×
هذا الكتيب يبين توضيحات وتوجيهات لمن يريد أن يكون دعاؤه مستجابًا .

 إذا أردت أن يكون دعاؤك مستجابًا

أزهري أحمد محمود

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله سامع الدعاء، وكاشف الضراء، والصلاة والسلام على خير الأنبياء، وسيد الأتقياء، وعلى آله وأصحابه الأوفياء.

وبعد:

أخي المسلم: منذ أن خلق الله تعالى الخلق وهم يلجأون دومًا إلى جهة يعتقدون فيها تفريج كرباتهم، وإجابة دعواتهم.

ولكن ضل الكثيرون عن معرفة المجيب الحقيقي لدعاء العباد! فتخبطوا في توجههم وقصدهم، فاتخذوا مع الله آلهة أخرى!

ولكن ينبغي أن تعلم أخي أن أولئك الملحدين في دعاء الله تعالى مع جهلهم كانوا يعلمون أن الله تعالى هو: كاشف الضر.. ومجيب الدعاء.. ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت: 65].

أخي: ولكن كل مسلم صادق يعلم أن الله تعالى هو المستحق للدعاء وحده.. وهو تعالى مالك الإجابة .. بيده مقاليد كل شيء .. وكل شيء سواه مفتقر إليه تبارك وتعالى .. لذا يرى العبد لزامًا عليه أن يتوجه بالدعاء إلى الله تعالى.. الغني .. مالك الملك.. من بيده خزائن السماوات والأرض..

أخي: والمسلم في دعائه لله تعالى مجيب لنداء ربه تبارك وتعالى وأمره لخلقه أن يتوجهوا إليه بالدعاء..

قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60].

وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].

وقال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55].

وفي الحديث القدسي: قال الله تبارك وتعالى: «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم» رواه مسلم [والحديث طويل].

أخي المسلم: ومن هنا عرف المخلصون أن الله تعالى هو مالك إجابة الدعاء.. فأخلصوا له في الدعاء.. والتمسوا قضاء حاجاتهم منه تبارك وتعالى.

ولكن أخي الدعاء كغيره من العبادات إن أديت بشروطها قبلت وإلا ردت على صاحبها.

أخي: كثير أولئك الذين يقولون: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟!

أخي: إجابة الدعاء ومشاهدة آثاره الطيبة أصبح حلم الكثيرين.. فالكل يرجو أن يكون دعاؤه مستجابًا..

أخي: فإلى هذه الوقفات مع الدعاء.. وكيف يكون الدعاء مستجابًا؟

 الدعاء باب مغلق يحتاج إلي مفتاح!

أخي المسلم: إن مثل الدعاء كمثل باب أغلق على كنوز عظيمة وليس بإمكانك الوصول إلي هذه الكنوز إلا بعد فتحك للباب! وليس بإمكانك فتح الباب إلا بمفتاح!

أخي: الباب: حجاب بينك وبين الكنوز.. والكنوز: هي آثار الدعاء وثماره الطيبة.. والمفتاح: هو إتيانك بأسباب إجابة الدعاء..

أخي: لكل مفتاح أسنان يفتح بها.. وأسنان مفتاح الدعاء أكثر من سن واحدة! فلا بد أن تأتي بها كلها وإلا فلن يفتح لك!

 أسرار حول إجابة الدعاء!

أخي المسلم: سأهديك دررًا غاليًا حول أسرار إجابة الدعاء .. لتكون مقدمة لهذه الصفحات والتي ستكشف لك بإذن الله تعالى درب الدعاء المستجاب .. لعلك أن تكون من المحظوظين بإجابة الدعوات.

أخي: كثير من الناس وهم يدعون ينسون عظمة من يدعونه تبارك وتعالى! وتجد قلب الداعي وقتها معلقًا بتحقق طلبه!

أخي: إذا رفعت يديك إلى مولاك تبارك وتعالى.. فتذكر أنك تدعو من ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].

وتذكر أنك تدعو مالك الملك.. ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ [آل عمران: 26].

وتذكر أنك تدعو الغني عن خلقه .. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15].

