×
التحذير من الخوض في الأعراض: ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بالمسجد النبوي بتاريخ 21 - 11 - 1431 هـ، والتي تحدَّث فيها عن عادة القيل والقال التي أدَّت إلى انتهاك أعراض المسلمين، وحذَّر فيها من الاستطالة في الأعراض والكذب والبهتان، وبيَّن بالأدلة من الكتاب والسنة العاقبة الوخيمة لمن أصاب عِرْض أخيه المسلمين وتكلَّم فيه بغير حقٍّ.

    نبذة مختصرة عن الخطبة:

    ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التحذير من الخوض في الأعراض"، والتي تحدَّث فيها عن عادة القيل والقال التي أدَّت إلى انتهاك أعراض المسلمين، وحذَّر فيها من الاستطالة في الأعراض والكذب والبهتان، وبيَّن بالأدلة من الكتاب والسنة العاقبة الوخيمة لمن أصاب عِرْض أخيه المسلمين وتكلَّم فيه بغير حقٍّ.

    الخطبة الأولى

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

    معاشر المسلمين:

    من الآفات الكبرى والأدواء العُظمى التي دبَّت إلى مجتمعات المسلمين: انتشار عادة قِيل وقال، دون استنادٍ إلى برهانٍ قاطعٍ، ولا اعتضادٍ على دليلٍ ساطع، فذلكم بابُ فتنةٍ، ولُباب محنةٍ على الإسلام والمسلمين؛ لأن تناقُل أحاديث لا زِمام لها ولا خِطام تُوغِر الصدور، وتُغيِّر العقول، وتُفسِد الأُخُوَّة بين المسلمين، تجُرُّ من الويلات ما لا يُحصَى، ومن الشرور ما لا يُستقصَى.

    لا يليق بمجتمع الإسلام تداوُل أقاويل تُشاع، وأحاديث تّاع، سندُها الظنُّ والتخمين والرجمُ بالغيب، من غير تثبيتٍ ولا تبيين، فذلكم مما يحمِل المفاسد العُظمى، ويتضمَّن الآثام الكبرى، لذا جاء النهي الصريح من سيد الثَّقَلَيْن - عليه الصلاة والسلام - عن تلك المبادئ القبيحة، والمسالك المُعوجَّة؛ ففي "الصحيحين" أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله كرِه لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال».

    يقول ابن القيم - رحمه الله -: "من عُني بالنار والفردوس شُغِل عن القيل والقال، ومن هرب من الناس سلِمَ من شرورهم".

    إخوة الإسلام:

    حُرمة الأعراض عظيمةٌ في الإسلام، لذا فمن أعظم الظلم: التجنِّي على أحدٍ من المسلمين، أو التعرُّض له وفق عواطف عمياء، وتبعيَّةٍ بلهاء، فقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الربا اثنان وسبعون بابًا، أدناها مثل إتيان الرجلِ أمَّه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عِرْض أخيه»، وفي حديثٍ آخر: «أربى الربا شتم الأعراض».

    فالواجب على من يخاف مقام ربه ويخشى المُثول بين يديه: البُعد عن الخوض مع الخائضين بقيل وقال، وألاَّ يُشغل نفسه بما يخدِش دينه، ويُعرِّضه لغضب ربه؛ ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنَه الله رَدْغَة الخَبال حتى يخرج مما قال».

    ورَدْغَة الخَبال: عِصارة أهل النار.

    وفي "الصحيحين" قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو ليصمُت».

    وفيما رواه الطبراني بسندٍ حسنٍ: «فلا تقل بلسانك إلا معروفًا، ولا تبسط يدكَ إلا إلى خير».

    إخوة الإسلام:

    ومن الإثم المبين: التسارعُ في نشر أخبارٍ لا يعضُدُها دليل، وإشاعةُ أحاديث لا يسنُدُها برهان، فربُّنا - جل وعلا - يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6]، ولهذا نصَّ أهل العلم على أن من علامات الحمق: ترك التثبُّت، وتربُّ الأخبار الواهية، والظنون الباطلة، وتصيُّد الأحاديث الكاذبة، وسوء الظنون بالمسلمين، وحملهم على محامل السوء والشكوك.

