×
السائق مفاسد ومحاذير: هذه المقالة القصيرة تُعالجُ قضيَّةً خطيرةً بإلماحةٍ بسيطةٍ، ألا وهي: قضية الخلوة بالسائق، وتعرِض لما انتشر في عددٍ من البلدان من تهاون الرجال بخلوة نسائهم مع السائقين، وما يقع من مخاطر من جرَّاء هذا التهاون والتساهُل.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السائق مفاسد ومحاذير

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:

    إن جرأة بعض المسلمين على تركهم نسائهم يركبن مع رجال أجانب غير محارم لهن يعتبر منكرا عظيما تقشعر منه جلود أهل الغيرة والدين، وهو مخالفة صريحة لقول رسول الهدى ﷺ‬ : «ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» [رواه الترمذي]، وقال عليه الصلاة والسلام : «إياكم والدخول على النساء فقالوا : أرأيت الحمو ؟ قال: الحمو الموت» متفق عليه.

    فإذا كانت هذه الأحاديث موجهة لصحابة رسول الله ﷺ‬ الذين هم خير الناس بعد الأنبياء والذين أعز الله بهم الإسلام، وإذا كان أخو الزوج له نصيب من النهي من الدخول إلى بيت أخيه أثناء غيابه إلا بوجود محرم، فلماذا يمكِّن بعض الناس رجالا استقدموهم لا يعرفون دينهم ومعتقداتهم فقد يكون بعضهم كفارا والعياذ بالله، لماذا يمكنونهم من الدخول على نسائهم والخلوة بهن في المنزل أو السيارة، ألم يعلموا أن ذلك حرام، حرام ونقص في الرجولة؟

    وإن من العجيب في هؤلاء الرجال أنه لو طلبت زوجة أحدهم منه أن يقوم ابن الجيران بإيصالها في سيارته إلى مكان ما لغضب أشد الغضب ولرفض ذلك وبقوة، لكن السائق المستقدم يسمح له بالخلوة بها وإيصالها إلى أي مكان تريد، فيا للعجب هل رفع القلم عن هذا السائق، هل شهوته معدومة؟ هل هو حيوان ليس من جنس البشر وليست له غريزة البشر؟! أو ماذا؟!

    إن بعض الناس تجده يجوب بلدان العالم من الشرق إلى الغرب دون كلل أو ملل ، ولكنه مع كل أسف يعجز أن يوصل زوجته أو ابنته إلى الأسواق أو المدارس أو غير ذلك، بل يقول بكل برود اذهبوا مع السائق.

    وبعضهم يذهب بأمواله بنفسه ليودعها في البنوك ولو قيل له أعطها السائق ليودعها لرفض ولقال : هل أنا مجنون أعطي السائق أموالي !! بل أذهب بها بنفسي !! لكن زوجته وبناته لا يقول : أنا مجنون أتركهن يذهبن مع السائق ، بل يقول اذهبوا مع السائق في أي وقت وإلى أي مكان؟! الأموال هو الذي يذهب بها بنفسه حرصا عليها وخوفا على ضياعها ، أما محارمه فهي أصبحت أهون عليه من أمواله.

    أصون عرضي بمالي لا أدنسه

    لا بارك الله بعد العرض بالمال

    ولم يكتف بعضهم بالسماح للمرأة أن تركب معه لوحدها بل وصل التساهل بهذا الأمر عند البعض إلى السماح للسائق بالدخول إلى قعر المنزل، وكأنه أحد أفراد الأسرة ، وكأن النساء محارم له، ولا أحد يدري هل هذا غباء من الرجال أو عدم مبالاة أو أن نيران الغيرة قد ماتت من تلك القلوب؟!

    وبعض النساء أيضاً لم يقف الحد بهن والعياذ بالله عند الركوب مع السائق لوحدها ، بل تمادي ببعضهن الأمر إلى أن يركبن أحياناً في المقعد الأمامي مع السائق بلا حياء ولا خجل ، وقد يكون كتفها قريبا من كتف السائق ، منظر مزرٍ ودياثة ظاهرة، وحياء مفقود، وغيرة معدومة.