أخي: إنك إذا تذكرت ذلك كله وجدت للدعاء حلاوة تغنيك عن كل حلاوة! وهكذا كان الصالحون من سلف هذه الأمة (رضي الله عنهم) كانوا يتلذذون بدعاء الله تعالى ومناجاته كتلذذهم بسائر العبادات والطاعات..

أخي: ومن كان ذاك وصفه كان أقرب للإجابة من غيره...

وتذكر أخي أيضًا: الإخلاص وإفراد الله تعالى بالدعاء.. فيكون دعاؤك خالصًا عن شوائب الشرك والرياء.. ليجد دعاؤك طريقه إلي ملكوت مالك الملك تبارك وتعالى..

أخي: وهناك وقفة أخرى نسير في درب الدعاء المستجاب.. فقف أخي قليلاً. أو قل: كثيرًا! قف معي أخي عند هذه المحطة..

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء» [رواه الترمذي والحاكم/ صحيح الجامع: 629].

أخي: حاسب نفسك وأنت تقرأ تلك النصيحة الغالية للنبي - صلى الله عليه وسلم -..

هل أنت أخي من المكثرين للدعاء والالتجاء إلى الله تعالى في أمرك كله؟!

أخي: كما رأيت فذاك سبب من أسباب إجابة الدعاء.. فكن أخي فطنا.. حريصًا على الخيرات ولا تضيع الفرص..

أخي: كانت تلك الكلمات كتوطئة.. فهل أنت أخي مصمم للسير معي في هذا الطريق؟!

ووفقني الله وإياك إلي الصواب في القول والعمل.. واستجاب دعائي ودعاءك مع صالح العمل..

طريق إجابة الدعاء

أخي المسلم: دعنا نقف سويًا على معالم وأسباب إجابة الدعاء.. ولا تنس أخي أن تستصحب معك قلبك دائمًا.. فنحن في طريق لا يقطع بسير الأقدام أو غيرها! وإنما يقطع بسير القلوب!!

أخي: ها هي أسباب إجابة الدعاء أضعها بين يديك.. ولا تنس ما قلته لك: إن ذلك يحتاج إلي قلب حاضر..

 أخي: وأنت تلتمس إجابة الدعاء.. فلتدع دعاء واثق بما عند الله تعالى.. محسنًا الظن بمولاك تبارك وتعالى..

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ» [رواه الترمذي والحاكم/ السلسلة الصحيحة: 594].

* وإذا دعوت أخي فلتتق الله في دعائك، فلا تدع بإثم أو قطيعة رحم.. فإن الدعاء الصالح المستجاب هو الذي يرجو به صاحبه خير الدنيا والآخرة، ولا خير في داعٍ يفكر في تحصيل شهوات النفس البهيمية!!

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» [رواه مسلم].

* وعلى الداعي أيضًا أن يعلم أن من أسباب إجابة الدعاء: أن يكون الداعي ممن يحرصون على اللقمة الحلال.. فلا يدخل بطنه حرامًا .. وإذا اتصف العبد بذلك لمس أثر الإجابة في دعائه ووجد آثارًا طيبة لذلك..

أخي: لقد عم البلاء بأكل الحرام أو المشتبه في حله! فكان ذلك سببًا في عدم إجابة دعاء الكثيرين.. فيا غافلين عن أسباب إجابة الدعاء تنبهوا إلي ما يدخل جيوبكم من المال.. وتنبهوا إلي ما يدخل بطونكم من الطعام..

ولا يقولن أحدكم: دعوت ولم أر إجابة للدعاء! وهو قد ملأ يده وبطنه من الحرام!! وأتركك أخي مع هذه الوصية النبوية...

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيها الناس إن الله طيب لا يقل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلي السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام! ومشربه حرام! وغذي بالحرام! فأنى يستجاب لذلك؟!» [رواه مسلم والترمذي].

قال سهل بن عبد الله (رحمه الله): من أكل الحلال أربعين صباحًا أجيبت دعوته!

وقال يوسف بن أسباط (رحمه الله): بلغنا أن دعاء العبد يحبس عن السماوات بسوء المطعم!

