لطائف وفوائد رمضانية
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذه لطائف رمضانية، ومواعظ إيمانية، وفوائد فقهية، انتقيناها من كتب الإمامين (ابن القيم، وابن الجوزي)، نسأل الله أن ينفع بها، وأن يجعلنا من الذين يحفظون حرمة الشهر، ويفوزون فيه بجزيل الثواب والأجر.
قدسية الصيام:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «الصيام إحرام، وذاك لأن الصائم يجتنب ما يثلم صومه» [غريب الحديث لابن الجوزي]
لطف الله تعالى بعباده:
قال بعض العلماء: إن الله تعالى قال في المكروهات: }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ{، على لفظ من لم يسم فاعله، وإن كان قد علم أنه هو الكاتب. فلما جاء إلى ما يوجب الراحة قال: }كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ{ [صيد الخاطر لابن الجوزي]
فائدة في سبب النهي عن استقبال رمضان بالصيام:
قال ابن القيم: «نهى ﷺ عن استقبال رمضان بيوم أو يومين، لئلا يتخذ ذريعة إلى الزيادة في الصوم الواجب، كما فعل أهل الكتاب» [إغاثة اللهفان لابن القيم]
هدي النبي ﷺ في ثبوت الشهر:
قال ابن القيم: «وكان من هديه أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة، أو بشهادة شاهد واحد، كما صام بشهادة ابن عمر، وصام مرة بشهادة أعرابي، واعتمد على خبرهما، ولم يكلفهما لفظ الشهادة. فإن ذلك إخبار، فقد اكتفى في رمضان بخبر الواحد، وإن كان شهادة، فلم يكلف الشاهد لفظ الشهادة، فإن لم تكن رؤية، ولا شهادة، أكمل عدة شعبان ثلاثين يومًا.
وكان إذا حال ليلة الثلاثين دون منظره غيم أو سحاب، أكمل عدة شعبان ثلاثين يومًا، ثم صامه. ولم يكن يصوم يوم الإغماء، ولا أمر به، بل أمر بأن تكمل عدة شعبان ثلاثين إذا غُم، وكان يفعل كذلك، فهذا فعله، وهذا أمره، ولا يناقض هذا قوله: «فإن غم عليكم فاقدروا له»، فإن القدر: هو الحساب المقدر، والمراد به الإكمال كما قال: }وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ{ والمراد بالإكمال، إكمال عدة الشهر الذي غم» [زاد المعاد لابن القيم]
وجوب النية في صيام رمضان:
نقل عبد الله بن الإمام أحمد قال: سألت أبي عمن صام رمضان وهو ينوي بها تطوعًا. قال: لا يفعل هذا إنسان من أهل الإسلام، لا يجزئه حتى ينوي، لو أن رجلاً قام فصلى أربع ركعات لا ينوي بها صلاة فريضة أكان يجزئه؟ ثم قال: لا تجزئه صلاة فريضة حتى ينويها. [بدائع الفوائد لابن القيم]
معنى تبييت النية:
قال ابن الجوزي: وقوله ﷺ: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام»، أي لم ينوه من الليل، فيقطع من الوقت الذي لا صوم فيه. [غريب الحديث لابن الجوزي]
معنى إيمانًا واحتسابًا:
قوله ﷺ: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا»، أي: مؤمنًا بثواب الله، فيقع في حسابه حصول الأجر. [غريب الحديث لابن الجوزي]
الصيام دليل على الإيمان:
وفي الامتناع عن المشتهى دليل على الإيمان بوجود الناهي، كصبر العطشان في رمضان عن الماء. فإنه دليل على الإيمان بوجود من أمر بالصوم. [صيد الخاطر لابن الجوزي]
فيمن يصوم رمضان على سبيل العادة:
فإن بعض الناس لو ضرب بالسياط ما أفطر في رمضان، عادة قد استمرت، ويأخذ أعراض الناس وأموالهم عادة غالبة!!