    ومن جراء هذا التساهل في أمر السائق ذهب الحياء من كثير من النساء حتى أصبحن ينظرن إلى السائق نظرة تخالف الواقع ، فالكثير من النساء لا يلتزمن الحشمة والتستر أمامه ، ولا يستحيين من نظراته وكأنه ليس برجل.

    ومن المناظر المؤذية التي انتشرت نتيجة ذهاب الحياء وضعف الإيمان نزول السائق مع المرأة ، والمشي بجانبها في الأسواق وكأنه أخ أو زوج أو أب ، وقد يقرب جسده من جسدها، ويقف بجانبها ويفتح لها الباب ، وقد يرى شيئا من جسمها عند ركوبها، منظر محزن ومبكٍ في نفس الوقت، وإن المرء والله ليعجب أشد العجب كيف نزع الحياء من هؤلاء النساء بهذه السهولة حتى وصل بهن الحال إلى هذا المستوى من الانحدار والسقوط ؟!!

    والأشد عجباً هو حال أولئك الرجال القوامين على هؤلاء النساء أين عقولهم؟ أين إيمانهم؟ أين غيرتهم ؟ كيف يسمح للإنسان إيمانه وغيرته ورجولته أن يترك إحدى محارمه تذهب مع السائق إلى كل مكان ولا يدري ماذا يحصل لها في هذه الخلوة، حتى ولو فرض أنه لن يحصل لها شيء فكيف يطاوعه قلبه أن يرى رجلا مع امرأته أو بنته لوحدهما في السيارة في خلوة مربية يجوب بها الطرقات، وكأنها قطعة أثاث لا قيمة لها.

    فيا أيها المستقدمون، أين الغيرة على محارمكم ؟ أين الشيمة العربية؟ أين الخوف من العار والفضيحة، لقد كان المشركون قبل الإسلام يئدون البنات خشية العار والفضيحة، فلماذا أنتم تجلبونها إلى بيوتكم بأيديكم.

    كان العرب في الجاهلية يعدون المرأة دلالة شرفهم، وعنوان عرضهم، ولذلك فقد تفننوا في حمايتها والمحافظة عليها ، ثم الدفاع عنها زوجة وابنة، أما وأختا، قريبة وجارة، حتى يظل شرفهم سليما من الدنس وعرضهم بعيدا من أن يمس.

    والغيرة على الأعراض من الأخلاق الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، ولقد كانت في السابق تولد مع القوم، فكأنهم أُرضعوها فعلا مع لبان الأمهات، ولا يمتدح بالغيرة إلا كرام الرجال وكرائم النساء، وبصيانة العرض وكرامته يتجلي صفاء الدين وجمال الإنسانية، وبتدنسه وهوانه ينزل الإنسان إلى أرذل المقامات.

    يقول ابن القيم رحمه الله : «إذا رحلت الغيرة من القلب ترحل الدين كله، ومن حرم الغيرة حرم طهر الحياة، ومن حرم طهر الحياة فهو أحط من بهيمة الأنعام».

    ويقول الشاعر:

    ومن الرجال بهيمة في

    صورة الرجل السميع المبصر

    فطن إذا ما قد يصاب بماله

    وإذا يصاب بعرضه لا يشعر

    أضرار ومفاسد محققة

    إن وجود السائق مع النساء لا بد وأن يحصل معه بعض الأضرار والمحظورات الشرعية شاء الإنسان ذلك أم أبي، فمن ذلك:

    1- أنها مجاهرة بالمعصية بين الملأ وقد قال ﷺ‬ «كل أمتي معافى إلا المجاهرون» [رواه البخاري ومسلم].

    2- خلوة المرأة به وهذا حرام لا يجوز ([1]) ويكون من استقدم السائق هو السبب في وقوعها في هذه المعصية.

    3- أن يركبن النساء معه للذهاب لأي مناسبة وهن متعطرات وهذا أيضا حرام لقوله ﷺ‬ «أيما امرأة استعطرت فمرت بالرجال فهي زانية»[رواه الدارمي]، وهؤلاء النسوة لم يمررن بالرجال بل ركبن بجوار الرجال، وذلك أشد إثماً وأعظم فتنة.

