×
شرح تعريف الإسلام: في هذه المقالة التعريف بالإسلام وأركانه بإيجاز.

شرح تعريف الإسلام

 شرح تعريف الإسلام

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فنحمد الله تعالى على ما منَّ به علينا من اجتماع في بيت من بيوت الله تعالى،  نتذاكر تعريف الإسلام وأركانه، وسنتكلم إن شاء الله تعالى على ما يتيسر، وإن لم يتسع الوقت فعلى الأول منها لأهميته، ولحاجة القلب إلى معرفته؛ لأنه هو غذاؤه وروحه، نسأل الله تعالى الإعانة والتسديد والإخلاص لوجهه الكريم في القول والعمل.

فأركانه بَيَّنَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه في حديث ابن عمر عن رسول الله أنه قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا» وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث عمر بن الخطَّاب حينما سأله جبريل عن الإسلام فقال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت» الحديث.

فهذه هي أركان الإسلام ودعائم الإسلام، وقواعد الإسلام، فأولها وأساسها ورأس أمرها هو شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والإسلام هو كما عرفه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- بقوله: «الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله» .

فمعنى (الاستسلام لله بالتوحيد): أي تستسلم بالعبادة لله وحده؛ لأنه يوجد من يستسلم لله ولكنه يستسلم لغيره، فاليهود يستسلمون لله ولكنهم يستسلمون لغيره، والنصارى يستسلمون لله ولكنهم يستسلمون لغيره –أي في العبادة-، والمشركون يستسلمون لله في بعض الأمور في العبادة لكنهم في بعض العبادات يستسلمون لغير الله.

ولذلك قيد الشيخ -رحمه الله- الإسلام بهذا القيد وهو الاستسلام لله بالتوحيد، ليخرج بهذا القيد وهو (التوحيد) استسلام اليهود والنصارى والمشركين، فتدبر ذلك وانتبه له؛ لأنه ليس القصد من أن يعبد الله فقط؛ ولكن القصد أن يعبد الله ولا يعبد معه أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولهذا قال: الاستسلام لله بالتوحيد.

وقوله: الانقياد له بالطاعة. وأيضًا قيَّد (الانقياد) أن يكون بالطاعة لا بالهوى، ولا بما تشتهيه النفس، ولا بما يريده الإنسان، إنما الاستسلام يجب أن يكون بالطاعة؛ بطاعة الله وطاعة رسوله، والانقياد يكون فيما أمر الله به وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن الناس من ينقاد ولكنه على غير اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وفي رواية: «من صنع أمرًا ليس عليه أمرنا فهو رد» وفي رواية: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .

ولمَّا عزم أناس على أن يفعلوا عبادات ما أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنًا منهم أن هذه العبادات مما يحبها الله جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لمَّا سئلوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم كأنهم تقَالُّوها فقال أحدهم: أما أنا فلا آكل اللحم، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، وقال الثالث: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الرابع: أما أنا فأقوم ولا أنام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رغب عن سنتي فليس مني، أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني» .

لذا فالانقياد لابد أن يكون بالطاعة، فإذا لم يكن بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فليس من الإسلام؛ حتى ولو تعب المتعبد واجتهد حتى ولو حصل عليه ما حصل في هذا السبيل الذي ليس بطاعة لرسول الله فليس من الإسلام، فإن الذي من الإسلام هو ما كان انقيادًا بالطاعة، فإذا كان بغير طاعة فإنه مردود على صاحبه، سواء شقَّ عليه أو لم يشق عليه، سواء بذل مالاً أو وقتًا أو لم يبذل؛ لأنه مردود على فاعله كما جاء في الحديث، فهذا هو معنى هذا التعريف.

والثالث من هذه الجملة في تعريف الإسلام: «البراءة من الشرك وأهله» فإنه إذا استسلم العبد لله وحده، وأخلص العبادة لله وحده لا شريك له، وانقاد لله عز وجل بما شرعه تعالى وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم بقي عليه أن يتبرأ من الشرك وأهل الشرك.

ولذا قال: «والبراءة من الشرك وأهله» فلابد للمسلم من أن يعرف الشرك ليكفر به ويجتنبه، ويبغضه ويعادي أهله، ويتبرأ منهم ومما يعبدون. هذا هو الإسلام الصحيح.

