كلمات السداد على متن الزاد
التصنيفات
الوصف المفصل
- كلمات السداد على متن الزاد
- تـرجمة الشارح
- كـتاب
الطهـارة
- بـاب الآنـيـة
- بـاب الاسـتنجـاء
- بـاب السـواك وسـنـن الوضـوء
- بـاب فـروض الوضـوء وصـفته
- بـاب مسـح الخـُفَّيِنْ
- بـاب نـواقـض الوضـوء
- بـــاب الغـسل
- بـاب التـيمم
- بـاب إزالـة النجاسـة
- بـاب الحـيض
- كـتاب الصـلاة
- بـاب الأذان والإقـامة
- بـاب شـروط الصـلاة
- بـاب صـفة الصـلاة
- بـاب سـجود السهـو
- بـاب صـلاة التطـوع
- بـاب صـلاة أهـل الأعـذار
- بـاب صـلاة الجمعـة
- بـاب صـلاة العـيدين
- بـاب صلاة الكسوف
- بـاب صـلاة الاسـتسقاء
- كـتاب الجـنائـز
- كـتاب الزكـاة
- كـتاب الصـــوم
- كـتاب المناسـك
- كـتاب الجهـاد
- كـتاب
الـبيـع(*)
- بـاب الشـروط في البيـع
- بـاب الخـيار(*)
- بـاب الـربا والصـرف
- بـاب بيع الأصول والثمار
- بـاب السلـم
- بـاب القـرض
- بـاب الرهـن
- بـاب الضـمان(*)
- بـاب الحـوالة
- بـاب الصلـح
- بـاب الحَجْـــر
- بـاب الوكـالــة
- بـاب الشركـة
- بـاب المساقاة
- بـاب الإِجَـارة
- بـاب السَّبْـق(*)
- بـاب العاريـة
- بـاب الغَصْـب
- بـاب الشُّفْعَـة
- بـاب الوديعـة
- بـاب إحيـاء المـوات
- بـاب الجُعَالـة(*)(1)
- بـاب اللقطـة
- بـاب اللَّقِيـط
- كتـاب الوَقْـف(*)
- كتـاب الوصـايا
- كتـاب الفـرائض
- فصـل في الحَجْـب
- كتـاب العتـق
- كتـاب النكـاح
- كتـاب الطـلاق(*)
- كتـاب الإيـلاء
- كتـاب الظهـار
- كتـاب اللِّعَـان
- كتـاب العـدد
- كتـاب الـرَّضـاع(*)
- كتـاب النفقـات
- كتـاب الجنايـات(*)
- كتـاب الديـات(*)
- كتـاب الحـدود(*)
- كتـاب الأيمـان
- كتـاب القضـاء
- كتاب الشهادات
- كتاب الإقرار
كلمات السداد على متن الزاد
عَلى مَتنِ «الزّاد»
تأليف
العَلاَّمَة فَيْصَلَ بِنَ عَبدِ العَزِيزِ آل مُبَارَك
المتَوفَى عَام 1376هـ
عُني به
محمد بن حسن بن عبد الله آل مبارك
تـرجمة الشارح
هو الشيخ العالم الورع الزاهد فيصل بن عبدالعزيز بن فيصل بن حمد المبارك العلاَّمة المحدث الفقيه المفسِّر الأصولي النحوي الفرضي .
- ولد رحمه الله في حريملاء عام 1313هـ ، فحفظ القرآن صغيراً ، ثمَّ طلب العلم على علماء حريملاء في وقته.
1ـ ومنهم جدُّه لأُّمِّه الشيخ العالم الورع ناصر بن محمد الراشد .
2ـ وعمُّه العلاَّمة الشيخ محمد بن فيصل المبارك .
ثمَّ طلب العلم بعد ذلك على علماء الرياض ، ثمَّ غيرها من البلدان .
مكانته العلمية ونبوغه المبكر:
- تصف المراجع العلمية الشيخ فيصل بأنه العالم الجليل والفقيه المحقق، والعلاّمة المدقق، وتتجلّى منزلة الشيخ فيصل العلمية في كثرة وعلو مشايخه الذين تلقى العلم على يديهم، حيث إنَّه قرأ على كثيرٍ من أفذاذ العلماء وأساطين العلم في ذلك الوقت، بل كاد أن يستوعبهم، رحمهم الله أجمعين.
3ـ فقد أخذ عن عالم عصره وفريد دهره الشيخ عبدالله بن عبداللطيف .
4ـ وأخذ الفرائض عن أفرض أهل زمانه الشيخ عبدالله بن راشد الجـلعود.
5ـ وأخذ علم النحـو عن سيبويه العصر الشيخ حمد بن فارس.
6ـ وأخـذ علم الحديث عن محدث الديار النجديَّة الشيخ المحدث سعد بن حمد بن عتيق.
7- وكذلك عن الشيخ المحدِّث الرُّحَـلَة محمد بن ناصر المبارك الحمد.
8ـ وأخذ أيضاً عن الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري.
9ـ والشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع رحمهم الله.
10ـ وممَّا يدلُّ على علو كعب الشيخ فيصل في العلوم الشرعية أنَّ الشيخ عبدالعزيز النمر أجازه إجازة الفتوى عام 1333هـ وكان الشيخ فيصل حينذاك في العشرين من عمره.
- وقد ترجم لـه الشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف في كتابه "مشاهير علماء نجد" ـ والذي اقتصر فيه على كبار علماء نجد ـ ترجمة حافلة تليق بمكانته العلميَّة.
- وكذلك تتجلى مكانته العلمية في آثاره الجليلة والكثيرة التي سطَّرها ، قال الشيخ عبدالمحسن أبا بطين - رحمه الله - : "وقد ألف كتباً كثيرة صار لها رواجٌ في جميع أقطار المملكة العربية السعودية" .
- وكذلك فإنَّ للشيخ رحمه الله تلامذة نابغين في كثيرٍ من الأقطار التي أقام ها، وبعضهم اقتصر في تحصيله العلمي على استفادته من الشيخ رحمه الله، والبعض منهم وصل إلى درجاتٍ علميَّة متميِّزة، كعضوية هيئة كبار العلماء، وهيئة التمييز، وكثيرٌ منهم قد تأهَّـل للقضاء.
إجازاته العلميَّة:
(أ) أجازَهُ الشيخُ سعدُ بنُ حَمَدٍ بنِ عَتِيقٍ محدث الديار النجدية:
- بتدريس أمهات كتب الحديث.
- وكذلك تدريس أمهات كتب مذهب الإمام أحمد.
- ثمَّ أجازه الشيخ سعد إجازة خاصَّة في علم التفسير.
(ب) وكذلك أجازه الشيخ عبدالله بن عبدالعزيزالعنقري بجميع مرويَّاته.
(جـ) وقد أجازه الشيخ عبدالعزيز النمر إجازةَ الفتوى عام 1333هـ.
تلاميذه:
تخرَّج على يدي الشيخ رحمه الله أجيالٌ من طلبة العلم، وليَ كثيرٌ منهم القضاء في عدَّة جهات.
من أبرزهم:
الشيخ إبراهيم بن سليمان الراشد - رحمه الله - قاضي الرياض ووادي الدواسر.
الشيخ عبدالرحمن بن سعد بن يحيى - رحمه الله - قاضي الرياض وحريملاء.
الشيخ فيصل بن محمد المبارك - رحمه الله - رئيس هيئة الحسبة وعضو مجلس الشورى بجدة .
الشيخ سعد بن محمد بن فيصل المبارك - رحمه الله - قاضي وادي الدواسر ثم الوشم .
الشيخ محمد بن مهيزع رحمه الله قاضي الرياض .
الشيخ ناصر بن حمد الراشد رحمه الله رئيس ديوان المظالم .
مؤلفـاته :
(أ) في العـقيدة :
1- (القصد السديد شرح كتاب التوحيد) في مجـلد، وقد طبع مؤخراً عام 1426هـ عن دار الصميعي بتحقيق الأخ الشيخ عبد الإله الشايع وفَّقه الله.
2- (التعليقات السنية على العقيدة الواسطية) في مجلد صغير، وقد طبع مؤخراً عام 1426هـ عن دار الصميعي بتحقيق الأخ الشيخ عبد الإله الشايع وفَّقه الله.
(ب) علم التفسير:
3ـ (توفيق الرحمن في دروس القرآن) في أربعة أجزاء، وقد طبُع هذا التفسير مرتين، وآخرهما عام 1416هـ عن دار العاصمة بالرياض، بعناية وتحقيق الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الزير.
4- (القول في الكرة الجسيمة الموافق للفطرة السليمة)، مخطوط، في مجلد(1).
ـــــــــــــــ
(1) ومنه مخطوطة في مكتبة الملك فهد -تصنيف رقم (261/3)-، وعنها مصوَّرة بدارة الملك عبدالعزيز/ مكتبة الشيخ فيصل بن عبدالعزيز المبارك.
(جـ) علم الحديث:
5- (لذة القارئ مختصر فتح الباري) في ثمانية مجلدات(1)، ذكر الشيخ عبدالمحسن أبا بطين أنه تحت الطبع، والشيخ عبدالمحسن من أعرف الناس بكتب الشيخ فيصل لأنه طَبع أكثرها في مكتبته الأهلية، وبعضها طُبعت بواسطته في غيرها من المكتبات(2)، وقال الزركلي: "شرع بعض الفضلاء بطبعه"(3)، إلاَّ أنَّه وللأسف الشديد فإن هذا الكتاب النفيس(4) في حكم المفقود.
6- ( نَقْعُ الأُوام(5) بشرح أحاديث عمدة الأحكام )، خمسة أجزاء كبار، في إحدى عشر مجلَّداً، مخطوط(6).
7- (أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام)، في مجلدين ضخمين - في سبعة ملازم-، وهو مختصرٌ عن سابقِه(7).
ـــــــــــــــــ
([1]) اعتمدت تسمية الشيخ عبدالمحسن أبا بطين للكتاب، بينما تسمي بعض المصادر المترجمة للشيخ الكتاب (تذكرة القارئ).
(2) مثل مكتبة البابي الحلبي بمصر.
(3) الأعلام للزركلي/ج 5/ص 168.
(4) بلا شكَّ أنَّ الكتاب المذكور هاهنا نفيسٌ جداًّ، إذ إنَّه هو الاختصار الوحيد - فيما أعلم - للسفر الجليل المشهور "فتح الباري"، وقد اطَّلعتُ مؤخَّرا على مختصرٍ للفتح لبعض المعاصرين، وهو نافع في بابه، ولكن فيه إيجازٌ شديدٌ جداًّ.
(5) للنقع معانٍ عِدَّةٌ، منها: الرَّيُّ بعد الظمأ، و"الأُوام" هو: شِدَّة العطش.
(6) ومنه مخطوطة كاملة، بخطِّ الشيخ فيصل رحمه الله في مكتبة الملك فهد/ تصنيف "مكتبة حريملاء"، تحت رقم = ( 228/3) - (247/3) - (251/3) - (231/3) - (256/3) - (255/3 ) - (241/3) - (230/3) - (260/3) - (239/3) - (238/3).
(7) ومنه أيضاً مخطوطةٌ كاملة بدارة الملك عبدالعزيز/ مكتبة الشيخ عبدالمحسن أبابطين، وعنها مصوَّرة بدارة الملك عبدالعزيز أيضاً/ مكتبة الشيخ فيصل المبارك.
ومنه أيضاً نسخةٌ - (لعلَّها مبيَّضة) - وصل فيها المؤلف إلى منتصف الجزء الأول، وهي بدارة الملك عبدالعزيز/ مكتبة الشيخ عبدالمحسن أبابطين.
8- (خلاصة الكلام شرح عمدة الأحكام) للمقدسي، مجلد في أربعمائة صفحة، طبع مراراً.
9- (مختصر الكلام شرح بلوغ المرام) لابن حجر، طبع ضمن (المجموعة الجليلة)، ثم طبع مفرداً عن المجموعة في الرياض عن دار إشبيليا عام 1419هـ.
10- (بستان الأحبار(1) باختصار نيل الأوطار) للشوكاني، في مجلدين، وقد طبع مرتين، آخرهما عن دار إشبيليا عـام 1419هـ.
11- (تجارة المؤمنين في المرابحة مع رب العالمين) مجلد في 271 صفحة، طبع مرتين.
12- (تطريز رياض الصالحين)، في مجلَّدٍ ضخم، طبع في عام 1423هـ - عن دار العاصمة - بتحقيق الشيخ الدكتور عبدالعزيز الزير.
13- (محاسن الدين على متن الأربعين) طبع ضمن المجموعة الجليلة، ثمَّ طبع مفرداً عن دار إشبيليا بالرياض عام 1420هـ.
14- (تعليم الأحبّ أحاديث النووي وابن رجب) وقد طبع قديماً ضمن (المختصرات النافعة).
15- (نصيحة المسلمين) وهي رسالة لطيفة طبعت في الكويت في أواخر حياة الشيخ تحت اسم: "نصيحة دينية"، على نفقة الشيخ عطا الشايع الكريع الجوفي رحمهما الله.
16- (وصية لطلبة العلم) رسالة لطيفة، وقد قام بتحقيق هذه الرسالة مع (نصيحة المسلمين) (2) الشيخ الدكتور عبدالعزيز الزير عام 1424هـ.
ـــــــــــــــ
(1) (أحبار) - بالحاء المهملة - جمع حَبْر وهو العالم، وابن عباس رضي الله عنهما - هو حبر هذه الأمة أي: عالمها.
(2) طبعتا تحت عنوان: (نصيحة نافعة ووصية جامعة) للشيخ فيصل بن عبدالعزيز المبارك.
17- (غِذاءُ القلوب ومفـرِّجُ الكروب) وقد طُبِع قديماً ضمن مجموع: (المختصرات النافعة).
(د) جهود الشيخ فيصل الفقهية:
اعتنى الشيخ رحمه الله بالتصنيف في علم الفقه لا سيما في أخريات حياته رحمه الله.
18- فشرَحَ "زاد المستقنع" بكتابه: (كلمات السداد على متن زاد المستقنع)، مطبوع، وهو كتابنا هذا، وهو شرحٌ لطيف ميسَّر، ومنه مخطوطةٌ اطلعتُ عليها في مكتبة الملك فهد، تصنيف/ مكتبة حريملاء، وقد أفدتُ من المخطوطة المذكورة في تصويب بعض الأخطاء واستدراك بعض السقط، مع الرجوع -غالباً- إلى الأصول التي نقل عنها الشارح، وقد طُبِع هذا الكتابُ مرتين دون تحقيق، آخرهما عام 1405هـ عن مكتبة النهضة.
- ثمَّ شرحَ الشيخ - رحمه الله -"الروض المربع" عِدَّة شروح، هي:
19- (المرتع المشبع شرح مواضع من الروض المربع) في أربعة أجزاء، وست مجلدات كبيرة، وهو تحت الطبع.
20- (مختصر المرتع المشبع) مخطوط في مجلد، ولم يكمله.
21- (مجمَع الجوادِّ(1) حاشية شرح الزاد) مخطوط، وصلنا منه شرحُ "كتاب البيوع".
22- ثمَّ وضع عليه فهرساً أسماه: (زبدة المراد فهرس مجمع الجواد) مخطوط.
23- وألَّف الشيخ رسالة فقهية صغيرة باسم: (القول الصائب في حكم بيع اللحم بالتمر الغائب)، مخطوطة.
24- كما ألَّف الشيخ رحمه الله - في علم أصول الفقه - رسالةً قيِّمةً بعنوان: (مقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد)، مطبوع.
ــــــــــــــ
([1]) الجوادُّ بتشديد الدال : جمع جادَّة، وهي الطريق الواضح.
25- وكذلك ألَّف الشيخ رحمه الله في الفقه الحديثي: (الغرر النقية شرح الدرر البهيَّة) مطبوع بتحقيقي عام 1426هـ.
- أمَّـا في علم الفرائض فقد ألَّف الشيخ فيصل رحمه الله في هذا الباب من علم الفقه رسالتين هما:
26- (الدلائل القاطعة في المواريث الواقعة)، مطبوع.
27- (السبيكة الذهبية على متن الرحبية)، مطبوع.
(هـ) في علم النحو:
28- (صلة الأحباب شرح ملحة الإعراب)، وهـو - فيما يظهر لي- من كُتُب الشيخ المفقودة.
29- وألَّف الشيخ أيضاً كتابه: (مفاتيح العربية (على متن الآجرومية)، وهو شرحٌ ممتع متوسِّـط على متن "الآجرُوميَّة" طُبِع قديماً ضمن مجموعة الشيخ المسمَّاة: ( المختصرات الأربع النافعة ) ، ثم طبع عام 1426هـ -عن دار الصميعي ـ بتحقيق الشيخ عبدالعزيز بن سعد الدغيثر .
30 ـ رسالة مختصرة بعنوان: (لُبـاب الإعراب في تيسير علم النحو لعامَّة الطلاب)، وقد طبعت بتحقيقي عام 1425هـ (1).
ــــــــــــ
(1) ممَّا ينبغي أن يلاحظ خلال دراسة مؤلفات الشيخ فيصل رحمه الله أنَّه قد تَمَّ طبع بع-ض كتب الشيخ فيصل رحمه الله في مجاميع، ولعلَّ ذلك كان - في الغالب - بسبب ظروف الطباعة الصعبة في ذلك الوقت، وهذه المجاميع هي:
(أ) ( المجموعة الجليلة ):
وقد طبعت ثلاث مرات، أولاها عام 1372هـ في المكتبة الأهلية بالرياض، والثانية في دمشق على نفقة تلميذه الشيخ عبدالرحمن بن عطا الشايع عام 1404هـ، والثالثة بمطابع القصيم، وتَجمعُ ثلاث مختصرات هي: =
...........................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= أ- (مقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد) وقد طبع مفرداً عام 1413هـ عن دار السلف، بتحقيق الشيخ راشد بن عامر الغفيلي.
ب- (محاسن الدين بشرح الأربعين النووية)،و قدطبع مفرداً عن دار إشبيليا عام 1420هـ.
ج- (مختصر الكلام شرح بلوغ المرام) لابن حجر، وقد طبع مفرداً في الرياض عن دار إشبيليا عام 1419هـ.
(ب) (المختصرات الأربع النافعة):
وقد طبعت ثلاث طبعات، أولاها عام 1369هـ، وثانيها عام 1371هـ، وآخرها عام 1405هـ، وتجمع أربع مختصرات هي:
أ- (مفتاح العربية (1) على متن الآجرومية) ومنه مخطوطة في مكتبة الملك فهد بعنوان "مفاتيح العربية" بخط الشيخ.
ب- (الدلائل القاطعة في المواريث الواقعة) ومنه مخطوطة في مكتبة الملك فهد.
ج- (غذاء القلوب ومفرج الكروب).
د- (تعليم الأحبّ أحاديث النووي وابن رجب).
ومنها مخطوطةٌ كاملة بدارة الملك عبدالعزيز/ مكتبة الشيخ عبدالمحسن أبابطين.
(ج-) - معلمة الشيخ فيصل المسمَّاة : ( زبدة الكلام في الأصول والآداب والأحكام):
فعندما أقام الشيخ رحمه الله في الجوف في أخريات حياته جمع رحمه الله مجموعاً علمياًّ مفيداً، ضمَّت بعض شروحه رحمه الله على جُملةٍ من المتون العلميَّة، وذلك للتسهيل والتيسير على طلبة العلم الذين قد يجدون بعض الصعوبة في تمييز ومعرفة ومراعاة الترتيب والتسلسل المرحلي لدراسة المتون العلمية في كافة الفنون والعلوم الشرعية، وقد سمَّى هذا المجموع: (زبدة الكلام في الأصول والآداب والأحكام).
- ولعلَّ سبب جمع المصنف رحمه الله للمجموعين الأولين: "المجموعة الجليلة" و"المختصرات النافعة" هو ظروف الطباعة الصعبة في ذلك الوقت، أمَّا المجموع الأخير فقد اختار الشيخ المتون المشروحة فيه بعناية ورتَّبها ترتيبا دقيقا، ولذلك تجد أنَّ بعض تلك المتون المشروحة كانت قد تَمَّت طباعتها في المجموعين السابقين.
وقد انتخب رحمه الله فصولها بحيث تكون "كالمكتبة العلمية" للمتوسطين من طلبة العلم للترقي في مدارج الطلب، والانخراط في جملة المنتسبين إلى أهل العلم.
قال الشيخ رحمه الله في أول هذه المعلمة - أو الموسوعة المصغَّرة:
(أمَّا بعد، فإنَّ كتب العلم قد كثُرت وانتشرت، وبُسِطَت واختُصِرت، فرأيتُ أن أجمَعَ منها ما يحفظُه الطالب ويعتمِد عليه، ونقلتُ من كلام أهل العلم ما يبيِّن بعض معانيه، ليكونَ أصلاً يَرجِعُ=
وفـاتـه:
ولي الشيخ فيصل القضاء في عِـدَّة بلدان، كان آخِـرها منطقة الجوف، والتي توفي بها في السادس عشر من ذي القعدة من عام 1376هـ، عن ثلاثةٍ وستين عاماً قضاها في الدعوة إلى الله، وفي العلم والتعليم والتصنيف رحمه الله(1).
والله المستعان، وعليه التكلان ، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــ
= إليه، وجسراً يعبُرُ منه إلى غيره إن شاء الله تعالى، والعالم الربَّاني هو الذي يربِّي الناس بأصول العلم وواضحاتِه، قبل فروعه ومشكلاته، ورتَّبتُ الكتب التي أردتُ، فبدأتُ:
1- ب- (الأربعين النووية)
2- ثمَّ ب-(عمدة الأحكام) للحافظ عبدالغني المقدسي في الحديث.
3- ثمَّ (كتاب التوحيد).
4- ثمَّ (العقيدة الواسطية).
5- ثمَّ (بلوغ المرام).
6- ثمَّ (الدرر البهيَّة).
7- ثمَّ (نبذة في أصول الفقه).
8- وختمتُها ب- (غذاء القلوب ومفرج الكروب).
وسمَّيتُه (زبدة الكلام في الأصول والآداب والأحكام )، وأسأل الله أن ينفعني به وجميع من قرأه أو سمعه إنَّه لطيفٌ خبيرٌ ، آمين) ا.هـ.
([1]) انظر في مصادر ترجمة الشيخ فيصل - رحِمه الله - :
أ - (علماء نجد خلال ثمانية قرون) للشيخ عبدالله البسام - رحمه الله - ج- 5 ص- 392 إلى 402.
ب - الأعلام للزركلي: ج-5 /ص- 168.
ج- (مشاهير علماء نجد) للشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ/ الطبعة الثانية.
د - ( روضة الناظرين) للقاضي/ج2 /ص178-181.
هـ - (العلامة المحقق والسلفي المدقق: الشيخ فيصل المبارك) لفيصل بن عبدالعزيز البديوي.
و - (المتدارك من تاريخ الشيخ فيصل بن عبدالعزيز المبارك) لمحمد بن حسن المبارك.
كلمات في التعريف بهذا الكتاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتاب (زاد المستقنع) تصنيف الإمام العلامة شرف الدين أبي النجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم المقدسي الحجاوي المتوفى عام 968 من الهجرة، وهو مختصر كتاب (المقنع) الذي صنفه شيخ الإسلام موفق الدين بن عبد الله بن أحمد بن قدامة المتوفى عام 620 من الهجرة - هو كتاب مفيد في موضوعه، وقد شرحه شرحاً لطيفاً فضيلة الأستاذ العلامة المحقق الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك ليتم النفع به، وسماه (كلمات السداد على متن الزاد) فجزاه الله أحسن الجزاء(1).
(1) هذه المقدمة الوجيزة سطَّرها ناشر الطبعة الأولى و هو الشيخ عبدالمحسن أبا بطين رحمه الله . |
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وبه نستعين
الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يُحْمد، وصلى الله وسلم على أفضل المُصْطَفَيْنَ محمد، وعلى آله وصحبه ومن تعبَّد.
أما بعد: فهذا مختصرٌ(*) في الفقه من مُقْنِع الإمام الموفَّق أبي محمد على قولٍ واحد، وهو الراجحُ في مذهبِ أحمد، وربما حذفتُ منه مسائلَ نادرةَ الوقوع، وزدتُ ما على مثله يُعْتَمد، إذ الهممُ قد قَصُرتْ، والأسبابُ المُثَبِّطةُ عن نيلِ المرادِ قد كَثُرَتْ، ومع صِغَرِ حَجْمه حوى ما يُغنِي عن التطويل، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، وهو حسبُنا ونعم الوكيل.
كـتاب الطهـارة
وهي: ارتفاعُ الحدث وما في معناه، وزوالُ الخَبَث.
والمياه ثلاثة: طهور لا يرفع الحدث، ولا يزيلُ النجسَ الطارئَ غيرُه، وهو الباقي على خِلْقته، فإن تغيَّر بغير ممازج كقطع كافور أو دهن أو بملح مائي(*) أو سُخِّنَ بنجس كُرِه، وإن تغير بمكثه أو بما يَشُقُّ صَوْنُ الماء عنه من نابت فيه وورق شجر، أو بمجاورة مَيْتَةٍ، أو سخن بالشمس أو بطاهر لم يكره، وإن استعمل في طهارة مستحبَّة كتجديد وضوء، وغسل جمعة، وغَسْلةٍ ثانية وثالثة كُرِه.
وإن بلغ قُلَّتين(*) – وهو الكثير وهما خمسمائة رطل عراقي تقـريباً -
فخالطتْه نجاسةُ غير بول آدميٍّ أو عَذِرتِهِ المائعةِ(*)، فلم تُغَيِّرْه، أو خالطه البولُ أو العَذِرَةُ ويَشُقُّ نَزْحُه كماءِ مصانع طريق مكة فطَهُور.
ولا يَرْفع حَدَثَ رجلٍ طَهُورٌ يسيرٌ خَلَتْ به امرأةٌ لطهارةٍ كاملةٍ عن حَدَث(*).
وإن تغيَّر لونُه أو طعمُه أو ريحُه بطبخٍ أو ساقـطٍ فيه(*)، أو ُرفــع بقليله حَدَثٌ، أو غُمِسَ فيه يدُ قائم من نوم ليلٍ ناقضٍ لوضوء، أو كان آخرَ غَسْلةٍ زالت النجاسة بها فَظَاهِرٌ.
والنَّجَسُ: ما تغيَّر بنجاسة، أو لاقاها وهو يسير، أو انفصل عن محل نجاسة قبل زوالها، فإن أضيف إلى الماء النَّجِس طَهُورٌ كثيرٌ غير تراب ونحوه، أو زال تغيُّر النَّجِس الكثير بنفسِهِ أو نُزِحَ منه فبقي بعده كثير غير متغير طَهُرَ.
وإن شكَّ في نجاسة ماءٍ أو غيره أو طهارتهِ بنى على اليقين، وإن اشتبه طهورٌ بنجسٍ حرُم استعمالُهما، ولم يتحرَّ، ولا يشترط للتيمم إراقتُهما ولا خَلْطُهما، وإن اشتبه بطاهر توضَّأ منهما وضوءاً واحداً: من هذا غرفة ومن هذا غرفة، وصلى صلاةً واحدةً، وإن اشتبهت ثيابٌ طاهرةٌ بنجسةٍ أو بمحرمةٍ صلَّى في كل ثوبٍ صلاة بعدد النَّجِس أو المُحَرَّم وزاد صلاةً(*).
بـاب الآنـيـة
كل إناء طاهرٍ -ولو ثميناً-، يباح اتخاذُه واستعمالُه، إلا آنيةَ ذهبٍ وفضَّة ومُضَبَّباً بهما، فإنه يَحْرُم اتخاذُها واستعمالُها ولو على أُنثى، وتصحُّ الطهارةُ منها(*)، إلا ضَبَّةً يسيرةً من فضَّة لحاجة، وتُكره مباشرتُها لغير حاجة، وتُباح آنيةُ الكفار ـ ولو لم تحلَّ ذبائحُهم وثيابُهم ـ إن جُهل حالُها(*).
ولا يَطْهر جِلْدُ مَيْتةٍ بدباغ(*)، ويباح استعمالُه بعد الدبغ في يابس إذا كان من حيوان طاهر في الحياة، وعظمُ الميتةِ ولبنُها وكلُّ أجزائِها نجسةٌ غير شَعر ونحوه، وما أُبين من حيٍّ فهو كميتته.
بـاب الاسـتنجـاء
يُستحب عند دخولِ الخلاء قولُ: (بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث)(1) وعند الخروج منه: (غُفرانَك(2). الحمد لله الذي أذهب عنِّي الأذى وعافاني)(3) ، وتقديمُ رِجْلِه اليُسرى دُخولاً واليُمنى خُروجاً، عكس مسجد ونعل، واعتمادُه على رجله اليسرى، وبعدُه في فضاء واستتارُه، وارتيادُه لبولـه موضعاً رخواً، ومسحُهُ بيده اليسرى إذا فَرَغَ من بوله من أصل ذَكَرِه إلى رأسه ثلاثاً، ونَثْرُه ثلاثاً، وتحوُّلُه من موضعه ليستنجي في غيره إن خاف تلوثاً.
ويكره دخولـه بشيء فيه ذكر الله تعالى، إلا لحاجة، ورفعُ ثوبه قبل دُنُوِّه من الأرض، وكلامُهُ فيه، وبولُه في شَقٍّ ونحوِه، ومسُّ فرجــه بيمينه
(1) رواه البخاري 1/242، ومسلم (375). والخبث: بإسكان الباء الأفعال القبيحة، وبضم الخاء والباء: ذُكران الجن. | ||
(2) رواه أحمد 6/155، وأبوداود (30)، وابن ماجه (300) وابن حبان (1431)، والترمذي (7)، وقال: حسن غريب، والحاكم 1/158 وصححه ووافقه الذهبي. | ||
(3) رواه ابن ماجه (301) من حديث أنس، وفي سنده إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف، قال البوصيري: متفق على تضعيفه، والحديث بهذا اللفظ غير ثابت. ا.هـ. وللحافظ ابن حجر كلام طويل حول الحديث في تخريجه للأذكار فليراجع هناك. ورواه ابن السني (21) من حديث أبي ذر. |
واستنجاؤُه واستجمارُه بها، واستقبال النَّيِّريْن(*).
ويَحْرُم استقبالُ القبلة واستدبارُها في غير بنيان، ولُبْثُه فوق حاجته، وبولُهُ في طريق وظِلٍّ نافع وتحت شجرة عليها ثمرة.
ويستجمر (بحجر)ثم يستنجي بالماء، ويجزئه الاستجمار إن لم يَعْدُ الخارجُ موضعَ العادة.
ويشترط لاستجمارٍ بأحجارٍ ونحوِها أن يكون طاهراً منقياً غير عظمٍ وروثٍ وطعامٍ ومحتـرمٍ ومتصلٍ بحيوان، ويشترط ثلاثُ مسحات منقية فأكثر، ولو بحجر ذي شُعَب، ويسنُّ قطعُه على وَتْرٍ ، ويجب الاستنجاءُ لكلِّ خارجٍ إلا الرِّيحَ، ولا يصحُّ قبلَه وضوءٌ ولا تيمُّم.
بـاب السـواك وسـنـن الوضـوء
التَّسَوُّك بعود لَيِّن، مُنْقٍ، غير مُضِر، لا يتفتَّت، لا بإصبع وخرقة(*) مسنونٌ كلَّ وقت، لغير صائم بعد الزوال(*)، متأكِّدٌ عند صلاة، وانتباه، وتغيُّر فمٍ.
ويستاك عَرضاً مبتدئاً بجانب فمه الأيمن(*)، ويدَّهنُ غِبًّا، ويكتحل وتْراً، وتجبُ التسمية في الوضوء مع الذِّكْر، ويجب الخِتَانُ ما لم يَخَفْ على نَفْسِه، ويُكْرَه القَزَع.
ومِن سُنن الوضوء السواك، وغسل الكفين ثلاثاً، ويجب من نوم ليل ناقضٍ لوضوء، والبَداءة بمضمضة، ثم استنشاق، والمبالغة فيهما لغير صائم، وتخليل اللحية الكثيفة والأصابع، والتيامن، وأخذ ماء جديد للأذنين، والغسلة الثانية والثالثة.
بـاب فـروض الوضـوء وصـفته
فروضه ستة: غسل الوجه - والفمُ والأنفُ منه- وغسلُ اليدين، ومَسْحُ الرأس و(منه الأذنان)، وغسلُ الرِّجْلين، والترتيب، والموالاة وهي: أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشفَ الذي قبله.
والنية شرط لطهارة الأحداث كلها(*) (1)، فينوي رفع الحدث أو الطهارة لما لا يباح إلا بها، فإن نوى ما تسن لـه الطهارة كقراءة، أو تجديداً مسنوناً ناسياً حدثه ارتفع، وإن نوى غسلاً مسنوناً أجزأ عن واجب، وكذا عكسه، وإن اجتمعت أحداث توجب وضوءاً أو غسلاً فنوى بطهارته أحدَها ارتفع سائرُها، ويجب الإتيان بها عند أول واجبات الطهارة، وهو التسمية، وتسن عند أول مسنوناتها إن وُجِدَ قبل واجبٍ، واستصحابُ ذكرِها في جميعها، ويجب استصحابُ حكمها.
وصفة الوضوء أن ينوي، ثم يسمي، ويغسل كفيه ثلاثاً، ثم يتمضمض، ويستنشق، ويغسل وجهه من منابت شعر الـرأس إلى ما انحدر من اللَّحْيَيْن والذَّقَن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، وما فيه من شعر خفيف، والظَّاهرَ الكثيفَ مع ما استرسل منه، ثم يديه مع المرفقين، ثم يمسح كل رأسه مع الأذنين مرة واحدة، ثم يغسل رجليه مع الكعبين، ويغسلُ الأَقْطَعُ بقيَّةَ المفروض، فإن قُطع من المَفْصِل غَسَلَ رأسَ العَضُدِ منه، ثم يرفعُ بصرَهُ إلى السماء، ويقول ما ورد، وتباح معونتُه وتنشيفُ أعضائه.
بـاب مسـح الخـُفَّيِنْ
يجوز يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة بلياليها، مِنْ حَدَثٍ بعد لُبْسٍ، على طاهرٍ، مباحٍ، ساترٍ للمفروض(*)، يَثْبُتُ بنفسه(*)، من خُفٍّ وجوربٍ صفيقٍ ونحوهِما، وعلى عِمامةٍ لرجل، محنكةٍ أو ذاتِ ذُؤابةٍ، وعلى خُمر نساءٍ مدارةٍ تحت حلوقهن، في حدث أصغر، وعلى جَبيرةٍ لم تتجاوز قدر الحاجة(*) - ولو (في) أَكْبَرَ - إلى حَلِّها، إذا لَبِس ذلك بعد كمال الطهارة. ومَنْ مسحَ في سفر ثم أقام أو عَكَسَ، أو شكَّ في ابتدائه، فمَسْح مقيمٍ، وإن أحدث ثم سافر قبل مَسْحِه، فمسحَ مسافر. ولا يمسح قَلانِسَ ولا لُفَافةً، ولا ما يسقط من القدم أو يُرى منه بعضُه(*)، فإن لبس خفّاً على خُفٍّ قبل الحدث فالحُكْم للفَوْقَانيِّ، ويمسح أكثر العمامة، وظاهر قدم الخُفِّ من أصابعه إلى ساقه، دون أسفله وعَقِبِه، وعلى جميعِ الجبيرةٍ. ومتى ظهر بعضُ محلِّ الفرض بعد الحدث أو تَمَّتْ مُدَّتُه استأنف الطهارة.
بـاب نـواقـض الوضـوء
ينقض ما خرج من سبيل، وخارجٌ من بقية البدن إن كان بولاً أو غائطاً أو كثيراً نجساً غيرَهما، وزوالُ العقل إلا يسيرَ نومٍ من قاعدٍ أو قائمٍ(*)، ومسُّ ذَكَرٍ مُتَّصلٍ أو قُبُلٍ بظَهْر كَفّه أو بطنِه، ولمسُهُما من خُنْثَى مُشْكلٍ، ولمسُ ذكر ذَكَرَهُ أو أنثى قُبُلهَا لشهوةٍ فيهما، ومسُّه امرأةً بشهوةٍ أو تمسُّه بها(*)، ومسُّ حلقةِ دُبُرٍ، لا مَسُّ شعر وظفرٍ وأَمْردَ، ولامع حائل، ولا ملموسٍ بدنُهُ ولو وجد منه شهوَةً. وينقضُ غسلُ ميتٍ، وأكلُ اللحم خاصةً من الجَزُور(*)، وكلُّ ما أوجب غسلاً أوجب وضوءاً إلا الموتَ، ومن تيقن الطهارة وشَكَّ في الحدث أو بالعكس بنى على اليقين، فإن تيقنهما وجهل السابق فهو بضد حالهِ قَبْلَهُمَا. ويَحْرُم على المحدث مسُّ المصحف، والصلاةُ، والطوافُ.
بـــاب الغـسل
موجبُه خروجُ المَني دَفْقاً بلذَّةٍ لا بدونها، من غير نائمٍ: وإن انتقل ولم يخرجْ اغتسل لـه(*)، فإن خَرج بعد لم يُعِدْه، وتغييبُ حَشَفةٍ أصليةٍ في فَرْجٍ أَصْليٍ قُبُلاً كان أو دُبُراً ولو من بهيمة أو ميت، وإسلامُ كافرٍ، وموتٌ، وحيضٌ، ونِفَاسٌ، لا ولادةٌ عاريةٌ عن دم(*).
ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءةُ القرآن، ويَعْبُر المسجدَ لحاجةٍ، ولا يَلْبَثُ فيه بغير وضوء.
ومن غَسل ميتاً، أو أفاق من جنونٍ أو إغماءٍ، بلا حُلم، سُنَّ لـه الغسلُ. والغسلُ الكاملُ: أن ينويَ، ثم يُسَمِّي، ويغسل كفَّيه ثلاثاً وما لوَّثَه، ويتوضأ، ويَحْثي على رأسه ثلاثاً تُرَوِّيه، ويَعُمُّ بدنَه غُسْلاً ثلاثاً، ويدلكه، ويتيامن، ويغسل قدميه مكاناً آخَرَ.
والمُجْزِئُ: أن ينويَ، ثم يُسَمِّي، ويَعُم بدنَه بالغُسْلِ مرةً، ويتوضأ بمُدٍّ، ويغتسل بصاع، فإن أسبغ بأقلَّ أو نوى بغسله الحدثين أجزأ.
ويسن لجنُبٍ غسلُ فرجِه، والوضوءُ: لأكلٍ ونوم ومعاودةِ وطءٍ.
بـاب التـيمم
وهو بَــدَلُ طهــارة الماء. إذا دخل وقتُ فريضة، أو أُبيحتْ نافلةٌ، وعَدِمَ الماء، أو زاد على ثمنه كثيراً، أو بثمن يُعْجِزُه، أو خاف باستعماله أو طَلَبِه ضررَ بدنِه أو حُرْمَتِه أو مَالِه بعطشٍ أو مرضٍ أو هلاكٍ ونحوه شُرع التيمُّمُ، ومن وجد ماءً يكفي بعض طُهْرِه تيمم بعد استعماله، ومن جُرح تيمَّمَ لـه وغسل الباقي.
ويجب طلبُ الماء في رَحْلِه وقربه وبدلالة، فإن نَسي قُدْرَتَه عليه وتيمم أَعَادَ، وإن نوى بتيممه أحداثاً أو نجاسة على بدنه تضره إزالتها (*)، أو عَدِمَ ما يزيلها، أو خاف برداً، أو حبس في مصر فتيمم، أو عَدِمَ الماء والترابَ صلى ولم يُعِد. ويجب التيمم بتراب طهور لـه غبار (*)، لم يغيره طاهر غيره.
وفروضه: مسح وجهه ويديه إلى كوعيه، و (كذا) الترتيب، والموالاة(*) في حدث أصغر.
وتشترط النية لما يتيمم لـه من حدث أو غيره، فإن نوى أحدهما لم يجزئه عن الآخر(*)، وإن نوى نفلاً أو أطلق لم يُصَلِّ به فرضاً(*)، وإن نواه صلَّى كل وقته فروضاً ونوافل.
ويبطل التيمم بخروج الوقت وبمبطلات الوضوء، وبوجود الماء ولو في الصلاة، لا بعدها، والتيمُّم آخر الوقت لراجي الماء أولى.
وصفته: أن ينوي، ثم يسمي، ويضرب التراب بيديه مُفَرَّجَتَي الأصابع، ويمسح وجهه بباطنهما وكفيه بِراحَتَيْه ويُخَلِّل أصابِعَه.
بـاب إزالـة النجاسـة
يُجزئ في غَسْل النجاسات كلِّها إذا كانت على الأرض غَسلةٌ واحدةٌ تذهب بعين النجاسة، وعلى غيرها سَبْعٌ(*) إحداها بالتراب في نجاسة كلبٍ وخِنْزِيرٍ، ويجزئُ عن التراب أشْنانٌ ونحوه، وفي نجاسة غيرهما سَبْعٌ بلا تراب، ولا يَطْهُر متنجسٌ بشمسٍ ولا ريحٍ ولا دَلْكٍ ولا استحالةٍ(*) غـيرَ الخَمْرة، فإن خُلِّلتْ أو تنجَّس دُهْنٌ مائع لم يَطْهُر(*)، وإن خفي موضعُ نجاسةٍ من الثوب أو غيره غُسِلَ حتى يَجْزم بزواله(*).
ويطهر بول غلام لم يأكل الطعام بنضحه، ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس من حيوان طاهر، وعن أثر استجمار (بمحله)، ولا ينجس الآدمي بالموت، ولا ما لا نفس لـه سائلة متولد من طاهر، وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيُّه طاهر، ومنيّ الآدمي ورطوبة فرج المرأة، وسؤر الهرة وما دونها طاهر، وسباع البهائم والطير والحمار الأهلي -والبَغل منه- نجسة.
بـاب الحـيض
لا حيض قبل تسع سنين، ولا بعد خمسين(*)، ولا مع حَمْلٍ (*). وأقلُّه يومٌ وليلةٌ (*)، وأكثرُه خمسةَ عشرَ، وغالبُه ستٌ أو سبعٌ، وأقلُّ طُهرٍ بين حيضتين ثلاثةَ عشرَ، ولا حَدَّ لأكثره، وتقضي الحائض الصومَ لا الصلاةَ، ولا يَصِحَّان منها بل يَحْرُمان، ويحــرمُ وطــؤُهــا في الفــرج،
فإن فعل فعليه دينار أو نصفُه كفَّارة، ويستمتع منها بما دونه (*)، وإذا انقطع الدمُ ولم تغتسلْ لم يُبَحْ غيرُ الصيام والطلاق.
والمُبْتَدأَةُ تجلس أَقَلَّهُ ثم تغتسل وتصلِّي (*)، فإن انقطع لأكثره فما دون اغتسلتْ إذا انقطَعَ، فإن تكرر ثلاثاً فحيض، وتقضي ما وجب فيه، وإن عَبَرَ أكثرُه فمستحاضةٌ، فإن كان بعضُ دمها أحمر وبعضُه أسود ولم يَعْبُرْ أكثرَه ولم يَنْقُصْ عن أقلِّه فهو حيضُها: تجلسه في الشهر الثاني، والأحمرُ استحاضةٌ، وإن لم يكن دمُها متميزاً جلست غالب الحيض من كل شهر.
والمُستحـاضةُ المُعتادةُ ولو مُمَيزةً تجلس عادتها(*)، وإن نسيتْها عملت بالتمييز الصالح، فإن لم يكن لها تمييزٌ، فغالبُ الحيضِ كالعالمةِ بموضعِه، الناسيةِ لعَدَدِه، وإن علمتْ عَدَدَهُ ونسيتْ موضعَهُ من الشهر ولو في نصفه جلستْها من أولـه(*)، كمن لا عادةَ لها ولا تمييز، ومن زادتْ عادتها أو تقدمت أو تأخرت فما تـكرر ثلاثاً حيضٌ(*)، وما نَقَصَ عن العادة طهرٌ، وما عاد فيها جلستْه، والصُّفْرَةُ والكُدْرَةُ في زمن العادة حيضٌ، ومن رأتْ يوماً دماً ويوماً نقاء، فالدمُ حيضٌ، والنقاءُ طُهْرٌ ما لم يَعْبُرْ أكثرُه(*).
والمستحاضةُ ونحوها تغسل فَرْجَها وتعصبه وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي فروضاً ونوافلَ، ولا تُوطأُ إلا مع خوفِ العَنَتِ(*)، ويستحب غسلُها لكل صلاة.
وأكثر مدةِ النِّفاسِ أربعون يوماً(*)، ومتى طَهرتْ قبله تطهَّرتْ وصلَّتْ، ويكره وطؤُها قبل الأربعين بعد التطهُّر، فإن عاودها الدم فمشكوكٌ فيه؛ تصوم، وتصلي وتقضي الواجب(*).
وهو كالحيض فيما يَحِلُّ ويَحْرُمُ ويسْقُطُ، غير العدة والبلوغ(*)، وإن ولدت توأمين فأول النفاس وآخره من أولهما(*).
كـتاب الصـلاة
تجب على كل مسلم مكلَّف، إلا حائضاً ونفساءَ، ويقضي من زال عقلُه بنوم أو إغماء أو سُكْرٍ ونحوه(1)، ولا تصحُّ من مجنون ولا كافر، فإن صلَّى فمسلمٌ حُكْماً(*)، ويؤمر بها صغير لسبعٍ، ويضرب عليها لعشرٍ، فإن بَلَغَ في أثنائها أو بعدَها في وقتها أعاد(*) .
ويَحْرُم تأخيُرها عن وقتها، إلا لناوي الجمع، ولمشتغلٍ بشرطها الذي يحصِّله قريباً(*)، ومن جحد وجوبها كفر، وكذا تاركها تهاوناً ودعاه إمامٌ أو نائبه فأصرَّ وضاق وقتُ الثانية عنها، ولا يُقتَلُ حتى يستتابَ ثلاثاً فيهما(*).
بـاب الأذان والإقـامة
هما فرضا كفاية على الرجال المقيمين للصلوات المكتوبة(*)، يُقَاتَل أهلُ بلدٍ
تركوهُما، وتحرُم أجرتُهما(*)، لا رزق من بيت المال لعدم متطوع. ويكون المؤذن صَيِّتاً أميناً عالماً بالوقت، فإن تَشَاحَّ فيه اثنان قُدِّم أفضلُهما فيه، ثم أفضلُهما في دينه وعقله، ثم من يختاره الجيران، ثم قُرْعةٌ.
وهو خمسَ عشرةَ جملةً، يرتِّلُها على علو متطهراً مستقبلَ القبلة، جاعلاً إصبعيه في أذنيه، غير مستدير(*)، ملتفتاً في الحَيْعَلَة يميناً وشمالاً، قائلاً بعدهما في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم، مرتين.
وهي إحدى عشرة – يَحْدُرُها. ويقيم مَنْ أَذَّن في مكانه إن سَهُل، ولا يصِحّ إلا مرتَّباً متوالياً من عدل ولو ملحَّناً أو ملحوناً، ويجزئ من مُمَيِّز. ويبطلهما فَصْلٌ كثير، ويسير مُحَرَّم، ولا يجزئ قبل الوقت، إلا الفَجْرَ بعد نصف الليل(*).
ويُسَنُّ جلوسُه بعد أذان المغرب يسيراً، ومن جمع أو قضى فوائتَ أَذَّن للأولى، ثم أقام لكل فريضة، ويُسَنُّ لسامعه متابعتُه(*)سرّاً وحوقلتهُ في الحَيْعَلَةِ، وقولـه بعد فراغه: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوةِ التَّامَّةِ والصلاةِ القائمةِ آتِ محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته.
بـاب شـروط الصـلاة
شروطها قبلها: منها الوقت، والطهارة من الحدث والنجس.
فوقـتُ الظهر من الـزوال إلى مساواة الشيء فَيْئَهُ بعد فَيْءِ الزَّوال، وتعجيلُها أفضلُ إلا في شدَّةِ حرٍ، ولو صلَّى وحده، أو مع غيمٍ لمن يصلِّي جماعةً(*)، ويليه وقتُ العصر إلى مصير الفيء مِثْلَيْه بعد فيء الزوال. والضَّرورةُ إلى غروبها، ويُسَنُّ تعجيلُها، ويليه وقتُ المغرب إلى مَغيب الحُمْرة، ويُسَنُّ تعجيلُها إلا ليلةَ جَمْعٍ لمن قصدها مُحرماً، ويليه وقتُ العشاء إلى الفجر الثاني(*)، وهو البياض المُعْتَرِض، وتأخيرُها إلى ثلث الليل أفضلُ إن سَهُلَ، ويليه وقتُ الفجر إلى طلوع الشمس وتعجيلها أفضل.
