر هذا أنه يقبل في الوصية شهادة رجل واحد. وقال عقيب رواية ابن صدقة في شهادة النساء في الوصية: ظاهر هذا: أنه أثبت الوصية بشهادة النساء على الانفراد إن لم يحضره الرجال. قال القاضي: المذهب في هذا كله أنه لا يثبت إلا بشاهدين. انتهى كلامه. وقال ابن عقيل عقيب رواية ابن صدقة: وهذا يشهد له من أصله قوله: «تقبل شهادة أهل الذمة على الوصية في السفر». انتهى كلامه. ووجه رواية القبول: بأنه عقد لا يفتقر في صحته إلى الشهادة، فهو كعقد البيع. قال القاضي في بحث المسألة: ولا يلزم القضاء لأنه قد يجوز أن يثبت بشهادة رجل وامرأتين، وهو إذا كانت ولايته خاصة في المال فادعى أنه قاض فأنكره أهل ذلك البلد وأقام شاهدا وامرأتين قُبِلَ ذلك. والخلاف فيما إذا كانت الوكالة بعوض وبغير عوض سواء، ونسلم أن الأجل وخيار الشرط يثبت بشاهد وامرأتين. جعله محل وفاق، ولأنه يوكل في استيفاء حق، فتثبت الوكالة له بما يثبت به ذلك الحق، كالوكالة بعقد النكاح والحد والقصاص، واحتج به القاضي وسلم لهم: أن الوكالة بالنكاح والطلاق والقصاص والحدود لا تثبت إلا بذكرين. قاله الشيخ تقي الدين.
(2/1134)
قال القاضي: واحتج بعضهم بأنها ولاية فلم تثبت إلا بشاهدين كولاية القضاء. قال القاضي: الوكالة ليست ولاية، بل استنابة، وأما القضاء فهو يتضمن ما يثبت بشاهد وامرأتين، وهو المال، وما يثبت بشاهدين، وهو الحقوق، وعقد النكاح والوكالة المختلف فيها هي المتضمنة للمال حسب. قال الشيخ تقي الدين: القضاء وإن كان في المال فقط فهو متضمن الإلزام والعقوبة بالحبس ونحوه، والوكالة لا تتضمن إلا مجرد القبض، ومعلوم أن المدعي لو ادعى الملك ليثبت هو ولوازمه فوكالة المالك أخف من دعوى الملك، لأن حق الوكيل دون حق المالك، فإذا ثبت الكل فجزؤه أولى، بخلاف القاضي فإنه يثبت له مالا يثبت للمالك) [النكت على المحرر: 2/ 317 - 319]. - وقال أيضا: (قوله (1): «وما عدا ذلك .... إلى قوله: خاصة». توجيه ذلك يعرف مما تقدم، وتقدم الكلام في الإيصاء والتوكيل في غير مال. وقد قال الشيخ تقي الدين: قال القاضي في «تعليقه» في ضمن مسألة تعديل المرأة: هذا مبني على أن شهادة النساء هل تقبل فيما لا يقصد به _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وتمام كلامه: (وما عدا ذلك مما ليس بعقوبة ولا مال وتطلع عليه الرجال غالبا كالنكاح والرجعة والطلاق والنسب والولاء والإيصاء والتوكيل في غير مال= فلا يقبل فيه إلا رجلان، وعنه: يقبل رجل وامرأتان في النكاح والرجعة من ذلك). وفي الحاشية: (في نسخة بهامش الأصل: «من ذلك خاصة»).
(2/1135)
المال، ويطلع عليه الرجال كالنكاح؟ وفيه روايتان. فجعل الروايتين عامتين في هذا الصنف، حتى أدرج فيه التزكية إذا قلنا هي شهادة. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 323 - 324] (1). وانظر: ما سبق برقم (1459). 1529 - إذا أتى برجل وامرأتين، أو شاهد ويمين، فيما يوجب القود: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «ومن أتى برجل وامرأتين، أو شاهد ويمين، فيما يوجب القود: لم يثبت به قود ولا مال». قطع به القاضي في «التعليق» وجماعة من الأصحاب، وعللوا ذلك بأن القتل يوجب القصاص، والمال بدل منه، فإذا لم يثبت الأصل لم يجب بدله. وإن قلنا: موجبه أحد شيئين= لم يتعين أحدهما إلا بالاختيار، فلو أوجبنا الدية وحدها أوجبنا معينا. وقد تقدم (3) كلام ابن عبد القوي في قوله: «فإن قلنا بالقبول في الجناية المذكورة». وقد علل الشيخ تقي الدين هذه المسألة بأن المشهود عليه غير معين، قال: وهذا التعليل إنما يجيء في بعض الصور إذا كان على العاقلة. _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (525). (2) أي: صاحب «المحرر». (3) أي: في «النكت على المحرر» (2/ 322).
(2/1136)
قوله (1): «وعنه (2): يثبت المال إن كان المجني عليه عبدًا، نقلها ابن منصور». قال الشيخ تقي الدين: لاختلاف المستحق في العبد كما في الحدود والحقوق، لكن في الواجب أحدهما، وهناك جميعهما، كما أن في القود شيئين لو أخذ، فهي أربعة أقسام، لأنه إما الاثنان أو أحدهما على البدل لواحد أو لاثنين، لكن إن كان الحقان لاثنين متلازمين كالخلع لم يقبل، وإن كانا غير متلازمين كالقطع والتعزير قبلت، فصارت خمسة. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 325]. 1530 - قبول شهادة المرأة فيما لا يطلع عليه إلا النساء: - قال ابن القيم: (قال شيخنا ابن تيمية ـ - رحمه الله - تعالى ـ: قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى، إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط. وإلى هذا المعنى أشار النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال: «وأما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين بشهادة رجل» فبين أن شطر شهادتهن إنما هو لضعف العقل، لا لضعف الدين، فعلم بذلك أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال، وإنما عقلها ينقص عنه، فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة لم _________ (1) أي: صاحب «المحرر». (2) أي: الإمام أحمد.
(2/1137)
تكن فيه على نصف رجل، وما تقبل فيه شهادتهن منفردات إنما هي أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها، من غير توقف على عقل، كالولادة، والاستهلال، والارتضاع، والحيض، والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى إعمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها، من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذه معان معقولة، ويطول العهد بها في الجملة) [الطرق الحكمية 116]. - وقال ابن مفلح: (قوله (1): «ومالا يطلع عليه الرجال، كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة، والثيوبة والولادة، والحيض والرضاع ونحوه تقبل فيه امرأة». لا بد من عادة أو غالبا، قاله الشيخ تقي الدين وغيره، وهو صحيح، وهذا هو المنصوص في المذهب، وذكر القاضي أنه أصح الروايتين، وأن الإمام أحمد نص عليه في رواية الجماعة ... قوله: «وعنه: يفتقر إلى امرأتين» ... قال الشيخ تقي الدين: وعن أحمد ما يقتضي أن قبول الواحدة إنما هو إذا لم يكن غيرها، وقوله في رواية أبي طالب: تقبل شهادة القابلة بالاستهلال هذه ضرورة= يدل عليه. وذكر القاضي عند مسألة تعديل الواحد: أنه تجوز شهادة الطبيب في الجراحة، وكل موضع يضطر إليه فيه، مثل القابلة إذا لم يكن إلا طبيب واحد، أو بيطار واحد. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1138)
ومقتضى هذا: أنه في العيوب التي تحت الثياب إن وجد امرأتان، وإلا اكتفي بواحدة كما في البيطار. انتهى كلامه. وذكر أيضًا أن القاضي جعل الشرط في ذلك دون القابلة، وقد تقدم وجه هذا) [النكت على المحرر: 2/ 327 - 329]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: قال أصحابنا: والاثنتان أحوط، وليس الرجل أحوط من المرأة، جعله القاضي محل وفاق. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 331]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: حديث أبى مسروعة في الأمة الشاهدة بالرضاع يستدل به على شهادة المرأة الواحدة، وعلى شهادة الأمة، وعلى أن الإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة على الشهادة، وعلى أن الشهادة بالرضاع المطلق تؤثر، حملا للفظ المطلق على ماله قدر. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 331]. - وقال أيضا: (روى الخلال عن الإمام أحمد، أنه قال: وسئل: هل تجوز شهادة امرأة في الاستهلال والحيض والعدة والسقط والحمَّام؟ قال: كل ما لا يطلع عليه إلا النساء تجوز شهادة امرأة واحدة إذا كانت ثقة. ونص الإمام أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه على قبول شهادة المرأة في الحمَّام يدخله النساء بينهن جراحات. وقال حنبل: قال عمي: ولا تجوز إلا فيما لا يراه الرجال. ووجه ابن عقيل عدم قبول شهادة الصبيان في الجراح في الصحراء بأن قال: لأنه لو قبل لأجل العذر لقبل شهادة النساء بعضهن على بعض في
(2/1139)
الجراح في الحمَّامات، بل حمَّام النساء لا يدخله رجل قط، والصحراء قد لا تخلو من رجل. فلو جاز هنا لعذر لجاز في شهادة النساء في تجارحهن في الحمَّامات. وقالت المالكية، وإحدى الروايات عن أحمد: إن الجراحة تدعو إلى قبول شهادتهم في هذا الموضع كما دعت الحاجة إلى قبول شهادة النساء منفردات في الولادة، لأنهن يخلون بها. قالوا: ولهذا قال الإمام أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه في المرأة تشهد على ما لا يحضره الرجال من إثبات إهلال الصبي، وفي الحمَّام يدخله النساء فيكون بينهن الجراحات. قال القاضي في «التعليق» ضمن مسألة شهادة الصبيان: الجواب: أنه ليس العادة أن الصبيان يخلون في الأهداف أن يكون معهم رجل، بل لا بد أن يكون معهم من يعلمهم أو ينظر إليهم، فلا حاجة تدعو إلى قبول شهادتهم على الانفراد. ثم نقول: إذا كان الشخص على صفة لا تقبل شهادته لم يجز قبولها وإن لم يكن هناك غيره، ألا ترى أن النساء يخلو بعضهن ببعض في المواسم والحمَّامات، وربما يجني بعضهن على بعض ولا تقبل شهادة بعضهن على بعض على الانفراد، وكذلك قطاع الطريق والمحبسون بها لا تقبل شهادة بعضهم على بعض، وإن لم يكن معهم غيرهم. قال الشيخ تقي الدين: الصورة التي استشهد بها قد نص الإمام أحمد على خلاف ما قاله، لكنه ملحق، وعلى المنصوص هنا أن كل مجمع للنساء
(2/1140)
لا يحضره الرجال لا تقبل شهادتهن فيه كالشهادة على الولادة. وليس بين هذا وبين ما سلمه القاضي وغيره فرق، إلا أن المشهود به في الحمَّام ونحوها لا يقع غالبا، بخلاف الاستهلال ونحوه، فإنه يقع غالبًا، ولا يشهده إلا النساء، ولهذا فرق المالكية بين الصبيان والنساء بأن الصبيان اجتماعهم مظنة القتال بخلاف النساء. وأيضا فإن الاستهلال ونحوه هو جنس لا يطلع عليه الرجال، وجراح الحمَّام ونحوها جنس يطلع عليه الرجال، وإنما كونه في الحمَّام هو الذي منع الاطلاع، وهذا نظير نص أحمد على قبول شهادة البيطار والطبيب ونحوه للضرورة، فصارت الضرورة مؤثرة في الجنس وفي العدد. فيتوجه على هذا أن تقبل شهادة المعروفين بالصدق، وإن لم يكونوا ملتزمين للحدود عند الضرورة، مثل الحبس وحوادث البر وأهل القرية الذين لا يوجد فيهم عدل، وله أصول: أحدها: شهادة أهل الذمة في الوصية إذا لم يكن مسلم، وشهادتهم على بعضهم في قول. الثاني: شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال. الثالث: شهادة الصبيان فيما لا يشهده الرجال، ويظهر ذلك بمحتضر في السفر إذا حضر اثنان كافران واثنان مسلمان مصدقان ليسا بملازمين للحدود، واثنان مبتدعان، فهذان خير من الكافرين، والشروط التي في القرآن إنما هي شروط التحمل لا الأداء، وقد ذكر القاضي هذا المعنى في
(2/1141)
مسألة شهادة أهل الكتاب على الوصية فقال ــ لما قاس على شهادة النساء منفردات ــ فقال: الضرورة قد تؤثر في الشهادات بدليل شهادة النساء على الانفراد فيما لا يطلع عليه الرجال. فإن قيل: الأنوثة لا تؤثر في الدين وفي العدالة، وهذا يؤثر في العدالة فيما قد اعتبرت فيه. قيل: لا يمنع أن يسقط اعتبارها لأجل الضرورة، كما قالوا: العدالة معتبرة في ولاية النكاح فسقط اعتبارها بالضرورة، وهو إذا كان الأب كافرا والبنت مسلمة جاز أن يزوجها، لأنها حال ضرورة، وفقد العدالة ليس بأكثر من فقد الصفة في الشهادة، وهذا يجوز مع الضرورة كالذكورية هي شرط في الشهادة، وتسقط عند الضرورة، وهي في الحال التي لا يطلع عليها الرجال) [النكت على المحرر: 2/ 331 - 333] (1). وانظر: ما سبق برقم (1459). 1531 - أجرة القابلة ونحوها: - قال ابن مفلح: (وترك القابلة ونحوها الأجرة لحاجة المقبولة أفضل، وإلا دفعتها لمحتاج، ذكره شيخنا) [الفروع 6/ 594 (11/ 379)] (2). 1532 - صيغة أداء الشهادة: - قال ابن القيم: (وإذا كان كل خبر شهادة، فليس مع من اشترط لفظ _________ (1) انظر: «جامع المسائل» (2/ 227)، «الاختيارات» للبعلي (516 - 517، 525). (2) «الاختيارات» للبعلي (227).
(2/1142)
شهادة فيها دليل من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس صحيح. وعن أحمد فيها ثلاثة روايات، إحداهن: اشتراط لفظ الشهادة، والثانية: الاكتفاء بمجرد الإخبار، اختارها شيخنا، والثالثة: الفرق بين الشهادة على الأقوال، وبين الشهادة على الأفعال) [بدائع الفوائد 1/ 9]. - وقال أيضا: (وقال علي بن المديني: أقول: إن العشرة في الجنة ولا أشهد بذلك. فقال الإمام أحمد: متى قلت: «هم في الجنة» فقد شهدت. قال شيخنا: وهذا صريح من أحمد أن لفظ الشهادة ليس بشرط. قال: وهو الصحيح) [بدائع الفوائد 4/ 855 (4/ 1370)]. - وقال أيضا: ( ... وفي القصة دليل على مسألة أخرى، وهي: أنه لا يشترط في الشهادة التلفظ بلفظ: أشهد، وهذا أصح الروايات عن أحمد في الدليل، وإن كان الأشهر عند الصحابة (1) الاشتراط، وهي مذهب مالك. قال شيخنا: ولا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين اشتراط لفظ الشهادة) [زاد المعاد 3/ 492]. - وقال أيضا: (قال شيخنا: فاشتراط لفظ (الشهادة) لا أصل له في كتاب الله، ولا سنة رسوله، ولا قول أحد من الصحابة، ولا يتوقف إطلاق لفظ (الشهادة) لغة على ذلك، وبالله التوفيق) [الطرق الحكمية 158]. - وقال ابن مفلح: (ولا يصح أداء شهادة إلا بلفظها، فلا يحكم بقوله: _________ (1) كذا, ولعل الصواب: (أصحابه) , والله أعلم.
(2/1143)
أعلم ونحوه، وعنه: تصح، اختاره أبو الخطاب وشيخنا، وفاقا لمالك وأخذها من قول علي بن المديني: أقول: إن العشرة في الجنة ولا أشهد، فقال أحمد: متى قلت فقد شهدت ... قال شيخنا: لا نعرف عن صحابي ولا تابعي اشتراط لفظ الشهادة، وفي الكتاب والسنة إطلاق لفظ الشهادة على الخبر المجرد عن لفظة: أشهد) [الفروع 6/ 594 - 595 (11/ 379 - 380)]. - وقال أيضاً: (قوله (1): «ولا يصح أداء الشهادة إلا بلفظها، فإن قال: أعلم، أو أحق ونحوه لم يحكم بها». ذكره القاضي محل وفاق في مواضع، منها شهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه الرجال، وذكر: أنه يعتبر فيه لفظ الشهادة، جعله محل وفاق. ذكره الشيخ تقي الدين، ولم يحك فيه خلافا ... وذكر الشيخ تقي الدين في موضع آخر: الحكم بذلك عن أحمد، وأخذه من مناظرته لعلي بن المديني، وأن أحمد شهد بالجنة لكل من جعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أهلها، فقال ابن المديني: أقول ولا أشهد، فقال له أحمد: إذا قلت فقد شهدت (2)) _________ (1) أي: صاحب «المحرر». (2) في حاشية مطبوعة «النكت»: (بهامش الأصل: صورة ما ذكره الشيخ تقي الدين في هذا الموضع قال: اختلف الفقهاء في جواز أداء الشهادة عند الحاكم بغير لفظ الشهادة، مثل: أعلم، وأثبت، وأحق، على وجهين لأصحابنا وغيرهم، ذكرهما القاضي أبو يعلى، والمنع قول المتأخرين، والجواز هو مقتضى كلام أحمد لما ناظر علي بن المديني في الشهادة للعشرة بالجنة، فقال أحمد: أنا أشهد لهم بالجنة. فقال له علي: أنا أقول: هم في الجنة، ولا أقول: أشهد. فقال أحمد: إذا قلت: هم في الجنة فقد شهدت أنهم في الجنة. وهذا الذي قاله أحمد هو الراجح في الكتاب والسنة، ولا أعلم عنه نصا يوافق الوجه الآخر، وعلى هذا فنفس الإخبار شهادة، وإن لم يذكر عن نفسه فعلا، فإذا قال: لهذا عند هذا ألف درهم، أو قال: هذا سرق مال هذا، أو قال: هذا ضرب هذا، أو قال: باعه هذا العبد بكذا، فنفس هذا الإخبار شهادة، وإن لم يذكر عن نفسه: أعلم، أو أحق، أو أشهد، كما قال أحمد: إذا قلت: هم في الجنة فقد شهدت أنهم في الجنة. وذكر في شهادة الاستفاضة قول أحمد: أنا أقول بأن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أشهد بأنها ابنته) ا. هـ.
(2/1144)
[النكت على المحرر 2/ 311 - 313] (1). 1533 - استصحاب الحال في الحكم: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولا يعتبر: «وأن الدَّين باق في ذمته إلى الآن» بل يحكم الحاكم باستصحاب الحال، إذا ثبت عنده سبب (2) الحق إجماعا) [الفروع 6/ 595 (11/ 380)] (3). _________ (1) انظر: «الفتاوى» (14/ 168 - 171)، «الاختيارات» للبعلي (522 - 523). (2) في مطبوعة «الاختيارات»: (سبق) خطأ. (3) «الاختيارات» للبعلي (523)، وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (603).
(2/1145)
باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة 1534 - الحكم بالشهادة على الشهادة: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «ولا يحكم بها إلا إن تعذر شهادة شهود الأصل بموت، أو مرض، أو غيبة». زاد في «المغني» وغيره: أو خوف من السلطان أو غيره، وهذا قول الأئمة الثلاثة، لأن الأدنى لا يقبل مع القدرة على الأقوى، وكسائر الإبدال. وقال ابن عبد القوي مع ذلك: أو حبس، وفي معناه الجهل بمكانهم ولو في المصر. انتهى كلامه. وقال أبو يوسف ومحمد: تقبل شهادة حاضر في المصر. وقال الشيخ تقي الدين: هذا متوجه على قولنا إن شهادة الفرع خبر، ولو كان الأصل في المجلس لم تقبل الفروع، ذكره ــ يعني القاضي ــ محل وفاق. وقد علل ــ يعني القاضي ــ بالمشقة على شهود الأصل في الحضور، وهذا تتعدد أسبابه. قال ــ يعني القاضي ــ: ويحتمل أن نعتبر سفرًا تقصر فيه الصلاة، ويحتمل أن لا يعتبر ذلك، وتجوز مع الغيبة القصيرة، لأن مشقة السفر _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1146)
القصير أكثر من مشقة المريض المقيم في البلد. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 335]. 1535 - إنكار شهود الأصل لشهادة الفرع: - قال ابن مفلح: (وإنكار شهود الأصل يمنع قبول شهادة الفرع، ذكره القاضي وغيره محل وفاق، وكذلك احتج المخالف في الرواية، لأنه لو شهد شاهدان على شهادة شاهدين، فقال شاهدا الأصل: لا نذكر ذلك ولا نحفظه لم يجز للحاكم أن يحكم بشهادتهما، كذلك الخبر، وكذلك الحاكم إذا ادعى رجل أنه قضى له بحق على فلان، ولم يذكر القاضي فأحضر المدعي بينة على حكمه لم يرجع إليها، كذلك ههنا. قال القاضي: والجواب أنا لا نسلم هذا في القاضي، بل نقول: يرجع، وأما شهود الفرع فإننا لم نسمع شهادتهم، لأن الشهادة أغلظ حكما وأشق طريقًا من الخبر. قال الشيخ تقي الدين: القول في الشهود، كالقول في الحكام والمحدثين متوجه) [النكت على المحرر: 2/ 336 - 337]. 1536 - إذا قال شاهد الأصل لشاهد الفرع: اشهد على أني أشهد: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «فيقول: أشهده على شهادتي بكذا». قال في «المغني»: فأما إن قال: اشهد أني أشهد على فلان بكذا، فالأشبه أنه يجوز أن يشهد على شهادته، وهو قول أبي يوسف، لأن معنى ذلك: اشهد على شهادتي أني أشهد، لأنه إذا قال: اشهد فقد أمره بالشهادة _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1147)
ولم يسترعه، وما عدا هذه المواضع لا يجوز أن يشهد فيها على الشهادة. انتهى كلامه. وفي كلام الشيخ تقي الدين: اشهد على أني أشهد، وقال في «الرعاية»: فيقول: أشهدك، أو اشهد على شهادتي أني أشهد لزيد على عمرو بكذا، أو أني أشهد له عليه بكذا، أو أنه عندي طوعا بكذا، أو أشهدني به عليه ... إلى أن قال: فإن سمعه فرعه يقول: اشهد له عليه بكذا، لم يشهد على شهادته به، أو قال: أشهدني فلان بكذا، أو عندي شهادته عليه بكذا، أو لفلان على فلان كذا، أو شهدت عليه به، أو أقرَّ عندي به فوجهان، أقواهما منعه. قال: وإن سمعه خارج مجلس الحكم يقول: عندي شهادة لزيد، أو أشهد بكذا: لم يصر فرعا) [النكت على المحرر: 2/ 338]. 1537 - كيفية أداء الفرع للشهادة: - قال ابن مفلح: (قال في «الكافي»: ويؤدي الشهادة على الصفة التي تحملها فيقول: أشهد أن فلانا يشهد أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته. وإن سمعه يشهد عند الحاكم، أو يعزو الحق إلى سببه= ذكره. قال في «المستوعب» في الصورتين الأخيرتين: فيقول: أشهد على شهادة فلان عند الحاكم بكذا، أو يقول: أشهد على شهادته بكذا، وأنه عزاه إلى واجب فيؤدي على حسب ما تحمل، فإن لم يؤدها على ذلك لم يحكم بها الحاكم. وقال في المسألة الأولى: ويشترط أن يؤدي شاهد الفرع إلى الحاكم ما تحمله على صفته وكيفيته.
(2/1148)
وقال الشيخ تقي الدين: الفرع يقول: أشهد على فلان أنه يشهد له، أو: أشهد على شهادة فلان بكذا، فإن ذكر لفظ المسترعي فقال: أشهد على فلان أنه قال: اشهد أني أشهد فهو أوضح. فالحاصل أن الشاهد بما يسمع، تارة يؤدي اللفظ، وتارة يؤدي المعنى. وقال أيضًا: والفرع يقول: أشهد أن فلانًا يشهد، أو: بأن فلانًا يشهد، فهو أول رتبة. والثانية: أشهد عليه أنه يشهد، أو: بأنه يشهد. والثالثة: أشهد على شهادته) [النكت على المحرر: 2/ 339]. 1538 - دخول النساء في شهادة الفرع وشهادة الأصل: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وعنه: يدخلن فيهما». نصره في «المغني»، وقدمه في «الرعاية»، وقيد جماعة هذه الرواية فيما تقبل فيه شهادتهن مع النساء أو منفردات، وحكاه في «الرعاية» قولا، وليس كذلك. قال القاضي في «التعليق»: إن حربًا نقل عن الإمام أحمد ما يقتضي هذه الرواية، فقال: شهادة امرأتين على شهادة امرأتين تجوز. قال: ورأيت في «جامع الخلال»: أن هذا قول إسحاق، قال: شهادة _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وتمامه كلامه: (ولا مدخل للنساء في شهود الفرع ولا في أصولهم، وعنه: يدخلن فيهما).