فكم قد رأيت هذا الشيخ يصلي ويحافظ على الصلاة، ثم لما خاف فوت غرضه ترك الشرع جانبًا. [صيد الخاطر لابن الجوزي]
حفظ القوة من المقاصد الشرعية:
فإنه سبحانه أمر المسافر والمريض أن يفطرا في رمضان، ويقضي المسافر إذا قدم، والمريض إذا برئ، حفظًا لقوتهما عليهما، فإن الصوم يزيد المريض ضعفًا، والمسافر يحتاج إلى توفير قوته عليه، لمشقة السفر، والصوم يضعفها. [إغاثة اللهفان لابن القيم]
أسباب الفطر:
قال ابن القيم: أسباب الفطر أربعة: السفر، والمرض، والحيض، والخوف على هلاك من يخشى عليه بصوم، كالمرضع، والحامل، إذا خافتا على ولديهما، ومثله مسألة الغريق. [بدائع الفوائد لابن القيم]
حكم الفطر للتقوي على الجهاد:
قال ابن القيم: وأجاز شيخنا ابن تيمية الفطر للتقوي على الجهاد وفعله، وأفتى به لما نازل العدو دمشق في رمضان، فأنكر عليه بعض المتفيقهين، وقال: ليس سفرًا طويلاً، فقال الشيخ: هذا فطر للتقوي على جهاد العدو، وهو أولى من الفطر للسفر يومين سفرًا مباحًا أو معصية، والمسلمون إذا قاتلوا عدوهم وهم صيام لم يمكنهم النكاية فيهم، وربما أضعفهم الصوم عن القتال، فاستباح العدو بيضة الإسلام، وهل يشك فقيه أن الفطر ههنا أولى من فطر السفر، وقد أمرهم النبي في غزوة الفتح بالإفطار ليتقووا على عدوهم، فعلل ذلك للقوة على العدو لا للسفر، والله أعلم.
قلت: إذا جاز فطر الحامل والمرضع لخوفهما على ولديهما، وفطر من يخلص الغريق، ففطر المقاتلين أولى بالجواز، ومن جعل هذا من المصالح المرسلة فقد غلط، بل هذا أمر من باب قياس الأولى، ومن باب دلالة النص وإيمائه. [بدائع الفوائد لابن القيم]
أين أرباب الصيام:
يا سوق الأكل! أين أرباب الصيام؟ يا فرش النوم! أين حراس الظلام؟ درست والله المعالم، ووقعت الخيام. قف بنا على الأطلال نخصها بالسلام. يا من كان له قلب فانقلب. قيام السحر يستوحش لك، صيام النهار يسأل عنك، ليالي الوصال تعاتبك.
أين أيامك والدهر ربيع | ||
والنوى معزولة والقرب والْ | ||
[المدهش لابن الجوزي]
من فقه الإمام أحمد:
قال محمد بن بحر: رأيت أبا عبد الله في شهر رمضان، وقد جاء فضل بن زياد القطان، فصلى أبو عبد الله التراويح، وكان حسن القراءة، فاجتمع المشايخ وبعض الجيران، حتى امتلأ المسجد، فخرج أبو عبد الله، فصعد درجة المسجد، فنظر إلى الجمع، فقال: ما هذا؟ تدعون مساجدكم وتجيئون إلى غيرها؟! فصلى بهم ليالي ثم صرفه كراهية لما فيه، يعني من إخلاء المساجد، وعلى جار المسجد أن يصلي في مسجده. [بدائع الفوائد لابن القيم]
عبادة النبي ﷺ في رمضان:
قال ابن القيم: وكان من هديه في شهر رمضان، الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل عليه السلام يُدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر، والاعتكاف.
وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحيانًا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة، وكان ينهى أصحابه عن الوصال، فيقولون له إنك تواصل، فيقول: «لست كهيئتكم، إني أبيت (وفي رواية: إني أظل) عند ربي يطعمني ويسقيني». [زاد المعاد لابن القيم]
اجتهاد الصحابة في رمضان:
كان زيد بن أرقم يحيي ليلة سبع عشرة من رمضان، فيصبح وكأن السخد على وجهه، السخد الماء الذي يكون مع الولد، أخبره أنه أصبح مورمًا متهيجًا منتفخًا لمعالجته السهر. [غريب الحديث لابن الجوزي]
قُبح المعصية في رمضان:
تتفاوت درجات الزنا بحسب الزمان والمكان والأحوال، وبحسب الفاعل، فالزنا في رمضان ليلاً أو نهارًا أعظم إثمًا منه في غيره، وكذلك في البقاع الشريفة المفضلة هو أعظم إثمًا منه فيما سواها. [إغاثة اللهفان لابن القيم]
قبح الغيبة:
قال أبو هريرة رضي الله عنه: «لئن آتي إلى كوز ماء فأشربه في رمضان أحب إلي من أن اغتاب مسلمًا».