وقال الإمام ابن رجب (رحمه الله): فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجب لإجابة الدعاء.

أخي المسلم: ولك في سلفك الصالح – رضي الله عنهم – قدوة صالحة..

فهذا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) اشتهر بإجابة الدعاء.. فكان إذا دعا ارتفع دعاؤه واخترق الحجب فلا يرجع إلا بتحقيق المطلوب!

فكان رضي الله عنه مثالاً حيا لمن أراد أن يعرف طريق إجابة الدعاء... وها هو رضي الله عنه يسأله بعضهم: تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟

فقال: ما رفعت إلي فمي لقمة إلا وأنا عالم من أين مجيئها؟! ومن أين خرجت؟!

أخي: ذاك هو سر استجابة دعاء سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – اللقمة الطيبة الحلال..

أخي: فلنحاسب نفسك في أكلها وشربها وملبسها.. من أين هذا؟! وكيف جاء؟!

فإذا كان حلالاً .. فكل وأنت معافىً .. وادع الله تعالى رازقك .. فأنت يومها القريب من طريق الإجابة!

* أخي: وأنت تلتمس إجابة الدعاء احذر أن تكون من المتعجلين لإجابة الدعاء.. فإن الكثيرين يستعجلون إجابة الدعاء كأنه لزامًا على الله تعالى أن يجيب دعاءهم! وقد نسي هؤلاء أن الله تعالى ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23].

فاحذر الاستعجال لإجابة الدعاء.. ولتعلم أن الدعاء عبادة.. فإنك إن أكثرت من الدعاء فأنت على خير عظيم، سواء رأيت أثرًا للإجابة أو لم تر..

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي» [رواه البخاري ومسلم].

 ولا يغيب عنك أيضًا أخي ؛ أن من أسباب إجابة الدعاء: الإكثار من النوافل بعد أداء الفرائض.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب! وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه، وما يزال عبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه...» [رواه البخاري].

فلتكثر أخي من النوافل فإنها ترفع مقامك في الدنيا والآخرة.

أما في الدنيا: فبالفوز بمحبة الله تعالى.. وهي غاية الغايات! وإذا فزت بذلك أعانك الله تعالى على طاعته ومرضاته.. فلا تسمع إلا ما يرضي الله، ولا تبصر إلا ما يرضي الله، ولا تنال بيدك إلا ما يرضي الله، ولا تمشي برجلك إلا في مرضاته تبارك وتعالى.. ويستجيب الله دعاءك .. ويعيذك من كل شيء يؤذيك..

وأما في الآخرة: فبالفوز برضوان الله تعالى ونعيمه الباقي..

أخي: هذه الخيرات كلها تدركها بالإكثار من النوافل! فإن أنت ضيعت فرصة كهذه فلتبك على عقلك البواكي!

أمور تعين على إجابة الدعاء

أخي المسلم: ما زلنا سويًا في طريق إجابة الدعاء .. وها هي معالم هذا الطريق تظهر لنا واحدة بعد الأخرى..

* أخي: من الأمور التي تعينك ليكون دعاؤك مستجابًا: التوسل إلي الله بأعمالك الصالحة التي وفقك الله إليها.. فالعمل الصالح نعم الشفيع لصاحبة في الدنيا والآخرة ـ إذا كان صاحبه مخلصًا فيه ـ

قال وهب بن منبه (رحمه الله): العمل الصالح يبلّغ الدعاء، ثم تلا قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10].

وقال بعضهم: يستحب لمن وقع في شدة أن يدعو بصالح عمله.

أخي: وخير واعظ لك في أثر التوسل بالأعمال الصالحة؛ تلك القصة التي قصها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه رضي الله عنهم وهي: قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فسدت باب الغار الذي كانوا فيه! فتوسل كل واحد منهم بعمل صالح عمله، فكشف الله عنهم الصخرة. [والحديث رواه البخاري برقم: 3465 ورواه مسلم برقم: 2743].

