حان وقت التوبة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
حان وقت التوبة
نبذة مختصرة عن الخطبة:
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "حان وقت التوبة"، والتي تحدَّث فيها عن التوبة والإنابة وضرورة المُسارعة إلى ترك الذنوب والاستغفار منها والندم على فعلها والعزم على عدم العودة إليها، وذكَّر بفضائل التوبة من خلال الآيات المباركات، والأحاديث النبوية.
الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله مُجزِل العطايا على البرايا إحسانًا وفضلاً وبِرًّا، أحمده وقد لهَجَت الألسُن بحمده شُكرًا وتسبيحًا وذِكرًا، وأشكره وقد أوسع للمُذنبين عفوًا وأجزلَ للطائعين أجرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبدٍ يرجو العفوَ والسِّترَا، ويخافُ الذنبَ والوِزرَا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله وصفيُّه وخليلُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقى وسلامًا يَترَى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
خيرُ العطا: الإيمانُ والتُّقَى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
المؤمنُ ليس معصومًا من الخطيئة، وليس في منأًى من الهَفوة، وليس في معزلٍ عن الوقوع في الذنب؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده؛ لو لم تُذنِبوا لذهبَ الله بكم ولجاء بقومٍ يُذنِبون فيستغفِرون اللهَ فيغفِرُ لهم»؛ أخرجه مسلم.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل بني آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوَّابون»؛ أخرجه أحمد.
وكم من مُذنبٍ طالَ أرَقُه، واشتدَّ قلقُه، وعظُمَ كمَدُه، واكتوَى كبِدُه، يلفُّه قتارُ المعصية، وتعتصِرُه كآبةُ الخطيئة، يتلمَّسُ نسيمَ رجاء، ويبحثُ عن إشراقة أمل، ويتطلَّعُ إلى صُبحٍ قريب يُشرِقُ بنور التوبة والاستقامة والهداية والإنابة، ليذهب معها اليأسُ والقنوط، وتنجلِيَ بها سحائبُ التعاسة والخوف والهلَع، والتشرُّد والضياعُ.
وإن الشعور بوطأة الخطيئة، والإحساس بألم الجريرة، والتوجُّع للعثرة، والندم على سالف المعصية، والتأسُّف على التفريط، والاعتراف بالذنب هو سبيل التصحيح والمُراجعة، وطريقُ العودة والأَوبة، وأما ركن التوبة الأعظم، وشرطُها المُقدَّم فهو: الإقلاعُ عن المعصية، والنُّزوع عن الخطيئة، ولا توبة إلا بفعل المأمور، واجتناب المحظور، والتخلُّص من المظالم، وإبراء الذمَّة من حقوق الآخرين.
فادلفوا إلى باب التوبة والإنابة، وتخلَّصوا من كل غَدرة، وأقلِعوا عن كل فَجرة، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].
أيها المسلمون:
التوبةُ خضوعٌ وانكسار، وتذلُّل واستغفار، واستقالةٌ واعتذار، وابتعادٌ عن دواعي المعصية، ونوازع الشر، ومجالس الفتنة، وسُبل الفساد، وأصحاب السوء وقرناء الهوى، ومُثيرات الشر في النفوس.
التوبةُ صفحةٌ بيضاء، وصفاءٌ ونقاء، وخوفٌ وحياء، ودعاءٌ ونداء، وخشيةٌ وبكاء، وخجلٌ ووَجَل، ورجوعٌ ونُزوع، وإنابةٌ وتدارُك، بابُها مفتوح، وخيرُها ممنوح ما لم تُغرغِر الروح؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تُبتم لتاب الله عليكم»؛ أخرجه ابن ماجه.
وعن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله تعالى: يا عبادي! إنكم تُخطِئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم»؛ أخرجه مسلم.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي، يا ابن آدم! لو بلغَت ذنوبُك عنانَ السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك، يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا، ثم لقيتَني لا تُشرِك بي شيئًا لأتيتُك بقُرابها مغفرة»؛ أخرجه الترمذي.
وعند مسلمٍ: «من تقرَّب مني شِبرًا تقرَّبتُ منه ذِراعًا، ومن تقرَّبَ مني ذِراعًا تقرَّبتُ منه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيتُه هرولة، ومن لقيَني بقُراب الأرض خطيئةً لا يُشرِك بي شيئًا لقيتُه بمثلها مغفرة».
