إلى متى العصيان ؟
ترجمات المادة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- إلى
متى العصيان؟
- المقدمة
- مرارة الحسرة
- إيَّاك والمعصية
- قد لا يؤثر الذنب في الحال
- المعاصي سبب هلاك الأمم
- أصول المعاصي
- أنواع المعاصي
- صغائر وكبائر
- إلى متى العصيان؟!
- أضرار الذنوب والمعاصي على الفرد
- أعجب العجائب
- التوبة قبل الرحيل
- أجناس المحرمات
- دمعة ندم
- أسباب سلامة القلب
- أسباب ترك الذنوب والمعاصي
- يا صاحب الذنب
- ندم وحسرة
- الاحتجاج بالقدر على المعاصي
- فوائد ترك الذنوب والمعاصي
- أسباب دفع عقوبات الذنوب والمعاصي
- يا مغرورًا بالأماني
- أنا العبد الذي كسب الذنوب
إلى متى العصيان؟
القسم العلمي بمدار الوطن
المقدمة
الحمد لله الذي أمر بالطاعة وحثَّ عليها، ونهى عن المعصية وحذَّر منها، والصلاة والسلام على خير الطائعين وإمام المتقين نبيَّنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين .. أمَّا بعد:
أخي الحبيب:
اعلم وفَّقك الله أنَّ المعاصي قبيحة العواقب، سيئة المنتهى، وهي وإن سرَّ عاجلها ضرَّ آجلها كما قيل:
تَفنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتها | مِنَ الحرَامِ ويَبقَى الإثمُ وَالعَارُ | |
تَبقَى عَواقِبُ سُوءٍ فِي مَغَبَّتِهَا | لاَ خَيْرَ في لَذَّةٍ مِن بَعدِهَا النارُ |
فربما يجد العاصي سرورًا في نفسه حين يُباشر معصيته، وربما يشعر بلذَّةٍ عند اقترافها والقدوم عليها، ولكنه سرورٌ كاذبٌ ولذَّةٌ زائفةٌ وسعادةٌ وهمية؛ لأنه أغضب خالقه، وبارز ربَّه بالمحاربة، وتناول ما ليس له .. فكيف يصفو له عيش؟ وكيف يهدأ له بال؟
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: 14]
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36].
مرارة الحسرة
قال الإمام ابن الجوزي:
من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها نال خيرها ونجا من شرِّها، ومن لم يرَ العواقب غلب عليه الحسُّ، فعاد عليه بالألم ما طلب منه السلامة، وبالنصب ما رجا منه الراحة.
وبيان هذا في المستقبل يتبيَّن بذكر الماضي، وهو أنك لا تخلو أن تكون عصيتَ الله في عمرك أو أطعته، فأين لذَّة معصيتك؟ وأين تعب طاعتك؟ هيهات!.. رحل كلٌّ بما فيه، فليتَ الذنوب إذا تخلَّت خلت!
وأزيدك في هذا بيانًا:
مَثِّلْ ساعة الموت، وانظرْ إلى مرارة الحسرات على التفريط، ولا أقول كيف تغلب حلاوة اللذات؟! لأنَّ حلاوة اللذات استحالت حنظلاً، فبقيت مرارةُ الأسى بلا مقاوم.
أتراك ما علمت أنَّ الأمر بعواقبه؟
فراقب العواقب تسلم، ولا تمل مع هوى الحسن فتندم.
قَدْ كَانَ عُمرُكَ مِيلاً | فَأصبَحَ المِيلُ شِبرَا | |
وَأَصْبَحَ الشِّبرُ عُقدًا | فَاحْفُرْ لِنَفْسِكَ قَبْرَا |
فمن تفكَّر في عواقب الدنيا أخذ الحذر، ومن أيقن بطول الطريق تأهَّب للسفر.
إيَّاك والمعصية
اعلم أخي المسلم أنَّ الصبر على المعصية والشهوة أسهل من الصبر على ما تُوجبه المعصية والشهوة فإنها:
إما أن توجب ألَمًا وعقوبة.
وإما أن تقطع لذَّةً أكمل منها.
وإما أن تضيِّع وقتًا إضاعته حسرة وندامة.
وإما أن تثلم عرضًا توقيره أنفع للعبد من ثلمه.
وإما أن تُذهب مالاً بقاؤه خيرٌ له من ذهابه.
وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذُّ من قضاء الشهوة.
وإما أن تُطرق لوضيع إليك طريقًا لم يكن يجدها قبل ذلك.
وإما أن تجلب همًّا وغمًّا وحزنًا وخوفًا لا يقارب لذَّة الشهوة.
وإما أن تُنسِيَ علمًا ذكره ألذُّ من نَيل الشهوة.
وإما أن تُشمت عدوًّا وتُحزِن وليًّا.
وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة.
وإما أن تحدث عيبًا يبقى صفة لا تزول.
قد لا يؤثر الذنب في الحال
وهنا أمرٌ يغلط فيه كثير من الناس في شأن الذنوب والمعاصي، وهو أنهم إذا لم يرَوا العقوبة في الحال ظنوا أنها لن تنالهم بعد ذلك، وأنهم قد عُفِي عنهم وغُفِر لهم، وهذا من الغرور الذي هلك بسببه خلقٌ كثير وجمٌّ غفير؛ لأن العقوبة تأتي ولو بعد حين.
فقد ذكر الإمام أحمد في كتاب «الزهد» عن محمد ابن سيرين أنه لما ركبه الدَّين اغتمَّ لذلك فقال: إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة!
ونظر أحد العبَّاد إلى امرأة فتأمَّل محاسنها، فأتى في منامه وقيل له: لتجدنَّ غِبَّها بعد أربعين سنة!