(2/1149)
رجل على شهادة امرأتين جائز يحكم به، فلا يضاف هذا إلى أحمد، وبهذا قال أبو حنيفة، لأن القصد من شهادتهن إثبات الحق، فكان لهن مدخل كالبيع. قال الشيخ تقي الدين: هذا قياس المذهب في التي قبلها، بناء على أن الشهادة على الشهادة تجري مجرى الخبر، وإن ألحقناها بثبوت حكم الحاكم قوي المذهب، وهذا متوجه جدًا، فإن شاهد الفرع مسترعى كالحاكم. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 342]. 1539 - إذا قال شاهدا الفرع: لقد بان لنا كذب الأصول أو غلطهم: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «ولو قالا: لقد بان لنا كذب الأصول أو غلطهم لم يضمنا شيئا». وفي كلام بعضهم إشارة إلى هذا لأنهما لم يفرطا، ولم يتسببا في إتلافه ولأنهما لو ضمنا في هذه الحال أفضى إلى عدم الشهادة على الشهادة. وظاهر كلام جماعة الضمان، لأن إتلافه حصل بشهادتهم كالتي قبلها، والافتراق في الكذب لا يمنع الضمان، ويعرف من كلامه أنهما لو قالا: لا نعلم أنهم كذبة أو غالطون ضمنا. وصرح به الشيخ تقي الدين، قال: لأنه من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين، وكذلك كل من شهد على إقرار أو حكم يعلم أنه باطل، وإن شهدوا على عقد يعلمون تحريمه. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 343]. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1150)
1540 - إذا رجع شهود المال: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا رجع شهود المال بعد الحكم لم ينقض، سواء قبض المال أو لم يقبض، تالفًا كان أو باقيًا». قد أطلق في مواضع أن الشاهد يضمن، ولم يفرق بين ما قبل التلف وبعده، قاله الشيخ تقي الدين، وسيأتي في الشاهد واليمين، وذكره القاضي محل وفاق، وذكر في «المغني»: أنه قول أهل الفتيا من علماء الأمصار، لأن حق المشهود له قد وجب، فلا يزول إلا ببينة أو إقرار، ولم يوجد واحد منهما. قال الشيخ تقي الدين: في كلام أحمد ما ظاهره أنه ينقض الحكم إذا رجعا بعد الحكم، ثم إن كان المال باقيًا أعيد، وإن كان تالفًا ضمناه. ولفظ رواية ابن منصور يقتضي ذلك، فإنه قال: إذا شهد شهادة ثم رجع عنها وقد أتلف مالا فهو ضامن لحصته، فإنما أوجب الضمان إذا تلف المال. وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل عن رجل قضى عليه بشهادة شاهدين فرجع أحد الشاهدين؟ قال: يلزمه ويرد الحكم. قيل لأبي عبد الله: وإذا قضى له بحق بشهادة شاهد ويمين المدعي، ثم رجع الشاهد؟ فقال: إذا تلف الشيء كان على الشاهد، لأنه إنما ثبت ههنا بشهادته ليس اليمين من الشهادة في شيء. فقد نص على أنه يرد الحكم، قال: إذا تلف الشيء كان على الشاهد. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1151)
وقال أحمد بن القاسم: قلت لأبي عبد الله: فإن رجع الشاهد عن الشهادة كم يغرم؟ قال: المال كله، لأنه شاهد وحده قضى بشهادته، ثم قال لي: كيف قول مالك فيها؟ قلت: لا أحفظه، قلت له بعد هذا المجلس: إن مالكا كان يقول: إن رجع الشاهد فعليه نصف الحق، لأني إنما حكمت بشيئين بشهادة ويمين الطالب. فلم أره رجع عن قوله. وسألته عن رجوع الشهود قبل الحكم وبعده سواء؟ قال: لا، كيف يكون سواء، وقبل الحكم لم يقع شيء، ولم يؤخذ من الرجل شيء، كيف يكون هذا وذاك سواء؟ ! هذا قائم بعد بحاله. فعلم أن الموجب للضمان بعد هذا فعل تلف المال، لا مجرد الحكم، ولكن جوابه بأن الضمان جميعه على الشاهد دون المال قد يظن أنه لا ضمان معه على الطالب، فلا ينقض الحكم، لكن مقصود أحمد: أن الشاهد هنا يطالب بجميع المشهود به، بخلاف ما لو كانا شاهدين، فإنه إذا رجع أحدهما لم يطالب إلا بنصفه. وروى الأثرم عن ابن أبي شيبة عن وكيع قال: قال سفيان: إذا مضى الحكم جازت الشهادة، ويغرم الشاهد إذا رجع. وعن ابن أبي شيبة عن ابن مهدي وغندر عن شعبة عن حماد قال: يرد الحكم. ثم ذكر نص أحمد، قال: يلزمه ويرد الحكم. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 344 - 345].
(2/1152)
1541 - إذا حكم في مال بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا حكم في مال بشاهد ويمين، ثم رجع الشاهد عن الشهادة غرم المال كله. نص عليه». في رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث وأبي الحارث: يضمن الشاهد جميع المال، ولا يرجع بنصفه على المشهود له، وقال: إنما ثبت الحق بشهادته. وكذلك نقل ابن مشيش وابن بختان، وهذا قول مالك. قال الشيخ تقي الدين: بنى القاضي المسألة على أن الحكم إنما وقع بالشهادة وإنما اليمين للاحتياط، كاليمين مع الشاهدين على الغائب، وأن اليمين قول المدعي فلا يحكم له بها، وهذه بحوث تشبه بحوث الحنفية، فإنهم لا يجعلون اليمين في جنبة المدعي قط. ويتوجه للمسألة مأخذ آخر وهو أن اليمين هنا قول آخر، فأشبهت دعواه وقبضه، فإن الشاهد هو الذي مكنه من أن يحلف ويأخذ، كما أن الشاهدين هما اللذان مكناه من أن يأخذ، ألا ترى أنه لا يحلف إلا بعد الشهادة، بخلاف أحد الشاهدين مع الآخر. وحقيقته أن الشاهد متسبب في الإتلاف، والحالف مباشر، ولم يمكن إحالة الحكم عليه، فيحال على السبب، وكل واحد من الشاهدين متسبب، وهذا فقه جيد، يبين به حسن فقه أبي عبد الله. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1153)
وقال القاضي في «التعليق» ضمن مسألة الشاهد: إذا ادعى على ميت أو صبي أو مجنون، واستحلفه الحاكم مع بينته، فإن الحكم بالبينة لا باليمين، ذكره محل وفاق، فلو رجع الشاهدان هنا ضمنا جميع المال. قال: وهو يستحلف عندنا إذا ألزمه الحاكم، وفيها روايتان مطلقا، فاعتذر المخالف بأن اليمين هناك على وجه الاستظهار، لأن المدعى عليه لا يعبر عن نفسه، واليمين هنا لإثبات الحق، فقال: لا نسلم أنها لإثبات الحق، وإنما هي للاحتياط، وإنما يثبت الحق بالشاهد. قال الشيخ تقي الدين: وهذا يؤيد أن الروايتين في مسألة الغائب: أن يحلف على ثبوت الحق المشهود به لا على بقائه، كما في الشاهد واليمين، إذ لولا ذلك لكان عذر المخالف عن تلك المسألة ظاهرًا، لأن المحلوف عليه غير المشهود به. قوله (1): «وقيل: يغرم النصف». خرجه أبو الخطاب من رد اليمين على المدعي، وهو قول الشافعي، وحكاه بعضهم عن مالك، ورواية عن الشافعي يرجع بنصفه على المشهود له. قال الشيخ تقي الدين: وهذه العبارة ليست بجيدة إلا فيما إذا رجعا معًا، وفي هذه الصورة قرار الجميع على المشهود له، وأما الشاهد فيضمن، إما الجميع وإما النصف، ويرجع به) [النكت على المحرر: 2/ 351 - 352]. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1154)
1542 - إذا رجع شهود الطلاق: - قال ابن مفلح: (وإن رجع شهود طلاق فلا غرم إلا قبل الدخول نصف المسمى أو بدله، وعنه: وبعده كله، وذكر شيخنا وجها: مهر المثل) [الفروع 6/ 599 (11/ 389 - 390)] (1). 1543 - إذا رجع شهود التزكية: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «ويضمن شهود التزكية إذا رجعوا عنها ما يضمنه من زكوهم لو رجعوا». وكذا ذكره الشيخ موفق الدين محل وفاق، قاس عليه رجوع شهود الأصل، لأن الحكم ينبني على شهادتهم كشهود الفرع. فصل قال الشيخ تقي الدين: وإذا تبين خطأ الشهود أو كذبهم أو خطأ المزكين، فهنا الحكم باطل، لكن ينبغي أن تكون الشهادة أو التزكية سببًا للضمان والقرار على المتلف، بخلاف الرجوع، فإنه لا ضمان إلا على الراجع. انتهى كلامه. ولعل هذا المعنى يؤخذ من كلام الشيخ موفق الدين وغيره. وقال القاضي: لو شهدا عليه بالقرض فحكم الحاكم عليه بالمال وسلمه إلى المقرض، ثم أقام المشهود عليه البينة بعد ذلك: أنه كان قضاه لم _________ (1) «الفتاوى» (20/ 579). (2) أي: صاحب «المحرر».
(2/1155)
يضمن شهود القرض، لأنه لم يكن في شهادتهم إثبات المال في الحال، ولو كانوا شهدوا بأن لفلان عليه ألف درهم، فحكم الحاكم بشهادتهم، ثم أقام المقضي عليه البينة: أنه كان قضاه قبل ذلك ضمن الشهود الذين شهدوا بالمال. ذكره محل وفاق مع الحنفية. قال الشيخ تقي الدين: وهذا يقتضي أن خطأ الشهود موجب للضمان كرجوعهم، وإن ظهر ذلك ببينة، كما قيل في شاهد الزور: قد يظهر كذبه بإقرار، أو تبيين، لكن هنا قالوا: ببينة. قال الشيخ تقي الدين: وكذا يجب، فإن الشهادة إذا كانت باطلة، فسواء علم بطلانها برجوعهم أو بطريق آخر، وكذلك التزكية لو ظهر فسق الشهود ضمن المزكون، وكذلك يجب أن يكون في الولاية، لو أراد الإمام أن يولي قاضيًا أو واليًا لا يعرفه، فسأل عنه، فزكاه أقوام ووصفوه بما يصلح معه للولاية ثم رجعوا، أو ظهر بطلان تزكيتهم، فينبغي أن يضمنوا ما أفسده الوالي والقاضي، وكذلك لو أشاروا عليه، أو أمروه بولايته، فإن الآمر بالأمر بمنزلة الشهادة بالشهادة، لكن الذي لا ريب في ضمانه: من تعمد المعصية، مثل أن يعلم منه الخيانة أو العجز، ويخبر عنه بخلاف ذلك، أو يأمر بولايته، أو يكون لا يعلم بحاله ويزكيه، أو يشير به، فأما إذا اعتقد صلاحه وأخطأ، فهذا معذور، والسبب هنا ليس محرما، وعلى هذا فالمزكي للعامل من المقرض والمشتري والوكيل كذلك، فالتزكية أبدًا جنس واحد، وأما الأمر: فهو نظير التزكية التي هي خبر. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 352 - 353].
(2/1156)
1544 - إذا رجع شهود الحق قبل الحكم: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا رجع شهود الحق قبل الحكم لغت شهادتهم، ولم يضمنوا». وهذا قول عامة العلماء، لأنها شرط الحكم، فيشترط استدامتها إلى انقضائه كعدالتها، ولأن رجوعها يظهر كذبها، ولأنه يزول ظنه في أن ما شهد به حق، كما لو تغير اجتهاده. وقد قال الإمام أحمد في رواية الأثرم ــ في شاهدين شهدا على رجل بألف درهم، فقال أحدهما بعد إقامة الشهادة: قد قضاه منها خمسمائة درهم ــ: قد أفسد ما شهد به إذا كان بحضرة ذلك، ولو جاء بعد هذا المجلس، فقال: أشهد أنه قضاه منها خمسمائة = لم يقبل، لأنه قد أمضى الشهادة. قال ابن عقيل: وظاهر هذا من كلامه: أنه لم يعتبر حكم الحاكم، وإنما اعتبر انقضاء المجلس، وهو محمول على أن الإمام أحمد أبطل شهادته في قدر المرجوع فيه قبل أن يحكم الحاكم بشهادتهما. وقال الشيخ تقي الدين ــ عقيب هذا النص ــ: وشهادته بالقضاء رجوع، أو بمنزلة الرجوع، وقد قال: إذا كان في غير ذلك المجلس لم يقبل، لأن الشهادة عند الحاكم قد تعلق بها حق المشهود له، وثبتت عنده؛ فرجوعه حينئذ كرجوعه بعد الحكم، لكن لم يذكر ضمانه للمشهود عليه، إما لعدم الحاجة، أو كمذهب الشافعي. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 353 - 354]. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1157)
1545 - إذا شهد بعد الحكم بمناف للأوّلة: 1546 - وضمان الشاهد ما غرمه الوكيل بسببه: - قال ابن مفلح: (ومن شهد بعد الحكم بمناف للأولة فكرجوعه وأولى، قاله شيخنا. وقال في شاهد قاس بكذا، وكتب خطه بالصحة فاستخرج الوكيل على حكمه، ثم قاس وكتب خطه بزيادة، فغرم الوكيل الزيادة، قال: يضمن الشاهد ما غرمه الوكيل من الزيادة بسببه، تعمد الكذب أو أخطأ، كالرجوع) [الفروع 6/ 601 (11/ 393)] (1). 1547 - تأديب شاهد الزور: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «وإذا علم الحاكم بشاهد الزور بإقراره، أو تبين كذبه يقينا عزره وطاف به حتى يشتهر أمره، ويقال: إنا وجدناه شاهد زور فاجتنبوه». قال الإمام أحمد في رواية عبد الله وإسحاق بن إبراهيم في شاهد الزور: يطاف به في حيه ويشهر أمره، ويؤدب أيضًا ما به بأس. وقال في رواية ابن منصور: ويقام للناس ويعرف ويؤدب. وهكذا في رواية يعقوب: يشهر أمره. وبهذا قال مالك والشافعي، لأنه قول محرم يضرّ به الناس لا كفارة فيه، أشبه السب والقذف، ولأن فيه زجرا. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (526). (2) أي: صاحب «المحرر».
(2/1158)
وذكر القاضي في تعزير الإمام على الظهار وجهين، وفرق غيره بأن فيه كفارة، وبأنه يختص بنفسه، ولو سب نفسه أو شتمها لم يعزر، ولو سب غيره وشتمه عزر. قال الشيخ تقي الدين: هذا مع قوله: إن كل معصية لا حدّ فيها ولا كفارة يجب فيها التأديب والتعزير. انتهى كلامه. وقال أبو حنيفة: لا يعزر، ثم حكى أنه يوقف في قومه، ويقال: إنه شاهد زور. وحكي عنه: عدمه، ووافق أنه إذا كان مصرا فعل به ذلك، لكن إذا ظهر منه الندم والتوبة لم يعزر، وقد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه كتب فيه: «أن يجلد ظهره ــ وفي رواية: أربعين ــ، ويسخم وجهه، ويطال حبسه، ويطاف به» وفي رواية: «يحلق رأسه»، والأسانيد فيها ضعف. فتأولت الحنفية ذلك على أنه كان مصرا، ولهذا جمع بين التعزير والحبس والتسخيم، قالوا: وعندكم يفعل التسخيم والحبس والتعزير؟ فقال القاضي: الظاهر يقتضي الجمع بينهما، لكن قام دليل الإجماع على إسقاط الحبس. قال الشيخ تقي الدين: قال الإمام أحمد: يؤدب، والأثران عن عمر هو رواهما، فلعل الأدب عنده هو ما رواه عن عمر. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 355 - 356]. - وقال أيضا: (واحتج الحنفية، فقالوا: الرجوع عن القول الموجب ــ وهو الإقرار بالزنا ــ أسقط عنه الحد، فالرجوع عن القول الذي يوجب التعزير، وهو التزوير على المشهود عليه أولى أن يسقط عنه.
(2/1159)
فقال القاضي: والجواب: أنه ليس الخلاف فيمن تاب، وإنما الخلاف فيمن ثبت عليه أنه شهد بالزور، إما بقيام البينة على إقراره بذلك، أو بعلم الحاكم به قطعا، بأن شهد بقتل رجل والحاكم يعلم أنه لم يقتل، وهو أن يكون الرجل عنده وقت القتل، أو يكون الذي يدعي أنه مقتول حيٌّ لم يقتل، فأما إذا تاب فإنا لا نعزره، وقيل: لا يسقط التعزير بالتوبة، لأنه قد تعلق بحق آدمي، وهو شهادته عليه، وحقوق الآدميين لا تؤثر فيها التوبة. قال الشيخ تقي الدين: أما إذا تاب بعد الحكم فيما لا يبطل برجوعه فهنا قد تعلق به حق آدمي، ثم تارة يجيء إلى الإمام تائبا فهذا بمنزلة قاطع الطريق إذا تاب قبل القدرة عليه، وتارة يتوب بعد ظهور تزويره فهنا لا ينبغي أن يسقط عنه التعزير) [النكت على المحرر: 2/ 357 - 358] (1). 1548 - الإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة على الشهادة: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: الإقرار بالشهادة هل يكون بمنزلة الشهادة على الشهادة؟ فيه حديث الأمة السوداء في الرضاع، فإن عقبة بن الحارث أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المرأة أخبرته أنها أرضعتهما، فنهاه عنها من غير سماع من المرأة، وقد احتج به الأصحاب في قبول شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، فلولا أن الإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة ما صحت الحجة، وهو ظاهر ... (2)) [النكت على المحرر: 2/ 357 - 358] (3). _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (525 - 526). (2) بقية الكلام يحتمل أن تكون لابن تيمية ويحتمل أن تكون لابن مفلح، والله أعلم. (3) «الاختيارات» للبعلي (525).
(2/1160)
كتاب الإقرار
1549 - الإقرار إما أن يعلم كذبه أو يعلم صدقه أو يحتمل الأمرين: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: إن الإقرار ينقسم إلى: ما يعلم كذبه، كإقراره لمن هو أكبر منه أنه ابنه، ومن هذا الجنس كل إقرار بحق أسنده إلى سبب وذلك السبب باطل، مثل أن يقر أن له في تركة أبيه ثلثها بجهة الإرث وليس بوارث، أو أن لفلان عليَّ كذا من ثمن كذا أقرض كذا أو نكاح كذا، إذا كان السبب لا يثبت به ذلك الحق، فحيثما أضاف الحق إلى سبب باطل فهو باطل. وإن أضافه إلى سبب يصلح أن يكون حقًا لكن قد علم ارتفاعه، مثل أن يقول: له عليَّ ألف من ثمن هذه الدار، ويكون المشتري قد أبرأه قبل ذلك، أو: لها عليَّ صداقها، وتكون قد أبرأته منه قبل ذلك، أو: له عليَّ حقه من إرث أبي، ويكونان قد اصطلحا قبل ذلك وتبارآ، فهذا أيضا كذلك، لأن الإقرار إخبار فإذا كان الخبر قد علم كذبه وبطلانه كان باطلا. قال: وإلى ما يعلم صدقه، كإقراره بأن هذا المال الذي خلفه أبوه هو بينه وبين أخيه ابن الميت نصفين. وإلى ما يحتمل الأمرين، فالأصل فيه التصديق، إلا أن يثبت ما يعارضه مما يقفه أو يرفعه. فالأول: مثل تكذيب المقر له، فإنه أيضًا خبر، فليس تصديق أحدهما أولى من الآخر، فيعود الأمر كما كان.
(2/1161)
وأما الثاني: فالبينات، فإذا قامت البينة بأنه كان مكرها على إقراره، فإقرار المكره لا يصح أيضًا، وإن أمكن أن يكون مطابقا، كان إقرار تلجئة، وهو أن يتفق المقر والمقر له على الإقرار ظاهرا، مثل بقاء المقر به للمقر فهو باطل، فإذا شهدت بينة بأنهما اتفقا قبل الإقرار كان ذلك مبطلا لهذا الإقرار، وإذا كان الإقرار إنشاء في الباطن مثل إقرار المريض لمن يقصد التبرع له، إما بعطية وإما بإبراء فيجعل الإنشاء إقرارا لينفذ. قال: فإذا قامت البينة بأنهما اتفقا قبل الإقرار على ذلك مثل أن يشهد الشاهد أنه قيل للمريض: أعط فلانا ألف درهم، أو أوص له بها، فقيل له: بل اجعل ذلك إقرارا، أو أنه قال المريض: كيف أصنع حتى أعطي فلانا ألفا من أصل المال؟ فقيل له: أقر له بها، أو: أن اثنين تراضيا على ذلك ثم أمرا به المريض، فإنه يجب العمل بهذه البينة، أو يقول: ما له عندي شيء، أو: ما لأحد عندي شيء لكن أنا مقر، أو: أقر له بألف، أو: اشهدوا عليَّ أن له عندي ألفا، أو يقول بعد ذلك: له عندي ألف، فيكون قد تقدم الإقرار ما يبطله وما ينافيه، وإن شهدت بينة بأن هذا المقر به لم يكن ملكا للمقر له، بل كان ملكا للمقر إلى حين الإقرار إن كان عينا، أو كانت ذمته بريئة منه إن كان دينا، فهل تقبل هذه البينة فإنها تضمنت نفيا؟ فينبغي أن يقال: إن كان نفيا يحاط به قبل ذلك، وإلا لم يقبل، وهل يستفصل المقر له: من أين لك هذا الملك؟ نعم. قال: وكذلك يستفصل المدعي عند التهمة والمدعى عليه) [النكت على المحرر: 2/ 360 - 362]. 1550 - من يملك الإقرار: - قال ابن مفلح: (من ملك شيئا ملك الإقرار به، ومن لا فلا، وهذا
(2/1162)
المشهور في كلام الأصحاب، وثم صور مستثناة. وقال الشيخ تقي الدين: ما يملك إنشاءه يملك الإقرار به، وما لا يملكه فإن كان مما لا يمكنه إنشاؤه بحال ملك الإقرار به أيضا، كالنسب والولاء وما يوجب القود عليه، إذ لا طريق إلى ثبوته إلا بالإقرار به، فصار كالشهادة بالاستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا بدونها، لكن يستثنى النكاح والولد على ما فيه من الخلاف. وإن كان مما يمكنه إنشاء سببه في الجملة كالأفعال الموجبة للعقوبة (1) قبل إذا لم يكن متهما فيه. وأحسن من هذا أن ما لا يصح أو ما لا يحل إنشاؤه منه إن كان متهما في إقراره به لم يقبل وإلا قبل. وهنا يتبين أن المقر شاهد على نفسه بما لا يمكنه إنشاؤه، ومن هذا إقراره بالبينونة فإنه لا يملك إنشاءها، لكنه لا يتهم على إسقاط حقه من الرجعة وسقوط حقها من النفقة ضمنا وتبعا. وقد ذكر القاضي في إخبار الحاكم بعد العزل لما قاسه على الإخبار قبل العزل، فقيل له: المعنى في الأصل أنه يملك الحكم، فلهذا ملك الإقرار به، وليس كذلك ههنا، لأنه لا يملكه، فلم يملك الإقرار به، كمن باع عبدا ثم أقر أنه أعتقه، أو باعه بعد أن باعه، لم يقبل منه. فقال: هذا غير ممتنع، كالوصي إذا ادعى دفع المال إلى الصبي بعد بلوغه، أو ادعى الإنفاق عليه، فإنه يقبل وإن كان في حال لا يملك التصرف عليه. _________ (1) في هامش النكت: (بهامش الأصل: «في نكت ابن شيخ السلامية: الموجبة للمال»).
(2/1163)
وكذلك العبد المأذون إذا حجر عليه فأقر بثمن مبيع في حال الإذن، وكذلك المكاتب إذا أقر بعد العجز بثمن مبيع في حال الكتابة يقبل ذلك وإن لم يملك ذلك في حال الإقرار، كذلك ههنا. وكذلك الموصى. وكذلك المودع إذا ادعى رد الوديعة أو تلفها بعد عزل المودع له. وكذلك العبد إذا أقر بجناية عمدا، فإنه يقبل إقراره وإن لم يكن مالكا لما أقر به. قال: ولا معنى لقولهم إن دعوى النفقة لا يمكن إقامة البينة عليها، فإنه منقوض برد الوديعة يمكن إقامة البينة عليه (1) ويقبل، والإنفاق على الزوجة لا يمكن إقامة البينة عليه، ومع هذا لا يقبل قوله فيها. قال الشيخ تقي الدين: تسمية هذه الأشياء إقرارا يجوز، وقد ذكر الجد وغيره تسمية بعض هذا إقرار. والتحقيق أن يقال: المخبر إن أخبر بما على نفسه فهو مقر، وإن أخبر بما على غيره لنفسه فهو مدعي، وإن أخبر بما على غيره لغيره فإن كان مؤتمنا عليه فهو مخبر، وإلا فهو شاهد، فالقاضي والوكيل والمكاتب والمأذون له والوصي كل هؤلاء مأذون لهم (2) مؤتمنون، فإخبارهم بعد العزل ليس إقرارا، وإنما هو خبر محض. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 362 - 363 (3/ 207 - 209)] (3). _________ (1) في ط 1 زيادة: (يقبل قوله فيها). (2) كذا، وفي «الاختيارات» للبعلي: (ما أدوه فهم). (3) «الاختيارات» للبعلي (527).