أخي المسلم: التوسل بالأعمال الصالحة لا يتحقق إلا لأهل الطاعات.. الذين أضاءت أنوار الصالحات من صحائفهم! فأولئك هم الذين إذا توسلوا إلي الله تعالى بأعمالهم الصالحة قبل توسلهم ، وكان العمل الصالح خير شفيع لهم..

قال وهب بن منبه: مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر!

* أخي: ومن الأمور التي تعينك في درب الدعاء المستجاب: أن تدعو الله تعالى باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب..

سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكون له كفوًا أحد. فقال: «والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه/ صحيح الترمذي: 3475].

وسمع أيضًا مرة رجلاً يدعو: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» [رواه أصحاب السنن وغيرهم/ صحيح أبي داود: 1495].

 الشرط الأكبر للدعاء المستجاب

أخي المسلم: هذا الشرط ركيزة ضرورية في بناء الدعاء المستجاب، وبدونه يصبح الدعاء ضعيفًا.. واهيًا..

أخي: أتدري ما هو هذا الشرط؟!

إنه: «التوبة من المعاصي» وإعلان الرجوع إلي الله تعالى.

أخي: إن أكثر أولئك الذي يشكون من عدم إجابة الدعاء آفتهم المعاصي! فهي خلف كل مصيبة..

قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح.

قال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي!

أخي المسلم: ها هي المعاصي قد عمت ، وتطاير شررها في كل مكان! وقد غفل الغافلون.. وهم في غيهم منهمكون!

ولكن إذا نزلت المصيبة صاروا يجأرون بدعاء الله تعالى! فما أتعسهم! وما أقل نصيبهم من إجابة الدعوات!

قيل لإبراهيم بن أدهم (رحمه الله): ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟!

قال: لأنكم عرفتم الله فم تطيعوه! وعرفتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم تتبعوا سنته! وعرفتم القرآن فلم تعملوا به! وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها! وعرفتم الجنة فلم تطلبوها!! وعرفتم النار فم تهربوا منها!! وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ، ووافقتموه! وعرفتم الموت فلم تستعدوا له!! ودفنتم الأموات فلم تعتبروا! وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس!!

أخي المسلم: فالتوبة .. التوبة.. ولتنظف طريق الدعاء من الأوساخ..

ليجد دعاؤك طريقه إلي الاستجابة .. وإلا كيف ترجو أخي الإجابة إذا كنت ممن يبارز ربه تعالى في ليله ونهاره ...؟!

أخي: إن مثل العاصي في دعائه كمثل رجل حارب ملكًا من ملوك الدنيا ، ونابذه العداوة زمنًا طويلاً، وجاءه مرة يطلب إحسانه ومعروفه!

فما ظنك أخي بهذا الرجل؟! أتراه يدرك مطلوبة؟!

كلا! فإنه لن يدرك مطلوبه إلا إذا صفا الود بينه وبين ذلك الملك..

فذاك أخي مثل العاصي الذي يبيت ويصبح وهو في معصية الله، ثم إذا وقعت به شدة يرجو من الله أن يجيب دعاءه! فاحذر أخي عاقبة المعاصي.. فإنك لن تستعين على إدراك الدعاء المستجاب بشيء أقوى من ترك المعاصي.. فترك المعاصي مفتاح لباب الدعاء المستجاب..

وأعانني الله وإياك لطاعته.. وعصمني وإياك من معاصيه ومساخطه..

 روح الدعاء المستجاب .. التذلل والافتقار!

أخي المسلم: إذا أردت لدعائك أن يصعد حقًا! فتأمل في حالك وقت الدعاء، هل أنت ممن يدعون دعاء الراغب .. الراهب .. المستكين .. الخاضع .. المتذلل .. الفقير إلي ما عند ربه تبارك وتعالى؟!

أم أنك أخي إذا دعوت دعوت دعاء غافلٍ .. لاه!

أخي: التذلل والخضوع والافتقار إلي الله أثناء الدعاء له مفعول عجيب في إجابة الدعاء!

وقد غفل الكثيرون عن ذلك ، فتجد أحدهم إذا دعا أخرج كلمات جافة لا أثر للخضوع والتذلل فيها ، وقد نسي هذا أنه يخاطب ملك الملوك.. المتفرد بالجلال والكبرياء..