وتُدْرَكُ الصَّلاةُ بتكبيرة الإحرام في وقتها، ولا يصلي قبل غلبةِ ظنِّه بدخول وقتها إما باجتهاد، أو خبر مُتيقَّن، فإن أحــرم بـاجتهاد فبان قبله
فنفلٌ وإلا ففرضٌ، وإن أدرك مكلَّفٌ من وقتها قدرَ الـتَّحْريمةِ(*)، ثم زال تكليفُه أو حاضتْ ثم كُلِّف وطَهُرتْ قَضَوْها، ومن صار أهلاً لوجوبها قبل خروج وقتها لزمَتْه وما يجمَع إليها قَبْلَها، ويجب فوراً قضاءُ الفوائت مرتِّباً، ويَسْقطُ الترتيبُ بنسيانه، وبخشية خروج وقت اختيار الحاضرة.
ومنها سَتْرُ العورة، فيجب بما لا يَصِفُ بَشَرَتَها.
وعورةُ رجلٍ وأمةٍ وأمِّ ولدٍ ومُعْتَقٍ بعضُها من السُّرة إلى الرُّكْبة، وكلُّ الحرة عورةٌ إلا وجْهَهَا، وتُستحَبُّ صلاتُه في ثوبين، ويُجزئُ سَتْرُ عورتهِ في النَّفْل، ومــع أَحَدِ عاتقيه في الفــرض(*)، وصلاتُها في دِرْعٍ وخِمَارٍ وملحفةٍ، ويجزئ سَتْرُ عورتها، ومن انكشف بعضُ عورته وفَحُشَ، أو صلَّى في ثوب مُحَرَّم عليه أو نَجسٍ أعاد(*)، لا مَنْ حُبِسَ في مَحَلٍّ نجس، ومَنْ وَجَدَ كفايةَ عورته سَتَرَها وإلاّ فالفَرْجَيْنِ، فإنْ لم يكفهما فالدُّبُر، وإن أُعِيْرَ سُتْرةً لزمه قبولُها، ويصلِّي العـاري قاعـداً بالإيماء استحبـاباً فيهما، ويكون إمـامُهم وسطَهم، ويصلي كلُّ نوع وحده، فإن شَقَّ صلَّى الـرجالُ واستدبرَهم النساءُ، ثم عَكَسوا، فإن وجد سترة قريبة في أثناء الصلاة ستر وبنى، وإلا ابتدأ.
ويُكرَه في الصلاة السَّدْلُ، واشتمالُ الصَّمَّاء(*)، وتغطيةُ وجهه، واللِّثام على فمه وأنفه، وكَفُّ كُمِّه ولَفُّه، وشَدُّ وسطه كَزُنَّار.
وتحرمُ الخُيَلاءُ في ثوب وغيره، والتصويرُ واستعمالُه، ويحرم استعمالُ منسوجٍ، أو مُمَوَّه بذهب قبل استحالته، وثياب حرير، وما هو أكثرُه ظهوراً على الذكور، لا إذا استويا أو لضرورة أو حِكَّة أو مرض أو جَرَبٍ أو حشو، أو كان عَلَماً أربع أصابعَ فما دونَ، أو رِقَاع، أو لَبَّة جَيْبٍ وسَجْف فِرَاء. ويكره المُعَصْفَرُ والمُزَعْفَرُ للرجال.
ومنها اجتناب النجاسات، فمن حَمَلَ نجاسةً لا يُعفى عنها، أو لاقاها بثوبه أو بدنه لم تصح صلاتُه، وإنْ طَيَّنَ أرضاً نجسةً أو فَرَشَها (طاهراً) كُرِهَ وَصَحتَّ، وإن كانت بطــرفِ مُصَلَّى مُتَّصل ٍ(بــه) صحَّتْ إن لم يَنْجَرَّ بمَشْيـه، ومن رأى عليه نجاسةً بعد صلاته وجَهِلَ كَـونَها فيها لـم يُعِدْ، وإن علم أنها كانت فيها لكنْ نسيها أو جَهِلها أعاد (*)، ومن جبر عظمه بنجس لم يجب قلعُهُ مع الضرر، وما سَقَطَ منه من عضو أو سِنٍّ فطاهر.
ولا تصح الصـلاة في مَقْبَرةٍ(*)، وحُشٍّ وحمَّامٍ، وأعطانِ إبلِ، ومغصوبٍ
وأسطحتِها(*)، وتصح إليها(*)، ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقَها، وتصح النافلةُ والمنذورةُ باستقبال شاخص منها.
ومنها استقبالُ القِبْلة، فلا تصحُّ بدونه، إلا لعاجز ومُتَنفلٍ راكبٍ سائرٍ في سـفر(*)، ويَلْزمـه افتتاحُ الصلاة إلـيها، ومــاش، ويَلْزمـه الافتتاحُ والـركـوعُ والسجودُ إليها، وفَرْضُ مَنْ قَرُبَ من القبلة إصابةُ عينها، ومَنْ بعُد جهتُها، فإن أخبره ثقةٌ بيقين أو وجد محاريبَ إسلاميةً عمل بها، ويستدل عليها في السفر بالقطب والشمس والقمر ومنازلهما، وإن اجتهد مجتهدان فاختلفا جهةً لم يتبع أحدُهما الآخر، ويتبع المقلِّدُ أوثَقَهما عنده، ومن صلَّى بغير اجتهاد ولا تقليد قَضَى إن وجد من يقلِّده، ويجتهد العارفُ بأدلة القبلة لكل صلاة، ويصلي بالثاني، ولا يقضي ما صلَّى بالأول.
ومنها النية(*)، فيجب أن ينوي عين صلاةٍ معينةٍ، ولا يشترط في الفرض والأداء والقضاء والنفل والإعادة نيتهن، وينوي مع التحريمة، وله تقديمها عليها بزمن يسير في الوقت(*)، فإن قطعهـا في أثنــاء الصـلاة أو تردَّد بَطَلَتْ. (وإذا شَكَّ فيها استأنف)(*).
وإن قَلَبَ منفردٌ فَرْضَه نَفْلاً في وقته المتسع جاز، وإن انتقل بنية من فــرض إلى فــرض بـطلا، وتجب نية الإمامة والائتمام(*)، وإن نوى المنفردُ الائتمامَ لم يصحَّ فرضاً كنيَّة إمامتِه فرضاً، وإن انفرد مؤتمٌ بلا عذر بَطَلَتْ. وتبطل صلاة مأمومٍ ببطلان صلاة إمامه، فلا استخلاف(*)، وإن أحرم إمامُ الحيِّ بمن أحرم بهم نائبُه وعاد النائبُ مؤتماً صح(*).
بـاب صـفة الصـلاة
يسن القيامُ عند (قد) من إقامتها(*)، وتسويةُ الصف، ويقول: الله أكبر، رافعاً يديه مضمومتي الأصابع ممدودةً حَذْوَ مَنْكِبَيْه كالسجود ويُسمع الإمامُ مَنْ خَلْفَه كقراءته في أُولَتَيْ غير الظُّهْرَين، وغَيْرُه نفسه، ثم يقبض كوع يسراه تحت سُرَّته وينظر مَسْجِدَه، ثم يقول: (سـبحانك اللهم وبحمدك(*)، وتبارك اسْمُكَ، وتعالى جَدُّك، ولا إلهَ غيرُك)(1).
ثم يستعيذُ ثم يُبَسْمِلُ سراً، وليست من الفاتحة(*)، ثم يقرأ الفاتحة؛ فإن قطعها بذكرٍ أو سكوتٍ غير مشروعَيْن وطال، أو ترك منها تشديدةً أو حرفاً أو ترتيباً لزم غيرَ مأموم إعادتُها، ويجهر الكُلُّ بآمين في الجهرية، ثم يقرأ بعدها سورةً تكون في الصبح من طوال المفصَّل، وفي المغرب من قِصَارِه، وفي الباقي من أوساطه، ولا تصح الصلاةُ بقراءةٍ خارجةٍ عن مصحف عثمان(*).
ثم يركع مكبراً رافعاً يديه ويضعها على ركبتيه مُفَرَّجَتَي الأصابع مستوياً ظهرُه ويقول: سبحان ربي العظيم، ثم يرفعُ رأسَه ويديه قائلاً: إماماً ومنفرداً: سمع الله لمن حمده وبعد قيامهما: ربَّنا ولك الحمدُ مِلْءَ السَّماءِ ومِلْءَ الأرضِ ومِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شيء بعدُ، ومأموم في رفعه: ربَّنا ولك الحمدُ فقط.
ثم يَخِرُّ مُكبِّراً ساجداً على سبعة أعضاء: رجليه ثم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته مع أنفه، ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده، ويُجافي عَضُدَيْه عن
جنبيه، وبَطْنَه عن فخذيه ويفرق ركبتيه ويقول: سبحان ربي الأعلى ثم يرفع رأسه مكبراً ويجلس مفترشاً يسراه ناصباً يمناه ويقول: رب اغفر لي، ويسجد الثانية كالأولى. ثم يرفع مكبراً ناهضاً على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه إن سهل، ويصلي الثانية كذلك ما عدا التحريمةَ والاستفتاحَ والتَّعُوذَ وتجديدَ النيَّة، ثم يجلس مفترشاً، ويداه على فخذيه يقبض خِنْصَرَ اليمنى وبِنْصَرَها، ويُحَلِّقُ إِبْهامَها مع الوسطى، ويشير بَسَبَّابتها (في تشهده). ويبسط اليسرى ويقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسولُه، هذا التشهدُ الأولُ، ثم يقول: اللهم صَلِّ على مُحمدٍ وعلى آلِ مُحمدٍ كما صلَّيتَ على آل إبراهيمَ، إنَّك حميدٌ مجيدٌ، وباركْ على مُحمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركت على آلِ إبراهيمَ(*)، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ(1)، ويستعيذ من عذاب جهنَّمَ وعذاب القبر، وفتنة المَحْيا والمَمَاتِ، وفتنة المسيحِ الدجَّالِ(1)، ويدعو بما ورد، ثم يسلِّم عن يمينه: السلامُ عليكم ورحمةُ الله، وعن يساره.
وإن كان في ثُلاثيَّة أو رُباعيَّة نهض مكبِّراً(*) بعد التشهد الأول، وصلَّى ما بقي كالثانية وبالحمد فقط(*)، ثم يجلس في تشهده الأخير مُتورِّكاً، والمرأةُ مثله، لكن تَضُمُّ نَفْسَها، وتسْدلُ رِجْليها في جانب يمينها.
فصـــل
ويُكرَه في الصلاة التفاتهُ، ورفعُ بصره إلى السماء (وتغميض عينيه)(*)، وإقعاؤُه، وافتراشُ ذراعيه ساجداً، وعبثُه، وتَخَصُّرُه، وتَرَوُّحُه، وفرقعةُ أصابعِه، وتشبيكُها، وأن يكون حاقناً، أو بحضرة طعام يشتهيه وتكرارُ الفاتحة، لا جمعَ سُوَرٍ في فرض كنفلٍ، وله ردُّ المارِّ بين يديه وعدُّ الآي، والفَتْحُ على إمامه، ولبسُ الثوبِ والعمامةِ، وقتلُ حيةٍ وعقــربٍ وقَمْــلِ(*) ،
فإن أَطالَ الفِعْلَ عُرْفاً من غير ضرورةٍ ولا تفريقٍ بطلت ولو سهواً(*)، ويباح قراءةُ أواخرِ السورِ وأوساطُها، وإذا نابه شيءٌ سبَّح رجلٌ وصفَّقتْ امرأةٌ ببطن كفِّها على ظهْر الأخرى، ويَبْصُق في الصلاةِ عن يسارهِ وفي المسجد في ثوبه.
وتُسن صلاتُه إلى سترةٍ قائمةٍ كآخرة الرَّحْل فإن لم يجـدَ شاخصاً فإلى
خَط(*)ٍ، وتبطُلُ بمرور كلبٍ أسود بَهِيم فقط.
وله التعوذُ عند آية وعيد، والسؤالُ عند آية رحمةٍ ولو في فرض.
فـصـل
أركانُها: القيامُ، والتَّحريمةُ، والفاتحةُ، والركوعُ، والاعتدالُ عنه، والسجودُ على الأعضاء السبعة، والاعتدالُ عنه، والجلسة بين السجدتين(*)، والطُّمأنينةُ في الكُلِّ، والتشهدُ الأخيرُ، وجلستهُ، والصلاةُ على النبي ﷺ فيه والترتيبُ، والتسليمُ.
وواجباتُها: التكبيرُ غيرَ التَّحريمةِ والتسميعُ والتحميدُ وتسبيحتا الركوع والسجودِ، وسؤالُ المغفرة مرّةً مرّةً، ويسن ثلاثاً، والتشهدُ الأولُ، وجَلستُه. وما عدا الشرائط والأركان والواجبات المذكورة سُنَّة.
فمن ترك شرطاً لغير عذر غير النية فإنها لا تسقط بحال أو تعمَّد ترك ركن أو واجب بطلتْ صلاتُه، بخلاف الباقي، وما عدا ذلك سننُ أقوالٍ وأفعالٍ، لا يشرع السجود لتركِـهِ، وإن سجد فلا بأس.
بـاب سـجود السهـو
يُشرع لزيادةٍ ونقصٍ وشكٍّ، لا في عَمْدٍ، في الفرض والنافلة، فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بَطَلَتْ، وسهواً يسْجدُ له، وإنْ زاد ركعةً فلم يَعْلمْ حتى فرغَ منها سجد، وإنْ عَلِمَ فيها جَلَس في الحال فَتَشَهَّد إنْ لم يكن تشهَّد وسجد وسلَّم، وإن سبَّح به ثقتان فأصرَّ ولم يَجْزِم بصواب نَفْسِه بَطَلَتْ صلاتُه وصلاةُ من تَبِعَهُ عالماً، لا جاهلاً أو ناسياً (ولا من فارقه). وعَمَلٌ مُسْتَكْثَرٌ عادةً من غير جِنْس الصلاةِ يُبْطِلها عَمْدُه وسَهْوُه(*)، ولا يُشْرَعُ ليسيرِه سجودٌ، ولا تَبْطُل بيسير أكلٍ أو شربٍ سهواً ولا نفلٌ بيسيرِ شُربٍ عمداً، وإنْ أتى بقولٍ مشروعٍ في غيرِ موضعِه كقراءةٍ في سجودٍ وقعود،ٍ وتَشَهُّدٍ في قيامٍ، وقراءةِ سورةٍ في الأخيرتين لم تَبْطُل، ولم يَجِبْ له سجودٌ بل يُشَرَعُ. وإنْ سَلَّم قبلَ إتمامها عمداً بَطَلَتْ، وإن كان سهواً ثم ذكـر قريباً أتَّمها وسَجَد، وإنْ طال الفصلُ أو تكلَّم لغيرِ مَصْلحتِها بَطَلَتْ(*) ككلامِه في صُلْبِها(*)، ولمصلحتِها إن كان يسيراً لم تَبْطُلْ، وقَهْقَهَةٌ كَكَلامٍ، وإنْ نَفَخَ أو انْتَحَبَ من غيرِ خشيةِ الله تعالى، أو تَنَحْنَحَ من غير حاجة فَبَانَ حَرْفانِ بَطَلَتْ.
فصــــل
ومَنْ تَرَك رُكْناً فَذَكَرَهُ بعد شُروعِه في قراءةِ ركعةٍ أُخْرى بَطَلَتْ التي تَرَكَهُ منها، وقَبْلَهُ يعودُ وجوباً فيأتي به وبما بعده، وإنْ عَلِمَ بعد السلامِ فَكَتَرْكِ ركعةٍ كاملةٍ، وإنْ نَسِيَ التشهدَ الأولَ ونَهَضَ لزمَهُ الرُّجوعُ ما لم ينتصبْ قائماً، فإن استتمَّ قائماً كُرِهَ رجوعُه، وإن لم يَنْتصبْ قائماً لزمه الرجوعُ وإنْ شرعَ في القراءة حَرُمَ الرجوعُ وعليه السجودُ لِلكُلِّ(*).
ومن شَكَّ في عَددِ الرَّكعاتِ أخذَ بالأقلِّ(*)، وإنْ شَكَّ في تركِ رُكنٍ فَكَتَرْكِهِ ولا يسجدُ لشكِّه في تَرْكِ واجبٍ أو زيادةٍ ولا سُجُودَ على مأمومٍ إلا تبعاً لإمامهِ، وسجودُ السَّهْوِ لما يُبْطِلُ عَمْدُه واجبٌ، وتَبْطُلُ بتركِ سجودٍ أفضليتُه قبلَ السلامِ فقطْ(*)، وإنْ نسيه وسلَّمَ سجدَ إن قَرُبَ زمنُه، ومن سها مراراً كفاه سجدتان.
بـاب صـلاة التطـوع
آكَدُهـا كسوفٌ ثم استسقاءٌ ثم تـراويحٌ، ثم وترٌ يُفْعَلُ بين العشاءِ والفجرِ، وأقلُّه ركعةٌ، وأكثرُه إحدى عشرةَ مَثْنى مَثْنى، ويوتر بواحدةٍ، وإن أوترَ بخمسٍ أوسـبعٍ لم يجلسْ إلا في آخرها، وبتسعٍ يجلسُ عَقِبَ الثامـنةِ ويَتشهَّدُ ولا يُسَلِّم(*) ثم يُصلي التاسعةَ ويتشهَّدُ ويسلِّمُ، وأدنى الكمالِ ثلاث ركعاتٍ بسَلامَيْنِ يَقْرأُ في الأولى بِسَبِّح وفي الثانية بالكافـرون وفي الثالثةِ بالإخلاصِ، ويَقْنُتُ فيها بعدَ الركوعِ، فيقول: اللهم اهدني فيمن هديتَ، وعافني فيمنْ عافيت، وتولَّني فيمنْ تَولَّيتَ، وباركْ لي فيما أعطيتَ، وقني شَرَّ ما قَضَيْتَ، إنك تَقْضِي ولا يُقْضَى عليك، إنه لا يَذلُّ مَنْ واليتَ ولا يَعِزُّ من عاديتَ، تباركتَ ربنا وتعاليتَ(1). اللهم إنِّي أعوذُ برِضاك من سَخَطِكَ، وبِمُعافاتِكَ من عُقوبتِكَ، وبِكَ مِنْكَ، لا أحْصِي ثناءً عليكَ، أنتَ كما أثنيتَ على نفسِك(2) ، اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ ويَمْسحُ وجهَهُ بيديه، ويُكْرَه قنوتُه في غيرِ الوترِ، إلا أن تنزلَ بالمسلمينَ نازلةٌ غير الطاعونِ، فَيَقْنُتُ الإمامُ في الفرائض.
والتراويحُ عشرونَ ركعةً، تُفعلُ في جماعةٍ مع الوترِ بعد العشاءِ في رمضانَ، ويُوتِرُ المُتَهَجِّدُ بعدَه، فإنْ تَبِعَ إمامَهُ شَفَعهُ بركعةٍ، ويُكرهُ التنفُّلُ بينها لا التعقيب بعدها في جماعة.
ثم السننُ الراتبةُ: ركعتانِ قبلَ الظُّهرِ، وركعتانِ بعدَها، وركعتانِ بعدَ المغربِ، وركعتانِ بعدَ العشاءِ، وركعتانِ قبل الفجرِ، وهما آكدُها، ومن فاتَهُ شيءٌ منها سُنَّ له قضاؤُه.
وصلاةُ الليلِ أفضلُ من صـلاة النَّهارِ وأفضلُها ثلثُ اللَّيلِ بعـدَ نِصْفِه،
(1) أخرجه أبو داود في باب القنوت في الوتر، من كتاب الوتر 1/329. والترمذي باب ما جاء في القنوت في الوتر، من أبواب الوتر 2/328 برقـم (464)، وابن ماجه في باب ما جاء في القنوت في الوتر من كتاب إقامة الصلاة 1/372 برقم (1178). | ||
(2) أخرجه ابن ماجه في باب ما جاء في القنوت في الوتر من كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها 1/373 برقم(1179)، وأخرجه في باب القنوت في الوتر من كتاب الوتر 1/329. |
وصلاةُ ليلٍ ونهارٍ مَثْنَى مَثْنَى، وإن تطوعَ في النهار بأربعٍ كالظهرِ فلا بأسَ(*)، وأَجْرُ صلاةِ قاعدٍ على نِصْفِ أَجْرِ صلاةِ قائمٍ، وتسنُّ صلاةُ الضُّحى، وأقلُّها ركعتانِ، وأكثرُها ثَمَانٌ، ووقتُها من خروجِ وقتِ النَّهيِ إلى قُبيلَ الزوال.
وسجودُ التلاوةِ صـلاةٌ(*)، يُسَنُّ للقارئِ والمستمعِ دون السامعِ، وإن لم يَسْجُد القارئ لم ْ يَسْجُدْ وهو أربَعَ عشرةَ سجدةً(*)، في الحجِّ منهـا اثنتانِ، ويُكّبِّرُ إذا سجــدَ وإذا رَفَعَ، ويجلسُ ويُسلِّمُ ولا يتشهَّدُ، ويُكره للإمام قراءةُ سجدةٍ في صلاةِ سِرٍّ وسجودُه فيها(*)، ويَلْزَمُ المأمومُ متابعتُه في غيرهـا(*)، ويستحبُّ سجودُ الشكرِ عند تَجَدُّدِ النِّعمِ واندفاعِ النِّقمِ، وتَبْطُلُ به صلاةُ غيرِ جاهلٍ وناسٍ.
وأوقاتُ النهيِ خمسةٌ: من طلوعِ الفجرِ الثاني إلى طلوعِ الشمسِ، ومن طُلوعِها حتى تـرتفعَ قِيْدَ رمح، وعندَ قيامِها حتى تَزُولَ، ومن صلاةِ العصرِ إلى غُروبِها، وإذا شرعتَ فيه حتى تتمَّ، ويجوزُ قضاءُ الفرائضِ فيها، وفي الأوقاتِ الثلاثةِ فعلُ ركعتي طـوافٍ وإعادةُ جماعةٍ(*)، ويَحْرمُ تَطَوُّعٌ بغيرِها في شيءٍ من الأوقات الخمسة، حتى ما له سبب(*).
بـاب صـلاة الجمـاعـة
تلزم الرجال للصلواتِ الخمس، لا شرطٌ، وله فعلها في بيته(*)، وتُستحب صلاةُ أهلِ الثَّغْرِ في مسجدٍ واحدٍ، والأفضلُ لغيِرهم في المسجدِ الذي لا تقامُ فيه الجماعةُ إلا بحضورِه، ثم ما كان أكثر جماعةً، ثـم المسجدُ
العتيقُ، وأبعدُ أولى من أَقْرب(*)، ويَحْرُمُ أنْ يَؤُمَّ في مسجدٍ قبل إِمَامِهِ الراتبِ إلا بإذنِه أو عذره، ومن صلَّى ثم أُقيمَ فرضٌ سُنَّ له أَنْ يُعيدَها، إلا المغربَ(*)، ولا تُكره إعادةُ الجماعةِ في غيرِ مَسْجِدَيْ مكةَ والمدينة(*): فَيَقْطَعها، ومَنْ كَبَّر قبلَ سلامِ إمامهِ لحقَ الجماعةَ.
وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، فإنْ كان في نافلةٍ أتمَّها، إلا أنْ يَخْشَى فَواتَ الجماعةِ فَيَقْطَعَهَا، ومن كبَّرَ قَّبْلَ سَلاَمِ إِمامِةِ لَحِقَ الجماعةَ، وإن لحقه راكعاً دخلَ معه في الركعة وأجزأَتْه التحريمةُ، ولا قـراءةَ على مـأمومٍ، وتُستحبُّ في إسرارِ إمامِهِ وسكوتِه(*)، وإذا لم يَسْمَعْه لِبُعْدٍ لا لِطَرَشٍ، ويَسْتفتحُ ويتعوذُ فيما يَجْهرُ فيه إمامه(*).
ومن ركعَ أو سجدَ قبلَ إمامِه(*) فعليه أن يَرْجعَ ليأتيَ به بعده، فإنْ لم يَفْعلْ عمداً بَطَلَتْ، وإن ركعَ ورفع قبل ركوع إمامه عالماً عَمْداً بَطَلَتْ، وإن كان جاهلاً أو ناسياً بطلت الركعةُ فقط، وإن رَكعَ ورَفعَ قبل ركوعهِ ثم سجدَ قبلَ رَفْعِهِ بطلتْ إلا الجاهلَ والناسيَ، ويصلِّي تلك الركعةَ قضاءً.
ويسنُّ للإمام التخفيفُ مع الإتمامِ وتطويلِ الركعةِ الأولى أكثر من الثانيةِ، ويُسْتحبُّ انـتظارُ داخلٍ إن لم يَشُقَّ على مأمومٍ، وإذا استأذنت المرأةُ إلى المسجدِ كُرِهَ مَنْعُها، وبيتُها خيرٌ لها.
فصـــــل
الأولى بالإمامة الأقرأ العالم فقه صلاته، ثم الأفقه، ثم الأسن، ثم الأشرف، (ثم الأقدم هجرة)، ثم الأتقى، ثم من قرع، وساكن البيت وإمام المسجد أحق إلا من ذي سلطان . وحر وحاضر ومقيم وبصير ومختون ومن له ثياب أولى من ضدهم.
ولا تصح خلف فاسق ككافــر(*) ولا امــرأةٍ وخُنْثَى للرِّجال،
ولا صَبيّ لبالغ(*)، ولا أخرسَ، ولا عاجزٍ عن ركوعٍ أو سجودٍ أو قعودٍ أو قيامٍ إلا إمامَ الحيِّ المَرْجُوَّ زوالُ علتِّه(*)، ويصلُّون وراءه جلوساً ندباً، وإن ابتدأ بهم قائماً ثم اعتلَّ فجلس أَتَمُّوا خَلْفَهُ قياماً وجوباً.
وتصحُّ خلفَ من به سَلَسُ البولِ بمثله، ولا تصحُّ خلفَ مُحدِثٍ ولا مُتنجسٍ يَعلمُ ذلك. فإن جَهِل هو المأْمُومُ حتى انقضتْ صحَّتْ لمأمومٍ وحدَه(*)،
ولا تصحُّ إمامةُ الأُمِّي وهو مَنْ لا يُحْسِنُ الفاتحةَ أو يُدْغِمُ فيها ما لا يُدْغَمُ، أو يبدل حرفاً(*)، أو يَلْحنُ فيها لَحْناً يُحيلُ المعنى، إلا بِمثْلِه، وإنْ قَدَرَ على إصلاحهِ لم تصحَّ صلاتُه. وتُكرهُ إمامةُ اللحَّانِ والفَأْفَاءِ والتَّمْتَامِ ومَنْ لا يُفْصِحُ ببعضِ الحروف، وأَنْ يَؤُمَّ أجنبيةً فأكثرَ لا رجـلَ معهن(*)، أو قوماً أكثرُهم يكرهه بِحقٍّ. وتَصحُّ إمامةُ ولدِ الزِّنا والجُنْديِّ إذا سَلِمَ دينُهما، ومن يُؤدِّي الصلاةَ بمنْ يَقْضيها، وعكسُه، لا مُفْترِضٌ بِمُتنفِّلٍ(*)، ولا مَنْ يصلِّي الظهرَ بمن يصلِّي العصرَ أو غيرَها.
فـصـل
يقفُ المأمومُ خلفَ الإمامِ. ويصحُّ معه عن يمينهِ أو عن جانبيهِ لا قُدَّامَهُ ولا عن يَسارِه فقط، ولا الفَذُّ خلْفَه أو خلْفَ الصفِّ(*)، إلا أن تكونَ امرأةً، وإمامةُ النساءِ تقفُ في صفِّهنّ(*)، ويليهِ الرجالُ ثم الصِّبيانُ ثم النِّساءُ، كجَنائزِهمْ، ومن لم يقفْ معه إلا كافرٌ أو امرأةٌ أو مَنْ عَلِمَ حَدَثَهُ أحدُهما أو صبيٌّ في فرضٍ فَفَذٌّ، ومن وَجَدَ فُرْجَةً دخلَها، وإلا عن يمينِ الإمامِ، فإن لم يُمكنْهُ فله أن يُنبِّهَ من يقومُ معه، فإذا صلَّى فَذّاً ركعةً لم تصحَّ، وإن رَكَع فَذّاً ثم دخَلَ في الصفِّ أو وَقفَ معه آخرُ قبلَ سجودِ الإمامِ صحَّتْ.
فصــــل
يصحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإمامِ في المسجدِ وإنْ لم يَرَهُ(*) ولا مَنْ وراءَه إذا
سمعَ التكبيرَ، وكذا خارجَه إن رأى الإمامَ أو المأمومين إذا اتّصلتْ الصفوفُ، وتصحُّ خلفَ إمامٍ عالٍ عنهم، ويُكرَهُ إذا كانَ العلوُّ ذراعاً فأكْثرَ كإمامتِه في الطَّاقِ، وتطوُّعِه موضعَ المكتوبةِ إلا مِنْ حاجةٍ، وإطالةُ قُعودِه بعد السَّلامِ مستقبلَ القِبْلَةِ، فإنْ كان ثَمَّ نساءٌ لبِثَ قليلاً لِينْصرِفْنَ، ويُكرَهُ وقوفُهم بين السَّواري إذا قَطَعْنَ الصُّفوفَ.
فصــــل
ويُعْذَرُ لتَرْكِ جُمُعةٍ أو جماعةٍ مريضٌ، ومُدافعٌ أَحَدَ الأَخْبثَينْ، ومَنْ بحضرةِ طعامٍ محتاج إليه، وخائفٌ من ضياعِ مالِهِ أو فَواتهِ أو ضَررٍ فيه، أو موتِ قريبهِ أو على نفْسهِ من ضَررٍ أو سُلطانٍ أو مُلازمةِ غريمٍ ولا شيءَ معه، أو من فواتِ رفقتِه، أو غلبةِ نُعاسٍ، أو أذىً بمطرٍ أو وَحلٍ، أو بريحٍ باردةٍ شديدةٍ في ليلةٍ مُظْلِمة باردةٍ.
بـاب صـلاة أهـل الأعـذار
تَلزمُ المريضَ الصلاةُ قائماً، فإن لم يستطعْ فقاعداً، فإن عَجزَ فعلى جَنْبِه، فإن صلَّى مُستلقياً ورجْلاه إلى القِبْلةِ صَحَّ، ويُومِئُ راكعاً وساجداً ويخفِضُه عن الركوعِ، فإن عجز أَوْمَأَ بعينهِ، فإن قَدَرَ أو عجزَ في أثنائِها انتقلَ إلى الآخر، وإن قَدَرَ على قيامٍ وقُعودٍ دونَ ركوعٍ وسجودٍ أَوْمَأَ بركوعٍ قائماً وبسجودٍ قاعداً، ولمريضٍ الصلاةُ مستلقياً مع القُدْرةِ على القيامِ لمداواةٍ بقولِ طبيبٍ مسلمٍ. ولا تصحُّ صلاتُه في السفينةِ قاعداً وهو قادرٌ على القيامِ(*)، ويصحُّ الفرضُ على الراحلةِ خشيةَ التأذِّي بالوحلِ لا للمرض(*).
فصــــــل
من سافر سفراً مباحاً أربعةَ بُرُدٍ(*) سُنَّ له قَصْرُ رُباعيَّةٍ ركعتينِ إذا فارقَ عَامِرَ قَرْيتهِ أو خِيامَ قَومهِ. وإنْ أَحرمَ حَضَراً ثم سافرَ أو سَفراً ثم أقامَ أو ذَكرَ صلاةَ حضرٍ في سفرٍ أو عَكْسَها، أو ائتمَّ بمُقيمٍ أو بمن يشكُّ فيه، أو أحرم بصلاةٍ يَلزمُه إتْمامُها ففسَدتْ وأعادَهُ أو لم يَنوْ القَصْرَ عند إحرامِها(*)، أو شكَّ في نِيَّته، أو نوى إقامةً أكثرَ من أربعةِ أيامٍ، أو ملاَّحاً معه أهلُه لا يَنْوي الإقامةَ ببلدٍ لزمَهُ أن يُتِمَّ، وإن كان له طريقانِ فَسلكَ أبعدَهما أو ذَكرَ صلاةَ سفرٍ في آخر قَصْرٍ، وإن حُبِسَ ولم يَنْوِ إقامةً أو أقامَ لقضاءِ حاجةٍ بلا نيَّةٍ إقامةً قَصَرَ أبداً(*).
فصـــل
يجوز الجمع بين الظُّهرين وبين العشاءينِ في وقتِ إحداهما في سفرِ قصرٍ، ولمريضٍ يَلْحقهُ بتركِهِ مشقَّةٌ، وبين العشاءين لمطرٍ يبلُّ الثيابَ ولوحلٍ وريحٍ شديدةٍ باردةٍ، ولو صلَّى في بيتهِ أو في مسجدٍ طريقهُ تحت ساباطٍ(*). والأفضل فعل الأرفق به من تقديم وتأخير، فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند إحـرامها، ولا يفــرِّق بينهما إلا بمقــدار إقامة ووضوء خفيف، ويبطل براتبة بينهما(*)، وأن يكون العذر موجودا عند افتتاحهما وسلام الأولى، وإن جمع في وقت الثانية اشترط نية الجميع في وقت الأولى ، إن لم يضق عن فعلها ، واستمرار العذر إلى دخول وقت الثانية.
فصـــــل
وصلاةُ الخوفِ صحَّتْ عن النبيِّ ﷺ بصفاتٍ كلها جائزة(*). ويُستحَبُ أن يَحملَ معه في صلاتِها من السِّلاحِ ما يَدْفعُ به عن نفسِهِ ولا يُثقلهُ كسيفٍ ونحوه.
بـاب صـلاة الجمعـة
تَلْزمُ كلَّ ذَكَرٍ حُرٍّ، مُكلَّفٍ، مسلمٍ، مستوطنٍ ببناء(*) اسُمه واحدٌ ولو تَفَرَّق، ليس بينه وبين المسجدِ أكثرُ من فَرْسَخٍ، ولا تجبُ على مسافرٍ سَفَرَ قَصْرٍ ولا عبدٍ ولا امرأةٍ، ومن حضرَها منهم أجزأتْه ولم تنعقدْ به، ولم يصحَّ أن يَؤُمَّ فيها(*)، ومَنْ سقطتْ عنه لعذرٍ وجبتْ عليه إذا حَضرَها وانعقدتْ به، ومن صلَّى الظُّهرَ ممَّنْ عليه حضورُ الجمعةِ قبل صلاة الإمامِ لم تصح، وتصحُّ ممن لا تجبُ عليه، والأفضلُ حتى يُصلِّيَ الإمامُ. ولا يجوزُ لمن تَلزمهُ السفرُ في يومِها بعدَ الزوال.
فصــــل
يشترطُ لصِحَّتِها شروطٌ ليس منها إِذنُ الإمامِ.
أحدُها: الوقتُ: وأولُه أولُ وقتِ صلاةِ العيد(*)، وآخرُهُ آخرُ وقتِ صلاةِ
الظُّهرِ فإن خرجَ وقتُها قبلَ التَّحريمة صلُّوا ظهراً وإلا فجُمعة.
الثاني: حضورُ أربعينَ(*) من أهل وجوبِها بقرية مستوطِنين. وتصحُّ فيما قــاربه البُنْيانَ مــن الصَّحراءِ، فــإنْ نَقَصُوا قبـل إتْمامِها اسـتأنفـوا ظُهراً، ومن أدرك مع الإمامِ منها ركعةً أتمَّها جُمعةً، وإنْ أدْركَ أقلَّ من ذلك أتمَّها ظُهراً إذا كان نوى الظُّهرَ(*).
ويُشترطُ تقدُّمُ خُطبتين، من شَرْطِ صحَّتِهما: حَمْدُ اللهِ تعالى، والصلاةُ على رسولِ الله ﷺ وقراءةُ آيةٍ، والوصيةُ بتقوى الله عزَّ وجلّ، وحضورُ العددِ المُشترَطِ، ولا تُشترَطُ لهما الطهارةُ، ولا أن يتولاهُما من يتولَّى الصَّلاةَ.
ومن سُننِهما أنْ يخطُبَ على مِنبرٍ أو موضعٍ عالٍ، ويسلِّم على المأمومينَ إذا أَقبلَ عليهم ثم يجلِسُ إلى فراغِ الأذان، ويجلِسُ بين الخُطبتينِ، ويخطُب قائماً، ويعتمدُ على سيفٍ أو قوسٍ أو عصاً، ويقصِدُ تِلْقاءَ وجْههِ، ويقصُرُ الخُطبةَ، ويدعو للمسلمين.
فصــل
والجمعةُ ركعتانِ يُسنُّ أن يَقْرأَ جهراً في الأُولى بالجُمعة وفي الثانيةِ بالمنافقين، وتَحرُمُ إقامتُها في أكثرِ من موضعٍ من البلدِ إلا لحاجةٍ(*)، فإن فَعَلُوا فالصحيحةُ ما باشَرَها الإمامُ أو أَذِنَ فيها، فإن اسـتويا في إذن أو عدمـه فالثانية باطلة، وإن وقعتا معاً أو جُهِلَت الأولى بَطَلَتَا. وأقلُّ السُّنَّةِ بعد الجمعة ركعتان، وأكثرُها ستٌ، ويسنُّ أن يغتسل لها [في يومها] (*) -وتقدم- ويتنظف ويتطيب، ويلبس أحسن ثيابه، ويبكر إليها ماشياً، ويدنو من الإمام، ويقرأ سورة الكهف في يومها ويكثر الدعاء والصلاة على الـنبي ﷺ، ولا يتخطَّى رقاب الناس إلا أن يكون إماماً أو إلى فُرْجةٍ، وحَرُم أن يقيمَ غيره فيجلسَ مكانَه إلا من قَدَّم صاحباً لـه فجلس في موضع يحفظه لـه، وحَرُم رفعُ مُصَلًّى مفروش ما لم تَحْضر الصلاة(*)، ومن قام من مكانه لعارض لَحِقَهُ ثم عاد إليه قريباً فهو أحقُّ به، ومن دخل والإمامُ يخطب لم يجلس حتى يُصلِّيَ ركعتين يوجز فيهما، ولا يجوز الكلامُ والإمامُ يخطبُ إلا لـه أو لمن يكلمه، ويجوز قبل الخطبة وبعدها.
بـاب صـلاة العـيدين
وهي فرضُ كفايةٍ(*)، إذا تركها أهلُ بلد قاتلهم الإمامُ، وقتُها كصلاة الضُّحى، وآخرُه الزوالُ، فإن لم يعلم بالعيد إلا بعده صلَّوا من الغد، وتُسنُّ في صحراء، وتَقْديمُ صلاة الأضحى وعكسُه الفطر، وأكلهُ قبلها، وعكسُه في الأضحى إن ضحَّى(*)، وتكره في الجامع بلا عذر. ويُسن تَبْكيرُ مأموم إليها ماشياً بعد الصبح، وتأخرُ إمام إلى وقت الصلاة على أحسن هيئة؛ إلا المعتكفَ ففي ثياب اعتكافه(*)،
ومن شَرْطِها: استيطانٌ، وعددُ الجمعة، لا إذنُ إمامٍ(*)، ويُسَنُّ أن يَرْجعَ من طريقٍ أُخرى(*).
ويُصليها ركعتينِ قبل الخُطبة يكبِّر في الأولى -بعد الاستفتاح، وقَبْل التعوذِ والقراءةِ ستاً، وفي الثانية -قبل القراءة- خمساً. يرفع يديه مع كل تكبيرة ويقول: الله أكبر كبيراً، والحمد للهِ كثيراً، وسبحان اللهِ بكرةً وأصيلاً، وصلَّى اللهُ على محمدٍ النبيِّ وآله وسلم تسليماً (كثيراً)، وإن أحبَّ قال غيرَ ذلك. ثم يقرأ جَهْراً بعد الفاتحة بـ(سَبِّح) في الأولى، وبـ(الغاشية) في الثانية، فإذا سلَّم خطـب خُطبتين كخُطبتي الجمعة، يستفتـح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع، يحثُّهم في الفطر على الصدقة، ويبين لهم مـا يُخْرجون، ويرغبُهم في الأضحى في الأضحية ، و يُبين لهم حكمها. والتكبيراتُ الزوائدُ والذكرُ بينها والخُطبتان سُنَّة، ويُكره التنفلُ قبل الصلاة وبعدها في موضعها(*).
ويسنُّ لمنْ فاتَتْه أو بعضَها قضاؤُها على صِفتها، ويسنُّ التكبيرُ المطلقُ في ليلتي العيدين، وفي فِطْرٍ آكد، وفي كل عشر ذي الحجة، والمُقَيَّدِ عَقِبَ كلِّ فريضة في جماعة، من صلاة الفجر يوم عرفة، وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق، وإن نسيه قضاه ما لم يُحْدِثْ أو يَخرجْ من المسجد(*)، ولا يسنُّ عقب صلاة عيدٍ، وصفتُه شفعاً: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
بـاب صلاة الكسوف
تسنُّ جماعةً وفرادَى إذا كسف(1) أحدُ النيِّريْن، ركعتين يقرأ في الأولى جهراً بعد الفاتحة سورةً طويلةً، ثم يركعُ طويلاً، ثم يرفعُ ويُسَمِّع ويحمِّدُ، ثم يقرأُ الفاتحةَ وسورةً طويلةً دون الأولى، ثم يركعُ فيطيلُ وهو دون الأوَّلِ، ثم يرفعُ ثم يسجدُ سجدتين طويلتين، ثم يصلي الثانية كالأولى لكن دونها في كل ما يفعلُ، ثم يتشهدُ ويُسلِّم، فإن تجلَّى الكسوفُ فيها أتمَّها خفيفةً، وإن غابت الشمسُ كاسفةً أو طلعتْ والقمرُ خاسفٌ، أو كانت آيةً غيرَ الزَّلْزَلةِ لم يُصلِّ(*). وإن أتى في كل ركعة بثلاث ركوعاتٍ أو أربعٍ أو خمس جاز.
بـاب صـلاة الاسـتسقاء
إذا أجدبت الأرضُ وقَحَطَ المطرُ صلَّوها جماعةً وفُرادَى، وصفتُها في موضعها وأحكامها كعيد، وإذا أراد الإمامُ الخروجَ لها وعظَ الناسَ وأمرَهُم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم وتَرْكِ التَّشَاحنِ، والصيام والصدقة، ويَعِدُهم يوماً يَخْرجون فيه، ويَتنظَّف ولا يَتطيَّب، ويخرج متواضعاً متخشِّعاً متذلِّلاً متضرِّعاً، ومعه أهلُ الدِّين والصلاح والشيوخ والصبيان المميِّزون.
وإن خرج أهلُ الذِّمَّةِ منفردين عن المسلمين لا بيوم لم يُمنعوا، فيصلي بهم، ثم يخطبُ واحدةً يفتتحها بالتكبير كخُطبة العيد ويُكثر فيها الاستغفارَ وقراءةَ الآياتِ التي فيها الأمرُ به، ويرفع يديه فيدعو بدعاء النَّبي ﷺ، ومنه: (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً) إلى آخره، وإن سُقُوا قبل خروجهم شكروا الله وسألوه المزيدَ من فضله، وينادي لها: الصلاة جامعة، وليس من شرطها إذنُ الإمام، ويسن أن يقف في أول المطر وإخراجُ رَحْلِه وثيابهِ ليُصيبَها، وإن زادت المياه وخيف منها سُنَّ أن يقول: (اللهم حوالَيْنا ولا علينا، اللهم على الظِّرابِ والآكامِ وبطونِ الأودية ومنابتِ الشجر، )رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ..((1).
(1) أخرجه البخاري في الاستسقاء: باب الاستسقاء في المسجد الجامع برقم (1013)، ومسلم في: باب الدعاء في الاستسقاء برقم (897). |
كـتاب الجـنائـز
تُسَنُّ عيادةُ المريض، وتذكيُره التوبةَ والوصيةَ، وإذا نزل به سُنَّ تعاهدُ بَلِّ حَلْقِه بماءٍ أو شرابٍ، ويُنَدِّي شفتيه بقطنة، وتلقينه لا إله إلا الله مرةً، ولم يزدْ على ثلاث إلا أن يتكلم بعده فيُعيد تلقينه برفقٍ، ويقرأ عنده (يـس)(1)، ويوجهه إلى القبلة، فإذا مات سُنَّ تغميضُه، وشدُّ لحييه وتليينُ مفاصله، وخلعُ ثيابه، وسترُه بثوب، ووضعُ حديدةٍ على بطنه، ووضعُه على سريرِ غسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه، وإسراعُ تجهيزه إن مات غير فجأة، وإنفاذُ وصيته، ويجب في قضاء دينه.
فصــل
غسلُ الميت وتكفينُه والصلاةُ عليه ودفنهُ فرضُ كفاية، وأَوْلى الناس بغسله وصيُّه ثم أبوه ثم جَدُّه ثم الأقربُ فالأقربُ من عَصَباتِه ثم ذوو أرحامِه، وبأنثى وَصِيَّتُها ثم القربى فالقربى من نسائها، ولكل واحد من الزوجين غسلُ صاحبه، وكذا سيد مع سُرِّيته، ولرجل وامرأة غسلُ من لـه دون سبعِ سنينَ فقط. وإن مات رجل بين نسوة أو عكسه يُمِّم كخُنْثَى مُشْكلٍ، ويحرم أن يغسل مسلمٌ كافراً أو يَدفِنَه، بل يُوارى لعدم من يُواريه، وإذا أخذ في غسله سَتَر عورتَه وجرَّده، وسَتَره عن العيون.
ويكره لغير مُعِينٍ في غسله حضورُه، ثم يرفع رأسه إلى قُرْبِ جلوسه ويعصر بطنه برفق، ويكثر صَبَّ الماء حينئذ، ثم يلفُّ على يده خِرْقةً فينجيه ولا يحلُّ مسُّ عورةِ مَنْ لـه سبعُ سنين، ويستحـب أن لا يمسَّ سائره إلا بخرقة ثم يوضئه ندباً، ولا يدخل الماء في فيه ولا في أنفـه، ويدخـل
(1) حديث (اقرؤوا يس على موتاكم) رواه أبو داود برقم (3121) وابن أبي شيبة 4/74 طبعة الهند وابن ماجه برقم (1448) والحاكم 1/565 والبيهقي 3/383 وانظروا إرواء الغليل للألباني 3/150 ففيه مزيد بيان، والحديث ضعيف. |
إصبعيه مبلـولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانـه وفي مِنْخريه فينظفهما، ولا يدخلهما الماء، ثم ينوى غسله ويسمي، ويغسل برغوة السِّدْر رأسـه ولحيتـه فقـط، ثم يغسل شقّـه الأيمن ثم الأيسر، ثم كـله ثـلاثاً يُمـِرُّ في كل مرة يَدَه على بطنه، فإن لم ينق بثلاث زِيْدَ حتى ينقى ولو جاوز السبع، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً، والـماء الحار والأشـنان والخلال يُستعمل إذا احتيج إليـه، ويقص شاربه، ويقلم أظفـاره، ولا يسرح شعره(*)، ثم ينشف بثوب، ويُضْفَر شعرُها ثلاثةَ قُرون ويُسْدَل وراءها، وإن خرج منه شيء بعد سَبْع حُشي بقطن، فإن لم يَسْتمسكْ فَبِطينٍ حُر، ثم يغسل المحل ويُوَضَّأ وإن خرج بعد تكفينه لم يُعد الغسل.
ومُحْرمٌ ميتٌ كحيٍ: يُغسل بماء وسِدْر، ولا يُقَرَّبُ طيباً، ولا يلبس ذَكَرٌ مَخِيْطاً ولا يغطى رأسه ولا وجه أنثى.
ولا يغسَّل شهيد ولا مقتول ظلماً(*)إلا أن يكون جُنباً، ويــدفن بدمه في ثيابه بعد نزع السلاح والجلود عنه، وإن سلبهما كُفِّن في غيرهما(*)، ولا يُصلَّى عليه، وإن سَقَطَ عن دابته أو وُجد ميتاً ولا أَثَرَ به، أو حُمِلَ فَأَكلَ، أو طالَ بقاؤُه غُسِّلَ وصُلِّي عليه.