(2/1164)
- وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: فأما ما يملك الإنسان إنشاءه فهل يجوز إقراره به، ويجعل الإنشاء في ضمن الإقرار قاصدا بالإقرار الإنشاء، مثل أن يقر أنه ملَّك ابنه الشيء الفلاني، أو أنه قد وقف المكان الفلاني، أو أنه وقف عليه من واقف جائز الأمر، يعني نفسه؟ انتهى كلامه، والجواز متوجه) [النكت على المحرر: 2/ 363 - 364]. 1551 - إقرار التلجئة: - قال ابن مفلح: (قال القاضي في «التعليق» ضمن مسألة النكول: الإنسان لا يكون مخيرا بين أن يقر، وبين أن لا يقر، لأنه لا يخلو إما أن يكون الحق عليه فلا يسعه أن لا يقر، أو لا يكون عليه فلا يسعه أن يقر، لأنه كاذب. قال الشيخ تقي الدين: فأما إذا كان الإنسان ببلد سلطان ظالم، أو قطاع طريق ونحوهم من الظلمة، فخاف أن يؤخذ ماله، أو المال الذي يتركه لوارثه، أو المال الذي بيده للناس، إما بحجة أنه ميت لا وارث له، أو بحجة أنه مال غائب، أو بلا حجة أصلا، فهل للإنسان أن يقر إقرارا يدفع به ذلك الظلم ويحفظ المال لصاحبه، مثل أن يقول لحاضر: إنه ابنه، أو يقر أن له عليه كذا وكذا، أو يقر أن المال الذي بيده لفلان؟ فإن ظاهر هذا الإقرار يتضمن مفسدتين: إحداهما: الكذب. والثانية: صرف المال إلى من لا يستحقه عمن يستحقه، وهذا إقرار تلجئة. أما الأول: فينبغي أن يكون كالتعريض في اليمين، فيجوز له أن يتأول
(2/1165)
في إقراره، بأن يعني بقوله: «ابني» كونه صغيرا، وبقوله: «أخي» أخوة الإسلام، وأن المال الذي بيدي له، أي: له ولاية قبضه لكوني قد وكلته في إيصاله إلى مستحقه، وإن له في ذمتي عشرة آلاف درهم، أي: له في عهدتي، أي: يستحق فيما عهدت إليه قبض ذلك ونحو ذلك، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مع أبي بكر وأقر أنه أخوه وحلف على ذلك، وكذلك إبراهيم عليه السلام أقر على زوجته أنها أخته، وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر أنهم من ماء. وأما الثانية: فلا يجوز ذلك إلا إذا أزال هذه المفسدة، بأن يكون المقر له أمينا حقا، والاحتياط أن يشهد على المقر له أن هذا إقرار تلجئة، تفسيره كذا وكذا. وينبغي أن يكون التعريض في الشهادة إذا خاف الشاهد من إظهار الباطن ظلم المشهود عليه كذلك، بأن يستنطق الشهادة ولا يمكن كتمانها، وكذلك التعريض في الحكم إذا خاف الحاكم من إظهار الأمر وقوع الظلم، وكذلك التعريض في الفتوى والرواية والإقرار والشهادة والحكم والفتوى والرواية ينبغي أن يكون كاليمين بل اليمين خبر وزيادة) [النكت على المحرر: 2/ 364 - 365] (1). 1552 - الفرق بين الإكراه على قول الحق والإكراه على الإقرار: - قال ابن مفلح: (وقال الخلال: من تقدم إلى الحاكم فدهش فأقر ثم أنكر. قال إسحاق بن إبراهيم: سئل الإمام أحمد عن الرجل يقدم إلى _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (527 - 528).
(2/1166)
السلطان بحق لرجل عليه، فيمدده (1) السلطان، فيدهش فيقر له، ثم يرجع بعد ما أقر به فيقول: هددني ودهشت، للسلطان أن يأخذه بما أقر به، أو يستثبت، وهو ربما علم أنه أقر بتهديده إياه؟ قال أبو عبد الله: يؤخذ بإقراره الأول. قال الشيخ تقي الدين: السلطان هو الحاكم كما ترجم الخلال، والتهديد من الحاكم إنما يكون على أن يقول الحق، لا على أن يقر، مثل أن يقول: اعترف بالحق، أو إن كذبت عزرتك، أو إن تبين لي كذبك أدبتك، فيهدده على الكذب والكتمان، ويأمره بالصدق والبيان، فإن هذا حسن، فأما إن كان التهديد على نفس الإقرار فهذا أمر بما يجوز أن يكون حقا وباطلا ومحرما، فالأمر به حرام، والتهديد عليه أحرم، وهو مسألة الإكراه على الإقرار، ففرق بين أن يكرهه على قول الحق مطلقا، أو على الإقرار. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 365 - 366 (3/ 211)]. 1553 - إقرار الصبي: - قال ابن مفلح: (قال الإمام أحمد ــ في رواية مهنا ــ في إقرار اليتيم: يجوز إقراره بقدر ما أذن له الوصي في التجارة. وهو قول أبي حنيفة كالبالغ، والفرق بالتكليف لا أثر له. وقال أبو بكر وابن أبي موسى: إنما يصح إقراره فيما أذن له في التجارة فيه في الشيء اليسير يتسامح به، كما صح تصرفه فيه بدون إذنه، أو نقول: لا يصح إقراره مطلقا، كقول مالك والشافعي. _________ (1) كذا، ولعل الصواب: (فيهدده)، ثم وجدتها على الصواب في ط 2.
(2/1167)
وظاهر ما رواه الأثرم عن الإمام أحمد في ابن أربع عشرة سنة كان أجيرا مع رجل فقد أستاذه شيئا، فأقر الغلام أنه أخذه ثم أنكره، فقال: لا يجب عليه إقراره حتى يأتي [أحد] (1) الحدود: الإنبات، أو الاحتلام، أو خمسة عشر (2) سنة. وقال القاضي في «التعليق»: وهذا محمول على أنه غير مأذون له في التجارة. وقال الشيخ تقي الدين: ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا أتى عليه الحدود صح إقراره بمثل هذا وإن لم يكن رشيدا، وهو ظاهر كلام الجد. لكن قد يقال: يقبل في الحدود لا في الأموال، فتقطع يده ولا يغرم، كالعبد. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 367]. 1554 - إقرار الأب على ابنه المأذون له: - قال ابن مفلح: (لو أقر الأب على ابنه المأذون له لم ينفذ، وذكره القاضي محل وفاق في حجة المخالف وسلمه، واعتذر بأنه لا يملك بإذنه الإقرار، وإنما يرتفع عنه الحجر بإذنه في التجارة فيجوز إقراره لنفسه. قال الشيخ تقي الدين: هذا يشبه مذهب أبي حنيفة، وأما على أصلنا فإنما استفاد الإقرار بإذنه بدليل أنه يتقدر في قدر ما أذن فيه، وعلى أصل أبي حنيفة لا يتقدر، ولو أقر الأب بصدقة في مال ابنه فإنه يقبل، لأن الأب يملك التصرف) [النكت على المحرر: 2/ 367]. _________ (1) إضافة من ط 2. (2) كذا.
(2/1168)
1555 - إذا أقر من يشك في بلوغه ثم ذكر أنه لم يبلغ عند إقراره: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا أقر من يشك في بلوغه وذكر أنه لم يبلغ فالقول قوله بلا يمين». وكذا قطع به الشيخ موفق الدين وغيره، أما كون القول قوله فلأن الأصل معه وهو الصغر، وسيأتي كلام الشيخ تقي الدين في الفصل بعده. وأما كونه بلا يمين فكحكمنا بعدم بلوغه، وغير المكلف لا يجوز تكليفه بوجوب اليمين عليه. قال الشيخ تقي الدين: يتوجه أن يجب عليه اليمين، لأنه إن كان لم يبلغ لم يضره، وإن كان قد بلغ حجزته فأقر بالحق. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 367]. - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: قد نص أحمد على أنهما إذا اختلفا فقال: بعتك قبل أن أبلغ، وقال المشتري: بل بعد بلوغك، فالقول قول المشتري. وهذا يتجه (2) في الإقرار وسائر التصرفات، لأن الأصل في العقود الصحة، فإما أن يقال: هذا عام، وإما أن يفرق بين أن يتيقن أنه وقت التصرف كان مشكوكا فيه غير محكوم ببلوغه، أو لا يتيقن، فإنا هنا تيقنا صدور التصرف ممن لم تثبت أهليته، والأصل عدمها، فقد شككنا في الشرط، وهناك يجوز صدوره في حال الأهلية وحال عدمها، والظاهر صدوره وقت _________ (1) أي: صاحب «المحرر». (2) في «الاختيارات» للبعلي: (يجيء).
(2/1169)
الأهلية، والأصل عدمه قبل وقت الأهلية، والأهلية (1) هنا متيقن وجودها) [النكت على المحرر: 2/ 368] (2). - وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: سئلت عن مسألة، وهي: من أسلم أبوه فادعى أنه بالغ، فأفتى بعضهم بأن القول قوله في ذلك، وقلت: إذا لم يقر بالبلوغ إلى حين الإسلام فقد حكم بإسلامه قبل الإقرار بالبلوغ، بمنزلة ما إذا ادعت انقضاء العدة بعد أن ارتجعها، وهكذا يجيء في كل من أقر بالبلوغ بعد حق ثبت في حق الصبي، مثل الإسلام وثبوت الذمة للولد تبعا لأبيه، ولو ادعى (3) البلوغ بعد تصرف الولي وكان رشيدا، أو بعد تزويج ولي أبعد منه. إلا أن يقال: لا يحكم بإسلام الولد وذمته حتى يسأل: هل بلغ أو لم يبلغ؟ بخلاف تصرف الولي له أو لموليته فإن الولاية كانت ثابتة، والأصل بقاؤها، وهنا الأصل عدم إسلام الولد وذمته، فيقال في الرجعة كذلك: ينبغي أن لا تصح الرجعة حتى تسأل المرأة، ومع أن في مسألة الرجعة وجهين، على قول الخرقي ينبغي أن يكون القول قوله هنا مطلقا، كما في الرجعة، وما ذكرته على الوجه المقدم، ولم أجد فرقا بين كون المرأة مؤتمنة على فرجها في انقضاء العدة أو في بلوغها، وهكذا في كل موضع كان الإنسان مؤتمنا فيه إذا ادعى ذلك بعد تعلق الحق به. ونظيره اختلاف الروايتين فيما إذا ادعى المجهول الرق بعد التصرف، _________ (1) في «الاختيارات» للبعلي: (فالأهلية). (2) «الاختيارات» للبعلي (528). (3) في هامش النكت: (بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية: «أو لو ادعى»).
(2/1170)
ففيه روايتان، لكن هناك إذا قبلناه فلأن الرق حق آدمي، فالمقر به حق آدمي، بخلاف الحيض أو البلوغ فإنه سبب يثبت له وعليه به حقوق. وقد يقال في الرجعة: لم يقبل قوله (1) لأن فيه إبطال حق آدمي، بخلاف الإسلام والذمة. فيقال: بل إبطال الإسلام والعصمة أعظم. ونظيره في المجهول المحكوم بإسلامه كاللقيط فاللقيط (2) إذا ادعى الكفر بعد البلوغ. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 369]. 1556 - الإقرار للوارث: - قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين ــ في الإقرار للوارث ــ: هنا احتمالات: أحدها: أن يجعل إقراره للوارث كالشهادة، فترد في حق من ترد شهادته له، كالأب، بخلاف من لا ترد، ثم على هذا: هل يحلف المقر له معه كالشاهد، وهل تعتبر عدالة المقر؟ ثلاث احتمالات، ويحتمل أن يفرق مطلقا بين العدل وغيره، فإن العدل معه من الدين ما يمنعه من الكذب، ويخرجه إلى براءة ذمته، بخلاف الفاجر، وإنما حلف المقر له مع هذا _________ (1) في هامش النكت: (بهامش الأصل: في نسخة: الذي ذكره شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين: «وقد يقال في الرجعة: لم يقبل قولها»). (2) كذا بالأصل، ولعل كلمة (فاللقيط) زائدة، وفي «الاختيارات» للبعلي: ( ... وشبهه أيضا بما إذا ادعى المجهول المحكوم بإسلامه ظاهر ــ كاللقيط ــ الكفر بعد البلوغ فإنه لا يسمع منه على الصحيح).
(2/1171)
للتأكيد، فإن في قبول الإقرار مطلقا فسادا عظيما، وكذا في رده مطلقا فساد وإن كان أقل، فإن المبطلين في هذا الإقرار أكثر من المحقين، وهذه الحجة لمن رده، كالشهادة مع التهمة، وكطلاق الفار. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 372]. - وقال أيضا: (ويجوز عندنا للميت الإقرار لجميع الورثة، ويخيرون بين أخذ المال والإقرار بالإرث. هذا لفظ القاضي، وأظنه موافقة للحنفية. قاله الشيخ تقي الدين) [النكت على المحرر: 2/ 372]. 1557 - إذا لم يذكر في كتاب الإقرار أن المقر به كان بيد المقر: 1558 - وإذا أقر به وأراد إنشاء تمليكه: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: وإن لم يَذْكُر في كتاب الإقرار أن المقر به كان بيد المقر، وأن الإقرار قد يكون إنشاء، كقوله: {قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81]، فلو أقر به وأراد: إنشاء تمليكه صح، كذا قال) [الفروع 6/ 605 (11/ 399)] (1). 1559 - إذا أقر لامرأته بالصداق: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «ولو أقر لامرأته بالصداق فلها قدر مهر المثل بالزوجية». لا بإقراره، والذي قطع به الشيخ موفق الدين وغيره أنه يصح الإقرار، _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (531)، وانظر: «الفتاوى» (7/ 530 - 531). (2) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من متن «المحرر» المطبوع.
(2/1172)
لأنه إقرار بما تحقق سببه ولم يعلم البراءة منه، أشبه ما لو اشترى عبدا من وارثه فأقر للبائع بثمن مثله. وقيل: لا يصح، ذكره في «الرعاية»، ثم ذكر ما في «المحرر» قولا، فيكون وجه عدم الصحة أنه أقر لوارث، وهو قول الشعبي وصاحب «المحرر» تبع القاضي، وهو معنى كلامه في «المستوعب». قال القاضي: وأما إذا أقر لزوجته بالصداق فنقل أبو طالب عنه: إذا أقر عند موته أن لامرأته عليه صداق ألف درهم، تقيم البينة أن لها صداق ألف درهم، لا يجوز إقراره لها، لعل صداقها أقل، فإن لم يكن لها بينة فصداق نسائها إذا كان ذلك يعرف، فإن لم يعرف ذلك يكون ذلك من ثلثه. قال: فقد نص على أنه لا يقبل إقراره بالصداق على الإطلاق، وإنما يقبل ما صادف مهر المثل، لأن ثبوته بالعقد لا بإقراره، فإن تعذر مهر المثل اعتبر من ثلثه، واختلفت الرواية في قدر الصداق، فنقل أبو الحارث: مهر المثل، لأنها معاوضة في مرض الموت، أشبه ثمن المبيع، ولا يعتبر من الثلث، لأنها وصية لوارث. ونقل أبو طالب: من الثلث، لأن الزيادة على مهر المثل محاباة لا يقابلها عوض، فهي كالمحاباة، والمحاباة هناك من الثلث فكذلك هنا. هكذا نقل الشيخ تقي الدين كلام القاضي، ثم قال من عنده: كلامه في رواية أبي طالب يقتضي أنه إذا لم يعرف مهر المثل اعتبر ما أقر به من الثلث، لأنا قد تيقنا أن لها صداقا فلم نبطل الإقرار، ولم نعلم أن هذا كله واجب، فكأنه ملك أن يوصي به، لأنه لا طريق إلى معرفته من غيره، ووصيته من الثلث لأنه غير مصدق للوارث. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 372 - 373].
(2/1173)
1560 - إذا أقر لامرأته بدين في مرض موته ثم أبانها، ثم تزوجها: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «ولو أقر لها بدين ثم أبانها، ثم تزوجها لم يصح إقراره». قال الشيخ تقي الدين: الفرق بين هذه وبين أن يتبرع في مرضه ظاهر، بمنزلة أن يقر ثم يصح ثم يمرض، ونظيرها أن يتبرع لأخيه، ثم ينحجب بولد يولد له، ثم يموت الولد. انتهى كلامه. ووجه المسألة أنه أقر لوارث في مرض الموت، أشبه ما لو لم يبنها. قال القاضي: أومأ إليه أحمد ــ في رواية ابن منصور ــ فيمن أقر في مرضه لامرأة بدين، ثم تزوجها، ثم مات وهي وارثة: يجوز، هذا أقر لها وليست له بامرأة، إلا أن يكون تلجئة. فقد أجاز الإقرار (2)، فاقتضى أنها لو كانت وارثة لم يصح، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال محمد بن الحسن: إقراره جائز، فإن برأ من ذلك المرض ثم تزوجها ثم مات صح الإقرار وفاقا، على ما ذكره القاضي. قال الشيخ تقي الدين: أخذ مذهب الإمام أحمد من عكس علته، وقد يكون الحكم ثابتا في هذه الصورة لعلة أخرى عنده، ثم قوله: «أقر لها وليست له بامرأة» قد يراد به ليست امرأة في بعض زمان الإقرار، ثم الأخذ بتعليله يقتضي أنه إذا صح ثم تزوجها يكون الإقرار أيضا باطلا، وإن كان _________ (1) أي: صاحب «المحرر». (2) في هامش النكت: (في نسخة بهامش الأصل: وجعل العلة فيه أنها لم تكن وارثة حين الإقرار).
(2/1174)
البرء ليس من فعله، وقد فرق القاضي بالتهمة في الطلاق بأن يكونا قد تواطآ على ذلك، وهذه العلة منتفية فيما إذا انفسخ النكاح بغير فعله، وفيما إذا طلقها ثلاثا، وفيما إذا كان الزوج المطلق سفيها، فيخرج في المسألتين ثلاثة أوجه. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 374]. 1561 - إذا أقر في مرض موته بدين لوارث وأجنبي: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا أقر بدين لوارث وأجنبي لزمه في حصة الأجنبي». هذا هو المنصور في المذهب، كما لو كان الإقرار بلفظين. قال القاضي: وهذا بناء على أصلنا في تفريق الصفقة في البيع مع انتفاء الجهالة فيه، فأولى أن يفرق في الإقرار مع دخول الجهالة فيه. وذكر أبو الخطاب والأصحاب قولا بعدم اللزوم والصحة، أخذا من تفريق الصفقة، وقاس القاضي الصحة على الوصية. قال الشيخ تقي الدين: فكان التفريق بينهما محل وفاق، ولو أقر لأجنبي ولعبده بدين فإنه يصح في حصة الأجنبي، ذكره محل وفاق. ولو أقر بزق خمر، وبزق خل، وبملكه وبملك غيره، ذكره محل وفاق. وقاس في «المغني» عدم الصحة على شهادته لابنه وأجنبي، وفرَّق بأن الإقرار أقوى، ولذلك لا تعتبر فيه العدالة. ولو أقر بشيء له فيه نفع كالإقرار بنسب موسر قبل، وهذا الفرق على _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1175)
منصوص الإمام أحمد وهو عدم صحة الشهادة لهما. ولنا قول: تصح شهادته للأجنبي، وكأن صاحب «المحرر» رأى أن الإقرار لقوته ودخول الجهالة فيه لا يتخرج فيه عدم الصحة مطلقا. قال (1): «ويتخرج أن لا يلزم إذا عزاه إلى سبب واحد، أو أقر لأجنبي بذلك». ولم أجد هذا التخريج لغيره، وهذا قول أبي حنيفة) [النكت على المحرر: 2/ 375 - 376]. 1562 - إذا أقر في مرض موته بالمال لغير وارث: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «لكن هل يحاص به دين الصحة؟ على وجهين». وذكر في «المستوعب» روايتين، وأن أصحهما عدم المحاصة. وذكر القاضي في موضع: أنه قياس المذهب أخذًا من مسألة المفلس، لأنه في الموضعين أقر بعد تعلق الحق بما له، وصحَّحه في «الخلاصة»، وقدَّمه غير واحد، وبه قال أبو حنيفة. قال الشيخ تقي الدين: ونصه أن إقراره لا يبطل التبرعات السابقة على _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، ولا أدري هل التعليق تابع لكلام الشيخ تقي الدين، أم من كلام ابن مفلح؟ (2) أي: صاحب «المحرر»، وتمام كلامه: (الثاني ــ أي من الصور التي يخالف فيها الإقرارُ في المرض الإقرارَ في حال الصحة ــ: إقراره بالمال لغير وارث، ففيه روايتان، أصحهما قبوله، لكن هل يحاص به دين الصحة؟ .. ).
(2/1176)
الإقرار= يقوي أنهم لا يزاحمون، والقول بالمحاصة ظاهر كلام الخرقي واختاره ابن أبي موسى وأبو الحسن التميمي، وقاله القاضي في موضع، وقطع به أبو الخطاب والشريف في «رؤوس المسائل»، وبه قال مالك والشافعي؛ لأنهما حقان يجب قضاؤهما من رأس المال فتساويا، كديني الصحة، وكما لو ثبتا ببينة، وكالمهر، وكما لو أقر لهما جميعا في المرض، ذكره القاضي وغيره محل وفاق، واعترض المخالف بأن مهر المثل ثبت بالعقد لا بالإقرار. فقال القاضي: النكاح ثبت بإقراره لا بالبينة، ولأنها قد تكون مطلقة منه فتستحق نصف المهر، فإذا أقر بالدخول استحقت كمال الصداق بإقراره، فيكون نصف الصداق مستحقا بإقراره. وقال الشيخ تقي الدين: إذا أقر في مرضه بدين، ثم أقر لآخر، أو أقر في صحته بدين، ثم أقر في مرضه بوديعة أو غصب أو عارية، فتخرج على الوجهين، وعلى هذا لو أقر بدين ثم بوديعة لم يبعد الخلاف. انتهى كلامه. . . . . قوله (1): «والأخرى لا يقبل فيما زاد على الثلث، فلا يحاص دين الصحة». لأنه ممنوع من عطية الزائد على الثلث لأجنبي كالوارث فيما دونه وعدم المحاصة على هذه الرواية واضح، ذكره غير واحد. قال الشيخ تقي الدين: ويؤخذ من معنى كلام غيره، فعلى هذه الرواية يكون الإقرار بما زاد على الثلث وصية. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1177)
قال: وكذلك الإقرار بالثلث. كذا قال، فلو وصى لآخر بالثلث: فعلى هذه الرواية ينبغي أن يتزاحما في الثلث، لأن رده فيما زاد على الثلث إجراء له مجرى الوصية، ولو جعلناه خبرا محضا لقبلناه ولا فرق، اللهم إلا أن يقال: للمقر أن يبطل حق الموصى له بالإقرار، ولا يملك ذلك في حق الورثة، فإذا أقر كان كأنه أبطل كل وصية زاحمت هذا الإقرار، لكن على هذا تبطل الوصايا المزاحمة له، وكلاهما محتمل. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 376 - 378]. 1563 - إذا أقر في مرض موته بوارث: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «الثالث (2): إقراره بوارث، فعنه: لا يقبل، وعنه: يقبل، وهو الأصح». وصحَّحه أيضًا القاضي والشيخ موفق الدين وغيرهما، وقدَّمه جماعة؛ لأنه عند الإقرار غير وارث، ووجه الآخر: أنه عند الموت وارث، ولأنه إقرار لوارث أشبه ما لو أقر له بمال. قلنا: هنا إقرار بمال من طريق الحكم، وهناك من طريق الصريح، والأصول تفرق بين الإقرارين، ألا ترى أنه لو اشترى دارا من زيد فاستحقت وعاد على زيد بالثمن ثم ملكها المشتري لم يلزمه تسليمها إلى زيد، وإن كان دخوله معه في عقد الشراء إقرارًا منه بأن الدار ملك لزيد، ولو أقر صريحا بأن الدار ملك لزيد ثم ملكها بوجه من الوجوه لزمه تسليمها إليه، _________ (1) أي: صاحب «المحرر». (2) أي: من الأمور التي لا يقبل فيها إقرار المريض.
(2/1178)
وكذلك لو اشترى إنسان داراً فاستحقت كان له الرجوع على البائع بالدرك، ولو أقر بأن الدار للبائع ثم اشتراها وقبضها منه ثم استحقت لم يرجع عليه بشيء. ذكر هذا الكلام القاضي في «التعليق»، وذكره أيضا في «المستوعب» وغيره. قال الشيخ موفق الدين: ويمكن بناء هذه المسألة على ما إذا أقر لغير وارث ثم صار وارثا، فمن صحَّح الإقرار ثَمَّ صحَّحه ههنا، ومن أبطله أبطله. وما قاله صحيح. وقال الشيخ تقي الدين: كلام القاضي الذي أخذه من كلام الإمام أحمد إنما يقتضي المنع إذا كان له وارث، فأما من لا وارث له إذا أقر بوارث فقد نصَّ الإمام أحمد في الروايتين على قبول قوله، ومن قال بأنه كالوصية (1) فقد يخرج هذا على روايتين. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 380 - 381]. 1564 - إذا أقر العبد بقود النفس: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «وقال ابن عقيل وأبو الخطاب: يؤخذ به _________ (1) في هامش «النكت»: (في نكت ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين: «ومن علل بأنه كالوصية»). (2) أي: صاحب «المحرر»، وتمام كلامه: (وإذا أقر العبد بحد أو قود أو طلاق ونحوه صح، وأخذ به في الحال إلا قود النفس، فإنه يتبع به بعد العتق، نص عليه، وقال ابن عقيل وأبو الخطاب ... ).