قال بعضهم: ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق!

أخي المسلم: إن أثر التذلل والخضوع على إجابة الدعاء سريع .. مضمون الفائدة! ولا يجد هذا إلا من جربه..

وسأقص عليك أخي نماذج تبرهن لك أن أثر التذلل على إجابة الدعاء لا يتخلف..

* قيل: أصاب الناس قحط على عهد داود – عليه السلام – فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتى يستسقوا بهم.

فقال أحدهم: اللهم إنك أنزلت في توراتك : أن نعفو عمن ظلمنا، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا فاعف عنا.

وقال الثاني: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقاءنا، اللهم أرقاؤك فاعتقنا.

وقال الثالث: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن لا نرد المساكين إذا وقفوا بأبوابنا، اللهم إنا مساكينك وقفنا ببابك فلا ترد دعاءنا. فسقوا.

* وفي عهد عبد الرحمن الثالث ـ الخليفة الأموي ـ على بلاد الأندلس، أمسكت السماء ذات مرة عن المطر، فدعا الخليفة الناس إلي الاستسقاء ، ـ وكان قاضي الجماعة يومها منذر بن سعيد (رحمه الله) ـ: فبعث إليه الخليفة أن يخرج الناس إلي صلاة الاستسقاء.

ولما جاء رسول الخليفة إلى منذر؛ قال له منذر: كيف تركت مولانا؟

فقال: تركته وقد نزل عن سريره وافترش التراب!

فقال منذر: أبشروا بالفرج ، فإنه إذا ذل جبار الأرض رحم جبار السماء!

وخرج الناس بعدها للاستسقاء. فسقوا!

أخي المسلم: لذلك كان أرجى الدعاء بالاستجابة ما تضمن الخضوع والتذلل والاعتراف بالذنب..

وإذا أردت أخي دعاء يجمع هذه الخصال؛ فقد أرشدك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «دعوة ذي النون إذا دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له!» [رواه الترمذي والحاكم/ صحيح الترمذي: 3505].

فادع أخي بلسان الخضوع والتذلل والمسكنة.. دعاء عبد فقير إلي ما عند ربه تعالى.. محتاجًا إلي فضله وإحسانه .. مقرًا بذنوبه.. خاضعًا خضوع المقصرين.. يرى أنه لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا، بل أن ربه تبارك وتعالى هو مالك النفع والضر.. وهو تعالى الغني عن خلقه وهم الفقراء إليه سبحانه تبارك وتعالى..

أخي: افهم هذا جيدًا فإنه سر من أسرار الدعاء المستجاب جهله الكثيرون .. فتنبه ولا تكن من الغافلين!

 الدعاء المستجاب .. أوقات وأماكن

أخي المسلم: لتفوز بإجابة الدعاء لا بد أن تعلم أن هنالك أوقاتً وأزمنةً وأمكنةً يستجاب الدعاء فيها..

وهي أوقات وأمكنة.. فاضلة.. مباركة.. فإذا اختلط الدعاء بنفحاتها أخرج لنا أمنية كل مسلم (الدعاء المستجاب!).

فاستعد أخي لنفحات هذه الأوقات والأمكنة الطاهرة.. فها هي أقدمها إليك .. وفي كل واحدة منها بشارة لأهلها!

* ليلة القدر: وهي الليلة المباركة.. ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 1: 3].

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرص على قيامها، ويحي لأجلها العشر الأواخر من رمضان.. فاحرص أخي أن تكون ممن ينالهم خيرها وبركتها..

* دعاء يوم عرفة : وهو يوم المغفرة ، ويوم العتق من النار لمن فاز بالوقوف بتلك الأماكن الطاهرة.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة...» [رواه الترمذي/ صحيح الترمذي: 3585].

فإذا قدر الله لك أخي شهود ذلك اليوم بتلك الأماكن المباركة فلا تبخلن على نفسك بالدعاء.. فإنه يوم عرض الطلبات على الغني .. من بيده خزائن السماوات والأرض..

* الساعة التي في يوم الجمعة: وهي ساعة أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الدعاء فيها مستجاب..