أما كون الإنسان يتعبّد ويعبد مع الله غيره، كما يفعله طوائف ممن ينتسب إلى الإسلام، يعبدون الله ولكنهم يذبحون للجن وللشياطين، ويدعون الأموات، ويفعلون بعض الشركيات، فهؤلاء ما استسلموا لله وحده، استسلموا لله في أمر واستسلموا لغيره في أمور. وهذا شيء مشاهد، هذا شيء محسوس عند كثير ممن ينتسب إلى الإسلام، وكذلك الانقياد يوجد في بعض البلدان من يكون فيه تصوف فهو يتعبد لكن بغير طاعة؛ أي على غير متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، يتعبد بطرق غير مشروعة، يتعبد ويجتهد ويظن أن تعبده من الإسلام وليس من الإسلام.

وكذلك البراءة من الشرك وأهله: يوجد من لا يتبرأ من الشرك، يزعم أنه ما عليه منهم، وليس بمسئول عنهم، ولهم دينهم وله دينه. لا هذا خطأ بل باطل، لهم دينهم ولك دينك، ولكن يجب عليك أن تتبرأ منهم، وأن تكفرهم، وأن تبغضهم، وأن تعتقد بطلان ما هم عليه، هذا هو الإسلام الصحيح.

وقد يحتج بعضهم على ما ذهب إليه في هذا المذهب الباطل من ترك اعتقاد الكفر بالكفار والمشركين، ووجوب الكفر بهم بقوله جل وعلا: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة البقرة: 256].

فيقال: معنى هذه الآية: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ قال أهل العلم: لا إكراه في الدين هذه منسوخة بآية السيف: ﴿ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ وَخُذُوَهُمْ وَاحْصُرُوَهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ﴾ وهذه تسمى آية السيف، وليس كل كافر يكون كذلك أي يقتل، بل هناك من يكون معاهدًا أو يكون مستأمنًا، أو من أهل الذمة فهؤلاء لهم أحكام دلت عليها أحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة» وكقوله صلى الله عليه وسلم: «يجير على المسلمين أدناهم ويسعى بذمتهم أدناهم» . قوله صلى الله عليه وسلم: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» . ومع هذا فإنه يجب بغضهم وعداوتهم والكفر بهم، ويحرم ظلمهم والتعدي عليهم بقول أو فعل؛ لأن هذه الآية في الحربيين أي: آية السيف، وقال بعضهم: إنه لا إكراه في الدِّين: تكون في وقت دون وقت، يعني معنى ذلك إذا ضعف المسلمون ولم يستطيعوا مقاومة المشركين، أي: فلا يجب عليهم إكراه المشركين على الإسلام لضعفهم وعدم استطاعتهم، والقول الأول هو الأشهر عند كثير من أهل العلم أنها منسوخة بآية السيف، والله تعالى أعلم.

وأما قوله عز وجل: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾  فمن تدبر السورة وجد أن معناها هو التصريح بالبراءة من الشرك وأهل الشرك، يوضح ذلك قوله عز وجل: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ (1) لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4)وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ يعني: أتبرأ مما تعبدون، وأعتقد بطلان ما تعبدون ﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ فهم يعبدون الله، ولكن حيث إنهم يشركون باللات والعزى قال: ﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ فصارت عبادتهم لا شيء، لماذا؟ لأنهم كانوا يشركون في العبادة.

وقوله: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ أي: لكم دينكم الذي أنتم عليه وأنا لي ديني، الذي هو التوحيد وملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فبهذا تعلم أنه جهر بالبراءة من الشرك وأهله وجهر بالبراءة من الكفر وأهله، فلا يدور في خلد الإنسان أنه ليس بمسؤول عن الكفر بالشرك، وليس مطالبًا بذلك؛ بل اعتقاد الكفر بالشرك وأهله، والجهر بذلك من ملة إبراهيم عليه السلام التي أمرنا باتباعها كما في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية.

فالواجب عليك أن تتبرأ من الشرك وأهل الشرك، وأن تتبرأ من الكفر وأهل الكفر، كما قال عزّ وجلّ عن إبراهيم: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾. كما قال عز وجل عن إبراهيم: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾.

وكما أخبر الله عز وجل في سورة الممتحنة بقوله: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾.