يا له من فضلٍ عظيم، وعطاءٍ جسيمٍ من ربٍّ كريمٍ وخالقٍ رحيم، أكرمنا بعفوه، وغشّانا بحلمه ومغفرته، وجلَّلنا بسِتره، وفتح لنا باب توبته، يعفو ويصفح، ويتلطَّفُ ويسمح، وبتوبة عبده يفرَح، يبسُط يدَه بالليل ليتوب مُسيءُ النهار، ويبسُطُ يدَه بالنهار ليتوبَ مُسيءُ الليل، حتى تطلُع الشمسُ من مغربها، غافرِ الذنب، وقابلِ التوب، يقبلُ التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 110].
أيها المسلمون:
هذه التوبة قد شُرِعت أبوابها، وحلَّ زمانُها، ونزل أوانُها؛ فاقطعوا حبائل التسويف، وهُبُّوا من نومة الرَّدَى، وأفيقوا من رقدة الهوى، وامحوا سوابق العصيان بلواحق الإحسان، وحاذِروا غوائل الشيطان، ولا تغترُّوا بعيشٍ ناعمٍ خضِرٍ لا يدوم، وتوبوا إلى الله تعالى من فاحشات المحارم، وفادِحات الجرائم، وورطة الإصرار.
توبوا على الفور، وأحدِثوا توبةً لكل الذنوب التي وقعت، وتوبوا من المعاصي ولو تكررت.
أيها المسلمون:
إلى من يلجأ المُذنِبون؟ وعلى من يُعوِّلُ المُقصِّرون؟ وإلى أي مهربٍ يهربون؟ والمرجعُ الله يوم المعاد، يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ [غافر: 16]، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة: 18]، يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر: 23، 24].
فأقبِلوا على الله بتوبةٍ نصوح، وإنابةٍ صادقة، وإرادةٍ جازمة، وقلوبٍ مُنكسِرة، والتائبُ من الذنب كمن لا ذنب له.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله بارئ البريَّات، عالمِ الخفيَّات، أحمده حمدًا بالغًا أمد التمام ومُنتهاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحقٍّ سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله وصفيُّه ونجِيُّه ومُرتضاه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خلفاء الدين وحُلفاء اليقين صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممتدَّيْن مُتلازمَيْن إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فقد نجا من اتقى، وضلَّ من قاده الهوى، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق: 4].
يا عبد الله:
قل لي بربِّك: لأيِّ يومٍ أخَّرتَ توبتك، ولأيِّ زمانٍ ادَّخَرتَ أوبتَك؟!
يا عبد الله:
إلى متى تُؤخِّر التوبة وما أنت في ذلك بمعذور؟ إلى متى وأنت في الغفلة والسهو والغرور.
أيها المسلمون:
ليكن يومُكم هذا بداية مولدكم، وانطلاقة رُجوعكم، وإشراق صُبحكم، وتباشير فجركم، ومن لم يتُب الآن فمتى يتوب؟ ومن لم يرجع اليوم فمتى يؤوب؟!
جعلني الله وإياكم ممن رجع وتاب، وأقلع وأناب، وكفَّ عن المعاصي المُهلِكة، والذنوب المُوبِقة، وتابَ توبةً صادقة.
وصلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر الطغاة والظلمة والمُعتدين، ودمِّر الطغاة والظلمة والمُعتدين، ودمِّر الطغاة والظلمة والمُعتدين، وانشر رحمتك على المؤمنين يا أرحم الراحمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارها.
اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيته للبرِّ والتقوى، ووفِّقه ونائبَيه لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم كن لإخواننا المُستضعفين في كل مكانٍ يا أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا المُستضعفين في كل مكانٍ يا أرحم الراحمين، اللهم احقِن دماءهم، وصُن أعراضهم، واحفظ أموالهم، ورُدَّ الفتن والشرور والحروب عنهم يا أرحم الراحمين.
اللهم قاتلِ الكفرة الذين يصدُّون عن سبيلك ويُعادون أولياءك، واجعل عليهم عذابَك ورِجزَك إلهَ الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر إخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين، اللهم إن اليهود قد طغوا وبغَوا وأسرفوا وأفسَدوا واعتدَوا، اللهم زلزِلِ الأرضَ من تحت أقدامهم، وألقِ الرعبَ في قلوبهم، واجعلهم عبرةً للمُعتبِرين، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تُحقِّق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآية يا قوي يا عزيز يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم مُنَّ على جميع أوطان المسلمين بالأمن والاستقرار، اللهم مُنَّ على جميع أوطان المسلمين بالأمن والاستقرار، اللهم مُنَّ على جميع أوطان المسلمين بالأمن والاستقرار برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.