    4- إن ذهاب النساء مع السائق يجرئ الفساق علي مخاطبتهن ومعاكستهن داخل السيارة لأنهم يرونهن بدون راع وقائد، فيطمعون بهن ويطمئنون في معاكستهن وقد لوحظ هذا كثيرا جداً.

    5- إن وجود السائق يسهل على النساء الخروج فيكثر بذلك خروجهن، وكثرة خروج المرأة سبب لفسادها وذهاب حيائها الذي هو غالبا ما يمنع المرأة من الوقوع في شيء من الفواحش، إضافة أيضا إلى أن تكرار ركوب المرأة مع السائق لوحدها وانفرادها به أوقاتا طويلة في السيارة قد يذهب الكلفة بينهما ويجعل للشيطان طريقا سهلاً إليها خاصة وأن المرأة ضعيفة عقل ودين، وقد تكون أيضا غالب وقتها أمام المغريات من أفلام ومسلسلات تثير الغرائز وتحرك الشهوات، وهذه الأمور إذا اجتمعت للمرأة فقد تهيأت أسباب الوقوع في المحظور، إلا من عصمها الله.

    فتنبه أخي المسلم لذلك ولا يغرنك من السائق قبح شكله أو طيبة قلبه وسذاجته ، وأنه رجل مسكين وضعيف ، ولن يحصل منه ما يكون سببا في إبعاده وقطع رزقه، أو أن المرأة لا يمكن أن تفكر فيه، فإن الشيطان يزين القبيح ويهون الأمر مع كثرة المخالطة ورفع الكلفة ، وقد قيل : كثرة المساس تميت الإحساس.

    قيل لابنة الخس : لماذا زنيت بمولاك ولم تزني برجل حر غيره وما أغراك به ؟ قالت: طول السواد ، وقرب الوساد، يعني كثرة رؤيته ، وقرب مكانه ومبيته.

    فهل نتنبه لذلك جيدا ونصحو من غفلتنا، وكم حصل من المصائب التي تدمي القلوب من هؤلاء السائقين، ولكن المصيبة أن كثيرا من الناس لا يتعظون بمصائب غيرهم حتى يتورطوا هم بشيء من هذه المصائب، وإذا سمع الإنسان شيئا من هذه المصائب فقد يهز رأسه استنكاراً وتعجبا فقط ، ولا يغير من واقعه شيئا، ولا يتصور أن يحصل له مثلما حصل لغيره وكأنه معصوم.

    فيا عجبا والله من هؤلاء الرجال كيف وصلت بهم الغفلة إلى هذا الحد؟ وكيف لا يتوقعون أن يحدث لهم مثلما حدث لغيرهم وهم قد هيأوا بأنفسهم كل الأسباب المعينة لحصول مثل هذه المصائب عندما أهملوا نساءهم وتركوهن يفعلن ما يردن ويذهبن مع السائقين لوحدهن في أي ساعة من ليل أو نهار دون حسيب أو رقيب؟.

    وإذا كان كل إنسان لا يتوقع أن يحدث له شيئا من الفضائح التي نسمع عنها بين حين وآخر، فمن أين جاءت إذًا هؤلاء النسوة اللاتي حصلت ويحصل منهن مثل هذه الفضائح ؟ هل نزلن من كوكب آخر أو خرجن من الأرض؟! إنهن خرجن من بيوت المسلمين، وهل ينتظر الرجل أن تخبره زوجته أو ابنته بأنها فعلت كذا وكذا مع السائق أو مع غيره حتى ينتبه ويفيق من غفلته.

    فيا أيها الرجال:

    يا من أهملتم نساءكم أفيقوا من سباتكم واتقوا الله في نسائكم فإن أعراضكم كأرواحكم وقد فرطتم فيها كثيراً فأهملتم الرعاية وضيعتم الأمانة وركبتم الخطر وإن تهلكون إلا أنفسكم وما تشعرون.