وقال يحيى بن معاذ الرازي:
عَجِبتُ من ذي عقلٍ يقول في دعائه: «اللهم لا تشمت بي الأعداء، وهو يُشمت بنفسه كلَّ عدوٍّ له».. قيل له: وكيف ذلك؟ قال: «يعصي الله فيشمت به في القيامة كلَّ عدوٍّ»!
ويمكن أن تُعجَّل العقوبة فيشعر بها العاصي من فوره، كما قال سليمان التيمي: إنَّ الرجل ليُصيب الذنب في السرِّ فيصبح وعليه مذلَّته، فمتى رأيتَ تكديرًا في حال، فتذكَّر ذنبًا قد وقع منك.
فقد قال الفضيل بن عياض: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلق دابتي وجاريتي!
وقال أبو سليمان الداراني: من صفَّى صُفِّي له، ومن كدَّر كُدِّر عليه، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله.
المعاصي سبب هلاك الأمم
أخي المسلم الموفق:
إذا تأمَّلنا العقوبات التي عاقب الله بها الأمم السابقة وجدنا أنها جميعًا بسبب ذنوبهم ومعاصيهم .. قال تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت: 40]
فليس في الدنيا والآخرة شرٌّ وداءٌ إلى سببه الذنوب والمعاصي، فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور؛ إلى دار الآلم والأحزان والمصائب؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، فجعل صورته أقبح صورة وأبشعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع؟
وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم في زمن نوح عليه السلام حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟!
وما الذي سلَّط الريح على قوم عادٍ حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية، ودمَّرت ما مرَّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم، حتى صاروا عبرةً للأمم إلى يوم القيامة؟!
وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم من أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعًا؟ ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمَّةٍ غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد!
وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظُلل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارًا تلظَّى؟
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نُقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟!
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟
وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمَّرها تدميرًا؟
وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم؟
وما الذي سلَّط على بني إسرائيل قومًا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذرية والنساء وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال؟
وما الذي سلَّط عليهم أنواع العقوبات، مرَّة بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومرَّة بجور الملوك ومرَّة بمسخهم قردةً وخنازير؟
أخي الحبيب:
وما الذي سلَّط بعضنا على بعض حتى أصبح التقاتل بين المسلمين شيئًا مألوفًا لا يُستغرب؟!
وما الذي أعاد الكرَّة علينا حتى اغتصب اليهود ديارنا وأموالنا ومقدساتنا، وأعملوا فينا الذبح والقتل والتنكيل، فأصبحنا أذلَّ أمَّةٍ بعد أن كنا خير أمَّةٍ أُخرِجت للناس؟
أليست هي الذنوب والمعاصي؟
عن جبير بن نفير قال: لما فُتِحت قبرص فرق أهلها، أي خافوا وفزعوا، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكي فقلت: يا أبا الدرداء، ما يُبكيك في يومٍ أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جُبير! ما أهون الخلق على الله عزَّ وجلَّ إن هم أضاعوا أمره، بينما هي أمَّة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى!
نعم يا أخي:
ما أهون الخلق على الله عزَّ وجل إن هم أضاعوا أمره؛ يُبدِّل حالهم من العزِّ إلى الذُلِّ، ومن الغِنى إلى الفقر، ومن القوَّة والبأس والسلطان إلى الضعف والمهانة والانهزام.
فاحذر يا أخي من بأس الله وغضبه، وتحوُّل عافيته وفجاءة نقمته، واعلم أنَّ الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم .. قال تعالى:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنفال: 53]
وقال سبحانه: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
أصول المعاصي
قال الإمام ابن القيم: أصول المعاصي كلها كبارها وصغارها ثلاثة:
1- تعلُّق القلب بغير الله.
2- وطاعة القوة الغضبية.
3- والقوَّة الشهوانية.
وهي الشرك والظلم والفواحش، فغاية التعلُّق بغير الله الشرك، وأن يُدعَى معه إله آخر، وغاية طاعة القوة الغضبية القتل، وغاية طاعة القوَّة الشهوانية الزنا.
ولهذا جمع الله سبحانه بين الثلاثة في قوله: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ﴾ [الفرقان: 68].
وهذه الثلاثة يدعو بعضها إلى بعض، فالشرك يدعو إلى الظلم والفواحش، كما أنَّ الإخلاص والتوحيد يصرفها عن صاحبه، وكذلك الظلم يدعو إلى الشرك والفاحشة، فإنَّ الشرك أظلم الظلم، قال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13].
والفاحشة تدعو إلى الشرك والظلم؛ فهذه الثلاثة يجرُّ بعضها إلى بعض فيأمر بعضها ببعض.
أنواع المعاصي
وذكر رحمه الله:
إنَّ المعاصي نوعان:
1- ترك مأمور. 2- فعل محظور.
وكلاهما ينقسم باعتبار محلّه إلى:
1- ظاهر على الجوارح. 2- باطن في القلوب.
وباعتبار متعلِّقه إلى:
1- حقُّ الله. 2- حقٌّ للخلق.
ثم هذه الذنوب تنقسم إلى أربعة أقسام:
1- ذنوب ملكية:
وهي أن يتعاطى العبد ما لا يصلح له من صفات الربوبية كالعظمة والكبرياء والجبروت والشرك والقول على الله بغير علم، وهذا القسم أعظم أنواع الذنوب.
2- ذنوب شيطانية:
وهي أن يتشبَّه العبد بالشيطان في الحسد والبغي والغشِّ والغلِّ والخداع والمكر والأمر بالمعاصي والبدع وتحسينها، وهذا النوع يلي الأول في المفسدة إلاَّ أنه دونه.
3- ذنوب سبعية:
كالعدوان والغصب وسفك الدماء والتوثُّب على الضعفاء والعاجزين وإيذاء الناس، وجميع أنواع الظلم والعدوان.