(2/1179)
في الحال أيضا، وليس للمقر له العفو على رقبة العبد». لئلا يفضي إلى إيجاب مال في حق غيره، وظاهر كلام الخرقي أنه يؤخذ به في الحال أيضا. وذكر الشيخ تقي الدين ــ بعد حكاية قول ابن عقيل وأبي الخطاب ــ: أن القاضي قاله في ضمن مسألة إقرار المرأة بالنكاح، واحتجَّا به، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، ولأنه مال في المعنى لأنه مال لأحد نوعي القصاص فصح إقراره به كما دون النفس. قال: وبهذا ينتقض الدليل الأول، ولأن إقرار مولاه عليه به لا يصح، فلو لم يقبل إقراره لتعطل، وعفو المقر له بالقود على رقبة العبد أو على مال ليس له= من الأصحاب من ذكره، ومنهم من لم يذكره، والشيخ موفق الدين تفقه فيه فقال: وينبغي، وقد علَّلوا القول الأول بأنه متهم في أن يقر لمن يعفو على مال فيستحق رقبته ليخلص من سيده) [النكت على المحرر: 2/ 382]. 1565 - إقرار العبد بالجناية على الأموال: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «ويقطع للسرقة في الحال». نصَّ عليه في رواية مهنا لما تقدم، قال في «المغني»: ويحتمل أن لا يجب القطع؛ لأن ذلك شبهة، وهو قول أبي حنيفة؛ لأن هذه العين لم يثبت حكم السرقة فيها فلم يثبت القطع. وقال القاضي: إذا أقر العبد المأذون له بحق لزمه مما لا يتعلق بأمر _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1180)
التجارة ــ كالقرض وأرش الجناية وقتل الخطأ والغصب ــ فحكمه حكم العبد المحجور عليه. وقال أبو الخطاب وغيره: لم يصح قبل الإذن. قال: ولا يلزم إذا أقر بدين من جهة التجارة، لأنه مأذون فيه، ونصبوا الخلاف مع أبي حنيفة في قوله: معلق برقبته. وقال القاضي: فحكمه حكم العبد المحجور عليه، وفيه روايتان: إحداهما: يتعلق بذمته ويتبع به بعد العتق. والثانية: برقبته، ولا يتعلق ذلك بذمة السيد رواية واحدة، واستدل القاضي بأنه أقر بحق يتعلق بإتلاف يثبت في ذمته، كما لو أقر أنه أفضى امرأة بكرا بإصبعه. قال الشيخ تقي الدين: هذا الذي قاله فيه نظر من وجهين: أحدهما: جعله القرض من ديون غير التجارة، وهو خلاف ما في هذا الكتاب وغيره. الثاني: أنه جعله فيما لم يؤذن له كالمحجور، وجعل في المحجور روايتين، إحداهما: يتعلق برقبته، والروايتان فيما ثبت من معاملة المحجور عليه، فأمَّا ما أقر به هو ولم يصدقه السيد ولا قامت به بينة فإنه لا يثبت في رقبته، وجنايته على النفوس والأموال تتعلق برقبته، والرواية الأخرى فيها غريبة، وما قصد القاضي إلا ديون المعاملة، كما في هذا الكتاب وغيره، إلا أن يريد القاضي بالقرض مالا تعلق له بالتجارة، وما زاد على قدر الإذن. انتهى كلامه.
(2/1181)
وبناه أبو حنيفة على أن ضمان الغاصب يجري مجرى البيع الفاسد، بدليل أنه يتعلق به تمليك، ولو أقر بشراء فاسد لزمه، كذلك إذا أقر بالغصب. فقال القاضي: لا نسلم أن الملك يتعلق بالغصب ولا بالبيع الفاسد، ولو أقر أنه أفضى امرأة بكرًا لم يؤخذ في الحال عنده. قال الشيخ تقي الدين: أبو حنيفة بناه على أصله في أن الإذن فك الحجر مطلقا، فيبقى في الأموال كالحر. وقال الشيخ تقي الدين أيضًا: يتوجه فيمن أقر بحق الغير وهو غير متهم كإقرار العبد بجنايته الخطأ، وإقرار القاتل بجنايته الخطأ = أن يجعل المقر كشاهد ويحلف معه المدعي فيما يثبت بشاهد ويمين، أو يقيم شاهدا آخر، كما قلنا في إقرار بعض الورثة بالنسب، هذا هو القياس والاستحسان. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 383 - 384]. - وقال أيضا: (قال القاضي: فإن حجر الولي عليه فأقر بدين بعد الحجر لم يصدق. وقال في رواية حنبل: إذا حجر الولي على العبد، فبايعه رجل بعد ما علم أن مولاه حجر عليه، لم يكن له شيء، لأنه هو أتلف ماله. واحتج القاضي بأن الحجر لا يتبعض، فإذا صار محجورا عليه في البيع والشراء، وجب أن يصير محجورًا عليه في إيجاب الدين. قال الشيخ تقي الدين: وكذلك ذكر أبو محمد، فصَّلُوا بين أن يأذن له مرة ثانية أو لا يأذن له. وقال أبو حنيفة: إن كان عليه دين يحيط بما في يده فإقراره باطل، وإن
(2/1182)
لم يكن عليه دين وكان في يده مال لزمه في المال ولا يلزم في رقبته، واحتج بأن يده ثابتة على المال بعد الحجر بدليل أنه لو حجر عليه وله ودائع عند أقوام كان هو الذي يتقاضاها، ولا يبطل الحجر ما ثبت له من الحق. ولم يمنع القاضي هذا الوصف. قاله الشيخ تقي الدين. واحتجَّ أبو الخطاب وغيرُه بأنه محجور عليه بالرق فلم يصح إقراره، كما لو كان عليه دين يحيط بما في يده. وقال الشيخ تقي الدين: قياس المذهب صحة إقراره مطلقا ــ كالحاكم والوكيل والوصي ــ بعد العزل، ولأن الحجر عندنا يتبعض ثبوتا فيتبعض زوالا. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 384 - 385]. 1566 - إقرار العبد غير المكاتب لسيده بمال: 1567 - وإقرار سيده له: - قال ابن مفلح: (قوله: «وإذا أقر عبد غير مكاتب أو أقر له سيده بمال لم يصح». أما المسألة الأولى: فلأن مال العبد لسيده، ولو قلنا بأنه يملك فقد أقر له بماله فلم يفد إقراره شيئا، وكان هذا على المشهور، وهو عدم ثبوت مال لسيد عبد في ذمته، وهو الذي قطع به غير واحد. وقال بعض الأصحاب: ويحتمل أن يصح إقرارهما بما يكذبهما إن قلنا: العبد يملك، وإلا فلا. وقال الشيخ تقي الدين: إقراره لسيده ينبني على ثبوت مال السيد في ذمة العبد ابتداء ودواماً، وفيها ثلاثة أوجه في الصداق.
(2/1183)
وأما المسألة الثانية: فلما تقدم من أن مال العبد لسيده، فلا يصح إقراره لنفسه، وفيه الاحتمال في التي قبلها. وقال الشيخ تقي الدين: وإقرار سيده له ينبني على أن العبد إذا قيل: يملك، هل يثبت له دين على سيده؟ انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 386 - 387] (1). 1568 - إذا أقر لعبد غيره بمال: 1569 - وإذا أقر له بنكاح أو قصاص أو تعزير أو حد قذف: - قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين: إذا قلنا يصح قبول الهبة والوصية بلا إذن السيد= لم يفتقر الإقرار إلى تصديق السيد، وقد يقال: بل (2) وإن لم نقل بذلك، نحو أن يكون قد تملك مباحا فأقر بعينه، أو أتلفه وضمن قيمته. انتهى كلامه، وهو متوجه. «فرع»: وإن أقر لعبد بنكاح أو قصاص أو تعزير أو حد قذف صح وإن كذبه السيد. ذكره الشيخ موفق الدين وغيره، لأن الحق له دون سيده. وقال الشيخ تقي الدين: وهذا في النكاح فيه نظر. انتهى. فجعل النظر في النكاح خاصة، فإن العبد لا يصح نكاحه إلا بإذن سيده، فإن في ثبوت نكاح العبد ضررًا عليه، فلا يقبل إلا بتصديق السيد، كإقرار القاتل بجناية الخطأ) [النكت على المحرر: 2/ 387 - 388] (3). _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (530). (2) في ط 2 و «الاختيارات»: (بلى). (3) «الاختيارات» للبعلي (530).
(2/1184)
1570 - إذا أقر لبهيمة غيره: - قال ابن مفلح: (وقال في «المغني»: وإن قال: علي بسبب هذه البهيمة لم يكن إقرارا، لأنه لم يذكر لمن هي، ومن شرط صحة الإقرار ذكر المقر له، وإن قال: لمالكها، أو: لزيد عليَّ بسببها ألف صحَّ الإقرار، وإن قال: بسبب حمل هذه البهيمة لم يصح إذا لم يمكن إيجاب شيء بسبب الحمل. وقال الشيخ تقي الدين عن هذا القول: هذا هو الذي ذكره القاضي في ضمن مسألة الحمل، فإنه قال: من صح الإقرار له بالوصية والإرث صحَّ الإقرار المطلق له، كالطفل والبالغ. فقيل له: هذا يبطل بالإقرار للبهيمة فإنه لا يصح، وتصح الوصية لها، لأنه لو أوصى بمائة درهم تعلف بها دابة فلان لم يستحقها صاحبها، ووجب صرفها إلى علفها، ومع هذا إن أبهم الإقرار لها لم يصح؟ فقال: هذا لا يبطل لأن الإقرار هناك صحيح، لأنه لصاحب البهيمة وليس للبهيمة، والذي يدل على ذلك أنه إذا رد الوصية لم تصح، وإذا قبلها صحت. ثم ذكر في نفس المسألة أنه يصح لما قاسه المخالف، وقال: لا خلاف أنه لو قال: لهذه البهيمة عليَّ ألف درهم، لم يصح إقراره، كذلك الحمل. فقال القاضي: وعلى أن البهيمة لا يصح الإقرار لها إذا كان مضافا إلى الوصية، والحمل يصح الإقرار له إذا كان مضافا إلى الوصية. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 389].
(2/1185)
1571 - إذا أقر لحمل امرأة فألقته ميتا: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «إلا أن تلقيه ميتا أو يتبين أن لا حمل فيبطل». كذا قطع به غير واحد لفوات شرطه، وذكر في «المغني» و «الكافي» أنه إذا خرج ميتا وقد كان عزى الإقرار إلى إرث أو وصية عادت إلى ورثة الموصي وموروث الطفل، وإن أطلق الإقرار كلف ذكر السبب فيعمل بقوله، فإن تعذر التفسير بموته أو غيره بطل إقراره، كمن أقر لرجل لا يعرف من أراد بإقراره. قال الشيخ تقي الدين: ظاهر ما في الكتاب يبطل مطلقا. وقال أيضا: قد ثبت أن المال للحمل إما إرثا أو وصية، وأنَّه بإلقائه ميتا يكون لورثة ما، فإذا لم يعرفوا ذلك يكون بمنزلة أن يقول: هذا المال الذي في يدي وديعة أو غصب ولا يذكر المالك، أو يقول: لا أعرف عينه) [النكت على المحرر: 2/ 389 - 390]. 1572 - إذا قال: لهذا الحمل عليَّ ألف درهم أقرضنيها: - قال ابن مفلح: (وإن قال: لهذا الحمل عليَّ ألف درهم أقرضنيها، فذكر الشيخ موفق الدين ــ تفريعا على قول ابن حامد (2) ــ: أنه يصح إقراره _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وتمام عبارته: (ومن أقر لحمل امرأة بمال صح إلا أن تلقيه ... ). (2) قال في «المحرر» بعد كلامه السابق: (وإن ولدت ذكرا وأنثى حيين فهو لهما بالسوية إلا أن يعزوه إلى ما يوجب التفاضل من إرث أو وصية تقتضيه، فيعمل به، وهذا قول ابن حامد).
(2/1186)
في قياس المذهب لأنه وصله بما يسقطه، فهو كما لو قال: ألف لا تلزمني، فإن قال: أقرضني ألفا لم يصح، لأن القرض إذا سقط لم يبق شيء يصح به الإقرار. قال الشيخ تقي الدين: الصلة المناقضة لفظًا ظاهرا، فأما الصلة المناقضة شرعا كقوله: من ثمن خمر، أو خنزير = فوجهان، وهذه الصلة مناقضة عقلا، فهو كما لو قال: ألف من ثمن مبيع من ألف سنة، ومن أجرة من مائة عام، ونحو ذلك) [النكت على المحرر: 2/ 391]. 1573 - إذا أقر بما لم يتعلق به حق غيره إذا أنكر استحقاقه فكذبه ثم عاد المقر له أولا: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «ولو كان عوده إلى دعواه قبل ذلك فوجهان». أحدهما: يقبل، لدعواه شيئًا لا منازع له فيه. والثاني: لا يقبل، لأنه لم يثبت استحقاقه بتكذيبه، وليس هو بصاحب يد فيقبل منه. قال الشيخ تقي الدين: كذلك يجيء الوجهان في كل ما لم يتعلق به حق غيره إذا أنكر استحقاقه، والنسب فيه حق الولد، وستأتي الزوجية فيها قولان) [النكت على المحرر: 2/ 393]. _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وتمام كلامه: (ومن أقر بمال في يده لغيره فكذبه بطل إقراره وأقر بيده، وقيل: ينتزع منه لبيت المال، فعلى هذا: أيهما غير قوله لم يقبل منه، وعلى الأول ــ وهو المذهب ــ: إن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه، ولم يقبل بعدها عود المقر له ... ).
(2/1187)
1574 - إذا أقرت المرأة على نفسها بالنكاح: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وعنه: يقبل، وهو الأصح». وهو قول أبي حنيفة والشافعي، لأنه حق عليها فقبل، كما لو أقرت بمال، وقد قال الأصحاب رحمهم الله تعالى: إذا ادعى اثنان عبدا فأقر أنه لأحدهما فهو للمقر له، ومرادهم: وليس هو في يد أحد كما لو صرحوا به. وقال أبو حنيفة: لا يلتفت إلى إقراره، وهو بينهما، واحتجوا بأن من صح إقراره للمدعي إذا كان منفردًا صح إذا كان لأحد المتداعيين، كالذي في يده مال وأقر به لغيره، وهذا التعليل جار في مسألتنا، ولا خفاء أن المراد غير المجبرة، أما المجبرة فلا يقبل إقرارها. قال الشيخ تقي الدين: المجبرة لا معنى لقبول قولها. وقال أيضا: وكلام القاضي والجد وإن تضمن أن إقرار المجبرة بالنكاح كإقرار غيرها فهو في غاية الضعف، فإن المجبرة في النكاح بمنزلة السفيه في المال إذا أقر بعقد بيع، لا يصح وإن صدق في إقراره، لأنه إقرار على الغير) [النكت على المحرر: 2/ 394 - 395]. 1575 - إذا ادعى زوجية المرأة اثنان: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «وعنه: إن ادعى زوجيتها واحد قُبل، وإن ادعاها اثنان لم يُقبل، نقلها الميموني». _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وتمام كلامه: (وإذا أقرت المرأة على نفسها بالنكاح فعنه: لا يقبل، وعنه: يقبل وهو الأصح). (2) أي: صاحب «المحرر».
(2/1188)
قطع في «المغني» أنَّه لا يُقبل منها إذا ادعاها اثنان. وذكر الشيخ تقي الدين أن القاضي نصر ذلك، لأنها متهمة في إقرارها في أنها مالت لأحدهما لجماله وماله، ولهذا منعناها أن تلي عقد النكاح، فصار كإقرار العبد بقتل الخطأ لا يقبل، ولو أقر بقتل العمد قبل، لأنه غير متهم في ذلك، بخلاف ما إذا كان المدعي واحدًا لأنه لا تهمة تلحق، لإمكانها عقد النكاح عليه، ولأنها تعترف بأن بضعها ملك عليها، فصار إقرارًا بحق غيرها، ولو أرادت ابتداء تزويج أحدهما قبل انفصالها من دعوى الآخر لم يكن لهما. وهذا بخلاف دعواهما عينًا في يد ثالث، فأقر لأحدهما فإنه يقبل لأنها لا تثبت بإقراره، إنما يجعل المقر له كصاحب اليد فيحلف، والنكاح لا يستحق باليمين، فلم ينفع الإقرار به هنا. قال القاضي: وهذا بخلاف من ادعى عليه اثنان عقد بيع فإن إقراره لأحدهما لا تهمة فيه، فإن الغرض المال وهذا يحصل منها. قال الشيخ تقي الدين: كلاهما سواء في العرف والشرع، فإنه إذا ادعاها اثنان تقدر أن تتزوج بأحدهما أيضًا إذا حلفت للآخر كما في البيعين، وإن كان المانع الدين فلا فرق بين أن تحلف للآخر، أو تنكره وهو زوجها، وفي الباطن لا يمكنها إنكاره ولا الحلف، وفي الظاهر يمكن كلاهما، وإن لم يوجب عليها يمينا، فهي يكفي مجرد إنكارها، فالحاصل أن مجرد الدعوى لا تمنعها من شيء. انتهى كلامه. قال القاضي في «التعليق»: إذا ادعى نفسان زوجية امرأة فأقرت لأحدهما فهل يقبل إقرارها أم لا؟
(2/1189)
نقل الميموني عن الإمام أحمد: إذا ادعيا امرأة وأقرت لواحد منهما وجاء (1) بشاهدين ولم يجئ ولي فرق بينهما، فإن أنكرتهما وقامت لكل واحد منهما بينة أنها امرأته فهو على ما يقول الولي، لأن كل واحد منهما مكذب بينة صاحبه، فإن لم يكن ولي فسخت النكاح. قال: وظاهر هذا أنه لا يقبل إقرارها، وإذا أقر الولي لأحدهما قبل إقراره وحكم بها لمن أقر له الولي، وحكم البينتين إذا تعارضتا في النكاح أن تسقطا ويكونان كمن لا بينة لهما، فيجري الإقرار مع البينة مجراه مع عدمها، وإنما قبل إقرار الولي لأنه يملك العقد عليها، لأن المسألة محمولة على أن الولي يملك الإجبار على النكاح، ومن ملك العقد ملك الإقرار به، فأما المرأة فلم يقبل إقرارها في هذا الموضع لما نذكره، فإن كان المدعي واحدًا فأقرت له فهل يقبل إقرارها أم لا؟ يتخرج على روايتين، نص عليهما في الرق إذا ادعى رجل رق امرأة فأقرت له. قال: وحكم العتق والنكاح سواء، لأن المزيل لهما مبني على التغليب والسراية، وهو العتق والطلاق. قال الشيخ تقي الدين: قوله (2): «إذا ادعيا نكاح امرأة وأقرت لواحد منهما وجاء بشاهدين ولم يجئ بولي فرق بينهما» مضمونها أنه يفرق بينهما مع قيام البينة بالنكاح وهذا يبين أنه لم يكن لرد الإقرار، لأن البينة قد شهدت بما أقرت به، لأن قوله: «وجاء» فيه ضمير مفرد لا مثنى، هذا ظاهره، لأنه _________ (1) في ط (1): «وجاءا» والمثبت من ط 2. (2) أي: الإمام أحمد.
(2/1190)
قال: وأقرت لواحد منهما وجاءا (1) بشاهدين فرق بينهما، فهذه ضمائر الوحدة، وهذا يبين لك أن الرد (2) لم يكن لكونه ادعاها اثنان فأقرت لأحدهما، وإنما النكاح عنده ثابت فأبطله لعدم الولي، ألا تراه يقول: فرق بينهما، وهذا إنما يقال في النكاح المنعقد لا فيما لم يثبت، وليس في الرواية أنها اجتمعت بمن أقرت له، فعلم أن قوله: «فرق بينهما» للثبوت. وحينئذ فيحتمل أن يكون الإبطال لأن البينة شهدت على عقد مجرد لم يتضمن مباشرة الولي، وهذه الشهادة لا تصح كما ذكره القاضي، أخذا من مفهوم كلامه، أو شهدت على عقد بغير ولي فتكون قد صرحت البينة بعدم الولي فلا ريب أنه باطل عنده. ويحتمل أن الدعوى بالنكاح عن امرأة لا تصح، وإنما تصح على وليها معها، لأن المرأة وحدها لا يصح منها بذل النكاح ولا الإقرار به، كما دل عليه كلامه، كما لو ادعى عليها الرق في إحدى الروايتين، بناء على أن المرأة لا تعقد النكاح وإنما يعقده وليها، فالدعوى عليها كالدعوى على السفيه بعقد بيع، أو الدعوى على أحد الوصيين بعقد بيع، وإذا لم يصح والشهادة القائمة شهادة على غير خصم (3) ففيه حكم على ولي غائب عن المجلس يمكن حضوره فلا يصح، أو لأن الشهادة لم تكن عليه فإنها لا تصح إلا بحضوره، فيفرق بينهما حتى يثبت النكاح أو لأجل ثبوت فساده، ألا تراه قال _________ (1) كذا، ولعلها: (وجاء)، ثم وجدتها على الصواب في ط 2. (2) في هامش «النكت»: (بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية: أن المؤثر). (3) في هامش «النكت»: (بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية: وإذا لم يصح بالشهادة القائمة كشهادة على غير خصم).
(2/1191)
في الصورة الثانية: «فسخت النكاح»، وقال في الأولى: «فرق بينهما» فعلمنا أنه تفريق بدن لا إبطال نكاح. ويحتمل أن المرأة كانت مجبرة، وإذا كانت مجبرة لم يصح إقرارها ولا الدعوى عليها، كما قاله القاضي في إقرار الولي عليها، وهذا الاحتمال أظهر في القياس، فلا تكلف في تخريجه على القواعد المذهبية) [النكت على المحرر: 2/ 395 - 397 (3/ 241 - 244)]. - وقال أيضا: ( ... ظاهر كلام القاضي هنا أنه لا يرجح أحدهما بكون المرأة في يده وبيته، وهو ظاهر كلام غيره أيضا، وقطع به في «المغني» لعدم ثبوت اليد على حرةٍ. وقال القاضي في موضع آخر: إذا ادعيا نكاح امرأة وأقاما البينة وليست في يد واحد منهما فإنهما يتعارضان ويسقطان، ذكره محل وفاق. قال الشيخ تقي الدين: ومقتضى هذا أنها لو كانت في يد أحدهما كانت من مسائل الداخل والخارج) [النكت على المحرر: 2/ 398 - 399]. - وقال أيضا: (وقال شيخنا: مقتضى كلام القاضي أنها متى كانت بيد أحدهما: مسألة الداخل والخارج) [الفروع 6/ 615 (11/ 417)]. 1576 - إذا أقر الرجل بالنكاح: - قال ابن مفلح: (فلو أقر الرجل بالنكاح فهل يقبل إقراره؟ يخرج على الروايتين في قبول قول المرأة، والأولى في العبارة أن يقال: إذا ادعى النكاح وصدقته، فهل تقبل دعواه لأن الحق له والحق فيه عليه تبع بخلافها؟ قال الشيخ تقي الدين ــ عقب رواية عدم قبول إقرارها ــ: ويلزم من هذا
(2/1192)
أيضا أنه لا يصح إقرار الرجل بالنكاح، فإنها إذا أقرت ابتداء فلا بد من تصديقه فلا يصح، وإن أقر هو ابتداء فتصديقها إقرارها فلا يصح. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 399]. 1577 - إذا أقر الرجل أو المرأة بزوجية الآخر ولم يصدقه الآخر إلا بعد موته: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا أقر الرجل أو المرأة بزوجية الآخر ولم يصدقه الآخر إلا بعد موته صح وورثه». هذا ينبني على صحة إقرار المرأة بالنكاح. قاله الشيخ تقي الدين، وهو صحيح. قوله (2): «إلا أن يكون قد كذبه في حياته فوجهان». والصحة والإرث قطع به أبو الخطاب والشريف في «رؤوس المسائل» ونصبا الخلاف مع أبي حنيفة كما تقدم، وذكر ابن عبد القوي أن عكس هذا أقوى الوجهين في نظيرهما في ثبوت النسب، وهو غريب، وقطع غيره بثبوت النسب احتياطا له. وهذه المسألة نظير من أقر له بمال فكذبه ثم صدقه، وفيها وجهان، وكذلك يجيء هنا لو كذبه في الحياة ثم صدقه فيها، وقد تقدم كلام الشيخ تقي الدين - رحمه الله - تعالى) [النكت على المحرر: 2/ 400]. _________ (1) أي: صاحب «المحرر». (2) أي: صاحب «المحرر».
(2/1193)
1578 - إذا أنكر الزوجية فأبرأته، فأقر بها: - قال ابن مفلح: (وقال شيخنا فيمن أنكر الزوجية، فأبرأته، فأقر بها: لها طلبه بحقها) [الفروع 6/ 615 - 616 (11/ 418 - 419)]. 1579 - مسألة: - قال ابن مفلح: (وظاهر كلامه (1) أنه لو استلحق كبيرا عاقلا ميتا لم يثبت نسبه، وهو أحد الوجهين، لأنه مكلف لم يوجد منه تصديق، والثاني: يثبت، قطع به في «الكافي» وهو قول القاضي وغيره، وهو ظاهر مذهب الشافعي، لأنه غير مكلف كالصغير. وذكر الشيخ تقي الدين أن الأول أصح، وأن في الإقرار بالميت الصغير نظرًا. وذكر غيره احتمالا في ثبوت نسبه دون ميراثه للتهمة، وقال أبو حنيفة: لا يثبتان، لذلك قلنا: يبطل بما إذا كان المقر به حيا موسرًا والمقر فقيرا، قال في «المستوعب»: لا عبرة بمن قال: لا يثبت نسبه) [النكت على المحرر: 2/ 402 - 403]. 1580 - إذا ثبت نسب المقر به ثم رجع المقر عن الإقرار: - قال ابن مفلح: (ومتى ثبت نسب المقر به ورجع المقر عن الإقرار لم يقبل رجوعه، وإن صدقه المقر له في الرجوع، فكذلك في أصح الوجهين كالثابت بالفراش، والثاني: لا يثبت، كالمال. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1194)
قال الشيخ تقي الدين: إن جعل النسب فيه حق الله فهو كالحرية، وإن جعل حق آدمي فهو كالمال، والأشبه أنه حق لآدمي كالولاء. ثم إذا قبل التراجع عنه فحق الأقارب الثابت من المحرمية ونحوها هل يزول؟ وكذلك إذا رجع عن التصادق على النكاح، فالمصاهرة الثابتة هل تزول، أو تكون كالإقرار بالرق بعد التصرف؟ انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 403] (1). 1581 - إذا ادعى نسبا فلم يثبت لعدم تصديق المقر به: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: فأما إن ادعى نسبا فلم يثبت لعدم تصديق المقر به (2)، أو قال: لا أب لي، أو: أنا فلان بن فلان، وانتسب إلى غير معروف، أو قال: لا أب لي، أو: لا نسب لي، ثم ادعى بعد هذا نسبا آخر، أو ادعى أن له أبا، فقد ذكروا فيما يلحق من النسب: أن الأب إذا اعترف بالابن بعد نفيه قُبل منه، فكذلك غيره، لأن هذا النفي أو الإقرار لمجهول أو لمنكر لم يثبت به نسب، فيكون إقراره بعد ذلك مجهولا (3)، كما قلنا فيما إذا أقر بمال لمكذب إذا لم نجعله لبيت المال، فإنه إذا ادعى المقر بعد هذا أنه ملكه قُبل منه، ولو كان المقر به رقَّ نفسه فهو كغيره بناء على أن الإقرار للمكذب وجوده كعدمه. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (530 - 531). (2) في هامش «النكت»: (بهامش الأصل: في كلام الشيخ تقي الدين: «أو قال: لا أب لي)، وهي في «الاختيارات». (3) كذا في ط 1 وط 2, وفي «الاختيارات»: (مقبولا).