ما معنى: «بدء» : يعني ابتداء، لا إنما معناها ظهر، أي ظهرت العداوة وأُعلنت، فبهذا يتفطن المسلم لمعنى الإسلام، وأنه الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، ونحمد الله أن من علينا بمعرفة ملة إبراهيم ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله عز وجل أن يمنَّ علينا بالثبات على التوحيد، والعقيدة الصحيحة السليمة، فإنها نعمة من الله عز وجل تفضَّل بها ومنَّ بها على من يشاء من عباده، فنحمده جلّ وعلا لا نحصي ثناء عليه.

ولا يعرف قدر التوحيد إلاَّ من عرف الشرك ومآل المشرك، وأن مآله إلى النار خالدًا مخلدًا فيها أبد الآبدين ودهر الداهرين، قال تعالى: ﴿ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا﴾ فالذي يعرف مآل المشرك وما سيؤول إليه إذا مات على الشرك يعرف فضل التوحيد.

لكن قد تخفى الثالثة على بعض من الناس، وهي البراءة من الشرك وأهله، فإنه إذا قيل: الذي يذبح للجن مشرك، يجب عليك أن تتبرأ منه ومن شركه، قال: من يخفى عليه حكم البراءة من الشرك!!!.

هذا يصلي ويصوم فيقال له: ثم ماذا! حتى ولو كان يصلي ويصوم، إذا كان يذبح للجن فهو مشرك يجب أن نتبرأ منه، ونعتقد بطلان عبادته وما هو عليه، ونبغضه ونعاديه، وكذا من يفعل السحر فهو مثل من توضأ وأحدث ثم صلى هل تصح صلاته؟!.

الجواب: «ما تصح» وكذا هذا يصلي ويصوم ويدعي الإسلام، ثم يحدث حدثًا أكبر، كأن يذبح للجن أو غيرهم من المخلوقات، فهو أحدث فبطلت عبادته لقوله تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ ولقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.

فالساحر مشرك، لماذا؟ لأن الشياطين لا تخدم وتعين إلاَّ من ذلَّ لها وخضع، اقرأ قوله عز وجل في سورة الأنعام: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ  ﴾.

ماذا قال أهل العلم عن استمتاع الجن بالإنس والإنس بالجن؟

قال أهل العلم: استمتاع الإنس بالجن أن الجني يخدمه، أي: يخبره عن بعض المغيبات، ويخبره عن بعض الأمور، وينقل له بعض الأخبار، ويفعل له ما يستطيع. واستمتاع الجني بالإنسي أن يخضع الإنسي للجني، وأن يذل له؛ سواء بقول أو بفعل؛ كالسجود والذبح لهم ولو سرًّا أو غير ذلك، وقد يفعله الإنس ظاهرًا، وقد يكون خفيًا، كأن يسجد لهم، أو يذبح لهم، أو يتلطخ بالنجاسات، فإذا فعل هذه الأشياء حينئذٍ رضيت الشياطين، وخدموا هذا الإنسي، فإذا ذل الإنسي للجني بالشرك ونحوه خدمه.

فبهذا تعلم أن السحر شرك، وأنه كفر، وأن من يتعاطى السحر مشرك، وأن من يفعل السحر كافر، وأنه ما عرف الاستسلام لله بالتوحيد، فإنه قد استسلم لغير الله عزّ وجلّ.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن –رحمه الله تعالى- في فتح المجيد: «وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الاستعاذة بغير الله، وقال ملاَّ علي قاري الحنفي: لا تجوز الاستعاذة بالجن، فقد ذم الله الكافرين على ذلك، وذكر الآية وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ  ﴾ فاستمتاع الإنسي بالجني في قضاء حوائجه وامتثال أوامره، وإخباره بشيء من المغيبات. واستمتاع الجني بالإنسي تعظيمه إياه، واستعاذته به وخضوعه له» انتهى ملخصًا.

والسحر ضرره كبير، وخطره عظيم على الفرد والمجتمع، ولا يضر الساحر من اعتصم بالله عزّ وجلّ ولاذ وعاذ بالله عز وجل لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ الإذن هو الكوني الإرادي، لا الإذن الشرعي؛ لأن الإذن ينقسم إلى قسمين كما هو في الأمر والقضاء والقدر والإذن والإرادة. كل هذه الأشياء تنقسم إلى قسمين: إذن شرعي ديني، وإذن كوني قدري.