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم قائمٍ يصلي يسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه!» وقال بيده يقللها يزهدها. [رواه البخاري ومسلم].

وقد اختلف العلماء في تحديد هذه الساعة، والذي رجحه الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في فتح الباري، قولين: الأول: ما بين الأذان إلي انقضاء الصلاة.

والثاني: بعد العصر.

ولكن من دعا الله تعالى في هذا اليوم كله كان على أمل كبير في إدراك هذه الساعة.

* الدعاء دبر الصلوات: وهو وقت مبارك.. فاحرص أخي على اغتنامه..

سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الدعاء أسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات» [رواه الترمذي/ صحيح الترمذي 3499].

قال مجاهد (رحمه الله): إن الصلاة جعلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصلوات.

* الدعاء في جوف الليل وآخره: وهو الوقت الذي تنافس الصالحون في إحياء ساعاته.. وهي لحظات يعيش فيها العبد بصفاء مع نفسه ويخلو فيها بمناجاة ربه تبارك وتعالى.

وأعظم ما في تلك اللحظات ما أخبرنا عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: «تبارك ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلي السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» [رواه البخاري ومسلم].

* الدعاء عند السجود: وهي لحظات شريفة، يكون العبد فيها قريبًا من ربه تبارك وتعالى .. يناجيه مناجاة متضرع إلي مولاه عز وجل..

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء» [رواه مسلم].

* الدعاء بعد الوضوء: وهو أيضًا وقت فاضل، إذ أن العبد فرغ من طاعة لله تعالى، وتطهر من الحدثين.. فكان الدعاء بعد ذلك أرجى للقبول والاستجابة..

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين. فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء» [رواه مسلم وأبو داود والترمذي].

* دعاء الصائم والمسافر: الصائم إذا أفطر له دعوة لا ترد! وكذلك المسافر..

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر» [رواه البيهقي/ السلسلة الصحيحة: 1797].

* الدعاء بين الأذان والإقامة: وهو أيضًا من الأوقات الجليلة.. إذ أن العبد جلس في بيت من بيوت الله .. طاهرًا .. منتظرًا لأداء طاعة من الطاعات ـ وهي أشرف الطاعات ـ (الصلاة!) من أجل ذلك كان دعاؤه مستجابًا..

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة» [رواه أبو داود والترمذي/ صحيح أبي داود: 521].

* الدعاء عند النداء وعند نزول المطر: النداء غيث للأرواح، والمطر غيث للأبدان، وكلاهما رحمة .. فناسب عند حدوثهما أن تتنزل الرحمة الإلهية! فكان الدعاء مستجابًا عندهما..

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر» [رواه أبو داود والحاكم/ صحيح الجامع: 3078].

* عند الاستيقاظ من النوم والدعاء بهذا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته» [رواه البخاري].

*الدعاء عند المشاعر الطاهرة:

أخي المسلم: إذا قدر الله لك النزول بالبلد الأمين حيث بيته الحرام – زاده الله تشريفًا – وتلك المشاعر الطاهرة؛ فلتكثر من الدعاء بلا ملل .. فأنت هنالك ـ أخي ـ قريب من الرحمة! فلا تقطعن الدعاء..

وتطل عليك تلك المشاعر: ابتداءً بالكعبة المشرفة – زادها الله تشريفًا – وهنالك أيضًا: مقام إبراهيم ، والصفا والمروة ، وزمزم..

وإذ حللت أرض منى فلا تنس أن تكثر من الدعاء عند الجمرة الصغرى والوسطي..

وإذا حللت مزدلفة فلا تنس أنت تذكر الله تعالى وتدعوه كثيرًا عند المشعر الحرام..

أخي المسلم: بقي أن أقول لك: تلك الأوقات ، والأماكن جعلها الله تعالى علامات لعباده يتزودون منها لدنياهم وآخرتهم.. فالمحروم حقًا من ضيع تلك الفرص! وغفل عن تلك المنح الإلهية!

أخي: إنها تأتي وتتكرر ، ولكنها تمر سريعًا.. والكثيرون غافلون عن خيراتها!