(2/1195)
وهناك على الوجه الآخر: نجعله بمنزلة المال الضائع أو المجهول الحال، فيحكم بالحرية وبالمال لبيت المال، وهنا يكون بمنزلة المجهول النسب فيقبل منه الإقرار به (1) ثانيا. وسر المسألة أن الرجوع عن الدعوى مقبول، والرجوع عن الإقرار غير مقبول، والإقرار الذي لم يتعلق به حق لله ولا لآدمي هو من باب الدعاوى فيصح الرجوع عنه. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 403 - 404]. 1582 - مسألة: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «ومن أقر بطفل له أم، فجاءت بعد موت المقر تدعي زوجيته لم تثبت بذلك». كذا ذكره الأصحاب، وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن كانت حرة معروفة الأصل فهي زوجة استحسانا. وقال القاضي: فإن قيل: أليس قد قال أبو بكر في النكاح من «المقنع»: وأومأ إليه الإمام أحمد في رجل باع أمة له من رجل فولدت عند المشتري ولدا فادعاه البائع أنه ولده وصدقه المشتري أنها تصير أم ولد للبائع، فحمل إقراره بالولد على أنه كان في ملكه، ولم يحمله على وطء شبهة، لذلك يجب أن يحمل إقراره بالولد على أنه كان في زوجية؟ _________ (1) في هامش «النكت»: (بهامش الأصل: في نكت ابن شيخ السلامية في كلام الشيخ تقي الدين هذا: «فيقبل به الإقرار»). (2) أي: صاحب «المحرر».
(2/1196)
قيل له: كلام أبي بكر محمول في تلك المسألة على أن البائع ادعى أنه ولده، وأنها علقت به في ملكه، فمثاله هنا: أن يقر بنسبه في زوجية. وسلَّم القاضي أن إقراره بالولد لا يكون إقرارا بنسب أخيه. قاله الشيخ تقي الدين. ومراد القاضي ــ والله أعلم ــ غير التوأم، وظاهر كلام أبي بكر خلاف ما قال الشيخ تقي الدين في مسألة أبي بكر. وقد تقدم في هذه المسألة وجهان في الاستيلاد مع أن الوجهين ذكرهما في «الكافي» على قولنا: أن الاستيلاد لا يثبت إلا إذا علقت به في ملكه، فأما إذا قلنا: إنه إذا استولدها بنكاح أو وطء شبهة ثم ملكها صارت أم ولد، فهذا الأشبه فيه. قال: ونظير هذا اللقطة فلذلك يجب أن يكون في هذه المسألة، مع أن الأشبه بكلام الإمام أحمد ثبوت الاستيلاد هناك والزوجية هنا حملا على الصحة. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 404 - 405] (1). 1583 - المقر به يرث المقر: - قال ابن مفلح: (وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في «كتاب الفرائض» ــ في زياداته على كتاب أبيه ــ: حدثنا عبد الله بن عوف ــ وكان ثقة ــ حدثنا شريك عن جابر عن الشعبي عن علي في رجل ادعى أخاه وأنكره إخوته، قال: يتوارثان بينهما دونهم. جابر: هو الجعفي، ضعيف، وإن صح فقد يقال: توارثهما يدل على تواضع النسب وثبوته بينهما، لما بينهما من اللازم. _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (532).
(2/1197)
وقال الشيخ تقي الدين: هذا يقتضي أن المقر به يرث المقر مطلقا، كما عليه أن يدفع في حياته فضل ما في يده له، كأنه أقر بأن المال الذي في يده يستحقه. هكذا قال) [النكت على المحرر: 2/ 409 - 410]. 1584 - من أقر وهو مجهول النسب وعليه ولاء بنسب وارث: - قال ابن مفلح: (وإن أقر مجهول نسبه ولا ولاء عليه بنسب وارث حتى بأخ أو عم، فصدقه، وأمكن، قبل، ومع الولاء يقبل إن صدقه مولاه، نص عليه، ويتخرج: أو لا، واختاره شيخنا «و: هـ») [الفروع 6/ 617 (11/ 420 - 421)]. 1585 - إذا أقر الوارث لرجل بدين يستغرق التركة، ثم أقر بمثله لآخر: - قال ابن مفلح: (قوله: «وإذا أقر الوارث لرجل بدين يستغرق التركة، ثم أقر بمثله لآخر في مجلس ثان لم يشارك الثاني الأول». قطع به الأصحاب رحمهم الله تعالى، وقال الشيخ تقي الدين: يشبه إذا أقر في مرضه مرتين، أو أقر في صحته ثم في مرضه من وجه. انتهى كلامه. . . . . قوله (1): «وإن كانا في مجلس واحد تشاركا عند الخرقي كما لو أقر لهما معا». قطع به جماعة، منهم الشيخ موفق الدين وصاحب «المستوعب»؛ لأن حكم المجلس حكم الحال الواحد فيما يعين قبضه، ولحوق الزيادة وإمكان الفسخ وغير ذلك، كذا في مسألتنا. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1198)
قال الشيخ تقي الدين: وهو الذي في «التعليق»، ذكره وفاقا مع أبي حنيفة في ضمن مسألة الإقرار مرتين، لكن قال: إذا ادعى رجل أن له على أبيه ألف درهم، فأقر له بذلك، فقيدها بالإقرار بعد الدعوى، فيمكن الفرق. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 413 - 414].
(2/1199)
باب ما يحصل به الإقرار وما يغيره
1586 - اعتبار الأحوال التي تصدر فيها ألفاظ الإقرار: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: هذه الألفاظ ــ يعني: ألفاظ الإقرار ــ تارة تكون مبتدأة وهو ظاهر، وتارة تكون جواب طلب، وتارة جواب خبر، وتارة جواب استفهام من المقر له أو من الشهود أو من غيرهما. ثم تارة يكون بحضرة الحاكم، وتارة بحضرة من يعلم أنهم يشهدون عليه، وتارة مطلقا، وقد تقدم هذا القسم في الشهادات. ثم هذه الألفاظ قد تظهر على وجه التهكم والاستهزاء. فهذه أقسام لا بد من اعتبارها) [النكت على المحرر: 2/ 420]. 1587 - إذا ادعى على رجل مائة فقال: نعم، أو أجل، أو صدقت، أو أنا مقر بها: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا ادعى رجل على رجل مائة، فقال: نعم، أو أجل، أو صدقت، أو أنا مقر بها، أو بدعواك، فقد أقر بالمدعى». وهو واضح، قال تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44]، وقيل لسلمان: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ قال: أجل. وكذا إن قال ــ زاد بعضهم ــ: لعمري، أو لا أنكر أنا بحق في دعواك. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1200)
وقوله: «إذا ادعى» قال الشيخ تقي الدين: لا بد أن يكون بصيغة الخبر، وهو إني أستحق عنده أو لي عنده، وإما بصيغة الطلب، وهو أن يقول: أعطني. انتهى كلامه. وهو ظاهر فإنه إذا قال: أعطني مائة، قال: نعم، لا يلزم أن يكون مستحقا عليه، وهو محتمل لذلك وللوديعة والقرض وغير ذلك، فإذا قال: أعطني عبدي هذا، أو: أعطني الألف الذي عليك، قال: نعم، كان مقرا، قطع به الشيخ موفق الدين وغيره، لأنه تصديق لما ادعاه، لأن «نعم» مقررة لما سبقها، وهذا بخلاف ما لو قال: خذها، أو: خذ، فإنه ليس بصيغة التصديق، وإنما هو بذل مجرد، ولا يلزم من بذل المدعى به وجوبه ولا إشكال. وقال الشيخ تقي الدين ــ في هذه المسألة عقيب كلام الشيخ موفق الدين ــ: فيه نظر، فإن «نعم» هنا جوابًا لطلب، وجواب الطلب الطاعة والبذل، وفي كونه إقرارا وجهان، فإن قوله هنا «نعم» لا يزيد على قوله: خذها، بل هو إلى الأخذ أقرب، ومثاله: الساعة أعطيك، أو: نعم أنا أعطيك، أو: وكرامة وعزازة. وأما كون الطالب وصفها بأنها عنده فهذا له نظائر في الطلب، استفهاما وأمرًا، مثل: ألهذا العدل عندك ألف؟ أو: لهذه المرأة التي طلقتها عندك ألف؟ وقد أبرأتك هذه المرأة التي طلقتها من جميع الدعاوى؟ أو: تقول هذه المطلقة: قد أبرأتك، أتصدقها؟ فيقول: نعم. انتهى كلامه. قال الشيخ تقي الدين: والنحويون يقولون: «نعم» جواب الاستفهام، ولكن قد صارت في العرف بمنزلة «أجل»، كما قد استعمل «أجل» جواب الاستفهام. انتهى كلامه.
(2/1201)
وهو يقتضي أن العرف يعمل دون الحقيقة اللغوية، ولعل مراده في العامي دون اللغوي، كما هو الراجح في المذهب في نظائره. وقد ذكر ابن الحاجب وغيره أن «نعم» مقررة لما سبقها من الكلام، مثبتا كان أو منفيا، استفهاما كان أو خبرا، تقول لمن قال: قام زيد، أو: ما قام زيد، أو: لم يقم زيد= نعم، تصديقا لما قبله، هذا بحسب اللغة دون العرف، ألا ترى أنه لو قيل لك: أليس لي عندك كذا مالا؟ فقلت: نعم، لألزمك القاضي به تغليبا للعرف على اللغة؟ وظاهر هذا تقديم العرف مطلقا، كما هو ظاهر قول الشيخ تقي الدين) [النكت على المحرر: 2/ 415 - 417]. 1588 - إذا قال: خذ، أو: اتزن، أو: احرز: - قال ابن مفلح: (قوله: «أو قال: خذ، أو: اتزن، أو: احرز، أو: افتح كمك لم يكن مقرا». قطع به الأصحاب لأن هذه الأشياء تستعمل على سبيل البسط والمزح، مع احتمالها: خذ الجواب، واتزن، أو احرز، أو افتح كمك لشيء آخر، والذمة لا تشتغل بالاحتمال. وقال الشيخ تقي الدين: الصواب أن المفصول المحذوف هنا هو الدرهم على قياس أصح الوجهين، إذا قال: أنا مقر، فتكون كالتي بعدها، أعني: خذها، يبقى أن مجرد البذل هل هو إقرار، كما لو قال: أعطني الألف التي لك التي لي عندك، فقال: نعم؟ ففيهما إذًا ثلاثة أوجه) [النكت على المحرر: 2/ 418].
(2/1202)
1589 - إذا قال: أنا مقر: 1590 - ونفي الإنكار: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: قياس المذهب فيما إذا قال: أنا مقر، أن يكون مقرا بها، لأن المفعول ما في الدعوى، كما قلنا في قوله: قبلت= أن القبول ينصرف إلى الإيجاب، لا إلى قبول شيء آخر، فالإقرار أولى. وقال: المتوجه إن مجرد نفي الإنكار إن لم ينضم إليه قرينة بأن يكون المدعى مما يعلمه المطلوب، أو قد ادعى عليه علمه، وإلا لم يكن إقرارا، وإن قال: لا أنكر أن تكون محقا، فوجهان، لاحتمال محقا في اعتقاده ونحوه) [النكت على المحرر: 2/ 419] (1). 1591 - إذا قال: لي عليك ألف، فقال: قضيتك منها مائة: - قال ابن مفلح: (وإن قال: لي عليك ألف، فقال: قضيتك منها مائة، فقال القاضي: ليس هذا إقرارا بشيء، لأن المائة قد رفعها بقوله، والباقي لم يقر به، وقوله: «منها» يحتمل مما يدعيه، وكذا قطع به في «الكافي» وغيره، وذكر في «المغني» أنه يجيء على الرواية الأخرى، يعني قوله: إذا قال: كان له علي كذا، وقضيت منه كذا = أنه يلزمه ما ادعى قضاءه، لأن في ضمن دعوى القضاء إقرارا بأنها كانت عليه، فلا يقبل دعوى القضاء بغير بينة. وقال ابن حمدان في «الرعاية الكبرى»: ويحتمل أن يلزمه الباقي، يعني: تقبل دعوى القضاء، وهي تتضمن الإقرار بالباقي فيلزمه. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (533).
(2/1203)
وقال الشيخ تقي الدين: يخرج على أحد الوجهين في «اتزنها، وخذها، واقبضها» أنه مقر بباقي الألف؛ لأن الهاء ترجع إلى المذكور، ويتخرج أن يكون مقرا بالمائة على رواية في قوله: «كان له علي وقضيته»، ثم هل هو مقر بها وحدها أو بالجميع؟ على ما تقدم. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 419] (1). 1592 - إذا قال: له علي كذا فيما أعلم، أو: في علمي: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «أو: فيما أعلم، أو: في علمي». وبه قال مالك وأبو يوسف والشافعي، لأنه لمَّا أضافه إلى علمه كان يقينا؛ لأن ما في علمه لا يحتمل إلا الوجوب، قال أبو الخطاب والشريف: دليله إذا قال: له عليَّ ألف أعلمها. وقال أبو حنيفة: الإقرار باطل. قال الشيخ تقي الدين: وسلم ما إذا قال: لفلان عليَّ ألف درهم وقد علمت، وسلم له القاضي وغيره أن الشاهد لو قال: أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم فيما أعلم لم تقبل شهادته، وفَرَّق بأن الإقرار يصح بالمجهول والمبهم، ولا تصح الشهادة بذلك. قال الشيخ تقي الدين: وفيه نظر. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 422]. _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (533 - 534). (2) أي: صاحب «المحرر»، وتمام كلامه: (وإن قال: له علي مائة إن شاء الله، أو فيما أعلم، أو في علمي ... فقد أقر بذلك ولزمه).
(2/1204)
1593 - إذا علق الإقرار بشرط تقدمه: - قال ابن مفلح: (قوله: «وإذا علق الإقرار بشرط تقدمه، كقوله: إن قدم فلان، أو إن شاء، أو إن دخل الدار، فله عليَّ مائة، أو إن شهد فلان عليَّ بكذا صدقته، ونحو ذلك، لم يصح». أما المسألة الأولى: فلأنه ليس بمقر في الحال، لأن المشروط عدم عند عدم شرطه، والشرط لا يقتضي إيجاب ذلك بلا إشكال، فيقال: يجب عند وجود الشرط، وأما في الثانية فلا يصدق الكاذب. وقال الشيخ تقي الدين: والتحقيق أنه إن كان الشرط بما يجب به الحق صح تعليق الإقرار به (1)، كقول المرأة: إن كان قد طلقني فله عليَّ ألف، أو إن طلقني أو إن كان عمل لي ونحو ذلك. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 423]. 1594 - إذا علق الإقرار بشرط مؤخر: قال ابن مفلح: (قوله (2): «إلا في قوله: له عليَّ كذا إذا جاء وقت كذا، فإنه يصح وجهًا واحدًا». _________ (1) في هامش «النكت»: (بهامش الأصل: الذي في نكت ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين أنه قال: «والتحقيق أنه إن كان الشرط مما قد يجب الوفاء به صح تعليق الإقرار به»). (2) أي: صاحب «المحرر»، وتمام كلامه: (ولو أخر الشرط، كقوله: له علي ألف إن شفي زيد، أو إن قدم، أو إذا جاء المطر، أو إن شهد بها فلان ونحوه، فعلى وجهين، إلا في قوله: له علي كذا ... ).
(2/1205)
وكذا قطع به في «الكافي» وغيره، ونقله في «المغني» عن الأصحاب، وهو منصوص الشافعي، لأنه بدأ بالإقرار، وقوله: «إذا جاء وقت كذا» يحتمل أنه أراد المحل، فلا يبطل بالاحتمال. قال في «المغني»: ويحتمل أن لا فرق بينهما، يعني: هذه المسألة وعكسها المتقدمة، قال: لأن تقديم الشرط وتأخيره سواء، فيكون فيهما جميعًا وجهان. انتهى كلامه. وقال الشيخ تقي الدين: مضمون هذه المسائل أن الإقرار لا يتعلق بشرط، بل إذا تأخر الشرط هل يبطل وحده أو الإقرار كله؟ على وجهين. قال: والصواب أن نفس الإقرار لا يتعلق، وإنما يتعلق المقر به، لأن المقر به قد يكون معلقًا بسبب يوجبه، أو يوجب أداءه أو دليل يظهره، فالأول كما لو قال: إن قدم فلان فعليَّ لزيد ألف درهم، فإذا قال مقرا: إذا قدم زيد فلفلان عليَّ ألف درهم صح، وكذا لو قال: إن رد عبدي الآبق فله ألف درهم، ثم أقر بها، فقال: إن رد عبدي فله عندي صح، وكذا الإقرار بعوض الخلع لو قالت: إن طلقني، أو إن عفا عني. قال: وأما التعليق بالشهادة فقد يشبه التحكيم، ولو قال: إن حكمت علي بكذا التزمته لزمه عندنا، فكذلك قد يرضى بشهادته وهو في الحقيقة التزام وتزكية للشاهد ورضى بشهادة واحد، فهو بمنزلة أن يقول للحاكم: إن شهد علي فلان فاقض بحكمه، وما هو ببعيد، لأن تعديل الشخص للشاهد قد يكفي. وإذا حكم بشاهد فأبرأ المطلوب من اليمين فهو بمنزلة: إن شهد فلان
(2/1206)
فهو صادق. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 424 - 425] (1). 1595 - إذا أقر العامي بمضمون محضر وادعى عدم العلم بدلالة اللفظ: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «وإذا أقر العربي بالعجمية أو بالعكس، وقال: لم أدر ما قلت حلف وخلي سبيله». لأنه منكر، والظاهر صدقه، والأصل براءة ذمته، وكذا إن أقر بغير لسانه، ولو قال: وإن أقر بغير لسانه لعربي بعجمية كان أولى. قال الشيخ تقي الدين: إذا أقر العامي بمضمون محضر وادعى عدم العلم بدلالة اللفظ ومثله يجهله= فهو كما لو قال في الطلاق: إن دخلت، أو قال: أنت طالق واحدة في ثنتين. انتهى كلامه، وهو متوجه) [النكت على المحرر: 2/ 427] (3). 1596 - إذا أقر بأن له عليه ثمن مبيع موصوف: - قال ابن مفلح: (قال القاضي: إذا لم يكن معينا فإنما يكون موصوفا، فإذا أحضر له ما تتناوله الصفة لزمه قبوله، ولم يجز له الامتناع، فلا فرق بين المعين وغيره. قال الشيخ تقي الدين: وهذا يقتضي أنه إذا لم تكف الصفة لم يلتفت إليه، وكذلك لو ادعى أن المحضر غير الموصوف) [النكت على المحرر: 2/ 429 - 430]. _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (534). (2) أي: صاحب «المحرر». (3) «الاختيارات» للبعلي (534).
(2/1207)
1597 - الصلات في الإقرار: - قال ابن مفلح: (واحتج القاضي بأنه يصح أن يرفع جميع ما أقر به، كما يصح أن يرفع البعض إذا لم يتناقض اللفظ، كما في قول صاحب الشريعة، وقال: لأنه رفع ما ثبت بقوله على وجه لا يفضي إلى التناقض، فأشبه دعوى الاستبراء بعد الاعتراف بالوطء. قال الشيخ تقي الدين: هذا الضابط يعم صورًا كثيرة، لكن قد ينازع في قوله: له علي. وقال: لو قال: إلى سنة، أو ألف طرية، فذكره القاضي محل وفاق محتجا به، وكذلك لو قال: ألف من ثمن مبيع شرط فيه الخيار. وقال الشيخ تقي الدين: وكأن الضابط أن الصلات المغيرة قدرًا، أو وصفا، تقبل بلا تردد، فأما الصلات المسقطة فهي محل وفاق) [النكت على المحرر: 2/ 430 - 431] (1). 1598 - مطلق كلام الواقف منزل على العرف والعادة: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ومطلق كلام الواقف منزل على العرف الخطابي وعادة العمل) [الفروع 6/ 624 (11/ 431)]. 1599 - إذا قال: كان له علي كذا وقضيته: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: إذا قلنا بظاهر المذهب، وأنه ليس بمقر بل منكر (2)، فهل يحلف على بقاء الاستحقاق، أو _________ (1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (532). (2) قال في «المحرر»: (وإذا قال: كان له علي كذا وقضيته فهو منكر، والقول قوله مع يمينه، نص عليه في رواية ابن منصور وغيره ... الخ).
(2/1208)
يحلف على لفظ الجواب؟ إن اتفقا على نفي الاستحقاق فلا ريب، وإلا فينبغي أن تطابق اليمين جواب الدعوى، فيحلف: لقد رددت عليه هذه الألف الذي يدعي به، أو لقد وفيته إياها، وإن لم يقر بها في الحال، لكون الإنكار مقيدا بردها في الزمن الماضي، كما لو أنكر المؤتمنون الاستحقاق بناء على رد أو تلف، فكما أن جواب الدعوى مجمل ومفسر، فكذا اليمين على الجواب مجمل ومفسر. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 432 - 433]. 1600 - إذا قال: كان له علي كذا، وسكت: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «ويتخرج أنه ليس بإقرار». هذا التخريج من نظيرها في مسألة الشهادة، فإن فيها روايتين على ما ذكره الشيخ تقي الدين، وذكر غير واحد وجهين) [النكت على المحرر: 2/ 435]. 1601 - لا إقرار مع استدراك متصل: - قال ابن مفلح: (ويوافق هذا أيضا ما قال الشيخ تقي الدين: يتوجه أن يعتبر في اتصال الصفات والاستثناء في الإقرار ما اعتبر في ذلك في الإنشاءات، وقد فرق الأصحاب بينهما، فإن هناك لو سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ووصل به بعض الصلات نفعه إذا عد اتصالا معتادا فينظر. انتهى كلامه. _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وتمام كلامه: (وإذا قال: كان له علي كذا وسكت فهو إقرار، ويتخرج أنه ليس بإقرار).
(2/1209)
«فرع»: ولا فرق بين الإقرار بها من غصب أو وديعة أو قرض أو غيره، ذكره غير واحد. وقال الشيخ تقي الدين: أما إذا كان مودعا فقال: له عندي دراهم، أو أودعني دراهم، ثم قال بعد: هي زيوف، أو ناقصة، ونحو ذلك، فيجب أن يقبل قوله مع يمينه، لأنه لو ادعى ردها أو تلفها بعد ذلك قبل قوله مع يمينه، فلا يكون دعوى تغيرها بأكثر من دعوى ردها، أكثر ما فيه أن يقال: دعوى الرد والتلف لا تنافي موجب الإقرار الأول، بخلاف دعوى الصفة الناقصة، لكن هو مؤتمن في الموضعين أكثر ما فيه أنه ادعى ما يخالف الأصل، وذلك مقبول منه. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 437]. - وقال أيضا: (وقيل: لا إقرار مع استدراك متصل، واختاره شيخنا) [الفروع 6/ 629 (11/ 441)]. 1602 - من أقر بأمانة ووصل كلامه بما يصح: - قال ابن مفلح: (ذكر الشيخ تقي الدين هنا مسائل، المعروف في أكثرها خلاف ما ذكره، قال: وإذا أقر بأنه أقر ووصله بأني أقررت قبل القبض، أو أقررت أن ما لي عنده شيء لئلا يتهم، أو أني قبضت ما لي عليه لئلا يؤذى، ونحو ذلك، لم يبعد إلا أن يكون هذا الإقرار بالإقرار إقرارا. ولو قال: له عندي هذا المال رهن، لم يبعد إلحاقه بهذا، وأما لو قال: أودعني مالًا وأذن لي في الصدقة به، فهذا ظاهر. ولو قال: أباح لي أكله إذا شئت وقد أكلته، فكذلك. ولو قال الوارث: لمورثي عندك ألف وديعة، فقال: أودعني ألف درهم، وأمرني أن أتصدق بها أو أدفعها إلى فلان، فينبغي أن يكون كذلك.