والسِّقْطُ إذا بَلَغَ أربعةَ أشهرٍ غُسِّلَ وصُلِّيَ عليه.
ومن تَعَذَّر غَسْلُه يُمِّم، وعلى الغاسل سَتْرُ ما رآه إن لم يكن حَسَناً.
فصــــــل
يجب تكفينُه في مالِه مَقدَّماً على دَيْنٍ وغيرِه، فإن لم يكن لـه مالٌ فعلى من تلزمه نفقتُه، إلا الزوجَ لا يَلْزمه كفن امرأتِهِ(*)، ويُستحَبُّ تكفينُ رجلٍ في ثلاثِ لفائفَ بيضٍ تُجَمَّر، ثم تُبْسَط بعضُها فوق بعضِ، ويُجعل الحَنُوطُ فيما بينها، ثم يوضَع عليها مُسْتَلْقياً، ويُجعل منه في قُطن بين أَلْيتيه ويُشَدُّ فوقها خِرْقَةٌ مشقوقةُ الطَّرَفِ كالتُّبَّان(1)، تَجمع أَلْيَتَيْهِ ومثانَتَه ويُجعل الباقي على منافذِ وجهه ومواضع سجوده، وإن طُيِّب كلُّه فَحَسنٌ، ثم يُرَدُّ طرفُ اللِّفَافةِ العُليا على شِقِّه الأيمنِ ويُرَدُّ طرفُها الآخرُ فوقه، ثم الثانية والثالثة كذلك ويُجعل أكثرُ الفاضلِ على رأسِه، ثم يَعْقِدُها، وتُحَلُّ في القبر، وإن كُفِّن في قميصٍ ومئزرٍ ولِفَافةٍ جاز.
وتُكَفَّن المرأةُ في خمسة أثواب: إزار وخِمار وقميص ولِفَافتين، والواجبُ ثوبٌ يَسْتر جميعَه.
فصــــــل
السُّنَّة أن يقوم الإمامُ عند صدره وعند وسطها، ويكبِّر أربعاً، يقرأ في الأولى بعد التَّعوُذِ الفاتحةَ، ويُصلِّي على النبي ﷺ في الثانية كالتشهد، ويدعو في الثالثة فيقول:
(اللهم اغفر لحيِّنا وميِّتنا، وشاهدِنا وغائبِنا، وصغيرِنا وكبيرِنا، وذَكَرِنا وأُنثانا)(1)، إنك تَعْلَم مُنقلَبنا ومَثْوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم مَنْ أحييته منا فأحيه على الإسلام والسُّنَّة، ومن توفيته فَتَوفَّه عليهما، اللهم اغفرْ لـه وارحْمه وعافِهِ، واعفُ عنه وأكرمْ نُزُلَه، ووسِّعْ مُدخَلَه واغسلْه بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الذنوب والخطايا كما ينقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَس، وأبدلْه داراً خيراً من داره، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخلْه الجنة، وأَعِذْه من عذاب القبر وعذاب النار(2)، وافْسَحْ لـه في قبره ونَوِّرْ لـه فيه، وإن كان صغيراً قال: اللهم اجعلْه ذخراً لوالديه وفَرَطاً(3) وأَجْراً وشفيعاً مجاباً، اللهمَّ ثَقِّلْ به مَوازينهما، وأعْظِمْ به أجورهما وأَلْحِقْه بصالح سَلَفِ المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وَقِهِ برحمتك عذابَ الجحيم.
ويقف بعد الرابعة قليلاً، ويسلِّم واحدةً عن يمينه، ويرفع يديه مع كلِّ تكبيرةٍ، وواجبُها: قيامٌ وتكبيراتٌ، والفاتحةُ والصلاةُ على الـنبي ﷺ، ودعوةٌ للميت، والسلامُ، ومن فاته شيءٌ من التكبير قَضَاه عـلى صِفَتهِ، ومن فاتتْه
(1) أخرجه الترمذي إلى لفظ "وأُنثانا" في: باب ما يقول في الصلاة على الميت، من أبواب الجنائز، عارضة الأحوذي 4/240، 241. | ||
(2) أخرجه مسلم في: باب الدعاء للميت في الصلاة، من كتاب الجنائز 2/662، 663 من رواية عوف ابن مالك. | ||
(3) الفَرَطُ: بالتحريك ما تَقَدَّمك من أجرٍ أو عَمَل. |
الصلاةُ عليه صلَّى على قبره وعلى غائبٍ بالنِّية إلى شهر(*)، ولا يُصلِّي الإمام على الغالِّ ولا على قاتلِ نفسهِ(*)، ولا بأس بالصلاة عليه في المسجد(*).
فصــــل
يُسَنُّ التَّرْبيعُ في حَمْله، ويُباح بين العَمودين(*)، ويُسَنُّ الإسراعُ بها، وكونُ المشاةِ أمامَها والركبان خلفها، ويكره جلوسُ تابعها حتى توضع(*)، ويُسجَّى قبرُ امرأةٍ فقط، واللَّحْدُ أفضلُ من الشَّق، ويقول مُدخِلُه: بسم الله وعلى مِلَّة رسول الله، ويضعه في لَحْده على شِقِّه الأيمنِ مستقبلَ القِبلة، ويُرفعُ القبرُ عن الأرض قَدر شِبْر مُسَنَّماً ويُكره تجصيصُه والبناءُ والكتابةُ والوطءُ عليه، والاتكاءُ إليه، ويَحْرُم فيه دفنُ اثنين فأكثر إلا لضرورة، ويجعل بين كل اثنين حاجزٌ من تراب، ولا تُكره القراءةُ على القبر(*)، وأيُّ قُربةٍ فَعلها وجعلَ ثوابها لميتٍ مسلمٍ أو حيٍ نفعه ذلك، ويُسن أن يُصنَع لأهل الميت طعامٌ يبعثُ به إليهم ويُكره لهم فعلُه للناس.
فصـــــل
تسن زيارة القبور(*) إلا للنساء، ويقول إذا زارها أو مَرَّ بها: السلام عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وإنـا إن شاء الله بكم للاحقون(1) ، يرحم اللهُ المُسْتقدِمِين منكم والمستأخِرين نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمْنا أجرَهم، ولا تَفْتِنَّا بعدهم، واغفرْ لنا ولهم(2) ، ويجوز البكـاء على الميت وتُسَنُّ تعزيةُ المصابِ بالميت ويَحرمُ النَّدْبُ والنِّياحةُ وشَقُّ الثوب ولَطْمُ الخدِّ ونحوه.
كـتاب الزكـاة
تجبُ بشروطٍ خمسةٍ: حرية، وإسلام، وملك نصاب، واستقراره(*)، ومُضِيُّ الحولِ في غير المعشَّر، إلا نَتَاجَ السَّائمةِ، وربحَ التجارة ولو لم يبلغْ(*) نِصاباً، فإنَّ حولَهما حولُ أصلِهما إن كان نِصاباً؛ وإلا فمِنْ كمالِه، ومن كــان لـه دينٌ أو حقٌ من صداقٍ أو غيره على مَليءٍ أو غيره(*) أدَّى زكاتَه إذا قَبضَه لما مضى، ولا زكاةَ في مالِ مَنْ عليه دينٌ ينقص النِّصاب ولو كان المالُ ظاهراً(*). وكفارةٌ كَدَينٍ.
وإن مَلَك نِصاباً صغاراً انعقد حولُه حين مَلَكَهُ، وإن نَقَصَ النصابُ في بعض الحَولِ أو باعه أو أَبْدله بغير جنسه لا فِراراً من الزكاة انقطع الحولُ، وإن أَبْدله بجنسه بنى على حوله، وتجب الزكاة في عين المال، ولها تعلقٌ بالذمة، ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء ولا بقاءُ المال(*)، والزكاةُ كالدَّين في التَّرِكة.
بـاب زكـاة بهيمة الأنعام
تجب في إبلٍ وبقرٍ وغنم إذا كان سائمةً(*) الحول أو أكثره، فيجب في خمسٍ وعشرينَ من الإبل: بنتُ مَخَاضٍ، وفيما دونها: في كل خمسٍ شاةٌ، وفي ستٍّ وثلاثينَ: بنتُ لبونٍ، وفي ستٍّ وأربعينَ: حقَّةٌ، وفي إحدى وستينَ: جَذَعةٌ، وفي ستةٍ وسبعين: بنتا لبونٍ، وفي إحدى وتسعينَ: حقَّتانِ، فإذا زادت على مائةٍ وعشرين واحدة: فثلاثُ بناتِ لبونٍ، ثم في كلِّ أربعينَ: بنتُ لبونٍ، وفي كل خمسينَ: حقَّةٌ.
فصــــل
ويجبُ في ثلاثينَ من البقر تبيعٌ أو تبيعةٌ، وفي أربعين مُسِنَّةٌ، ثم في كل ثلاثينَ تبيعٌ، وفي كل أربعينَ مُسِنَّةٌ، ويُجزئ الذَّكَرُ هنا وابنُ لبونٍ مكانَ بنتِ مَخَاضٍ، والذكر إذا كان النصاب كله ذكورًا.
فصــــل
ويجبُ في أربعينَ من الغنم شاةٌ، وفي مائةٍ وإحدى وعشرينَ شاتانِ، وفي مائتينِ وواحدةٍ ثلاثُ شياهٍ، ثم في كل مائةٍ، شاةٍ، والخُلْطةُ تُصيِّر المالَين كالواحد.
بـاب زكـاة الحبـوب والثـمار
تجب في الحبوب كلِّها، ولو لم تكن قُوتاً، وفي كل ثمر يُكال ويُدَّخر كتمرٍ وزبيبٍ، ويعتبر بلوغُ نِصاب قدره ألفٌ وستُّمائةِ رطلٍ عراقيٍ، وتُضَمُّ ثمرةُ العامِ الواحدِ بعضُها إلى بعض في تكميل النِّصاب، لا جِنْسٌ إلى آخر(*)، ويُعتبر أن يكون النِّصاب مملوكاً لـه وقتَ وجوب الزكاة، فلا تجب فيما يَكْتسبه اللَّقاط أو يأخذه بحصاده، ولا فيما يجتنيه من المباح كالبُطْمِ، والزَّعْبَل، وبِزْرِ قُطُونا ولو نبت في أرضه.
فصــــل
يجب عُشْرُ ما سُقي بلا مُـؤْنَةٍ، ونِصْفُه معهـا، وثـلاثةُ أرباعِهِ بهمـا، فـإنْ تفاوتـا فبأكثرهمـا نفعـاً، ومع الجهل العُشْـرُ، وإذا اشتدَّ الحَـبُّ وبدا صـلاحُ الثمـرِ وجـبـت الزكـاة، ولا يستقـرُ الوجوب إلا بجعلها في البَيْدرِ، فإن تَلِفتْ (قبله) بغير تَعَدٍّ منه سقطتْ(*)، ويجب العُشْرُ على مستأجر الأرض(*)، وإذا أَخَذَ من ملكه أو مَوات من العَسَل(*) مائةً وستينَ رطلاً عراقياً ففيه عُشْرُه.
والرِّكَاز: ما وُجد من دَفْنِ الجاهلية، وفيه الخُمسُ قليله وكثيره.
بـاب زكـاة النـقديـن
يجب في الذهب إذا بَلَغَ عشرين مثقالاً، وفي الفضَّة إذا بلغتْ مائتي دِرْهمٍ رُبْعُ العُشْرِ منهما، ويُضَمُّ الذهبُ إلى الفضَّة في تكميلِ النِّصابِ وتُضَمُّ قيمةُ العروضِ إلى كلٍ منهما.
ويباحُ للذَّكَرِ من الفضَّة الخاتمُ، وقَبِيْعَةُ السيف، وحِلْيَةُ المِنْطَقَةِ ونحوه، ومن الذهب قَبِيْعَةُ السيف، وما دعتْ إليه ضرورةٌ كأنْفٍ ونحوِه، ويباح للنساء من الذهب والفضة ما جرتْ عادتُهنِ بلُبْسه ولو كَثُر، ولا زكاة في حَلْيِهِما المُعَدِّ للاستعمال أو العارية، وإن أعد لِلْكِرَاء أو النفقة أو كان محرَّماً ففيه الزكاة.
بـاب زكـاة العـروض
إذا مَلَكها بفعله بنيَّة التجارة(*) وبلغت قيمتُها نِصاباً زَكَّــى قيمتَها، فإن ملكها بـإرْثٍ(*) أو بفعلـه بغير نية التجارة ثم نواها لـم تَصِرْ لها،
وتُقوَّم عند الحول بالأَحَظِّ للفقراء من عَيْنٍ أو ورِقٍ(*)، ولا يُعتبر ما اشتُريَتْ به، وإن اشترى عَرَضَاً بِنِصابٍ من أثمانٍ أو عروض بنَى على حَوْلِه، وإن اشتراه بسائمةٍ لم يَبْنِ.
بـاب زكـاة الفطـر
تجب على كل مسلم فَضَل لـه يومَ العيد وليلته صاع عن قوته وقوت عياله وحوائجه الأصلية، ولا يمنعها الدَّيْن إلا بطلبه، فيخرج عن نفسه ومسلم يمونه ولو شهرَ رمضان(*)، فإن عجز عن البعض بدأ بنفسه، فامرأته، فرقيقه فأمه، فأبيه، فولده، فأقرب في ميراث، والعبد بين شركاء عليهم صاع، ويستحب عن الجنين، ولا تجب لناشزٍ(1)، ومن لزمت غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه أجزأت، وتجب بغروب الشمس ليلة الفطر، فمن أسلم بعده، أو ملك عبداً أو تزوج زوجةَ أو وُلِدَ لـه ولدٌ لم تلزمه فطرتهُ، وقبله تلزم، ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين فقط، ويوم العيد قبل الصلاة أفضل، وتكره في باقيه، ويقضيها بعد يومه آثماً.
فصــــل
ويجب صاعٌ من بُرٍّ، أو شعيرٍ، أو دقيقهما، أو سويقهما، أو تمرٍ، أو زبيبٍ، أو أَقِطٍ(1)، فإن عَدِمَ الخمسةَ أجــزأَ كــلُّ حَــبٍّ وثمٍر يُقتات(*)، لا معيبٌ(2) ، ولا خبزٌ(3). ويجوز أن يُعطيَ الجماعة ما يَلْزمُ الواحدَ، وعكسُه.
بـاب إخراج الزكاة
يجب على الفورِ مع إمكانهِ، إلا لضرورة، فإن مَنَعَها جَحْداً لوجوبها كَفَر عارفٌ بالحُكم، وأُخذتْ منه وقُتل، أو بُخلاً أُخذتْ منه وعُزِّر، وتجب في مالِ صبيٍ ومجنونٍ، فيخرجُها وليُّهما، ولا يجوز إخراجها إلا بنيَّةٍ، والأفضلُ أن يُفرِّقها بنفسه، ويقول عند دَفْعها هو وآخذُها ما وَرَد، والأفضلُ إخراجُ زكاةِ كلِّ مالٍ في فقراءِ بلدهِ، ولا يجوزُ نَقْلُها إلى ما تُقْصَر فيه الصلاةُ(*) فإن فعل أَجْزأتْ، إلا أن يكونَ في بلدٍ لا فقراءَ فيه فيفرِّقها في أقرب البلاد إليه، فإن كان في بلدٍ ومالُه في آخر، أخرج زكاة المال في بلده، وفطرتُه في بلدٍ هو فيه، ويجوز تعجيلُ الزكاة لحولَين فأقل، ولا يُستحب.
بـاب
أهلُ الزكاةِ ثمانيةٌ(*): الفقراء: وهم من لا يجدون شيئاً أو يجدون بعضَ الكفايةِ (دون نصفها)، والمساكينُ: يجدون أكثرَها أو نصفَها، والعاملون عليها: وهم جُبَاتُها وحُفَّاظُها. والرابع: المؤلَّفةُ قلوبُهم ممن يُرْجَى إسلامُه، أو كَفُّ شرِّه، أو يُرْجَى بعطيتهِ قوةُ إيمانه. والخامس: الرِّقاب، وهم المكاتبون، ويفكُّ منها الأسيرُ المسلمُ. السادس: الغارِمُ لإصلاحِ ذات البَيْنِ ولو مع غنيٍ، أو لنَفْسِه مع الفقر. السابع: في سبيل الله: وهم الغزاةُ المتطوعةُ الذين لا ديوان لهم. والثامن: ابنُ السبيلِ المسافرُ المنقَطَع به دون المُنْشِئ ِللسفرِ من بلده، فيُعْطَى قَدْرَ ما يوصلُه إلى بلده، ومن كان ذا عيال أَخَذَ ما يكفيهم، ويجوزُ صَرْفُها إلى صنفٍ واحد، ويُسنُّ إلى أقاربه الذين لا تَلْزَمه مَؤُنَتُهُمْ.
فصـل
ولا تُدفع إلى هاشمي ومُطَّلِبِيٍّ(*) ومَواليهما، ولا إلى فقيرة تحت غَنيٍّ مُنفقٍ، ولا إلى فرعهِ وأصلهِ، ولا إلى عبدٍ وزوجٍ، وإن أعطاها لمن ظَنَّه غيرَ أهلٍ فبان أهلاً أو بالعكس لم يُجزئْه، إلا لغنيٍ ظنَّه فقيراً.
وصدقةُ التطوعِ مستحبةٌ، وفي رمضانَ وأوقاتِ الحاجات أفضلُ، وتُسَنُّ بالفاضلِ عن كفايتِهِ وكفاية من يَمُونُه، ويَأْثَمُ بما يُنَقِّصُهَا.
كـتاب الصـــوم
يجب صومُ رمضانَ برؤيةِ هلالهِ، فإنْ لم يُرَ مع صَحْوِ ليلةِ الثلاثين أصبحوا مُفطرين، وإن حال دونه غيمٌ أو قَتَرٌ(*) فظاهرُ المذهب يجبُ صومُه، وإن رُؤي نهاراً فهو لِلَّيلةِ المقبلةِ، وإذا رآه أهلُ بلدٍ لزم الناسَ كلَّهم الصومُ(*). ويُصام برؤيةِ عَدْلٍ ولو أُنثى(*)، فإن صاموا بشهادةِ واحدٍ ثــلاثينَ يوماً فلم يُرَ الهلالُ، أو صاموا لأجل غَيْمٍ لم يُفطروا، ومن رأى وحــدَه هلالَ رمضانَ وَرُدَّ قولُه، أو رأى هلالَ شوال صام، ويَلْزم الصومُ لكل مسلمٍ مكلَّفٍ قادرٍ، وإذا قامتْ البينةُ في أثناء النهار وجبَ الإمساكُ والقضاءُ على كل من صار (في أثنائه) أهلاً لوجوبه، وكذا حائضٌ ونفساءُ طَهُرَتَا ومسافرٌ قَـدِم مُفطراً، ومـن أفطـر لِكِبَرٍ أو مــرض لا يُرجى بُرْؤُه أَطْعم لكلِ يومٍ مسكيناً، ويسنُّ لمريضٍ يضرُّه، ولمسافرٍ يَقْصرُ، وإن نوى حاضرٌ صومَ يومٍ ثم سـافر في أثنائـه فله الفِطْرُ وإن أفطرتْ حـاملٌ أو مُـرْضعٌ خوفـاً على أنفسهما قضتاه فقط، وعلى ولديهما قضتا وأطعمتا لكل يـوم مسكيناً، ومن نوى الصومَ ثم جُنَّ أو أُغْمي عليه جميعَ النَّهار ولم يُفِقْ جُزءاً منه لم يَصِحَّ صومُه، لا إن نام جميعَ النهار، ويَلْزَمُ المُغْمَى عليه القضاءُ فقط.
ويجب تعيينُ النية من الليل لصومِ كلِّ يومٍ واجبٍ(*) لا نية الفريضة، ويصح النفلُ بنيةٍ من النهار قبلَ الزوال وبعدَه، ولو نوى: إن كان غداً من رمضان فهو فَرْضي لم يُجزئه، ومن نوى الإفطارَ أَفْطر(*).
بـاب ما يفسد الصـوم ويوجب الكفـارة
من أكل أو شرب، أو اسْتَعَطَ، أو احْتَقَنَ أو اكْتَحَلَ(*) بما يصل إلى حَلْقه، أو أَدْخل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان غير إِحْليله، أو اسْتقاءَ، أو اسْتَمْنَى، أو باشر فَأَمْنَى، أو أَمْذَى، أو كَرَّر النَّظَرَ فأنزل، أو حَجَمَ أو احْتَجَمَ وظَهَرَ دمٌ عامداً ذاكراً لصومه فَسَد، لا ناسياً أو مُكْرَهاً، أو طار إلى حَلْقِه ذبابٌ أو غُبارٌ، أو فَكَّر فأنزلَ أو احْتلم أو أصبح في فيه طعامٌ فَلَفَظَهُ، أو اغتسل، أو تَمَضْمَضَ أو اسْتَنْثَر أو زاد على الثلاث، أو بالغَ فدخل الماءُ في حَلْقِه لم يَفْسُدْ صومُه، ومن أكل شاكَّاً في طلوع الفجر صحَّ صومُه، لا إن أكل شاكَّاً في غروب الشمس، أو مُعتقِداً أنه ليلٌ فَبَانَ نهاراً.
فصــل
ومن جامَعَ في نهار رمضانَ في قُبُلٍ أو دُبُرٍ فعليه القضاءُ والكفَّارةُ، وإن جامع دون الفَرْجِ فأنزل، أو كانت المرأةُ معذورةً، أو جامع من كان نوى الصومَ في سفره أفطرَ ولا كفارةَ، وإن جامع في يومين، أو كرَّره في يوم ولم يُكَفِّر فكفارةٌ واحدةٌ في الثانية، وفي الأولى، ثِنْتان، وإن جامع ثم كَفَّر ثم جامع في يومه فكَفَّارةٌ ثانيةٌ، وكذلك من لَزمه الإمساكُ إذا جامع(*)، ومن جامع وهو مُعافىً ثم مرض أو جُنَّ أو سافر لم تَسْقُط، ولا تجب الكفَّارةُ بغير الجماع في صيام رمضان، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيامُ شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعامُ ستين مسكيناً، فإن لم يجد سقطت.
بـاب ما يكـره ويستحب، وحكم القضاء
يكره جَمْعُ رِيْقِهِ فيبتلعه، ويَحْرُمُ بَلْعُ النُّخامةِ، ويُفْطِر بها فقط إن وصلتْ إلى حَلْقِه(*)، ويُكره ذوقُ طعامٍ بلا حاجة، ومَضْغُ عِلْكٍ قويٍ، وإن وَجَد طَعْمَهُما في حَلْقه أفطر، ويَحْرُم العِلْكُ المُتَحلِّل إن بَلَعَ رِيقَه، وتُكره القُبلةُ لمن تُحرِّك شهوتَه، ويجب اجتنابُ كذبٍ وغِيْبةٍ وشَتْمٍ، وسُنَّ لمن شُتِمَ قولُه: إني صائم، وتأخيرُ سحورٍ وتعجيلُ فِطْرٍ على رُطَبٍ، فإن عَدِمَ فَتَمْرٌ، فإن عَدِمَ فماءٌ، وقولُ ما وَرَدَ، ويُستحَبُّ القضاءُ مُتتابِعاً، ولا يجوز إلى رمضانَ آخَرَ من غير عذرٍ، فإن فعل فعليه مع القضاءِ إطعامُ مسكينٍ لكل يومٍ، وإن مات ولو بعد رمضان آخر، وإن مات وعليه صوم ٌ(*) (أو حجٌ) أو اعتكاف أو صلاةُ نذرٍ استُحِبَّ لوليِّه قضاؤُه .
بـاب صـوم التـطوع
يسن صيامُ أيامِ البيضِ، والاثنين والخميس وستٍ من شوال، وشهـرِ المحرَّم، وآكدُه العاشرُ ثم التاسعُ، وتسعِ ذي الحجة، ويومِ عَرَفَةَ لـغير حـاج بها، وأفضلُه صومُ يومٍ وفطرُ يومٍ، ويُكره إفرادُ رجبٍ والجمعة والسبت(*) والشكّ (وعيد الكفار) بصوم، ويحرمُ صومُ العيدين وأيام التَّشْريق ولو في فرض، إلا عن دمِ مُتعةٍ وقِـرَانٍ، ومن دخل في فـرضٍ موسَّعٍ حَرُم قَطْعُـه، ولا يَلْزَمُ في النَّفْل، ولا قضاءُ فاسـدِهِ إلا الحج(*)، وتُرْجَى ليلةُ القدر في العُشْرِ الأخير، وأوتارُه آكدُ، وليلةُ سبع وعشرينَ أبلغُ، ويدعو فيها بما وَردَ.
بـــاب الاعـتكاف
وهو لزومُ مسجدٍ لطاعةِ الله تعالى، مسنونٌ، ويصحُ بلا صوم، ويلزمان بالنَّذْر، ولا يصحُّ إلا في مسجدٍ يُجْمَع فيه(*)، إلا المرأةَ ففي كلِّ مسجدٍ سوى مسجدِ بيتها، ومَنْ نَذَره أو الصلاةَ في مسجدٍ غيرِ الـثلاثة -وأفضلُها الحرامُ، فمسجدُ المدينةِ، فالأقصى- لم يَلْزَمْه فيه، وإن عيَّنَ الأفضلَ لم يَجُزْ فيما دونه، وعكسُه بعكسِه، ومن نذر زماناً معيناً دخل مُعْتَكَفَه قبل ليلته الأولى، وخرج بعد آخِره، ولا يخرج المُعْتَكِفُ إلا لِمَا لا بُدَّ له منه، ولا يعودُ مريضاً ولا يَشْهَدُ جنازةً إلا أن يَشْترِطَه، وإن وَطِئَ في فَرْجٍ فَسَدَ اعتكافُه، ويُستَحَبُّ اشتغالُه بالقُرَبِ واجتنابُ مالا يعنيه.
كـتاب المناسـك
الحج والعمرة واجبان على المسلم الحُرِّ المُكلَّفِ القادرِ في عُمرِهِ مرةً على الفور، فإن زال الرِّقُّ والجنونُ والصِّبَا في الحج بعرفة، وفي العمرةِ قَبْلَ طوافِها صَحَّ فَرْضاً، وفِعْلُهما من الصَّبي والعبدِ نَفْلاً. والقادر من أمكنه الركوبَ ووجد زاداً وراحلةً صالِحَيْنِ لمِثْله بعد قضاء الواجبات والنفقات الشرعية، والحوائجِ الأصلية، وإن أعجزه كِبَرٌ أو مرضٌ لا يُرْجَى بُرْؤه لَزِمَه أن يُقيم من يَحُجُّ ويعتمر عنه، من حيث وجبا(*)، ويجزئ عنه، وإن عوفي بعد الإحرام(*)، ويُشترط لوجوبه على المرأة وجودُ مَحْرَمِها، وهو زوجُها أو مَنْ تَحْرُم عليه على التأبيد بنسبٍ أو سببٍ مُباح، وإن مات مَنْ لَزِمَاه أُخْرِجا من تَرِكَتِه(*).
بـاب المواقيـت
وميقاتُ أهل المدينة: ذو الحُلَيْفة، وأهل الشام ومصر والمغرب: الجُحْفَةُ، وأهل اليمن يَلَمْلَمُ، وأهل نجد قَرْن(1) ، وأهل المشرق ذاتُ عِرْقٍ، وهي لأهلها، ولمن مَرَّ عليها من غيرهم، ومن حجَّ من أهل مكةَ فَمِنْها، وعمرتُه من الحِلِّ، وأشهرُ الحجِّ شوال وذو القعدة، وعَشْرٌ من ذي الحجة(*).
بـابٌ الإحـرام:
نية النسك.
سُنَّ لمُريدِه غسْلٌ أو تيممٌ لِعَدَمٍ، وتنظيفٌ وتَطَيُّبٌ وتَجَرُّدٌ من مَخِيْط، ويُحْرِمُ في إزارٍ ورداءٍ أبيضين نظيفين، وإحرامٌ عَقِبَ ركعتين، ونِيَّتُه شَرْطٌ، ويستحبُ قولُه: اللهم إني أريد نُسُكَ كذا، فَيَسِّرْه لي، وإن حَبَسَني حابسٌ فَمَحِلِّي حيثُ حَبَسْتَنِي، وأفضلُ الأَنْساكِ التَّمتعُ(*)، وصفته أن يُحْرِم بالعُمرة في أشهرِ الحج ويَفْرُغَ منها ثم يُحْرِمَ بالحجِّ في عامِه، وعلى الأُفُقِيِّ دمٌ، وإن حاضت المرأةُ فخشيتْ فواتَ الحجِّ و أَحْرَمَتْ به وصارت قارنةً، وإذا استوى على راحلته قال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنِّعْمةَ لك والمُلكَ لا شريك لك، يُصَوِّت بها الرجلُ وتُخفيها المرأةُ.
بـاب محظـورات الإحـرام
وهي تِسْعَةٌ: حَلْقُ الشعـرِ(*)، وتَقْليمُ الأظْفارِ، فمن حَلَـقَ أو قَلَّـم ثلاثةً فعليه دمٌ، ومـن غطَّى رأسَه بملاصقٍ فَــدَى، وإن لبـس ذَكَرٌ مَخِيْطاً فَـدَى، وإن طيَّبَ بدنَه أو ثوبَه أو ادَّهـن بِمُطَيِّبٍ أو شمَّ طِيباً أو تبخَّر بعودٍ ونحوه فَدَى، وإن قتـل صيـداً مأكـولاً برِّياً أصـلاً، ولـو تولَّد منه ومن غيره، أو تَلِفَ في يـده فعـليه جـزاؤُه(*)، ولا يحـرم حيوانٌ إِنْسي، ولا صـيدُ البحر، ولا قـتلُ محرَّمِ الأكلِ، ولا الصـائلُ، ويحرم عقدُ نكاحٍ، ولا يصحُّ، ولا فديةٌ، وتصحُّ الرجعةُ، وإن جامَعَ (المحرمُ) قبل التحلُّلِ الأولِ فَسَدَ نُسكُهما، ويَمضيانِ فيه ويَقضيانهِ ثانيَ عامٍ، وتحرمُ المباشرةُ، فإن فعلَ فأنزلَ لم يَفْسُدْ حجُّـه، وعليه بَدَنَةٌ، لكنْ يُحْرِمُ من الحِلِّ لطوافِ الفرضِ، وإحرامُ المرأةِ كالرجلِ إلا في اللباس، وتجتنبُ البُرْقُعَ والقُفَّازَين وتَغْطِيَةَ وجْهِها(*)، ويُباحُ لها التحلِّي(*).
بـاب الفـديـة
يُخَيَّر بفديةٍ حلقٌ وتقليمٌ وتغطيةُ رأسٍ وطيبٌ ولبسُ مَخِيْطٍ بين صيامِ ثلاثةِ أيامٍ أو إطعامِ سِتة مساكين لكلِّ مسكينٍ مُدُّ بُرٍّ أو نصفُ صاعٍ (من) تمرٍ أو شعيرٍ أو ذبحِ شاةٍ، وبجَزَاءِ صيدٍ بين مِثْلٍ إن كان، أو تقويمُه بدراهمَ يشتري بها طعاماً فيطعم كلَّ مسكينٍ مُدّاً، أو يصوم عن كلِّ مُدٍّ يوماً وبما لا مِثْلَ لـه بين إطعامٍ وصيامٍ، وأما دمُ مُتْعَةٍ وقِرانٍ فيجبُ الهَدْيُ، فإنْ عَدِمَهُ فصيامُ ثلاثةُ أيامٍ، والأفضلُ كونُ آخرِها يومُ عرفة، وسبعة إذا رجع إلى أهله، والمُحْصَرُ إذا لم يجدْ هَدْياً صام عشرةً ثم حَلَّ ، ويجبُ بوطءٍ في فرج في الحجِّ بدنةٌ، وفي العُمْرة شاةٌ، وإن طاوعتْه زوجتُه لزماها(1).
فصـــــل
ومن كرَّر محظوراً من جنسٍ ولم يَفْدِ فَدَى مَرَّةً، بخلافِ صيدٍ، ومَنْ فعل محظوراً من أجناسٍ فَدَى لكلِّ مرةٍ، رَفَضَ إحرامَه أو لا، ويسقطُ بنسيانٍ فديةُ لُبْسٍ وطيبٍ وتغطيةِ رأسٍ، دون وَطْءٍ، وصيدٍ وتقليمٍ، وحِلاَقٍ، وكلُّ هَدْيٍ أو إطعامٍ فَلِمساكين الحَرَمِ(*)، وفديةُ الأذى واللُّبْسِ ونحوِهما ودمُ الإحصارِ حيثُ وجد سببه، ويجزئُ الصومُ بكل مكان، والدمُ شاةٌ أو سُبعُ وبدنةٍ(2) وتجزئُ عنها بقرة.
بـاب صيـد الحـرم
يحرم صيدُه على المُحْرِمِ والحَلاَلِ، وحُكْمُ صيدِه كصيدِ المُحْرِم، ويَحْرمُ قطعُ شجرهِ وحَشيشهِ الأخضرَين(*)، إلا الإذْخر، ويحرم صيدُ المدينةِ، ولا جزاءَ فيه، ويباحُ الحشيشُ لِلْعَلَفِ وآلة الحرث ونحوه، وحَرَمُها ما بين عَيْر إلى ثَوْر(1).
بـاب دخـــول مـكــة
يســنُّ من أَعْلاها، والمسجد من باب بني شَيْبةَ، فإذا رأى البيتَ رَفَعَ يديْه وقال ما وَرَد،َ ثم يطوفُ مضطبعاً يبتدئُ المعتمرُ بطوافِ العُمْرةِ والقارنُ والمفردُ للقدوم، فيحاذي الحجرَ الأسودَ بِكُلِّه(1)، ويستلمُه ويقبِّله، فإن شَقَّ قَبَّلَ يَدَهُ، فإن شَقَّ اللَّمْسُ أشار إليه، ويقول ما ورد – ويجعلُ البيتَ عن يساره، ويطوفُ سبعاً يرمل الأفقي في هذا الطواف ثلاثاً، ثم يمشي أربعاً ويستلم الحجرَ والرُّكْنَ اليمانيِ كلَّ مرةٍ، ومن ترك شيئاً من الطواف أو لم ينوه أو نكَّسَهُ(*)، أو طاف على الشَّاذَرْوان أو جدار الحِجْرِ أو عُرْياناً أو نجساً لم يصِحَّ، ثم يصلِّي ركعتين خلف المقام.
فصـل
ثم يستلمُ الحَجَرَ ويَخْرجُ إلى الصَّفَا من بابه فيرقاه حتى يـرى البيتَ ويكبر ثلاثاً، ويقول ما ورد، ثم ينزل ماشيـاً إلى العَلَمِ الأولِ، ثم يَسْعى شديداً إلى الآخِرِ، ثم يمشي ويَرْقَى المَرْوَةَ، ويقول ما قـاله عـلى الصَّفَا، ثم ينزل فيمشي في موضع مَشْيهِ، ويَسْعَى في موضع سَعْيهِ، إلى الصَّفَا، يفعل ذلك سبعاً ذهابه سَعْيَةً ورجوعه سعيه، فإن بدأ بالمروة سَقَط الشوطُ الأول، وتُسَنُّ فيه الطهارةُ والسِّتارة(1) والموالاة، ثم إن كان مُتمتعاً لا هَدْيَ معه قَصَّرَ من شعره وتَحلَّل، وإلا حَلَّ إذا حج، والمتمتعُ إذا شَرَعَ في الطواف قَطَعَ التلبيةَ.
(1) السِّتارة: أي ستر العورة، ولو سعى محدثاً أو نجساً أو عرياناً أَجْزأَه. |
بـاب صـفة الحـج والعـمرة
يسن للمُحِلِّين بمكة الإحرامُ بالحج يومَ التَّرْويةِ قبل الزوالِ منها، ويجزئُ من بقيةِ الحرم، ويبيت بمِنَىً، فإذا طلعتْ الشمسُ سار إلى عَرَفة، وكلُّها موقفٌ إلا بطنَ عُرَنَة، ويسنُ أن يجمع بها الظهرَ والعصرَ، ويقفُ راكباً عند الصَّخراتِ وجبلِ الرحمة، ويُكثر من الدعاء بما ورد، ومن وقف ولو لحظةً من فجرِ يومِ عرفةَ إلى فجرِ النَّحْرِ وهو أهلٌ لـه صحَّ حجُّه وإلا فلا، ومن وقف نهاراً ودَفَعَ قبل الغروب، ولم يَعُدْ قبله فعليه دمٌ(*)، ومن وقف ليلا فقط فلا، ثم يَدْفَعُ بعد الغروبِ إلى مُزْدَلِفَةَ بِسَكِيْنَةٍ، ويُسرع في الفَجْوةِ، ويَجْمع بها بين العشاءَيْن ويَبيتُ بها، وله الدَّفْعُ بعدَ نصفِ الليلِ، وقبلَه فيه دمٌ، كوصولـهِ إليها بعد الفجر لا قَبْلَه، فـإذا صلَّى الصبحَ أتى المشْعَرَ الحرامَ فيرقاه، أو يقفُ عنده ويحمدُ الله ويكبِّرُهُ ويقرأُ: )فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ..( الآيتين، ويَدْعو حتى يُسْفِرَ، فإذا بَلَغَ مُحَسِّراً أسرعَ رَمْيةَ حجرٍ وأخذ الحَصَى – وعددُه سبعونَ بين الحِمّصِ والبُنْدقِ – فإذا وصل إلى مِنَىً: وهي من وادي مُحَسِّرِ إلى جَمْرةِ العقبةِ رماها بسبع حَصَيَاتٍ مُتَعاقباتٍ يرفع يدَه اليُمنى حتى يرى بياضَ إِبْطِه، ويكبِّر مع كلِّ حَصَاةٍ، ولا يجزئُ الرَّمْيُ بغيرِها، ولا بها ثانياً، ولا يقفُ، ويقطعُ التلبيةَ قبلَها، ويرمى بعد طلوع الشمسِ ويجزئُ بعد نصف الليلِ، ثم ينحرُ هدياً إن كان معه، ويَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ من جميع شعرِه، وتُقَصِّرُ منه المرأةُ قدرَ أُنْمُلةٍ، ثم قد حَلَّ لـه كلُّ شيءٍ إلا النساءَ، والِحلاَقُ والتقصيرُ نُسكٌ، لا يَلَزَمُ بتأخيرِه دمٌ(*)، ولا بتقديمِهِ على الرَّمْيِ والنَّحْرِ.
فصــــل
ثم يُفيض إلى مكةَ، ويطوفُ القارِنُ والمُفْرِدُ بنيَّةِ الفريضة طوافَ الزيارةِ وأولُ وقته بعد نصف ليلةِ النَّحْر، ويسنُّ في يومه، وله تأخيرُه، ثم يسعَى بين الصَّفا والمروةِ إن كان مُتَمتعاً، أو غيره ولم يكن سعى بعد طواف القدوم، ثم قد حَلَّ لـه كلُّ شيء، ثم يشربُ من ماء زمزمَ لما أَحَبَّ، ويَتَضَلَّعُ منه، ويدعو بما ورد.
ثم يرجعُ فيبيتُ بِمَنَىً ثلاثَ ليالٍ، فيرمي الجَمْرةَ الأولى وتلي مسجدَ الخيْفِ بسبعِ حَصَيَاتٍ(*) ويجعلُها عن يساره، ويتأخرُ قليلاً، ويدعو طويلاً، ثم الوسطى مِثْلَها، ثم جمرة العَقَبَة ويجعلُها عـن يمينه، ويَستبطِنُ الوادي، ولا يقف عندها، يفعل هذا في كلِّ يومٍ من أيام التشريق بعد الزوال، مستقبلَ القِبْلةِ مرتِّباً، وإن رماه كلَّه في الثالث أجـزأه، ويرتِّبُه بِنِيَّتِه، فإن أَخَّرَه عنه أو لم يبتْ بها فعليه دمٌ، ومن تعجَّل في يومين خرجَ قبل الغروب، وإلا لزمه المبيتُ والرَّمْيُ من الغد، فإذا أراد الخروجَ من مكةَ لم يخرجْ حتى يطوفَ للوداعِ فإن أقام أو اتَّجَرَ بعده أعاده، وإن تركه غير حائضٍ رجع إليه، فإن شَقَّ أو لم يرجعْ فعليه دمٌ، وإن أَخَّر طوافَ الزيارة فِطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع، ويقفُ غيرُ الحائض بين الرُّكْن والباب داعياً بما ورد –وتقف الحائضُ ببابه وتدعو بالدعاء، وتستحب زيارةُ قبر النبي ﷺ(*)، وقبري صاحبيه.
وصفةُ العمرةِ أن يُحرم بها من الميقات، أو من أدنى الحلِّ من مَكِّيٍ ونحوه، لا من الحَرَم، فإذا طاف وسعى و(حلق أو) قصَّر حَلَّ، وتُباح كلَّ وقتٍ، وتُجزئ عن الفَرْض.
وأركانُ الحج: الإحرامُ، والوقوفُ، وطوافُ الزيارةِ، والسَّعْي.
وواجباتُه: الإحرامُ من الميقاتِ المُعْتَبَرِ لـه، والوقوفُ بعرفَةَ إلى الغروب والمبيتُ لغير أهلِ السِّقايةِ والـرعايةِ بمنىً ومزدلفة إلى بعد نصف الليل، والرَّمْيُ والِحلاَقُ، والوَداع. والباقي سُنن.
وأركانُ العمرة: إحرامٌ، وطوافٌ، وسعيٌ.
وواجباتُها: الحِلاقُ، والإحرامُ من ميقاتِها.
فمن ترك الإحرامَ لم ينعقدْ نُسكَه، ومن ترك رُكناً غيره أو نيَّته لم يَتِمَّ نسكُه إلا به، ومن ترك واجباً فعليه دمٌ، أو سُنَّةً فلا شيءَ عليه.
بـاب الفـوات والإحصـار
من فاته الوقوفُ فاتَهُ الحجُّ وتحلَّل بعُمْرةٍ، ويقضي ويُهدي إن لم يكن اشترطَ(*)، ومن صدَّه عدوٌ عن البيت أهدى ثم حَلَّ، فإن فَقَدَه(1) صامَ عشرةَ أيامٍ ثم حَلَّ، وإن صُدَّ عن عرفةَ تحلَّل بعُمرةٍ، وإن أَحْصَرَه مرضٌ أو ذهابُ نفقةٍ بقي مُحرماً إن لم يكن اشترط(*).
بـاب الهـدي والأضـحية والعقيقـة
أفضلُها إبلٌ، ثم بقرٌ، ثم غنمٌ، ولا يُجزئُ إلا جَذَعُ الضَّأْنِ وثني سواه؛ فالإبلُ خمسُ سنين، والبقرٍ سنتانِ، والمَعْزُ سنةٌ، والضَّأْنُ نصفُها، وتجزئ الشاةُ عن واحد، والبَدَنةُ والبقرةُ عن سبْعةٍ، ولا تجزئُ العَوْراء والعَجْفاءُ والعَرْجاءُ والهَتْماءُ(*) والجَدَّاءُ والمريضةُ والعَضْباءُ بل البَتْراء خِلْقةً، والجَمَّاءُ والخَصِيُّ غيرُ المجبوبِ وما بأُذُنِه أو قَرْنِه قطعُ أقل من النِّصف.
والسُّنَّةُ نحرُ الإبل قائمةً معقولةً يدُها اليسرى، فيطعنُها بالحَرْبة في الوَهْدَةِ التي بين أصل العُنُق والصَّدْر، ويذبحُ غيرها، ويجوز عكسُها، ويقول: بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك: ويتولاها صاحبُها أو يوكِّلُ مسلماً ويشهدُها.
ووقت الذبح بعد صلاة العيد أو قَدْرَهُ إلى يومينِ بعده(*)، ويُكْرَه في ليلتهما فإن فاتَ قَضَى واجبَه(*).
فصـــــــل
ويتعينان بقولـه: هذا هَدْيٌ أو أُضحيةٌ، لا بالنِّيَّة، وإذا تَعينتْ لم يجزْ بيعُها ولا هبتُها إلا أن يبدلَها بخيرٍ منها، ويَجُزُّ صُوفَها ونحوه إن كان أنفعَ لها ويتصدقُ به، ولا يُعطي جازِرَها أجرتَه منها، ولا يبيعُ جلْدَها ولا شيئاً منها؛ بل ينتفع به، وإن تَعَيَّبَتْ ذَبَحَها وَأَجْزأتْه، إلا أن تكونَ واجبةً في ذمتِه قبل التعيين.
والأضحيةُ سُنَّةٌ، وذبحُها أفضلُ من الصدقة بثمنها، ويسنُّ أن يأكلَ ويُهدي ويتصدق أثلاثاً، وإن أكلها إلا أوقيةً تصدَّق بها جاز، وإلا ضَمِنَها، ويحرمُ على من يُضحِّي(*) أن يأخذَ في العَشْر من شَعرِه أو بشرتِه شيئاً.
فصــــــل
تُسنُّ العَقيقةُ عن الغلامِ شاتان، وعن الجاريةِ شاةٌ، وتُذبح يومَ سابعِه، فإن فاتَ ففي أربعةَ عشرَ، فإن فاتَ ففي إحدى وعشرين، وتنزع جُدُولاً ولا يُكسَر عظْمُها، وحكمُها كالأضحية، إلا أنه لا يجزئ فيها شرك في دم ولا تُسنُّ الفَرَعةُ ولا العَتِيرة.
كـتاب الجهـاد
وهو فرضُ كفايةٍ، ويجبُ إذا حَضَرَهُ أو حَضَرَ بلدَه عدوٌ أو استنفرَهُ الإمامُ(*)، وتمامُ الرِّباط أربعونَ ليلةً، وإذا كان أبواه مسلمَيْن لم يجاهدْ تطوعاً إلا بإذنهما، ويتفقد الإمامُ جيشَه عند المَسيرِ، ويمنعُ المُخَذِّلَ والمرجِفَ، وله أن يُنَفِّلَ في بدايته الرُّبعَ بعد الخُمس، وفي الرجعة الثُّلثَ بعده، ويلزمُ الجيشَ طاعتُه والصبرُ معه، ولا يجوز الغزوُ إلا بإذنه، إلا أن يَفْجَأَهم عدوٌ يخافون كَلَبَهُ، وتُملك الغنيمةُ بالاستيلاء عليها في دار الحرب، وهي لمن شهد الوقعةَ من أهل القتال، فيُخرجُ الخُمُس، ثم يَقسم باقي الغنيمةِ: للراجلِ سهمٌ، وللفارس ثلاثةٌ: سهمٌ لـه وسهمان لفرسِه، ويشارك الجيشُ سراياه فيما غنمتْ، ويشاركـونه فيمــا غَنِمَ، والغالُّ من الغنيمـة يُحـرقُ رَحْلُهُ كلُّه، إلا السلاحَ والمصحفَ وما فيه روحٌ، وإذا غَنِموا أرضاً فتحوها بالسيف خُيِّر الإمامُ بين قَسْمِها ووقْفِها على المسلمين، ويَضْربُ عليها خَراجاً مستمراً يؤخذُ ممن هي بيدِه، والمَرْجعُ في الخَراجِ والجزيةِ إلى اجتهادِ الإمام، ومن عجز عن عَمارةِ أَرْضه أُجْبر على إجارتها، أو رفعِ يده عنها، ويجري فيها الميراث، وما أُخِذَ من مالِ مشركٍ كجزيةٍ وخراجٍ وعُشر وما تركوه فزعاً، وخمس خمس الغنيمة ففيءٌ، يُصرَف في مصالح المسلمين.
بـاب عَـقْد الـذِّمَّة وأحـكامها
لا يُعقد لغير المجوس وأهلِ الكتابَيْن ومن تَبِعهم، ولا يَعْقدها إلا الإمامُ أو نائبُه، ولا جِزْيةَ على صبيٍ، ولا امرأةٍ، ولا عبدٍ، ولا فقيرٍ يَعْجز عنها، ومن صار أهلاً لها أُخذتْ منه في آخر الحَوْل، ومتى بذلوا الواجبَ عليهم لزم قبولُه، وحرم قتالُهم، ويمتهنون عند أَخْذِها، ويُطال وقوفُهم، وتُجَرُّ أيديهم.
