ماذا نتعلم من مدرسة رمضان ؟
ترجمات المادة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن شهر رمضان بما حباه الله – جل وعلا – من الفضائل، وبما شرع فيه من الأعمال والقربات.. يعد مدرسة يحصل منها المؤمن أشرف العلوم.. وينهم منها أجل المعارف.. حتى إذا مر رمضان ومضى.. وانصرم وانقضى بقيت آثاره في المؤمن.. شاهدة على حسن اغتنامه لذلك الشهر الكريم.
فكيف نجعل في رمضان مدرسة تنهم روحنا من فيضه، وأخلاقنا من تعاليمه، وأبداننا من صومه؟
الدروس الروحية من رمضان
الدرس الأول: التقوى: صوم رمضان من أعظم أسباب زكاة النفس والروح، فمن صامه إيمانًا واحتسابًا زكت نفسه وطابت، وتسامت عن الرذائل والمعاصي، فزكاة النفوس وطهارتها واحدة من أعظم مقاصد صوم رمضان, كما قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [البقرة: 183].
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن الناصر السعدي – رحمه الله -: (فذكر الله تعالى للصوم هذه الفائدة العظيمة، المحتوية على فوائد كثيرة وهي قوله: }لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ أي: ليكون الصيام وسيلة لكم إلى حصول التقوى، ولتكونوا بالصيام من المتقين, وذلك أن التقوى اسم جامع لكل ما يحبه الله, ويرضاه من فعل المحبوبات لله ورسوله، وترك ما يكرهه الله ورسوله.
فالصيام هو الطريق الأعظم لحصول هذه الغاية الجليلة التي توصل العبد إلى السعادة والفلاح. فإن الصائم يتقرب إلى الله بترك ما تشتهيه نفسه من طعام وشراب وتوابعها تقديمًا لمحبة الله على محبة النفس)([1]).
وتحصيل هذه الغاية وهي تقوى الله – جل وعلا – هو أول درس، على الصائم أن يعيه جيدًا من مدرسة رمضان، فالصائم المؤمن المحتسب في صومه لا يجعل طموحه وهمته في تحصيل التقوى ممدودًا بأيام رمضان، وإنما مهمته أعلى من ذلك، ونيته أزكى وأخلص من ذلك.. فهو يصوم رمضان بنية تجديد العهد مع الله.. عهد العبودية الخالصة التي تصوم به الجوارح عن الآثام والمخالفات ما بقي في الجسد نفس.
فرمضان للمؤمن الصادق موسم يجدد فيه تقواه لله، يمسح بها أدران الذنوب.. ويجدد فيها العهد ويتوب.. ويعزم عزمًا أكيدًا على المضي في طاعة الله حتى يأتيه اليقين، فهذا هو المؤمن الذي وعى من رمضان غايته، وفقه من مدرسته درسه، فلم يجعل خوفه من الله مقتصرًا على شهر؛ بل امتد به خوفه أبد الدهر.
الدرس الثاني: قيام الليل: تراه حريصًا على القيام وصلاة التراويح في رمضان.. فإذا انقضى رمضان لم يغفل مع الغافلين.. وإنما بقي على حاله يحيي ليله – أو ما شاء الله منه – في الصلاة والذكر والاستغفار.. لأنه لما قام رمضان إيمانًا واحتسابًا تذوق حلاوة القيام.. وخرج منه بأطيب نفس.. وأشرح صدر.. فلم يكن ليزهد في خيره بعد ما تذوق حلاوته.. ولم يكن ليتركه وهو يعلم أن فيه شرفه وعنده تقضي حاجته.. ويجاب سؤاله.. ويستغفر ذنبه.
فقيام رمضان.. علمه الحرص على القيام بعد رمضان.. فالقيام في رمضان وفي غيره شرف المؤمن وكفران لذنوبه، وسبب لنيل الدرجات العلا والمقام المحمود, كما قال تعالى: }وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا{ [الإسراء: 79].