فهذا الإذن ليس إذنًا شرعيًّا، فإن الله تعالى ما أذن بالسحر شرعًا، بل نهى عنه وأخبر أنه: ﴿مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ﴾ ما أذن الله بالسحر شرعًا، ولا يأذن بذلك، إنما إذا أرد شيئًا إرادة كونية قدرية. ونحن ولله الحمد والمنة في هذه المملكة عافانا الله من كثير من هذه الشعوذات؛ بسبب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جناته، وإلاَّ كانوا قبل يفعلون مثل هذه الأشياء.

وكذا العطف الذي يعطف المرأة على محبة زوجها أو غيرها، وهو من استخدام الشياطين، والصرف: يصرفه عن محبة زوجته أو غيرها، وهذا كله من الشرك بالله عز وجل؛ لأنه استخدام للجن واستخدام للشياطين، بالذل لهم والخضوع، وهذا شرك بالله عز وجل، فإنهم ما يرضون إلاَّ بالإشراك بالله عز وجل كما ذكره أهل العلم رحمهم الله.

قد يقول بعض الناس: تجوز الاستعاذة بالجن في ما يقدرون عليه. يقال: هذا خطأ بل باطل، والدليل أن النبي قال: «من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء» .

وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ فَزَادُوَهُمْ رَهَقاً  ﴾.

قال ابن كثير: أي كنا نرى أن لنا فضلاً على الإنس؛ لأنهم كانوا يعوذون بنا، أي إذا نزلوا واديًا أو مكانًا موحشًا كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم شيء بسوء.

وذلك أن الرجل من العرب كان إذا أمسى بوادٍ قفر، وخاف على نفسه قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه. يريد كبير الجن!! قال مجاهد: «كانوا إذا هبطوا واديًا يقولون: نعود بعظيم هذا الوادي ﴿ فَزَادُوَهُمْ رَهَقاً﴾. قال: زادوا الكفار طغيانًا» رواه عبدُ بن حميد وابن المنذر. وقال ابن كثير: «لما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقًا، أي: خوفًا وإرهابًا وذعرًا؛ حتى يبقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذًا بهم. كما قال السديّ: كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها، فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن، أن أُضرَّ فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي. قال: فإذا عاذ بهم من دون الله رهقتهم الجنُّ الأذى عن ذلك، وقد ذكر عن ابن أبي حاتم بسند إلى عكرمة نحو ذلك» انتهى.

فبهذا تتفطن أن من يتعاطى الشعوذة والدجل والسحر من الصرف والعطف والكهانة والعرافة ونحو ذلك، ويستخدم الجن والشياطين فإذا فعل الشرك الأكبر فإنه مشرك كافر، ولو صلى وصام وتهجد وقام.

تجد من يذهب إلى هؤلاء قلبه مضطربًا دائمًا وخائفًا، انظر واسبر من يذهب لمثل هؤلاء هل شفي، ما تجده شفي، لكنه يخف في وقت دون وقت، تجده يذهب إليهم في كل سنة، وفي كل شهر، فهو لم يُشْفَ؛ لأن من تعلق شيئًا وكلَ إليه. لكن من تعلق قلبه بالله جلا وعلا شفاه الله: ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  ﴾.

فكلما قوي التوحيد في القلب ازداد الموحد قوة وعزة، وكلما ضعف التوحيد في القلب -ولو كان ذا مال وولد وذا جاه وشرف- فهو ذليل يخاف من هذا، ويخضع لهذا، ويذل لهذا، قد قال له العرّاف أو المشعوذ أمورًا جعلت قلبه يخاف من كل شيء، يوسوس له في كل شيء، بينما الموّحد الذي يعوذ بالله «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» لا يجد شيئًا من هذه الوساوس والتوهمات والتخويفات الشيطانية.