تغليظ العقوبة على منتهك حرمة الشهر:
نقل حنبل عن الإمام أحمد فيمن شرب خمرًا في نهار رمضان، أو أتى شيئًا نحو هذا، أقيم عليه الحد وغلظ عليه مثل الذي قتل في الحرم ودية وثلث. [بدائع الفوائد لابن القيم]
عقوبة الشرب في رمضان:
إذا شرب في رمضان زيد الحد عشرين تعزيرًا كما فعله علي بالنجاشي، نص عليه. وقال أبو بكر: يجلد خمسين، أربعين للشرب، وعشرة لرمضان. [بدائع الفوائد لابن القيم]
من الحيل المذمومة:
الاحتيال على إسقاط ما هو واجب في الحال، كالاحتيال على إسقاط الإنفاق الواجب عليه، وأداء الدين الواجب بأن يملك ماله لزوجته، أو ولده، فيصير معسرًا فلا يجب عليه الإنفاق والأداء، وكمن يدخل عليه رمضان ولا يريد صومه، فيسافر ولا غرض له سوى الفطر ونحو ذلك. [إغاثة اللهفان لابن القيم]
الطواف أفضل للمكيين من العمرة:
قال ابن القيم: وكان يدور بيني وبين المكيين كلام في الاعتمار من مكة في رمضان وغيره، فأقول لهم: كثرة الطواف أفضل منها، فيذكرون قوله ﷺ: «عمرة في رمضان تعدل حجة»، فقلت لهم: في أثناء ذلك: محال أن يكون مراد صاحب الشرع العمرة التي يخرج إليها من مكة إلى أدنى الحل، وأنها تعدل حجة، ثم لا يفعلها هو مدة مقامه بمكة أصلاً، لا قبل الفتح ولا بعده، ولا أحد من أصحابه، مع أنهم كانوا أحرص الأمة على الخير، وأعلمهم بمراد الرسول، وأقدرهم على العمل به.
ثم مع ذلك يرغبون عن هذا العمل اليسير والأجر العظيم، يقدر أن يحج أحدهم في رمضان ثلاثين حجة أو أكثر ثم لا يأتي منها بحجة واحدة، وتختصون أنتم عنهم بهذا الفضل والثواب، حتى يحصل لأحدكم ستون حجة أو أكثر، هذا ما لا يظنه من له مسكة عقل.
وإنما خرج كلام النبي ﷺ على العمرة المعتادة التي فعلها، هو وأصحابه، وهي التي أنشؤوا السفر لها من أوطانهم، وبها أمر أم معقل، وقال لها: «عمرة في رمضان تعدل حجة»، ولم يقل لأهل مكة اخرجوا إلى أدنى الحل، فأكثروا من الاعتمار، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة، ولا فهم هذا أحد منهم. وبالله التوفيق. [حاشية ابن القيم على سنن أبي داود]
فيمن ترك الوتر عمدًا:
قال أحمد رضي الله عنه في الرجل يترك الوتر متعمدًا: هذا رجل سوء، يترك سنة سنها رسول الله ﷺ، هذا ساقط العدالة، إذا ترك الوتر متعمدًا. [بدائع الفوائد لابن القيم]
مقارنة بين العشر الأواخر من رمضان وعشر ذي الحجة:
قال ابن القيم: سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان، أيهما أفضل؟ فقال: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب، وجده شافيًا كافيًا، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة، وفيهما يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم التروية. وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله ﷺ يحييها كلها، وفيها ليلة خير من ألف شهر، فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة.
التفضيل بين ليلة القدر وليلة الإسراء:
وسئل عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي، أيهما أفضل؟ فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي، وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة، فحظ النبي الذي اختص به ليلة المعراج، منها أكمل من حظه من ليلة القدر، وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج . [بدائع الفوائد لابن القيم]
مقاصد الاعتكاف:
قال ابن القيم: شرع الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطوات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يُقرب منه، فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم.
ولما كان هذا المقصود إنما يتم مع الصوم، شُرِع الاعتكاف في أفضل أيام الصوم، وهو العشر الأخير من رمضان، ولم ينقل عن النبي ﷺ أنه اعتكف مفطرًا قط، بل قد قالت عائشة رضي الله عنها: «لا اعتكاف إلا بصوم». [زاد المعاد لابن القيم]
الإمام أحمد ليلة العيد:
قال الفضيل بن زياد: شهدت أحمد ليلة الفطر، وقد اختلف الناس في الهلال، فصلى المكتوبة، وركع أربع ركعات، وجلس يستخبر خبر الهلال، فبعث رسولاً، فقال: اذهب نحو أبي إسحاق، فاستخبر خبر الهلال. فلم يزل جالسًا ونحن معه حتى رجع الرسول، فقال: قد رئي الهلال. فانتقل أحمد، ثم قام فدخل منزله. [بدائع الفوائد لابن القيم]
أين المشمــرون؟
نظر علي بن الحسين عليه السلام إلى الناس يضحكون في يوم فطر، فقال: إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه، يستبقون فيه إلى مرضاته، فسبق أقوام ففازوا، وقصر آخرون فخابوا، فالعجب من الضحك اللاهي في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخيب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء لشُغل محسن بإحسانه، ومسيء بإساءته عن تجديد ثوب وترجيل شعر.
[التذكرة الحمدونية]