فـصــــــل
ويَلْزم الإمامَ أخذُهُم بحكم الإسلام في النفسِ والمال والعرضِ، وإقامةِ الحدودِ عليهم فيما يعتقدون تَحْريمَه دون ما يعتقدون حِلَّه، ويلزمُهم التميُّزُ عن المسلمين، ولهم ركوبُ غير خيلٍ بغيرِ سُرُجٍ بِإِكَافٍ، ولا يجوزُ تصديرُهم في المجالس، ولا القيامُ لهم، ولا بداءتُهم بالسلام، ويُمنعون من إحداثِ كنائسَ وبيعٍ وبناءِ ما انْهدَم منها ولو ظُلْماً، ومن تَعْلِيَةِ بُنيانٍ على مسلم، لا مساواته لـه، ومن إظهار خَمْرٍ وخِنْزيرٍ وناقوسٍ وجَهْرٍ بكتابِهم، وإن تَهَوَّدَ نصرانيٌ أو عكسه لم يُقَرَّ، ولم يُقْبلْ منه إلا الإسلامُ أو دينُه.
فصــــل
وإن أَبى الذميُّ بَذْلَ الجزيةِ أو التزامَ أحكامِ الإسلامِ، أو تَعدَّى على مسلمٍ بقتلٍ أو زنا، أو قطعِ طريقٍ، أو تجسسٍ، أو إيواء جاسوسٍ، أو ذَكَرَ اللهَ أو رسولَه أو كتابَهُ بسوءٍ انتقضَ عهدُه دون نسائِه وأولادِه، وحَلَّ دمُه ومالُه.
كـتاب الـبيـع(*)
وهو مبادلةُ مالٍ ولو في الذمة، أو منفعة مباحة كممرِّ دارٍ بمثل أحدهما على التَّأْبيد، غير رباً وقرضٍ.
وينعقدُ بإيجابٍ وقبولٍ بعدَه، وقبلَه ومتراخياً عنه في مجلسِهِ، فإن اشتغلا بما يَقْطعه بَطَل، وهي الصيغةُ القوليةُ، وبمعاطاةٍ وهي الفعلية.
ويُشترط التراضي منهما، فلا يصحُّ من مُكرهٍ بلا حقٍّ.
وأن يكون العاقدُ جائزَ التصرفِ، فلا يصحُّ تصرفُ صبيٍ وسفيهٍ بغير إذْنِ وَلِيٍّ.
وأن تكون العينُ مباحةَ النفعِ من غيرِ حاجةٍ، كالبغلِ والحمارِ ودُودِ القزِّ وبِزْرِه، والفيلِ وسباعِ البهائمِ التي تصلُح للصيد، إلا الكلبَ، والحشراتِ(*)، والمصحــف، والميتــة، والسَّرْجِـــينَ النَّجِسَ(*)،
والأدْهان النجسة والمتنجِّسة(*)، ويجوز الاستصباحُ بها في غير مسجد.
وأن يكون من مالكٍ أو من يقومُ مقامَه، فإن باع مِلْكَ غيرِه، أو اشـترى بعينِ مــالِه بــلا إذنه لم يصحَّ(*)، وإن اشترى لـه في ذِمَّته بلا إذنه، ولـم يُسَمِّه في العَقْــد صحَّ لـه بالإجـازة، ولــزم المُشتري بـعدمها مِـلْكـاً، ولا يبــاعُ غيرُ المساكن مما فُتِح عَنْوةً(*)، كــأرض الشــامِ ومصــرَ والعــراق، بـل تُؤَجَّر، ولا يصح بيعُ نَقْعِ البئر، ولا ما ينبتُ في أرضه من كَلأٍ وشَوْكٍ(*)، ويَمْلِكُه آخذُه.
وأن يكون مقدوراً على تسليمه، فلا يصح بيعُ آبق وشاردٍ(*) وطيرٍ في هواء وسمكٍ في ماءٍ ولا مغصوبٍ من غير غاصبِهِ، أو قادرٍ على أَخْذِهِ. وأن يكون معلوماً برؤيةٍ أو صفةٍ، فإن اشترى ما لم يَرَهُ(*)، أو رآه وجهلَهُ، أو وُصف لـه بما لا يكفي سَلَماً لم يصــح، ولا يُباعُ حَمْـلٌ في بَطْنٍ ولبنٌ في ضَرْعٍ منفـردين، ولا مِسْكٌ في فَأْرَتِهِ(*)، ونَوَىً في تَمْرٍ، وصوفٌ عــلى ظَهْرٍ(*)، وفِجْلٌ ونحوه قَبْلَ قَلْعِه(*)ِ، ولا يصح بيعُ المُلامسةِ والمُنابَذَةِ، ولا عَبْدٌ من عِبيد ونحوه، ولا استثناؤُه إلا مُعَيَّناً(*)، وإن استثنى مـن حيوانٍ يُؤكَلُ رأسَه وجِلْدَه وأطرافَه صحَّ، وعكسُه الشحمُ والحَمْلُ(*)، ويصحُّ بيعُ ما مأكولُه في جوفه كرُمَّانٍ وبِطِّيخٍ وبيعُ الباقِلاَّءِ ونحوِه في قِشْرِه، والحَبِّ المُشْتدِّ في سُنبلِه.
وأن يكون الثمنُ معلوماً، فإن باعه برَقْمِهِ(*) أو بألفِ درهم ذهباً وفضةً(*) أو بما ينقطع به السعـرُ أو بما باع به زيـد وجَهِلاه أو أحدُهما لم يصحَّ، وإن باع ثوباً أو صُبرةً أو قـطيعاً [من الغنـم] كلَّ ذراعٍ أو قـفيزٍ، أو شاةٍ بدرهم صحَّ، وإن بـاع مـن الصُبُرةِ كلَّ قفيز بدرهم(*)، أو بمائة درهم إلا ديناراً وعكسُهُ(*)، أو باع معلوماً ومجهولاً يتعذر علمُه ولم يقلْ كلٌّ منهما بكذا لم يصح، فإن لم يتعذر صحَّ في المعلوم بقسطه، ولو باع مشاعاً بينه وبين غيره كعبد أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء صح في نصيبه بقسطه، وإن باع عبدَه وعبدَ غيره بغير إذنه، أو عبداً وحرًّا أو خَلاٌ وخَمْراً صفقةً واحدةً صح في عبده، وفي الخلِّ بقِسْطِه، ولمشترٍ الخيارُ إن جهل الحال.
فصــــــل
ولا يصحُّ البيعُ ممن تلزمُه الجمعةُ بعد ندائها الثاني، ويصحُّ النكاحُ وسائرُ العقودِ(*)، ولا يصحُّ بيعُ عصيرٍ ممن يتخذه خَمْراً ولا سلاحٍ في فِتْنةٍ(*) ولا عبدٍ مسلمٍ لكافرٍ، إذا لم يَعْتِقْ عليه، وإن أَسْلَم في يده أُجْبِرَ على إزالةِ مِلْكِه، ولا تكفي مكاتبتُه، وإن جمع بين بيعٍ وكتابةٍ، أو بيعٍ وصَرْفٍ صَحَّ في غير الكتابة(*)، ويُقَسَّطُ العوضُ عليهما، ويَحْرُم بيعُه على بيعِ أخيه، كأن يقولَ لمن اشترى سِلْعةً بعشرة: أنا أُعطيك مِثْلَها بتسعة، وشراؤُه على شرائِه، كأن يقول لمن باع سِلْعةً بتسعة: عندي فيها عشرة، ليفْسَخَ ويعْقِـدَ معـه، ويَبْطُلُ العقد فيهما.
ومن باع ربوياً بنسيئةٍ واعْتاضَ عن ثمنه ما لا يُباع به نسيئةً(*)، أو اشترى شيئاً نَقْداً بدون ما باع به نَسِيئةً لا بالعكس لم يَجُزْ، وإن اشتراه بغير جِنْسِه، أو بعد قبضِ ثمنهِ، أو بعد تَغَيُّرِ صفتِه، أو من غير مُشتريه، أو اشتراه أبوه أو ابنه جاز.
بـاب الشـروط في البيـع
مـنها: صحيح كالرَّهْنِ (المُعَيَّنِ)، وتأجيلِ الثمنِ، وكونِ العبدِ كاتباً، أو خَصِيَّاً أو مسلماً، والأَمةِ بِكْراً، ونحوِ أَنْ يَشْترَطَ البائعُ سُكْنَى الدارِ شهراً، أو حِمْلانَ البعيرِ إلى موضعٍ مُعيَّنٍ، أو شَرَطَ المُشتري على البائع حَمْلَ الحَطَبِ أو تَكْسيَره، أو خياطةَ الثوبِ أو تفصيلَهُ، وإن جمع بين شَرْطين بَطَلَ البيعُ(*).
ومنها: فاسدٌ يُبْطِلُ العَقْدَ، كاشتراط أحدهما على الآخر عَقْداً آخرَ، كسِلَفٍ وقرضٍ، وبيعٍ، وإجارةٍ، وصَرْفٍ، وإن شرط أنْ لاَ خسارةَ عليه أو متىَ نَفَقَ المبيعُ وإلا رَدَّهُ، أو لا يبيعُ ولا يَهَبهُ ولا يَعْتِقهُ، أو إن أَعْتَقَ فالولاءُ لـه، أو أنْ يفعلَ ذلك بطل الشَّرطُ وحدَه، إلاَّ إذا شَرَط العتقَ، وبعتُك على أن تَنْقُدَني الثمنَ إلا ثلاثٍ، وإلاَّ فلا بَيْعَ بيننا صحَّ، وبعتُك إن جئتني بكذا، أو رَضِيَ زيدٌ(*)، أو يقول للمرتَهِنِ: إن جئتك بحقِّك وإلا فالرهنُ لك، لا يصحُّ البيعُ(*)، وإن باعـه وشَـرَطَ البراءةَ مـن كـل عيبٍ مجهولٍ لم يبرأْ(*)، وإن باعه داراً على أنها عشرةُ أذرعٍ فبانتْ أكثرَ أو أقلَّ صحَّ، ولمن جَهِلَه وفاتَ غرضُهُ الخيارُ.
بـاب الخـيار(*)
وهو أقسام:
الأول: خيار المَجْلِسِ، يَثبتُ في البيع- والصلحُ بمعناه- والإجارة والصَّرْف والسَّلَم دون سائر العقود، ولكلِّ من المتبايعين الخيارُ ما لم يَتفرَّقا عُرْفاً بأبدانهما، وإن نَفَياه أو أَسْقطاه سَقَط، وإن أسقطَهُ أحدُهما بقي خيارُ الآخر، وإذا مضتْ مدتُه لَزم البيعُ...
والثاني: أن يشترطاه في العَقْد مُدةً معلومةً ولو طويلةً، وابتداؤُها من العقد، وإذا مضت مدتُه، أو قَطَعاه بَطَلَ، ويَثبتُ في البيع - والصلحُ بمعناه - والإجارةُ في الذمة، أو على مدةٍ لا تلي العَقْدَ، وإن شَرَطاه لأحدِهما دون صاحِبه صحَّ، وإلى الغدِ أو الليلِ يَسقطُ بأَوَّلِهِ، ولمن لـه الخيارُ الفسخُ، ولو مع غَيْبةِ الآخَر وسخطِه، والْمُلْك مدَّةَ الخيارَيْنِ للمشتري، وله نماؤُه المنفصلُ وكَسْبُه، ويَحْرُم ولا يصحُّ تصرفُ أحدِهما في المبيع وعوضُه المعيَّن فيها بغير إذْنِ الآخَرِ بغير تَجْرِبة المبيع، إلا عَتْق المشتري، وتصرفُ المشتري فسخٌ لخيارِه، ومن مات منهما بَطَلَ خيارُه.
الثالـث: إذا غُبِنَ في المبيع غَبْناً يَخْرُج عن العادةِ(*)، بزيادة الناجِشِ(1) والمُسْترِسل(2).
الرابع: خيارُ التَّدْليس، كتَسْويةِ(3)شعرِ الجاريةِ وتَجْعيدهٍ، وجَمْعِ ماء الرَّحَى وإرسالِه عند عَرْضِها.
الخامس: خيارُ العيبِ، وهو ما يُنْقِصُ قيمةَ المبيعِ كَمَرَضِه، وفَقْدِ عُـضْوٍ أو سِنٍّ أو زيادتهما، وَزِنَى الرَّقيقِ وسرقتِه وإباقِه وبولِه في الفراش، فـإذا عَلِمَ المشتري العيبَ بَعْدُ، أَمْسَكَه بِأَرْشِه، وهو قِسْطُ ما بين قيمةِ الصِّحةِ والعيبِ، أو رَدَّه وأَخَذَ الثَّمَنَ، وإن تَلِفَ المبيعُ أو أعتق العبد تَعَيَّنَ الأرشُ، وإن اشترى ما لم يعلم عيبه بدون كَسْرِه كجَوْزِ هنْدٍ وبيضِ نَعَام فَكَسَره فَوَجَدَهُ فاسداً فأمسكه فله أَرْشُه(*)، وإن ردَّه ردَّ أرشَ كَسْرِه، وإن كان كبيضِ دجاجٍ رَجَع بكلِّ الثمنِ، وخيارُ عيبٍ متراخٍ ما لم يوجدْ دليلُ الرِّضَى، ولا يفتقرُ إلى حكمٍ ولا رضاً، ولا حضورِ صاحبِه، وإن اختلفا عند مَنْ حَدَثَ العيبُ؟ فقولُ مُشْترٍ مع يمينه، وإن لم يحتمل إلا قول أحدِهِما قُبِلَ بلا يمين.
السادس: خيارٌ في البيع بتخييرِ الثمنِ متى بان، أقل أو أكثر، ويَثبتُ في التَّولِيةِ(1) والشركةِ والمُرابحةِ(2) والمُواضعةِ(3)، ولابد في جميعها من معرفة المُشْترِي رأسَ المالِ، وإن اشترى بثمنٍ مؤجَّلٍ، أو ممن لا تُقبلُ شهادتُه لـه، أو بأكثر من ثمنه حيلةً أو باع بعضَ الصَّفْقةِ بقِسْطِها من الثمنِ ولم يُبَيِّنْ ذلك في تخييره بالثمن، فلمشترٍ الخيارُ بين الإمساكِ والرَّدِّ، وما يُزاد في ثمنٍ، أو يُحَطُّ منه في مدة خِيارهِ، أو يُؤخذُ أَرْشاً لعيبٍ، أو جنايةٍ عليه، يَلْحَقُ برأس ماله، ويُخْبَرُ به وإن كان ذلك بعد لزوم البيع لم يُلْحَقْ به، وإن أُخْبِر بالحال فَحَسَنٌ.
السابع: خيارٌ لاختلافِ المتبايعَيْن، فإذا اختلفا في قَدْر الثمن تَحَالَفَا(*)، فيحلِفُ البائعُ أولاً ما بعْتُه بكذا وإنما بِعْتُه بكذا، ثم يَحْلِفُ المُشتري ما اشتريتُه بكذا وإنما اشتريتُه بكذا، ولِكُلٍّ الفسخُ إذا لم يَرْضَ أحدُهمـا بقول
الآخَر، فإن كانت السلعةُ تالفةً رجعا إلى قيمةِ مثلِها، فإن اختلفا في صِفَتِها فقولُ مُشْترٍ، وإذا فُسِخَ العقدُ انفسخ ظاهراً وباطناً، وإن اختلفا في أَجَلٍ أو شَرْطٍ فقولُ مَنْ يَنْفيه، وإن اختلفا في عَيْنِ المبيعِ تحالفا وبَطَلَ البيعُ، وإن أَبَى كل منهما تَسْليمَ ما بيده حتى يقبضَ العِوَضَ -والثَّمَنُ عَيْنٌ - نُصِّبَ عَدْلٌ يَقبِضُ منهما ويسلّمُ المَبيعَ ثم الثَّمنَ، وإن كان دَيْناً حالاً أُجْبر بائعٌ ثم مُشْترٍ إن كان الثمنُ في المجلس، وإن كان غائباً في البلد حُجِر عليه في المَبيع وبقية ماله حتى يُحضرَه، وإن كان غائباً بعيداً عنها، أو المشتري مُعْسِراً(*) فلبائعٍ الفسخُ، ويَثبتُ الخيارُ للخُلْفِ في الصفةِ وتَغَيُّرِ ما تَقَدَّمتْ رؤيتُه.
فصـــل
ومن اشترى مكيلاً ونحوه(*) صحَّ ولزمَ بالعقد، ولم يصحَّ تصرفُه فيه حتى يقبضَه، وإن تَلِفَ قبل قَبْضِـه فمـن ضَمان البائع، وإن تلـف بآفةٍ سماويةٍ بَطَلَ البيعُ، وإن أتلفه آدميٌ خُيِّر مشترٍ بين فسخٍ وإمضاءٍ، ومطالبةُ مُتْلفِه بِِبَدِلِـهِ، وما عداه يجوزُ تصرفُ المشتري فيه قَبْلَ قبضِه، وإن تَلفَ ما عدا المبيعُ بكيلٍ ونحوِه فمن ضمانِه ما لم يَمنْعه بائعٌ من قَبْضِه، ويحصل قبضُ ما بِيْعَ بكيلٍ أو وزنٍ أو عَدٍّ أو ذَرْعٍ بذلك، وفي صُبْرَةٍ وما يُنْقَلُ بِنَقْلِه، وما يُتناول بتناولِه، وغيرُه بتَخْلِيَتِه، والإقالةُ: فَسْخٌ تجوزُ قبل قبضِ المَبيعِ بمثل الثَّمنِ، ولا خيارَ فيها ولا شُفعةَ.
بـاب الـربا والصـرف
يَحرُم ربا الفَضْلِ(*) في مَكِيلٍ وموزونٍ بِيْعَ بجنسِه، ويجب فيه الحُلولُ والقبضُ، ولا يُباع مكيلٌ بجنسه إلا كيلاً، ولا موزونٌ بجنسه إلا وزناً، ولا بعضُه ببعض جُزافاً، فإن اختلف الجنسُ جازت الثلاثةُ. والجِنْس: ما لـه اسمٌ خاصٌ يشملُ أنواعاً كَبُرٍّ ونحوِه، وفروعُ الأجناس أجناسٌ كالأدقَّةِ والأَخْبازِ والأدهانِ، واللحمُ أجناسٌ باختلافِ أصولهِ، وكذا اللبنُ والشحمُ والكبدُ أجناس، ولا يصح بيعُ لحمٍ بحيوانٍ من جنسِه، ويصح بغير جنسِه، ولا يجوز بيعُ حَب ٍّبدقيقِه ولا سويقه، ولا نِيْئِه بمطبوخِه، وأَصْلِه بعصيرِه، وخالصِه بَمشُوبِه(*)، ورَطْبِه بيابِسه، ويجوز بيعُ دقيقهِ بدقيقهِ إذا استويا في النُّعومةِ، ومطبوخِه بمطبوخِه، وخُبزِه بخبزِه، إذا استويا في النشاف وعصيرِه بعصيرِه ورَطْبِه برَطْبِه.
ولا يباع رِبَويٌ بجنسِه، ومعه أو معهما من غير جنسِهما(*)، ولا تمرٌ بلا نَوىً بما فيه نوىً، ويباعُ النَّوى بتمرٍ فيه نَوىً، ولبنٌ وصوفٌ بشاةٍ ذاتِ لبنٍ وصوفٍ، ومَرَدُّ الكيلِ لعُرْفِ المدينةِ، والوزنِ لعُرْفِ مكةَ زَمَنَ النبي ﷺ، وما لا عُرْفَ له هناك اعتُبِر عُرْفُه في موضعه(*).
فصــــل
ويَحرمُ ربا النسيئة في بيع كلِّ جنسين اتَّفقا في عِلَّة ربا الفَضْلِ ليس أحدُهما نقداً، كالمَكيلين والمَوْزونَيْن، وإن تفرَّقا قبل القبضِ بَطَلَ، وإن باع مَكيلاً بموزونٍ جاز التفرُّقُ قبل القبضِ والنَّسَإِ، وما لا كَيْلَ فيه ولا وزن، كالثياب والحيوان يجوز فيه النَّسَأُ، ولا يجوز بيعُ الدَّين بالدَّين(*).
فصـــــل
ومتى افْترقَ المُتصارِفانِ قَبْلَ قبضِ الكُلِّ أو البعضِ بَطَلَ العقدُ فيما لم يُقبض، والدراهمُ والدنانيرُ تتعيَّنُ بالتعيينِ في العَقْدِ فلا تبدل(*)، وإن وجَدَهَا مغصوبَةً بَطَلَ، ومَعِيبة ًمن جنسِها أَمْسَك أو رَدَّ، ويَحرمُ الرِّبا بين المسلم والحَرْبيِّ وبين المسلمين مُطلقاً في دار إسلام أو حَرْب.
بـاب بيع الأصول والثمار
إذا باع داراً شمل أرضَها وبناءَها وسقْفَها والبابَ المنصوبَ والسُّلَّم والرَّفَّ المَسْمُورَيْن والخابيةَ المدفونَةَ، دون ما هو مُودَعُ فيها من كَنْزٍ وحجرٍ، ومنفصلٍ منها كحبلٍ ودَلْوٍ وبَكرَةٍ وقُفلٍ وفَرشٍ ومِفْتاحٍ(*)، وإن باع أرضاً ولو لم يَقُلْ بحقوقها شمل غَرْسَها وبناءها، وإن كان فيها زرعٌ كَبُرٍّ وشَعيرٍ فلبائعٍ مُبْقَىً، وإن كان يُجَزُّ أو يُلْقَطُ مِراراً فأصولُه للمشتري، والجَزَّةُ واللَّقْطَةُ الظاهرتان عند البيع للبائع، وإن اشترطَ المُشتري ذلك صحَّ.
فصـــل
ومن بـاع نخلا تَشقَّق طْلعُهُ(*) فلبائعٍ مُبْقَىً إلى الْجَذاذ، إلا أن يشترطه مُشتٍر، وكذلك شجرُ العنبِ والتوتِ والرمانِ وغيره، وما ظهر من نَوْرِه كالمِشْمِش والتفاح، وما خرج من أَكْمامه كالورد والقُطْن، وما قبل ذلك والوَرَق فلمشترٍ، ولا يباع ثمرٌ قبل بُدُوِّ صلاحِه، ولا زرعٌ قبل اشتدادِ حَبِّه، ولا رَطْبةٌ وبَقْلٌ ولا قِثَّاءٌ ونحوه دون الأصل إلا بشرط القَطْعِ في الحال(*) أو
جَزَّةً جَزَّةً، ولَقْطةً لقطةً، والحصادُ واللقاطُ على المشتري.
وإن بـاعـه مطلقاً أو بشرط البقاء، أو اشترى ثمراً لم يَبْدُ صلاحُه بشرط القَطْعِ وتَركَهُ حتى بدا، أو جَزَّةً أو لُقطةً فَنَمَتا، أو اشترى ما بدا صلاحُه وحصل آخر واشتبها(*)، أو عرية فأثمرتْ بَطَلَ، والكلُّ للبائع، وإذا بدا ما لـه صلاحٌ في الثمرةِ واشتدَّ الحَبُّ جاز بيعه مطلقاً، وبشرط التَّبقيةِ، وللمشتري تَبْقِيَتِةٌ إلى الحصاد والجِذاذ، ويلزم البائع سَقْيُه إن احتاج إلى ذلك وإن تضرَّر الأصلُ، وإن تلفتْ بآفةٍ سماويةٍ رجــع على الـبائع(*)،
وإن أتلفه آدميٌ خُيِّر مُشترٍ الفسخِ والإمضاءِ ومطالبةِ المُتْلِفِ.
وصلاحُ بعضِ الشجرةِ صلاحٌ لها ولسائرِ النوعِ الذي في البستان، وبَدُوُّ الصلاحِ في ثمرِ الـنخل أن تَحْمرَّ أو تَصْفرَّ، وفي العنبِ أن يَتَمَوَّهُ حُلْواً، وفي بقيَّةِ الثمر أن يبدوَ فيه النُّضْجُ، ويطيبَ أكلُه. ومن باع عبداً لـه مالٌ فمالُه لبائِعه، إلا أن يشترطَه المشتري، فإن كان قصدُه المالَ اشترطَ عِلْمَه(1) وسائرَ شروطِ البيعِ وإلا فلا، وثيابُ الجَمَال للبائع والعادةُ للمُشتري.
(1) اشترط علمه: أي العلم بالمال. |
بـاب السلـم
وهو عَقْد على موصوفٍ في الذمَّة مؤجلٌ بثمنٍ مقبوضٍ بمجلسِ العقد. ويصح بألفاظِ البيعِ والسَّلَفِ والسَّلَمِ، بشروطٍ سبعةٍ:
أحدها: انضباطُ صفاتِه بمَكيلٍ وموزونٍ ومذروعٍ، وأما المعدودُ المختلفُ كالفواكه والبُقولِ والجُلودِ والرُّؤوسِ والأواني المختلفةِ الرؤوسِ والأوساطِ كالقَماقمِ والأَسْطالِ الضيقةِ الرؤوسِ والجواهرِ والحواملِ من الحيوانِ(*) وكل مغشوشٍ وما يُجمعُ أخلاطاً غير متميزة كالغاليةِ والمعاجينِ، فلا يصح السَّلَمُ فيه ويصح في الحيوانِ والثيابِ المنسوجةِ من نوعين، وما خَلْطُه غيرُ مقصودٍ كالجُبْنِ وخَلِّ التمرِ والسكنجبين ونحوها.
الثاني: ذِكْرُ الجِنسِ والنَّوعِ وكل وصفٍ يختلف به الثمنُ ظاهراً، وحداثتُه وقِدَمُه، ولا يصح شرطُ الأَرْدإِ والأجْودِ، بل جيدٌ ورديءٌ، فإن جاء بما شَرَط أو أجودَ منه من نوعه ولو قبلَ محلِّه، ولا ضررَ في قبضه لزمه أخذُه.
الثالث: ذكرُ قدرِه بكيلٍ أو وَزْنٍ أو ذَرْعٍ يُعلم، فإن أَسْلَم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً لم يصحَّ(*).
الرابع: ذكرُ أجلٍ معلومٍ لـه وَقْعٌ في الثَّمَن، فلا يصحُّ حالاً(*) ولا إلى الجِذاذِ والحصادِ(*)، ولا إلى يومٍ إلا في شيءٍ يَأْخُذُهُ منه كلَّ يوم، كخبزٍ ولحمٍ ونحوهما.
الخامس: أن يوجد غالباً في مَحَلِّه ومكانِ الوفاء لا وقتَ العَقْد، فإن تعذَّر أو بعضُه فله الصبرُ، أو فَسْخُ الكُلِّ أو البعضِ، ويأخذُ الثمنَ الموجودَ أو عِوَضَه.
السادس: أن يَقبضَ الثمنَ تاماً معلوماً قدرُه ووصفُه قبل التفرُّقِ(*)، وإن قَبضَ البعضَ ثم افْترقا بَطَلَ فيما عداه، وإن أَسْلَم في جِنْسٍ إلى أجلَيْن أو عكسه صح إن بيَّنَ كلَّ جنسٍ وثمنه وقِسْط كلِّ أجل.
السابع: أن يُسْلِم في الذمَّة، فلا يصحُّ في عَيْن.
ويجبُ الوفاءُ موضعَ العَقْدِ، ويصح شرطُه في غيره وإن عقد ببرٍّ أو بَحْرٍ شَرَطاه، ولا يصح بيعُ المُسْلَمِ فيه قبل قبضِه(*) ولا هبتُه(*)، ولا الحوالةُ به ولا عليه ولا أَخْذُ عِوَضِه، ولا يصح أخذُ الرهنِ والكفيلِ به(*).
بـاب القـرض
وهو مندوبٌ، وما صح بيعُه صح قرضُه، إلا بني آدم، ويَملِكُه بقَبْضِه، فلا يَلزمُ ردُّ عَينِه، بل يَثبتُ بَدَلُه في ذمتِه حالاً، ولو أَجَّلَه(*)، فإن ردَّهُ المُقْتَرِضُ لزمِ قبولُه، وإن كانتْ مُكَسَّرةً أو فُلوساً فمنَعَ السلطانُ المعاملةَ بها فله القيمةُ وقت القرضِ(*)، ويَرُدُّ المِثْلَ في المِثْليَّاتِ والقيمةَ في غيرها، فإن أَعْوَزَ المِثْلُ فالقيمةُ إذاً.
ويحرمُ كلُّ شَرْطٍ جَرَّ نَفْعاً(*)، وإن بَدأَ به بلا شَرْطٍ أو أعطاه أَجْودَ أو هديةً بعد الوفاءِ جاز، وإن تبرَّع لمُقْرِضِه قبلَ وفائِه بشيء لم تَجْرِ عادتُه به لم تجُزْ إلا أن ينويَ مكافأتَه أو احتسابَه من دَيْنهِ، وإن أقرضَه أثماناً فطالبَه ببلدٍ آخرَ لزمتْه، وفيما لِحَمْلِه مُؤْنةٌ قِيْمَتُه إن لم تكن ببلدِ القرض أَنْقَص.
بـاب الرهـن
يصحُّ في كلِّ عَيْنٍ يجوزُ بيعُها حتى المُكَاتَب مع الحقِّ وبعدَه بـدَيْنٍ ثابتٍ(*)، ويَلزمُ في حقِّ الراهنِ فقط، ويصحُّ رهنُ المَشَاعِ، ويجـوز رهنُ المبيعِ غيرِ المكيلِ والموزونِ على ثمنِه وغيرِه. ومـالا يجوز بيعُـه لا يصحُّ رهنُه، إلا الثمرةَ والزرعَ الأخضرَيْن(*) قبل بُدوِّ صلاحِهما بدون شَرْطِ القَطْع. ولا يلزمُ الرهنُ إلا بالقبضِ(*)، واستدامتُه شرطٌ، فإن أخرجَه إلى الراهنِ باختيارِه زالَ لزومُه، فإن ردَّه إليـه عاد لزومُه إليـه، ولا يَنْفُذ تصرفُ واحدٍ منهما فيه بغير إذنِ الآخر إلا عِتْقَ الراهنِ، فـإنه يصـحُّ مع الإثمِ، وتؤخذ قيمتُه رَهْناً مكانَه، ونماءُ الرهن وكسبُه وأَرْشُ الجِنَايةِ عليه مُلْحَقٌ به، ومُؤْنَتُه على الراهنِ، وَكَفَنُهُ وأجرةُ مَخْزنِه، وهو أمانةٌ في يدِ المُرْتَهِن، إن تَلِفَ بغيرِ تَعَدٍّ منه فلا شيءَ عليه، ولا يَسقطُ بهلاكِـه شيءٌ من دَينِه، وإن تَلِفَ بعضهُ فباقِيه رهْنٌ بـجميعِ الدَّيْن، ولا ينفكُّ بعـضُه مع بقاءِ بعضِ الدَّيْن، وتجوزُ الزيادَةُ فيه دون دَيْنِه(*)، وإن رَهَنَ عند اثنين شيئاً فَوَفَّى أحَدَهُما أو رَهَنَاهُ شيئاً فاستوفُى من أحدِهما انفكَّ في نصيبِه، ومتى حلَّ الدَّيْنُ وامتنع من وفائِه، فإن كان الراهنُ أَذِنَ للمُرْتَهِنِ أو العَدْلِ في بيعِه باعه وَوَفَّى الدَّيْنَ، وإلا أَجْبرَه الحاكمُ على وفائِه أو بيعِ الرهنِ، فإن لم يفعلْ باعه الحاكمُ ووفَّى دينَه.
فصـــــل
ويكون عند من اتَّفقا عليه، وإن أُذِنَا لـه في البيع لم يَبِعْ إلا بنقدِ البلد، وإن قَبضَ الثمنَ فَتَلِفَ في يده، فَمِنْ ضمانِ الراهنِ، وإن ادَّعى دفعَ الثمنِ إلى المُرْتَهِن فأنكَرَهُ ولا بَيِّنَةَ، ولم يكنْ بحضورِ الراهنِ، ضَمِنَ كَوَكِيلٍ، وإن شَرَطَ ألاّ يبيعَه إذا حلَّ الدَّينُ، أو إن جاءه بحقِّه في وقتِ كذا، وإلا فالرَّهْنُ له لم يصحَّ الشرطُ وحدَه(1).
ويُقبَلُ قولُ راهنٍ في قدر الدَّيْنِ والرَّهْنِ ورَدِّهِ وكونِه عصيراً لا خمراً.
وإن أَقرَّ أنه مِلْكُ غيرِه أو أنه جَنَى قُبِلَ على نَفْسِه، وحُكِمَ بإقراره بعد فَكِّه، إلا أنْ يُصدِّقَه المُرْتَهِنُ.
فصـل
وللمُرْتَهِنِ أن يَرْكَبَ ما يُرْكَبُ، ويحْلِبَ ما يُحْلِبُ بقدر نفقتهِ بلا إِذْنٍ، وإن أنفقَ على الرَّهن بغير إِذْنِ الراهنِ مع إمكانِه لم يَرْجِعْ، وإن تعذَّرَ رَجعَ، ولو لم يستأذِنِ الحاكمَ.
وكذا وديعةٌ وعاريةٌ ودوابُّ مُستأجَرَةٌ هربَ ربُّها، ولو خَرِبَ الرَّهْنُ فَعَمَّرهُ بلا إذنٍ رجَعَ بآلتِه فقط(*).
بـاب الضـمان(*)
لا يصحُّ إلا من جائزِ التصرفِ ولِرَبِّ الحقِّ مطالبةُ مَنْ شاءَ منهما في الحياةِ والموتِ، فإن برئتْ ذمةُ المضمونِ عنه بَرِئتْ ذمَّةُ الضامنِ لا عكسُه، ولا تعتبر معرفةُ الضامنِ للمَضْمونِ عنه ولا لـه، بل رِضَا الضامنِ، ويصح ضمانُ المجهولِ إذا آلَ إلى العِلْمِ والعَوَارِي والمَغْصوبِ والمقبوضِ بسوْمٍ وعُهْدةِ المبيع، لا ضمانُ الأماناتِ بَلْ التَعدِّي فيها.
فصـــــل
وتصح الكفالةُ بكلِّ عينٍ مضمونةٍ، وبِبَدَنِ من عليه دَيْنٌ، لا حَدٌّ ولا قِصَاصٌ، ويُعتبرُ رضا الكفيلِ لا مكفولٍ به، فإن ماتَ أو تَلِفَتِ العينُ بفعلِ الله أو سَلَّمَ نَفْسَه برئ الكفيلُ.
بـاب الحـوالة
لا تصحُّ إلا على دَيْنٍ مُسْتَقِرٍ(*)، ولا يُعتبرُ استقرارُ المُحَال ِبه، ويُشْتَرَطُ اتفاقُ الدَّيْنَينِ جِنْساً ووَصْفاً ووقتاً وقَدْراً ولا يُؤْثَرُ الفاضِلُ، وإذا صحتْ نُقِلَ الحقُّ إلى ذمَّةِ المُحَالِ عليه وبَرئَ المُحِيلُ، ويُعتبرُ رضاهُ لا رِضَا المُحَالِ عليه، ولا رضا المُحْتالِ على مَلِيء، وإن كانَ مُفْلِساً، ولم يكنْ رَضِيَ رَجَعَ به، ومن أُحيل بثمنِ مبيعٍ، أو أُحيلَ عليه به، فبانَ البيعُ باطلاً فلا حوالةَ، وإذا فُسِخَ البيعُ لم تبطُلْ ولهما أن يُحيلا.
بـاب الصلـح
إذا أقرَّ لـه بدَينٍ أو عَيْنٍ فأسقطَ أو وهبَ البعضَ وتركَ الباقي صحَّ إن لم يكن شَرَطاه، ولا يصحُّ ممن لا يصحُّ تبرُّعُه، وإن وضَعَ بعضَ الحالِّ وأجَّلَ باقِيَه صحَّ الإسقاطُ فقط، وإن صالحَ عن المؤجَّلِ ببعضِه حالاً أو بالعكس أو أَقَرَّ لـه ببيتٍ فصالحَه على سُكْناه سنةً، أو يبني لـه فوقَه غُرفةً، أو صالحَ مُكلَّفاً لِيُقرَّ لـه بالعبوديةِ، أو امرأةً لتُقِرَّ لـه بالزوجيةِ بعوضٍ لم يصحَّ(*)، وإن بذلاهما لـه صُلْحاً عن دَعْواه صحَّ، وإن قال: أَقِرَّ لي بِدَيْني وأُعطيكَ منه كذا، فَفَعَلَ، صحَّ الإقرارُ لا الصُّلحُ.
فصـــــل
من ادُّعِيَ عليه بِعَيْنٍ أو دَيْنٍ فسَكتَ أو أَنْكَرَ وهو يَجهلُه، ثم صالحَ بمالٍ صحَّ، وهو للمُدَّعِي: بيعٌ يُرَدُّ مَعِيْبَه، ويُفْسَخُ الصُّـلحُ، ويُؤْخَذُ منه بشُفْعَةٍ، وللآخر إبراء، فلا رَدَّ ولا شُفْعةَ، وإن كذبَ أحدُهما لم يصح في حـقِّهِ بـاطناً ومـا أَخَـذَه حـرامٌ، ولا يصح بعوضٍ عن حـدِّ سرقةٍ وقذفٍ ولا حقِّ شُفعةٍ(*) وتركِ شهادةٍ وتسقطُ الشفعةُ والحدُّ, وإن حصلَ غصنُ شجرتِه في هواءِ غيرِه أو قرارِه أَزالَه، فإن أَبَى لَوَاهُ إنْ أَمْكَنَ وإلا فله قَطْعُه.
ويجوز في الدَّرْبِ النافذِ فتحُ الأبوابِ للاستطراقِ، لا إخراجُ رَوْشَنٍ وساباطٍ(*) ودَكَّةٍ ومِيزابٍ، ولا يَفعــلُ ذلك في مِـلْكِ جـارٍ ودربٍ مُشْتَرَكٍ بلا إذنِ المُستَحِقِّ، وليس لـه وضعُ خشبةٍ على حائطِ جارِه إلا عند الضرورة(*) إذا لم يُمْكِنْه التَّسْقيفُ إلا به، وكذلك المسجدُ وغيرُه، وإذا انهدمَ جدارُهما(*) أو خِيفَ ضررُه فطلبَ أحدُهما أن يَعْمُرَه الآخرُ معه أُجْبِر عليه، وكذا النهرُ والدُّولابُ والقناةُ.
بـاب الحَجْـــر
مَنْ لم يَقْدِرْ على وفاءِ شيءٍ من دَيْنهِ لم يُطالَبْ به وحَرُمَ حبسُه، ومَنْ مَالُهُ قَدْرُ دَيْنهِ أو أكثرُ لم يُحْجَرْ عليه وأُمِرَ بوَفائِه، فإن أَبَى حُبِسَ بطلبِ ربِّه، فإن أصرَّ ولم يَبعْ مالَه باعَه الحاكمُ وقَضَاه، ولا يُطلبُ بمؤجَّل، ومَن مالُه لا يَفِي بما عليه حالاً وجَبَ الحَجْرُ عليه بسؤالِ غُرَمائِه أو بعضِهم، ويُستحبُّ إظهارُه ولا يَنفذُ تصرفُه في مالِه بعد الحَجْرِ، ولا إقرارُه عليه، ومن باعَه أو أقرضَه شيئاً بعده رَجَع فيه إن جَهِلَ حَجْرَه وإلا فلا، وإن تصرَّف في ذمتِه أو أقرَّ بِدَينٍ أو جِنايةٍ تُوجِبُ قَوَداً أو مالاً صحَّ، ويُطالبُ به بعد فكِّ الحَجْرِ عنه، ويبيع الحاكمُ مالَه. ويَقْسِمُ ثُمنَه بقدرِ ديونِ غُرمائِه، ولا يَحلُّ مؤجَّلٌ بِفَلَسٍ ولا بِمَوتٍ إن وَثِقَ الورثةُ برهنٍ أو كفيلٍ مليءٍ، وإن ظَهرَ غَريمٌ بعد القِسْمةِ رَجَعَ على الغُرَماءِ بقِسْطِه، ولا يَفكُّ حَجْرَه إلا حاكمٌ.
فصــل
ويُحْجَرُ على السفيهِ والصغيرِ والمجنونِ لِحَظِّهِمْ، ومن أعطاهُم ماله بَيعْاً أو قَرْضاً رَجَعَ بعينِه، وإن أَتْلفُوه لم يَضْمَنُوا، ويَلْزمُهم أَرْشُ الجِنايةِ وضمانُ مالِ من لم يدفْعه إليهم، وإن تمَّ لصغيرٍ خَمْسَ عَشْرةَ سنةً، أو نَبَتَ حولَ قُبُلِهِ شعرٌ خَشِنٌ، أو أَنْزَلَ أو عَقَلَ مجنونٌ وَرَشَدَا، أو رَشَدَ سفيهٌ زال حَجْرُهم بلا قضاء، وتزيدُ الجاريةُ في البلوغ بالحيضِ، وإن حَمَلَتْ حُكم ببلوغها، ولا ينفكُّ قبل شروطِه، والرُّشْدُ: الصلاحُ في المال، بأن يَتَصرف مراراً فلا يُغْبَنُ غالباً، ولا يَبذلُ مالَه في حرامٍ أو في غيرِ فائدةٍ، ولا يُدفع إليه مالُه حتى يُختبَرَ قبلَ بلوغِه بما يليقُ به.
ووليُّهم حالَ الحَجْرِ الأبُ، ثم وصيُّه، ثم الحاكمُ(*)، ولا يتصرفُ لأحدِهم وليُّه إلا بالأحوط(1)، ويَتَّجِرُ لـه مجاناً، وله دَفْعُ مالِه(*) مُضاربة ًبجُزءٍ من الرِّبْحِ، ويأكلُ الوليُّ الفقيرُ من مالِ مُولِيه الأقلَّ من كِفايتِه أو أجرته مجاناً، ويُقبل قولُ الوليِّ بيمينِه، والحاكمِ بغير يمينِه بعد فكِّ الحَجْرِ في الـنَّفقةِ والغِبْطةِ والضرورةِ والتلفِ ودفعِ المالِ. وما استدان العبدُ لزمَ سيِّدَه إن أَذِنَ لـه، وإلا ففي رَقَبتِهِ كاستيداعِه وأَرْش جنايتِه وقيمة مُتْلِفِهِ(*).
بـاب الوكـالــة
تصح بكلِّ قولٍ يدلُّ على الإذنِ، ويصح القبولُ على الفورِ والتَّراخي بكلِ قولٍ أو فعلٍ دالٍّ عليه، ومن لـه التصرفُ في شيءٍ فله التوكيلُ والتوكلُ فيه. ويصح التوكيلُ في كل حَقِّ آدميٍ من العقودٍ والفسوخِ والعتقِ والطلاقِ والرَّجعةِ، وتَملُّكِ المُباحاتِ من الصيدِ والحشيشِ ونحوه، لا الظِّهارِ واللِّعانِ والأَيمانِ، وفي كل حقٍ لله تعالى تدخلُه النيابةُ من العباداتِ والحدودِ في إثباتِها واستيفائِها، وليس للوكيلِ(*) أن يوكِّلَ فيما وُكِّل فيه، إلا أَنْ يُجْعَلَ إليه.
والوكالةُ عَقْدٌ جائزٌ تبطلُ بفَسْخِ أحدِهما أو موتِه وعَزْلِ الوكيلِ وحَجْرِ السَّفيهِ، ومن وُكِّل في بيعٍ أو شراءٍ لم يَبِعْ ولم يَشْتَرِ من نفسِه وولدِه(*)، ولا يبيع بعرض ولا نسإٍ ولا بغير نقدِ البلد، وإن باع بدون ثمنِ المِثْلِ أو دون ما قَدَّره لـه، أو اشترى لـه بأكثرَ من ثمنِ المثْلِ أو مما قَدَّره لـه صحَّ، وضمن النقصَ والزيادةَ، وإن باع بأزيدَ(*)، أو قال: بعْ بكذا مؤجَّلاً، فباع به حالاً، أو اشترِ بكذا حالاً، فاشترى به مؤجّلاً -ولا ضررَ فيهما- صحَّ وإلا فلا.
فصـــــل
وإن اشترى ما يَعْلَمُ عَيْبَه لَزِمَه إن لم يَرْضَ مُوكِّلُه، فإن جَهِل ردَّه، ووكيلُ البيعِ يُسلِّمُه، ولا يقبضُ الثمنَ بغير قرينةٍ، ويُسلِّم وكيلُ الشراءِ الثمنَ، فلو أَخَّره بلا عذرٍ وتَلِفَ ضَمِنَه، وإن وكَّله في بيعٍ فاسدٍ فباع صحيحاً، أو وكَّله في كلِّ قليلٍ وكثيرٍ(*)، أو شراءِ ما شاء أو عيناً بما شاء ولم يعيِّن لم يصح(*).
والوكيلُ في الخصومة لا يَقْبضُ، والعكسُ بالعكسِ، واقبضْ حقِّي من زيدٍ لا يقبضُ من ورثتِه، إلا أن يقول: الذي قِبَلَهُ، ولا يضمنُ وكيلُ الإيداعِ إذا لم يُشهد.
فصــــل
والوكيلُ أمينٌ، لا يَضْمن ما تَلِفَ بيده بلا تَفْريطٍ، ويُقبل قولُه في نَفْيه والهلاكِ مع يمينه، ومن ادَّعى وكالةَ زيدٍ في قبض حقِّه من عمرو لم يَلْزَمْه دفعُه إن صدَّقه ولا اليمينُ إن كذَّبه، فإن دَفعه وأنكر زيدٌ الوكالة حَلَف وضَمِنه عمرو، وإن كان المدفوعُ وديعةً أَخَذها، فإن تَلِفتْ ضَمِن أيهما شاء.
بـاب الشركـة
وهي اجتماعٌ في استحقاقٍ أو تصرُّفٍ، وهي أنواع:
فشركةُ عِنانٍ: أن يشترك بَدَنانِ بمَالَيْهما المعلومِ ولو مُتفاوتاً لِيَعْملا فيه بِبدنَيْهما، فينفذُ تصرفُ كلٍّ منهما فيهما بِحُكْم المِلْك في نصيبه، وبالوكالة في نصيبِ شريكه. ويُشترط أن يكونَ رأسُ المالِ من النَّقدينِ المضروبينِ(*)، ولو مغشوشَينِ يسيراً، وأن يَشْتَرِطاَ لكلٍ منهما جزءاً من الربح مشاعاً معلوماً، فإن لم يذكرا الربح أو شرطا لأحدهما جزءاً مجهولاً أو دراهمَ معلومةً(*)، أو رِبْحَ أحدِ الثوبين لم يصحَّ، وكذا مساقاةٌ ومزارعةٌ ومضاربةٌ، والوضيعةُ على قدرِ المال، ولا يُشترط خلطُ المالَين، ولا كونُهما من جنسٍ واحد.
فصـــــل
الثاني: المُضَاربةُ: لِمُتَّجِرٍ به ببعضٍ رِبْحِه، فإن قال: والربحُ بيننا فَنِصفانِ، وإن قال: ولي(*) أو لك ثلاثةُ أرباعِه أو ثلثُه صحَّ، والباقي للآخَر، وإن اختلفا لمن المَشْروطُ فلعاملٍ، وكذا مُساقاة ومُزارعَة، ولا يُضارِب بمالٍ لآخرَ إن أضرَّ الأولَ ولم يَرْضَ، فإن فعل ردَّ حِصَّتَه في الشركة. ولا يَقْسِمُ مع بقاء العَقْد إلا باتفاقهما، وإن تَلِفَ رأسُ المال أو بعضُه بعد التصرفِ أو خَسِرَ جُبِرَ من الربحِ قبل قِسْمتِه أو تَنْضِيضِه.
فصـــــل
الثالث: شركة الوُجُوه: أن يشتريا في ذِمَّتيهما بجاهيهما فما رَبِحا فبينهما، وكلُّ واحدٍ منهما وكيلُ صاحبِه وكفيلٌ عنه بالثمن، والمِلْكُ بينهما على ما شَرَطاه، والوضيعةُ على قدر مِلْكَيْهما، والرِّبحُ على ما اشترطاه.
الرابع: شركة الأبدان: أن يشتركا فيما يكتسبانِ بأبدانِهما فما تَقَبَّله أحدُهما من عملٍ يلزمهما فعلُه، وتصح في الاحتشاشِ والاحتطابِ وسائر ِ المُباحاتِ، وإن مرضَ أحدُهما فالكَسْبُ بينهما، وإن طالَبه الصحيحُ أن يُقيم مَقَامَه لزِمه.