الدرس الثالث: تدبر القرآن: ومن قراءة القرآن في رمضان يأخذ الصائم الصادق دروسًا بليغة تهديه إلى الحق، وتدله على أبواب الخير، وتزيد من إيمانه بالله جل وعلا، فإذا تذوق من تلاوة كتاب الله تلك الثمرات أحب التلاوة، وجعلها وردًا لا يخل به بعد رمضان؛ لأنه أدرك تأثيرها على روحه، واستقامته، وهداه، فرمضان كما هو موسم يتفرغ فيه المؤمن لتلاوة القرآن، فهو أيضًا فرصة، مدرسة تذكر المؤمن بحاجته الماسة إلى وسائل التذكير التي تذكره بالله، وأولها وأسماها كتاب الله }إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا{ [الإسراء: 9].
فليست قراءة المؤمن للقرآن منحصرة على رمضان، وإنما هي ممتدة إلى ما بعده باقية ما بقيت حاجته إلى التذكير، وهل حاجته إلى ذلك تزول؟!
فرمضان مدرسة القرآن، وفيه أنزل كما قال تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ{ [البقرة: 185]، ولذلك كان رسول الله ﷺ يتدارس القرآن مع جبريل في رمضان، كما صح عند البخاري ومسلم.. لكنك لو تأملت في سيرة النبي ﷺ وحاله مع القرآن لوجدته – بأبي هو وأمي ﷺ - أكثر الناس حرصًا على تلاوته، وتدبره، وحينما سئلت عائشة – رضي الله عنها – عن خلقه قالت: (كان خلقه القرآن) فلم يكن حاله العناية بمدارسة القرآن في رمضان فقط، وإنما كان في شهر رمضان أكثر مدارسة وتلاوة للقرآن من غيره.. أفلا نجعل نحن أيضًا من رمضان منطلقًا لتدبر القرآن.. وبداية للحرص على ورده، والمداومة على تلاوته، والتخلق بأخلاقه أوليس قد أمر الله بتلاوته وتدبره في رمضان وفي غيره فقال: }كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ{؟! [ص: 29].
فلماذا يجتهد معظم الناس في التلاوة في رمضان ثم يهجرون القرآن بعده طيلة السنة ؟!
الدرس الرابع: الإخلاص: ومن مدرسة رمضان يتعلم المؤمن الإخلاص، وصلاح النية والطوية، فصومه لله في رمضان سر بينه وبين الله، وفيه يتجلى معنى الإخلاص في أوضح معانيه.. ولذلك كان جزاء الصوم عند الله عظيمًا؛ لأنه سر بين العبد وبين ربه, قال تعالى في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أحب عند الله من ريح المسك»([2]).
فالجزاء العظيم الذي أخفاه الله للصائم إنما هو بسبب إخلاصه لله، وكونه ترك شهوته وطعامه لله، ولو شاء أن يفطر ويتظاهر بالصيام لفعل، ولما علم بحاله أحد إلا الله، لكنه لما أخلص وراقب الله وحده في صيامه، نال ما ناله من الجزاء والثواب بغير حساب. وفي هذا المشهد درس للصائم يتعلمه من مدرسة الصيام؛ ليجعل عبوديته لله بكل مفرداتها وأنواعها وأشكالها خالصة لله وحده, كما قال تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{ [الأنعام: 162، 163]، وكما قال سبحانه: }قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي{ [الزمر: 14].
والعبادة تشمل كل الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة التي يرضاها الله سبحانه، فكما أن بالإخلاص ينال الصائم ذلك الأجر العظيم، فكذلك إخلاصه في سائر العبادات في رمضان وغيره سبب لعظم الأجر وجزيل الثواب عند الله، وهذا الخلق القلبي (الإخلاص) الذي لا تصح العبادة إلا به يعد من أبلغ الدروس التي يتعلمها الصائم من دروس رمضان، وأكثرها أهمية ونفعًا لدينه ودنياه.