    معاشر المسلمين:

    سبيل أهل الإيمان والتقوى، ومنهج ذوي الصلاح وطاعة المولى: التزامُ الأصول الإسلامية، كما حثَّهم عليه خالقُهم، لا يخوضون مع الخائضين؛ بل موقفهم التحلِّي بقول ربهم - جل وعلا -: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور: 12].

    ومن هنا فهم في حذرٍ من الولوج في نشر الإشاعات العارية عن الصحة، وفي بُعدٍ عن بثِّ الأخبار الخالية عن الحقيقة؛ لأنهم يسمعون قول ربهم - جل وعلا -: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور: 19].

    قال أهل العلم: "وهذا فيمن أحبَّ إشاعتها وإذاعتها، فكيف بمن تولَّى كِبر ذلك".

    فعليكم - إخوة الإسلام - البُعد عن اللغو بأنواعه، والفُحش بشتى صوره، ومن ذلك التسارع في شتم أعراض المسلمين، والقدح في أديانهم وأمانتهم بغير حقٍّ ولا برهان، فربُّنا - جل وعلا - يقول في حق المفلحين: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: 3]، ويقول: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص: 55].

    إن إصدار الأحكام على أحدٍ من المسلمين بدون بيان أسبابٍ شرعية، ولا حُجج قطعية، ولا براهين صحيحة، ولا أدلةٍ واضحة أمرٌ قبيحٌ في الإسلام، يُسبِّب الشر الخطير، ويُحدِثُ البلاء الكبير، ومن حادَ عن تلك الأصول العلمية، والقواعد الشرعية العالية، فقد وقع في اللَّجَج الباطل، والحمق الممجوج، وصار همَّازًا لمَّازًا، مُتحاملاً على المسلمين، مُنحرفًا عن الجادة، تاركًا للإنصاف.

    واعلم - أيها المُنتقِد - أن أعراض المسلمين حفرةٌ من حُفر النار، كما قال التقيُّ ابن دقيق العيد: "فإياك أن تقف على شفيرها"، واعلم أنك إن جرحتَ مسلمًا بغير تثبُّت ولا تحرُّز أقدمتَ على الطعن في مسلمٍ بريء من ذلك، ووسَمْتَه بميسَم سوءٍ سيبقى عليه عارُه أبدًا، ويبقى عليك إثمُه أبدًا.

    ولهذا فإن أشد أنواع الغِيبة، وأضرها على أهلها، وأشرها وأكثرها بلاءً وعقابًا: أن يتساهل المرء بما تخُطُّه يمينه بما لا سند له ولا مُعتمَد؛ بل بجهلٍ مُفرِطٍ في الحقائق، وغلوٍّ زائدٍ في إساءة الظن بالمسلم، فيقرأه حينئذٍ الملأ، ويشهد عليك أهل الأرض والسماء بما كتبتَ، فتذكَّر يا من تقع في ذلك: ما ورد في "الصحيحين" عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبيَّن فيها يزِلُّ بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب».

    وليتذكَّر المسلم أن الله سائلُه عن سمعه وبصره وفؤاده، وعما قاله، اعلم أن الله رقيبٌ عليك، شهيدٌ على فعلك وقولك، واعلم أن الحق في الدنيا والآخرة في انتصارٍ وعلوٍّ وازدياد، والباطل في انخفاضٍ وسَفالٍ ونفاد، والبُهت والزور وإن علا وارتفع في الآفاق، وشاع بين المسلمين فهو آخِذٌ صاحبَه إلى الهاوية، ومُردٍ به إلى سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، فعلينا جميعًا الالتزام بالمعيار الشرعي الذي جاء به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، جاء به في كل شيء، وفي الأخبار، وعلينا جميعًا مراعاة العزيز الجبار.

    قال الإمام أحمد: "ما رأيتُ أحدًا تكلَّم في الناس وعابَهم إلا سقط".

    وليتذكَّر من أطلق قلمه أو لسانه في التجريح والقدح بكلامٍ لبا يستند على مأخذ؛ بل على جهلٍ بالحال، وعدمِ تصوُّرٍ للواقع، أنه بهذا قد بغى وظلَم، فليخشَ على نفسه من دعوةٍ تسري بليلٍ وهو عنها غافل، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «واتق دعوةَ المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».