4- ذنوب بهيمية:
كالشره والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، ومنها يتولَّد الزنا والسرقة وأكل أموال اليتامى والبخل والشحِّ والجُبن والهلع والجزع وغير ذلك، وأكثر ذنوب الخلق من هذا القسم.
صغائر وكبائر
وهذا تقسيم آخر للمعاصي والذنوب، فهي تنقسم إلى صغائر وكبائر بنصِّ القرآن والسنة وإجماع السلف قال تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: 31]
وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللمَمَ﴾ [النجم: 32].
وقال النبي e: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»([1]) .
وفي الصحيحين عن النبي e أنه قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا: يا رسول الله، وما هنَّ؟
قال: «الشرك بالله، والسِّحر، وقتل النفس التي حرم الله إلاَّ بالحقِّ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
وسأل رجل ابن عباس عن الكبائر: أسبعٌ هنَّ؟
قال: هنَّ إلى السبعمائة أقرب، إلاَّ أنه لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار!
فاتق الله أيها المسلم، ولا تستهن بمعصية الله عزَّ وجلَّ؛ فإنَّ من أدمن الصغائر وقع حتمًا في الكبائر.
قال أحد السلف: لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر إلى من عصيت!
قال الإمام ابن القيم:
وها هنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلَّة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رُتبها، وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدرٌ زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره.
إلى متى العصيان؟!
قُل للمُفَرِّط يَستَعِد | مَا مِن وُرُود المَوتِ بُدُّ | |
قد أخلَقَ الدهرُ الشَّبَا | بَ ومَا مَضَى لا يُستَرَدُّ | |
أوَ مَا يَخاف أخُو المَعَا | صِي مَن لَه البَطشُ الأَشَدُّ | |
يومًا يُعايِنُ مَوقفًا | فِيهُ خُطوبٌ لاَ تُحَدُ | |
فَإلامَ يَشتَغِلُ الفَتَى | في لَهْوه وَالأمرُ جِدُّ | |
أبَدًا مَوَاعِيدُ الزَّمَانِ | لأَهلهِ تَعبٌ وَكَدُ | |
يَا مَن يُؤمِّلُ أَن يُقِيمَ | بِه وحَادِي الموتِ يَحدُو | |
وَترُوحُ دَاعِيَةُ المنُونِ | عَلَى مُؤمِّلهَا وَتَغدُو | |
يختَالُ فِي ثَوبِ النَّعِيم | وَدُونَهُ قَبرٌ وَلَحْدُ | |
وَالعُمرُ يَقصُرُ كُلَّ يَومٍ | ثُمَّ فِي الآمَالِ مَدُّ |
أضرار الذنوب والمعاصي على الفرد
أخي الحبيب:
أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ للذنوب والمعاصي تأثيرًا سلبيًا على القلب، وهذا التأثير يقوى بحسب قوة المعصية والغفلة عن الاستغفار والتوبة ويضعف بحسب ضعف المعصية وتداركها بالاستغفار والتوبة فليس هناك نجاة يوم القيامة إلاَّ لمن كان قلبه سليمًا خاليًا من كلِّ شبهة مضلَّة وشهوة مهلكة كما قال سبحانه ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88، 89].
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ المؤمن إذا أذنب ذنبًا نُكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه ـ أي أبيض ـ وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: 14]».
وقد جمع الإمام ابن القيم رحمه الله شيئًا كثيرًا في أضرار الذنوب والمعاصي حتى لم يدَع لمن بعده مقالاً في ذلك إلا الأخذ عنه والاستفادة منه، ومما ذكره رحمه الله من أضرار وعقوبات ما يلي:
1- قلَّة التوفيق وخفاءُ الحقِّ على العاصي.
2- فساد القلب وظُلمته وطمس نوره.
3- حرمان العلم وحرمان الرزق بسبب المعصية.
4- وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله وبينه وبين الناس.
5- تعسير أموره وعدم قضاء حاجاته.
6- وهن قلبه وبدنه.
7- حرمان الطاعة ولذَّتها.
8- قصر العمر وموت الفجأة.
9- التعوُّد على المعاصي وانسلاخ استقباحها من القلب.
10- ومنها أنَّ المعصية سبب لهوان العبد على ربِّه وسقوطه من عينه.
11- ومنها أنَّ المعصية تورث الذُّلّ ولا بدَّ فإنّ العزَّ كلَّ العز في طاعة الله.
12- ومنها أنَّ المعاصي تُفسد العقل وتطفئ نوره.
13- ومنها أنها تطبع على القلب حتى يعمى ويعلوه الصدأ و الران.
14- ومنها أنَّ المعاصي تُدخل العبد تحت لعنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد لعن - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا من أصحاب المعاصي.
15- ومنها حرمان العاصي من دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والملائكة.
16- ومنها التعرُّض لأنواع العقوبات يوم القيامة.
17- ومن أضرار الذنوب والمعاصي أنها تُحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن.
18- ومن تأثيرها في الأرض ما يحدث فيها من خسف وزلازل ومحق ونقص في الثمار والأمطار والأموال.
19- ومن عقوباتها أنها تطُفئ في القلب نار الغيرة المحمودة.
20- ومن عقوباتها ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب.
21- ومنها أنها تُضعف في القلب تعظيم الرَّب جلَّ جلاله، فيجترئ العبد على المعصية ويهون عليه نظر الله إليه.
22- ومن عقوباتها أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه، وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهذا هو الهلاك الذي ليس بعده نجاة.
23- ومن عقوباتها أنها تُخرج العبد من دائرة الإحسان، وتمنعه من ثواب المحسينين، وقد يخرج العبد بها من دائرة المؤمنين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن»([2]) .
24- ومن عقوبات الذنوب والمعاصي أنها تزيل النعم وتُحل النقم.
