رسالة إلى أخي الجار
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
من أجل الحقوق التي اعتنى بها الإسلام وأعطاها أولوية ومكانة: حقوق الجار.
قال رسول الله ﷺ: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
فرابطة الجوار من أهم الروابط الاجتماعية، لأنها إذا صلحت، أينعت من ثمار التكافل والمودة والتعاون والإخاء ما يعود على الأفراد والمجتمعات بالخير والنفع.
تلك الرابطة العظيمة التي فرط فيها الكثير من الناس، فحرموا أجرها وتحملوا وزرها، وضيعوا ثمارها، وجنوا من جراء التفريط فيها الفرقة والتدابر والجفاء والتناحر وفيها هذا الكتاب نذكر إن شاء الله جملة من آداب الجوار وما تشمله من حقوق وواجبات.
فما هو تعريف الجار، وما هي حدود الجوار وحقوقه.
أولا: تعريف الجار
في اللغة: قال ابن منظور رحمه الله: «والجوار المجاورة والجار الذي يجاورك «وقال: «وجارك الذي يجاروك، والجمع أجوار وجيرة وجيران».
في الاصطلاح الشرع: فهو من جاورك جوارًا شرعيًا سواء كان مسلمًا أو كافرًا، برًا أو فاجرًا، صديقًا أو عدوًا، محسنًا أو مسيئًا، نافعًا أو ضارًا، قريبًا أو أجنبيًا، وللجار مراتب بعضها أعلى من بعض، تزيد وتنقص بحسب قربه، وبعده، وقرابته، ودينه، وتقواه، ونحو ذلك فيعطي بحسب حاله وما يستحق.
ثانيا: حدود الجوار وحقيقته
1- حدود الجوار:
أخي الكريم – اعلم – وفقني الله وإياك لطاعته – أن عبارات أهل العلم اختلفت في حد الجوار المعتبر شرعًا، فقيل:
1- إن حد الجوار المعتبر شرعًا: أربعون دارًا من كل جانب، وقد جاء ذلك عن عائشة رضي الله عنها كما جاء ذلك عن الزهري والأوزاعي.
2- إنه عشرة دور من كل جانب.
3- إن من سمع النداء هو جار، وقد جاء ذلك عن علي t.
4- إن الجار هو الملاصق الملازق.
5- إن حد الجوار هم الذين يجمعهم مسجد واحد، والأقرب إلى الصواب والله أعلم أن حد الجوار يرجع فيه إلى العرف، فما علم عرفًا أنه جار فهو جار.
2- حقيقة الجوار:
أخي الحبيب: لا ريب أن الجوار في المسكن هو من أوضح صور الجوار وأجلاها ولكن مفهوم الجار والجوار لا يقتصر على الجوار في المسكن فحسب، بل هو أعم من ذلك. فالجار يعتبر في المتجر والسوق والمزرعة والكتب، ومقعد الدرس إلى غير ذلك من الأماكن التي يمكن أن تجاور فيها أحد، وكذلك يشمل مفهوم الجار الرفيق في السفر، فإنه مجاور لصاحبه مكانًا وبدنًا، ولكل واحد منهما على الآخر حق الجوار.
ثالثًا: وصية الإسلام بالجار
أخي المسلم: لقد أوصى الإسلام بالجار، وأعلى من قدره، حرمته، وحفظ حقوقه، ولقد بلغ من عظم حق الجار في الإسلام أن قرن الله حق الجار بعبادته وتوحيده تبارك وتعالى وبالإحسان إلى الوالدين واليتامى وذوي الأرحام.
فقال عز من قائل سبحانه في آية الحقوق والعشرة: }وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ...{ [النساء: 36]. وقوله:}وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى{ هو الذي بينك وبينه قرابة وقيل: هو الذي قرب جواره، وقيل المسلم، وقيل الزوجة، وقد كانت العرب تسمى الزوجة جارة كما قال الأعشى لامرأته الهزانية حين طلقها:
أيا جارتا بيني فإنك طالقة | كذلك أمور الناس غاد وطارقة |
وقوله تعالى: }وَالْجَارِ الْجُنُبِ{ قيل: هو الذي يعد عرفًا جارًا وبينك وبين منزله فسحة، وقيل هو الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل الزوجة وقيل غير المسلم.
أما السنة النبوية فقد استفاقت نصوصها في بيان رعاية حقوق الجار، والوصاية به وصيانة عرضه، والحفاظ على شرفه، وستر عورته، وسد خلته، وغض البصر عن محارمه، والبعد عن ما يريبه ويسيء إليه ويؤذيه.