الدروس التربوية من رمضان
ومن الدروس التي نتعلمها من رمضان:
الدرس الخامس: الصبر: فرمضان شهر الصبر لذلك كان مداره على حبس شهوتي البطن والفرج، وفيه يحبس المؤمن الصائم نفسه عن المخالفات حفاظًا على صومه، إيمانًا واحتسابًا, حتى ينال بصبره أجر الصائمين.
يصبر على حدة الجوع والظمأ.. ويصبر على ترك اللغو والقول الباطل والرفث.
ويصبر على تلاوة القرآن.. وصلاة التراويح والقيام.. ينشد بصبره مغفرة ذنبه ورضا ربه، فقد قال رسول الله ﷺ: «إن الله فرض عليكم صيام رمضان, وسننت لكم قيامه؛ فمن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»([3]).
فإذا خرج رمضان.. وجد المؤمن نفسه مهيأة للصبر على طاعة لله، ممرنة على الانحباس عن الشهوات... يسهل حملها على الطاعة، وكفها عن المعصية، وهذا درس آخر من الدروس المهمة التي تتعلمها مدرسة رمضان.
ومنزلة الصبر منزلة عظيمة عند الله، فهو شطر الإيمان, وبه نال المؤمنون أجرهم بغير حساب؛ لذلك فاكتساب هذه المنزلة في دروس رمضان من أعظم الثمار التي يجنيها الصائم من صومه، ينقضي رمضان.. لكن صبره على الطاعة لا ينقضي بانقضائه.. وصبره على المعصية لا ينقطع بانقطاعه.
فكما كان على الجوع لله صابرًا محتسبًا في رمضان؛ فكذلك في غير رمضان تجده صائمًا صابرًا عن الحرام لا يأكله.. وعن الكبائر لا يقربها.. وعن المعاصي والسيئات لا يتعمدها، فصبره يلازمه؛ لأنه به يتم إيمانه.. وبه تكون نجاته وفلاحه, كما قال تعالى: }وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{ [العصر: 1-3].
الدرس السادس: المجاهدة: والمجاهدة من أبلغ الدروس التي نتعلمها من مدرسة رمضان، فالصائم طيلة شهر رمضان يكون في جهاد مع نفسه ومع هواه، ومع الشيطان.. يكابد الوساوس.. ويدافع النزوات.. ويغالب الخطرات السيئة حتى يكمل له ثواب الصيام، ويغتنم أجره أحسن اغتنام.
وهذه المجاهدة التي يقتضيها صوم رمضان من أجل الخصال الموجبة للثبات على الدين والهدى, قال تعالى: }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{ [العنكبوت: 69]، لذلك فالصائم يجد ثمرتها العاجلة في نفسه ممثلة في سهولة قيامه بالعبادات؛ كذكر الله، وقراءة القرآن، وأداء الفرائض والنوافل.. فكلما جاهد نفسه وجد لذلك ثمرة في قدرته على الطاعة.
وفي هذه الخصلة درس آخر يأخذ منه المؤمن الفطين عبرة وعظة، ليوظفه في حياته بعد رمضان.. فالنفس الأمارة بالسوء، والهوى والشيطان، ومغريات الدنيا وزينتها كل ذلك يقتضي منه مجاهدة صادقة، في رمضان وفي غيره، وما شهر رمضان إلا مدرسة, يجدد فيها المؤمن عزيمته على جهاد النفس، ويوطن فيها حزمه وقوته على الثبات، حتى إذا انصرم رمضان؛ استمر بجهاده وثباته يحذر الآخرة, ويرجو رحمة ربه. قال تعالى: }لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ{ [البلد: 4].
قال المفسرون: أي يكابد أمرًا من أمور الدنيا، وأمرًا من أمور الآخرة، وهذه المكابدة عامة في كل وقت من عمر الإنسان، وفي الحديث قال رسول الله ﷺ: «أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل»([4]).