25- ومن عقوباتها المعيشة الضّنك في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة , قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124].
26- ومن عقوباتها أنها تلقي الرعب و الخوف في القلوب.
27- ومن أعظم عقوباتها أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربِّه تبارك وتعالى، وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير، واتصلت به أسباب الشر.
28- ومن عقوباتها أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا.
29- ومن عقوباتها أنها تُجرئ على العبد ما لم يكن يجترئ عليه من أصناف المخلوقات كالشياطين والنفس وعباد الله.
30- ومنها أها تزيل النعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة كما قيل:
إذا كُنتَ فِي نِعمةٍ فَارْعِهَا | ||
فَإنَّ المعَاصيَ تُزيل النِّعَم | ||
وحطهَا بطَاعَةٍ رَبِّ العبَادِ | ||
فَرَبُّ العبَادِ سَرِيعُ النِّقَم | ||
أعجب العجائب
أخي الحبيب:
أعجب العجائب سرورك بغرورك، وسهوك في لهوك، عما قد خبئ لك .. تغتر بصحتك وتنسى دنوِّ السقم، وتفرح بعافيتك غافلاً عن قرب الألم، لقد أراك مصرع غيرك مصرعك، وأبدى مضجع سواك قبل الممات مضجعك، وقد شغلك نَيل لذاتك عن ذكر خراب ذاتك!
كأنَّك لم تَسمَع بأَخبَارِ مَن مَضَى | ||
ولم تَرَ فِي البَاقِينَ مَا يَصنَعُ الدَّهرُ | ||
فَإن كُنتَ لا تَدرِي فَتِلكَ دِيَارهم | ||
محَاها مَجَال الرِّيحِ بَعدك وَالقَبرُ! | ||
وكم رأيت صاحب منزل ما نزل لحده حتى نزل! وكم شاهدت والي قصر وليه عدوه لما عزل!
فيا من في كلِّ لحظة إلى هذا يسري، وفعله فعل من لا يفهم ولا يدري!
وكَم تَنامُ العين وهِيَ قَرِيرَةٌ | ||
ولَم تدْرِ مِنْ أَيِّ الْمَحلَّين تَنْزلُ! الت | ||
التوبة قبل الرحيل
أخي المسلم:
اقشعرَّت الأرض، وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البرِّ والبحر بما كسبت أيدي الناس، وذهبت البركة، وقلت الخيرات، وهزلت الوحوش، وتكدَّرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون إلى ربِّهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح..
وهذا والله منذر سُبل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهمَّ ظلامه.
فاعزلوا رحمكم الله عن طَرقِ هذه السُبل بتوبة نصوح، ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لله أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدَّة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك".. أخطأ من شدَّة الفرح»([3]) .
أجناس المحرمات
اعلم أخي المسلم أنَّ العبد لا يستحقُّ اسم «التائب» حتى يتخلَّص من اثني عشر جنسًا من أجناس المحرمات وهي:
1- الكفر:
وهو نوعان: أكبر وأصغر، فالأصغر موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود في النار، والأكبر يُوجب الخلود في النار، وهو خمسة أنواع:
كفر التكذيب.
كفر الاستكبار.
كفر الإباء مع التصديق
كفر الشك.
كفر النفاق.
2- الشرك:
وهو نوعان: أكبر وأصغر، فالأكبر لا يغفره الله إلاَّ بالتوبة منه، وهو أن يتخذ العبد من دون الله ندًّا يسويه بالله في المحبة والتعظيم.
وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والتصنُّع للخلق والحلف بغير الله، وقول البعض: «ما شاء الله وشئت»، أو: «ما لي إلا الله وأنت»، أو: «أنا متوكل على الله وعليك»، وصاحب هذا النوع مستحقٌّ للوعيد، إلا أنه لا يخرج به عن دائرة الإسلام.
3- النفاق:
وهو نوعان أيضًا: أكبر يوجب الخلود في النار في دركها الأسفل، وهو أن يُظهر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهو في الباطن منسلخ من ذلك كلِّه مكذِّب به.
أما النفاق الأصغر فلا يكون صاحبه مكذبًا في الباطن، كأن يكذب في الحديث ويخلف الوعد ويغدر في العهد، وصاحب هذا النوع متعرِّض للوعيد دون الخلود في جهنم.
(4-5) الفسوق والعصيان.
(6-7) الإثم والعدوان.
(8-9) الفحشاء والمنكر.
(10) البغي.
(11) القول على الله بلا علم.
(12) اتباع غير سبيل المؤمنين.
دمعة ندم
إلهي!
أنا الذي كلَّما طال عمري زادت ذنوبي .. أنا الذي كلَّما هممت بترك خطيئة عرضت لي أخرى.
إلهي!
من عذابك اليوم من يستنقذني؟ وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني؟!
ويلي!
كلما طال عمري كثرت معاصي!
فمتى أتوب؟ ومتى أعود؟
أما آن لي أن استحي من ربي؟!
كَم قَد زَللتُ فَلم أَذكُرك فِي زللِي | ||
وأنتَ يَا سَيدِي في الغَيبِ تَذكرُنِي | ||
لأبكيَنَّ بدَمعِ العَينِ مِنْ أسَفٍ | ||
لأَبكِيَنَّ بكَاءَ الوَالِهِ الحزنِ | ||
أسباب سلامة القلب
أخي الحبيب:
اعلم أنه لا تتمُّ سلامة القلب مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء:
1- شرك يناقض التوحيد.
2- بدعة تخالف السنة.
3- شهوة تخالف الأمر.
4- غفلة تناقض الذكر.
5- هوى يناقض التوحيد والإخلاص معًا.