ومثل قوة القلب بالتوحيد ما حصل لنبي من الأنبياء – عليه السلام- تحدّى قومه، وكانت آية له، وكل نبي أرسل أتى قومه بآية إلا هذا النبي كانت آيته التحدِّي، وهو هود عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى عنه أنه قال لقومه: ﴿مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55)إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾. فكلما قوي التوحيد في قلبك اطمأننت وأنست. الموحد لا يكون في قلبه خوف من هذه الأشياء، وقد يأتي بعضهم مشعوذا أو دجالا ويقول له: أنا أفعل فيك وأفعل فيقول: ماذا تريد من المال أعطيك؟ لكن الموحد يقول: افعل ما بدا لك، ماذا تفعل؟ ما تفعل شيئًا إلا بإذن الله عز وجل، وإذا كان بإذن الله الجأ إلى الله، واقرأ قوله عز وجل: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2)وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)

وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4)وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾.

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)مَلِكِ النَّاسِ (2)إِلَهِ النَّاسِ (3)مِن شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ (4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ وهكذا كلما قوي التوحيد ازداد الإنسان عزة ورفعة وثباتًا في الأمر، في أمر الدين والدنيا، فنحمد الله عز وجل.

نرجع إلى صلب موضوعنا. فالإسلام له مراتب الإسلام والإيمان والإحسان، فالإسلام إن كان ظاهرًا وباطنًا فهذا هو المسلم حقًا، وإن كان في الظاهر دون الباطن فهذا هو المنافق، مسلم في الظاهر كافر في الباطن؛ لأن من تسمى باسم الإسلام ينقسم إلى قسمين:

الأول: مسلم في الظاهر والباطن فهذا هو المسلم حقًا.

الثاني: مسلم في الظاهر دون الباطن فهذا هو المنافق الذي توعده الله عز وجل بالدرك الأسفل من النار: ﴿ إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً﴾.

أما الإيمان: فإنه اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح واتباع السنة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالمؤمن مسلم، والمسلم قد يكون مؤمنًا وقد لا يكون مؤمنًا، والمحسن أعلى مرتبة من المؤمن، ولذلك ليس كل مؤمنٍ محسنًا، لكن المحسن مؤمن مسلم، والمؤمن ليس بمحسن، وقد يكون محسنًا. فهذه مراتب الإسلام، ثم أركانه.

الركن الأول: هو شهادة أن لا إله إلاَّ الله وشهادة أن محمدًا رسول الله. ولذا جاء في حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- أن النبي عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذًا إلى اليمن قال: «إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله» وفي رواية: «إلى أن يوحدوا الله» . وفي رواية: «إلى أن يشهدوا أن لا إله إلاَّ الله، وأني رسول الله» فمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فقد دخل في الإسلام.

لكن إن عمل بلا إله إلا الله فهو المسلم حقًا، وإن لم يعمل بها يكون مرتدًا. ولذلك قال بعض النصارى لأحد العلماء المتقدمين: قال: إني أريد أن أسلم ولكن أريد أن اشترط، قال له: أسلم ولك شرطك، فشرط أن لا يعمل بعضًا من العبادة. فلما أسلم قال له العالم: لابد أن تعمل بأركان الإسلام، قال له: إني قد اشترطت. قال: ولو كنت قد اشترطت. قال: إذًا أعود إلى ديني الأول. قال: لا يمكن ذلك. قال: لماذا؟ قال: لأنك دخلت في الإسلام، فأولاً كنت من أهل الكتاب، والآن دخلت في الإسلام؛ فإذا لم تعمل بالإسلام كنت مرتدًا والمرتد إذا لم يعمل بأركان الإسلام يقتل، أو يعزر إذا كان لا يستحق القتل.