    مسؤولية المرأة

    أختي المسلمة:

    إن الرجل لا يتحمل المسؤولية والإثم لوحده في ركوبك لوحدك مع السائق، فأنت كذلك تتحملين المسؤولية والإثم بتساهلك بدينك وحيائك وركوبك لوحدك مع رجل غير محرم لك ، وهذا لا يليق بك كامرأة مسلمة تعرف حكم ربها في هذا الأمر. فتنبهي لذلك وتوبي إلى ربك من هذا العمل، واقتدي بأسلافك من نساء السلف الصالح في شدة حيائهن وقوة تمسكهن بدينهن، واسمعي لأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ماذا تقول: تقول رضي الله عنها :« انطلقت يوما إلى أرض الزبير التي أقطعه رسول الله ﷺ‬ لأعمل بها، وفي يوم من الأيام حملت النوى على رأسي وقفلت راجعة إلى الدار ، وفي الطريق قابلت رسول الله ﷺ‬ ومعه نفر من الأنصار، ورأى النبي ﷺ‬ حملي فناداني وأناخ بعيره ليحملني ، فاستحييت أن أركب معه ، وأن أسير مع الرجال ، فعرف ذلك رسول الله ﷺ‬ ومضى وتركني، ومضيت أنا حتى بلغت الدار ؟» فانظري أختي المسلمة إلى عظم حيائها، انظري أين أنت منها ؟ إنها رضي الله عنها لم ترض أن تركب مع رسول الله ﷺ‬ ، وهو أفضل الخلق وأطهرهم وأشرفهم وأنزههم على الإطلاق، ومعه أيضا الصحابة الذين هم أفضل الأمة بعده ﷺ‬ وكل ذلك حياء وعفافاً، فكيف أنت لا تبالين بنفسك وتركبين لوحدك مع كل من هب ودب.

    إما مع سائق العائلة أو مع سائق الأجرة ، تركبين مع رجل لا تعرفين دينه ولا أمانته ولا أخلاقه ، فهل هانت عليك نفسك إلى هذا الحد، أين حياؤك ؟ أين عقلك؟ ألا يوجد فيه بقية، فأفيقي أُخية واحفظي نفسك ، ولا تتساهلي بدينك وحيائك من أجل دنيا فانية ، وإن كان هناك ضرورة للركوب مع السائق فليكن معك محرم لك أو امرأة أخرى، حتى لا تكون هناك خلوة مع السائق.

    وأخيراً:

    إننا لسنا بكلامنا هذا نطالب كل الناس بالاستغناء عن السائقين، كلا فنحن نعلم أن هناك أناسًا مضطرين فعلا لهم لكثرة أعمالهم وارتباطاتهم وسفرياتهم وكثرة أبنائهم ونحو ذلك ، ولكن هناك أناس ليسوا بحاجة ماسة إليهم وهؤلاء يمكنهم الاستغناء عنهم في أي لحظة لو أرادوا ذلك دون أن يترتب عليه خلل في أعمالهم وأوقاتهم، وما دعاهم أصلا إلى استقدامهم إلا حب التقليد والمباهاة أو التكاسل فقط عن القيام بشؤون أبنائهم وتلبية رغبات أسرهم، وهؤلاء هم المطالبون بالاستغناء عن السائقين.

    وأما من كان مضطرا لهم فالأولى له والأفضل أن يستقدم سائقا كبيرا في السن أو سائقا معه زوجته، وأن لا يسمح للمرأة أن تركب معه لوحدها بل لابد أن يكون معها محرم أو امرأة أخرى على الأقل، ولا يسمح له أيضا بالدخول على النساء، وأن يكون هناك انضباط في ذهاب النساء معه ، ويكون ذلك في أوقات مناسبة وبقدر الحاجة فقط، فإن ذلك أدعى للسلامة وأبعد عن الشبهة وعن الوقوع في المحذور المنهي عنه.

    وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، والله أعلم ، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    ([1]) انظر فتوى الشيخ محمد بن عثيمين في حكم ركوب المرأة لوحدها مع السائق.