فهذه الخمسة تحجب العبد عن الله، وتضعف القلب أو تميته؛ فيُختم عليه ويصيبه الخسف والمسخ والنكس والحجاب الذي يحول بينه وبين أي تذكُّر وإنابة.
أسباب ترك الذنوب والمعاصي
1- إجلال الله تبارك وتعالى أن يُعصي وهو يرى ويسمع.
2- مشهد محبته سبحانه، فيترك معصيته محبةً له؛ فإنَّ المحب لمن يحب مطيع.
3- مشهد النعمة والإحسان، فإنَّ الكريم لا يقابل من أحسن إليه بالإساءة.
4- مشهد الغضب والانتقام؛ فإنَّ الربَّ تعالى إذا تمادى العبد في معصيته غضب، وإذا غضب لم يقم لغضبه شيء فضلاً عن هذا العبد الضعيف.
5- مشهد الفوات، وهو ما يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة.
6- مشهد القهر والظفر؛ فإنَّ قهْر الشهوة والظفر بالشيطان له حلاوة ومسرة وفرحة.
7- مشهد العوض، وهو ما وعد الله سبحانه وتعالى من تعويض من ترك المحارم لأجله.
8- مشهد المعية، وهي خير للعبد وأنفع له في دنياه وآخرته قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: 128].
9- مشهد المعاجلة وهو خوف العبد أن يأخذه الله على غرَّة.
10- مشهد البلاء والعافية، فإن البلاء في الحقيقة ليس إلا الذنوب وعواقبها، والعافية المطلقة هي الطاعات وعواقبها.
11- تقوية باعث الدين على مصارعة داعي الهوى ومقاومته حتى يدرك لذَّة الظفر والانتصار.
12- كفُّ الباطن عن حديث النفس، وإذا مرَّت به الخواطر السيئة نفاها حتى لا تصير أماني.
13- قطع العلائق والأسباب التي تدعوه إلى موافقة الهوى.
14- صرف الفكر إلى عجائب آيات الله، وهي آياته المتلوة وآياته المجلوَّة.
15- التفكُّر في الدنيا وسرعة زوالها وقُرب انقضائها.
16- تعرُّضه إلى من القلوب بين إصبعيه، فلعلَّه يُصادف ساعة من ساعات الإجابة فيستجيب الله له فيها.
17- أن يعلم أنه بين جاذبَين متضادَين، فإما إلى أعلى وإما إلى أسفل.
18- أن يعمل على تفريغ قلبه وتنقية باطنه من الشرور والآثام لأنَّ تفرغ المحل شرط لنزول غيث الرحمة.
19- أن يعلم العبد قُبح المعصية ورذالتها ودناءتها وسوء عواقبها، وأنَّ الله عزَّ وجلّ ما أمره بأمرٍ إلاَّ وفيه مصلحته، وما نهاه عن أمرٍ إلاَّ وفي تركه مصلحته وسعادته في الدارين.
20- ألاَّ يغتر العبد باعتقاده أنَّ مجرّد العلم بما سبق كافٍ في حصول المقصود ، بل لا بدَّ من أن يضيف إليه بذل الجهد في استعماله واستفراغ الوسع والطاقة فيه.
21- الحياء من الله سبحانه، فإنَّ العبد متى علم بنظر الله إليه واطلاعه عليه استحيا من ربه أن يتعرَّض لمساخطه.
22- خوف الله تعالى وخشية عقابه تُحجِز العبد عن معاصيه.
23- شرف النفس وزكاؤها وفضلها وأنفتها أن تختار الأسباب التي تحطها وتضع قدرها، وتخفض منزلتها وتحقرها ، وتسوِّي بينها وبين السفلة.
24- مجانبة الإسراف في المطعم والمشرب والملبس والمنام والخلطة بالناس، فإن قوة الداعي إلى المعاصي إنما تنشأ من هذه الأمور.
25- ثبات شجرة الإيمان في القلب، وهذا هو السبب الجامع لهذه الأسباب كلِّها، فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه، فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره على المعاصي أتم، وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر.
يا صاحب الذنب
رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:
يا صاحب الذنب، لا تأمننَّ سوء عاقبته، ولَما يتبع الذنب من الذنب إذا عملته أعظم.
1- قلَّة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب.
2- ضحكك وأنت لا تدري ما الله صانعٌ بك أعظم من الذنب.
3- فرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب.
4- حُزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب.
5- خوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب أعظم من الذنب.
6- عدم اضطراب فؤادك من نظر الله إليك وأنت على الذنب أعظم من الذنب.
فيا أخي!
يَا مَن يُحدِّثُ نَفسَه | بدُخُولِ جنَّات النَعِيم | |
إن كُنتَ مُتقيًا فَأنـ | ـتَ عَلى الصرَاط المستَقِيم | |
لا تَرجُوَنَّ سَلامَةً | مِن غَير مَا قَلب سَلِيم | |
فَاسْلُكْ طَريقَ الْمُتَّقِين | وَظُن خَيرًا بِالكَريم | |
وَاذكُر وُقُوفَكَ خَائفًا | وَالنَّاسُ في أَمرٍ عَظيم | |
إمَّا إلى ذُلِّ الشَّقَا | وَةِ أَوْ إلَى العِزِّ المُقِيم | |
فَاجْعَل تُقَاكَ وِقَايَةً | في الحَشْرِ مِن نَارِ السّمُوم | |
وَاغنَمْ حَياتَكَ وَاجتَهِد | وَأَنِب إلَى الرَّبِّ الرَّحِيم |
ندم وحسرة
بَكيتُ عَلى الشَّبَاب بدَمع عَينِي | ||
فَلَم يُغنِ البُكاءُ وَلا النَّحيبُ | ||
فَيَا أسَفًا عَلَى شَبابٍ | ||
نَعَاهُ الشِّيب و الرَّأسُ الخضِيبُ | ||
عُرِيتَ مِن الشَّباَبِ وَكُنتَ غُصنًا | ||
كمَا يَعرَى مِنَ الوَرَقِ القَضِيبُ | ||
فيَا لَيتَ الشَّبابَ يَعُودُ يومًا | ||
فَأُخبِرُهُ بِمَا فَعَلَ المَشِيبُ | ||
الاحتجاج بالقدر على المعاصي
أخي الحبيب:
يحتجُّ بعض الناس على معاصيهم بالقدر فيقول: إذا كان الله قد قدَّر عليَّ المعصية قبل أن أُخلق، بل قبل خلق السماوات والأرض، فكيف يمكن أن أتخلَّص مما قدَّره الله عليَّ؟ و كيف يُعذِّبني على أمرٍ قدَّره عليَّ؟
وقد أبطل القرآن الكريم حُجج هؤلاء وزيف دعاواهم وبيَّن تهافها وعدم نفعها لهم يوم القيامة.