الخامس: شركة المُفاوَضَةِ: أن يُفوِّض كلٌّ منهما إلى صاحِبه كلَّ تصرفٍ ماليٍ وبدنيٍ من أنواع الشركة، والربحُ ما شرطاه، والوَضِيعَةُ بقدر المال، فإن أَدْخلا فيها كسباً أو غرامةً نادِرَيْن أو ما يَلْزَمُ أحدَهما من ضمانِ غَصْبٍ أو نحوه فَسَدتْ.
بـاب المساقاة
تصحُّ على كلِّ شَجرٍ لـه ثمرٌ يؤكل، وعلى ثمرةٍ موجودةٍ، وعلى شجرٍ يَغْرسُه ويَعمل عليه حتى يُثمرَ بجُزءٍ من الثمرة.
وهي عَقْد جائزٌ(*)، فإن فسخَ المالكُ قبل ظهورِ الثَّمَرَةِ فللعامل الأجرةُ، وإن فسخَها هو فلا شيءَ لـه.
ويلزمُ العاملَ كلُّ ما فيه صلاحُ الثَّمَرَةِ من حَرْثٍ وسَقْيٍ وزبارٍ وتلقيحٍ وتشميسٍ، وإصلاحِ موضعهِ وطُرقِ الماء وحصادٍ ونحوِه، وعلى ربِّ المالِ ما يُصلحه، كسدِّ حائطٍ وإجراءِ الأنهارِ والدُّولابِ ونحوه.
فصـــــل
وتصح المُزارَعةُ بجزءٍ معلومِ النسبةِ مما يخرجُ من الأرضِ لربِّها، أو للعاملِ والباقي للآخرَ، ولا يُشترط كونُ البِذْر والغِراسِ من ربِّ الأرض، وعليه عملُ الناس.
بـاب الإِجَـارة
تصح بثلاثةِ شروطٍ: الأول: معرفةُ المنفعةِ كَسُكْنى دارٍ، وخدمةِ آدميٍ وتعليم علمٍ.
الثاني: معرفةُ الأُجرة، وتصح في الأجير والظِّئْرِ(1) بطعامِهما وكِسوتِهما، وإن دخل حَمّاماً أو سفينةً، أو أعطى ثوبَه قَصَّاراً أو خياطاً بلا عَقْدٍ صحَّ بأجرةِ العادةِ.
الثالث: الإباحةُ في العَيْن، فلا تصح على نفعٍ محرَّمٍ كالزِّنى والزَّمْر والغناءِ، وجَعْلِ داره كنيسةً أو لبيعِ الخَمْر، وتصح إجارةُ حائطٍ لوضعِ أطرافِ خشبةٍ عليه(*)، ولا تُؤجِّر المرأةُ نفسَها بغير إذْنِ زوجِها.
فـصــــل
ويُشترَطُ في العـينِ المُؤجَرةِ معـرفتُها برؤيةٍ أو صفةٍ في غير الـدار ونحوها، وأن يعقــد على نَفْعِهـا دون أجـزائِها، فلا تصح إجارةُ الطَّعَامِ للأكلِ، ولا الشَّمْعِ ليُشعلَه(*)، ولا حيوانٍ ليأخذَ لَبَنَه(*) إلا في الظِّئْر، ونقْعُ البئرِ وماءُ الأرض يدخلان تَبَعاً.
والقدرةُ على التَّسليمِ، فلا تصح إجارةُ الآبِقِ والشَّارِدِ. واشتمالُ العينِ على المنفعةِ، فلا تصح إجارةُ بهيمةٍ زَمِنَةٍ للحَمْل، ولا أرضٍ لا تَنْبُتُ للزرعِ، وأن تكونَ المنفعةُ للمُؤجِرِ أو مأذوناً لـه فيها، وتجوزُ إجارةُ العينِ لمن يقومُ مقامَه لا بأكثرَ منه ضرراً.
وتصح إجارةُ الوَقْفِ، فإن مات المُؤجِرُ فانتقل إلى مَنْ بَعْدَه لم تَنفسِخْ، وللثاني حِصَّتُه من الأُجرة. وإن آجر الدارَ ونحوها مدةً معلومةً ولو طويلةً يغلب على الظنِّ بقاءُ العينِ فيها صح، وإن استأجَرَها لعملٍ كدابَّةٍ لركوبٍ إلى موضعٍ معيَّنٍ، أو بقرٍ لحرثٍ أو دِيَاسِ زَرْعٍ، أو من يَدُلُّه على طريقٍ، اشْتُرِط معرفةُ ذلك وضبطُه بما لا يَخْتلف.
ولا تصح على عملٍ يَختصُّ فاعلُه أن يكون من أهلِ القُرْبَةِ(*)(1).
وعلى المُؤْجِّرِ كل ما يتمكَّن به من النفعِ، كزِمَامِ الجملِ ورَحْلهِ وحِزامِه والشدِّ عليه وشَدِّ الأحمالِ والمَحَامِلِ والرَّفعِ والحَطِّ ولزومِ البعير، ومفاتيحِ الدار وعِمَارتِها، فأما تفريغُ البالوعةِ والكَنِيْفِ فَيَلْزَمُ المستأجرَ إذا تسلَّمها فارغةً.
فصــــل
وهي عَقْدٌ لازمٌ، فإن آجَره شيئاً ومَنَعَهُ كلَّ المدةِ أو بعضَها فلا شيءَ لـه، وأن بدأ الآخَرُ قبل انقضائِها فعليه الأجرةُ.
وتنفسخُ بتلفِ العينِ المُؤْجَرةِ، ومَوتِ المُرْتَضِعِ والراكبِ إن لم يُخْلف بدلاً، وانقلاعِ ضِرْسٍ أو بُرْئِه ونحوِه، لا بموتِ المتعاقِدين أو أحدِهما، ولا بضياعِ نفقةِ المستأجِر ونحوِه.
وإن اكْتَرى داراً فانهدمـتْ أو أرضاً لزرعٍ فانقطع ماؤُها أو غرقتْ، انفسخت الإجارةُ في الباقي(*)، وإن وَجَدَ العينَ معيبةً أو حَدَثَ بها عيبٌ فله
الفسخُ وعليه أجرةُ ما مضى.
ولا يضمنُ أجيرٌ خاصٌ ما جَنَتْ يدُه خَطَأً، ولا حجَّامُ وطبيبٌ وبَيْطْارٌ لم تَجْنِ أَيديْهِم إن عُرَفَ حِذْقُهم، ولا راعٍ لم يَتعدَّ، ويضمنُ المُشْتَرَكُ ما تَلِفَ بفعلِه، ولا يضمنُ ما تلف من حِرْزِه أو بغير فِعله، ولا أُجْرةَ لـه. وتجب الأجرةُ بالعقد إن لم تُؤجَّل، وتستحقُّ بتسليمِ العملِ الذي في الذمَّةِ، ومن تَسلَّم عيناً بإجارةٍ فاسدةٍ وفَرَغَتِ المدةُ لزمَه أجرةُ المِثْلِ.
بـاب السَّبْـق(*)
يصح على الأَقْدامِ وسائرِ الحيواناتِ والسفنِ والمَزَارِيقِ ، ولا تصح بعِوَضٍ إلا في إبلٍ وخيلٍ وسهامٍ.
ولابدَّ من تعيينِ المَرْكوبَيْنِ واتحادهما والرُّماةِ والمسافةِ بقدرٍ معتادٍ، وهي جُعَالةٌ لكلِّ واحدٍ فَسْخُها، وتصح المُنَاضَلَةُ على مُعَيَّنِينَ يُحسِنُونَ الرَّمْيَ.
بـاب العاريـة
وهي إباحةُ نفعِ عينٍ تَبْقى بعد استيفائِه، وتباحُ إعارةُ كلِّ ذي نَفْعٍ مباحٍ إلا البُضْعَ، وعبداً مسلماً لكافرٍ، وصيداً ونحوه لمُحْرِمٍ، وأَمَةً شابَّةً لغيرِ امرأةٍ أو مَحْرَمٍ، ولا أجرةَ لمن أعارَ حائطاً حتى يَسقطَ(*)، ولا يُرَدُّ إن سَقطَ إلا بإذنِه.
وتُضْمَنُ العاريَّة بقيمتِها يوم تلفتْ ولو شَرَطَ نَفْيَ ضمانِها(*)، وعليه مُؤْنَةُ ردِّها إلا المُؤْجَرَةُ، ولا يُعيرُها، فإن تلفتْ عند الثاني استقرتْ عليه قيمتُها، وعلى مُعيرِها أُجرتُها، ويضمنُ أيهما شاء، وإن أركب مُنقطِعاً للثواب لم يَضْمن.
وإذا قال: آجرتُك، قال: بل أعرتَنِي، أو بالعكس عَقِبَ العَقْدِ، قُبِلَ قولُ مُدَّعِي الإعارةِ، وبعد مُضيِّ مدةٍ قولُ المالكِ في ماضيها بأُجرةِ المِثْلِ، وإن قال: أَعرتني، أو قال: أجَّرتني، قال: بل غَصبتني، أو قال: أعـرتُك، قال: بل أجَّرتني، والبهيمةُ تالفة، أو اختلفا في ردٍّ، فقولُ المالك.
بـاب الغَصْـب
وهو الاستيلاء على حقِّ غيره قَهْراً بغيرِ حقِّ من عَقارٍ ومَنقولٍ، وإن غَصبَ كلباً يُقتنَى أو خَمْرَ ذِمِّيِّ ردَّهما، ولا يَرُدُّ جِلدَ مَيتةٍ(*)، وإتلافُ الثلاثةِ هَدْرٌ، وإن استولَى على حُرِّ لم يَضمنْه، وإن استعمله كُرْهاً، أو حَبَسه فعليه أجرتُه. ويَلزم ردُّ المغصوب بزيادتِه(*) وإن غرمَ أضعافَه، وإن بَنَى في الأرض أو غَرَس لزمَه القَلْعُ وأرشُ نقصِها وتَسويتِها والأُجرةُ، ولو غَصَب جارحاً أو عبداً أو فرساً فحصَل بذلك صيدٌ فَلِمالِكِه، وإن ضَرَبَ المَصُوغَ ونَسَجَ الغَزْلَ وقَصَرَ الثوبَ أو صَبَغَهُ ونَجَرَ الخشبةَ ونحوَها، أو صار الحَبُّ زَرْعاً، والبيضةُ فَرْخا. والنَّوى غَرْساً ردَّه وأَرْشَ نَقْصِه، ولا شيءَ للغاصبِ، ويَلزمُه ضمانُ نقصِه. وإن خَصَى الرَّقيقَ ردَّه مع قيمتِه وما نَقَصَ بسعرٍ لـم يُضْمَنْ، ولا بمرضٍ عاد ببُرئِهِ، وإن عاد بتعليمِ صَنعةٍ ضَمِنَ النقصَ، وإن تعلَّم أو سَمِنَ فزادتْ قيمتُه ثم نَسِيَ أو هَزَلَ فنقصَتْ ضمنَ الزيادةِ، كما لو عادتْ من غير جنسِ الأول، ومن جِنْسها، لا يضمنُ إلا أكثرَهما.
فصــل
وإن خَلَطَه بما لا يَتميَّزُ كزيتٍ وحِنْطَةٍ بمثلِهما، أو صَبَغَ الثوبَ أو لَتَّ سَوِيقاً بدُهنٍ وعكسه، ولم تَنْقُصِ القيمةُ ولم تَزِدْ، فهما شريكان بقدرِ مِلْكَيْهما فيه، وإن نقصتِ القيمةُ ضَمِنَها، وإن زادتْ قيمةُ أحدِهما فلصاحبِها، ولا يُجْبَرُ مَنْ أَبَى قَلْعَ الصِّبْغِ، ولو قَلَعَ غَرْسَ المُشترِي أو بِنَاءَه لاستحقاقِه الأرضَ رَجعَ على بائِعها بالغَرامةِ.
وإن أَطْعمهُ لعالمٍ بغصبِه فالضَّمان عليه، وعكسُه بعكسِه، وإن أَطْعمَهُ لمالِكِه أو رَهَنَهُ أو أَوْدَعَه، أو آجَرهُ إيَّاهُ لم يَبْرَأْ إلا أن يَعلَم، ويَبْرأُ بإِعَارتٍه(*).
وما تَلِفَ أو تغَيَّبَ من مَغْصوبٍ مِثْليٍّ غَرِمَ مِثْلَه إذاً، وإلا فقيمتُه يوم تَعَذَّر، ويَضْمنُ غيرَ المِثْلىِّ بقيمتِه يومَ تَلَفِهِ، وإن تَخَمَّر عصيرٌ فالمِثْلُ، فإن انقلبَ خَلاَّ دَفَعَه ومعه نقصُ قيمتِه عصيراً.
فصـــــــل
وتصرفاتُ الغاصبِ الحُكْمِيَّةُ(1) باطلةٌ، والقولُ في قيمةِ التَّالفِ أو قَدرِه أو صفتِه قولُه، وفي رَدِّه وعدمِ عَيْبهِ قولُ ربِّه، وإن جَهِل ربُّه تصدَّق به عنه مضموناً.
ومن أتلفَ مُحترَماً أو فتح قفصاً أو باباً، أو حَلَّ وكَاءً أو رِبَاطاً أو قَيْداً فذهبَ ما فيه، أو أتلفَ شيئاً ونحوَه ضَمِنَه، وإن رَبَطَ دابَّةً بطريقٍ ضيِّقٍ فَعَثَر به إنسانٌ ضَمِنَ، كالكلبِ العَقُورِ لمن دخل بيتَه بإذنه، أو عَقَرَهُ خارجَ منزلِه.
وما أَتْلفتِ البهيمةُ من الزَّرْعِ ليلاً ضمن صاحبُهما، وعكسُه النهارُ، إلا أن ترسل بقرب ما تتلفه عادة، وإن كانتْ بيدِ راكبٍ أو قائدٍ أو سائقٍ ضَمِنَ جنايتَها بمقَدَّمها، ولا بمؤخرها، وباقي جِناياتِها هَدْرٌ، كقَتْلِ الصَّائِلِ عليه، وكسر مزمار وصليب وآنية ذهب وآنية خمر غيرِ محتَرَمَةٍ.
بـاب الشُّفْعَـة
وهي: استحقاقُ انتزاعِ حِصَّة شريكِه ممن انتقلتْ إليه بِعِوَضٍ ماليٍّ بثمنِه الذي استقرَّ عليــه العَقْـدُ، فـإن انتقل بغـير عِوَضٍ أو كــان عِوَضُه صداقــاً أو خُلْعاً(*) أو صُلْحا عن دمٍ عمــدٍ فــلا شُفْعةَ، ويَحْرُم التَّحَيُّلُ لإسقاطِها. وتثبتُ لشَريكٍ في أرضٍ تجبُ قسمتُها(*)، ويَتبعُها الغِراسُ والبنــاءُ، لا الثمرةُ والزرعُ، فلا شُفْعة لجارٍ. وهي علـى الفَـوْرِ وقــتَ عِلْمِه(*)، فــإن لـم يـطلُبْها إذاً بـلا عـذر بطلـت، وإن قــال للمشـــتري: بـعْنِي(*) أو صَــالِحْنِي(*)، أو كذَّبَ العَدْل، أو طلبَ أخْذَ البعضِ سَقَطتْ(*)، والشُّفعة لاثنين بقدر حَقَّيهما، فإن عَفَا أحدُهما أَخَذَ الآخَر الكُلَّ أو تَرَك، وإن اشترى اثنانِ حقَّ واحدٍ أو عكسُه، أو اشترى واحدٌ شِقْصَيْنِ من أَرْضَيْنِ صَفْقةً واحدةً فللشَّفيعِ أخذُ أَحَدِهما، وإن باع شقْصاً وسيفاً أو تلف بعض المَبيعِ فللشفيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ بحِصَّتِه من الثَّمَن، ولا شُفعةَ بشركةِ وَقْفٍ(*)، ولا في غير مِلْكٍ سابقٍ ولا لكافرٍ على مسلم.
فصـــل
وإن تصرَّفَ مُشتريه بوقْفِه أو هِبَتِهِ(*) أو رَهْنِهِ لا بوصيةٍ سقطتِ الشُّفعةُ، وبِبَيْعٍ فله أَخْذُه بأحدِ البَيْعينِ، وللمُشترِي الغَلَّةُ والنَّماءُ المنفصلُ والزرعُ والثمرةُ الظاهرةُ، فإن بَنَى أو غَرَسَ فللشفيع تَمَلُّكُه بقيمتِه وقَلْعُـه،
ويَغْرَمُ نَقْصَهُ ولربِّه أَخْذُه بلا ضَررٍ.
وإن مات الشَّفيعُ قَبْلَ الطلبِ بَطَلَتْ، وبعدَه لوارثِه، ويأخذُه بكلِّ الثَّمنِ، فإن عَجَزَ عن بعضِه سقطتْ شُفعتُه، والمُؤجَّل يأخذه المَليءُ به، وضِدُّه بكفيلٍ مليءٍ، ويُقبلُ في الخُلْفِ مع عَدَمِ البَيِّنَةِ قولُ المُشترِي، فإن قال: اشتريتُه بألفٍ أَخَذَ الشفيعُ به، ولو أَثبتَ البائعُ أكثرَ، وإن أَقَرَّ البائعُ بالبيعِ وأَنكرَ المُشترِي وَجَبتْ(*)، وعُهدَةُ الشفيعِ على المُشتِري، وعُهدَةُ المُشترِي على البائع.
بـاب الوديعـة
إذا تَلِفَتْ من بين مالِه ولم يَتعدَّ ولم يُفَرِّطْ لم يَضْمنْ(*)، ويَلزمُه حِفظُها في حِرْزِ مثلِها، فإن عَيَّنَهُ صاحبُها فأحْرزَها بدونِه ضَمِنَ، وبمثلِه أو أَحْرَزَ فلا، وإن قَطَعَ العَلَفَ عن الدابَّة بغيرِ قولِ صاحبِها فأحْرزَها بدونِه ضَمِنَ، وإن عيَّن جَيْبَه فتركَها في كُمِّهِ أو يَدِه ضَمِنَ، وعكسُه بعكسِه، وإن دَفعها إلى من يَحفظُ مالَه أو مالَ ربِّها لم يَضمنْ، وعكسُه الأجنبيُّ والحاكمُ، ولا يُطالبانِ إن جَهِلا، وإن حَدَثَ خوفٌ أو سفرٌ ردَّها على ربِّها، فإن غابَ حَمَلَها (معه) إن كان أَحْرَزَ، وإلا أودعَها ثِقةً، ومن أُودِعَ دابَّةً فركبَها لغيرِ نفعِها، أو ثوباً فَلَبسَهُ، أو دراهمَ فأخْرجَها من مُحرزٍ ثم ردَّها(*)، أو رَفَعَ الخَتْمَ(*) ونحوَه عنها، أو خَلَطَها بغير مُتميِّزٍ فضاع الكلُّ ضَمِن.
فصــل
ويُقبل قولُ المُودِعِ في ردِّها إلى ربِّها أو غيرِه بإذنِه، و (في) تَلَفِها وعدم التَّفريطِ، فإن قال: لم تُودِعْني، ثم ثَبَتَتْ ببينةٍ أو إقرارٍ ثم ادَّعى ردّاً أو تَلَفاً سابقَينِ لجُحودِه لم يُقبلا ولو ببينةٍ، بل في قوله: ما لكَ عندي شيءٌ ونحوُه أو بَعْدَه(1) بها، وإن ادَّعى وارثُه الردَّ منه أو من مُوَرِّثِهِ لم يُقْبَلْ إلا ببينةٍ، وإن طلبَ أحدُ المُودِعين نصيبَه من مَكِيلٍ أو مَوْزونٍ ينقسمُ أَخَذَهُ، وللمستودِعِ والمضارِبِ والمرتهِنِ والمستأجِرِ مطالبة غاصِبِ العينِ.
(1) أو بَعْدَه بها: أي ادعى الردَّ أو التَّلَفَ بعد جُحودِه بالبيِّنة. |
بـاب إحيـاء المـوات
وهي: الأرضُ المُنفكَّةُ عن الاختصاصاتِ ومِلْكِ معصومٍ، فمن أَحْياها مَلَكَها من مُسلمٍ وكافرٍ بإذْن الإمامِ وعَدَمِـه في دار الإسلام وغيرِها(1)، والعَنْوَةُ كغيرِها، وَيُمْلَكُ بالإحْياءِ ما قَرُبَ مـن عامِـرٍ إن لم يتعلَّقْ بمصلحتِه، ومـن أَحَاطَ مَوَاتاً أو حَفَرَ فيـه بـئراً فـوصَلَ إلى الماءِ أو أَجْـراهُ إليه من عَيْـنٍ ونحوِها، أو حَبَسهُ عنه ليزرعَ فقد أحياه، ويَملِكُ حَريمَ البئرِ العاديَّةِ خمسين ذراعاً من كُلِّ جانبٍ(*)، وحَريمُ البَدِيَّةِ(2) نصفُها.
وللإمام إقطـاعُ مواتٍ لمن يُحييـه ولا يَمْلِكُه(3)، وإقطاع الجلوس في
الطـريـقِ الواسعةِ، مـا لـم يَضُرَّ بالناسِ(*)، ويكونُ أحقَّ بجلوسِها، ومن غير إقطاعٍ لمن سَبَقَ بالجلوسِ ما بقي قماشُه فيها وإن طالَ، وإن سَبَقَ اثنان اقْترَعَا.
ولمَنْ في أَعْلَى الماءِ المُباحِ السَّقْيُ وحَبْسُ الماءِ إلى أن يصلَ إلى كَعْبِه، ثم يُرسله إلى من يَلِيْه.
وللإمامِ دونَ غيرِه حِمَى مَرْعَىً لدوابِّ المسلمين ما لم يَضُرَّهم.
بـاب الجُعَالـة(*)(1)
وهي: أن يَجْعلَ شيئاً معلوماً لمن يَعْملُ لـه عَمَلاً مَعْلوماً أو مَجْهولاً مدةً معلومةً أو مجهولةً، كردِّ عبدٍ ولُقَطَةٍ، وخِيَاطِةٍ، وبناءِ حائطٍ، فمن فَعَلَه بعد عِلْمِه بقولِه استحقَّه(2)، والجماعةُ يَقْتسمونَه، وفي أثنائِه يأخذُ قِسْطَ تَمامِه.
ولكلٍ فَسْخُها، فَمِنَ العاملِ لا يستحقُّ شيئاً، ومن الجَاعِلِ بعد الشُّروعِ للعاملِ أجرةُ (مثلِ) عَمَلِه، ومع الاختلافِ في أَصْلِه أو قَدْرِهِ يُقبَلُ قولُ الجاعلِ.
ومن ردَّ لُقَطَةً أو ضالَّةَ أو عَمـِلَ لـغيِره عَـمَلاً بغير جُعْلٍ لم يستحقَّ عِوَضاً، إلا ديناراً أو أثنى عَشَرَ درهماً عن رَدِّ الآبِقِ، ويَرْجِعُ بنفقتِه أيضاً.
بـاب اللقطـة
وهي: مالٌ أو مُخْتَصٌّ ضلَّ عن ربِّه، وتَتْبَعُه هِمَّةُ أوساطِ الناسِ، فأما الرغيفُ والسَّوطُ ونحوهُما فيُملَكُ بلا تعريفٍ، وما امتنعَ من سَبعٍ صغيرٍ كثورٍ وجَملٍ ونحوهِما حَرُمَ أخذُه، وله التقاطُ غيرَ ذلك من حيوانٍ وغيرِه إن أَمِنَ نفسَه على ذلك، وإلا فهو كغاصِبٍ.
ويُعرِّفُ الجميعَ بالنداءِ في مجامعِ الناسِ في غيرِ المساجدِ حَوْلاً، ويَملِكُه بَعْدَهُ حكماً، لكن لا يتصرفُ فيها قبل معرفةِ صفاتِها، فمتى جاء طالبُها فوصفَها لَزِمَ دفعُها إليه.
والسَّفيهُ والصبيُّ يُعرِّفُ لُقَطَتَهُمَا وليُّهما.
ومن تَركَ حيواناً في فلاةٍ لانقطاعِه أو عَجَزَ ربُّه عنه مَلَكَه آخِذُه، ومن أَُخِذَ نعلُه ونحوه وَوَجَدَ موضِعَه غيَره فلُقَطَةٌ.
بـاب اللَّقِيـط
وهو: طفلٌ لا يُعرَفُ نَسَبُه ولا رِقُّه نُبِذَ أو ضَلَّ، وأَخْذُه فرضُ كِفايةٍ وهو حُرٌّ، وما وُجِدَ معه أو تحتَه ظاهراً أو مدفوناً طريّاً(1) أو متصلاً به كحيوانٍ وغيرِه أو قريباً منه فَلَهُ، ويُنفِقُ عليه منه، وإلا فَمِنْ بيتِ المالِ(2).
وهو مسلمٌ وحضانتُه لواجدِه الأمين، ويُنفق عليه بغير إذنِ حاكمٍ، وميراثُه ودِيتُه لبيتِ المال، ووليُّه في العَمْدِ الإمامُ يُخيَّر بين القِصَاصِ والدِّيةِ.
وإن أَقَرَّ رجـلٌ أو امـرأةُ ذاتُ زوجٍ مسلـمٍ أو كـافرٍ أنه ولدُه لَحِقَ به، ولو بعد موتِ اللقيطِ، ولا يَتْبعُ الكافرَ في دينه إلا بـبينةٍ تَشْهَـدُ أنه وُلِدَ على فِراشِه، وإن اعترفَ بالرِّقِّ مع سَبْـقٍ مُنَافٍ، أو قـال: إنه كافرٌ لم يُقبلْ منه، فإن ادَّعاه جماعةٌ قُدِّمَ ذو البيِّنة، وإلا فَمَنْ أَلْحَقَتْه القَافَةُ(3) بــه.
(1) قولـه: أو مدفوناً طرياً: أي ما وجد مدفوناً تحته، قال ابن عقيل: إن كان الحفر طرياً فهو لـه. المغني 8/357. | ||
(2) لقول عمر t: "اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته" وفي رواية، "وعلينا رضاعه" أخرجه مالك في الموطأ في: باب القضاء في المنبوذ، من كتاب الأقضية، 2/738، والبيهقي في: باب التقاط المنبوذ، من كتاب اللقطة، السنن الكبرى 6/201، 202. | ||
(3) القافة: قوم يعرفون الأنساب بالشَّبَه، ومفرده قائف. |
كتـاب الوَقْـف(*)
وهو: تَحْبيسُ الأصلِ وتَسْبيلُ المنفعةِ.
ويصح بالقولِ وبالفعلِ الدالِّ عليه، كمن جعلَ أرضَه مسجداً وأَذِنَ للناسِ في الصَّلاةِ، فيه أو مقبرةً وأَذِنَ في الدَّفْنِ فيها.
وصريحُه: وقفتُ، وحبَّستُ، وسبَّلْتُ، وكنايته: تصدَّقتُ، وحرَّمتُ وأبَّدتُ، فتُشترَطُ النيةُ مع الكنايةِ أو اقترانِ أحدِ الألفاظِ الخمسةِ أو حُكْمِ الوَقْفِ.
ويُشترَطُ فيه الـمنفعةُ دائماً من مُعيَّنٍ يُنتفَعُ به مع بقاءِ عَينِه كعَقَارٍ وحيوانٍ ونحوهِما، وأن يكون على بِرٍّ كالمساجدِ والقناطرِ والمساكينِ والأقاربِ، من مسلمٍ وذِمِّيٍ غير حَرْبيٍ(1)، وكنيسةٍ ونسخِ التوراةِ والإنجيـلِ وكُتبِ زَندقةٍ، وكذا الوصيةُ والوقفُ على نفْسِه(*).
ويُشترَطُ في غير المسجدِ ونحوه أن يكونَ على مُعيَّن يَمْلِكُ، لا مَلَكٍ وحيوانٍ وقَبْرٍ وحَمْلٍ(*)، لا قبولُهُ ولا إخراجُهُ عن يَدِهِ.
فصــل
ويجب العملُ بشرطِ الواقـفِ(*) في جَمْعٍ وتقديمٍ، وضـِدِّ ذلك، واعتبارِ وَصْفٍ وعَدَمِه، والترتيبِ، ونَظَرٍ، وغيرِ ذلك، فإنْ أَطْـلقَ ولم يَشْترِطْ استوى الغنيُّ والذَّكَرُ وضدُّهما، والنَّظرُ للموقـوفِ عليـه، وإنْ وَقفَ على وَلَدِه أو وَلَدِ غيرِه، ثم على المساكين فهو لولدِه الذُّكور ِوالإناثِ بالسَّويَّةِ، ثم ولدِ بَنيهِ دون بناتِه، كما لو قال: على وَلَدِ وَلَدِه وذُريتِه لصُلبِه، ولو قال: على بَنيهِ أو بَنِي فلانٍ اختصَّ بذُكورِهم(*)، إلا أن يكونوا قبيلةً فيدخلُ النساءُ دون أولادِهنَّ من غيرِهم، والقرابةُ وأهلُ بيتِه وقومُه يشملُ الذَّكَرَ والأُنثَى من أولادِه وأولادِ بَنيهِ وَجدِّه وجدِّ أبيه، وإن وُجِدَتْ قرينةٌ تَقتضي إرادةَ الإناثِ أو حِرْمانَهُنَّ عُمِلَ بها، وإذا وَقَفَ على جماعةٍ يمكنُ حَصْرُهم وجبَ تعميمُهم والتَّساوِي، وإلا جاز التفضيلُ والاقتصارُ على أحدهم.
فصــــل
والوقفُ عَقْدٌ لازمٌ لا يجوز فَسْخُه، ولا يُباع إلا أن تَتعطَّلَ منافعُه. ويصرفُ ثمنُه في مِثْلِه، ولو أنه مسجدٌ وآلتُه، وما فَضَلَ من حاجتِه جاز صَرْفُه إلى مسجدٍ آخرَ، والصدقةُ به على فقراءِ المسلمين.
بـاب الهبة والعطيـة
وهي التَّبرُّعُ بتمليكِ مالِه المعلومِ الموجودِ في حياتِه غيرَه، فإن شَرَطَ فيها عِوَضاً معلوماً فبيعٌ، ولا يصح مجهولاً إلا ما تعذَّر عِلْمُه، وتنعقدُ بالإيجابِ والقَبولِ والمُعاطاةِ الدالَّةِ عليها، وتَلزمُ بالقبضِ بإذنِ واهبٍ إلا ما كان في يدِ مُتَّهِبٍ، ووارثُ الواهبِ يقومُ مُقامَه. ومن أَبْرأَ غريمَه من دَيْنِه بلفظِ الإحلالِ أو الصدقةِ أو الهبةِ ونحوِها بَرِئتْ ذمتُه، ولو لم يَقْبَلْ، وتجوزُ هِبَةُ كلِّ عَينٍ تُباعُ وكلبٍ يُقْتنَى.
فصـل
ويجب التَّعْديلُ في عَطَّيتِه أولادَه بقدرِ إِرْثِهم(*)، فإن فَضَّلَ بعضَهم سوى برجوعٍ أو زيادةٍ، فإن مات قبله ثَبَتَتْ.
ولا يجوز لواهبٍ أن يَرْجِعَ في هِبَتِهِ اللازمةِ إلا الأبُ(*)، وله أن يأخذَ ويَتملَّكَ من مالِ ولدِه ما لا يضرُّه ولا يحتاجُه، فإن تصرَّف في مالِه ولو فيما وهبَه لـه ببيعٍ أو عتقٍ أو إِبْراءٍ أو أراد أَخْذَه قبلَ رجوعِه أو تَمَلُّكِه بقولٍ أو نيَّةٍ وقبضٍ مُعْتبَرٍ لم يصحَّ بل بعدَه.
وليس للولدِ مطالبةُ أبيهِ بِدَيْنٍ أو نحوِه، إلا بنفقتِه الواجبةِ عليه، فإنَّ لـه مُطالبتَه بها وحَبْسَه عليها.
فصل
في تصرفات المريض
مَنْ مَرَضُه غيرُ مَخُوفٍ كوجعِ ضِرْسٍ وعَيْنٍ وصُداعٍ يسيرٍ فَتَصَرُّفُه لازمٌ كالصحيحِ، ولو مات منه.
وإن كان مَخُوفاً كَبِرْ سَامٍ، وذاتِ جَنْبٍ، ووجَعِ قلبٍ، ودوامٍ قيامٍ ورعُافٍ، وأولِ فالجٍ، وآخِرِ سِلٍّ، والحُمَّى المُطْبِقَةِ، والرِّبَع، وما قال طبيبانِ مُسْلمانِ عَدْلانِ إنه مَخُوفٌ، ومن وقعَ الطَّاعونُ ببلدِه، ومَنْ أَخذَها الطَّلْقُ لا يَلْزم تبرعُه لوارثٍ بشيءٍ، ولا بما فوقَ الثُّلثِ، إلا بإجازةِ الورثةِ لـه إن مات منه، وإن عُوفِيَ فكصحيحٍ.
ومن امتدَّ مرضُه بجُذامٍ أو سُلٍّ أو فالجٍ ولم يَقْطَعْهُ بِفِراشٍ فمن كُلِّ مالِه، والعكسُ بالعكسِ.
ويُعتَبرُ الثلثُ عند موتِه، ويُسَوِّي بين المُتقدِّمِ والمُتأخِّرِ في الوصيةِ، ويبدأُ بالأولِ فالأوَّل في العَطيَّةِ، ولا يَملكُ الرجوعَ فيها، ويُعتبَرُ القولُ لها عند وجودِها، ويَثبتُ المِلْكُ إذاً، والوصيَّةُ بخلافِ ذلك.
كتـاب الوصـايا
يُسَنُّ لمن تَرَكَ خيراَ - وهو المالُ الكثيرُ- أن يُوصِيَ بالخُمسِ، ولا تجوز بأكثرَ من الثُّلثِ لأجنبيٍ، ولا لوارثٍ بشيءٍ إلا بإجازةِ الورثةِ لها بعدَ الموتِ فتصحُّ تنفيذاً.
وتُكْرَهُ وصيةُ فقيرٍ وارثُه محتاجٌ، وتجوزُ بالكُلِّ لِمَنْ لا وارثَ لـه، وإن لم يَفِ الثلثُ بالوصايا فالنَّقْصُ بالقِسْطِ.
وإن أوصَى لوارثٍ فصار عند الموت غيرَ وارثٍ صَحَّتْ، والعكسَ بالعكسِ، ويُعْتَبَرُ قبولُ الموصى لـه بعد الموتِ وإن طالَ، لا قَبْلَه، ويَثبتُ المِلْكُ به عَقِبَ الموتِ، ومَنْ قَبِلَها ثم رَدَّها لم يصحُّ الردُّ.
ويجوز الرجوعُ في الوصيةِ، وإن قال: إن قَدِمَ زيدٌ فله ما وصيتُ به لعَمْرٍو، فقدمَ في حياتِه فله، وبعدَها لعمروٍ.
ويُخْرَجُ الواجبُ كلُّه من دَيْنٍ وحجٍ وغيرِه، من كلِّ مالِه بعد موتِه وإن لم يُوصِ به، فإن قال: أدُّوا الواجبَ من ثُلثي، بُدئ به، وإن بقي منه شيءٌ أَخَذه صاحبُ التَّبَرُّعِ، وإلا سَقَط.
بـاب الـمُوْصَى لَـه
تَصِحُّ لمن يَصِحُّ تملُّكُه، ولعبدِه بمُشاعٍ كثُلثِه، ويَعْتِقُ منه بقَدْرِه، ويأخذُ الفاضلَ، وبمائةٍ أو مُعيَّنٍ لا تصحُّ لـه(*)، وتصح بحَمْلٍ، ولحَمْلٍ تحقَّقَ وجودُه قبلَها.
وإذا أوصَى من لا حجَّ عليه أن يُحَجَّ عنه بألفٍ، صُرِفَ من ثُلثِه مُؤْنَة حجَّةٍ بعد أُخرى حتى تَنْفَد.
ولا تصحُّ لِمَلَكٍ وبهيمةٍ وميتٍ، فإن وصَّى لحيٍ وميتٍ يَعْلَمُ موتَه فالكلُّ للحيِّ، وإن جَهِلَ فالنِّصفُ، وإن وصَّى بمالِه لابنَيْه وأجنبيٍ فَرَدَّا وصيَّتَه فله التُّسُعُ.
بـاب الـمُوصَى بـِه
تصحُّ بما يعجزُ عن تَسليمِه، كآبقٍ وطيرٍ في هواء، وبالمعدومٍ، كبما يَحْمِلُ حيوانُه وشجرتُه أبداً، أو مدةً معينةً، فإن لم يحصُل منه شيء بَطَلَتْ الوصيَّةُ.
وتصحُّ بكلبِ صيدٍ ونحوِه(*)، وبزيتٍ مُتنجٍِّس، وله ثلثُهما ولو كَثُرَ المالُ، وإن لم تُجِزِ الورثةُ.
وتصح بمجهولٍ كعبدٍ وشاةٍ، ويُعْطَى ما يقعُ عليه الاسمُ العُرْفيُّ.
وإذا أوصَى بثلثِه فاستحدثَ مالاً ولو دِيَةً، دَخَلَ في الوصيَّةِ، ومن أَوْصَى لـه بمعيَّنٍ فَتَلِفَ بَطَلَتْ، وإن تَلِفَ المالُ غَيْرَه فهو للمُوصَى لـه، إن خَرَجَ من ثلثِ المالِ الحاصلِ للورثةِ.
بـاب الوصيَّة بالأَنْصِبَاء والأَجْزاء
إذا أوصَى بمثلِ نصيبِ وارثٍ معيَّنٍ فله مثلُ نصيبـِه مضموماً إلى المسألةِ، فإذا أوصَى بمثلِ نصيبِ ابنهِ وله ابنانِ فله الثلثُ، وإن كانوا ثلاثةً فله الربعُ، وإن كان معهم بنتٌ فله التُّسْعانِ.
وإن وصَّى لـه بمثلِ نصيبِ أحدِ ورثتِه ولم يبيّن كان لـه مثلَ ما لأقلِّهم نصيباً، فمع ابنٍ وبنتٍ ربعٌ، ومع زوجةٍ وابنٍ تسعٌ، وبِسَهْمٍ من مالِه، فله سدسٌ، وبشيءٍ أو جُزءٍ أو حظٍ أعطاه الوارثُ ما شاء.
بـاب الـمُوْصَى إليـه
تصح وصيةُ المسلمِ إلى كل مسلمٍ مُكلَّفٍ عَدْلٍ رشيدٍ ولو عبداً، ويَقْبَلُ بإذنِ سيِّدِه، وإذا أَوصَى إلى زيدٍ(*) وبعده إلى عَمروٍ ولم يَعْزِلْ زيداً اشْترَكا، ولا ينفردُ أحدُهما بتصرفٍ لم يَجعلْه لـه، ولا تصح وصيةٌ إلا في تصرفٍ معلومٍ يَملِكُه المُوصِي كقضاءِ دينِه وتَفْرِقَةِ ثلثِه والنظرِ لصغارِه، ولا تصح بما لا يَملِكه المُوصِي كوصيةِ المرأةِ بالنظرِ في حقِّ أولادِها الأصاغرِ ونحوِ ذلك.
ومن وُصِّيَ في شيءٍ لم يَصِرْ وصياً في غيره، وإن ظَهرَ على الميتِ دَينٌ يستغرقُ بعد تَفْرقَةِ الوصِيِّ لم يَضْمن، وإن قال: ضَعْ ثُلُثِي حيثُ شئتَ لم يَحِل لـه ولا لولده(*)، ومن ماتَ بمكانٍ لا حاكمَ فيه ولا وَصِيّ جاز لبعضِ من حَضرَ من المسلمين تَولِّي تركتِه وعملُ الأصلحِ حينئذٍ فيها من بَيْعٍ وغيرِه.
كتـاب الفـرائض
وهي العِلْمُ بقسمةِ المَواريث(*).
أسباب الإرث: رَحِمٌ، ونكاحٌ، ووَلاء.
والورثة:ُ ذو فرضٍ، وعصبةٍ، ورَحِمٍ.
فَذُو الفَرْضِ عَشَرٌة: الزَّوجان،ِ والأبَوانِ، والجَدُّ، والجَدَّةُ، والبناتُ، وبناتُ الابنِ، والأخواتُ من كلِّ جهةٍ، والإخوةُ من الأمِّ.
فللزَّوجِ النِّصْفُ، ومع وجودِ ولدٍ أو ولدِ ابنٍ وإن نَزَلَ الرُّبعُ.
وللزوجةِ فأكثر نِصْفُ حالَيْهِ فيهما.
ولكلٍّ من الأبِ والجَدِّ السُدسُ بالفرضِ مع ذكورِ الولدِ أو ولدِ الابنِ، ويَرِثانِ بالتَّعْصيبِ مع عدمِ الولدِ وولدِ الابنِ، وبالفَرْضِ والتعصيب مع إناثِهما.
فصـل
والجَدُّ لأبٍ -وإنْ عَلاَ- مع ولدِ أبوينِ أو أبٍ كأخٍ منهم(*)، فإن نَقَصتْهُ المُقاسَمَةُ عن ثلثِ المال أُعْطِيَهُ، ومع ذِي فرضٍ بعده الأَحَظُّ من المُقَاسَمَةِ أو ثُلثُ ما بَقِيَ، أو سُدسُ الكُلِّ، فإن لم يَبْقَ سوى السدسِ أُعطيهُ وسَقَطَ الإخوةُ إلا في الأَكْدَرِيَّةِ، ولا يَعُولُ ولا يُفْرَضُ لأختٍ معه إلا بها، وولدُ الأبِ إذا انفردوا معه كولدِ الأبَوَينِ، فإن اجتَمعُوا فقاسَمُوه أَخذَ عَصَبةُ ولدِ الأبوينِ ما بِيَدِ ولدِ الأبِ وأُنثاهُم تَمَامُ فرضِها، وما بَقِيَ لولدِ الأبِ.
فصـل
وللأُمِ السدسُ مع وجودِ ولدٍ أو ولدِ ابنٍ أو اثنينِ من إخوةٍ وأخواتٍ. والثلثُ مع عَدمِهم، والسدسُ مع زوجٍ وأبوينِ، والربعُ مع زوجةٍ وأبوينِ، وللأبِ مِثْلاهُما.
فصــــل
ترثُ أمُّ الأمِّ، وأمُّ الأبِ، وأمُّ أب الأبِ، وإن عَلَوْنَ أُمومةً السدس، فإنْ تَحاذَيْنَ فبينهنَّ، ومن قَرُبَتْ فلها وحدَها. وترثُ أمُّ الأبِ والجَدِّ معهُما كَمَعَ العمِّ، وترثُ الجدُة بِقَرابَتَيْنِ ثُلُثَيْ السدسِ، فلو تزوجَ بنتَ خالتهِ، فَجَدَّتُه أمُّ أُمِّ أُمِّ ولدهِما، وأمُّ أُمِّ أبيه، وإن تزوج بنت عمتِه، فجدتُّه أمُّ أمِّ أُمِّه وأمُّ أبي أبيه.
فصـــل
والنصفُ فرضُ بنتٍ وحدَها، ثم لبنتِ ابنٍ وحدَها، ثم لأُختٍ لأبوينٍ أو لأبٍ وحدَها.
والثُّلثانِ لِثنتَيْنِ من الجميعِ فأكَثَر، إذا لم يُعَصَّبْنَ بِذَكَرٍ.
والسدسُ لبنتِ ابنٍ فأكثرَ مع بنتٍ، ولأختٍ فأكثر لأبٍ مع أخت لأبوينِ، مع عـدم معَصِّبٍ فيهما، فإن استكمـلَ البناتُ الثلثينِ، أو همـا، سقطَ مَن دُونَهنَّ، إذا لم يُعصِّبْهنَّ ذَكَرٌ بإزائِهنَّ أو أَنْزل منهنَّ، وكذا الأخواتُ من الأبِ مع أخواتٍ لأبوينِ إن لم يعصِّبْهُنَّ أخوهُنَّ، والأختُ فأكثرُ ترثُ بالتعصيبِ ما فَضَلَ عن فرضِ البنتِ فَأَزْيد وللذَّكَرِ أو الأُنْثَى من ولدِ الأمِّ السدسُ، ولاثنينِ فَأَزْيد الثلثُ بينهم بالسويَّةِ.
فصـل في الحَجْـب
تسقطُ الأجدادُ بالأبِ، والأبعدُ بالأقربِ، والجَدَّاتُ بالأمِ، وولدُ الابنِ بالابنِ، وولدُ الأبوينِ بابنٍ وابنِ ابنٍ وأبٍ، وولدُ الأبِ بهم وبالأخِ لأبوينِ، وولدُ الأمِ بالولدِ وبولدِ الابنِ وبالأبِ وأبيه، ويسقطُ به كلُّ ابنِ أخٍ وعَمٍّ.
باب العَصَبَات
وهم: كلُّ مَنْ لو انفردَ لأَخَذَ المالَ بجهةٍ واحدةٍ، ومع ذي فرضٍ يأخذُ ما بَقِي.
فأقربُهم ابنٌ، فابنُه وإنْ نَزَلَ، ثم الأبُ، ثم الجَدُّ وإنْ عَلاَ، مع عدمِ أخٍ لأبوينِ أو لأبٍ، ثم هُما، ثم بَنُوهُمَا أبداً، ثم عَمٌّ لأبوينِ، ثم عم لأبٍ، ثم بنوهُما كذلك، ثم أعمامُ أبيه لأبوينِ، ثم لأبٍ، ثم بَنُوهُمْ كذلك، ثم أعمامُ جَدِّهِ، ثم بنوهُم كذلك، لا يرثُ بنو أبٍ أَعْلَى مع بني أبٍ أقرب وإن نَزَلُوا، فأخٌ لأبٍ أَوْلَى من عمٍّ وابنِه وابن أخٍ لأبوينِ، وهو أو ابنُ أخٍ لأبٍ أَوْلَى من ابنِ ابنِ أخٍ لأبوينِ، ومع الاستواءٍ يُقَدَّمُ مَنْ لأبوينِ، فإنْ عَدِمَ عصبةَ النسبِ وَرِثَ المُعْتِقُ ثم عَصَبتُه.
فصـل
يرثُ الابنُ وابنُه، والأخُ لأبوينِ ولأبٍ مع أختِه مِثْلَيْها، وكلُّ عصبةٍ غيرهم لا ترثُ أختُه معه شيئاً، وابنا عمٍ أحدُهما أخٌ لأُمٍّ أو زوجٌ لـه فَرْضُه والباقي لهما.
ويُبْدَأُ بالفروضِ وما بَقِيَ للعصبةِ، ويَسْقطونَ في الحِمَارِيَّةِ.
بـاب أُصُـولِ الـمَسَائـلِ
الفروضُ ستةٌ: نِصفٌ، ورُبعٌ، وثمنٌ، وثُلثانِ، وثُلثٌ، وسُدسٌ.
والأصولُ سبعةٌ: فَنِصفانِ أو نِصْفٌ وما بقي من اثنينِ، وثُلثانِ أو ثلثٌ وما بَقِيَ، أَوْ هُما من ثلاثةٍ، ورُبعٌ أو ثُمنٌ وما بقي، أو مع النِّصفِ مِنْ أربعةٍ، ومِنْ ثمانيةٍ، فهذه أربعةٌ لا تَعُولُ، والنِّصفُ مع الثُلثينِ أو الثلثِ أو السدسِ أو هو وما بقي مِنْ ستةٍ، وتَعُولُ إلى عشرةٍ شَفْعاً ووِتْراً.
والربعُ مع الثلثينِ أو الثلثِ، أو المُناسخات لها ثلاثةُ أحوال(*)، أو السُّدُسِ من اثْنَيْ عَشَرَ، وتَعُولُ إلى سَبْعَـةَ عَشَرَ وِتْراً، والثُمنُ مع سُدسٍ أو ثُلثينِ مِنْ(*) أربعةٍ وعشرينَ، وتعول إلى سبعةٍ وعشرينَ، وإنْ بَقِىَ بعد الفـروضِ شيءٌ [و] لا عَصَبَةَ رُدَّ على كُلِّ فرضٍ بقَدرِه، غير الزوجينِ.