فبهذا تتفطن أن العبد إذا شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد دخل في الإسلام، لكن إن عمل بأركان الإسلام فهو مسلم حقًا، وإن لم يعمل بها فإن جحدها فهو كافر، إن جحد وجوب الصلاة، أو جحد وجوب الزكاة، أو جحد وجوب الحج، أو جحد وجوب الصيام فهو كافر. أما إن كان لم يجحد ولكنه ترك الصلاة تهاونًا وكسلاً فالذي عليه جمهور الصحابة والتابعين أن من ترك الصلاة تهاونا وكسلا تركًا كليًّا مستمرًا فهو يكفر بذلك، وأما الزكاة والصيام والحج فإنه لا يخرج من الإسلام، ولكنه على خطر، يعني لا يخرج من الإسلام إلا إذا جحد وجوب ذلك، أما إذا ترك الصلاة فعلى الصحيح من قولي العلماء أنه يكفر، سواء جحد أو لم يجحد؛ لقوله عز وجل: ﴿ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ وقال تعالى: ﴿ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ ولقوله عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» وبهذا قال كثير من العلماء المحققين، أما الركن الأول شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وشهادة أن لا إله إلا الله فيها نفي وفيها إثبات، فالنفي: لا إله، والإثبات: إلاَّ الله. فلما نَفيتَ عليك أن تعرف ذلك، إذا نفيت فأنت لا تنفي جميع الآلهة، تنفي الآلهة الباطلة؛ لأن بعض الناس يظن أنه إذا قال لا إله فإنه ينفي جميع الآلهة، وهذا خطأ. وقد نحا إلى هذا القول بعض ممن يقول: لا إله موجود إلا الله، وقد دخل من هذا التعبير أهل وحدة الوجود، وأهل الاتحاد بقولهم: لا إله موجود إلاَّّ الله، معنى لا إله عندهم في الوجود إلاَّ الله. فسواء عبدت حجرًا أو عبدت شخصًا فأنت تعبد الله على قولهم الباطل. لا إله في الوجود إلاَّ الله، كل ما في الوجود هو الله؛ من حجر ومدر وشخص غير ذلك، وأي كفر أعظم من هذا الكفر.

وهذه قد يأتي بها بعض الشراح يقول: لا إله موجود إلا الله قد يكون عن غير معرفة للمعنى لكنه قد يقلد غيره، ومن تدبر مقصدهم في ذلك علم أنه كفر صريح، والصحيح الذي قدره العلماء المحققون في خبر «لا» المحذوف أنه حق.

وإن قلت: لا إله في الوجود حق إلا الله فهذا صحيح، لكن لا بد أن تأتي بحق. فبهذا تتفطن حينما تقول: لا إله أنك ما نفيت ألوهية الله إنما قلت: لا إله تنفي الآلهة الباطلة.

ولذا قال عز وجل: ﴿ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى ﴾ وقال عز وجل عن إبراهيم أنه قال: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ  ﮊ  إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ فلما قال إبراهيم إنني براء تبرأ من جميع الآلهة، هل تبرأ من الإله الحق أم تبرأ من الآلهة الباطلة؟.

الجواب: تبرأ من الآلهة الباطلة، وحاشا أن يتبرأ إبراهيم من الإله الحق. معنى ذلك تعرف أنك إذا قلت: لا إله فإنك تتبرأ من الآلهة الباطلة ما يدور في ذهنك حينما تقول: «لا إله» أنك تنفي جميع الآلهة بل تنفي الآلهة الباطلة.

وكما قال عز وجل: ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾. «لا إله» نافيًا جميع ما يعبد من دون الله «إلاَّ الله» مثبتًا العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه ليس له شريك في ملكه، نعم ما أحسن هذه الكلمة وما أجمعها، ملك الله عز وجل ليس له فيه شريك، وكذلك فتكون العبادة ليس له فيها شريك، ولو عرفت معنى «لا إله» معرفة قلب لزداد توحيدك وإيمانك بمعرفتك لما نفيت وما أثبت. فمعنى «الإله» هو الذي يطاع فلا يُعصى؛ هيبةً وإجلالاً وتعظيمًا، وخوفًا ومحبةً ورجاءً وتوكلاً وإنابة.

فمن أفرد الله تعالى ووحده في هذه الأشياء فقد صدق في قوله: «لا إله إلا الله» ومن كان بخلاف ذلك فقد أشرك مع الله غيره ولم يصدق في قوله: «لا إله إلا الله» ؛ إما لجهله بمعنى «الإله» أو لمحبته للشرك؛ لأنهم في زماننا يسمون من يشركون به في هذه الأشياء سيدًا ولا يسمونه «إله» ولا فرق وإن اختلف اللفظ فقد اتفق المعنى سواء سماه «سيدًا» وأشركه مع الله في العبادة أو سماه «إلهًا» . وهذه الكلمة مقيدة بالتزام معناها والعمل بمقتضاها، فهي العروة الوثقى التي قال الله عز وجل: ﴿ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انْفِصَالَ لَهَا ﴾ قاله سعيد بن جبير والضحاك، وهي العهد الذي ذكر الله عز وجل إذ يقول: ﴿ لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً ﴾ قال ذلك عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- قال: هو شهادة أن لا إله إلا الله. والبراءة من الحول والقوة إلا بالله، وأن لا يرجو إلا الله عز وجل، وهي الحسنى التي قال الله عز وجل: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ وهي كلمة الحق التي ذكر الله عز وجل إذ يقول تعالى: ﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ قال ذلك البغوي، وهي كلمة التقوى التي ذكر الله عز وجل إذ يقول: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ وهي القول الثابت الذي ذكره الله عز وجل إذ يقول تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ﴾ وهي الكلمة الطيبة المضروبة مثلاً قبل ذلك إذ يقول تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ أصلها ثابت في قلب المؤمن، وفرعها العمل الصالح في السماء صاعدًا إلى الله عز وجل، وهي الحسنة التي ذكر الله عز وجل إذ يقول: ﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ وقال تعالى: ﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾.