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
الجواب على ذلك أن نقول:
إذا قيل هذا فقل أيضًا: إنَّ الإنسان يُثاب على فعل الطاعات، فكيف يُثاب عليها وهي مكتوبةٌ عليه ولا يمكن أن يتخلَّص من الأمر المكتوب عليه؟ وليس من العدل أن تجعل القدر حُجَّة في جانب المعاصي ولا تجعله حجَّة في جانب الطاعات.
وجواب ثان:
أنَّ الله أبطل هذه الحجَّة في القرآن، وجعلها من القول بلا علم، فقال تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: 148].
فبيَّن الله أنَّ هؤلاء المحتجِّين بالقدر على شِركهم كان لهم سلف كذبوا كتكذيبهم واستمرُّوا عليه حتى ذاقوا بأس الله، ولو كانت حُجتهم صحيحة ما أذاقهم الله بأسه، ثم أمر الله نبيه أن يتحدَّاهم بإقامة البرهان على صحَّة حجَّتهم، وبيَّن أنه لا حُجَّة لهم في ذلك.
وجواب ثالث:
أن نقول إنَّ القدر سرٌّ مكتومٌ لا يعلمه إلاَّ الله حتى يقع، فمن أين للعاصي العلم بأنَّ الله كتب عليه المعصية حتى يقدم عليها؟ أفليس من الممكن أن يكون قد كُتِبت له الطاعة؟ فلماذا لا يجعل بدل إقدامه على المعصية أن يقدم على الطاعة ويقول إنَّ الله قد كتب لي أن أطيع؟!
وجواب رابع:
أن نقول إنَّ الله قد فضَّل الإنسان بما أعطاه من عقلٍ وفهم، وأنزل عليه الكتُب وأرسل إليه الرسل، وبيَّن له النافع من الضار، وأعطاه إرادة وقُدرة يستطيع بهما أن يسلك إحدى الطريقين، فلماذا يختار هذا العاصي الطريق الضار على الطريق النافع؟
أليس هذا العاصي لو أراد سَفرًا إلى بلد وكان له طريقان أحدهما سهل وآمن والآخر صعب ومخيف فإنه بالتأكيد سوف يسلك الطريق السهل الآمن، ولن يسلك الصعب المخيف بحجَّة أنَّ الله كتب عليه ذلك؟ بل لو سلكه واحتجَّ بأنَّ الله قد كتبه عليه لعدَّ الناس ذلك سفهًا وجنونًا، فهكذا أيضًا طريق الخير وطريق الشر سواء بسواء، فليسلك الإنسان طريق الخير، ولا يخدعنَّ نفسه بسلوك طريق الشر بحجَّة أنَّ الله كتبه عليه، ونحن نرى كلَّ إنسانٍ قادرٍ على كسب المعيشة يضرب كلَّ طريقٍ لتحصيلها ولا يجلس في بيته ويدع الكسب احتجاجًا بالقدر.
إذن فما الفرق بين السعي للدنيا والسعي في طاعة الله؟
لماذا تجعل القدر حجة لك على ترك الطاعة ولا تجعله لك على ترك العمل للدنيا؟
إنَّ الأمر من الوضوح بمكان، ولكنَّ الهوى يعمي ويصم.
ويقول فضيلته:
ونرى ألاَّ حجَّة للعاصي على معصيته بقدر الله تعالى؛ لأنَّ العاصي يقدم على المعصية باختياره من غير أن يعلم أنَّ الله تعالى قدّرها عليه؛ إذ لا يعلم أحد قدر الله تعالى إلاَّ بعد وقوع مقدوره ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ [لقمان: 24]
فكيف يصحُّ الاحتجاج بحجَّة لا يعلمها المحتجُّ بها حين أقدم على ما اعتذر بها عنه، وقد أبطل الله تعالى هذه الحجة بقوله: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: 148].
ونقول للعاصي المحتج بالقدر:
لماذا لم تقدم على الطاعة مُقدِّرًا أنَّ الله تعالى قد كتبها لك، فإنه لا فرق بينها وبين المعصية في الجهل بالمقدور قبل صدور الفعل منك؟
ولهذا لِما أَخبَر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة بأنَّ كلَّ واحد قد كُتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، قالوا: أفلا نتكل وندع العمل؟ قال: «لا، اعملوا؛ فكلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلق له».
ونقول للعاصي المحتج بالقدر:
لو كنت تريد السفر لمكة وكان لها طريقان، أخبرك الصادق أحدهما مخوف صعب والثاني آمن سهل، فإنك ستسلك الثاني، ولا يمكن أن تسلك الأول وتقول إنه مقدَّر عليَّ؛ إذ لو فعلت لعدَّك الناس في قسم المجانين.