بـاب التصحيح والمناسخات وقسمة التركات
إذا انكسرَ سهمُ فريقٍ عليهم ضَرَبْتَ عَدَدَهمْ إن باينَ سِهامَهُمْ، أَوْ وَفْقُه إنْ وَافَقَهُ بجُزْءٍ كثلثٍ ونحوِه في أَصْلِ المسألةِ وعَوْلِها إن عالتْ، فما بلغ صَحَّتَ منه، ويصيرُ للواحدِ ما كان لجماعتِه أوْ وَفْقَهُ.
فصـــل
إذا مات شخصٌ ولم تُقْسَمْ تَرِكَتُه حتى ماتَ بعضُ ورثتِه، فإنْ ورِثُوه كالأولِ كإخوةٍ، فاقسِمْها على من بَقِيَ.
وإن كان ورثةُ كلَّ ميتٍ لا يَرثونَ غيَره: كإخوةٍ لهم بنونَ فَصَحِّحِ الأُولى واقْسِمْ سَهْمَ كُلِّ ميتٍ على مسألتِه، وصَحِّحِ المُنكسِرِ كما سبقَ.
وإن لم يَرثُوا الثاني كالأولِ صَحَّحْتَ الأُولى، وقَسَمْتَ أَسْهُمَ الثاني على ورثتِه، فإن انقسمتْ صَحَّتا من أصْلِها، وإن لم تَنْقَسِمْ ضَرَبْتَ كُلَّ الثانيةِ أو وَفْقَهَا للسِّهامِ في الأُولى، ومَنْ لـه شيءٌ فاضرِبْه فيما ضربْتَه فيها، ومَنْ لـه من الثانيةِ شيءٌ فاضرِبْه فيما تركهُ الميتُ، أو وَفَقَهُ فهو لـه، وتَعملُ في الثالثِ فأكثرَ عَمَلَكَ في الثاني مع الأَولِ.
فصـل
إذا أمكنَ نسبةُ سهمِ كُلِّ وارثٍ من المسألةِ بجُزءٍ فله من التَّرِكَةِ كنِسْبَتِهِ.
بـاب ذوي الأرحـام
يرثونَ بالتنزيلِ: الذكرُ والأُنثى سواءً، فوَلَدُ البناتِ ووَلَدُ بناتِ البنينَ ووَلَدُ الأخواتِ كأمهاتِهمْ، وبناتُ الإخوةِ والأعمامِ لأبوينِ أو لأبٍ وبناتُ بَنيهِمْ ووَلَدُ الإِخوةِ لأمٍ كآبائِهمِ، والأخوالُ والخالاتُ وأبو الأمِّ كالأمِّ، والعمَّاتُ والعمُّ لأمٍّ كالأبِ.
وكلُّ جَدَّةٍ أدْلَتْ بأبٍ بين أُمَّينِ هي إحداهُما: كأمِّ أبي أمٍّ، أو بأبٍ أعلى من الجَدِّ كأُمِّ أبي الجَدِّ(*)، وأبو أُمِّ أبٍ وأبو أُمِّ أُمٍّ وأخواهُما وأُختاهُما بمنزلتِهم، فيُجْعَلُ حَقُّ كلِّ وارثٍ لمن أَدْلَى به.
فإن أَدْلَى جماعةٌ بوارثٍ واستوتْ منزلتُهم منه بلا سَبْقٍ: كأولاده فنصيبُه لهم، فابنٌ وبنتٌ لأُختٍ مع بنتٍ لأُختٍ أُخرى، لهذه حقُّ أُمِّها وللأُولَيَيْن حقُّ أُمِّهِمَا، وإن اختلفتْ منازلِهُمْ منه جَعَلْتَهُمْ (معه) كمَيِّتٍ اقتسمُوا إِرْثَهُ، فإنْ خَلَّفَ ثلاثَ خالاتٍ متفرقاتٍ وثلاثَ عَمَّاتٍ متفرقاتٍ فالثلثُ للخالاتِ أخماساً، والثُلثانِ للعمَّاتِ أخماساً، وتصح من خمسةَ عَشَرَ، وفي ثلاثةِ أخوالٍ مُتفرِّقينَ، لِذِي الأُمِّ السدسُ والباقي لذي الأبوينِ، فإن كان معهم أبو أُمِّ أَسْقطَهم، وفي ثلاثِ بناتِ عُمومةٍ متفرقينَ المالُ للتي للأبوينِ.
وإن أَدْلَى جماعةٌ بجماعةٍ قَسَمْتَ المالَ بين المُدْلَى بهم، فما صارَ لكلِّ واحدٍ أَخذَه المُدْلِي به، وإن سقطَ بعضُهم ببعضٍ عملتَ به، والجهاتُ: أُبُوَّةٌ، وأُمُومَةٌ، وبُنُوَّةٌ.
بـاب ميراث الحمل والخنثى المشكل
مـن خَلَّفَ ورثةً فيهم حَمْلٌ فَطَلبُوا القِسْمةَ وُقِفَ للحَمْلِ الأكثرُ مِنْ إرثِ ذَكرَينِ أو أُنثيينِ، فإذا وُلِدَ أَخَذَ حقَّه وما بَقِيَ فهو لـمُسْتَحِقِّهِ، ومن لا يَحْجُبُه يأخذُ إِرْثَه كالجَدَّةِ، ومَنْ يَنْقُصُه شيئاً اليَقِيْن، ومن سَقَطَ به لم يُعْطَ شيئاً.
ويرثُ ويورَثُ إن استَهَلَّ صارخاً أو عَطَسَ أو بَكَى أو رَضَعَ أو تنفَّسَ وطالَ زمنُ التنفُّسِ، أو وُجِدَ دليلٌ على حياتِه غير حركةٍ واخْتِلاجٍ، وإن ظَهَرَ بعضُه فاسْتَهَلَّ ثم ماتَ وخَرَجَ لم يَرِثْ، وإن جُهِلَ المُسْتَهِلُّ من التَّوْأَمَيْنِ واخْتَلَفَ إِرْثُهما يُعَيَّنُ بِقُرْعَة.
والخُنثَى المُشْكِلُ يَرِثُ نصفَ ميراثِ ذكرٍ ونصفَ ميراثِ أُنثى.
بـاب ميراث المفقـود
من خَفِىَ خبُره بِأَسْرٍ أو سفرٍ غالبُه السلامةُ كتجارةٍ انْتُظِرَ به تمامَ تسعينَ سنةً منذ وُلد(*).
وإن كان غالبَه الهلاكُ، كمن غَرِقَ في مركبٍ فَسَلِمَ قومٌ دونَ قوم، أو فُقِدَ من بينِ أهلِه في مَفَازَةٍ مُهْلِكَةٍ انتظر به تمام أربعِ سنينَ منذ فُقِدَ، ثم يُقْسَمُ مالُه فيهما.
فإن ماتَ مُورِّثُه في مدةِ التربُّصِ أخذَ كلُّ وارثٍ إذاً اليقينَ وَوُقِفَ ما بَقِيَ، فإنْ قَدِمَ أخذَ نصيبَه، وإن لم يأتِ فحُكْمُه حُكْمُ مَالِهِ، ولباقي الورثةِ أن يَصْطَلِحُوا على ما زادَ عن حقِّ المفقودِ فيقتسموهُ.
بـاب ميراث الغـرقى
إذا ماتَ متوارثانِ كأَخَوْينِ لأبٍ بِهَدْمٍ، أو غَرَقٍ أو غُرْبَةٍ، أو نَارٍ، وجُهِلَ السابقُ بالموتِ، ولم يَخْتلفُوا فيه، وَرِثَ كلُّ واحدٍ من الآخَرِ من تِلادِ مالِه(*)، دونَ ما وَرِثَه منه دفعاً للدَّوْرِ.
بـاب ميراثِ أَهْـلِ الـمِـلَلِ
لا يرثُ المسلمُ الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ إلا بالولاءِ(*)، ويتوارثُ الحَرْبِيُّ والذِّمِّيُّ والمُسْتَأْمَنُ، وأهلُ الذمةِ يرثُ بعضُهم بعضاً مع اتفاقِ أديانِهم، لا مَعَ اختلافِها، وهم مِللٌ شَتَّى، والمرتَدُّ لا يرثُ أحداً، وإن ماتَ على رِدَّتِهِ فمالُه فَيءٌ.
ويرثُ المَجُوسِيُّ بِقَرابَتَيْنِ إن أَسْلموا أو تَحاكَمُوا إلينا قبلَ إسلامِهم، وكذا حكمُ المسلمِ يَطَأُ ذاتَ رَحِمٍ مَحَرَّمٍ منه بِشُبْهَةٍ، ولا إِرْثَ بنكاحِ ذاتِ رَحِمٍ مَحَرَّمٍ، ولا بِعَقْدٍ لا يُقَرُّ عليه لو أسلمَ.
بـاب ميراث المطلقـة
مَنْ أَبَانَ زوجتَه في صِحَّتِهِ أو مرضِه غيرِ المَخُوفِ وماتَ به، أو المَخُوفِ ولم يَمُتْ به لم يَتَوارثا، بل في طَلاقٍ رَجْعِيٍّ لم تَنْقَضِ عِدَّتُه.
وإن أَبانَها في مرضِ موتِه المخوفِ مُتَّهماً بقَصْدِ حِرْمانِها، أو عَلَّقَ إِبانتَها في صحتِه على مرضِهِ، أو على فِعْلٍ لـه فَفَعَلَهُ في مرضِه ونحوِه لم يَرِثْها. وتَرِثُه في العِدَّةِ وبعدَها ما لم تتزوجْ أو تَرْتَدَّ.
بـاب الإِقْرارِ بُمشَارِكٍ في الميـراث
إذا أَقرَّ كلُّ الورثةِ ولو أنَّه واحدٌ بوارثٍ للميتِ وصُدِّقَ، أو كان صغيراً أو مجنوناً والمُقَرُّ به مجهولُ النسبِ ثَبَتَ نسبُه وإرْثُهُ.
وإن أَقَرَّ أحدُ ابْنَيْهِ بأخٍ مثله فله ثلثُ ما بيدِه، وإن أَقَرَّ بأختٍ فلها خُمُسهُ.
بـاب ميراثِ القاتلِ والمُبَعَّضِ والوَلاءِ
من انفرد بقتلِ مُورِّثِه أو شاركَ فيه مباشرةً أو سبباً بلا حقٍّ لم يرثْه إن لَزِمَه قَوَدٌ أو دِيَةٌ أو كَفَّارَةٌ، والمُكلَّفُ وغيرُه سواء.
وإن قُتِلَ بِحَقٍّ قَوَداً أو حَدّاً أو كُفْراً أو بِبَغْيٍ أو صِيَالَةٍ أو حِرَابَةٍ، أوشهادةِ وارثِه، أو قَتَلَ العادلُ الباغِيَ وعكسُه وَرِثَه.
ولا يَرِثُ الرَّقيقُ ولا يُوَرَّثُ، ويَرِثُ مَنْ بعضُه حُرٌّ ويُورَثُ، ويُحْجَبُ بِقَدْرِ ما فيه من الحُريةِ، ومن أَعْتَقَ عبداً فله عليه الولاءُ، وإن اخْتَلَفَ دِيْنُهما.
ولا يَرِثُ النساءُ بـالولاء إلا مـن أعتقن أو أعتقه مـن أعتقن.
كتـاب العتـق
وهو مِنْ أَفْضَلِ القُرَبِ، ويُستَحَبُّ عِتْقُ من له كَسْبٌ، وعكسُه بعكسِه، ويصحُّ تعليقُ العِتْقِ بموتٍ، وهو التَّدْبيرُ.
بـاب الكتابـة
وهي بَيُع عبدِه نفسَهُ بمالٍ مؤجَّلٍ في ذمتِه، وتسنُّ مع أمانةِ العبدِ وكَسْبِه، وتُكْرَه مع عدمِه.
ويجوز بيعُ المكاتَبِ، ومُشترِيه يقومُ مُقَامَ مكاتِبِهِ، فإن أدَّى (لـه) عَتَقَ، وولاؤُه له، وإن عَجَزَ عاد قِنَّاً.
بـاب أحكام أمهات الأولاد
إذا أَوْلَدَ حُرٌّ أَمَتَهُ، أو أَمَةً لـه ولغيرِه، أو أَمَةَ ولدِه خُلِقَ ولدُه حُرّاً، حيّاً وُلِدَ أو مَيّتاً، وقد تبيَّن فيه خَلْقُ الإنسان- لا مُضْغَةٌ أو جسمٌ بلا تَخْطِيطٍ - صارتْ أم ولدٍ لـه تَعْتِقُ بموتِه مِنْ كلِّ مالِه.
وأحكامُ أُمِّ الولدِ أحكامُ الأَمَةِ من وَطْءٍ وخدمةٍ وإِجارَةٍ ونحوِه، لا في نَقْلِ المُلْكِ في رَقبتِها، ولا بما يُراد لـه، كوَقْفٍ وبيعٍ ورَهْنٍ ونحوِها.
كتـاب النكـاح
وهو سنَّةٌ، وفعلُه مع الشَّهوةِ أفضلُ من نوافلِ العبادات، ويجبُ على من يخافُ الزِّنَا بِتَرْكِه. ويسنُّ نكاحُ واحدةٍ دَيِّنةٍ(*) أجنبيةٍ بِكْرٍ وَلُودٍ بلا أُمٍّ، وله نَظَرُ ما يَظهرُ غالباً مراراً بلا خَلْوةٍ.
ويَحرمُ التصريحُ بخِطْبةِ المُعْتَدَّةِ من وفاةٍ والمُبَانَةِ، دون التَّعْريضِ، ويُباحان لِمَنْ أَبَانَها بدونِ الثلاثِ كَرَجْعِيَّةٍ. ويَحْرُمانِ منها على غيرِ زوجِها. والتَّعْرِيضُ: إنِّي في مِثْلِكِ لراغبٌ، وتُجيبُه ما يُرْغَبُ عنك، فإنْ أجاب وَلِيٌّ مُجْبَرَةً، أو أجابتْ غيرُ المُجْبَرَةِ لمسلمٍ، حَرُمَ على غيرِه خِطْبَتُها، وإن رُدَّ أو أَذِنَ أو جُهِلَت الحالُ جازَ. ويُسَنُّ العَقْدُ يومَ الجُمعةِ مساءً بِخُطْبَةِ ابنِ مسعودٍ.
فصـل
وأركانُه: الزَّوجانِ الخَاليانِ من المَوانعِ، والإيجابُ والقَبُولُ. ولا يصحُّ ممنْ يُحْسِنُ العربيةَ بغيرِ لفظِ زَوَّجتُ وأَنكحتُ، وقبلتُ هذا النكاحَ أو تزوجتُها أو تزوجتُ أو قبلتُ، ومن جَهِلَهمَا لم يَلْزَمْه تَعَلُّمُهما، وكفاه مَعناهُما الخاصُّ بكلِّ لسانٍ، فإن تقدَّم القبولُ لم يصحَّ، وإن تأخَّر عن الإيجابِ صحَّ ما داما في المجلسِ ولم يَتَشاغَلا بما يَقْطَعُهُ، وإن تَفرَّقا قبلَه بَطَلَ.
فصـل
ولـه شروطٌ:
أحدُها - تعيينُ الزوجينِ، فإن أشارَ الوليُّ إلى الزوجةِ أو سمَّاها أو وصفَها بما تتميزُ بـه، أو قال زوجتُك بِنتي وله واحدةٌ لا أكثرُ صحَّ.
فصـل
الثاني: رضاهُما إلا البالغَ المَعْتوهَ والمجنونةَ والصغيرةَ والبِكْرَ ولو مُكَلَّفة(*)ً لا الثَّيِّب، فإنَّ الأبَ ووصِيَّهُ في النكاحِ يُزَوِّجانِهم بغيرِ إذْنِهم، كالسيدِ مع إمائِه(*) وعَبْدِه الصغيرِ، ولا يُزَوِّجُ باقي الأولياءِ صغيرةً دونَ تِسْعٍ؛ ولا صغيراً ولا كبيرةً عاقلةً، ولا بـنتَ تسـعٍ إلا بإذنِهما، وهو صُمَاتُ البِكْرِ ونُطْقُ الثَّيِّبِ.
فصـل
الثالث: الوليُّ، وشروطُه: التكليفُ، والذُّكُوريةُ، والحريَّةُ، والرُّشْدُ في العَقْدِ، واتفاقُ الدِّين ِسوى ما يُذكَرُ، والعدالةُ(*)، فلا تزوِّجُ امرأةٌ نفسَها ولا غيَرها.
ويُقَدَّمُ أبو المرأةِ في إنكاحِها، ثم وَصِيُّهُ فيه، ثم جَدُّها لأبٍ وإن عَلا، ثم ابنُها، ثم بَنُوه وإن نَزَلُوا، ثم أَخُوها لأبوينِ، ثم لأبٍ، ثم بَنُوهما كذلك، ثم عَمُّها لأبوينِ ثم لأبٍ، ثم بنوهُما كذلك، ثم أَقْرَبُ عَصَبةٍ بنَسَبٍ كالإرثِ، ثم المَوْلَى المُنعِمُ، ثم أقربُ عَصَبَتِهِ نَسَبَاً، ثم وَلاءٌ، ثم السُّلطانُ.
فإن عَضَلَ الأقربُ(*)، أو لم يكن أهلاً، أو غاب غَيْبَةً منقطعةً لا تُقطَعُ إلا بكُلْفةٍ ومَشقَّةٍ زَوَّجَ الأبعدُ، وإن زوَّجَ الأبعدُ أو أجنبيٌّ من غيرِ عُذرٍ لم يصحَّ.
فصــل
الرابع: الشهادةُ، فلا يصحُّ إلا بشاهدَيْنِ عَدْلَيْنِ ذَكَرَيْنِ مُكَلَّفَينِ سَمِيعَيْنِ ناطِقَيْنِ.
وليست الكفاءةُ، وهي: دِينٌ ومَنْصِبٌ - وهو النَّسَبُ والحُريَّةُ - شرطاً في صحتِه، فلو زَوَّجَ الأبُ عفيفةً بفاجرٍ، أو عربيةً بعجميٍ، فَلِمَنْ لَمْ يَرْضَ من المرأةِ أو الأولياءِ الفَسْخ(*)ُ.
بـاب المحرمات في النكـاح
تحرمُ أبداً الأمُّ، وكلُّ جَدَّةٍ وإن عَلَتْ، والبنتُ وبنتُ الابنِ وبِنتاهُما من حَلالٍ وحَرامٍ وإن سَفَلَتْ، وكلُّ أختٍ وبنتُها وبنتُ ابنِها وبنتُ ابنتِها، وبنتُ كلِّ أخٍ وبنتُها وبنتُ ابنِه وبنتُها وإن سَفَلَتْ، وكلُّ عَمَّةٍ وخالةٍ وإن عَلَتَا، والمُلاعَنَةُ على المُلاعِنِ.
ويَحْرُمُ بالرَّضاعِ ما يَحْرُمُ بالنَّسَبِ، إلا أُمَّ أختِه وأختَ ابنِه(*).
ويَحرُمُ بالعَقْدِ زوجةُ أبيهِ وكُلِّ جَدٍّ، وزوجةُ ابنِه وإن نَزَل، دون بناتِهنَّ وأُمهاتِهنَّ، وتَحرمُ أمُّ زوجتِه وجَدَّاتُها بالعَقْدِ، وبنتُها وبناتُ أولادِها بالدُّخولِ، فإن بانَتِ الزوجةُ أو ماتتْ بعدَ الخلوةِ أُبِحْنَ.
فصـل
وتحرمُ إلى أَمَدٍ أختُ مُعْتَدَّتِهِ، وأختُ زوجتِه وبنتاهُما وعَمَّتاهُما وخالتاهُما، فإن طُلِّقَتْ وفَرَغَتِ العِدَّةُ أُبِحْنَ. فإن تَزوَّجَهُما في عَقْدٍ أو عَقْدينِ معاً بَطَلا، فإن تأخَّرَ أحدُهما، أو وَقَعَ في عِدَّةِ الأُخرَى وهي بائنٌ أو رجعيةٌ بَطَلَ.
وتَحْرُمُ المُعتَدَّةُ والمُستبَرَأةُ من غيرِه، والزانيةُ حتى تتوبَ وتنقضِي عِدَّتُها ومُطَلّقتُه ثلاثاً حتى يَطَأَها زوجٌ غَيْرُهُ، والمُحْرِمَةُ حتى تَحِلَّ.
ولا يَنْكِحُ كافرٌ مسلمةً، ولا مسلمٌ ولو عبداً كافرةً إلا حُرَّةً ًكتابية، ولا يَنْكِحُ حرٌ أمةً مسلمـةً، إلا أن يَخـافَ عَنَـتَ العُزُوبةِ لحـاجةِ المُتْعَةِ أو الخِدْمةِ، ويَعْجِزُ عن طَوْلِ حُرَّةٍ أو ثمنِ أمَةٍ، ولا ينكح عبدٌ سَيِّدَتَهُ ولا سَيِّـدٌ أَمَتَهُ، وللحُرِّ نكاحُ أمةِ أبيهِ دون أَمَةِ ابنِهِ، وليس للحُرَّةِ نكاحُ عبدِ ولدِها.
وإن اشترى أحدُ الزوجينِ أو ولدُه الحرُّ أو مُكاتَبُه الزوجَ الآخَرَ أو بَعْضَه انفسخَ نِكاحُهما.
ومن حَرُمَ وَطْؤُها بعَقْدٍ حَرُمَ بمِلْكِ يمينٍ إلاَّ أَمَةً كِتابيَّةً، ومن جَمَعَ بين مُحَلَّلَةٍ ومُحَرَّمَةٍ في عَقْدٍ صَحَّ فيمن تَحِلُّ.
ولا يحلُّ نكاحُ خُنْثَى مُشكِلٍ قَبْلَ تَبَيُّنِ أَمْرِه.
بـاب الشُّروطِ والعُيوبِ في النكاح
إذا شَرَطَتْ طلاقَ ضَرَّتِها(*)، أو لا يَتَسَرَّى ولا يتزوجَ عليها، ولا يُخرِجُها من دارِها أو بلدِها، أو شَرَطَتْ نقداً مُعيَّناً أو زيادةً في مَهْرِها صحَّ، فإن خالفَهُ فلها الفَسْخُ.
وإذا زَوَّجَهُ وَلِيَّتَهُ على أن يُزوجَه الآخَرُ وَلِيَّتَهُ فَفَعَلا ولا مَهْرَ بَطَلَ النِّكاحانِ، فإن سُمِّيَ لهما مَهْرٌ صَحَّ.
وإن تزوجَها بشَرْطِ أنه متى حَلَّلَها للأولِ طَلَّقها، أو نَواهُ بلا شَرْطٍ(*)، أو قال: زَوَّجْتُكَ إذا جاء رأسُ الشهرِ، أو إن رَضِيَتْ أمُّها، أو جاءَ غَدٌ فَطَلِّقْها، أو وَقَّته بمدةٍ بَطَلَ(*) الكُلُّ.
فصــل
وإن شَرَطَ أن لا مَهْرَ لها أو لا نَفَقَةَ لها، أو أن يَقْسِمَ لها أَقَلَّ من ضَرَّتِها أو أكثرَ، أو شَرطَ فيه خِياراً، أو جاء بالمَهْرٍ في وقتِ كذا وإلا فلا نكاحَ بينهُما، بَطَلَ الشرطُ وصحَّ النكاحُ(*). وإن شَرَطَهَا مسلمةً فَبَانتْ كِتَابيةً، أو شَرَطَها بِكْراً أو جميلةً نَسِيبَةً أو نَفْيَ عَيْبٍ لا ينفَسِخُ [به] النكاحُ فبانَتْ بخلافِه فله الفَسْخُ، وإن عَتَقَتْ تحتَ حُرٍّ فلا خِيَارَ لها، بل تحتَ عَبْدٍ.
فصــل
ومن وَجَدَتْ زوجَها مَجْبُوباً أو بَقِيَ لـه ما لا يَطَأُ به فلها الفَسْخُ، وإن ثَبَتَتْ عِنَّتُهُ بإقرارٍه أو ببينةٍ على إقرارٍ أُجِّلَ سَنَةً منذُ تَحاكُمِه، فإن وَطِئَ فيها وإلا فلها الفَسْخُ، وإن اعترفتْ أنه وَطِئَها فليس بِعِنِّينٍ(*)، ولو قالتْ في وقتٍ: رضيتُ به عِنِّيناً سَقَطَ خيارُها أبداً(*).
فصــل
والرَّتَقُ والقَرَنُ والعَفَلُ والفَتْقُ واستطلاقُ بولٍ، وبَخَرٌ وقروحٌ سَيَّالةٌ في فَرْجٍ، وباسورٌ وناسورٌ وخصاءٌ وسِلٌّ ووِجَاءٌ، وكونُ أحدهما خُنْثَى واضحاً، وجنونٌ ولو ساعةً، وبَرَصٌ وجُذامٌ، يَثْبُتُ لكل واحدٍ منهما الفَسْخُ، ولو حَدَثَ بعد العَقْدِ أو كان بالآخَرِ عَيْبٌ مِثْلُه، ومن رَضِيَ بالعَيْبِ أو وُجِدَتْ منه دلالتُه مع عِلْمِهِ فلا خِيَارَ لـه(*).
ولا يَتِمُّ فَسْخُ أحدِهما إلا بحاكمٍ، فإن كان قبلَ الدُّخولِ فلا مَهْرَ، وبعدُه لها المُسَمَّى يَرْجِعُ به على الغَارِّ إن وُجِدَ.
والصغيرةُ والمجنونةُ والأمةُ لا تُزَوَّجُ واحدةٌ منهنَّ بمَعِيْبٍ، فإن رَضِيَتْ الكبيرةُ مَجْبوباً أو عِنِّينـاً لـم تُمْنَعْ، بـل من مَـجْذومٍ ومجنونٍ وأبرصَ(*)، ومـتى عَلِمَتِ العَيْبَ أو حَدَثَ به لم يُجْبِـرْها وليُّها على فَسْخِهِ.
بـاب نكاحِ الـكُفَّار
حُكْمُه كـنكاحِ المسلمينَ، ويُقَرُّون عـلى فاسِدِه إذا اعتقَدُوا صِحَّتَه في شَرْعِهم ولم يَرْتَفِعُوا إلينا، فإن أَتَوْنَا قبلَ عَقْدِه عَقَدْناهُ على حُكْمِنَا، وإن أَتَوْنَا بعدَه أو أَسْلَمَ الزوجانِ والمرأةُ تُبَاحُ إذاً أُقِرَّا، وإن كانتْ مِمَّنْ لا يجوزُ ابتداءُ نكاحِها فُرِّقَ بينَهما.
وإن وَطِئَ حربيٌّ حَرْبيةً فَأَسْلما وقد اعتقداه نكاحاً أُقِرَّا، وإلا فُسِخَ ومتى كان المَهْرُ صحيحاً أَخَذَتْهُ، وإن كان فاسداً وقَبَضَتْهُ اسْتَقَرَّ، وإن لم تَقْبِضْهُ ولم يُسَمَّ فُرِضَ لها مَهْرُ المِثْلِ.
فصـــــل
وإن أَسْلَمَ الزوجانِ معاً، أو زوجُ كتابيةٍ بَقِيَ نكاحُهما، فإن أسلمتْ هي أو أحدُ الزوجينِ غيرِ الكتابِيَّيْنِ قبلَ الدُّخولِ بَطَلَ، فإن سَبَقَتْهُ فلا مَهْرَ، وإن سَبَقَهَا فلها نصفُه.
وإن أسلمَ أحدُهما بعد الدخولِ وقفَ الأمرُ على انقضاءِ العِدَّةِ، فإن أسلمَ الآخَرُ فيها دَامَ النكاحُ، وإلا بان فَسْخُهُ منذ أسلمَ الأولُ.
وإن كَفَرَا أو أحدُهما بعد الدخولِ وَقَفَ الأمرُ على انقضاءِ العِدَّةِ، وقبلَه بَطَلَ.
بـاب الصَّـدَاق
يُسَنُّ تَخْفِيْفُهُ، وتَسميتُه في العَقْدِ من أربعمائةِ درهمٍ إلى خمسمائةٍ، وكلُّ ما صحَّ ثَمَناً (أو أُجرةً) صحَّ مَهْراً وإن قَلَّ.
وإن أَصْدَقَها تعليمَ القرآنِ لم يصحَّ(*)، بل فقهٌ وأدبٌ وشِعْرٌ ٌمباح معلوم، وإن أَصْدَقَها طَلاقَ ضَرَّتِها لم يصحَّ، ولها مَهْرُ مِثْلِها، ومتى بَطَلَ المُسَمَّى وَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ.
فصـــل
وإن أَصْدَقَها أَلْفاً إن كان أبوها حَيّاً، وألفينِ إن كان ميتاً وَجَبَ مهرُ المِثْلِ(*)، وعلى: إن كان لي زوجةٌ بألفينِ، أو لم تكن بألفٍ يصحُّ بالمُسَمَّى. وإذا أُجَّلَ الصَّداقَ أو بعضُهُ صحَّ، فإن عَيَّنَ أَجَلاً وإلا فمحلُّه الفُرْقَةُ. وإن أَصْدَقَها مالاً مغصوباً أو خِنْزيراً ونحوَه وجبَ مَهْرُ المِثْل، وإن وجَدَتِ المُبَاحَ مَعِيباً خُيِّرَتْ بين أَرْشِهِ وقيمتِه، وإن تزوجَها على ألفٍ لها وألفٍ لأبيها صحَّتْ التسميةُ، فلو طَلَّقَ قبلَ الدخولِ وبعدَ القَبْضِ رَجَعَ بالألفِ ولا شيءَ على الأبِ لهما، ولو شُرِطَ ذلك لغيرِ الأبِ فكلُّ المُسَمَّى لها. ومن زَوَّجَ بِنْتَه ولو ثَيِّباً بدون مَهْرٍ مِثْلِها صحَّ وإن كَرِهَتْ، وإن زَوَّجَها به وليٌّ غيرُِه بإذنِها صحَّ، وإن لم تَأْذَنْ فَمَهْرُ المِثْلِ، وإن زَوَّجَ ابنَه الصغيرَ بمَهْرِ المِثْلِ أو أكثرَ صحَّ في ذِمَّةِ الزوجِ، وإن كان مُعْسِراً لم يَضْمَنْه الأبُ.
فصــل
وتَمْلِكُ المرأةُ صَدَاقَها بالعَقْدِ، ولها نَمَاءُ المُعَيَّنِ قبلَ قَبْضِهِ، وضِدُّه بضِدِّه، وإن تَلِفَ فَمِنْ ضَمَانِها، إلا أن يَمْنَعَها زوجُها قَبْضَهُ فَيَضْمَنُ، فلها التَصَرُّفُ فيه وعليها زَكاتُه.
وإن طَلَّقَ قبلَ الدخولِ أو الخلوةِ فله نصفُه حُكْماً، دون نَمائِه المُنْفَصِل، وفي الـمُتَّصِلِ لـه نصفُ قيمتِه بدون نَمائِه.
وإن اختلفَ الزوجانِ أو وَرَثَتُهما في قَدرِ الصَّدَاقِ أو عَيْنِهِ، أو فيما يستقرُّ به فقولُه، وقولُها في قَبْضِهِ.
فصــل
يصحُّ تفويضُ البُضْعِ: بأن يزوجَ الرجلُ ابنتَه المُجْبَرَةَ، أو تَأْذَنَ امرأةٌ لِوَلِيِّها أن يُزوجَهَا بلا مَهْرٍ.
وتَفْويض ُالمَهْرِ: بأن يتزوجَها على ما يشاء أحدُهما أو أجنبيٌّ، فلها مَهْرُ المِثْلِ بالعَقْدِ، ويفرضُه الحاكمُ بقدرِه بطلبِها، وإن تَراضَيَا قبلَه على شيءٍ جازَ، ويصحُّ إبراؤها من مَهْرُ المِثْلِ قبلَ فَرْضِه.
ومن مات منهما قبلَ الإصابةِ والفَرْضِ وَرِثَه الآخَرُ، ولها مَهْرُ نسائِها.
وإن طَلَّقَها قبلَ الدخولِ فلها المتعةُ بقدرِ يُسْرِ زوجِها وعُسْرِه، ويَستقرُّ مَهْرُ المِثْلِ بالدُّخولِ، وإن طَلَّقها بعده فلا مُتْعَةَ(*)، وإذا افْتَرَقَا في الفاسدِ قبل الدخولِ والخَلْوِة فلا مَهْرَ، وبعد أحدِهما يجب المُسَمَّى.
ويجبُ مَهْرُ المِثْلِ لمن وُطِئَتْ بشُبْهَةٍ أو زناً كُرْهاً، ولا يجب معه أَرْشُ بَكَارَةٍ.
وللمرأةِ مَنْعُ نَفْسِها حـتى تَقْبِضَ صَدَاقَها الحـالَّ، فـإن كان مؤجَّلاً
وحَلَّ قبلَ التسليمِ أو سَلَّمَتْ نَفْسَها تَبَرُّعاً فليس لها مَنْعٌ(*).
فإن أَعْسَرَ بالمَهْرِ الحالِّ فلها الفَسْخُ ولو بعد الدخولِ، ولا يَفْسَخُه إلا حاكمٌ(*).
بـاب وليمة العـرس
تسنُّ بشاةٍ فأقلَّ، وتجبُ في أولِ مرةٍ إجابةُ(*) مسلمٍ يحرُم هَجرُه إليها، إن عَيَّنه ولم يكن ثَمَّ منكَرٍ، فإن دَعا الجَفَلى، أو في اليومِ الثالثِ، أو دعاه ذِميٌّ كُرهت الإجابةُ، ومَنْ صومُه واجبٌ دعا وانصرفَ، والمتنفِّل يُفطر إن جَبَر، ولا يجبُ الأكلُ، وإباحتُه تتوقفُ على صريحِ إذنٍ أو قرينةٍ. وإن عَلِمَ أن ثَمَّ منكَراً يقدر على تغييرِه حضرَ وغيَّرَهُ ، وإلا أَبى، وإن حَضرَ ثم علم به أزالَه، فإن دام لعجْزِه انصرفَ، وإن علمَ به ولم يَرَه ولم يسمعْه خُيِّر، ويكره النُّثَارُ والتقاطُه، ومن أخذَه أو وقع في حجرهِ فله، ويسنُّ إعلانُ النكاحِ والدُّفُّ فيه للنساء(*).
بـاب عِشْرةِ النسـاء
يَلزمُ الـزوجينِ العِشْرةُ بالمعروفِ، ويَحْرُم مَطْلُ كلِّ واحدٍ بما يَلْزمه للآخرَ والتكرُّه لبَذْلِه. وإذا تم العقدُ لزم تسليمُ الحُرَّةِ التي يوطأ مثلُها في بيتِ الزوجِ إن طلبَه ولم تشترطْ دارَها، وإذا استَمْهَلَ أحدُهما أُمْهِلَ العادةَ وجوباً، لا لعملِ جهازٍ، ويجبُ تسليمُ الأَمَةِ ليلاً فقط، ويباشرُها ما لم يضرَّ [بها] أو يَشغلها عن فرضٍ، وله السفرُ بالُحرةِ، ما لم تَشترطْ ضدَّه. ويحرمُ وَطْؤُها في الحيضِ والدُّبُرِ، ولـه إجبارُها ولو ذِمِّيَّةً على غُسلِ حيضٍ ونجاسةٍ، وأخذِ ما تعافُه النفسُ من شَعرٍ وغيرِه، ولا تُجْبَرُ الذميَّةُ على غُسلِ الجَنَابةِ(*).
فصـــــل
ويَلزمُه أن يبيتَ عند الحرَّةِ ليلةً من أربعٍ، وينفردُ إن أراد في الباقي، ويلزمُه الوَطْءُ إن قَدَرَ كلَّ ثلثِ سنةٍ مَرَّةً(*)، وإن سافرَ فـوقَ نصفِها وطلبتْ قدومَه وقَدَرَ لزمَهُ، فإن أبى أحدُهما فُرِّقَ بينَهما بطلبِهما، وتسنُّ التَّسميةُ عند الوَطْءِ، وقولُ الواردِ. ويكره كثرةُ الكلامِ، والنزعُ قَبْلَ فراغِها، والوَطْءُ بمَرْأى أحدٍ والتحدثُ به. ويحرم جمعُ زوجتيهِ في مسكنٍ واحدٍ بغير رضاهُما، ولـه منعُها من الخروجِ من منزلـِه، ويستحبُّ إذنُه أن تمرِّضَ مَحْرَمَها، وتشهدَ جنازتَه. وله منعُها من إجارةِ نفسِها، ومن رَضاعِ ولدِها من غيرِه إلا لضرورتِه.
فصــــل
وعليه أن يُساوي بين زوجاتِه في القَسْمِ، وعِمادُه الليلُ لمن مَعاشُه نهاراً. والعكسُ بالعكسِ، ويَقسِمُ لحائضٍ ونُفَساءَ ومريضةٍ ومَعيبةٍ(*) ومجنونةٍ مأمونةٍ وغيِرها.
وإن سافرتْ بلا إذنِه أو بإذنِه في حاجتِها أو أَبَتْ السفرَ معه أو المبيتَ عنده في فراشِه فلا قَسْمَ لها ولا نفقةَ.
ومن وهبتْ قَسْمَها لضَرَّتِها بإذنه أَوْ لَهُ فجعلَه لأخرَى جاز، فإن رجعتْ قَسَمَ لها مُستقبَلاً.
ولا قَسْمَ لإمائِه وأمهاتِ أولادِه بل يَطَأ من شاءَ متى شاءَ.
وإن تزوَّج بِكراً أقام عندها سَبْعاً ثم دارَ، وثَيِّباً ثلاثاً، وإن أحبَّتْ سَبْعاً فَعَلَ وقضَى مثلهنَّ للبَواقِي.
فصــل
النُّشوزُ: مَعصيتُها إيَّاُه فيما يجبُ عليها، فإذا ظهرَ منها أماراتُه بأن لا تجيبَ إلى الاستمتاعِ أو تجيبَ مُتبرِّمةً أو مُتكرِّهةً وعَظَها، فإن أصرَّتْ هَجَرها في المَضْجَعِ ما شاءَ(*)، وفي الكلامِ ثلاثةُ أيامٍ، فإن أصرَّتْ ضربَها غيرَ مُبرِّح.
بــاب الخـُلْع
من صحَّ تبرُّعُه من زوجةٍ وأجنبيٍ صح بذلُه لعوضِه، فإذا كرهتْ خُلُقَ زوجِها أو خَلْقَهُ، أو نَقْصَ دينِه، أو خافتْ إثماً بتركِ حقِّه أُبيح الخُلْعُ، وإلا كُره ووَقَع، فإن عَضَلَها ظُلماً للافتداءِ ولم يكنْ لزِنَاها، أو نُشوزِها، أو تركِها فَرْضاً فَفَعلتْ، أو خَالعَتْ الصغيرةُ والمجنونةُ والسفيهةُ والأَمَةُ بغيرِ إذنِ سيِّدها لم يصحَّ الخلعُ ووقع الطَّلاقُ رَجْعياً، إن كان بلفظِ الطلاقِ أو نيتِه.
فصـــــــل
والخلعُ(*) بلفظٍ صريحٍ الطلاقُ أو كنايتُه وقصدُه طلاقُ بائنٍ، وإن وقع بلفظِ الخلعِ أو الفسخِ أو الفداءِ ولم ينوِ طلاقاً كان فسخاً لا يُنقِّص عددَ الطلاقِ.
ولا يقعُ بمعتدَّةٍ من خلعٍ طلاقٌ، ولو واجهَها به، ولا يصح شرطُ الرجعةِ فيه، وإن خالعَها بغير عوَضٍ أو بمحرَّمٍ لم يصحَّ.
ويقع الطلاقُ رجعياً إن كان بلفظِ الطلاقِ أو نيتِه، وما صحَّ مَهْراً صحَّ الخلعُ به، ويُكره بأكثرَ مما أعطاها، وإن خالعتْ حـاملٌ بنفقةِ عِدَّتها صح.
ويصح بالمجهولِ، فإن خالعتْه على حَمْلِ شجرتِها، أو أَمَتِها، أو ما في بيتِها من دارهِم أو متاعٍ، أو على عبدٍ صحَّ، وله مع عدم الحَمْلِ والمتاعِ والعبدِ أقلُّ مسمَّاه، ومع عدمِ الدراهمِ ثلاثةٌ.
فصـــــــل
وإذا قال: متى، أو إذا، أو إن أعطيتِني ألفاً فأنت طالقٌ، طَلُقَت بعطيتِه وإن تراخَى.
وإن قالت: اخلعْني عـلى ألفٍ، أو بألفٍ أو ولك ألفٌ، فَفَعَلَ بانتْ واستحقَّها، وطلِّقْني واحدةً بألفٍ فطلقَها ثلاثاً استحقَّها، وعكسُه بعكسِه، إلا في واحدةٍ بقيَتْ.
وليس للأبِ خلعُ زوجةِ ابنهِ الصغيرِ، ولا طلاقُها(*)، ولا خلعُ ابنتِه الصغيرة بشيءٍ من مالِها.
ولا يُسْقِطُ الخلعُ غيرَه من الحقوقِ، وإن علَّق طلاقَها بصفةٍ ثم أبانَها(*) فوُجِدَتْ ثم نَكَحَها فوُجِدَتْ بعدَه طلُقتْ كعتقٍ، وإلا فلا.
كتـاب الطـلاق(*)
يُباح للحاجةِ، ويُكرَه لعدمِها، ويُستحَبُّ للضرَّرِ، ويجبُ للإيلاء، ويحرمُ للبدعةِ.
ويصح من زوجٍ مكلَّفٍ ومميَّزٍ يَعقلُ، ومن زال عقلُه معذوراً لم يقعْ طلاقُه، وعكسُه الآثِمُ، ومن أُكره (عليه) ظُلْماً بإيلامٍ لـه أو لولدِه، أو أخذِ مالٍ يضرُّه، أو هدَّده بأحدِها قادرٌ يظنُّ إيقاعَه به فطلَّق تبعاً لقولِه لم يَقَعْ. ويقع الطلاقُ في نكاحٍ مُختلَفٍ فيه، ومن الغضبانِ، ووكيلِه كهو، ويُطلِّقُ واحدةً، ومتى شاء، إلا أن يُعيِّنَ لـه وقتاً وعدداً، وامرأتُه كوكيلِه في طلاقِ نفسِها.
فصـــل
إذا طلَّقها مرةً في طُهْرٍ لم يُجامِعْ فيه، وتركَها حتى تنقضيَ عِدَّتُها فهـو سُنَّةٌ، وتَحرُمُ الثلاثُ إذاً، وإن طلَّق مَنْ دخلَ بها في حيـضٍ أو طُهْرٍ وَطِئَ فيه فبدعةٌ يقعُ وتسنُّ رَجعتُها. ولا سُنَّةَ ولا بِدْعةَ لصغيرةٍ وآيسةٍ وغيرِ مدخُولٍ بها، ومن بان حَمْلُها.
وصريحُه لفظُ الطلاقِ وما تصرَّف منه غيرَ أَمْرٍ ومُضَارِعٍ، ومُطَلَّقةٍ اسمَ فاعل، فيقعُ به وإن لم ينوِه، جادٌّ أو هازلٌ، فإن نوى بطالقٍ مِنْ وَثَاقٍ، أو في نكاحٍ سابقٍ منه أو من غيره، أو أراد طاهراً فغلط لم يُقبل حُكماً، ولو سُئل أطلقتَ امرأتَك؟ فقال: نعم وَقَع، أو أَلَكَ امرأةٌ؟ فقال: لا، وأراد الكذبَ فلا.
فصــل
وكناياتُه الظاهرةُ نحو: أنتِ خليَّةٌ، وبَرِيَّةٌ، وبائنٌ، وبَتَّةٌ، وبَتْلَةٌ، وأنتِ حرةٌ، وأنت الحَرَجُ.
والخفيَّةُ نحو: أُخرُجِي، واذهَبِي، وذُوقِي، وتَجَرَّعِي، واعتَدِّي، واسْتَبْرِئِي، واعْتَزِلِي، ولستِ لي بامرأةٍ، والحَقِي بأهلِك، وما أشبهَهُ.
ولا يقع بكنايةٍ ولو ظاهرةً طلاقٌ إلا بنيَّةٍ مقارنةٍ للَّفْظِ، إلا في حالِ خُصومةٍ أو غَضَبٍ أو جوابِ سؤالِها، فلو لم يُرِدْه أو أراد غيرَه في هذه الأحوالِ لم يُقبلْ حُكماً. ويقعُ مع النيةِ بالظاهرةِ ثلاثٌ وإن نوى واحدةً(*)، وبالخفيَّةِ ما نواه.
فصـل
وإن قال: أنتِ عليَّ حرامٌ أو كظهرِ أمِّي فهو ظِهارٌ(*)، ولو نَوَى به الطَّلاقَ، وكذا ما أحلَّ اللهُ عليَّ حرامٌ، وإن قال: ما أحلَّ الله عليَّ حرامٌ، أعني به الطلاقَ طَلُقَتْ ثلاثاً(*)، وإن قال: أعني به طلاقاً فواحدةٌ.
وإن قال: كالميتةِ والدمِ والخنزيرِ وقعَ ما نواهُ من طلاقٍ وظِهَارٍ ويمينٍ، وإن لم يَنْوِ شيئاً فَظِهارٌ، وإن قال: حلفتُ بالطلاقِ وكـذبَ لزمَه حُكماً(*)، وإن
قال: أمرُك بيدِك مَلَكَتْ ًثلاثا، ولو نوى واحدةً(*)، ويتراخَى ما لم يطأْ أو يُطَلِّقْ أو يفسخْ.
وتَخْتصُّ (اختاري نفسَك) بواحدةٍ، وبالمجلسِ المتَّصلِ ما لم يَزِدْها فيهما، فإن رَدَّتْ أو وَطِئَ أو طَلَّقَ أو فسخَ بَطَلَ خيارُها.
بـاب ما يَختلفُ به عددُ الطَّـلاق
يَملكُ مَنْ كلُّه حرٌ أو بعضُه ثلاثاً، والعبدُ اثنتينِ حُرَّةً كانتْ زوجتاهُما أو أَمَةً.
فإذا قال: أنتِ الطَّلاقُ، أو طالقٌ، أو عليَّ، أو يَلزمُني، وقع ثلاثٌ بنيِّتِها وإلا فواحدةٌ، ويقع بلفظِ كُلِّ الطلاقِ أو أكثرِهِ أو عددِ الحَصَى، والريحِ، ونحوَ ذلك ثلاثٌ ولو نوَى واحدةً. وإن طلَّق عُضْواً أو جُزْءاً مُشاعاً أو مُعيَّناً أو مُبهَماً أو قال: نصفَ طلقةٍ، أو جُزءاً من طلقةٍ طَلُقَتْ، وعكسُه الرُّوحُ والسنُّ والشَّعرُ والظِفرُ ونحوُه.
وإذا قال لمدخول بها: أنت طالقٌ وكَرَّره وقع العددُ، إلا أن ينويَ تأكيداً يصحُّ أو إفهاماً، وإن كرَّره بِبَلْ أو بثُمَّ أو بالفاءِ أو قال: بعدَها أو قَبلَها أو معها طلقةٌ وقع ثِنْتانِ، وإن لم يَدخلْ بها بانتْ بالأُولَى ولم يلزَمْه ما بعدَها، والمعلَّق كالـمُنَجَّزِ في هذا.
فصــــل
ويصحُّ استثناءُ النِّصفِ فأقلَّ من عددِ الطَّلاقِ والمُطلَّقاتِ، فإذا قال: أنتِ طالقٌ طَلقتينِ إلا واحدةً، وقعت واحدةٌ، وإن قال: ثلاثاً إلا واحدةً فطلقتانِ، وإن استثنى بقلبِه من عدد المُطلَّقاتِ صحَّ دون الطَّلقاتِ، وإن قال: أربعتُكُنَّ إلا فلانةً طوالقٌ صحَّ الاستثناءُ.
ولا يصحُّ استثناءٌ لم يَتصلْ عادةً، فلو انفصلَ وأمكنَ الكلامُ دونَه بَطَلَ، وشرطُه النيَّةُ قبلَ كمالِ ما استثنى منه.
بـابُ الطَّلاقِ في الـمَاضِي والـمُسْتَقْبَـل(*)
إذا قال: أنتِ طالقٌ أمس أو قبلَ أن أنكِحَكِ، ولم ينوِ وقوعَه في الحالِ لم يقعْ، وإن أراد بطلاقٍ سَبَقَ منه أو من زيدٍ وأمكنَ قُبِلَ، فإن ماتَ أو جُنَّ أو خَرِسَ قبلَ بيانِ مُرادِه لم تَطْلُقْ.