الدروس الأخلاقية من رمضان
ومن الدروس الأخلاقية التي نتعلمها من مدرسة رمضان:
الدرس السابع: سلامة اللسان: وفي الإشارة إلى هذا الخلق الفاضل جاءت أحاديث النبي ﷺ وإرشاداته للصائم خاصة؛ ليجعل من صومه في رمضان, وامتثاله لتلك الوصايا الغالية طبعًا لا يفارق سلوكه وأخلاقه في سائر الحياة.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: «الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب»([5]).
فهذا الحديث يحث المؤمن على سلامة اللسان، وعلى اجتناب الصخب والرفث ورديء الكلام، وقد جاء عنه ﷺ أنه قال: «ليس الصيام عن الطعام والشراب، وإنما من اللغو والرفث»([6]).
وجاء عنه ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»([7]).
فرمضان مدرسة تعلم المسلم إمساك اللسان، وتمرنه على أدب الحديث والكلام، وعلى اجتناب كل موارد الهلاك التي غالبًا ما يكون اللسان هو مصدرها ومنبعها، وفي الحديث سئل رسول الله ﷺ: أيُّ المسلمين أفضل؟ فقال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده»([8])، وفي الحديث أيضًا، قال رسول الله ﷺ: «من يضمن لي ما بين لحييه, وما بين رجليه؛ أضمن له الجنة»([9]).
ففي ضمان سلامة اللسان ضمان للجنة، لذلك كان هذا الدرس الذي يهمه المؤمن الصائم من مدرسة الصيام من أنفس الدروس وأغلاها، إذ كل صائم استطاع حفظ لسانه شهرًا كاملاً من الصخب والغيبة والنميمة والفحش وقول الزور والكلام الباطل لا شك أن ذلك سيحمله بعد رمضان على سلامة لسانه، وحفظه من العثرات.
الدرس الثامن: عدم الرد بالمثل: وهذا الدرس دل عليه قول الرسول ﷺ: «فإن امرؤ سابه أحد أو قاتله, فليقل: إني امرؤ صائم»([10]).
وهذا الخلق كما أنه يحفظ على الصائم صومه ويجنبه زلات اللسان التي قد تحصل له إذا رد على من سبه بالمثل؛ فهو أيضًا يولد في نفسه خلق التسامح، ويغرس فيه بذوره الطيبة حتى إذا انقضى رمضان, وهو على هذا الحال، وجد في نفسه قدرة على العفو والصفح والاحتمال، ونال بذلك شرف الخلق الحسن والدرجة التي وعد الله بها العافين عن الناس.
فالمؤمن الصائم لا يحفظ لسانه عن الرد عن سب الآخرين في رمضان فقط، وإنما خلقه أن يكون رده سلامًا, كما قال تعالى في صفات عباد الرحمن: }وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا{ [الفرقان: 63].
فرمضان إذن مدرسة تؤصل هذا الخلق في تلك العبارة الوجيزة – إني صائم – وهذا عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – مر في ليلة مع حرسه في إحدى الأماكن المظلمة فدهس رجلاً دهسًا خفيفًا – وكان لم يره – فقال: ذلك الرجل لعمر: أأنت مجنون؟ فقال عمر: لا. فبادر أحد الحراس ليؤدب ذلك الرجل، فقال عمر بن عبد العزيز: على رسلك فإنما سألني هل أنا مجنون، فأجبته.
فانظر إلى جواب عمر بن عبد العزيز، فيه السمت نفسه الذي أمر به الصائم في صومه، وفيه الأدب نفسه الذي يقوله الصائم في صومه.. لا يبعث على شحناء، ولا يؤجج نارًا للفتنة.
وهكذا يجب على المؤمن أن يكون.. خلقه سلام وقوله سلام.. ليحشر في دار السلام.