ونقول له أيضًا:
لو عُرض عليك وظيفتان: إحداهما ذات مرتب أكثر، فإنك سوف تعمل فيها دون الناقصة، فكيف تختار لنفسك في عمل الآخرة ما هو الأدنى ثم تحتجُّ بالقدر؟!
ونقول له أيضًا:
نراك إذا أُصبت بمرض جسمي طرقت باب كل طبيب لعلاجك، وصبرت على ما ينالك من ألم عملية الجراحة وعلى مرارة الدواء. فلماذا لا تفعل مثل ذلك في مرض قلبك بالمعاصي؟
ونؤمن بأنَّ الشر لا يُنسب إلى الله تعالى لكمال رحمته وحكمته، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والشر ليس إليك»([4]) .
فقضاء الله تعالى ليس فيه شرٌّ أبدًا؛ لأنه صادرٌ عن رحمةٍ وحكمة، وإنما يكون الشر في مقتضياته لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعاء القنوت الذي علَّمه الحسن: «وقني شرَّ ما قضيت فأضاف الشر إلى ما قضاه، ومع هذا فإن الشر في المقتضياتت ليس شرًا خالصًا محضًا بل هو شر في محله من وجه، خير من وجه، أو شر في محله خير في محل آخر، فالفساد في الأرض من الجدب والمرض و الفقر والخوف شر، لكنه خير في محل آخر».
قال الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41]
وقطع يد السارق ورجم الزاني شر بالنسبة للسارق والزاني؛ ففيه قطع اليد وإزهاق النفس، لكنه خيرٌ لهما من وجهٍ آخر، حيث يكون كفَّارة لهما، فلا يجمع لهما بين عقوبتي الدنيا والآخرة، وهو أيضًا خير في محل آخر حيث إنَّ فيه حماية الأموال والأعراض والأنساب.
فوائد ترك الذنوب والمعاصي
ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله فوائد كثيرة جليلة لترك الذنوب المعاصي منها:
أولاً- الفوائد التي تحصل للعبد في الدنيا:
إقامة المروءة وصون العرض وحفظ الجاه.
وصيانة المال الذي جعله الله قوامًا لمصالح الدنيا والآخرة.
ومحبة الخلق وصلاح المعاش وراحة البدن وقوة القلب
وطيب النفس ونعيم القلب وانشراح الصدر.
والأمن من مخاوف الفساق والفجار.
وقلَّة الهم والغم والحزن.
وعزُّ النفس عن احتمال الذل.
وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية
وتيسير الرزق عليه من حيث لا يحتسب.
وتسهيل الطاعات عليه وتيسير العلم.
والثناء الحسن من الناس,وكثرة الدعاء له.
والحلاوة التي يكتسبها وجهه والمهابة التي تُلقَى له في قلوب الناس، وانتصارهم وحميتهم له إذا أوذي أو ظُلِم.
وسرعة إجابة دعائه وزوال الوحشة التي بينه وبين الله.
وقُرب الملائكة منه وبُعد شياطين الجنِّ والإنس عنه.
وعدم خوفه الموت وصغر الدنيا في قلبه.
وكبر الآخرة عنده وحرصه على الملك الكبير والفوز العظيم فيها.
وذوق حلاوة الطاعة ووجد حلاوة الإيمان.
ودعاء حملة العرش ومن حوله من الملائكة له.
وفرح الكاتبين به ودعاؤهم له كل وقت.
والزيادة في عقله وفهمه وإيمانه ومعرفته.
وحصول محبة الله له وإقبال عليه ,وفرحة بتوبته
ثانيًا- الفوائد التي تحصل له بعد موته:
إذا مات تلقته الملائكة بالبشرى من ربه بالجنة، وبأنه لا خوف عليه ولا حزن.
وينتقل من سجن الدنيا وضيقها الى روضة من رياض الجنة ينعم فيها إلى يوم القيامة.
فإذا كان يوم القيامة كان الناس في الحر والعرق وهو في ظلِّ العرش.
فإذا انصرفوا من بين يدي الله أخذ به ذات اليمين مع أوليائه المتقين وحزبه المفلحين.
أسباب دفع عقوبات الذنوب والمعاصي
أخي الحبيب:
من رحمة الله تعالى بعباده أنه لم يغلق عليهم باب التوبة، ولم يسد عليهم طريق الرجعة، بل إنه سبحانه يقبل توبة التائب ودعاء الداعي وبكاء الباكي، فهو أرحم بالعبد من أمِّه وأبيه، ولذلك فقد وسعت رحمته كلَّ شيء، وما على العبد إلاَّ أن يتعرَّض لمواطن الرحمة وأوقات المغفرة.
وقد تزلّ بالعبد قدمه، فيقدم على المعصية ويجترئ على الذنب، و مع ذلك فإنه ليس حتمًا أن تناله العقوبة وتنزل به النقمة، بل يمكن أن يدفع الله عنه العقوبة، ويصرف عنه الجزاء كما قال سبحانه ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: 114]
وقال سبحانه: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25].
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنَّ العبد إذا فعل سيئة فإنَّ عقوبتها تندفع بنحو عشرة أسباب هي:
1- أن يتوب من الذنب توبة نصوحًا فيتوب الله عليه.
2- أن يستغفر الله تعالى فيغفر له.
3- أن يعمل حسنات يمحو بها تلك السيئة.
4- أن يدعو له إخوانه المؤمنون ويشفعوا له.
5- أن يهدي له إخوانه المؤمنون من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به.
6- أن يشفع فيه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
7- أن يبتليه الله في الدنيا بمصائب في نفسه وماله وأولاده وأقاربه ومن يحب ونحوه.
8- أن يبتليه في البرزخ بالفتنة والضغطة وهي عصرة القبر فيكفِّر بها عنه.
9- أن يبتليه في عرصات القيامة من أهوالها وشدائدها بما يكفِّر عنه.