ومن أعظم النصوص الواردة في هذا الشأن ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة وابن عمر y أن النبي ﷺ قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» أي ظننت أنه سيبلغني عن الله الأمر بتوريث الجار حيث إن وصية جبريل u بالجار ليست من تلقاء نفسه لكنها من عند الله سبحانه وتعالى. والمتأمل كلمة «سيورثه» يجد أنها كلمة جامعة بالغة فإن الوصاية بالجار تشمل حمايته والإحسان إليه والحفاظ عليه وكف الشر والأذى عنه وإسداء الخير إليه وتعاهده بالسؤال عنه وتقديم المعروف له، وتدل أيضًا هذه الكلمة على أن الوصاية بالجار كانت على جانب عظيم من العناية الحرص من الشارع وكذلك الحث على رعاية حقوقه والقيام بأدائها والحفاظ عليها.
رابعًا: حقوق الجار
أخي المسلم: من هنا يتبين أن للجار حق عظيم ومكانة عالية وحرمة مصونة فحقوق الجار على وجه التفصيل كثيرة جدًا لا يتسع المقام لسردها ولكنها في الجملة ترجع أصولها إلى أربعة حقوق، وهي:
1- الإحسان إلى الجار: إن من شيم الكرام الإحسان في كل شيء ومنها الإحسان إلى الجار، روى المروزي عن الحسن رحمه الله قال: «ليس حسن الجوار كف الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى». اهـ.
فلا يكفي الرجل في حسن الجوار أن يكف أذاه عن جاره، أو أن يدفع عنه بيده أو جاهه يدًا طاغية أو لسانًا مقذعًا، بل يدخل في حسن الجوار أن يحسن إليه في كافة وجوه الإحسان فذلك دليل الفضل، وبرهان الإيمان وعنوان الصدق. ومن أجل صور الإحسان إلى الجار تحمل أذاه، وحسن الظن به وإكرامه، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة t قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» ولمسلم: «فليحسن إلى جاره» قال حاتم الطائي:
إذا كان لي شيئان يا أم مالك | فإن لجاري منهما ما تخيرا |
وعن أبي ذر t قال: قال رسول الله ﷺ: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك» [رواه مسلم]، وفي رواية أخرى عنه t قال: إن خليلي ﷺ أوصاني «إذا طبخت مرقًا فأكثر ماءها، ثم انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف» [رواه مسلم].
ناري ونار الجار واحدة | وإليه قبلي تنزل القدر | |
ما ضر جارًا لي أجاوره | أن لا يكون لبابه ستر | |
أعمى إذا ما جارتي برزت | حتى توارى جارتي الجدر |
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يمنع جار جاره أن يفرز خشبة في جداره» [متفق عليه]، ثم يقول أبو هريرة: «مالي أراكم عنها معرضين! – أي عن تلك السنة – والله لأرمين بها بين أكنافكم – أي بينكم – وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره»
[أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن وأخرجه الدارمي وأحمد في المسند وإسناده صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي].
أقول لجاري إذا أتاني معاتبا | مدلاً بحق أو مدلاً بباطل | |
إذا لم يصل خيري إليك وأنت | مجاور فما شرى إليك بواصل |
ومن كلام الإمام علي بن أبي طالب t «الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق» أخذه الشاعر فقال:
يقولون قبل الدار جار موافق | وقيل الطريق النهج أنس رفيق |
وقال آخر:
أطلب لنفسك جيرانا تجاورهم | لا تصلح الدار حتى يصلح الجار |
ومن الإحسان إلى الجار تعزيته عند المصيبة، وتهنئته عند الفرح، وعيادته عند المرض وبداءته بالسلام وطلاقة الوجه عند لقائه وإرشاده إلى ما ينفعه في أمر دينه ودنياه وصلته بالمستطاع من ضروب الإحسان فعن أبي هريرة t قال: قيل يا رسول الله ما حق الجار على الجار؟ قال: «إذا استقرضك أقرضته، وإن دعاك أجبته، وإن مرض عدته، وإن استعان بك أعنته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإن أصابه خير هنيته، وإن مات شهدته وإن غاب حفظته» يعني منزله وعياله «ولا تؤذه بقتار مدك إلا أن تهدي إليه منه».
[رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب عن معاذ وغيره وذكره المنذري في ترغيبه]
وقد بلغ من منزلة الجار ذي الجوار الحسن أن بعضهم لما أراد أن يبيع داره – وكان له جار حسن الجوار – فقال للمشتري هذا ثمن داري فأين ثمن جاري؟! روى المدائني أنه باع جارا لفيروز داره بأربعة آلاف درهم فجيء بها فقال البائع: هذا ثمن داري فأين ثمن جاري؟ قال: ولجارك ثمن؟! قال: لا أنقصه والله عن أربعة درهم، فبلغ ذلك فيروزا فأرسل إليه بثمانية آلاف درهم وقال: هذا ثمن دارك وجارك وألزم دارك لا تبعها.