(2/1210)
ولو كان الورثة صغارا، فقال: أمرني أن أدفعها إلى فلان، جعله وصيا، فكذلك. وحاصله أن من أقر بأمانة ووصل كلامه بما يصح فهو بمنزلة من أقر بدين ووصل كلامه بما يصح، بخلاف لو ثبتت الأمانة بإقرار أو غيره فادعى فيها آخر، فإن هذا يقبل في بعض الأشياء دون بعض. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 436]. 1603 - إذا قال: له عندي رهن، فقال المالك: وديعة: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا قال: له عندي رهن، فقال المالك: وديعة، فالقول قول المالك». مع يمينه، لأن العين تثبت له بالإقرار، وادعى المقر دينا، فكان القول قول من ينكره مع يمينه، لأنه مدع على غيره حقا، فلا يقبل قوله إلا ببينة، وكذلك لو أقر بدار وقال: قد استأجرتها، أو بثوب وادعى أنه قصره أو خاطه بأجرة، أو أقر بعبد وادعى استحقاق خدمته، أو أقر بسكنى دار وادعى أنه سكنها بإذنه، فالقول قول المالك مع يمينه. قال الشيخ تقي الدين: مضمون هذا أنه إذا أقر بعين له فيها حق لا يثبت إلا برضى المالك لم يقبل منه، وكذلك إذا أقر بفعل فعله وادعى إذن المالك. ثم قال الشيخ تقي الدين: يتوجه على المذهب أن يكون القول قوله، لأن الإقرار تضمن عدم وجوب تسليم العين أو المنفعة المذكورة، فما أقر _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1211)
بما يوجب التسليم كما في قوله: كان له عليَّ وقضيته، ولأنا نجوز مثل هذا الاستثناء في الإنشاءات في البيع ونحوه، فكذلك في الإقرارات، والقرآن يدل على ذلك في آية الدَّيْن، وقد تقدم نحو هذه المسألة في الرهن وفي العارية، وهذا بخلاف مسألة العتق والخلع، فإن هناك حقا لله وهو يعلم من نفسه أنه لا يحل له الاستعباد والاستمتاع، ولأن يده كانت على الجميع، فلا يخرج من يده إلا ما أقر باستحقاق خروجه من وجه. انتهى كلامه. وقد تقدم كلام الشيخ تقي الدين قبل قوله: وإذا قال له عليَّ مائة درهم ثم سكت سكوتًا يمكنه الكلام فيه) [النكت على المحرر: 2/ 440 - 441] (1). 1604 - إذا قال: له علي عشرة دراهم عددا: - قال ابن مفلح: (وإن قال: له عليَّ عشرة دراهم عددًا، لزمه عشرة معدودة وازنة، لأن إطلاق الدرهم يقتضي الوزن، وذكر العدد لا ينافي، فوجب الجمع بينهما، ذكره الشيخ موفق الدين وغيره، ودعوى أن ذكر العدد لا ينافي قد يمنع، فإنه يقال: درهم وازن، ودرهم عدد، وعشرة وازنة، وعشرة عدد، ولهذا قال الشيخ تقي الدين: متى قال: عددًا، وجاء بما يسمى درهما قبل منه، لأن هذا هو مفهوم هذا القول، فإن التقييد بالعدد ينفي اعتبار الوزن. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 442]. 1605 - إذا قال: له داري هذه، أو: نصف داري، أو: في مالي ألف: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «وإن قال: له داري هذه، أو نصف داري، _________ (1) «الاختيارات» للبعلي (534 - 535). (2) أي: صاحب «المحرر».
(2/1212)
أو في مالي ألف، أو في ميراثي من أبي ألف، فعلى روايتين». إحداهما: يكون إقرارا. قال القاضي في «التعليق»: فإن قال: له في مالي ألف درهم، أو في عبدي هذا نصفه، أو قال: له عبدي هذا، أو: داري هذه، كان إقرارا صحيحا. قال في رواية ابن منصور: إذا قال الرجل: فرسي هذا لفلان، فإذا أقر له وهو صحيح فنعم، فأما إن أقر وهو مريض فلا، فقد حكم بصحة هذا الإقرار مع إضافته إليه. وقال أيضا في رواية مهنَّا: إذا قال: نصف عبدي هذا لفلان لا يجوز إلا أن يكون وهبه أو أقر له به، فقد حكم بصحة الإقرار مع الإضافة إذا أتى بلفظ الإقرار. كذا قال. وحكى مثل هذا عن أصحاب أبي حنيفة، وقال أصحاب الشافعي: لا يكون إقرارًا ويرجع إليه، فإن قال: هبة لم أقبضه إياها كان القول قوله، وإن كان دينًا كان القول قوله ولزمه. قال الشيخ تقي الدين: كلام الإمام أحمد نصٌّ في أنَّ الإضافة لا تمنع أن يكون إقرارًا، لكن ليس صريحا في أن هذا اللفظ بمجرده إقرارٌ، وهذا محل الخلاف. كذا قال. ووجه هذه الرواية: أنه أقر له بجزء من ماله، فأشبه ما لو قال: له عليَّ ألف، أو لفظ يفهم منه الإقرار، فأشبه ما ذكرناه. فعلى هذا إذا فسر هذا اللفظ بما لا يقتضي الملك لم يقبل. قاله القاضي.
(2/1213)
ويؤخذ من كلام غيره كما لو قال: له في مال أبي، أو: في تركة أبي ألف، وأبوه ميت، فإنه يكون له مقرًا بألف تستوفى من تركة أبيه بلا خلاف عنده، وقاسه القاضي على ما لو قال: له عليَّ درهم، ثم قال: أردت درهم زعفران، فإنه لا يقبل وإن كان الزعفران يوزن، وكما لو قال: العبد الذي في يدي. والثانية: لا يكون إقرارا، لأنه أضاف المقر به إليه، والإقرار إخبار بحق عليه، فالظاهر أنه جعله له وهو الهبة، والظاهر على هذه الرواية يكون الحكم كالمسألة قبلها. فقد فرق في المحرر بين «مالي» و «في مالي»، وبين «نصف مالي» و «نصف داري»، وكلام غيره يدل على التسوية بين الصور كلها، وأنها على روايتين. قال في «المستوعب»: فإن قال: له في مالي، أو: من مالي، أو قال: له عبدي هذا، أو داري هذه، أو فرسي هذه، أو له في عبدي هذا نصفه، وفسره بالهبة قبل منه، وإلا فلا يلزمه شيء، ولا فرق في جميع ذلك بين «من» و «في»، وأنه متى أضاف الملك إلى نفسه ثم أخبر بشيء منه لغيره لم يكن إقرارا. وقد نقل ابن منصور عن الإمام أحمد: إذا قال الرجل: فرسي هذا لفلان فإقراره جائز إذا كان صحيحا، وهذا يقتضي صحة الإقرار مع إضافة الملك إليه، وهو الذي نصره القاضي في الخلاف. انتهى كلامه. وهو معنى كلام الشيخ تقي الدين وغيره، وأنه قد نقل عن أحمد ما يدل
(2/1214)
على روايتين، قال ــ في رواية مهنا ــ فيمن قال: نصف عبدي هذا لفلان: لم يجز حتى يقول: وهبته، وإن قال: نصف مالي لفلان، لا أعرف هذا. ونقل ابن منصور: إذا قال: فرسي هذا لفلان بإقراره جائز. وظاهر هذا صحة الإقرار، وأما حكايته في «المحرر» الروايتين في ميراثي من أبي ألف فهو معنى كلام غيره، لأنها في معنى الصور البواقي، ولغير واحد من الأصحاب كلام هنا فيه نظر) [النكت على المحرر: 2/ 443 - 445]. 1606 - إذا قال: هذا العبد لزيد، لا بل لعمرو، أو: غصبته من زيد، وغصبه زيد من عمرو: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا قال: هذا العبد لزيد، لا بل لعمرو، أو: غصبته من زيد، وغصبه زيد من عمرو، لزمه دفعه إلى زيد، ودفع قيمته إلى عمرو». قطع بهذا أكثر الأصحاب، وسواء كان متصلا أو منفصلا، لأنه ثبت ملك زيد فيه بإقراره له أولا، وإقراره ثانيا رجوع عن حق آدمي ثابت فلا يقبل على ما تقدم، لكن يقبل في حق نفسه فيغرم قيمته له لاعترافه بإحالته بالإقرار الأول بينه وبين ماله فغرمه كما لو أتلفه، وللشافعي قول: لا يغرم للثاني شيئا وهو وجه لنا؛ لأنه لا يمكن جمعه لكل واحد منهما، وإنما جاء التناقض من الإقرار الثاني، فيختص البطلان به، ولأن الإقرار الثاني إقرار بملك غيره فلا يقبل، كما لو قال: العبد الذي في يد زيد لعمرو. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1215)
وقال الشيخ تقي الدين: يتوجه إذا كان الاستثناء متصلا أن لا يثبت حكم الإقرار الأول، كما لو قال: كان عليَّ وقضيته لأنه كلام منتظم، ولهذا لا يثبت به كفر ولا نحوه، ولو قال في الطلاق: إنه سبق لسانه لكان كذلك. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 446 - 447]. 1607 - من باع شيئا ثم ادعى أنه ملك لغيره وهو وكيل المستحق أو وليه: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: ومن باع شيئًا ثم ادعى أنه ملك لغيره وهو وكيل المستحق أو وليه، فهذا بمنزلة ادعائه لنفسه؛ لأن البيع والشراء ليس إقرارًا بالملك، فإن كان البائع قد أقر أنه باع ملكه فهل له بعد هذا أن يدعيها لغيره بوكالة أو ولاية ويقيم بينة، أم يكون تكذيبه لبينة نفسه بمنزلة تكذيبه لبينة موكله وموليه؟ الثاني هو الأظهر، لأن الإنسان لا يدعي ما أقر، فإن دعواه به باطل لا لنفسه ولا لغيره. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 449 - 450]. 1608 - إذا ادعى بعد البيع أنه كان وقفا عليه: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه، أو قال: قبضت ثمن ملكي ونحوه فلا تسمع بينته». لأنه مكذب لها لشهادتها، بخلاف ما أقر به. «فرع» قال الشيخ تقي الدين: وإن ادعى بعد البيع أنه كان وقفًا عليه فهو بمنزلة أن يدعي أنه قد ملكه الآن. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 450]. _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وتمام كلامه: (ومن باع عبدا، ثم أقر أن المبيع لغيره، لم يقبل قوله على المشتري، ولزمه قيمته للمقر له، وإن قال: لم يكن ملكي ... ).
(2/1216)
1609 - إذا أقر لرجل بألف في وقتين: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «إلا أن يذكر ما يقتضي التعدد، كأجلين أو شيئين أو سكتين ونحوه فيلزمه ألفان، وقد تقدم». لأن تغاير الصفات دليل على تغاير الموصوفات، كمن قال: قبضت ألفا يوم السبت، وألفا يوم الأحد، بخلاف تعدد الإشهاد، وإن قيد أحد الإقرارين بسبب وأطلق الآخر حمل المطلق على المقيد، فيكون ألفا واحدًا مع اليمين، ولو شهد بكل إقرار شاهد جمع قولهما لاتحاد المخبر عنه، ولا جمع في الأفعال. قال الشيخ تقي الدين: كلام أصحابنا في المسألة يقتضي أن يكون الإخبار كله من الشهادة ونحوها كالإقرار، بخلاف الإنشاءات، كتقرير الطلاق، وكذلك صرح القاضي بالفرق بين الإخبار والإيقاع، فإن ما وقع مرة لا يقع ثانية، بخلاف ما أخبر به مرة فإنه يخبر به ثانية) [النكت على المحرر: 2/ 453 - 454 (3/ 299 - 300)]. 1610 - الاستثناء: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «قد ذكرنا صحة استثناء الأقل دون الأكثر». _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر» الأولى، وتمام كلامه: (ومن أقر لرجل بألف في وقتين لزمه ألف واحد إلا أن يذكر ما يقتضي التعدد ... ). (2) أي: صاحب «المحرر».
(2/1217)
نصَّ أحمد على ذلك، وذكر الشيخ موفق الدين: أنه لا يعلم في ذلك خلافا، وحكى غيره الإجماع، وحكاه أيضًا هو في استثناء الكل، لأن استثناء الأقل لغة العرب، وهو في الكتاب والسنة كثير، وعكسه استثناء الكل. وقد قال ابن طلحة المالكي في كتاب «المدخل» ــ فيما إذا قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا ــ: في لزوم الطلاق له قولان، بناءً على أنه استثناء أو أنه ندم. قال القرافي: فعدم اللزوم يقتضي جواز استثناء الكل من الكل. قال الشيخ تقي الدين: ليس كذلك، وإنما على قول مالك يمشي هذا، وقد تقدم أصله. قال: وذهبت طائفة من أهل العربية إلى أنه يجوز أن يستثنى عقد صحيح، مثل العشرة والعشرين من المائة الواحدة، والاثنين من العشرة، بل بعض عقد كالخمسة من المائة، والنصف من العشرة. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 454]. - وقال أيضا: (وقوله (1): «ودون الأكثر على الأصح». نص عليه الإمام أحمد في الطلاق في رواية إسحاق، فيمن قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين: هي ثلاث، وقطع به أكثر الأصحاب حتى قال في «المغني»: لا يختلف المذهب فيه، وبه قال أبو يوسف (2) وعبد الملك بن _________ (1) أي: صاحب «المحرر». (2) في ط 1 زيادة: (ومحمد بن) وحذفت من ط 2, وقال محققها في الحاشية: (في «م»: «محمد بن عبد» , وقد ضرب في الأصل على «محمد بن عبد») ا. هـ.
(2/1218)
الماجشون. وذكر القاضي ابن مغيث (1) في «وثائقه»: أنه مذهب مالك وأصحابه، وذكر الشيخ تقي الدين: أنه قول نحاة البصرة) [النكت على المحرر: 2/ 454 - 455 (3/ 302)]. - وقال أيضا: (قوله (2): «وأن في النصفين وجهين». أحدهما: يصح، وهو ظاهر كلام الخرقي، وذكر ابن هبيرة أنه ظاهر مذهب أحمد، لأن ابن منصور روى عن الإمام أحمد إذا قال: لك عندي مائة دينار قضيتك منها خمسين، وليس بينهما بينة، فالقول قوله. قال الشيخ تقي الدين: هذا ليس من الاستثناء المختلف فيه، فإن قوله: قضيتك ستين مثل خمسين. وما قاله صحيح، وهو الذي ذكره ابن عصفور، لأن الممنوع منه استثناء الأكثر، وهذا ليس بأكثر. والثاني: لا يصح، واختاره أبو بكر، وذكر الشيخ شمس الدين والشيخ زين الدين أنه أولى، بناء على أنه لم يأت في لسانهم. قال الزجاج في «المعاني» ــ في العنكبوت، في قصة لوط ــ: لم يأت الاستثناء في كلام العرب إلا القليل من الكثير. وقال أيضا: فأما استثناء نصف الشيء فقبيح جدًا، لم تتكلم به العرب. _________ (1) في ط 1: (معتب) , والتصويب من ط 2. (2) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر» الأولى.
(2/1219)
وقال أبو بكر بن الأنباري في «الكافي»: واعلم أنه ليس من كلام العرب أن يستثنى من الشيء نصفه، فقبيح أن يقول: لزيد عليَّ عشرة إلا خمسة. فصل قال النحاة ــ ومنهم ابن السراج ــ: في الأول إذا قال: له عندي مائة درهم إلا درهمين، فهو استثناء، فيكون مقرا بثمانية وتسعين، وإذا قال: مائة إلا درهمان، فهو صفة، ويكون مقرا بمائة، لأن التقدير مائة مغايرة لدرهمين، وكذلك لو قال: مائة غير الألف، لأن الصفة تقضي على الموصوف، ولو قال: ألف مثل مائة، أو ألف مثل درهمين، كان مقرا بمائة ودرهمين، لأن أجزاء المائة قد تماثل درهمين. وكذلك قاله غير واحد من النحاة، إذا قال: درهم إلا دانقا، فهو مقر بدرهم إلا دانق، وإذا قال: درهم إلا دانق ــ بالرفع ــ، فهو مقر بدرهم كامل. وكذلك ذكر القاضي أبو يعلى ــ في مسألة توبة القاذف مستشهدا به ــ قال: وعلى أن النحاة قالوا: إذا قال: له عليَّ عشرة دراهم إلا خمسة دراهم إلا ثلاثة دراهم، أنه يلزمه سبعة، ويرجع الأخير إلى العشرة، والاستثناء الأول ليس في الحقيقة باستثناء، وإنما هو وصف للعشرة، لأن الاستثناء منها يجب أن يكون منصوبًا، فإذا كان مرفوعا كان وصفا، فكأنه قال: عليَّ عشرة غير خمسة لا أذكرها، فالخمسة مبهمة غير مفسرة فلا تلزمه، وقوله: إلا ثلاثة، فإنها استثناء صحيح، فيرجع إلى عشرة. قال: وهذا يدل على بطلان السؤال الذي ذكروه، يعني: الاستثناء من الاستثناء، وهذا الاعتراض عليهم ليس بصحيح.
(2/1220)
هذا كلام من كلام الشيخ تقي الدين، ولم يفرقوا بين النحوي وغيره) [النكت على المحرر: 2/ 456 - 457]. - وقال أيضا: (قوله (1): «وإذا كان الكل أو الأكثر المستثنى مستثنى منه فهل يبطل وما بعده، أو يرجع ما بعده إلى ما قبله، أو ينظر إلى ما يؤول إليه جملة الاستثناءات؟ فيه ثلاثة أوجه كذلك». وجه الأول: أن الاستثناء أصل والثاني فرعه، والفرع يبطل ببطلان أصله. ووجه الثاني: أنه يحافظ على تصحيح كلام المكلف حسب الإمكان، وهو ممكن بأن يجعل الاستثناء الأول كالعدم لبطلانه، فيكون الاستثناء الثاني من الذي قبله لبطلان ما بينهما. ووجه الثالث: أن الكلام بآخره، والمستثنى والمستثنى منه كجملة واحدة، وهذا القول هو الذي وجدته في كلام النحاة. وقال الشيخ تقي الدين عن الوجهين الأولين: مأخذهما هل الاستثناء يمنع دخول المستثنى في اللفظ، أو يخرجه بعد ما دخل؟ الأول أصح. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 458] (2). 1611 - إذا قال: له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا درهمين إلا درهما: - قال ابن مفلح: (قوله (3): «وقيل: يلزمه سبعة عليهما جميعا». _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر» الأولى. (2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (535). (3) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر»، وتمام كلامه: (فإذا قال: له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا درهمين إلا درهما، فهل يلزمه إذا صححنا استثناء النصف خمسة أو ستة؟ على وجهين، وقيل: يلزمه سبعة عليهما جميعا).
(2/1221)
أي: سواء قلنا: يصح استثناء النصف أو لا، وهذا بناء على الوجه الثالث، وهو تصحيح الاستثناءات كلها كما تقدم، وحكاية المصنف هذا الوجه بهذه العبارة فيها شيء، وأحسبه لو قال: وعلى الوجه الثالث يلزمه سبعة كان أولى. وذكر الشيخ تقي الدين: أن هذا قول المالكية، قال: ولك طريقان إن شئت أن تنقص الآخر مما قبله، ثم تنقص الثاني مما قبله إلى الآخر، وإن شئت أن تنقص الأول من المستثنى منه ثم تزيد عليه الثاني، ثم تنقص الثالث ثم تزيد عليه الرابع إلى آخره، وهذا الثاني في «الكافي». انتهى كلامه، والثاني هو الذي في كلام غير واحد. فصل وإن كان الاستثناء الثاني بحرف عطف كان مضافا إلى الاستثناء الأول، فإذا قال: له عليَّ عشرة إلا ثلاثة، وإلا درهمين كان مستثنيا لخمسة مقرًا بخمسة. وذكر ابن عبد القوي أن هذا الأقوى، قال: لأن الواو تجعل الاستثناء كشيء واحد، كما يأتي في ترفيع المسائل. وذكر الشيخ تقي الدين: أن الأول قول أبي حنيفة والشافعي، فإن استغرقت (إلا) سقط الاستثناء، وقال أبو يوسف ومحمد: يسقط الأخير المقتضي للاستغراق، ويصح ما عداه.
(2/1222)
وكلام هؤلاء إنما هو إذا كانت مستغرقة، فأما إذا كانت مذهبة للأكثر فيجوز عندهم، والوجهان لأصحابنا. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 459 - 460]. 1612 - إذا تعقب الاستثناء اسما: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: إذا تعقب الاستثناء اسما، مثل: له هذا الذهب وهذه الدنانير وهذا البر إلا مثقالا، فالمنقول عن مالك والشافعي وأصحابنا: عوده إلى الجميع، وقال أبو حنيفة: يختص بالجملة الأخيرة، وبعضهم يعبر عن هذه بأن الاستثناء تعقب جملا، وهي المسألة الأصولية، ويجعلون الأسماء المفردة داخلة في مسمى الجمل، وهم لا يريدون بالجملة الكلام التام كما هو عند النحاة، وإنما يعنون بها العدد المجتمع، سواء كان أسماء مجتمعة مفيدة، أو أسماء دالة على معان، وفيها لأصحابنا وجهان. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 462]. 1613 - الاستثناء من الإثبات: - قال ابن مفلح: (الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، عندنا وعند الجمهور. وقال الشيخ تقي الدين: الاستثناء من الإثبات نفي، أو في حكم النفي، فإنه إذا قال: له عليَّ عشرة إلا درهمين فإما أن يكون منكرًا للدرهمين، أو ساكتا عن الإقرار بهما، فلا يلزمه بالاتفاق. فأما الاستثناء من النفي في العدد: فقال أبو بكر بن السراج النحوي في «الأصول»: إذا قلت: ماله عندي مائة إلا درهمين، فإن أردت الإقرار بما بعد «إلا» رفعته على البدل، كأنك قلت: ماله عندي إلا درهمان، وإذا نصبت
(2/1223)
فقلت: ما له عندي مائة إلا درهمين، فما أقررت بشيء، لأن «عندي» لم ترفع شيئا حتى يثبت عندك، وكأنك قلت: ماله عندي ثمانية وتسعون، وكذلك إذا قلت: ماله عليَّ عشرة إلا درهما، لم يكن مقرًا بشيء، فإذا قلت: إلا درهم، فأنت مقر بدرهم. قال ابن الرومي في توجيه ذلك في «شرح الأصول»: إن النفي دخل على الإيجاب، فإنه إذا قال: له عندي مائة إلا درهمين، اعترف بثمانية وتسعين، فإذا أدخلت النفي على هذا فكأنك قلت: ماله عندي ثمانية وتسعون، فأتيت بالاستثناء تحكي صورة الإيجاب، إلا أنه استثناء من نفي. قال الشيخ تقي الدين: وعلى هذا فمن نصب في الاستثناء من النفي لا يكون مثبتا للمستثنى، ومن رفع يكون مثبتًا، وكأن الناصب جاء بكلامه النافي ردًّا على من أثبت، والرافع ابتداء، وعلى هذا فيكون قوله تعالى: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: 66] على هذه القراءة في قوة: ما فعله أكثرهم) [النكت على المحرر: 2/ 462 - 463]. 1614 - كل ما صح استثناؤه صح أن يقر به الاستثناء المجهول: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: وقال في «الجواهر» ــ يعني: المالكية ــ: إذا قال: له عندي قريب المائة، أو مائة إلا شيئا، قال سحنون: قال أكثر أصحابنا: يلزمه ثلثا المائة، بقدر ما يرى الحاكم، وقيل: ثلث مائة، وقيل: واحد وخمسون، ليزيد على النصف. وقال في «الجواهر» في موضع آخر: إذا قال: له عليَّ مائة درهم إلا شيئا، يلزمه واحد وتسعون، وإن قال: له عليَّ عشرة آلاف إلا شيئا، يلزمه تسعة آلاف ومائة، وله درهم إلا شيئا يلزمه أربعة أخماس درهم، ولو قال: له
(2/1224)
مائة وشيء، يقتصر على المائة، لأن الشيء لا يمكن رده إلى تقدير، كردِّ الشيء المستثنى فيبطل، لأنه شكٌّ لا مخرج له. قال عبد الملك: والمعتبر في جميع ذلك ما يحسن استعمال الاستثناء فيه، وما شك فيه لا يثبت. انتهى كلامه. وقولنا أولى لما تقدم، والتقدير يتوقف على توقيف ولا توقيف، وتعارض الأقوال المذكورة يدل على فسادها، ولأن الشيء إذا كان له موضوع فلا فرق بين أن يكون مقرا به أو مستثنى، والأولى فيما إذا قال: له مائة وشيء= ما قلنا وهو أنه يلزمه مائة، ويرجع في تفسير الشيء إليه، كما لو انفرد. قال الشيخ تقي الدين: وقال ابن مغيث (1) في «وثائقه»: إذا قال: له عليَّ عشرة إلا شيئًا، أو إلا كثيرا صدق في تفسيره مع يمينه. يعني: لأن الاستثناء يصح في التسعة إلى العشرة، فكل ما صح استثناؤه صح أن يقر به الاستثناء المجهول، وهذا قول الشافعي، وعند أصحابنا: لا يصح تفسيره بأكثر من النصف، وفي النصف وجهان، ويصح تفسيره بما دون النصف، ووافق أبو حنيفة هنا، فقال: إذا قال له عليَّ مائة درهم إلا قليلا، أو إلا بعضها، لا بد أن يزيد الباقي على النصف) [النكت على المحرر: 2/ 464 - 465 (3/ 314 - 315)]. 1615 - الاستثناء من غير الجنس: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «لا يصح الاستثناء من غير الجنس». _________ (1) في ط 1: (معتب) , والتصويب من ط 2. (2) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر» الأولى.