عباد الله: حقيق بمن عرف فضل «لا إله إلا الله» أن يحرص على تعلم معناها والعمل به، وأن يهتم بذلك غاية الاهتمام، ويعتني به غاية الاعناء.

وإنه لميسر على من يسره الله عليه، موجود في كتب العلماء المحققين، كالإمام المجدد لمعالم الإسلام في القرن الثاني عشر الهجري شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. وذلك في كتبه «كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد» و «الأصول الثلاثة» و «كشف الشبهات» جزاه الله عنَّا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وكذلك في «فتح المجيد شرح كتاب التوحيد» للشيخ العلامة المحقق عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى أجمعين، وكذلك «معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول» للشيخ حافظ بن أحمد حكمي –رحمه الله تعالى- أسأل الله تعالى أن يرزقنا علمًا نافعًا وعملاً متقبلاً ورزقًا طيبًا إنه سميع الدعاء.

عباد الله: إن كلمة التوحيد «لا إله إلا الله» لها شروط سبعة يجب أن يعمل بها المسلم في الباطن والظاهر؛ حتى يكون مؤمنًا حقًا مستقيمًا، وهذه الشروط هي:

الأول: العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا: لقوله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ ولقوله: ﴿ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ أي بلا إله إلاَّ الله: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم.

الثاني: اليقين وهو كمال العلم بها، المنافي للشك والريب لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا، أي: لم يشكوا فأما المرتاب فهو من المنافقين.

الثالث: الإخلاص المنافي للشرك لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾.

الرابع: الصدق المنافي للكذب، المانع من النفاق لقوله تعالى: ﴿الـم (1)أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ (2)وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ  ﴾.

الخامس: المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه، والسرور بذلك لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾.

السادس: الانقياد بحقوقها وهي الأعمال الواجبة؛ إخلاصًا لله وطلبًا لمرضاته لقوله تعالى: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.

السابع: القبول المنافي للرد لقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ﴾.

إذا أردت أيها المسلم أن تأتي بلا إله إلا الله على أكمل الوجوه ينبغي لك أن تلاحظ فيها اثني عشر أمرًا.

الأول: لفظها.            الثاني: معناها.                        الثالث: حقها.

الرابع: حقيقتها.         الخامس: حكمها.       السادس: لازمها.

السابع: مقتضاها.      الثامن: نواقضها.       التاسع: متمماتها.

العاشر: فائدتها.                  الحادي عشر: فضلها.          الثاني عشر: إعرابها.

وينبغي للذاكر بها في لفظها أن لا يمد ألف «لا» جدًا، وأن يقطع الهمزة من «إله» إذ كثيرًا ما يلحن القائل فيرددها «يا» وكذلك يفصح الهمزة من «إلا» ويخفف لام «إلا الله» لكسر ما قبلها، وأما لفظة الجلالة «الله» فلا يزيد فيها على مقدار المد الطبيعي؛ إذ كثير من المؤذنين يفرطون في مد لفظ الجلالة ويزيدون في المد وهذا خطأ، ولا ينبغي أن يفعل هذا من يرجو ثواب ذلك من ربه تبارك وتعالى.

والله تعالى أعلم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

المؤلف الشيخ/ عبدالله بن إبراهيم بن عثمان القرعاوي

إمام وخطيب جامع خادم الحرمين الشريفين ببريدة "الجامع الكبير"