ولهذا فإن للجار الصالح الحسن الجوار منزلة عند العقلاء، ومن يقدرون المكارم قدرها، فهم لا يعدلون به شيئًا، ولا يرتضون به بدلاً، ولا يبغون عنه حولاً لأن فيه أنس وحشتهم، واستقرار حياتهم، وبه الأمن على كل مرتخص ونفيس، فهو غناهم حال الفقر، وغياثهم ونجدتهم في الخطوب، وهو عدتهم وعتادهم عند النوازل، فبقاؤه خصب ونعمة، وفراقه ورحيله محل ونقمة. وكلما كان الجار قريبًا منك كان أولى بالصلة والإحسان والبر وتقديم المعروف وجلب المنفعة إليه ورفع الضر عنه. عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت، قلت: يا رسول الله إن لي جاريتين فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما إليك بابًا» [رواه البخاري وأبو داود].
2- تحمل أذى الجار:
أخي المسلم: أما الحق الثاني لجارك هو أن تتحمل أذى الجار، وهذه الفقرة مرتبطة بسابقتها ومتممة لها، وذلك بأن يفضي عن هفواته، ويتلقى بالصفح كثيرًا من زلاته وإساءاته، ولاسيما إساءة صدرت منه من غير قصد، أو إساءة ندم عليها وجاء معتذرًا منها، فاحتمال أذى الجار وترك مقابلته بالمثل من أرفع الأخلاق وأعلى الشيم.
قال الحسن البصري: ليس حسن الجوار كف الأذى عن الجار، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى من الجار، وقال عمرو بن العاص t: ليس الواصل الذي يصل من وصله، ويقطع من قطعه، وإنما ذلك المنصف، وإنما الواصل الذي يصل من قطعه، ويعطف على من جفاه، وليس الحليم من يحلم عن قومه ما حلموا عنه، فإذا جهلوا عليه جاهلهم، وإنما ذلك المنصف، إنما الحليم الذي يحلم إذا حلموا، فإذا جهلوا عليه حلم عنهم.
جاء رجل إلى أبي العباس أحمد بن يحيى يشاوره في الانتقال من مجله إلى أخرى لتأذى الجوار، فقال: العرب تقول: صبرك على أذى من تعرفه خير لك من استحداث ما لا تعرفه. قال منصور الفقيه يمدح بعض إخوانه من جيرانه:
يا سائلي عن حسين | وقد مضى أشكاله | |
أقل ما في حسين | كف الأذى واحتماله |
قال بعضهم: تمام حسن الجوار في أربعة أشياء:
1- أن يواسيه بما عنده.
2- أن لا يطمع فيما عنده.
3- أن يمنع أذاه عنه.
4- أن يصبر على أذاه.
3- حفظ الجار وحمايته.
إن من حقوق الجار والوصية به حمايته وحفظه والذود عنه والدفاع عن حياته، ومما ينبه لشرف همته الرجل نهوضه لإنقاذ جاره من بلاء ينال منه، سواء كان ذلك في عرضه، أو بدنه، أو ماله ونحو ذلك.
ولقد كانت حماية الجار من أشهر مفاخر العرب التي ملأت شعرهم قال عنترة يمتدح نفسه بأنه يحمي حمى الجار ويتحرى الضيف:
وإني لأحمي الجار من كل ذلة | وأفرح بالضيف المقيم وأبهج |
وقالت الخنساء تمدح أخاها بحمايته لجاره:
وجارك محفوظ منيع بنجوة | من الضيح لا يؤذى ولا يتذلل |
وقالت:
يحامي عن الحي يوم الحفاظ | والأرض والضيف والنزل |
وكان لأبي حذيفة رحمه الله جار بالكوفة – إذا انصرف من عمله يرفع صوته من غرفته منشدًا قول العرجي:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا | ليوم كريهة وسداد ثغر |
فيسمع أبو حنيفة إنشاده هذا البيت، فاتفق أن أخذ الحرس في ليلة هذا الجار وصبره، ففقد أبو حنيفة صوته تلك الليلة، وسأل من الغد، فأخبروه بحبسه، فركب إلى الأمير عيسى بن موسى، وطلب منه إطلاق الجار، فأطلقه في الحال، فلما خرج الفتى دعاه أبو حنيفة، وقال له سرًا فهل أصغاك يا فتى؟ قال: لا، ولكن أحسنت وتر قلت أحسن الله جزاءك.