(2/1225)
قال الخلال: باب الرجل يقر للرجل بدنانير، ثم يستثني منها غيرها. ذكر هذا بعد باب: له عليَّ مائة دينار، ولي عليه دينار، أنه مقر مدع. قال ابن منصور: قلت لأحمد: قال سفيان: وإذا قال: لك عندي مائة دينار إلا فرسا إلا ثوبا= هذا محال، يؤخذ بالمائة. قال الإمام أحمد: كما قال. وذكر الشيخ تقي الدين: أن مراد الخلال بالباب قبله تشبيه الاستثناء من غير الجنس يدعى، تقديره: لكن لي عليه فرس أو قيمة فرس. وذكر أيضا: أن رواية ابن منصور ليس فيها تصريح بخلاف مذهب أبي حنيفة، بل موافقة لفتيا سفيان. انتهى كلامه. وذكر الشيخ تقي الدين: أنهم ساعدوا أنه لا يصح في البيع، وبهذا قال زفر وبعض المالكية وبعض الشافعية. وقال مالك والشافعي: يجوز الاستثناء من غير الجنس مطلقا، لوروده، ونحن نمنع ذلك، ثم نحمله على المجاز دفعا للاشتراك. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إن استثنى ما يثبت في الذمة صحَّ وإن كان من غير الجنس، وإن استثنى ما لا يثبت في الذمة ــ كالثوب والعبد ونحوه ــ لم يصح الاستثناء. وفسَّر أصحابنا ما يثبت في الذمة بالمكيل والموزون. وقال: قالوه فيما يتقارب من المكيل والموزون كالجوز والبيض) [النكت على المحرر: 2/ 466 - 467 (3/ 316 - 317)].
(2/1226)
1616 - السكوت قبل الاستنثاء: 1617 - وصلة الكلام المغيرة له: - قال ابن مفلح: (تقدم الاستثناء في الطلاق، ويعتبر أن لا يسكت ما يمكنه الكلام، وفي «الواضح» رواية: يصح ولو أمكنه، وظاهر «المستوعب» أنه كاستثناء في يمين، وذكره شيخنا، وأن مثله كل صلة كلام مغيرة له، واختار أن المتقارب متواصل) [الفروع 6/ 625 (11/ 433)]. وانظر: ما سبق برقم (1597). 1618 - دعاوى لا تنقض الإقرار: - قال ابن مفلح: (قال شيخنا فيمن أقر بملك ثم ادعى شراءه قبل إقراره: أنه لا يقبل ما يناقض إقراره إلا مع شبهة معتادة. قال: ولو أبانها في مرضه، فأقر وارث شافعي أنها وارثة وأقبضها وأبرأها، مع علمه بالخلاف، لم يكن له دعوى ما يناقضه، ولا يسوغ الحكم له. قال: ولو أقر لبعض ورثته، فادعى بعضهم أو الوصي أنه إقرار بلا استحقاق، وأنه إنشاء، لم يعط المقر له حتى يصدق المقر، وفي يمينه الخلاف. قال: لو أقر بدين (1)، فقيل للمقر له: هل سلمته إليه؟ قال: لا، بل إلى وكيله فلان، فقال المقر له: لم أتسلمه، لم يبطل إقراره، ويحلف المقر له) [الفروع 6/ 633 (11/ 445 - 446)]. _________ (1) (بدين) ليست في ط 1، وأثبتت من ط 2.
(2/1227)
باب الإقرار بالمجمل
1619 - إذا قال: له علي مائة درهم إلا دينارا: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا قال: له عليَّ مائة درهم إلا دينارا وصحَّحناه، رجع في تفسير قيمة الدينار إليه عند أبي الخطاب. وقال غيره: يرجع إلى سعر الدينار بالبلد إن كان، وإلا فإلى التفسير». ووجه الأول ــ وعليه اقتصر في «المستوعب» و «الخلاصة» وقدمه في «الرعاية» ــ: أن الدينار مجهول، فرجع إليه في قيمته؛ لأنه أعلم بمراده كغيره من المجهول. فعلى هذا إن فسره بأكثر من النصف لم يقبل، وإن فسره بدونه قبل، وفي النصف وجهان، هذا معنى ما ذكره أصحاب هذا الوجه. ووجه الثاني: أن الدينار إذا كان له سعر فإنه معلوم، والظاهر إرادته، فيرجع إليه، فإن لم يكن فإلى تفسيره. قال الشيخ تقي الدين: بالأول قالت المالكية والشافعية، قالوا: يقال له: اذكر قيمة العبد والثوب المستثنى، ويكون مقرا بما يقر، فإن استغرقت قيمته الألف لزمه الألف، كاستثناء الألف من الألف، وإلا صح. قالت الشافعية: وينبغي أن تكون القيمة مناسبة للثوب، لئلا يعد نادما. قالوا: وهذا إذا استثنى مجهولا من معلوم، فإن قيمة الثوب مجهولة، والألف معلومة، وعكسه: له الألف إلا درهمان، فيفسر الألف ويعود _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر» الأولى.
(2/1228)
الحكم إما إلى الاستغراق فلا يقبل، أو إلى عدم الاستغراق فيقبل، وإن استثنى مجهولا من مجهول نحو: له مائة إلا عشرة، أو إلا ثوبا، فعلى ما تقدم قال بعض المالكية: ولا ينبغي أن ينازعهم أصحابنا في هذا، لأنه مقتضى القواعد. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 468 - 469]. 1620 - إذا قال: له علي شيء، وأبى أن يفسره: - قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: إذا أصر في الحبس على الامتناع، فعلى المذهب أنه يضرب حتى يقر. قال أصحابنا ــ القاضي في كتابه «المجرد» و «الجامع»، وابن عقيل، وغيرهما ــ فيمن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة: أنه يجبر حتى يختار منهن أربعا، قالوا: فإن لم يختر بعد الإجبار حبسه الحاكم، ويكون الحبس ضربا من التعزير، فإن لم يختر ضربه وعزره، يفعل ذلك ثانيا وثالثًا حتى يختار؛ لأن هذا هو حق قد تعين عليه، ولا يقوم غيره مقامه، فوجب حبسه وتعزيره حتى يفعله. وأيضاً لم يذكروا الضرب إلا بعد الحبس، وهل يجوز ضربه ابتداء؟ يتوجه فيه ما ذكروه في الناشز: هل تضرب من أول مرة؟ على وجهين. وهكذا إذا كان على رجل دين، وله مال ناضٌّ لا يعرف مكانه، وامتنع من قضاء دينه، فإن الحاكم يحبسه ويضربه، ويأمر بقضاء الدين، لأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك، وكذلك مذهب الشافعي منصوصا، وكذلك مذهب مالك فيما يغلب على ظني، وهو قياس قول أبي بكر. ولم يزد، ومراده أبو حنيفة.
(2/1229)
قال: قد أباح أصحابنا ضربه ثلاث مرات، وسكتوا عما بعد الثالثة، وقد نصَّ الإمام أحمد على نظيره في المصرِّ على شتم الصحابة - رضي الله عنهم -، والأصل فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَيُّ الواحد يحلُّ ضربه وعقوبته». وأيضا فحديث ابن عمر في «صحيح البخاري» لما صالح يهود خيبر على إزالة الصفراء والحمراء، فكتم بعضهم مال حيي بن أخطب، وزعم أن النفقات أذهبته، فقال للزبير: «دونك هذا فعاقبه حتى يحضر المال». فعاقبه حتى أحضر المال، ولم يقر بأن المال في يده، لكن علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المال في يده، وأنَّه كاذب في دعوى خروجه. وأيضا فإن الله تعالى أباح للزوج ضرب امرأته إذا نشزت فامتنعت عن أداء حقِّه الواجب من تمكينه من الوطء، فعلى قياسه كل من امتنع من أداء حق واجب، ثم هل يباح ضربها بأول مرة، أو بعد الثلاث؟ على وجهين. وأيضا فإن التعزير مشروع في حبس المعصية التي لا حد فيها، والمعاصي نوعان: ترك واجبات، وفعل محرمات. هذا إذا كان التعزير لما مضى، وأما إذا كان لما مضى من المعصية وليرجع إلى الطاعة بأداء الواجب والكف عن المحرم= أولى وأحرى، وجميع العقوبات لا تخرج عن هذا. فمن الأول: قتل القاتل، ومن الثاني: قتل المرتد ودفع الصائل، وقد يجتمعان فيصير ثلاثة أقسام، ولهذا من لا يقتل بالامتناع من الواجبات الشرعية فإنه يضرب وفاقا، سواء كانت حقا لله تعالى أو لآدمي، فتارك الصوم والحج إذا لم نقتله نحن كتارك الصلاة عند من لا يقتله ــ وهم
(2/1230)
الحنفية ــ إذا تقررت قاعدة المذهب أن كل حق تعين على إنسان لا يقوم غيره فيه مقامه= فإنه يوجب حبسه وتعزيره حتى يفعله، فالممتنع من تفسير إقراره نوع من ذلك، فإن تفسير الإقرار حق واجب عليه لإثباته فيه، فوجب ضربه عليه حتى يفعله. وذكر الشيخ تقي الدين في موضع آخر: أنه إن أصر على الترك عوقب بالضرب حتى يؤدي الواجب، وقد نص على ذلك الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم، ولا أعلم فيه خلافا. انتهى كلامه. وهذا ظاهر كلام الشافعي في «الأم» عند ذكره مسألة المرتد. وقد ذكر الشيخ موفق الدين وغيره: أنه إذا حل الدين وامتنع الراهن من الوفاء أن الحاكم يفعل ما يرى من حبسه أو تعزيره، ليبيعه، أو يبيعه الحاكم بنفسه أو نائبه. وذكر في «المستوعب» و «المغني» وغيرهما: أن من أسلم وتحته أكثر من أربع يجب عليه اختيار أربع، فإن أبى أجبر بالحبس والتعزير إلى أن يختار. قال في «المغني»: إن هذا حق عليه يمكن إيفاؤه وهو ممتنع منه، فأجبر عليه كإيفاء الدين. وهذا يوافق ما ذكره الشيخ تقي الدين في كل ممتنع من واجب عليه، وأن له أن يعزره بالضرب ابتداءً، وأنه لا يقيد بثلاثة. ثم قال الشيخ تقي الدين: إذا ثبت تعزير الممتنع من تفسير إقراره فإنما المأخوذ به أنه وجب بإقراره حق مجهول، ولا يعلم قدره إلا من جهته، فعزره على بيان ما يعلمه من حق الغير، ولا تأثير لكون أصل الحق عرف
(2/1231)
بإقراره. ولهذا قلنا: إن وارثه يؤخذ بالتفسير، وإنما وقع تردد على الرواية الأخرى، لأن الوارث قد لا يعلم ما وجب على الميت، ولهذا فرق الجد بين أن ينكر الوارث عليه أو لا ينكر، فأما مع علم من عليه الحق فلا. فعلى قياس هذا: كل من امتنع من إظهار حق عليه يجب إظهاره ولا يعلم من غيره، كما لو قامت البينة بأنه انتهب من هذا شيئا ولم يعلموا قدره أو نوعه، أو بأنه سرق من دار هذا كارة لا يعلمون ما فيها، أو بأنه غل كيسا من أمانته لا يعلمون ما فيه، ونحو ذلك مما يشهد فيه على المحارب والسارق والغال والخائن بحق عاينوه ولا يعلمون قدره، إذ لا فرق بين ثبوت ذلك بإقراره أو ببينة، وكذلك لو شهدت البينة أيضا بأنا رأيناه اقترض منه مالا، أو ابتاع منه سلعة وقبضها ولا نعلم قدر المقترض، أو قدر الثمن، أو علماه ونسياه. فإن قيل: قد يجوز أن يكون هو نسي ذلك الحق، أو نسي قدره ابتداء. قيل: وكذلك إذا أقر بمجهول قد يكون نسيه أو جهل قدره ابتداء. ولو امتنع، فهل يحكم للمدعي مع يمينه لكون امتناعه لوثا؟ هذا مذكور في غير هذا الموضع، وهي متعلقة بمسألة النكول والرد. ولو أقر بالقبض المحرم أو غير المحرم ــ كالغصب وسائر أنواعه من النهب والسرقة والخيانة ــ وامتنع من تعيين محله، فإنه يضرب كما تقدم في ضرب من عليه دين وله مال ناض لا يعرف مكانه، يضرب ليبينه، فإنه بيان الواجب كما أن أصل تفسير الحق بيان واجب، ولهذا ضرب الزبير بأمر
(2/1232)
النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنا لعم حيى بن أخطب حتى يعين موضع المال، ولو كان المال بيد وكيله أو غيره وامتنع من تبيين محله لعزر بالحبس والضرب حتى يبينه كالمالك، لأنه حق تعين عليه، فلو علم بالمال من ليس بولي ولا وكيل بأن يقر بعض الناس بأني أعرف من المال عنده أو تقوم البينة بأن فلانا كان حاضرا إقباض المال ونحو ذلك، فإن هذا يجب عليه بيان موضع المال، لأن ذلك المال فيه حق للطالب، إما أن يكون مستحقا للاستيفاء منه، ولقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، ولا يمكن إيصاله إليه إلا ببيان هذا ودلالته، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فهو كالشاهد الذي يجب عليه أداء الشهادة، ولأن إعانة المسلم على حقن دمه وماله واجب، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه»، وقال عليه الصلاة والسلام: «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما»، ونصر الظالم دفعه، وفي الدلالة نصر الاثنين، ولأن هذا بذل منفعة لا ضرر فيها في حفظ مال المسلم، وهذا من أوجب الأشياء كالقضاء والشهادة، لا سيما على أصلنا في إيجاب بذل المنافع مجانا ــ على أحد الوجهين ــ، وكما يجب للجار منفعة الجدار، ومنفعة إمرار الماء ــ على إحدى الروايتين ــ. بل قد نوجب دفع الغير عن دمه وماله إذا رأى نفسه أو ماله يتلف وهو قادر على تخليصه، وقد أوجب القاضي وأبو الخطاب ضمان النفس على من قدر على تخليصها من هلكة فلم يفعل، كما يضمن من لم يؤد الواجب من إطعامها وسقيها، وفرق بعض الأصحاب بأن سبب الهلاك هناك فعل الغير، وهنا منع الطعام، وأما تضمين من ترك تخليص المال ففيه نظر. وأيضا فإن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن
(2/1233)
خروج الحقوق عن أصحابها منكر، وإزالة المنكر واجبة بحسب الطاقة، فكيف إذا كان يزول بمجرد البيان والدلالة، وإذا كان البيان والدلالة واجبا عوقب على تركه بالحبس والضرب، وكذلك لو كان يعلم موضع من عليه حق لله أو لآدمي وهو يريد استيفاءه من غير ظلم، فإن الدلالة على النفوس الظالمة للمظلوم كالدلالة على المال لصاحبه، فأما من آوى محدثا وكتمه فإن هذا يعاقب بالضرب والحبس بمنزلة كاتم المال وأولى، فإن كتمان النفس ككتمان المال، والدلالة عليها من غير الكاتم كالدلالة على المال. وهذا كله إذا ظهر معرفة المسؤول عن النفس المستحقة والمال المستحق، إما بإقراره وإما ببينة، فأما إذا اتهم بذلك فهنا يحبس كما يحبس في التهمة بنفس الحق، وأما ضربه فهو كالمتهم. وأصل هذا أن الحق كما يكون عينا من الأموال فقد يكون منفعة على البدن، كالمنافع المستحقة بعقد الإجارة، والحقوق الواجبة عينا أو منفعة إما أن تجب بالشرط، وإما أن تجب بالشرع، فكما أنا نعاقب من امتنع عن النفقة الواجبة شرعا، كذلك نعاقب من امتنع عن المنفعة الواجبة شرعا، ومن أعظم المنافع بيان الحقوق ومواضعها من النفوس والأموال. والممتنع عن البيان ممتنع عن منفعة واجبة عليه شرعا، متعينة عليه، فيعاقب عليها ولو لم تتعين عليه بأن كان العالمون عددًا، فهنا إذا امتنعوا كلهم عوقبوا أو بعضهم لكن عقوبة بعضهم ابتداءً عند امتناعه يخرج على البيان، هل هو واجب على الكفاية أو الأعيان كالشهادة؟ والمنصوص أنه واجب بالشرع على الأعيان، وكما يعاقب الرجل على شهادة الزور يعاقب على كتمان الشهادة. انتهى كلامه.
(2/1234)
وهو حسن واضح، لم أجد في المذهب ما يخالفه صريحا) [النكت على المحرر: 2/ 470 - 475]. 1621 - إذا قال: له على شيء، وفسره بحق شفعة، أو أقل مال: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «فإن فسره بحق شفعة أو أقل مال قبل». لأنه صحيح، لإطلاق «شيء» عليه حقيقة وعرفا، فقبل، كتفسيره بمال كثير. وقال الشيخ تقي الدين: في الشفعة نظر، فإنها ليست مالا، بدليل أنها لا تورث ولا يصالح عليها بمال، فهي كحد القذف. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 475]. 1622 - مسألة: - قال ابن مفلح: (قوله (2): «وعنه: إن صدق الوارث مورثه في إقراره أخذ به، وإلا فلا». قال الشيخ تقي الدين: قد يصدقه في أصل الإقرار وينكر العلم. وقد تقدم في الفصل الطويل تعليل الشيخ تقي الدين لهذه الرواية، لأن الوارث قد لا يعلم ما وجب على الميت، وعللها ابن عبد القوي بأن المقر له لم يدع عليهم، ولا يخفى ضعف ذلك) [النكت على المحرر: 2/ 476 - 477]. 1623 - إن قال: له علي مال، أو: مال عظيم، أو جليل، أو جيد: - قال ابن مفلح: (وإن قال: له علي مال، قبل تفسيره بأقل متمول، والأشبه: وبأم ولد، وكذا: له علي مال عظيم، أو كثير، أو خطير، أو جليل، _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر» الأولى. (2) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر» الأولى.
(2/1235)
ونحوه، ويحتمل أن يزيد شيئا، أو يبين وجه الكثرة، ويتوجه: العرف، وإن لم ينضبط، كيسير اللقطة والدم الفاحش، قال شيخنا: عرف المتكلم، فيحمل مطلق كلامه على أقل محتملاته) [الفروع 6/ 636 (11/ 450 - 451)] (1). - وقال أيضا: (قوله (2): «وإذا قال: له عليَّ مال عظيم أو خطير أو جليل، فهو كقوله: مال، يقبل تفسيره بأقل متمول». وبهذا قال الشافعي وبعض المالكية، لأنه لا حد لذلك في شرع ولا لغة ولا عرف، والناس يختلفون في ذلك، لأنه ما من مال إلا وهو عظيم بالنسبة إلى ما دونه. ويحتمل أنه إن أراد عظمه عنده لقلة ماله أو خسة نفسه قبل تفسيره بالقليل، وإلا فلا. وهذا ــ والله أعلم ــ معنى قول ابن عبد القوي: ولو قيل: يعتبر بالنسبة إليه في نفسه لم يبعد. قال في «الرعاية»: ويحتمل أن يلزمه ذكر وجه العظم، أو يزيد على أقل ما يتمول شيئا لتظهر فائدته. وقال الشيخ تقي الدين: يتوجه أن يرجع في هذا إلى العرف في حق القائل، فإن هذا يختلف باختلاف القائلين، وكذلك في الأيمان والنذور، وليس لهذا اللفظ حد في اللغة ولا في الشرع، فيرجع فيه إلى العرف، فإذا ما يجوز أن يسمى عظيما في عرفه قبل منه، وإلا فلا، ومعلوم أن المالك ونحوه _________ (1) «منهاج السنة» (4/ 83 - 84). (2) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر» الأولى.
(2/1236)
لو قال: له عندي مال عظيم ــ لعله سقط من لفظه «أو كثير» ــ وأحضر مائتي درهم كان خلاف عرفه، انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 478 - 479]. - وقال أيضاً: (قال الشيخ تقي الدين: وسلم أصحابنا أنه لو قال: مال جيد، أنه يعد معنى زائدا على مسمى المال. قال القاضي: لأن الجودة تدل على مقدار، ولهذا تستعمل في عقد السلم ليصير المسلم فيه معلوما. انتهى كلامه. وفي هذا التسليم نظر، والأولى التسوية، والله أعلم) [النكت على المحرر: 2/ 479]. 1624 - إذا قال: له علي كذا كذا درهما: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «أو كذا كذا درهما لزمه درهم». كأنه قال شيء، شيء، و «درهما» تمييز لبيان الشيء المبهم. قال أبو الخطاب وغيره: تكراره يقتضي التأكيد، فإذا فسَّره بدرهم فقد فسَّره بما يحتمله فيقبل، وكذا مذهب الشافعي هنا وفي التي قبلها. وقال أبو حنيفة: يلزمه أحد عشر، لأن ذلك أقل مميز منصوب مفرد، كمميز متكرر بغير عطف، وهذا متوجه. وذكر الشيخ تقي الدين: أنه أقرب إن شاء الله تعالى. قال: فإن أصحابنا بنوه على أن كذا كذا تأكيدا، وهو خلاف الظاهر المعروف، وأن الدراهم مثل الترجمة لهما، وهذا يقتضي الرفع لا النصب، _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر».
(2/1237)
ثم هو خلاف لغة العرب) [النكت على المحرر: 2/ 480]. 1625 - إذا قال: كذا وكذا درهما، أو: درهم: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وقيل: درهم مع الرفع، ودرهمان مع النصب». لما تقدم، ولأنه إذا نصب فهو تمييز لكل واحد، فيلزم التعدد، والذي نصره القاضي وأبو الخطاب والشريف وغيرهم قول ابن حامد، وقال أبو حنيفة في «كذا وكذا درهما»: يلزمه أحد وعشرون، لما تقدم، وهو متوجه، وكلام الشيخ تقي الدين يقتضي أنه اختياره، وعن الشافعي كقول ابن حامد والتميمي مع النصب. قوله (2): «وإن قال ذلك كله بالخفض قبل تفسيره بدون الدرهم». وكذا قطع به في «الكافي» وغيره، تقديره: بعض درهم، لاحتمال لفظه ذلك، وهو قول الشافعي، وقال القاضي في «المجرد»: يلزمه درهم، نقله بعضهم في: «كذا كذا درهم»، ولا يحضرني له وجه، وقيل: يلزمه درهم وبعض آخر مع التكرار بالواو، وقال أبو حنيفة: يلزمه درهم، لأنها أقل عدد المفسر بواحد مخفوض، وإن شئت قلت: لأنها أقل عدد يضاف إلى الواحد، وهذا متوجه، وهو مقتضى ما اختاره الشيخ تقي الدين في المسائل قبلها) [النكت على المحرر: 2/ 481]. _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر»، وتمام كلامه: (وإذا قال: كذا وكذا درهما، أو درهم بالرفع، لزمه درهم عند ابن حامد، ودرهما عند التيمي، وقيل: درهم وبعض آخر، وقيل: درهم مع الرفع ... الخ). (2) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر».
(2/1238)
1626 - إذا قال: له علي ألف ودرهم، أو: ألف ودينار، أو: ألف وثوب، ونحو ذلك: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا قال: له عليَّ ألف ودرهم، أو ألف ودينار، أو ألف وثوب، أو له دينار وألف، أو ألف وخمسون درهما، أو ألف وخمسمائة دينار». فالألف من جنس ما ذكر معه، نصره القاضي وأصحابه في كتب الخلاف، ونصره في «المغني»، وقطع به ابن هبيرة عن أحمد في العطف، لأن العرب تكتفي بتفسير أحد الشيئين عن الآخر، قال الله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: 25]، وقال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17]. قال أبو الخطاب وغيره: لأن حرف العطف يقتضي التساوي بين الشيئين، كما تقتضي البينة ذلك في ظاهر الكلام، فوجب حمله عليه، ولأن المفسر يفسر جميع ما قبله، كقوله تعالى: {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ} [ص: 23]، وقال: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف: 4]، مع مفسر لم يقم دليل على أنه من غير جنسه، فكان المبهم جنس المفسر. قال الأصحاب: كما لو قال: مائة وخمسون درهما، ولعل مرادهم الحجة على قول التميمي، لأن هذا الأصل متفق عليه، ولهذا قال في «المغني»: فإن قال: له عليَّ تسعة وتسعون درهما، فالجميع دراهم، لا أعلم _________ (1) أي: صاحب «المحرر»، وهذه الجملة سقطت من مطبوعة متن «المحرر».
(2/1239)
فيه خلافا، وإن قال: مائة وخمسون درهما فكذلك، وخرج بعض أصحابنا وجها: أنه لا يكون تفسيًرا إلا لما يليه، وهو قول بعض الشافعية، وكذلك إن قال: ألف وثلاثة دراهم، أو خمسون وألف درهم، أو ألف ومائة درهم، أو مائة وألف درهم، والصحيح ما ذكرنا. انتهى كلامه. وذكر في «الكافي» هذا الأصل مع حكايته احتمالا في ألف وخمسين درهما، أو ألف وثلاثة دراهم، ومراده ــ والله أعلم ــ ما تقدم. وقال الشيخ تقي الدين ــ بعد ذكر كلامه في «الكافي» ــ: كأنه فرق بين العدد الذي يلي المعطوف عليه، وبين الذي لا يليه. . . . . قوله (1): «وقال التميمي: يرجع إلى تفسيره مع العطف دون التمييز والإضافة». لما تقدم، والفرق ما ذكره أبو الخطاب وغير واحد: أن الدرهم هنا ذكر تفسيرا، ولهذا لا تجب به زيادة على الألف، وقال أبو حنيفة: إن عطف عليه ما يثبت في الذمة كان من جنسه وإلا فلا. وقال مالك والشافعي كقول التميمي في المعطوف، وأما في المميز والمضاف فالإصطخري وابن خيران كالوجه الثاني، وخالفهما غيرهما. قال الشيخ تقي الدين: بخلاف قوله: «ألف وكر حنطة»، فإن القاضي كأنه نفى الخلاف فيه عن جميعهم، فالتميمي قد يقول هنا. وقال أيضا: قد يتوجه أن المقر إذا مات ولم يظهر شيئا جعل الجميع جنسا واحدا، وإن ادعى أن الألف من غير جنس ما معه قبل منه مع يمينه، _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1240)
لأنه إذا لم يدع خلاف ذلك فالظاهر أنه لم يفتقر إليهما إلا وهما جنس واحد، بخلاف ما إذا فسره بعد ذلك. انتهى كلامه، وهو خلاف كلام الأصحاب) [النكت على المحرر: 2/ 482 - 484]. 1627 - إذا قال: له علي من درهم إلى عشرة: - قال ابن مفلح: (وإن قال: له علي من درهم إلى عشرة، لزمه تسعة، وقيل: ثمانية، جزم به ابن شهاب، قال: لأن معناه ما بعد الواحد، قال الأزجي: كالبيع، وكما بين درهم وعشرة، وعنه: عشرة، وكذا ما بين درهم إلى عشرة، ويتوجه هنا: ثمانية، وإن أراد مجموع الأعداد فخمسة وخمسون، لزيادة أول العدد وهو واحد على العشرة، وضربها في نصف العشرة. وقال شيخنا: في الصورة الأولى على القول الثاني (1): أحد عشر) [الفروع 6/ 640 (11/ 455)]. - وقال أيضا: (قوله (2): «وإن قال: له عليَّ ما بين درهم إلى عشرة، لزمه تسعة، وقيل: عشرة، وقيل: ثمانية». أما المسألة الأولى: فوجه الخلاف فيها أنها في معنى المسألة الثانية عرفا، فتعطى حكمها. والأولى أن يقال فيها ما قطع به في «الكافي»، وهو ثمانية، لأنه المفهوم من هذا اللفظ، وليس هنا ابتداء غاية، وانتهاء الغاية فرع على ثبوت ابتدائها، فكأنه قال: ما بين كذا وبين كذا، ولو كانت «إلى» هنا لانتهاء الغاية _________ (1) في ط 1: (الثالث)، والمثبت من ط 2. (2) أي: صاحب «المحرر».