أخي: لو قيل لك: إذا قصدت الموضع الفلاني فستجد كل حاجاتك ومطالبك! ما أظنك تتردد في الذهاب إلى ذلك الموضع!

ولكن العجب أن الكثيرين غفلوا عن دعاء الله تعالى وسؤاله النفع في تلك الأوقات والأماكن الفاضلة!

غافل .. جاهل .. مسكين .. من كان هذا حاله!!

يترك دعاء مالك الملك.. الغني .. من بيده ملكوت كل شيء .. ويلجأ إلى المخلوق .. الضعيف .. الناقص .. الفقير إلى الله تعالى!

المفتاح العجيب!! (آداب الدعاء)

أخي المسلم: حقًا إن آداب الدعاء مفتاح عجيب للدعاء المستجاب! وبدون هذه الآداب يصبح الدعاء لا معنى له!

أخي: إن لهذه الآداب أثر قوي في استجابة الدعاء.. ومن لم يأت بها في دعائه فمثله: كمثل رجل دخل على ملك من ملوك الدنيا يطلب بره وإحسانه، فلم يبدأ الملك بالسلام! ولم يقدم بين يدي حاجته كلمات مناسبة! بل ابتدأه بحاجته مباشرة!

فتأمل أخي فيمن هي هذه حاله أتراه يظفر بحاجاته ومطلوبة؟!

أخي: إذ فهمت هذا فلتعلم أن الله تعالى أولى وأحق من تأدب له العباد .. ووقفوا بين يديه بلسان الذلة والخضوع، قبل المسألة والدعاء..

* أخي: إذا دعوت الله تعالى فلتبدأ أولاً: بحمده والثناء عليه تبارك وتعالى .. ثم بعدها: بالصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -.. ثم ابدأ بعد ذلك في دعائك ومسألتك..

عن فضالة بن عبيد (رضي الله عنه): قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد إذ دخل رجل فصلى. فقال: اللهم اغفر لي وارحمني. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «عجلت أيها المصلي! إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، وصل على ثم ادعه».

قال: ثم صلى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أيها المصلي ادع تجب» [رواه أبو داود والترمذي/ صحيح الترمذي: 3476].

* أخي: ومن آداب الدعاء الحسنة: الوضوء.. حتى تقبل على الله تعالى .. طاهرًا .. متهيئًا لمناجاته ودعائه..

وفي حديث أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه): لما استغفر النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبيد أبي عامر، دعاء بما فتوضأ ثم رفع يديه فقال: «اللهم اغفر لعبيد أبي عامر..» [رواه البخاري ومسلم. والحديث طويل].

* ومن الآداب الحسنة أيضًا: استقبال القبلة .. فهي الرمز الصادق للتوجه الصادق..

ولما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - على كفار قريش استقبل القبلة. [الحديث رواه البخاري ومسلم].

* ومن الآداب أيضًا: رفع الأيدي أثناء الدعاء.. وهو شعار التذلل والخضوع والمسكنة .. وكلما ازدادت الحاجة ازداد رفع الأيدي والتضرع، لذا كان رفع الأيدي في الاستسقاء أكثر لعظم الحاجة للغيث..

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين» [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه/ صحيح أبي داود: 1488].

* ومن الأدب الحسن والذي يرجى به لصاحبه أن يستجاب دعاؤه: أن يقدم بين يدي دعائه عملاً صالحًا، كصلاة أو صيام أو صدقة .. ألا ترى أخي أن الدعاء بعد الصلوات أرجى للإجابة؟! لأنه وقع بعد عمل صالح، وهو: (الصلاة المفروضة) وهي أرقع عمل بعد توحيد الله تعالى..

* أخي: ومن الآداب التي ينبغي أن تنبه لها: أن تختار لدعائك أحسن الألفاظ وأجمعها، ويا حبذا لو أكثرت من الأدعية المأثورة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.. فلا تنس أخي أن النبي قد أتى جوامع الكلم ومهما حاول الإنسان أن  يأتي بأدعية فإنه لن يستطيع أن يأتي بأدعية أجمع وأشمل وأحسن من أدعية النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وهذا لا يعني أن لا يأتي الداعي إلا بالأدعية المأثورة، فإن للداعي أن يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة على حسب طاقته، ولكن إذا اكتفى في بعض المواطن بالمأثور عن أدعية النبي - صلى الله عليه وسلم - فذلك أفضل..