وإن قال: طالقٌ ثلاثاً قبلَ قدومِ زيدٍ بشهرٍ، فَقَدِمَ قبلَ مُضِيِّهِ، لم تطلُقْ، وبعدَ شهرٍ وجُزءٍ تطلُقُ فيه يَقعُ، فإن خالعَها بعد اليمينِ بيومٍ وقدمَ بعد شهرٍ ويومينِ صحَّ الخُلْعُ وبَطَلَ الطلاقُ، وعكسُهما بعد شهرٍ وساعةٍ.
وإن قال: أنتِ طالقٌ قبل موتي، طَلُقَـتْ في الحالِ، وعكسُه معَه أو بعدَه.
فصـــل
وأنت طالقٌ إن طِرْتِ أو صَعِدْتِ السماءَ أو قلبتِ الحجرَ ذهباً ونحوه من المستحيل لم تُطَلَّقْ، وتُطَلَّقُ في عكسِه فوراً، وهو النفيُ في المستحيلِ، مثل: لأقتلنَّ الميتَ ولأصعدَنَّ السماءَ ونحوهما، وأنتِ طالقٌ اليومَ إن جاء غدٌ لغوٌ(*).
وإذا قال: أنتِ طالقٌ في هذا الشهرِ أو اليومِ طلقتْ في الحالِ، وإن قال: في غدٍ أو السبت أو رمضانَ طلقتْ في أولِه، وإن قال: أردتُ آخِرَ الكُلِّ دُيِّنَ وقُبِلَ، وأنتِ طَالِقٌ إلى شهرٍ، طلُقَتْ عند انقضائِه، إلا أن ينويَ في الحال فيقعُ، وطالقٌ إلى سنةٍ تطلقُ باثنَيْ عَشَرَ شهراً، فإن عَرَّفَها باللامِ طلُقتْ بانسلاخِ ذي الحجَّةِ.
بـابُ تَعْليقِ الطَّلاقِ بالشُّـروط
لا يصح إلا من زوْجٍ، فإذا علَّقه بشرطٍ لم تطلُقْ قبلَه، ولو قال: عَجَّلْتُه(*) ، وإن قال: سَبَقَ لساني بالشرطِ ولم أُردْه وقعَ في الحالِ، وإن قال: أنتِ طالقٌ، وقال: أردتُ إنّ قمتِ لم يُقبلْ حكماً.
وأدواتُ الشرط:ِ إن، وإذا، ومتى، وأيُّ، ومَنْ، وكُلَّما، وهي وحدَها للتكرارِ(1)، وكلُّها ومهما بِلا لَمْ أو نِيَّة فَوْر أو قرينةً للتَّراخي، ومع لَمْ للفورِ(2)، إلا إن عَدِمَ نيَّةً فورٍ أو قرينةً، فإذا قال: إن قمتِ أو إذا أو متِّي أو أي وقت أو مَنْ قامَتْ أو كلَّما قُمتِ فأنتِ طالقٌ، فمتى وُجِدَ طلُقتْ، وإن تكرَّر الشرطُ لم يتكرَّر الحِنْثُ إلا في كلَّما، وإن لم أطلقْكِ فأنتِ طالقٌ ولم ينو وقتاً ولم تقم قرينةٌ بفورٍ ولم يطلِّقْها طلُقَتْ في آخرِ حياةِ أولِهما موْتاً، ومتى لَمْ أو إذا لَمْ و أيُّ وقتٍ لم أطلقْكِ فأنتِ طالقٌ، ومـضى زمنٌ يمكنُ إيقاعُ ثلاثٍ مرتَّبة فيه ولم يطلِّقْها طلُقَتْ المدخولُ بها ثلاثاً، وتَبِيْنُ غيُرها بالأُولى، وإن قمتِ فقعدتِ أو ثم قعدتِ، أو إن قعدتِ إذا قمتِ، أو إن قعدتِ إن قمتِ فأنتِ طالقٌ لم تطلُقْ حتى تقومَ ثم تقعدَ، وبالواو تطلقُ بوجودِهما ولو غيرَ مرتَّبينِ(1)، وبأَوْ بوجودِ أحدِهما.
فصـــل
إذا قال إن حِضْتِ فأنتِ طالقٌ، طلُقتْ بأولِ حيضٍ متيقَّنٍ، وفي: إذا حِضْتِ حيضةً تطلقُ بأولِ الطُّهرِ من حيضةٍ كاملةٍ، وفي: إذا حِضْتِ نِصْفَ حَيْضةٍ تطلقُ في نصفِ عادِتها.
فصـل
في تعليقه بالحمل
إذا علَّقه بالحَمْلِ فولَدَتْ لأقلّ من ستةِ أشهرٍ طلُقَتْ منذ حَلَف، وإن قال: إن لم تكوني حامِلاً فأنتِ طالقٌ، حَرُمَ وطؤُها قبل استبرائِها بحيضةٍ في البائنِ وهي عكسُ الأولى في الأحكامِ.
وإن علَّق طلقةً إن كانتْ حاملاً بذَكَرٍ وطلقتينِ بأُنثَى فولدتْهُما طلُقَتْ ثلاثاً، وإن كان مكانَه: إن كان حَمْلُكِ أو ما في بطنِكِ لم تطلُقْ بهما.
فصـل
في تعليقه بالولادة
إذا علَّق طلقةً على الولادةِ بذكرٍ وطلقتينِ بأنثى فولَدَتْ ذكراً ثم أنثى حياً أو ميتاً طلقتْ بالأولِ، وبانتْ بالثاني ولم تطلُقْ به، وإن أَشْكَلَ كيفيةُ وضعِهما فواحدةٌ.
(1) كقوله: إن قمتِ وقعدتِ تطلق بوجودهما أي القيام والقعود سواء تقدم القيام على القعود أو تأخر. |
فصـل
في تعليقه بالطلاق(*)
إذا علَّقه على الطلاقِ ثم علَّقه على القيامِ (أو علَّقه على القيامِ ثم علَّقه على وقوعِ الطلاق) فقامتْ طلقَتْ طلقتينِ فيهما، وإن علَّقه على قيامِها ثم على طلاقِه لها فقامَتْ فواحدةً.
وإن قال: كلَّما طلقتُكِ أو كلَّما وقعَ عليكِ طَلاقِي فأنتِ طالقٌ فَوُجِدا طَلُقَتْ في الأُولَى طَلقتَيْنِ، وفي الثانيةِ ثلاثاً.
فصـــل
في تعليقه بالحلف
إذا قال: إذا حلفتُ بطلاقِكِ فأنتِ طالقٌ، ثم قال: أنتِ طالقٌ إن قمتِ، طلقتْ في الحالِ، لا إن علَّقه بطلوعِ الشمسِ ونحوِه، لأنه شرطٌ لا حَلِفٌ. وإن حلفتُ بطلاقِكِ فأنتِ طالقٌ، أو إن كلمتُكِ فأنتِ طالقٌ وأعاده مرةً أخرى طلُقَتْ واحدةً، ومرتينِ فثنتانِ، وثلاثاً فثلاثٌ.
فصـل
في تعليقه بالكلام
إذا قال: إن كلمتُكِ فأنتِ طالقٌ فتحقَّقي(*)، أو قال: تنحَّيْ أو اسكُتِي، طلُقَتْ وإن بدأتُكِ بالكلامِ فأنتِ طالقٌ، فقالت: إن بدأتُكَ به فعبدي حُرٌ انحلَّتْ يمينُه ما لم ينوِ عدمَ البداءةِ في مجلسٍ آخَرَ.
فصـل
في تعليقه بالإذن
إذا قال: إن خرجتِ بغيرِ إِذْنِي، أو إلا بإِذْنِي، أو حـتى آذنَ لـكِ، أو إن خرجتِ إلى غيرِ الحمَّامِ بغيرِ إِذْنِي فأنتِ طالقٌ(*)، فخرجتْ مرةً بإِذْنِه، ثم خرجتْ بغيرِ إذنِه، أو أذنَ لها ولم تعلمْ، أو خرجتْ تريدُ الحمَّامُ وغيَره، أو عَدَلَتْ منه إلى غيرِه طلُقَتْ في الكُلِّ، لا إن أذنَ فيه كلَّما شاءتْ، أو قال: إلا بإِذْنِ زيدٍ فمات زيدٌ ثم خرجتْ.
فصـل
في تعليقه بالمشيئة
إذا علَّقه بمشيئتِها ب(ِإِنْ) أو غيرِها من الحروفِ لم تطلُقْ حتى تشاءَ، ولو تراخَى، فإن قالت: قد شئتُ إن شئتَ فشاءَ لم تطلُقْ، وإن قال: إن شئتِ وشاءَ أبوكِ أو زيدٌ لم يقعْ حتى يشاءا معاً، أو إن شاء أحدُهُما فلا، وأنتِ طالقٌ وعبدي حرٌّ إن شاءَ اللهُ وقَعَا(*)، وإن دخـلتِ الدارَ فأنـتِ طـالقٌ إن شاءَ الله طلُقَتْ إن دخلتْ، وأنتِ طالقٌ لرِضَا زيدٍ أو لمشيئَتِه، طلُقَتْ في الحالِ، فإن قال: أردتُ الشرطَ قُبِلَ حُكماً، وأنتِ طـالقٌ إن رأيتِ الهلالَ، فإن نَوى رؤيتَها لم تطلُقْ حتى تراه، وإلا طُلقَتْ بعدَ الغروبِ برؤيةِ غيرِها.
فصــل
وإن حَلَفَ لا يدخلُ داراً أو لا يخرجُ منها فأدخلَ أو أخرجَ بعضَ جسدِه، أو دخلَ طاقَ البابِ، أو لا يلبسُ ثوباً من غَزْلِها فَلَبِسَ ثوباً فيه منه، أو لا يشربُ ماءَ هذا الإناءِ فشربَ بعضَه لم يحنَثْ، وإن فعلَ المحلوفَ عليه ناسياً أو جاهلاً حَنَثَ في طلاقٍ وعِتَاقٍ فقط(*)، وإن فعلَ بعضَه لم يحنَثْ إلا أن ينويَه، وإن حلفَ ليفعلنَّه لم يبرَّ إلا بفعلِه كلِّه(*).
بـاب التأويل في الحلـف
ومعناه أن يُريدَ بلفظٍ ما يخالفُ ظاهرَه.
إذا حَلَفَ وتأوَّلَ يمينَه نفعَه، إلا أن يكونَ ظالماً، فإن حلَّفَهُ ظالمٌ: ما لزيدٍ عندَك شيءٌ، ولـه وديعةٌ عنده بمكانٍ فَنَوى غيرَه، أو بـ(ما) الذي، أو حَلَفُ: ما زيدٌ ههنا، ونَوَى غيرَ مكانِه، أو حَلَف على امرأتِه: لا سَرقَتْ مني شيئاً فخانتْه في وديعتِه ولم ينوِها لم يحنَثْ في الكلِّ.
بـابُ الشَّكِّ في الطّـلاق
من شكَّ في طلاقٍ أو شَرْطِهِ لم يَلْزَمْه، وإن شكَّ في عَددِه فطلْقةٌ، وتباحُ لـه، فإذا قال لامرأتَيْهِ: إحداكُما طالقٌ، طلُقتِ المَنْويةُ وإلا من قُرِعَتْ، كمن طلَّقَ إحداهُما بائناً وأُنْسِيَهَا، وإن تبيَّنَ أن المطلَّقةَ غير التي قُرعتْ رُدَّتْ إليه ما لم تتزوجْ أو تكن القُرْعةُ بحاكمٍ.
وإن قال: إن كان هذا الطائرُ غُراباً ففلانةٌ طالقٌ، وإن كان حماماً ففلانةٌ طالقٌ وجَهِلَ لم تطلُقا، وإن قال لزوجتِه وأجنبيَّةٍ اسمُها هندٌ إحداكُما أو هندٌ طالقٌ طلُقَتْ امرأتُه، وإن قال: أردتُ الأجنبيةَ لم يُقبلْ حُكماً إلا بقرينةٍ، وإن قال لمن ظنَّها زوجتَه: أنت طالقٌ طَلُقتِ الزوجةُ، وكذا عكسُها.
بـاب الرَّجعـة(*)
مَن طلَّقَ بلا عِوَضٍ زوجةً مَدخولاً بها أو مَخْلـوّاً بها دون مـا لَه مـن العَدَدِ فله رجعتُها في عِدَّتِها ولو كَرِهَتْ(*)، بلفظ: راجعتُ امرأتي ونحـوه، لا نكحتُها ونحوه. ويسنُّ الإشهادُ، وهي زوجةٌ، لها وعليها حُكْـمُ الزوجاتِ لـكن لا قَسْمَ لها، وتحصل الرَّجعةُ أيضاً بوطئِها(*). ولا تصــح معلَّقـةٌ بشرطٍ، فإذا طَهُرتْ من الحيضةِ الثالثةِ ولم تَغْتسلْ فله رجعتُها، وإن فَرَغتْ عِدَّتُها قبلَ رجعتِها بانتْ وحَرُمتْ قبل عَقْدٍ جديدٍ، ومن طلَّق دون ما يملِكُ ثم راجَعَ أو تزوَّجَ لم يملِكْ أكثرَ مما بَقِيَ، وَطِئَها زوجٌ غيرُه أو لا(*).
فصـل
وإن ادَّعتْ انقضاءَ عِدَّتِها في زمنٍ يمكنُ انقضاؤُها فيه أو بوضعِ الحَمْلِ الممكنِ وأنكرَه فقولُها.
وإن ادَّعتْه الحرةُ بالحيضِ في أقلَّ من تسعةٍ وعشرينَ يوماً ولحظة لم تُسمَعْ دَعواها، وإن بَدأتْه فقالتْ: انقضَتْ عِدَّتي فقال: كنتُ راجعتُك، أو بدأَها به فأنكرتْهُ فقولُها.
فصـل
إذا استوفَى ما يملِكُ من الطلاقِ حرمَتْ عليه حتى يطأَها زوجٌ في قُبُلٍ ولو مُراهِقاً، ويكفي تغييبُ الحَشَفَةِ أو قدرها مع جَبٍّ في فَرْجِها مع انتشارٍ وإن لم يُنزِلْ.
ولا تحلُّ بِوَطْءِ شُبهةٍ ودُبُرٍ ومِلْكِ يمينٍ ونكاحٍ فاسدٍ، ولا في حيضٍ ونفاسٍ وإحرامٍ وصيامِ فرضٍ.
ومن ادَّعتْ مطلَّقتُه المُحَرَّمةُ وقد غابتْ نكاحَ مَنْ أَحلَّها وانقضاءَ عِدَّتِها منه فله نكاحُها إن صدَّقَها وأمكنَ.
كتـاب الإيـلاء
وهو: حَلِفُ زوجٍ باللهِ تعالَى أو صفتِه على تَرْكِ وَطْءِ زوجتِه في قُبُلِها أكثرَ من أربعةِ أشهرٍ(*).
ويصح من كافرٍ وقِنٍّ ومميِّزٍ وغَضْبانَ وسَكْران ومريضٍ مَرجوٍّ بُرؤُه، وممن لم يَدْخُلْ بها، لا من مجنونٍ ومُغْمَىً عليه وعاجزٍ عن وَطْءٍ لجَبٍّ كاملٍ أو شَلَلٍ، فإذا قال: واللهِ لا وطئْتِكِ أبداً وعيَّن مدةً تزيدُ على أربعةِ أشهرٍ، أو حتى ينزلَ عيسى، أو يخرجَ الدجالُ، أو حتى تشربي الخمرَ، أو تُسقطي دَيْنَكِ، أو تَهَبِي مالَكِ ونحوه فَمُؤْلٍ، فإذا مضَى أربعةُ أشهرٍ من يمينِه ولو قِناً فإن وَطِئَ ولو بتغييبِ حَشَفةٍ في الفرجِ فقد فاءَ وإلا أُمِرَ بالطلاقِ، فإن أَبَى طلَّقَ حاكمُ عليه واحدةً أو ثلاثاً أو فَسَخَ، فإن وَطِئَ في الدُّبُرِ أو دونَ الفَرْجِ فما فَاءَ، وإن ادَّعى بقاءَ المدةِ أو أنه وَطِئَها وهي ثيِّبٌ صُدِّقَ مع يمينِه، وإن كانتْ بِكراً أو ادعَتْ البكارةَ وشهدَ بذلك امرأةٌ عدلٌ صُدِّقتْ، وإن ترك وَطْأَها إضراراً بها بلا يمينٍ ولا عذرٍ فَكَمُؤْلٍ.
كتـاب الظهـار
وهو مُحرَّمٌ، فمن شَبَّه زوجتَه أو بعضَها ببعضِ أو بكلِّ من تَحْرُمُ عليه أبداً بنسبٍ أو رَضاعٍ من ظَهْرٍ أو بطنٍ أو عضوٍ آخر لا ينفصلُ، بقوله لها: أنتِ عليَّ أو مَعِي أو مِنِّي كظَهْرِ أمِّي أو كَيَدِ أُختي أو وجهِ حماتِي ونحوه، أو أنتِ عليّ حرامٌ(*)، أو كالميتةِ والدمِ فهو ظِهارٌ، وإن قالتْه لزوجِها فليسَ بظِهَارٍ وعليها كفارتُه(*)، ويصحُّ من كُلِّ زوجةٍ.
فصـــل
ويصح الظِّهارُ معجَّلاً ومعلَّقاً بشرطٍ، فإذا وُجِدَ صار مُظاهِراً، أو مُطلِّقاً ومُؤقَّتاً، فإن وَطِئَ فيه كَفَّرَ، فإذا فَرَغَ الوقتُ زالَ الظِّهارَ. ويحرمُ قبلَ أن يكفِّر وَطْءٌ ودواعِيْهِ ممن ظاهرَ منها، ولا تثبتُ الكفارةُ في الذمةِ إلا بالوطءِ وهو العَوْدُ، ويلزمُ إخراجُها قبلَه عند العَزْمِ عليه، وتلزمُه كفارةٌ واحدةٌ بتكريرِه قبل التكفيرِ من واحدةٍ، ولظهارِه من نسائِه بكلمةٍ واحدةٍ، وإن ظاهرَ منهنَ بكلماتٍ فكفاراتٌ.
فصــــل
كفارتُه: عِتْقُ رقبةٍ، فإن لم يجدْ فصيامُ شهرينِ متتابعينِ، فإن لم يستطعْ أطعمَ ستينَ مسكيناً، ولا تلزمُ الرقبةُ إلا مَنْ مَلَكَها أو أمكنَه ذلك بثمنِ مثلِها فاضلاً عن كفايتِه دائماً وكفايةِ من يَمُونُه وعمَّا يحتاجُه من مسكنٍ وخادمٍ ومركوبٍ وعرضِ بذلةٍ وثيابِ تجمُّلٍ(*)، ومالٍ يقوم كسبُهُ بِمُؤْنَتِهِ، وكتبِ علمٍ ووفاءِ دَيْنٍ، ولا يجزئُ في الكفاراتِ كلِّها إلا رقبةٌ مؤمنةٌ سليمةٌ من عيبٍ يضرُّ بالعملِ ضرراً بيِّناً كالعَمَى والشَّللِ ليدٍ أو رِجْلٍ أو أَقْطَعِها أو أَقْطَعِ الإصبعِ الوُسطَى أو السبَّابةِ والإبهامِ، أو الأنـمُلةِ من الإبهامِ، أو أقطعِ الخِنْصَرِ والبِنْصَرِ من يدٍ واحدةٍ، ولا يجزئُ مريضٌ ميؤوسٌ منه ونحوه، ولا أمُّ ولدٍ، ويجزئُ المدَبَّرُ، وولدُ الزِّنَى، والأحمقُ والمرهونُ، والجانِي والأمةُ الحامِلُ ولو اسْتُثْنِيَ حَمْلُها.
فصــل
يجب التتابعُ في الصومِ، فإن تخلَّله رمضانُ أو فِطْرٌ يجب، كعيدٍ وأيامِ تَشْريقٍ، وحيضٍ، وجنونٍ، ومرضٍ مَخُوفٍ، ونحوه، أو أفطرَ ناسياً أو مُكْرَهاً، أو لعذرٍ يبيحُ الفطرَ لم ينقطعْ.
ويجزئُ التكفيرُ بما يجزئُ في فطرةٍ فقط، ولا يجزئُ من البُرِّ أقلُّ من مُدٍّ، ولا من غيرِه أقلُّ من مُدَّينِ، لكل واحدٍ ممن يجوزُ دفعُ الزكاةِ إليهم، وإن غَدَّى المساكينَ أو عَشَّاهم لم يُجْزِئْه(*).
وتجب النيَّةُ في التكفيرِ من صومٍ وغيرِه، وإن أصابَ المظاهِرُ منها ليلاً أو نهاراً انقطع التتابعُ، وإن أصابَ غيَرها ليلاً لم ينقطعْ.
كتـاب اللِّعَـان
يُشترط في صِحَتِهِ أن يكونَ بين زوجينِ، ومن عَرَفَ العربيةَ لم يصحَّ لِعَاُنه بغيرِها، وإن جَهِلَها فبلُغته(*).
فإذا قذفَ امرأتَه بالزِّنى فله إسقاطُ الحَدِّ باللِّعانِ، فيقولُ قبلَها أربعَ مراتٍ: أشهدُ بالله لقد زَنَتْ زوجتي هذه، ويشيرُ إليها، ومع غَيْبَتِها يُسمِّيها وينسبُها، وفي الخامسة: وأنَّ لعنةَ اللهِ عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقولُ هي أربعَ مراتٍ: أشهدُ باللهِ لقد كذبَ عليَّ فيما رَمانِي به من الزِّنا، ثم تقولُ في الخامسةِ: وأنَّ غَضَبَ اللهِ عليها إن كانَ من الصادقين.
فإن بدأَتْ باللِّعانِ قبلَه أو نَقَصَ أحدُهما شيئاً من الألفاظِ الخمسةِ، أو لم يَحْضُرْهُما حاكمٌ، أو نائبُه، أو أَبدلَ أحدُهما لفظةَ أشهدُ بأُقسِمُ، أو أَحْلِفُ أو لفظةَ اللَّعنَةِ بالإبعادِ، أو الغَضَبِ بالسَّخْطِ لم يصحَّ.
فصــل
وإن قَذَفَ زوجتَه الصغيرةَ أو المجنونةَ عُزِّرَ ولا لِعَان(*).
ومِنْ شَرْطِهِ قذفُها بالزِّنَى لفظاً كزنيتِ أو يا زانيةُ رأيتُك تَزْنِيْنَ في قُبُلٍ أو دُبُرٍ، فإن قال: وُطِئَت بشُبهةٍ، أو مُكْرَهةً، أو نائمةً، أو قال: لم تَزْنِ ولكن ليس هذا الولدُ مني، فشهدت امرأةٌ ثقةٌ أنه وُلِدَ على فراشِه، لَحِقَهُ نسبُه ولا لِعَان، ومِنْ شَرْطِه أن تُكذِّبَه الزوجةُ.
وإذا تَمَّ سقط عنه الحدُّ والتعزيرُ، وتثبتُ الفُرقةُ بينهما بتحريمٍ مؤبَّدٍ.
فصـل
مَنْ وَلَدتْ زوجتُه مَنْ أَمْكَنَ أنه منه لَحِقَهُ، بأن تلدَه بعد نصفِ سنةٍ منذُ أمكنَ وَطْؤُه، (أو بَلَغَ) أو دونَ أربعِ سنينَ منذ أبانَها، وهو مَنْ يولدُ لمثلِه كابن عشرٍ، ولا يُحكَم ببلوغِه إن شكَّ فيه.
ومن اعتـرفَ بِوَطْءِ أَمَتِه في الفرجِ أو دونَه فولدَتْ لنـصفِ سنةٍ فأزيدَ لَحِقَه ولدُها، إلا أن يدَّعيَ الاستبراءَ ويحلفَ عليه، وإن قال: وطئتُها دون الفرجِ، أو فيه ولم أُنْزِلْ، أو عَزَلتُ لَحِقَه، وإن أعْتَقَها أو باعَها بعد اعترافِه بَوطْئِها فأتتْ بولدٍ لدونِ نصفِ سنةٍ لَحِقَه والبيعُ باطلٌ.
كتـاب العـدد
تلزم الِعدَّةُ كلَّ امرأةٍ فارقَتْ زوجاً خَلا بها مُطاوِعَةً(*)، مع عِلْمِه بها وقدرتِه على وَطْئِها ولو مع ما يمنعُه منهما(1)، أو من أحدهما حساً، أو شرعاً، أو وَطِئَها، أو ماتَ عنها حتى في نكاحٍ فاسدٍ فيه خلافٌ(*)، وإن كان باطلاً وِفاقاً لم تعتدَّ للوفاةِ.
ومن فارقَها حياً قبلَ وطءٍ وخلوةٍ، أو بعدَهما، أو بعدَ أحدِهما وهو ممن لا يولدُ لمثلِه، أو تحمَّلتْ ماءَ الزوجِ(*)، أو قَبَّلها أو لَمَسَها بلا خلوةٍ فلا عِدَّة.
فصــل
والـمُعتَدَّاتُ سِتٌ:
الأولى: الحاملُ وعِدَّتُها من موتٍ وغيرِه إلى وضعِ كلِّ الحَمْلِ (وإنما تنقضي) بما تصيرُ به أَمَةٌ أمَّ ولدٍ، فإن لم يَلحقْه لِصِغَرِه أو لكونِه ممسوحاً أو وَلَدَتْ لدونِ ستةِ أشهرٍ منذ نَكَحَها ونحوه وعاشَ لم تنقضِ به، وأكثرُ مدةِ الحَمْلِ أربعُ سنينَ(*)، وأقلُّها ستةُ أشهرٍ، وغالُبها تسعةُ أشهرٍ، ويباحُ إلقاءُ النُّطفةِ قبل أربعينَ يوماً بدواءٍ مُباحٍ.
الثانية: المتوفَّى عنها زوجُها بلا حَمْلٍ منه قبلَ الدخولِ وبعدَه، للحُرِّ أربعةُ أشهرٍ وعشرةٌ، وللأَمَةِ نصفُها(*)، فإن ماتَ زوجُ رجعيةٍ في عِدَّةِ طلاقٍ سقطَتْ وابتدأَتْ عِدَّةَ وفاةٍ منذُ مـاتَ، وإن ماتَ في عِدَّة من أبانَها في الصِّحةِ لم تنتقلْ، وتعتدُّ ممن أبانَها في مرضِ موته الأطولَ من عِدَّةِ وفاةٍ وطلاقٍ، ما لم تكن أَمَةً، أو ذِمِّيةً، أو جاءتْ البَيْنُونَةُ منها فَلِطَلاَقٍ لا غيرَ، وإن طلَّق بعضَ نسائه مبهمَةً أو معيَّنَةً ثم أُنسيها، ثم مات قبلَ قُرعةٍ اعتدَّ كلُّ منهنَّ سوى حاملٍ الأطولَ منهما.
الثالثة: الحائِلُ ذاتُ الأَقْراءِ، وهي الحيضُ، المفارِقَةُ في الحياةِ، فعِدَّتُها إن كانت حرةً أو مُبَعَّضَةً ثلاثةُ قُروءٍ كاملةٌ، وإلا قُرْءان.
الرابعة: من فارقَها حياً ولم تَحِضْ لصغرٍ أو إياسٍ، فتعتدُّ حرةٌ ثلاثةَ أشهرٍ، وأمةٌ شهرينِ، ومبعَّضَةٌ بالحسابِ، ويُجْبَرُ الكَسْرُ.
الخامسة: من ارتفع حيضُها ولم تَدْرِ سببَه، فعِدتُها سنةٌ: تسعةُ أشهرٍ للحملِ، وثلاثةٌ للعِدَّةِ، وتنقصُ الأمةُ شهراً، وعِدَّةُ من بَلَغَتْ ولم تَحِضْ، والـمُستحاضَةُ الناسيةٌ، والـمُستحاضَةُ الـمُبتدأَةُ ثلاثةُ أشهرٍ، والأمةُ شهرانِ وإن علمَتْ ما رفَعَهُ(*) من مرضٍ أو رَضاعٍ أو غيرِهما فلا تزالُ في عِدَّةٍ حتى يعودَ الحيضُ فتعتدَّ به، أو تبلغُ سنَّ الأياسِ فتعتدُّ عِدَّتَه.
السادسة: امـرأةُ المفقودِ، تتربَّصُ مـا تقدَّمَ في ميراثِه(*)، ثم تعتَدُّ للوفاةِ، وأمةٌ كحرةٍ في التربُّصِ، وفي العِدَّةِ نصفُ عِدَّةِ الحرةِ، ولا تفتقرُ إلى حُكمِ حاكمٍ بضربِ المدةِ، وعدةِ الوفاةِ. وإن تزوجتْ فَقَدِمَ الأولُ قبلَ وَطْءِ الثاني فهي للأولِ، وبعده له أخذُها زوجةً بالعقدِ الأولِ، ولو لم يطلِّقْ الثاني، ولا يطأُ قبل فراغِ عِدَّةِ الثاني، وله تركُها معه من غيرِ تجديدِ عَقْدٍ ويأخذُ قَدْرَ الصَّدَاقِ الذي أعطاها من الثاني، ويرجعُ الثاني عليها بما أخذه منه.
فصــــل
ومن مات زوجُها الغائبُ أو طلَّقها اعتدَّتْ منذُ الفُرقةِ، وإن لم تُحِدَّ(*).
وعِدَّةُ موطوءةٍ بشبهةٍ أو زناً أو بعقدٍ فاسدٍ كمطلَّقةٍ(*)، وإن وُطِئَتْ مُعتدةً بشبهةٍ أو نكاحٍ فاسدٍ فُرِّقَ بينهما وأتمتْ عِدَّةَ الأولِ، ولا يُحتَسبُ منها مُقامُها عند الثاني، ثم اعتدَّت للثاني، وتحلُّ لـه بعْقدٍ بعد انقضاءِ العِدَّتينِ، وإن تزوجَتْ في عِدَّتِها لم تنقطعْ حـتى يدخلَ بها، فإذا فارقَها بَنَتْ على عِدَّتُها من الأولِ ثم استأنفتْ العِدَّةَ من الثاني، وإن أتتْ بولدٍ من أحدِهما انقضتْ عِدَّتُها ثم اعتدَّتْ للآخَرِ.
ومَنْ وَطِئَ مُعْتَدَّتَهُ البائنَ بشبهةٍ استأنفتْ العِدَّةَ بوطئِه ودخَلَتْ فيها بقيةَ الأُولَى، وإن نَكَحَ من أبانَها في عِدَّتِها ثم طلَّقها قبل الدخولِ بها بَنَتْ.
فصــل
يلزمُ الإِحْدادُ مدةَ العِدَّةِ كل مُتَّوفَّى عنها زوجُها في نكاحٍ صحيحٍ، ولو ذميةً أو أَمَةً أو غيرَ مُكلَّفةٍ، ويباحُ لبائنٍ من حيٍّ، ولا يجبُ على رجعيةٍ(*) وموطوءةٍ بشبهةٍ أو زِناً أو في نكاحٍ فاسدٍ أو باطلٍ أو مِلْكِ يمينٍ.
والإحدادُ: اجتنابُ ما يدعو إلى جماعِها أو يُرغِّبُ في النظرِ إليها من الزِّينةِ، والطِّيبِ والتَّحْسينِ، والحِنَّاءِ، وما صُبِغَ للزينةِ، وحليٍّ، وكُحْلٍ أسودَ، لا توتياء ونحوه، ولا نقابَ وأبيضَ، ولو كان حسناً(*).
فصــــل
وتجب عِدَّةُ الوفاةِ في المنزلِ حيثُ وجَبَتْ، فإن تحوَّلَتْ خوفاً أو قَهْراً أو لَحِقٍّ انتقلتْ حيثُ شاءَتْ. ولها الخروجُ لحاجتِها نهاراً لا ليلاً، وإن تركت الإحدادَ أثِمَتْ وتمتْ عِدَّتُها بـمُضِيِّ زمانِها.
بـاب الاستبراء
من مَلَكَ أمةً يُوطَأُ مِثْلُها من صغيرٍ وذكرٍ وضدهما حَرُمَ عليه وَطْؤُها ومقدماتُه قبل استبرائِها(*).
واستبراءُ الحامِلِ بوضْعِها، ومن تحيضُ بحيضةٍ، والآيسةُ والصغيرةُ بـمُضِيِّ شهرٍ.
كتـاب الـرَّضـاع(*)
ويحرُمُ من الرَّضاعِ ما يحرُم من النَّسبِ، والمحرِّمُ خمسُ رَضَعاتٍ في الحَولَينِ والسَّعُوطُ والوَجُورُ، ولبنُ الميتةِ والموطوءةِ بشبهة أو بعقدٍ فاسدٍ أو باطلٍ أو زِناً محرم، وعكسُه البهيمةُ وغيرُ حُبْلَى ولا موطوءةٌ.
فمتى أرضعتْ امرأةٌ طفلاً صار ولدَها في النكاحِ والنظرِ والخلوةِ والـمَحْرميةِ، ووَلَدَ من نُسِبَ لبنُها إليه بحملٍ أو وَطْءٍ، ومحارمُه في النكاح محارمُهُ، ومحارمُها محارمُهُ، دون أبويهِ وأصولِهما وفروعِهما، فتباحُ المرضعةُ لأبي المرتَضِع وأخيهِ من النَّسبِ، وأمُّه وأختُه من النسبِ لأبيهِ وأخيهِ.
ومن حرمت عليه بنتها فأرضعتْ طفلةً حرَّمتها عليه، وفسخَتْ نكاحَها منه، إن كانت زوجتَه.
وكلُّ امرأةٍ أفسدتْ نكاحَ نفسِها برَضاعٍ قبل الدخولِ فلا مَهْرَ لها، وكذا إن كانت طفلةً فدبَّتْ فرضَعتْ من نائمةٍ، وبعد الدخولِ مهرُها بحالِه، وإن أفسدَه غيرُها فلها على الزوجِ نصفُ المسمَّى قبله، وجميعُه بعده، ويَرجعُ الزوج به على المفسِدِ.
ومن قال لزوجتِه: أنتِ أختي لرَضاعٍ بَطَلَ النكاحُ، فإن كان قبلَ الدخولِ وصدَّقَتْه فلا مهرَ، وإن أكذَبتْه فلها نصفُه، ويجب كلُّه بعدَه، وإن قالتْ هي ذلك وأكذَبَها، فهي زوجتُه حُكماً.
وإذا شكَّ في الرضاعِ أو كمالِه(*) أو شكَّت المرضعةُ، ولا بينَّةَ فلا تحريمَ.
كتـاب النفقـات
يلزم الزوجَ نفقةُ زوجتِه قُوتاً وكسوةً، وسُكنَاها بما يصلُح لمِثْلِها، ويَعتبرُ الحاكمُ ذلك بحالِهما عند التنازعِ، فيفرضُ للمُوسِرَةِ تحت الـمُوسِرِ قدرَ كفايتِها من أرفعِ خُبزِ البلد وأُدُمِهِ، ولحماً، عادة الموسرين بمحلِّهما، وما يلْبَسُ مثلُها من حريرٍ وغيره، وللنومِ فراشٌ ولحِافٌ وإزارٌ ومخدَّةٌ، وللجلوسِ حصيرٌ جيدٌ وزَلِّيٌّ. وللفقيرةِ تحتَ الفقيرِ من أَدنى خُبزِ البلدِ وأُدُمٌ يلائمُه، وما يلبسُ مثلُها ويجلسُ عليه. وللمتوسطةِ (مع المتوسطِ) أو الغنيةِ مع الفقيرِ وعكسُهما، ما بين ذلك عُرفاً. وعليه مُؤْنَةُ نظافةِ زوجتِه دون خادمِها لا دواءٌ، وأجرةُ طبيبٍ.
فصـــل
ونفقةُ المطلَّقةِ الرجعيةِ وكسوتُها وسُكناها كالزوجةِ، ولا قَسْمَ لها، والبائنُ بفسخٍ أو طلاقٍ لها ذلك إن كانت حاملاً، والنفقةُ للحَمْلِ لا لها من أجلِه(*). ومن حُبِستْ ولو ظُلماً، أو نَشَزَتْ، أو تطوَّعتْ بلا إذنِه بصومٍ أو حَجٍّ، أو أحرمَتْ بنذرِ حجٍ أو صومٍ، أو صامَتْ عن كفارةٍ أو قضاءِ رمضانَ مع سعةِ وقتِه، أو سافرتْ لحاجتِها ولو بإذنِه سقطَتْ، ولا نفقةَ ولا سُكْنَى لمتوفَّىً عنها. ولها أخذُ نفقةِ كلِّ يومٍ من أولِهِ لا قيمتُها، ولا عليها أخذُها، فإن اتفقَا عليه أو على تأخيرِها أو تعجيلِها مدةً طويلةً أو قليلةً جازَ، ولها الكسوةُ كلَّ عامٍ مرةً في أولِه. وإذا غابَ ولم يُنْفِقْ لزمتْهُ نفقةُ ما مَضَى، وإن أَنفقتْ في غَيْبَتِه من مالِه فبانَ ميتاً غرَّمها الوارثُ ما أنفقَتْه بعد موتِه.
فصـل
ومن تسلَّم زوجتَه أو بذلَتْ نفسها -ومثلُها يُوْطَأُ- وجبَتْ نفقتُها ولو مع صِغَرِ الزوج ومَرضِه وجَبِّه وعِنَّتِه(*).
ولها منعُ نفسِها حتى تقبضَ صَداقَها الحالَّ، فإن سلَّمتْ نفسَها طوعاً ثم أرادتْ المنعَ لم تملِكْه.
وإذا أعسَرَ بنفقةِ القُوتِ أو بالكسوةِ، أو بعضِها، أو المسكنِ لا في الماضي فلها فسخُ النكاحِ، فإن غاب (موسرٌ) ولم يَدَعْ لها نفقةَ، وتعذَّر أخذُها من مالِه واستدانَتُهَا عليه فلها الفسخُ بإذن الحاكم.
بـابُ نفقةِ الأقاربٍ والمماليكٍ والبهائـمِ(*)
تجب أو تتمتُها لأبويه وإن عَلَوا، ولولدِه وإن سَفَل، حتى ذوي الأرحـامِ منهم حَجَبه معسرٌ أو لا. ولكلِّ من يرثُه بفَرْضٍ أو تَعْصيبٍ، لا بِرَحـمٍ سوى عَمودَيْ نسبِه، سواء وَرِثَه الآخرُ كـأخٍ أو لا، كعمةٍ وعتيقٍ بمعروفٍ، مع فقرِ من تجبُ لـه، وعَجْزِه عن تكسُّبٍ، إذا فَضَلَ عن قوتِ نفسِه وزوجتِه ورقيقِه يومَه وليلتَه وكسوةٍ وسُكْنَى، من حاصلٍ أو مُتحصَّـلٍ، لا من رأسِ مالٍ وثمنِ مِلْكٍ وآلةِ صنعةٍ. ومن لـه وارثٌ غـيرُ أبٍ فنفقتُه عليهم على قَدْرِ إِرْثِهم، فعلى الأمِّ الثلثُ، والثلثانِ على الجَدِّ، وعلى الجَدَّةِ السدسُ، والباقي على الأخِ، والأبُ ينفرد بنفقةِ ولدِه. ومن لـه ابنٌ فقيرٌ وأخٌ موسِرٌ فلا نفقةَ لـه عليهما(*)، ومن أمُّه فقيرةٌ وجَدَّتُه موسِرةٌ فنفقتُه على الجَدَّةِ، ومن عليه نفقةُ زيدٍ فعليه نفقةُ زوجتِه كظئرٍ لحَوْلينِ، ولا نـفقةَ مع اختلافِ دِيْنٍ إلا بالولاءِ(*). وعلى الأبِ أن يسترضَعَ لولده ويُؤدِّي ..............................................................................
الأجـرةَ، ولا يمنعُ أمَّه إرضاعَه، ولا يلزمُها إلا لـضرورةٍ كـخوفِ تَـلَفِه، ولها طلبُ أجرةِ المِثْلِ، ولو أرضَعه غيرُها مجاناً بـائناً كانت أو تحتَـه، وإن تزوجتْ آخرَ فله منعُها مـن إرضاعِ ولدِ الأول، ما لم يضْطرَّ إليها.
فصــل
وعليه نفقةُ رَقيقِه طعاماً وكسوةً وسُكْنى، وأن لا يكلفَه مشقاً كثيراً، وإن اتَّفقا على المخارجةِ جازَ، ويُريحُه وقتَ القائلةِ والنومِ والصلاةِ، ويُرْكِبُه في السفرِ عَقْبِهً، وإن طَلبَ نكاحاً زوَّجَه أو باعَه، وإن طلبتْه الأمةُ وَطِئَها أو زوَّجَها أو باعَها.
فصــل
وعليه عَلَفُ بَهائِمِه وسَقْيُها وما يُصْلِحُها، ولا يُحَمِّلُها ما تَعْجِزُ عنه، ولا يَحْلِبُ من لبنها ما يضرُّ ولدَها، فإن عجزَ عن نفقتِها أُجْبرَ على بيعِها أو إِجارتِها أو ذَبْحِها إن أُكِلتْ.
بـاب الحضانـة
تجب لحفظِ صغيرٍ ومعتوهٍ ومجنونٍ(*).
والأحقُّ بها أُمٌّ، ثم أمهاتُها القُرْبَى فالقُـرْبَى، ثم أب، ثم أـهاتُه كـذلك، ثم جَدٌّ، ثم أمهاتُه كذلك، ثم أخـتٌ لأبوين، ثم لأمٍّ، ثم لأبٍ، ثم خـالةٌ لِأَبَوَيْنِ، ثم لأمٍّ، ثم لأبٍ، ثم عَمَّاتٌ كذلك، ثم خالاتُ أُمِّه ثم خالاتُ أبيهِ، ثم عماتُ أبيهِ، ثم بناتُ إخوتِه وأخواتِه، ثم بنات أعمامِه وعماتِه، ثم بناتُ أعمامِ أبيهِ، وبناتُ عماتِ أبيه، ثم لباقي العَصَبةِ الأَقْرب فالأَقْرب، فإن كانت أُنثَى فمِنْ مَحارمِها، ثم لذوي أرحامِه، ثم للحاكِم، وإن امتنعَ من لـه الحضانةُ أو كان غيرَ أهلٍ انتقلت إلى من بعدَه، ولا حضانةَ لمن فيه رِقٌّ ولا لفاسقٍ، ولا لكافرٍ على مسلمٍ، ولا لمزوَّجةٍ بأجنبيٍ من محضونٍ من حينِ عَقْد، فإن زال المانعُ رجعَ إلى حقِّه، وإن أراد أحدُ أبويهِ سفراً طويلاً إلى بلدٍ بعيدٍ ليسكنَه، وهو وطريقُه آمنانِ فحضانتُه لأبيهِ، وإن بَعُدَ السفرُ لحاجةٍ أو قَرُبَ لها أو للسُّكنى فلأمِّه.
فصـل
وإذا بلغَ الغلامُ سبعَ سنينَ عاقلاً خيِّر بين أبويهِ فكان مع من اختارَ منهما، ولا يُقَرُّ بيدِ من لا يصونُه ويُصلحُه.
وأبو الأُنثى أحقُّ بها بعد السبعِ، ويكونُ الذكرُ بعد رُشدِه حيث شاء، والأُنثى عند أبِيها حتى يتسلَّمها زوجُها.
كتـاب الجنايـات(*)
وهي عَمْدٌ يَختصُّ القَوَدُ به بشرطِ القَصْدِ، وشبْهُ عَمْدٍ، وخَطَأٌ.
فالعَمْدُ: أن يَقصِدَ من يعلَمُه آدميّاً معصوماً فَيَقتُلَه بما يَغلِبُ على الظَّنِّ موتُه به، مثل: أن يَجْرَحَهُ بما لـه مَوْرٌ في البَدَنِ، أو يضربَه بحجرٍ كبيرٍ ونحوه، أو يُلقيَ عليه حائطاً، أو يُلْقِيَه من شاهقٍ، أو في نارٍ أو ماءٍ يغرقُه -ولا يمكنُه التخلصَ منهما- أو يخنُقُه، أو يحبسُه من الطعامِ أو الشرابِ فيموتُ من ذلك في مدةٍ يموتُ فيها غالباً، أو بِسِحْرٍ أو سمٍّ، أو شَهِدَتْ عليه بينةٌ بما يوجبُ قتلَه ثم رجَعوا، وقالوا: عَمَدْنَا قتلَه، ونحو ذلك.
وشِبْهُ العَمْدِ: أن يقصد جنايةً لا تَقْتُلُ غالباً ولم يَجرحْهُ بها، كمن ضربَه في غيرِ مَقتلٍ بسَوطٍ أو عصاً صغيرةٍ، أو لَكَزَهُ ونحوه.
والخطأُ: أن يفعل ما لـه فعلُه، مثل أن يرميَ صيداً أو غرضاً أو شخصاً فيصيبَ آدمياً (لم يقصدْه)، وعَمْدُ الصبيِ والمجنونِ.
فصـــل
تُقتَلُ الجماعةُ بالواحدِ(*)، وإن سقط القَوَدُ أَدَّوا ديةً واحدةً.
ومن أُكره مُكلَّفاً على قتلِ مُكافئهِ فقتلَه فالقتلُ أو الدِّيَةُ عليهما، وإن أَمر بالقتلِ غيرَ مكلَّفٍ أو مكلَّفاً يَجهلُ تحريمَه، أو أَمَر به السلطانُ ظلماً من لا يَعرِفُ ظُلمَه فيه(*)، فَقَتَل فالقَوَدَ أو الدِّيَة على الآمرِ، وإن قَتَلَ المأمورُ المكلَّفُ عالماً بتحريمِ القتلِ فالضَّمانُ عليه دون الآمِرِ.
وإن اشتركَ فيه اثنانِ لا يجبُ القَوَدُ على أحدِهما منفرداً لأبوَّةٍ أو غيرِها فالقَوَدُ على الشريكِ، فإن عَدَلَ إلى طلبِ المالِ لزمَهُ نصفُ الدِّيَةِ.
بـاب شُروطِ القِصَـاص
وهي أربعةٌ:
أحدُها: عصمةُ المقتولِ، فلو قتل مسلمٌ أو ذميٌّ حَرْبياً أو مُرتداً لم يضمنْه بِقصاصٍ ولا ديةٍ(*).
الثاني: التكليفُ، فلا قِصاصَ على صغيرٍ ومجنونٍ.
الثالثُ: المكافأةُ، بأن يساويَه في الدِّينِ والحُريةِ والرِّقِّ، فلا يُقتلُ مسلم بكافرٍ(1)، ولا حُرٌّ بعبدٍ، وعكسُه يُقتَلُ، ويُقتلُ الذكرُ بالأُنثى والأُنثى بالذكرِ.
الرابع: عدمُ الولادةِ، فلا يُقتلُ أحدُ الأبوينِ وإن عَلاَ بالولدِ وإن سَفَلَ، ويُقتلُ الولدُ بكلٍ منهما.
(1) حديث (لا يقتل مسلم بكافر) أخرجه البخاري في العلم، باب كتابة العلم برقم (111). |
بـاب استيفاء القصاص
يُشترط لـه ثلاثةُ شروط:
أحدُها: كونُ مستحقِّه مكلَّفاً(*)، فإن كان صبياً أو مجنوناً لم يُسْتوفَ، وحُبِسَ الجاني إلى البلوغِ والإفاقة.
الثاني: اتفاقُ الأولياءِ المشتركِينَ فيه على استيفائِه، وليس لبعضِهم أن ينفرِدَ به، وإن كان من بَقِيَ غائباً أو صغيراً أو مجنوناً انتُظِرَ القدومُ والبلوغُ والعقلُ(*).
الثالث: أن يُؤْمَنَ في الاستيفاءِ أن يتعدَّى الجَانِي، فإذا وجبَ على حاملٍ أو حائلٍ فَحَملْت لم تُقتَلْ حتى تضعَ الولدَ وتُسقيَه اللَّبَأ، ثم إن وُجِدَ من يُرضِعُه وإلا تُركِتْ حتى تَفطِمَه، ولا يُقتَصُّ منها في الطَّرَفِ حتى تضعَ، والحَدُّ في ذلك كالقصاصِ.
فصـل
ولا يُستوفَى قصاصٌ إلا بحضرةِ سلطانٍ أو نائبٍه، وآلةٍ ماضيةٍ.
