×
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا: ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بالمسجد النبوي بتاريخ 27 - 12 - 1431 هـ، والتي تحدَّث فيها عن ضرورة تذكُّر انقضاء الليالي والأيام، وذهاب الأعوام، وشكر الله على نعمة توديع عامٍ واستقبال آخر، وحثَّ على محاسبة لإنسان نفسه قبل فوات الأوان، وانقضاء الأجل، لما في ذلك من حياة النفس، وتخفيف حسابها يوم العرض الأكبر.

    نبذة مختصرة عن الخطبة:

    ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا"، والتي تحدَّث فيها عن ضرورة تذكُّر انقضاء الليالي والأيام، وذهاب الأعوام، وشكر الله على نعمة توديع عامٍ واستقبال آخر، وحثَّ على محاسبة لإنسان نفسه قبل فوات الأوان، وانقضاء الأجل، لما في ذلك من حياة النفس، وتخفيف حسابها يوم العرض الأكبر.

    الخطبة الأولى

    الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.

    أما بعد، فيا أيها المسلمون:

    أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -، والعمل بطاعته والبُعد عن أسباب غضبه.

    معاشر المسلمين:

    تتعاقبُ الأعوام وتتوالَى الشهور، والأعمار تُطوَى، والآجالُ تُقضى، وكل شيء عنده بأجلٍ مُسمَّى، وإن في استقبال عامٍ وتوديع آخر فرصًا للمتأمِّلين، وذكرى للمُتدبِّرين، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ [النور: 44].

    فحقٌّ على المؤمن المُوقِن بالله واليوم الآخر ألا يغفَل عن محاسبة نفسه وتقييم مسارها في ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

    يقول ابن القيم - رحمه الله -: "وهلاك القلبِ في إهمال محاسبة النفس، وفي موافقتها واتباع هواها".

    يقول الله - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18]، ذكر الإمام أحمد - رحمه الله - عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنُوها قبل أن تُوزَنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تُحاسِبوا أنفسكم اليوم، وتزيَّنوا للعرض الأكبر، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة: 18]".

    إخوة الإسلام:

    أيها المسلم! تذكَّر وأنت تُودِّع عامًا وتستقبل آخر - بإذن الله - أن نجاتك في محاسبة نفسك وفوزك في معاهدة ذاتك.

    هل أنت عاملٌ بمُقتضى أوامر الله - جل وعلا - وأوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم -؟!

    هل أنت طائعٌ لله في كل شأن، مُتَّبعٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل لحظةٍ وآن؟!

    هل كفَفتَ النفس عن العصيان، وزجَرتَها عن الآثام؟!

    هل قُمتَ بحقوق الخالق كاملةً، وأدَّيتَ حقوق المخلوق وافية؟!

    هل تفقَّدتَ نفسك وما فيها من المُوبِقات، وعالجتَها عما فيها من المُهلِكات؟!

    عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل». وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"؛ أخرجه البخاري.

    فالمتقون في كل زمانٍ وحين لا يزدادون بالأعوام إلا خيرًا وبرًّا، ولا تمرُّ بهم السنون إلا وهم في مسارعةٍ للخيرات، واغتنامٍ للصالحات، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُكم من طال عمره وحسُنَ عمله»؛ رواه أحمد والترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيح"، وصحَّحه الحاكم.

    فكن - أيها المسلم - على حذرٍ من تضييع الأعمال سُدًى، ومن تفويت السنوات غُثاء، فربُّنا - جل وعلا - يقول: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر: 37]، قال ابن عباس - رضي الله عنه - في معنى ذلك: "أولم نُعمِّركم ستين سنة؟".

    وفي "البخاري" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أعذَرَ الله إلى الرجل أخَّره إلى الستين من عمره»؛ أي: لم يترك له عذرًا؛ إذ أمهله هذه المدة.

    أخي المسلم:

    اغتنم كل وقتٍ في اكتساب الحسنات، والمبادرة إلى الصالحات؛ فعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعِظُ رجلاً ويقول له: «اغتنِم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هَِرَمك، وصحتك قبل سَقَمك، وغناك قبل فَقرك، وفراغَك قبل شُغُلك، وحياتك قبل موتك، فما بعد الدنيا من مُستعتَب، ولا بعد الدنيا دارٌ إلا الجنة أو النار»؛ أخرجه الحاكم، وصحَّحه ابن حجر.

    فحقٌّ على المُكلَّف وهو يودِّع عامًا ويستقبل آخر أن يقِف وقفة صدقٍ يُحاسِب فيها نفسه ويُسائِل ذاته، ليجعل من تقلُّب الأزمان أنصح المُعتِّبين، وأفصح الواعِظين ليتنبَّه من غفلته، ويعود عن غيِّه، ويلين من قسوته، ففي قوارِع الدهر عِبَر، وفي حوادِث الأيام مُزدَجَر، يُحاسِب الإنسان نفسَه ليعلَم أن هذه الدنيا دارُ ممر، وأن الآخرة هي الباقية.

    بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله سيدُ الأنبياء والمرسلين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أما بعد، فيا أيها الناس:

    أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي وصية الله للأولين والآخرين.

    أيها المسلمون:

    إن إدراك عامٍ واستقبال آخر نعمةٌ عُظمى، فعلى المؤمن أن يعلمَ أن عمره أمانة، فرضٌ عليه إعمارُه في الطاعة والتقوى مع الحرص على كل نافعٍ دنيا وأخرى، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزولُ قدما ابنِ آدم حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسَبَه وفيما أنفقه، وماذا عمِل فيما علِم»؛ رواه الترمذي، وله شواهد يكون بها حسنًا.

    ثم إن الله - جل وعلا - أمرَنا بالصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآل وسائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم ارفع الهمَّ والغمَّ عن إخواننا في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان وفي كل مكان يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.

    اللهم مُنَّ على المسلمين بالأمن والاستقرار، اللهم مُنَّ على المسلمين بالأمن والاستقرار، اللهم مُنَّ على المسلمين بالرخاء والسخاء يا ذا الجلال والإكرام.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.

    اللهم تقبَّل من الحُجَّاج حجَّهم، اللهم اغفر لنا ولهم الذنوب يا ذا الجلال والإكرام، اللهم رُدَّهم إلى ديارهم سالمين غانمين يا أكرم الأكرمين.

    اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه، ومُنَّ عليه بالصحة والعافية يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفِّق نائبَه إلى ما تحب وترضى، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين للعمل بطاعتك، اللهم وفِّقهم للعمل بشريعتك، واتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -.

    اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

    اللهم إنك غنيٌ حميدٌ، اللهم إنك غنيٌ حميدٌ، اللهم إنك غنيٌ كريمٌ، اللهم مُنَّ علينا بالمطر والغيث، اللهم مُنَّ علينا بالمطر والغيث، اللهم اسقِ ديارنا وديار المسلمين، اللهم اسقِ ديارنا وديار المسلمين، اللهم اسقِ ديارنا وديار المسلمين يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين.

    عباد الله:

    اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.