* أخي: ومن الآداب الجميلة للدعاء: أن يخفض الداعي صوته إذا دعا.. فإن الداعي مناج لربه تبارك وتعالى، والله تعالى يعلم السر وأخفى.. كما أن الداعي إذا خفض صوته كان بذلك أكثر تأدبًا وتذللاً وخضوعًا ممن رفع صوته بالدعاء.

وقد مدح الله تعالى نبيه زكريا – عليه الصلاة والسلام – بخفض الصوت في الدعاء، فقال تعالى: ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم: 2، 3].

* أخي المسلم: ومما ينبغي أن تلاحظه من الآداب وأنت تدعو الله عز وجل: اختيار الاسم الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى.. فتدعوه بما جاء في القرآن والسنة من أسمائه الحسنى تباك وتعالى.. ولا تتجاوز ذلك إلي الأسماء التي لم ترد في القرآن والسنة ، أو الأسماء التي ابتدعها المبتدعة وأهل الأهواء..

قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180].

قال الإمام القرطبي (رحمه الله): «سمى الله سبحانه أسماءه بالحسنى؛ لأنها حسنة في الأسماع والقلوب، فإنها تدل على توحيده وكرمه وجوده ورحمته وأفضاله».

أخي المسلم: تلك شذرات عابرة ، جمعتها لك في آداب الدعاء.. فلتجعلها أخي خير غلاف لدعائك.. وارج الله تعالى دائمًا ولا تكن من القانطين..

 كلمات أخيرة..

لكل طارق باب ربه تبارك وتعالى..

* أخي المسلم: تذكر دائمًا أنك عبد لله تعالى.. وللسيد أن يفعل بعبده ما يشاء. فلا تقل: دعوت فلم يستجب لي! ولكن قل: لماذا إذا دعوت لا يستجاب لي؟! فلتحاسب نفسك أخي فإنك أدرى بها!

* أخي: الدعاء عبادة فإذا دعوت الله تعالى فلتعلم أنك في عبادة.. ولا تجعل همك دائمًا إجابة الدعاء..

* أخي: إذا أكثرت من دعاء الله تعالى وجدت لذلك لذة عظمى! فحاول أن تكثر من الدعاء..

* أخي حاول أن تعود نفسك الدعاء في كل أمر من أمورك وإن كان صغيرًا جدًا في نظرك..

* أخي: هل علمت أن كثرة الدعاء أمان لصاحبها من سوء القضاء؟! فإن من أكثر من دعاء الله تعالى في أحواله كلها أمنه الله من سوء القضاء..

* أخي: لا تنس في دعائك أن تجعل لآخرتك الحظ الأكبر، فلا يكن همك في دعائك دائمًا مطالب حياتك الدنيا!

* أخي: إذا دعوت الله تعالى فاجعل من دعائك نصيبًا لأهلك وإخوانك ، ومن تعزهم وجميع المسلمين..

* أخي: حاسب نفسك دائمًا ، وتأكد من سلامتك من العيوب التي تمنع استجابة الدعاء.. حتى لا تقول: دعوت فلم يستجب لي!

** أخي المسلم: تلك كلمات حاولت أن أجمع فيها ما يحتاجه كل مسلم يرجو أن يستجيب الله دعاءه.. وقد اقتصرت فيها على الضروري والأهم.. وأملي أن يجد فيها من قرأها جوابًا لذاك السؤال الذي أرق الكثيرين: لماذا ندعو فلا يستجاب لنا؟!

وأسأل الله تعالى لي ولك أخي سدادًا في الطاعات ، وثباتًا على الهدى حتى الممات .. وإجابة في الدعوات..

والحمد لله تعالى، والصلاة على نبيه محمد وآله وأصحابه والسلام..