الدرس التاسع: العفو والحلم: فرمضان شهر الرحمة والغفران، فيه ينشر الله جل وعلا رحمته، ويوسع مغفرته، فله في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء من رمضان.
وعد فيه الصائم المحتسب بالغفران.. ووعد القائم المحتسب بالغفران... وجعل ليلة القدر ليلة غفران.. وفي هذا من المعاني العظيمة ما يدفع المؤمن إلى أن يكون هو الآخر عفوًا حليمًا كريمًا.
فعفو الله من العافين أقرب.. لأنه سبحانه يحب العفو.. كما قال تعالى: }فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{ [المائدة: 13].
والجزاء عند الله من جنس العمل، فمن عفا عفا الله عنه, ومن غفر غفر الله له،.. وفي هذا الدرس الرمضاني عبرة لكل مؤمن لكي يوطن نفسه على العفو عن الزلات، والحلم عن المخطئين، قال تعالى في مدح من هذا شأنه: }وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{ [آل عمران: 134].
الدروس الاجتماعية من رمضان
وفي رمضان ينهم المسلم دروسًا قيمة في التكافل الاجتماعي، والتعاون بين المسلمين، والتوحد على الخير، ومن هذه الدروس.
الدرس العاشر: الإحسان والصدقة: فرمضان شهر الجود والعطاء، والإحسان والزكاة، فقد كان رسول الله ﷺ وهو القدوة والأسوة، كان حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ([11])، وكان ﷺ: «لا يسأل شيئًا إلا أعطاه»([12]).
وفي هذا درس لكل صائم وتمرين له، وتعويد له على البذل والعطاء، والإحسان إلى الفقراء والمساكين وذوي الحاجة.
ولك أن تتأمل في حال الصائم حينما يكسر الجوع حدته.. ويتذوق منه مرارته كيف يكون شعوره, وهو يحسن إلى البائس الفقير المعوز المحروم.. فلا بد أنه يستشعر ما يؤلم ذلك الفقير في غير رمضان من جوع وحرمان, وهذا المشهد.. وذاك الشعور أن يكون محفزًا قويًا على حمل النفس على البذل والإحسان والجود.
فالصدقة أجرها عظيم عند الله، وثوابها حاصل في رمضان وفي غيره، وإن كان حصوله في رمضان مضاعفًا لبركة شهر رمضان، وفي الحديث عن النبي ﷺ قال: «إن في الجنة غرفًا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام»([13]).
فرمضان يحث المؤمن على التكافل، ولعل هذا الخلق العظيم من مقاصد تشريع زكاة الفطر التي أوجبها الله على كل مسلم بالغ يملك قوت يوم العيد وليلته.
الدرس الحادي عشر: توحيد المسلمين: فإن في توحد المسلمين في صيام رمضان في وقت واحد في شهر واحد، وحضورهم لصلاة التراويح، وإفطارهم وسحورهم في وقت واحد، وكذلك سرورهم بعيد واحد، فإن في هذا كله توحيدًا وجماعًا لكلمة المسلمين، ينبغي لكل مسلم أن يجعل منه منطلقًا لجمع كلمة المسلمين على الخير والهدى، وعلى ما يعود عليهم بالخير والصلاح في الدارين، وأن ينبذ أسباب الفرقة، وعوامل الشتات التي هي أحد على شوكة المسلمين من سيوف الكفار. قال تعالى: }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا{ [آل عمران: 103].
الخاتمة
أخي المسلم, إن شهر رمضان المبارك هو من أجل مواسم الخير التي يغنم فيها المسلم الأجر والثواب، لكن المؤمن الفطين لا تقف همته عند حدود هذا الشهر المبارك، وإنما يجعل منه منطلقًا لأعماله، ومدرسة يجدد فيها عزمه، ويعقد فيها حزمه على عبادة الله – جل وعلا - فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، ورب رمضان هو رب الشهور كلها، وما استحبه الله في رمضان استحبه في غيره.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.