قال الإمام ابن أبي جمرة: «حفظ الجار من كمال الإيمان، وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه، ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة، كالهدية والسلام، وطلاقه الوجه عند لقائه وتفقد حاله، ومعاونته فيما يحتاج إليه إلى غير ذلك، وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية، وقد نفى ﷺ الإيمان عمن لم يأمن جاره بوائقه، وهي مبالغة تنبئ عن عظيم حق الجار وأن إضراره من الكبائر، قال: ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح وغير الصالح والذي يشمل الجميع: إرادة الخير له، وموعظته بالحسنى، والدعاء له بالهداية وترك الأضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل.
والذي يخص الصالح: جميع ما تقدم، وغير الصالح: كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه، ويبين محاسنه والترغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضًا، ويستر عليه الله عن غيره، وينبهه برفق، فإن أفاد فيه وإلا فيهجره قاصدًا تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسبب». اهـ.
4- كف الأذى عن الجار:
مما تقدم تبين لنا أن للجار مكانه عالية وحرمة مصونة وجانب لا يهضم ومن أجل ذلك جاء الزجر الأكيد والتحذير الشديد في حق من يؤذي جاره فالأذى بغير حق محرم، وأذيه الجار أشد تحريمًا، جاء في صحيح البخاري عن أبي شريح العدوي t عن النبي ﷺ قال: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من لا يأمن جاره بوائقه» وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال: «لا يدخل الجنة من لا يؤمن جاره بوائقه» وفي الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة t قال، قال رسول الله ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره».
وعن أبي هريرة t قال: قيل لرسول الله ﷺ إن فلانة تصلي الليل، وتصوم النهار وفي لسانها شيء تؤذى جيرانها سليطة قال: «لا خير فيها هي في النار» وقيل له: إن فلانة تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان وتتصدق بالأثوار، وليس لها شيء غيره ولا تؤدي أحدًا. قال: «هي في الجنة» ولفظ الإمام أحمد: «ولا تؤذى بلسانها جيرانها» [رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي]. والأثوار: جمع ثور وهي القطعة العظيمة من الأقط، وهو اللبن الجامد المستحجر.
أخي المبارك: لقد ورد الخبر بلعن من يؤذى جاره، ففي حديث أبي جحيفة t قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ يشكو جاره فقال له: «اطرح متاعك في الطريق» قال: فجعل الناس يمرون به فيلعنونه، فجاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله: ما لقيت من الناس. قال: «وما لقيت منهم» قال: يلعنوني. قال: «فقد لعنك الله قبل الناس» [أخرجه البخاري في الأدب المفرد والبزار والحاكم وصححه ووافقه الذهبي].
قال علي بن أبي طالب للعباس رضي الله عنهما «ما بقى من كرم إخوانك؟ قال: الإفضال إلى الإخوان وترك أذى الجيران»، فانظر كيف عد العباس t ترك أذى الجيران من الكرم.
ولقد كان العرب يمتدحون بكف الأذى عن الجار قال هدبه بن الخشرم.
يبيت عن الجيران معزب جهله | ||||
ريح حواشي الحلم للخير واصف | ||||
وقال أيضًا:
ولا نخذل المولى ولا نرفع العصا | ||||
عليه ولا نزجي إلى الجار عقربا | ||||
بل إن لبيدًا عد هوان الجار فاقرة من الفواقر فقال:
وإن هوان الجار للجار مؤلم | وفاقرة تأوى إليها الفواقر |
فيا أخي لا تؤذي جارك وأحسن إليه ولا تكن من هذا الجار الذي قال في شأنه رسول الله ﷺ: «ثلاثة من الفواقر: إمام إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر، وجار سوء إن رأى خيرًا دفنه، وإن رأى شرًا أذاعه وامرأة إذا حضرت آذتك وإن غبت عنها خانتك» [رواه الطبراني].
فإياك يا أخي ثم إياك من أذية الجار. وقد يبيع الرجل داره بأقل من ثمنها هربا من جار السوء كما قال أحدهم عند بيع داره:
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي | ||||
ولم يعلموا جارا هناك ينغص | ||||
فقلت لهم كفوا الملام فإنما | ||||
بجيرانها تغلو الديار وترخص | ||||
واعلم يا أخي الحبيب: أن أشد أذى الجار والنيل منه الزنا بحليلته أي زوجته ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود t قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك» قلت إن هذا لعظيم. قلت: ثم أي: قال: «أن تزاني حليلة جارك»... الحديث.
فانظر يا أخي كيف قرن النبي ﷺ الزنا بزوجة الجار بالشرك بالله وذلك لعظم حق الجار – حفظني الله وإياك – من كل سوء وجعلنا ممن يحسن جوارهم.
اثنتان لا أدنو لقربهما | عرش الخليل وجاره الجنب | |
أما الخليل فلست خائن عهده | والجار قد أوصى به ربي |
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.