10- أن يرحمه أرحم الراحمين بلا سبب من العباد.
يا مغرورًا بالأماني
يا مغرور بالأماني:
لُعِن إبليس وأهبط من منزل العزِّ بترك سجدة واحدة أُمِر بها، وأخرج آدم من الجنة بلقمة تناولها، وحُجب القاتل عنها بعد أن رآها عِيانًا بملء كفٍّ من دم، وأمر بقتل الزاني أشنع القتلات بإيلاج قدر الأنملة فيما لا يحلّ، وأمر بإيساع الظهر سياطًا بكلمة قذف أو بقطرة من مسكر، وأبان عضوًا من أعضائك بثلاثة دراهم؛ فلا تأمنه أن يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيه ﴿وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ [الشمس: 15].
دخلت امرأة النار في هرَّة، وإنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب، وإن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة، فإذا كان عند الموت جار في الوصية فيختم له بسوء عمله فيدخل النار، العمر بآخره والعمل بخاتمته.
ومن أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته، ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعًا، ومن أساء في آخر عمره لقي ربه بذلك الوجه .. لو قدَّمت لقمة وجدتها، ولكن يؤيذك الشره.
كيف الفلاح بين إيمان ناقص وأمل زائد ومرض لا طبيب له ولا عائد وهوى مستيقظ وعقل راقد ساهيًا في غمرته عَمِهًا في سكرته سابحًا في لجة جهله، مستوحشًا من ربه، مستأنسًا بخلقه، ذِكر الناس فاكهته وقوته، وذكر الله حبسه وموته، لله منه جزء يسير من ظاهره وقلبه ويقينه لغيره!
لا كَانَ مَن لِسِوَاكَ فِيهِ بَقِيَّةٌ | ||
يَجِد السَّبيلَ بِهَا إلَيْهِ العَدلُ | ||
أنا العبد الذي كسب الذنوب
أنَا العَبدُ الَّذِي كَسَبَ الذُنُوبَا ذ | ||
وَصَدَّتهُ المعَاصِي أَن يتُوبَا | ||
أنَا العَبدُ الَّذي أضحَى حَزينًا | ||
علَى زَ لاّتِهِ دَنفًا كَئِيبَا | ||
أنَا العَبدُ الَّذِي سَطرت عَليهِ | ||
صَحَائِفُ لَمْ يَخَفْ فِيهَا الرَّقِيبَا | ||
أنَا العَبدُ المُسِيء عصَيتُ رَبِّي | ||
فمَا لِي الآنَ لا أُبدِي النَّحِيبَا | ||
أنَا العَبدُ المُفَرِّطُ ضَاعَ عُمرِي | ||
وَلَم أَرْعَ الشِّبيبَةَ وَالمَشِيبَا | ||
أنَا العَبدُ السَّقِيمُ مِنَ الخطَايَا | ||
وَقَدْ أَقبَلتُ أَلْتَمِسُ الطَّبِيبَا | ||
أنَا العَبدُ المُخَلَّفُ عَن أنُاسٍ | ||
حَوَوا مِن كُلِّ مَعرُوفٍ نَصِيبَا | ||
أنَا العَبدُ الشَّرِيدُ ظَلمتُ نَفْسِي | ||
وَقَدْ وَافَيْتُ بَابَكُمُو مُنِيبَا | ||
أنَا العَبدُ الفَقِيرُ مَددتُ كَفِّي | ||
إلَيكُم فَادْفَعُوا عَنِّي الخطُوبَا | ||
أنَا الغَدَّارُ كَمْ عَاهَدتُ عَهدًا | ||
وكُنتُ عَنِ الوَفاءِ بِهِ كَذُوبَا | ||
أنَا المَقطُوعُ فَارْحَمْنِي وَصِلْنِي | ||
وَيَسِّرْ مِنكَ لِي فَرَجًا قَرِيبَا | ||
أَنَا الْمُضَّطَرُّ أَرْجُو مِنكَ عَفْوًا | ||
وَمَن يَرْجُو رِضَاكَ فَلَنْ يَخِيبَا | ||
فَوَا أَسَفًا عَلَى عُمرٍ تَقَضَّى | ||
وَلَمْ أَكسب بِهِ إلاَّ ذُنُوبَا | ||
وَأحْذَرْ أَن يُعَالِجَنِي مَمَاتٌ | ||
يُحَيِّرُ هَوْلُ مَصْرَعِهِ اللَّبِيبَا | ||
وَوَا حُزْنَاهُ مِنْ حَشْرِي وَنَشْرِي | ||
لِيَوْمٍ يَجْعَلُ الوِلْدَانَ شِيبَا | ||
وَشَفَّعُ فِي خَيْرِ الخَلْقِ طُرًّا | ||
نَبِيًّا لَمْ يَزَلْ أَبَدًا حَبِيبَا | ||
هُوَ الهَادِي الْمُشَفَّعُ فِي البَرَايَا | ||
وَكَانَ لَهُمْ رَحِيمًا مُستَجِيبَا | ||
عَلَيْهِ مِنَ المُهَيْمِنِ كُلَّ وَقْتٍ | ||
صَلاةٌ تَمْلأُ الأَكْوَانَ طِيبَا | ||
فَيَا مَوْلاَيَ جُدْ بِالعَفْوِ وَارْحَمْ | ||
عَبِيدًا لَمْ يَزَلْ يَشْكُو الذُّنُوبَا ذ | ||
وَسَامِحْ هَفْوَتِي وَأَجِبْ دُعَائِي | ||
فَإنَّكَ لَمْ تَزَلْ أَبَدًا مُجِيبَا | ||
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل طاعته وكرامته، وأن يصرف عنا معصيته ومخالفته، وأن يبيِّض وجوهنا يوم القيامة، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم في جنات عدن، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.