    وصدق القائل:

    قضى الله أن البغْي يصرعُ أهله

    وإن على الباغي تدور الدوائر

    بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الهدى والفرقان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ العالمين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أما بعد، فيا أيها المسلمون:

    فأوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا - في السر والعلن، ظاهرًا وباطنًا، قولاً وفعلاً.

    أيها المسلم:

    إن السعادة عند كل فتنة: العمل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أمسِك عليك لسانك، وليَسَعك بيتُك، وابكِ على خطيئتك».

    روى ابن سعد في "الطبقات" عن مُطرِّف بن عبد الله بن الشخِّير قال: "لبِثتُ في فتنةٍ ابن الزبير سبعَ سنين ما خبَّرتُ ولا استخبَرتُ، وما سلِمت".

    فكيف أيها المسلم بمن خاضَ مع الخائضين، وتناول أعراض المسلمين؟!

    وإذا سمعتَ من يُشنِّع على مسلم فلا تُصدِّقه؛ بل تثبَّت وتروَّ وتحرَّ الحق، وتوخَّ الصدق، ولا تكن عونًا في نشر الشائعات المُغرِضة، والأخبار الواهية؛ ففي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء إثمًا أن يُحدِّث بكل ما سمِع»؛ رواه مسلم.

    ثم إن الله - جل وعلا - أمرنا بأمرٍ عظيم، ألا هو: الإكثار من الصلاة والتسليم على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن الآل ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والتقوى، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والتقوى، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والتقوى، اللهم اجعلهم إخوةً مُتحابِّين على القرآن والسنة، اللهم اجعلهم إخوةً مُتحابِّين على القرآن والسنة.

    اللهم يا ذا الجلال والإكرام نسألك أن تدحَر أعداءنا وأعداء المسلمين، اللهم ادحَر أعداءنا وأعداء المسلمين، اللهم ادحَر أعداءنا وأعداء المسلمين.

    اللهم احفظ الحُجَّاج والمُعتمرين، اللهم وفِّقهم لرضوانك، اللهم وفِّقهم لرضوانك، اللهم وفِّقهم لرضوانك، اللهم واجعلنا وإياهم ممن فاز بجناتك، اللهم اجعلنا وإياهم ممن فاز بجناتك، اللهم اجعلنا وإياهم وجميع المسلمين ممن فاز بجناتك يا ذا الجلال والإكرام.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.

    اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى، اللهم وفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه خدمة دينهم وخدمة شعوبهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلهم رحمةً على رعاياهم، اللهم اجعلهم رحمةً على رعاياهم.

    اللهم ولِّ على المسلمين خِيارَهم، اللهم ولِّ على المسلمين خِيارَهم، اللهم ولِّ على المسلمين خِيارَهم، اللهم جنِّبهم فُجَّارهم وشرارهم.

    اللهم طهِّر بلداننا وبلدان المسلمين من الربا ومن الرشوة يا كريم، اللهم طهِّر بلداننا من القبائح يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعل مجتمعات المسلمين قائمةً على الإسلام، اللهم اجعلها قائمةً على الإسلام.

    اللهم سُرَّ كل مسلمٍ بتطبيق القرآن والسنة في كل مكان، اللهم فرِّح كل مؤمنٍ ومؤمنة بتطبيق الإسلام في كل مكان يا ذا الجلال والإكرام.

    اللهم اجعل بلدان المسلمين في كل مكان قائمةً على سنة سيد ولد عدنان - عليه أفضل الصلاة والسلام -.

    اللهم يا غنيُّ يا حميد، اللهم يا غنيُّ يا حميد، اللهم يا غنيُّ يا حميد مسَّنا الضر وأنت الراحمين، مسَّنا الضر وأنت أرحم الراحمين، مسَّنا الضر وأنت أرحم الراحمين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ، اللهم أنزِل علينا الغيثَ، اللهم أنزِل علينا الغيثَ، اللهم اسقِ ديارنا وديار المسلمين، اللهم اسقِ ديارنا وديار المسلمين، اللهم اسقِ ديارنا وديار المسلمين يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

    عباد الله:

    اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بكرةً وأصيلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.