(2/1241)
فما بعدها لا يدخل فيما قبلها على المذهب، قال أبو الخطاب: وهو الأشبه عندي، وهو قول زفر وبعض الشافعية. والذي نصره القاضي وغيره أنه يلزمه تسعة، وهو قول أبي حنيفة، وقال محمد بن الحسن: يلزمه عشرة، قال القاضي وغيره: والقولان جميعا يقتضي أن يكونا مذهبا لنا، لأنه قد نص فيمن حلف: لا كلمتك إلى العيد، هل يدخل يوم العيد في يمينه، أم يكون بدؤه؟ على روايتين. وأما المسألة الثانية: فوجه القول الأول فيها، وهو الراجح في المذهب، وذكر بعضهم أنه المذهب أن «من» لابتداء الغاية، وهو عدد، والعدد لا بدَّ له من أول يبنى عليه، وإلا لم يصح، و «إلى» لانتهاء الغاية، وما بعدها لا يدخل فيما قبلها في أكثر الاستعمال، ولو كان دخولا مكتملا، فالأصل عدم الزائد، فلا يثبت مع الشك. ووجه الثاني: أنه أحد الطرفين، فدخل كالآخر، ولهذا يقال: قرأت القرآن من أوله إلى آخره، وذكر الشيخ تقي الدين: أن قياس هذا الوجه أحد عشر، لأنه واحد وعشرة، والعطف يقتضي التغاير. ووجه الثالث: أنهما حدان، فلا يدخل ما بينهما، كقوله: ما بين درهم وعشرة. وقال الشيخ تقي الدين: الذي ينبغي في هذه المسائل أن يجمع ما بين الطرفين من الأعداد، فإذا قال: من واحد إلى عشرة، لزمه خمسة وخمسون إن أدخلنا الطرفين، وخمسة وأربعون إن أدخلنا المبتدأ فقط، وأربعة وأربعون إن أخرجناهما.
(2/1242)
وقوله: «ما بين درهم إلى عشرة» ليس بعرفي. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 487 - 489]. 1628 - إذا قال: له ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط: - قال ابن مفلح: (لو قال: له ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط، فكلامهم يقتضي أنها على الخلاف في التي قبلها، وذكر القاضي أن الحائطين لا يدخلان في الإقرار، وجعله محل وفاق في حجة زُفر، وفرَّق بأن العدد لا بد له من ابتداءٍ يُبنى عليه، وذكر الشيخ تقي الدين كلام القاضي ولم يزد) [النكت على المحرر: 2/ 489]. 1629 - إذا قال: له ما بين عشرة إلى عشرين: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «فإن قال: ما بين عشرة إلى عشرين، أو من عشرة إلى عشرين، لزمه تسعة عشر على الأول، وعشرون على الثاني، وقياس الثالث: تسعة». هذا تقرير واضح على الأوجه الثلاثة، وذكر الشيخ تقي الدين أن قياس الثاني ثلاثون، وهذا منه بناء على أنه يلزمه في التي قبلها أحد عشر) [النكت على المحرر: 2/ 489]. 1630 - إذا قال: له علي ما بين كر شعير إلى كر حنطة: - قال ابن مفلح: (فإن قال: له علي ما بين كر شعير إلى كر حنطة لزمه كر شعير وكر حنطة، إلا قفيز حنطة على قياس المسألة قبلها، ذكره القاضي وأصحابه، وكذا صاحب «المستوعب» قال: فإن قلنا: يلزمه تسعة فهو قول _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1243)
أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يلزمه كر شعير وكر حنطة، وقدمه في «الرعاية الكبرى». قال الشيخ تقي الدين: هو قياس الثاني في الأول، وكذلك هو عند القاضي. ثم قال: هذا اللفظ ليس بمعهود، فإن قال: له عليَّ ما بين كر حنطة وكر شعير، فالواجب تفاوت ما بين قيمتهما، وهو قياس الوجه الثالث، اختيار أبي محمد. انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 489 - 490]. 1631 - إذا قال: له علي درهم فوق درهم: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا قال: له عليَّ درهم فوق درهم، أو تحت درهم، أو مع درهم، أو فوقه أو تحته درهم، أو مع درهم». قطع به غير واحد، لأن اللفظ في هذه الصورة يجري مجرى العطف، لاقتضائه ضمَّ درهم آخر إلى المقر به، فلزماه، كالعطف، والسياق واحد، وهو في الإقرار، فلا يقبل احتمال يخالفه، لأنه خلاف الظاهر. وقيل: يلزمه درهم، وهو قول القاضي، لاحتمال إرادته فوق درهم في الجودة، وكذا في باقي الصور، فلا يجب الزائد مع الشك في دخوله في إقراره. وللشافعي كالوجهين، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا قال: فوق درهم، لزمه درهمان، وإن قال: تحت درهم، لزمه درهم، لأن «فوق» تقتضي الزيادة بخلاف «تحت». _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1244)
قال الشيخ تقي الدين: بناء على أصله في الظروف، أو لأن الفوق الزيادة، بخلاف تحت. ثم قال: هذا في الظاهر قياس مسألة الظروف، لكن فرق القاضي أن المقر به معين، وهنا ادعاه أنه مطلق، وقطع في «الكافي» وغيره أنه يلزمه في «مع» درهمان، وحكى الوجهين في «فوق» و «تحت»، وفيه نظر) [النكت على المحرر: 2/ 490]. 1632 - إذا قال: له علي درهم بل درهمان، أو درهمان بل درهم: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «أو درهم بل درهمان، أو درهمان بل درهم، لزمه درهمان». أما المسألة الأولى: فقطع به أكثرهم، لأنه إنما نفى الاقتصار على واحد وأثبت الزيادة عليه، فأشبه: درهم بل أكثر، فإنه لا يلزمه أكثر من اثنين، وهذا قول الشافعي وغيره. وذكر في «الرعاية» قولا أنه يجب ثلاثة. وقال ابن عبد القوي: وهو مقتضى: درهم بل درهم، وهو قول زُفَر وداود. وفي كلام الأصحاب إشارة إلى الفرق بين هذه المسألة و: درهم بل درهم، أن هذا عطف على وجه الخبر والاستدراك، وذاك بخلافه، فليتأمل. وأما المسألة الثانية: فلم أجد فيها خلافا، ووجهه أنه أقر بشيء وإضرابه عن بعضه رجوع عن حق الغير، فلا يقبل. _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1245)
وفَرَّق في «المغني» بين هذه المسألة والاستثناء: أن الاستثناء لا ينفي شيئًا أقرَّ به، وإنما هو عبارة عن الباقي بعد الاستثناء، فإذا قال: عشرة إلا درهما، كان معناه: تسعة، بخلاف الإضراب. وهذا الفرق إنما يتَّجه على قول تكرر في عبارته، وهو أنَّ الاستثناء ليس بإخراج، وأنَّ المستثنى مع المستثنى منه كمفرد، كقول بعضهم، فما على قول في كلامه وكلام غيره، وقد تقدم أنه إخراج، فلا يتجه، ولم أجد فرقا، فيخرج على هذا أنه لا فرق بين الإخراج بإلَّا أو بل. وقال الشيخ تقي الدين: يحتمل أن يقبل منه الإضراب، لأنه دعوى عطف يقع كثيرا، فقبل منه، كدعوى العطف في الإقرار برأس المال في المرابحة، وبالربح في المضاربة. يعني: على رواية، ومقتضى كلامه قبول دعوى العطف مطلقا كالأصلين، والفرق بين الأصلين ــ في رواية ــ وبين الإقرار: أن المقر ليس بأمين للمقر له، ولا دخل معه في شيء يقتضي أنه أمين ليقبل قوله عليه، بخلاف الأصلين) [النكت على المحرر: 2/ 492 - 493]. 1633 - إذا قال: له هذا الدرهم، بل هذان الدرهمان: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإن قال: له هذا الدرهم، بل هذان الدرهمان، لزمته الثلاثة، وإن قال: قفيز حنطة، بل قفيز شعير أو درهم، بل دينار، لزماه معًا». قطع به أكثر الأصحاب، وتقدم وجهه في المسألة قبلها، والفرق بين _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1246)
هذه وبين: درهم بل درهم، أو: درهمان، أن الأول يحتمل أن يكون هو الثاني أو بعضه، بخلاف مسألتنا. وتقدم كلام الشيخ تقي الدين، قال بعد كلامه الأول: أسقط ما أقر به، وأثبت أكثر منه بكلام منتظم، فكان أولى بالقبول من قوله: عليَّ ألف قضيتها. انتهى كلامه. ومقتضاه قبول دعواه مع الاتصال فقط، كمسألة الأصل) [النكت على المحرر: 2/ 493]. 1634 - إذا قال: له عندي تمر في جراب، أو سيف في قراب، أو ثوب في منديل، ونحو ذلك، وعكسه: - قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإذا قال: له عندي تمر في جراب، أو سيف في قراب، أو ثوب في منديل، أو جراب فيه تمر، أو قراب فيه سيف، أو منديل فيها ثوب، أو عبد عليه عمامة، أو دابة عليها سرج، فهل هو مقر بالثاني؟ على وجهين». وكذا: درهم في كيس، أو صندوق، أو كيس أو صندوق فيه دراهم، وزيت في زق، وفص في خاتم. أحد الوجهين: لا يكون مقرًا بالثاني، وهو مذهب مالك، لأن إقراره لم يتناول الظرف، ويحتمل أن يكون في ظرف المقر، فلا يلزمه مع الشك. الثاني: يكون مقرًا بالجميع، لأنه ذكره في سياق الإقرار، أشبه المظروف، واختيار الشيخ موفق الدين لزوم العمامة والسرج، لأن يد _________ (1) أي: صاحب «المحرر».
(2/1247)
العبد على عمامته ويده ليد سيده، والظاهر أن سرج الدابة لصاحبها، ولهذا لو تنازع رجلان سرجا على دابة أحدهما كان لصاحبها، فهو كعمامة العبد. ومذهب الشافعي لا يكون مقرًا بالثاني، ويلزمه عمامة العبد لا سرج الدابة، لأنه لا يد للدابة، وحكاه بعض أصحابنا قولًا لنا. وقيل في الكل: خلاف الظرف والمظروف، وهذا غريب. وقيل: إن قدم المظروف فهو مقر به وحده، وإن أخره فهو مقر بظرفه وحده. واختار ابن حامد الوجه الأول، ونصره القاضي، وتبعه أصحابه، ونصبوا الخلاف مع أبي حنيفة، واحتج القاضي بأنه أقر بشيء في محله، فوجب أن يكون إقراراً بالشيء دون المحل، كما لو قال: غصبتك دابة في اصطبل، أو نخلة في بستان. واحتجَّ أبو حنيفة بأن المنديل في الثوب في العادة، فقال القاضي: ليس يتبع الثوب، ألا تراه لو باع الثوب لم تدخل المنديل تبعاً له. واحتجَّ أبو حنيفة بما لو قال: غصبته دابة بسرجها، فإنَّه يلزمه السرج، وكذلك إذا قال: ثوب بلفافة، فقال القاضي: لا نسلم لك هذا، بل يكون إقراراً بالدابة دون السرج. وقال الشيخ تقي الدين: الواجب أن يفرَّق بين ما يتصل أحدهما بالآخر عادة كالقراب في السيف، والخاتم في الفص، فإنه إقرار بهما، وكذلك الزيت في الزق، والتمر في الجراب، فإن ذلك لا يتناول نفس الظرف إلا نوعًا. هذا كلامه) [النكت على المحرر: 2/ 495 - 497].
(2/1248)
1635 - إذا قال: غصبته ثوبا في منديل، أو زيتا في زق: - قال ابن مفلح: (ومن صور الخلاف: إذا قال: غصبته ثوبا في منديل، أو زيتا في زق، ونحو ذلك، ومن العجب حكاية بعض المتأخرين أنهما يلزمانه، وأنه محل وفاق، ودليل ذلك ما تقدم، واختار التفرقة بين المسألتين الشيخ تقي الدين، فإنه قال: فرق بين أن يقول: غصبته أو أخذت منه ثوبا في منديل، أو يقول: له عندي ثوب في منديل، فإن الأول يقتضي أن يكون موصوفا بكونه في المنديل وقت الأخذ، وهذا لا يكون إلا وكلاهما مغصوب، بخلاف قوله: له عندي، فإنه يقتضي أن يكون فيه وقت الإقرار، وهذا لا يوجب كونه له. انتهى كلامه. وهذا المعنى ذكره الشيخ موفق الدين: أنه قول أبي حنيفة) [النكت على المحرر: 2/ 497].
(2/1249)
فهرس المصادر والمراجع 1 - ابن قيم الجوزية حياته وآثره, لبكر أبو زيد, دار العاصمة, الرياض-السعودية. 2 - الاجتماع والافتراق في الحلف بالطلاق, لابن تيمية, ط: 1, 1408, مكتبة المنارة, مكة المكرمة-السعودية. 3 - أحكام أهل الذمة, لابن القيم, ط: 4, 1414, دار العلم للملايين, بيروت-لبنان. 4 - الاختيارات, لابن عبد الهادي, ط: 1, 1424, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة-السعودية. 5 - الاختيارات, للبرهان ابن القيم, ط: 1, 1424, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة-السعودية. 6 - الاختيارات, للبعلي، ط: 1, 1418, دار العاصمة, الرياض - السعودية. 7 - الآداب الشرعية, لابن مفلح, ط: 2, 1417, مؤسسة الرسالة, بيروت-لبنان. 8 - الاستقامة, لابن تيمية, مكتبة ابن تيمية, القاهرة-مصر. 9 - إعلام الموقعين, لابن القيم, دار الحديث, بيروت-لبنان. 10 - إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان, لابن القيم, مكتبة الثقافة الدينية, القاهرة-مصر. 11 - إغاثة اللهفان, لابن القيم, ط: 2, 1409, المكتب الإسلامي, بيروت-لبنان. 12 - اقتضاء الصراط المستقيم, لابن تيمية, ط: 3, 1413, مكتبة الرشد, الرياض-السعودية. 13 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف, للمرداوي, ط: 2، مؤسسة التاريخ العربي, بيروت-لبنان. - طبعة أخرى: ط: 1, 1414, دار هجر للطباعة والنشر-مصر, وزارة الشؤون الإسلامية -السعودية.
(2/1265)
14 - البداية والنهاية, لابن كثير, مكتبة الرياض الحديثة, الرياض-السعودية. 15 - بدائع الفوائد, لابن القيم, ط: 1, 1414, دار الخير, بيروت-لبنان. - طبعة أخرى: ط 1, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة-السعودية. - طبعة أخرى: دار الكتاب العربي, بيروت-لبنان. 16 - بيان الدليل على بطلان التحليل, لابن تيمية, ط: 1, 1418, المكتب الإسلامي, بيروت-لبنان. - طبعة أخرى: ط: 1, 1425, دار ابن الجوزي, الدمام-السعودية. 17 - تاريخ الإسلام للذهبي, ط: 1, 1424, دار الغرب الإسلامي, بيروت-لبنان. - طبعة أخرى: ط: 2, 1410, دار الكتاب العربي, بيروت-لبنان. 18 - التبيان في أقسام القرآن, لابن القيم, ط: 1, 1409, دار إحياء العلوم, بيروت-لبنان. 19 - تحفة المودود في أحكام المولود, لابن القيم, ط: 2, 1419, دار البشائر الإسلامية, بيروت-لبنان. 20 - تصحيح الفروع, للمرداوي, ط: 4, 1404, عالم الكتب, بيروت-لبنان. - طبعة أخرى: ط 1, 1424, مؤسسة الرسالة, بيروت-لبنان. 21 - تفسير آيات أشكلت, لابن تيمية, مكتبة الرشد, الرياض-السعودية. 22 - تفسير القرآن العظيم, لابن كثير, ط: 1, 1418, دار طيبة, الرياض-السعودية. - طبعة أخرى: دار الفكر, بيروت-لبنان. 23 - تقرير القواعد وتحرير الفوائد, لابن رجب, ط: 1, 1419, دار ابن عفان, الخبر-السعودية. - تلخيص الاستغاثة, لابن تيمية = الرد على البكري. 24 - تنقيح التحقيق, لابن عبد الهادي، ط: 1, 1428, دار أضواء السلف, الرياض - السعودية.
(2/1266)
25 - تهذيب السنن, لابن القيم (مع عون المعبود) , دار الكتب العلمية, بيروت-لبنان. 26 - الجامع الصحيح, للبخاري, دار الحديث, القاهرة-مصر. 27 - الجامع الصحيح, لمسلم بن الحجاج, دار الجيل, بيروت-لبنان. 28 - الجامع الكبير للترمذي, ط: 1, 1996, دار الغرب الإسلامي, بيروت-لبنان. 29 - جامع المسائل, لابن تيمية, ط: 1, 1422, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة - السعودية. 30 - الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية, جمع: محمد عزير شمس, وعلي بن محمد العمران, ط: 2, 1422, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة-السعودية. 31 - جبل إلال بعرفات, لبكر أبو زيد, دار العاصمة, الرياض-السعودية. 32 - جلاء العينين في محاكمة الأحمدين للآلوسي, 1401, مطبعة المدني, القاهرة-مصر. 33 - الجوهر المنضد, ليوسف بن عبد الهادي, الخانجي, القاهرة-مصر. 34 - حادي الأرواح, لابن القيم, ط: 3, 1419, مؤسسة الرسالة ناشرون, بيروت-لبنان. 35 - حاشية الروض المربع, لابن قاسم. 36 - حاشية الفروع, لابن قندس (مع الفروع) , ط: 1, 1424, مؤسسة الرسالة, بيروت-لبنان. 37 - حواشي الفروع, لابن نصر الله, مخطوط. 38 - الداء والدواء, لابن القيم, ط: 3, 1419, دار ابن الجوزي, الدمام-السعودية. 39 - درء تعارض العقل والنقل, لابن تيمية, ط: 1, 1399, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, الرياض-السعودية. 40 - ذيل العبر, للحسيني, دار الكتب العلمية, بيروت-لبنان. 41 - ذيل تاريخ الإسلام للذهبي, دار المغني, الرياض-السعودية.
(2/1267)
42 - الذيل على طبقات الحنابلة, لابن رجب, ط: 1, 1425, مكتبة العبيكان, الرياض-السعودية. 43 - الرد على البكري, لابن تيمية, ط: 1, 1417, دار الوطن, الرياض-السعودية. 44 - الرد على المنطقيين, لابن تيمية, ط: 2, 1396, إدارة ترجمان السنة, لاهور-باكستان. 45 - الروح, لابن القيم, ط: 4, 1420, دار ابن كثير, دمشق -سوريا, بيروت-لبنان. 46 - روضة المحبين, لابن القيم, ط: 2, 1407, دار الكتاب العربي, بيروت-لبنان. 47 - زاد المعاد, لابن القيم, ط: 2, 1401, مؤسسة الرسالة, بيروت-لبنان. 48 - السنن لابن ماجه, دار الفكر, بيروت-لبنان. 49 - سير أعلام النبلاء للذهبي, ط: 7, 1410, مؤسسة الرسالة, بيروت-لبنان. 50 - شرح العمدة - كتاب الصيام, لابن تيمية, ط: 1, 1417, دار الأنصاري, مكة المكرمة-السعودية. 51 - شرح العمدة, (كتابا الطهارة والمناسك) , لابن تيمية، ط: 1, 1413, مكتبة العبيكان, الرياض-السعودية. 52 - شفاء العليل, لابن القيم, ط: 1, 1420, مكتبة العبيكان, الرياض-السعودية. 53 - الصارم المسلول, لابن تيمية, ط: 1, 1417, رمادي للنشر, الدمام-السعودية. 54 - الصارم المنكي لابن عبد الهادي, 1404, الرئاسة العامة للإفتاء, الرياض-السعودية. 55 - الصواعق المرسلة, لابن القيم, ط: 2, 1412, دار العاصمة, الرياض-السعودية. 56 - الطب النبوي, للذهبي, دار إحياء العلوم, بيروت-لبنان. 57 - الطرق الحكمية, لابن القيم, ط: 1, 1415, دار الكتب العلمية, بيروت-لبنان. 58 - العبر في خبر من غبر, للذهبي, دار الكتب العلمية, بيروت-لبنان. 59 - عدة الصابرين, لابن القيم, ط: 1, 1420, دار ابن الجوزي, الدمام-السعودية.
(2/1268)
60 - العقود الدرية, لابن عبد الهادي, مكتبة المؤيد, الرياض-السعودية. 61 - علم الجذل في علم الجدل للطوفي, جمعية المستشرقين الألمانية. 62 - فتح الباري شرح صحيح البخاري, لابن رجب, ط: 1, 1417, مكتبة الغرباء الأثرية, المدينة النبوية-السعودية. 63 - الفروسية, لابن القيم, ط: 2, 1417, دار الأندلس، حائل-السعودية. 64 - الفروع, لابن مفلح، ط: 4, 1404, عالم الكتب, بيروت - لبنان. - طبعة أخرى: ط: 1, 1424, مؤسسة الرسالة, بيروت - لبنان. 65 - الفصول في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لابن كثير, ط: 4, 1405, دار ابن كثير, بيروت-لبنان، دمشق-سوريا. 66 - فوائد حديثية, لابن القيم, ط: 1, 1416, دار ابن الجوزي, الدمام-السعودية. 67 - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة, لابن تيمية, مكتبة لينة. 68 - القاموس المحيط, للفيروزبادي, ط: 2, 1407, مؤسسة الرسالة, بيروت-لبنان. 69 - القواعد النورانية الفقهية, لابن تيمية, ط: 1, 1422, دار ابن الجوزي, الدمام-السعودية. 70 - الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية لابن القيم, ط: 1, 1416, دار ابن خزيمة, الرياض-السعودية. 71 - كشاف القناع عن متن الإقناع, للبهوتي, عالم الكتب, بيروت-لبنان. 72 - مجموعة فتاوى ابن تيمية, جمع: ابن قاسم, مكتبة ابن تيمية, القاهرة-مصر. 73 - مختصر الشرح الكبير والإنصاف, لمحمد بن عبد الوهاب, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, الرياض-السعودية. 74 - مختصر الفتاوى المصرية, للبعلي، ط: 2, 1406, دار ابن القيم، الدمام - السعودية. 75 - مدارج السالكين, لابن القيم, ط: 2, 1408, دار الكتب العلمية, بيروت-لبنان. 76 - المسائل, لإسحاق بن منصور, دار الهجرة, الخبر-السعودية.
(2/1269)
77 - المسودة, لآل تيمية, ط: 1, 1422, دار الفضيلة, الرياض-السعودية. 78 - المصباح المنير في شرح غريب الحديث, للفيومي, دار الفكر, بيروت-لبنان. 79 - مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى, ط: 1, 1961 م, المكتب الإسلامي, دمشق-سوريا. 80 - المطلع على أبواب المقنع, المكتب الإسلامي, بيروت-لبنان. 81 - معجم المناهي اللفظية, لبكر أبو زيد, ط: 3, 1416, دار العاصمة, الرياض-السعودية. 82 - مفتاح دار السعادة, لابن القيم, ط: 1, عالم الفوائد, مكة المكرمة-السعودية. - طبعة أخرى: ط: 1, 1416, دار ابن عفان, الخبر-السعودية. 83 - منسك شيخ الإسلام ابن تيمية, ط: 1, 1418, دار عالم الفوائد, مكة المكرمة-السعودية. 84 - منهاج السنة, لابن تيمية, ط: 1, 1406, مؤسسة قرطبة, مصر. 85 - الموطأ, للإمام مالك, برواية يحيى بن يحيى الليثي, 1406, دار إحياء التراث العربي, بيروت-لبنان. 86 - النكت على المحرر, لابن مفلح, ط: 1, 1369, مطبعة السنة المحمدية, مصر. - طبعة أخرى: ط: 1, 1428, مؤسسة الرسالة, بيروت-لبنان. 87 - النهاية في غريب الحديث والأثر, لابن الأثير, أنصار السنة المحمدية, لاهور-باكستان.
(2/1270)