ولا يُستوفَى في النَّفْسِ إلا بضَربِ العُنُقِ بِسيفٍ، ولو كان الجاني قَتَلَهُ بغيرِه(*).
بـاب العفو عن القصـاص
يجبُ بالعَمْدِ القَوَدُ أو الديةُ، فيخيَّر الوليُّ بينهما، وعفوهُ مَجَّاناً أفضلُ، فإن اختارَ القَوَدَ أو عفا عن الديةِ فقط فله أخذُها، والصلحُ على أكثرَ منها، وإن اختارَها أو عفا مُطلقاً، أو هَلَكَ الجانِي فليس لـه غيرُها، وإذا قطع إِصبِعاً عمداً فعفا عنها(*)، ثم سَرَتْ إلى الكَفِّ أو النفسِ أو كان العفوُ على غيرِ شيءٍ فَهَدْرٌ، وإن كان العفوُ على مالٍ فله تَمامُ الديةِ، وإن وكَّل من يَقتصُّ ثم عَفَا فاقتصَّ وكيلُه ولم يَعْلَمُ فلا شيءَ عليهما، وإن وجبَ لرقيقٍ قَوَدٌ، أو تَعْزيرُ قَذْفٍ فطلبُه وإسقاطُه إليه، فإن مات فلسيِّده(*).
بـاب ما يوجب القصاص فيما دون النفـس
من أُقِيدَ بأحدٍ في النفس أُقِيدَ به في الطَّرَفِ والجِرَاحِ، ومَنْ لا فلا، ولا يجبُ إلا بما يُوجِبُ القَوَدَ في النفسِ، وهو نوعان:
أحدُهما: في الطَّرَفِ فتُؤخذُ العينُ والأنفُ والأُذُنُ، والسِّنُّ والجَفْنُ والشَّفَةُ واليَدُ، والرِّجْلُ والإصبع والكَفُّ، والمِرْفَقُ والذَّكَرُ والخُصْيَةُ والإلْيَةُ والشُّفْرُ كلُّ واحدٍ من ذلك بِمْثِلِه. وللقِصَاص في الطَّرَفِ شروطٌ: الأولُ: الأمنُ من الِحْيفِ بأن يكونَ القَطْعُ من مِفْصَل أوْ لَـهُ حدٌّ ينتهي إليه، كمارنِ الأنفِ، وهو ما لانَ منه، والثاني: الـمُماثَلَةُ في الاسم والموضِعِ، فلا تؤخذ يمينٌ بيسارٍ، ولا خِنْصَرٌ بِبِنْصَرٍ، ولا أصليٌّ بزائدٍ، وعكسُه، ولو تراضَيَا لم يَجُزْ، الثالث: استواؤُهما في الصِّحةِ والكمالِ، فـلا تؤخَذُ صـحيحةٌ بشـلاَّءَ، ولا كاملة الأصابع بناقصـة، ولا عين صحيحـة بقائمـة، ويـؤخذ عكسه، ولا أرش.
فصــل
النـوع الثاني: الجِراحُ، فيُقْتَصُّ في كـلِّ جُرحٍ يـنتهي إلى عَظْمٍ كالمُوضِحَـةِ، وجُرحِ العَضُـدِ والسـاقِ والفـخذِ والـقدمِ، ولا يُقتَصَّ في غيرِ ذلك من الشِّجَاجِ والجُروحِ(*)، غيرَ كَسْرِ سِنِّ، إلا أن يكونَ أعظمَ من المُوضِحَةِ، كالهاشِمَةِ والمُنقلةِ والمَأْمُومَةِ، فله أن يَقتصَّ موضحِةً ولـه أَرْشُ الزائدِ. وإذا قَطَعَ جماعةٌ طَرَفاً أو جَرحُوا جُرْحاً يوجبُ القَوَدَ فعليهم القَوَدُ، وسِرَايةُ الجنايةِ مضمونةٌ في النفس فما دونها بقَوَدٍ أو دِيَّةٍ، وسِرَايةُ القَوَدِ مَهْدورةٌ، ولا يُقْتَصُّ من عُضْوٍ جُرِحَ قَبْلَ بُرْئِهِ، كما لا تُطلَبُ له دِيَةٌ.
كتـاب الديـات(*)
كلُّ من أَتْلَفَ إنساناً بـمُباشَرةٍ أو سببٍ لزمتْه ديتُه، فإن كان عمداً مَحْضاً ففي مالِ الجانِي حَالَّةً، وشِبْهُ العمدِ والخطأِ على عاقلتِه، فإن غَصَبَ حُرَّاً صغيراً فَنَهَشَتْهُ حيةٌ أو أصابتْهُ صاعقةٌ أو مات بمرضٍ، أو غلَّ حُرَّاً مُكلَّفاً وقيَّده فماتَ بالصاعقةِ أو الحيةِ، وجبت الديةُ فيهما.
فصــل
وإذا أَدَّبَ الرجلُ ولدَه، أو سلطانٌ رَعِيَّتَهُ، أو معلِّمٌ صَبيَّه ولم يُسْرِفْ لم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به، ولو كان التأديبُ لحاملٍ فَأَسْقَطَت جنيناً ضَمِنَه المؤدِّبُ.
وإن طلب السلطانُ امرأةً لكشفِ حقِّ الله تعالى، أو استعْدَى عليها رجلٌ بالشُّرَطِ في دَعْوىً لـه فأسقطتْ ضَمِنَه السلطانُ والـمُستعدِي، ولو ماتتْ فَزَعاً لم يَضْمَنَا.
ومن أَمَرَ شخصاً مكلَّفاً أن ينزلَ بئراً أو يصعدَ شجرةً فَهَلكَ به لم يَضْمَنْه، ولو أن الآمرَ سلطانٌ، كما لو استأجرَه سلطانٌ أو غيرُه.
بـاب مقادير ديات النفـس
ديةُ الحرِّ المسلمِ مائةُ بعيرٍ(*)، أو ألفُ مِثْقالٍ ذهباً، أو اثنا عشرَ ألفِ درهمٍ فضةً، أو مائتا بقرةٍ أو ألفا شاةٍ، فهذه أصولُ الديةِ، فأيُّها أَحْضَرَ مَنْ تَلْزَمُه لَزِمَ الوليَّ قبولُه، ففي قتلِ العَمْدِ وشِبْهِه خمسٌ وعشرونَ بنت مَخَاضٍ، وخمسٌ وعشرونَ بنتُ لَبُونٍ، وخمسٌ وعشرونَ حِقَّةً، وخمسٌ وعشرونَ جَذَعةً، وفي الخطأِ يجبُ أخماساً: ثمانونَ من الأربعةِ المذكورةِ، وعشرونَ من بني مَخَاضٍ، ولا تُعتبرُ القيمةُ في ذلك (بل السلامةُ).
وديةُ الكِتَابِيِّ نصفُ ديةِ المسلمِ، وديـةُ الـمَجُوسـيِّ والوثَنِيِّ ثمانُمائةِ درهمٍ، ونساؤهم على النِّصْفِ، كالمسلمينَ.
وديةُ قِنٍّ قيمتُه، وفي جِراحِهِ ما نَقصَهُ بعد البُرْءِ(*)، وتجـبُ في الجنينِ ذَكَراً كان أو أُنثَى عُشْرُ ديةِ أُمِّهِ غُرَّةً(*)، وعُشْرُ قيمتِها إن كان مملوكاً، وتُقدَّرُ الحرةُ أَمَةً. وإن جَنَى رقيقٌ خَطَأً أو عَمْداً لا قَوَدَ فيه، أو فيه قوَدٌ واخْتِيرَ فيه المالُ أو أَتْلَفَ مالاً بغيرِ إِذْنِ سيِّدِه تَعلَّقَ ذلك برقبتِه، فيُخيَّرُ سيدُه بين أن يَفْدِيَه بأَرْشِ جنايتِه أو يُسلِّمَهُ إلى وليِّ الجِنَايةِ فيَمْلِكَه أو يبيعَه ويدفعَ ثمنَه.
بـاب ديات الأعضاء ومنافعـها(*)
مَنْ أَتْلَفَ ما في الإنسان منه شيءٌ واحدٌ كالأنفِ، واللسانِ، والذَّكَرِ ففيه ديةُ النفسِ.
وما فيه منه شيئانِ كالعينَيْنِ، والأُذنَيْنِ، والشَّفَتَيْنِ، واللَّحْيَيْنِ، وثَدْيَيِ المرأةِ، وثَنْدُوَتَي الرَّجلِ، واليدينِ، والرِّجْلَينِ، والأَلْيَتَيْنِ، والأُنْثَيَيْنِ، وإِسْكَتَي المرأةِ ففيهما الديةُ، وفي أَحَدِهَما نصفُها، وفي الـمِنْخَرَيْنِ ثُلُثا الديةِ، وفي الحاجزِ بينهما ثلثُها، وفي الأجفانِ الأربعةِ الديةُ، وفي كل جَفْنٍ رُبعُها، وفي أصابعِ اليدينِ الديةُ كأصابعِ الرِّجْلَينِ، وفي كل أصبعٍ عُشْرُ الديةِ، وفي كل أُنْمُلَةٍ ثلثُ عُشرِ الديةِ، والإبهامُ مِفْصَلان، ففي كلِّ مِفْصَلٍ نصفُ عُشرِ الديةِ، كديةِ السِّنِّ.
فصــل
وفي كلِ حاسَّةٍ ديةٌ كاملةٌ(*)، وهي: السمعُ، البصرُ، والشَّمُّ، والذَّوقُ، وكذا في الكلامِ والعَقْلِ، ومنفعةِ الـمَشْيِ، والأكلِ، والنكاحِ، وعدمِ استمساكِ البولِ أو الغائطِ.
وفي كل واحدٍ من الشُّعورِ الأربعةِ الدِّيَةُ، وهي: شعرُ الرأسِ واللِّحيةِ والحاجبينِ وأَهْدابِ العينينِ، فإن عادَ فنبتَ سقطَ موجِبُه. وفي الأعورِ الدِّيَةُ كاملة(*)، وإن قلعَ الأعورُ عينَ الصحيحِ المماثلةَ لعينِه الصحيحةِ عمداً فعليه ديةٌ كاملةٌ ولا قِصاصَ، وفي قَطْــعِ يَدِ الأَقْطَعِ(*)نصفُ الدِّيةِ كغيره.
بـاب الشِّجَاجِ وكَسْرِ العِظَـام
الشَّجَّةُ: الجُرحُ في الـرأسِ والوجهِ خاصةً، وهي عَشْرٌ: الحارصةُ التي تَحْرِصُ الجِلْدَ أي تشقُّه قليلاً ولا تُدْمِيْهِ، ثم البازِلَةُ وهي الداميةُ، والدامعةُ وهي التي يسيلُ منها الدمُ(*)، ثم الباضِعَةُ، وهي التي تَبْضَعُ اللحمَ، ثم المُتَلاحِمةُ، وهي الغائصة في اللَّحْمِ، ثم السِّمْحَاقُ، وهي ما بينها وبين العظمِ قشرةٌ رقيقةٌ، فهذه الخمسُ لا مُقَدَّرَ فيها(*)، بل حكومةٌ، وفي الـمُوضِحَةِ -وهي ما تُوضِحُ العظمَ وتُبْرِزُه- خمسةُ أَبْعِرَةٍ، ثم الهاشِمَةُ، وهي التي تُوضِحُ العظمَ وتَهْشِمُه، وفيها عشرةُ أَبْعِرَةٍ، ثم الـمُنقِلةُ، وهي مـا تُوضِحُ العظمَ وتَهْشِمُه وتنقلُ عظامَها، وفيها خمسةَ عشرَ من الإبلِ، وفي كل واحدةٍ من الـمَأْمُومَةِ والدَّامِغَةِ ثلثُ الديةِ، وفي الجائِفَةِ ثلثُ الديةِ، وهي التي تَصِلُ إلى باطنِ الجَوْفِ، وفي الضَّلعِ وكل واحدةٍ من التَّرقُوتَيْنِ بعيرٌ، وفي كَسْرِ الذِّراعِ، وهو الساعدُ الجامعُ لعظمَي الزّنْدِ والعَضُدِ والفَخِذِ والسَّاقِ، إذا جُبِرَ ذلك مستقيماً بعيرانِ.
وما عدا ذلك مـن الجِراحِ وكَسْرِ العظامِ ففيه حُكومةٌ، والحُكُومـةُ أن يُقَوَّمَ الـمَجْنِي عليه كأنه عَبْدٌ لا جِنَايَةَ به، ثم يُقَوَّمُ وهي بـه قـد بَرِئَتْ، فما نَقَصَ عن القيمةِ فله مثلُ نِسْبَتِهِ مـن الدِّيَةِ(*)، كأنْ قيمتُه عبداً سـليماً: ستون، وقيمته بالجنايةِ: خمسونَ، ففيه سدسُ الدِّيَةِ، إلا أن تكونَ الحكومةُ في مَحَلِّ لـه مُقَدَّر فلا يُبلغُ بها الـمُقَدَّر.
بـاب العاقلة وما تحملـه(*)
عاقلةُ الإنسانِ: عَصَبَاتُه كلُّهم من النَّسبِ والوَلاءِ، قريبُهم وبعيدُهم، وحاضرُهم وغائبهُم، حتى عمودَيْ نَسَبِه، ولا عَقْلَ على رقيقٍ ولا غيرِ مُكلَّفٍ ولا فقيرٍ ولا أُنثَى، ولا مُخَالِفٍ لدِينِ الجانِي.
ولا تَحْمِلُ العاقلةُ عمداً مَحْضَاً، ولا عبداً، ولا صُلْحاً، ولا اعترافاً لم تُصدِّقْه به، ولا ما دونَ ثُلثِ الديةِ التامَّةِ.
فصـل
ومن قَتَلَ نفساً مُحَرَّمةً خطأً مباشَرَةً أو تَسبُّبَاً بغيرِ حقٍّ فعليه الكفَّارَةُ(*).
بـاب القسامـة(*)
وهي: أيمانٌ مُكَرَّرَةٌ في دَعْوَى قتلِ مَعْصومٍ.
مِنْ شَرْطِها اللَّوْثُ، وهو العَـداوةُ الظـاهرةُ، كـالقبائلِ التي يطلبُ بعضُها بعضاً بالثأرِ، فمن ادُّعِيَ عليه القَتْـلُ من غير لَوْثٍ حَـلَفَ يميناً واحـدةً وبَـرِئَ، ويُبْدَأُ بأَيْمانِ الـرجالِ مـن ورثةِ الـدَّمِ، فيَحْلِفونَ خمسينَ يميناً، فإن نَكَلَ الورثةُ أو كانوا نساءً حَلَفَ الـمُدَّعَى عليه خمسينَ يميناً وبَرِئَ.
كتـاب الحـدود(*)
لا يجبُ الحدُّ إلا على بالغٍ عاقلٍ ملتزمٍ عالمٍ بالتحريمِ، فيقيمُه الإمامُ أو نائبُه في غيرِ مسجدٍ.
ويُضْرَبُ الرجلُ في الحدِّ قائماً بسَوطٍ لا جديدٍ ولا خَلَقٍ، ولا يُمَدُّ ولا يُرْبَطُ ولا يُجَرَّدُ، بل يكونُ عليه قميصٌ أو قميصانِ، ولا يبالغُ بضَرْبِه بحيثُ يَشُقُّ الِجْلدَ، ويفرَّق الضربُ على بدنِه، ويُتَّقَى الرأسُ والوجهُ والفَرْجُ والـمقَاتِلُ، والمرأةُ كالرَّجِل فيه، إلا أنها تُضْرَبُ جالسةً وتَشُدُّ عليها ثيابَها وتُمسك يداها لئلا تَنْكَشِفَ.
وأشدُّ الجَلْدِ جَلْدُ الزِّنَا ثم القَذْفُ ثم الشُّرْبُ، ثم التَّعْزيرُ، ومن مات في حَدٍّ فالحقُّ قَتَلَه، ولا يُحْفَرُ للمَرجومِ في الزِّنَا.
بـاب حد الزنـا
إذا زَنَى الـمُحْصَنُ رُجِمَ حتى يموتَ، والـمُحْصَنُ: مَنْ وَطِئَ امرأتَه المسلمةَ أو الذميةَ في نكاحٍ صحيحٍ وهما بالغانِ عاقلانِ حُرَّانِ، فإن اختلَّ شرطٌ منها في أَحدِهما فلا إِحْصانَ لواحدٍ منهما، وإن زَنَى الحُرُّ غيرُ الـمُحْصَنِ جُلِدَ مائةَ جَلْدَةٍ وغُرِّبَ عاماً، ولو امرأةً(*)، والرقيقُ خمسينَ جَلْدةً، ولا يُغَرَّبُ، وحَـدُّ لُوطِيٍّ كَزَانٍ(*). ولا يـجبُ الحَدُّ إلا بثـلاثةِ شُروطٍ:
أحدُها: تَغْيِيْبُ حَشَفةٍ أَصْليَّةٍ كلِّها في قُبُلٍ أو دُبُرٍ أَصْلِيَّيْنِ من آدميٍ حَيٍّ حراماً محضاً(*).
الثاني: انتفاءُ الشُّبْهَةِ، فلا يُحَدُّ بِوَطْءِ أَمَةٍ لـه فيها شِرْكٌ أو لولدِه، أو وَطْءِ امرأةٍ ظنَّها زوجتَهُ أو سُرِّيتَه، أو في نكاحٍ باطلٍ اعتقدَ صحتَه، أو نكاحٍ أو مِلْكٍ مُخْتلَفٍ فيه ونحوه، أو أُكرهتِ المرأةُ على الزِّنَا.
الثالث: ثبوتُ الزِّنَا، ولا يَثْبُتُ إلا بأحدِ أمرين:
أحدهما: أن يُقِرَّ به أربعَ مراتٍ في مجلسٍ أو مجالسَ، ويُصرِّحَ بِذِكْرِ حقيقةِ الوَطْءِ، ولا يَنْزِعُ عن إِقْرارِهِ حتَّى يَتِمَّ عليه الحدُّ(*).
الثاني: أن يَشْهَدَ عليه في مَجْلِسٍ واحدٍ بِزِنَاً واحدٍ يَصِفُونَه أربعةٌ ممنْ تُقْبَلُ شَهادتُهم فيه، سواء أَتَوا الحاكمَ جُملةً أو مُتفرِّقِينَ، وإن حَمَلَتِ امرأةٌ لا زوجَ لها ولا سيِّد لم تُحَدَّ بُمجرِّدِ ذلك(*).
بـاب حد القـذف
إذا قَذَفَ المكلَّفُ مُحْصَنَاً جُلِدَ ثمانينَ جَلْدةً إن كان حُراً، وإن كان عبداً أربعينَ، والـمُعْتَقُ بعضُه بحسابِه، وقَذْفُ غيرِ الـمُحْصَنِ يوجبُ التَّعْزِيْرَ، وهو حَقٌّ للمَقْذُوفِ، والـمُحْصَنُ هنا(*): الحُرُّ المسلمُ العاقلُ العفيفُ الملتزِمُ الذي يُجامِعُ مِثْلُه، ولا يُشْتَرَطُ بلوغُه.
وصريحُ القَذْفِ: يا زانِي، يا لُوطِيُّ، ونحوه، وكنايتُه: يا قحبةُ، يا فاجرةُ يا خبيثةُ، فَضَحْتِ زوجَكِ، أو نَكَّسْتِ رأسَه، أو جَعَلْتِ لـه قُروناً ونحوه، وإن فَسَّرهُ بغيرِ القَذْفِ قُبِلَ، وإن قَذَفَ أهلَ البلدِ أو جماعةً لا يُتَصَوَّرُ منهم الزِّنَا عادةً عُزِّر.،
ويسقطُ حدُّ القَذْفِ بالعَفْوِ، ولا يُستوفَى بدون الطَّلَبِ.
بـابُ حَدِّ المُسْكِرِ
كلُّ شرابٍ أَسْكَرَ كثيُره فقليلُه حرامٌ، وهو خَمْرٌ من أي شيءٍ كان، ولا يُباح شُرْبُهِ لِلَذَّةٍ، ولا لِتَدَاوٍ ولا عَطَشٍ ولا غيرِه، إلاّ لِدَفْع لُقْمَةٍ غَصَّ بها ولم يَحْضُرْهُ غيرُه.
وإذا شَرِبَهُ المسلمُ المكلَّفُ مختاراً عالماً أنَّ كثيرَه يُسكِرُ فعليه الحَدُّ، ثمانونَ جَلْدةً مع الحُرِّيةِ، وأربعونَ مع الرِّقِّ.
بـابُ التَّعْزِيـرِ
وهو التَّأديبُ(*)، وهو واجبٌ في كلِ معصيةٍ لا حدَّ فيها ولا كفَّارة، كاستمتاعٍ لا حدَّ فيه، وسرقةٍ لا قَطْعَ فيها، وجنايةٍ لا قَوَدَ فيها، وإتْيانِ المرأةِ(*) المرأةَ والقذفِ بغيرِ الزِّنا ونحوه. ولا يُزادُ في التَّعزيرِ على عَشرِ جَلداتٍ، ومن استمنَى بيدِه بغيرِ حاجةٍ عُزِّرَ.
بـابُ القَطْعِ في السَّرِقَـةِ
إذا أخذَ الملتزمُ نِصاباً من حِرْزِ مِثْلِه من مالٍ معصومٍ لا شُبهةَ لـه فيه على وجهِ الاختفاءِ قُطِعَ(*)، فلا قَطْعَ على مُنتهِبٍ ولا مُختلـِسٍ ولا غـاصِبٍ ولا خائِنٍ في وديعةٍ أو عاريَّةٍ أو غيرِها، ويُقطَعُ الطَّرَّارُ الذي يَبطُّ الجيبَ أو غيره ويأخذُ منه.
ويُشترَطُ أن يكون المسروقُ مالاً مُحترَماً، فلا قَطْعَ بسرقةِ آلةِ لَهْوٍ ولا مُحرَّمٍ كالخمرِ. ويُشترَطُ أن يكونَ نِصَاباً، وهو ثلاثةُ دراهمَ، أو ربعُ دينارٍ، أو عَرْضُ قيمتُهُ كأحدهِما، وإذا نَقَصَتْ قيمةُ المسروقِ أو مَلَكهَا السارقُ لم يَسقُطِ القطعُ، وتعتبرُ قيمتُها وقتَ إخراجِها من الحِرْزِ، فلو ذَبَحَ فيه كَبْشاً أو شَقَّ فيه ثوباً فنَقَصَتْ قيمتُه عن نِصَابٍ ثم أخرجَه أو تَلِفَ فيه المالُ لم يُقْطَعْ. وأن يُخْرِجَه من الحِرْزِ، فإن سَرَقَهُ من غيرِ حِرْزٍ فلا قَطْعَ، وحِرْزُ المالِ ما العادةُ حِفْظُه فيه، ويَخْتَلِفُ باختلافِ الأموالِ والبُلدانِ وعَدْلِ السلطانِ وجَوْرِه، وقُوَّتِه وضَعْفِه، فَحِرْزُ الأموالِ والجواهرِ والقماشِ في الدُّورِ والدكاكينِ والعمران وراءَ الأبوابِ والأَغْلاقِ الوثيقةِ، وحِرْزُ البَقْلِ وقُدُورِ البَاقِلاَّءِ ونحوهما وراءَ الشَّرائِج، إذا كان في السوقِ حارسٌ، وحِرْزُ الحَطَبِ والخَشَبِ الحظائرُ، وحِرْزُ المواشي الصِّيرُ، وحِرْزُها في الـمَرْعَى الرَّاعي، ونظرِه إليها غالباً.
وأن تَنْتَفِيَ الشُّبْهَةُ، فلا يُقْطَعُ بالسرقِةِ من مالِ أبيه وإن عَلا، ولا من مالِ ولدِه إن سَفَلَ، والأبُ والأمُّ في هذا سواء، ويُقْطَعُ الأخُ وكلُّ قريبٍ بسرقةِ مالِ قريبِه، ولا يُقْطَعُ أحـــدٌ من الزوجينِ بسرقتِه مالَ من الآخرَ، ولو كان مُحْرَزَاً عنه، وإذا سَرَقَ عبدٌ من مال سيِّده، أو سيِّدٌ من مال مُكاتَبِهِ، أو حرٌ مسلمٌ من بيتِ المالِ، أو من غينمةٍ لم تُخَمَّسْ، أو فقيرٌ من غَلَّةِ وَقْفٍ على الفقراءِ، أو شخصٌ من مالٍ فيه شركةٌ له، أو لأحدٍ ممن لا يُقْطَعُ بالسرقةِ منه لم يُقْطَعْ، ولا يُقطَعُ إلا بشهادةِ عَدْلَيْنِ أو إقرارٍ مرتينِ، ولا ينزعُ عن إقرارِه حتى يُقْطَعَ، وأن يُطالِبَ المسروقُ منه بمالِه(*). وإذا وجب القطعُ قُطعتْ يدُه اليُمنَى من مفصلِ الكَفِّ وحُسِمَتْ.
ومن سرقَ شيئاً من غيرِ حِرْزٍ ثَمَراً كانَ أو كُثَراً أو غيرَهما أُضْعِفَتْ عليه القيمةُ ولا قَطْعَ.
بـابُ حَدِّ قُطَّاعِ الطَّرِيـقِ
وهم الذين يَعْرِضُونَ للناسِ بالسِّلاحِ في الصَّحْراءِ أو البُنيانِ فَيَغْصِبُونهَم المالَ مُجَاهَرَةً لا سَرِقَةً(*).
فَمَنْ منهم قَتَلَ مُكافِئاً أو غيرَه، كالولدِ والعبدِ والذِّمي، وأَخَذَ المالَ قُتِلَ ثم صُلِبَ حتى يَشْتَهِرَ.
وإن قَتَلَ ولم يَأْخُذِ المالَ قُتِلَ ولم يُصْلَبْ.
وإن جَنَوا بما يُوجِبُ قَوَداً في الطَّرَفِ تَحَتَّم استيفاؤُه.
وإن أَخَذَ كلُّ واحد من المالِ قَدْرَ ما يُقْطَعُ بأخذِه السارقُ ولم يَقْتُلُوا قُطعَ من كلِّ واحدٍ يدُه اليمنى ورِجْلُه اليُسرَى في مقامٍ واحدٍ وحُسِمَتَا ثم خُلِّيَ.
فإن لم يُصيبُوا نَفْساً ولا مَالاً يبلغُ نصابَ السرقةِ نُفُوا: بأن يُشَرَّدُوا فلا يُتركونَ يَأْوون إلى بلدٍ.
ومن تابَ منهم قَبْلَ أن يُقْدَرَ عليه سَقَطَ عنه ما كان للهِ من نَفْيٍ وقَطْعٍ وصَلْبٍ وتَحَتُّمِ قتلٍ، وأُخِذَ بما للآدميينَ من نَفْسٍ وطَرَفٍ ومَالٍ، إلا أن يُعْفَى لـه عنها.
ومن صالَ على نفسِه أو حُرمتِه أو مالِه آدميٌ أو بهيمةٌ، فله الدَّفْعُ عن ذلك بأسهلِ ما يَغلبُ على ظنِّهِ دفعُه به، فإن لم يَندفعْ إلا بالقتلِ فله ذلك ولا ضَمانَ عليه، وإن قُتِلَ فهو شهيدٌ، ويلزمُهُ الدفعُ عن نفسِه وحُرمتِه دون مالِه، ومن دخلَ مَنْزِلَهُ رجلٌ مُتَلَصِّصٌ فحكمُه كذلك.
بـاب قتال أهل البغـي
إذا خرجَ قومٌ لهم شَوكةٌ ومَنَعةٌ على الإمامِ بتأويلٍ سائغٍ فَهُمْ بغاةٌ، وعليه أن يُراسِلَهم فيسألَهم ما يَنْقِمُونَ منه؟ (*) فإن ذَكَروا مَظْلمةً أزالَها، وإن ادَّعَوا شُبهةً كَشَفَها، فإن فاءُوا، وإلا قاتلَهم.
(*)
وإن اقتتلتْ طائفتانِ لعصبيةٍ أو رياسةٍ فهما ظالمتانِ وتَضْمَنُ كلُّ واحدةٍ ما أَتْلفتْ على الأُخرى.
بـابُ حُكْمِ الـمُرْتَـدِّ
وهو الذي يكفرُ بعد إسلامِه، فمن أشركَ باللهِ أو جَحَدَ رُبوبيتَه أو وَحْدانيتَه أو صِفَةً من صفاتِه، أو اتَّخذَ للهِ صاحبةً أو ولداً، أو جَحَدَ بعضَ كُتبِه أو رُسلِه، أو سبَّ اللهَ أو رسولَه فقد كَفَرَ، ومن جحدَ تحريمَ الزِّنا أو شيئاً من الـمُحرَّماتِ الظاهرةِ الـمُجمَعِ عليها بجهلٍ عُرِّفَ ذلك، وإن كان مثلُه لا يجهلُه كَفَر(*).
فصـل
فمن ارتدَّ عن الإسلامِ وهو مُكلَّفٌ مُختارٌ، رجلٌ أو امرأةٌ، دُعِيَ إليه ثلاثةَ أيـامٍ وضُيِّـقَ عليـه، فـإن لم يُسلِمْ قُتِلَ بالسيـفِ. ولا تُقبـلُ توبةُ مـن سَبَّ اللهَ أو رسولَه(*)، ولا من تَكَرَّرتْ رِدَّتُه، بل يُقتَلُ بـكلِّ حالٍ. وتوبةُ الـمُرتَدِّ وكلِّ كافرٍ إسلامُه بأن يشهدَ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله، ومن كان كُفْرُهُ بجَحْدِ فرضٍ ونحوه، فتوبتُه مع الشهادتَيْنِ إقرارُه بالـمَجْحودِ به، أو قولُه: أنا بريءٌ من كل دِينٍ يخالفُ دِينَ الإسلامِ.
كتـابُ الأَطْعِمَـةِ
الأصلُ فيها الحِلُّ، فيباحُ كلُّ طاهرٍ لا مَضَرَّةَ فيه من حَبٍّ وثَمْرٍ وغيرهما، ولا يَحِلُّ نَجِسٌ كالميتةِ والدمِ، ولا ما فيه مَضَرَّةٌ كالسمِّ ونحوه(*).
وحيواناتُ البَرِّ مباحةٌ إلا الحُمُرَ الإِنْسيَّة، وما لـه نابٌ يفترسُ به غيرَ الضَّبُعِ(*)، كالأسدِ والنمرِ والذئبِ والفيلِ والفهدِ والكلبِ والخنزيرِ وابنِ آوى وابنِ عِرْس والسِّنَورِ والنَّمسِ والقِرْدِ والدُّبِّ، وما لـه مِخْلَبٌ من الطَّيرِ يصيدُ به: كالعُقابِ والبَازِي والصَّقْرِ والشَّاهينِ والباشِقِ والحِدَأَةِ والبُومَةِ، وما يأكلُ الجِيَفَ كالنَّسرِ والرَّخَمِ واللَّقْلَقِ والعَقْعَقِ والغُرابِ الأَبْقَعِ والغُدافِ، وهو أَسْوَدُ صغيرٌ أغْبَرُ، والغرابِ الأسودِ الكبيرِ، وما يُستَخْبَثُ كالقُنْفُذِ والنِّيص والفأرةِ والحيةِ والحشراتِ كلِّها، والوَطْواطِ وما تولَّد من مأكولٍ وغيرِه كالبَغْلِ.
فصـل
وما عدا ذلك فحَلالٌ، كالخيلِ(*) وبهيمةِ الأنعامِ والدَّجاجِ والوَحْشِيِّ من الحُمُرِ والبَقَرِ (والضَّبِّ) والظِّباءِ والنَعامَةِ والأرنبِ وسائرِ الوَحْشِ، ويباحُ حيوانُ البحرِ كلُّه، إلا الضِّفْدَعَ والتِّمْسَاحَ والحَيَّةَ. ومن اضْطُرَّ إلى مُحَرَّمٍ غير السمِّ حَلَّ له منه ما يَسُدُّ رَمَقَهُ، ومن اضْطُرَّ إلى نَفْعِ مالِ الغيرِ مع بقاءِ عَيْنِه لدفعِ بَرْدٍ أو استقاءِ ماءٍ ونحوه وجَبَ بذلُه لـه مَجَّاناً(*).
ومن مَرَّ بثَمرٍ في بستانٍ في شجرِه، أو مُتساقِطٍ عنه ولا حائطَ عليه ولا ناظرَ فله الأكلُ منه مَجَّاناً من غير حَمْلٍ. وتجبُ ضِيافةُ المسلمِ المجتازِ به في القُرَى يوماً وليلةً(*).
بـاب الذكـاة
لا يباحُ شيءٌ من الحيوانِ المقدورِ عليه بغيرِ ذكاةٍ(1) ، إلا الجرادَ والسمكَ وكلَّ ما لا يعيشُ إلا في الماء.
ويُشترط ُللذكاةِ أربعةُ شروط:
أهليَّةُ المُذكِّي: بأن يكون عاقلاً مسلماً أو كتابياً ولو مراهِقاً(*)، أو امرأةٌ أو أقلفَ أو أعمىَ، ولا تباحُ ذكاةُ سَكْرانٍ ومجنونٍ ووثَنِيٍّ ومَجوسِيٍّ ومُرتَدٍّ(*).
الثاني: الآلةُ، فتباحُ الذَّكاةُ بكلِّ مُحدَّدٍ ولو كان مغصوباً من حديدٍ وحجرٍ وقَصَبٍ وغيره، إلا السِّنَّ والظُّفْرَ.
الثالث: قَطْعُ الحُلقومِ والـمَرِيء(*)، فإن أبانَ الرَّأْسَ بالذَّبْحِ لم يحرمِ المذبوحُ(*).
وذكاةُ ما عجز عنه من الصَّيدِ والنَعَمِ الـمُتوحشةِ والواقعةِ في بئرٍ ونحوها يجرحِه في أيِّ موضعٍ كان من بَدَنِه ، إلَّا أن يكونَ رأسُه في الماءِ ونحوه فلا يباحُ.
الرابع: أن يقول عند الذَّبْحِ: بسم الله لا يُجزِئُه غيرُها، فإن تَركها سهواً أُبيحتْ لا عمداً.
ويكره أن يَذبحَ بآلةٍ كالَّةٍ، وأن يحدَّها والحيوانُ يبصرُه، وأن يُوجهَهُ إلى غير القبلةِ، وأن يَكْسرَ عُنقه أو يسلخَه قبل أن يَبْرُدَ.
بـاب الصيـد(*)
لا يَحِلُّ الصَّيْدُ المقتولُ في الاصطيادِ إلا بأربعةِ شروط:
أحدها: أن يكون الصائِدُ من أهلِ الذَّكاةِ.
الثاني: الآلةُ، وهي نوعان: مُحَدَّدٌ، يشترطُ فيه ما يشترطُ في آلةِ الذَّبْح،ِ وأن يَجْرَحَ، فإن قَتلَه بثُقْلِهِ لم يُبَحْ، وما ليس بـمُحدَّدِ كالبُنْدُقِ والعَصَا والشَّبكَةِ والفَخِّ، لا يَحِلُّ ما قُتِلَ به.
النوع الثاني: الجارحةُ، فيباحُ ما قَتلتْهُ إذا كانتْ مُعَلَّمةً.
الثالث: إرسالُ الآلةِ قاصداً، فإن استرسلَ الكلبُ أو غيرُه بنفسِه لم يُبَحْ إلا أن يَزْجُرَهُ فيزيدَ في عَدْوِه في طَلَبِهِ فَيَحِلّ.
الرابع: التسميةُ عند إرسالِ السَّهْمِ أو الجارحةِ، فإنْ تركَهَا عَمْداً أو سَهْواً لم يُبَحْ، ويُسَنُّ أن يقولَ معها: اللهُ أكبرُ كالذَّكاةِ.
كتـاب الأيمـان
اليمينُ التي تجبُ فيها الكفَّارةُ إذا حَنِثَ هي اليمينُ بالله(*)، أو صفةٍ من صفاتِه، أو بالقرآنِ أو بالمُصْحَفِ، والحَلفُ بغير الله مُحَرَّمٌ، ولا تجبُ به كَفَّارةٌ(*).
ويشترَطُ لوجوبِ الكفَّارةِ ثلاثةُ شروط:
الأول: أن تكون اليمينُ منعقدةٌ، وهي التي قُصِدَ عَقْدُها على مُستَقْبَلٍ ممكنٍ، فإن حَلَفَ على أمرٍ ماضٍ كاذباً عالماً فهي الغَمُوسُ. ولَغْوُ اليمينِ: الذي يجري على لسانِه بغير قَصْدٍ، كقولـه: لا والله، وبلى والله، وكذا يمينٌ عَقَدَها يَظُنُّ صِدْقَ نفسِه فبانَ بخلافِه، فلا كفَّارةَ في الجميع(*).
الثاني: أن يَحْلِفَ مُختاراً، فإن حَلَفَ مُكْرَهاً لم تَنْعَقِدُ يمينُه.
الثالث: الحِنْثُ في يمينِه، بأن يفعلَ ما حلفَ على تَرْكِه، أو يَتْرُكَ ما حَلَفَ على فِعْلِهِ مُختاراً ذاكراً، فإن فَعَلَه مُكْرَهاً أو ناسياً فلا كفَّارةَ، ومن قال في يمينٍ مُكَفَّرةٍ إن شاء الله لم يَحْنَثْ.
ويُسَنَّ الحِنْثُ فِي اليمينِ إذا كان خيراً، ومـن حَرَّمَ حلالاً -سوى زوجتِه- من أَمَةٍ أو طعامٍ أو لباسٍ أو غيرِه لم يَحْرُمْ وتَلْزمُه كفَّارةُ يمينٍ إن فعله.
فصــل
يُخْيَّرُ من لَزِمَتْه كفارةُ يمينٍ بين إطعامِ عشرةِ مساكينَ، أو كسوتُهم، أو عتقِ رقبةٍ، فمن لم يَجِدْ فصيامُ ثلاثةِ أيامٍ متتابعةٍ.
ومن لَزِمَتْه أيمانٌ قبل التَّكْفيرِ مُوجَبُها واحدٌ فعليه كفَّارةٌ واحدةٌ، وإن اختلفَ موجَبُها كظِهارٍ ويمينٍ بالله لزماه ولم يتَداخَلا.
بـاب جامع الأيمـان
يُرْجَعُ في الأَيمانِ إلى نِيَّةِ الحالفِ إذا احتملَها اللفظُ، فإن عُدِمَتِ النيةُ رَجَعَ إلى سببِ اليمينِ وما هيَّجَها، فإن عُدِمَ ذلك رجَعَ إلى التَّعْيينِ(*).
فإذا حَلَفَ: لا لَبِسْتُ هذا القميصَ، فجعلَه سراويلَ، أو رداءً أو عِمَامةً، ولبسه، أو: لا كلمتُ هذا الصبيَّ فصار شيخاً، أو زوجةَ فلانٍ هذه، أو صديقَهُ فلاناً، أو مملوكَه سعيداً، فزالت الزوجيَّةُ والمـُلْكُ والصداقةُ، ثم كلَّمهم، أو: لا أكلتُ لحمَ هذا الحَمَلِ فصار كَبْشاً، أو هذا الرُّطَبَ فصار تمراً أو دبساً أو خَلاًّ، أو هذا اللبنَ فصار جُبْناً أو كِشْكاً ونحوه، ثم أَكَلَ حَنَثَ في الكُلِّ، إلا أن ينويَ ما دام على تلك الصِّفةِ.
فصـل
فإن عَدِمَ ذلك رَجعَ إلى ما يتناولـُه الاسمُ(*)، وهو ثلاثةٌ: شرعيٌّ وحقيقيٌّ، وعُرْفيٌّ(*).
فالشرعيُّ: ما لـه موضوعٌ في الشرع وموضوعٌ في اللغةِ، فالـمُطلَقُ ينصرفُ إلى الموضوعِ الشرعيِّ الصحيحِ، فإذا حَلَفَ لا يبيعُ أو لا ينكِحُ، فَعقَدَ عَقْداً فاسداً لم يَحْنَثْ، وإن قيَّدَ يمينَه بما يمنعُ الصحةَ كإنْ حَلَفَ لا يبيعُ الخَمْرَ أو الحُرَّ حَنَثَ بصورةِ العَقْدِ.
والحقيقيُّ: هو الذي لم يَغْلِبْ مَجَازُه على حقيقتِه كاللَّحمِ، فإذا حَلَفَ لا يأكلُ اللحمَ فأكلَ شَحْماً أو مُخّاً أو كَبِداً أو نحوَه لم يَحْنَثْ، وإن حَلَفَ لا يأكلُ أُدْماً حَنَثَ بأكلِ البَيْضِ والتَّمرِ والمِلْحِ والزَّيتونِ ونحوه، وكلِّ ما يصطبغُ به، أو لا يلبسُ شيئاً فَلبسَ ثوباً أو دِرْعاً أو جَوْشَناً أو نَعْلاً حَنَثَ، وإن حلف لا يكلِّمُ إنساناً حنثَ بكلامِ كُلِّ إنسانٍ، ولا يفعلُ شيئاً فوكَّلَ من فَعَلَهُ حنثَ إلا أن ينويَ مُباشَرَتَه بنفسِه.
والعُرْفيُّ: مـا اشْتَهَرَ مجـازُه فغلبَ على الحقيقةِ، كالـرَّاويةِ والـغَائطِ ونحوهِما، فَتَعَلُّقُ اليمينِ بالـعرفِ، فإذا حَلَفَ على وَطْءِ زوجـتِه أو وَطْءِ دارٍ تَعلَّقتْ يمينُه بجِماعِها وبدخولِ الدار، وإن حلفَ لا يأكلُ شيئاً فأكلَه مُسْتَهْلَكَاً في غيره، كمن حَلَفَ لا يأكلُ سمناً فأكل خَبِيصاً في سَمْنٍ لا يَظْهَرُ فيه طَعْمُه، أو لا يأكلُ بيضاً فأكل نَاطِفاً لم يَحْنَث، وإن ظهر فيه طعمُ شيءٍ من المحلوفِ عليه حنثَ.
فصـل
ولو حلفَ لا يفعلُ شيئاً ككلامِ زيدٍ ودخولِ دارٍ ونحوِه ففعلَه مُكرَهاً لم يَحْنَثْ.
وإن حلفَ على نفسِه أو غيرِه ممن يَقصِدُ منعَهُ كالزوجةِ والولدِ أن لا يفعلَ من ذلك شيئاً ففعلَه ناسياً أو جاهلاً حَنِثَ في الطَّلاقِ والعَتَاقِ فقط(*)، وعلى من لا يمتنعُ بيمينِه من سلطانٍ وغيرِه ففعلَه حَنِثَ مطلقاً، وإن فعلَ هو أو غيرُه ممن قَصَدَ مَنْعَهُ بعـضَ ما حَلَفَ عـلى كلِّه، لم يَحْنَثْ ما لم تكن له نيَّةٌ.
بـاب النـذر
لا يصحُّ إلا من بالغٍ عاقلٍ ولو كافراً(*).
والصحيحُ منه خمسةُ أقسامٍ:
أحدهما: المُطْلَقُ، مثل أن يقولَ: لله عليَّ نَذْرٌ، ولم يُسَمِّ شيئاً، فيلزمُه كفَّارةُ يمينٍ.
الثاني: نَذْرُ اللَّجاجِ والغَضَبِ، وهو تعليقُ نَذْرِه بشرطٍ يقصدُ المَنْعَ منه، أو الحَمْلَ عليه، أو التَّصْديقَ أو التَّكْذيبَ، فيخيَّر بين فِعْلِهِ وبين كفّارة ِيمينٍ.
الثالث: نذْرُ الـمُباحِ، كلُبسِ ثوبِه ورُكوبِ دابَّتهِ، فحُكْمُه كالثاني، وإن نَذَرَ مَكْروهاً من طلاقٍ وغيرِهِ استُحِبَّ أن يكفِّر ولا يفعلُه.
الرابع: نَذْرُ المعصيةِ: كشُربِ الخَمْرِ وصَوْمِ الحَيْضِ والنَّحْرِ، فلا يجوز الوفاءُ به ويُكَفِّرُ.
الخامس: نَذْرُ التَّبَرُّرِ مطلقاً أو مُعلَّقاً، كفعلِ الصلاةِ والصيامِ والحجِّ ونحوه كقوله: إن شَفَى اللهُ مريضِي، أو سلَّم مالِي الغائبَ فللَّهِ عليَّ كذا، فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَزِمَهُ الوفاءُ به، إلا إذا نَذَرَ الصَّدَقَة بمالِه كلِّه أو بمُسَمَّىً منه يزيدُ على ثُلثِ الكُلِّ، فإنه يُجْزِيهِ ِقَدرُِ الثُلثِ، وفيما عداها يلزمُه الـمُسَمَّى، ومن نَذَرَ صومَ شَهْرٍ لزمَه التتابعُ، وإن نَذَرَ أياماً معدودةً لم يلزمْهُ إلا بشرطٍ أو نيّةٍ.
كتـاب القضـاء
وهو فَرْضُ كفايةٍ، يلزمُ الإمامُ أن يُنصِّبَ في كلِّ إقليمٍ قاضياً، ويختارُ أفضلَ من يَجِدُهُ عِلْماً ووَرَعاً، ويأمرُه بتقوى الله، وأن يتحرَّى العَدْلَ، ويجتهدَ في إقامتِه، فيقول ولَّيْتُكَ الحُكْمَ، أو قلَّدتُكَ، ويكاتبُه في البُعْدِ.
وتُفيدُ ولايةُ الحكمِ العامَّةِ الفَصْلَ بين الخُصومِ، وأَخْذَ الحَقِّ لبعضِهم من بعضٍ، والنَّظَرَ في أموالِ غير المُرشِدينَ، والحَجْرَ على من يستوجبُهِ لِسَفَهٍ أو فَلَسٍ، والنَّظَر في وقوفِ عَمَلِه ليعملَ بشروطِها، وتنفيذَ الوصايا، وتزويجَ من لا وليَّ لها، وإقامةَ الحُدودِ، وإمامةَ الجُمعةِ والعِيدِ، والنَّظَرَ في مصالحِ عَمَلِه بكفِّ الأَذَى عن الطُّرقاتِ وأَفْنيتِها ونحوه، ويجوزُ أن يولَّى عموم النظر في عموم العمل، وأن يُولَّى خاصاً فيهما أو في أحدهما.
ويُشْتَرَطُ في القاضي عشرُ صفاتٍ: كونُه بالغاً، عاقلاً ذكراً، حُرّاً، مسلماً، عَدْلاً، سميعاً، بصيراً، متكلِّماً، مُجتهِداً ولو في مذهبه.
وإذا حكَّمَ اثنانِ بينهما رَجْلاً يصلحُ للقضاءِ نَفَذَ حكمُه في المالِ والحُدودِ واللِّعانِ وغيرِها(*).
بـاب آداب القـاضي
ينبغي أن يكون قويا من غير عُنْفٍ، ليِّناً من غير ضَعْفٍ، حليماً ذا أناة وفِطْنةٍ ولْيَكُنْ مَجلسُه وسط البلدِ فسيحاً، ويعدِلُ بين الخَصْمَيْنِ في لَحْظِهِ ولَفْظِهِ ومَجْلِسِه ودُخولِهما عليه، وينبغي أن يَحضُرَ مجلسَه فقهاءُ المذاهبِ ويشاورُهم فيما يُشكِلُ عليه، ويَحْرُمُ القَضَاءُ وهو غَضْبانُ كثيراً أو حاقنٌ أو في شدِّةِ جُوعٍ أو عَطَشٍ، أو همٍّ أو مَلَلٍ، أو كَسَلٍ أو نُعَاسٍ، أو بَرْدٍ مُؤلمٍ، أو حَرٍّ مُزْعِجٍ، وإن خالف فأصابَ الحقَّ نَفَذَ، ويَحْرُمُ قَبُولُهُ رِشْوةً وكذا هَدِيَّةٍ إلا ممن كان يُهاديهِ قبل وِلايتِه إذا لم تكن لـه حُكومةٌ، ويُستحَبُّ ألا يحكمَ إلا بحضرةِ الشُّهودِ، ولا ينفذ حكمُه لنفسِه، ولا لمن لا تُقبَلُ شهادتُه لـه.
ومن ادَّعَى على غيرِ بَرْزَةٍ لم تَحْضُرْ وأمرتْ بالتوكيلِ ، وإن لزمَها يمينٌ أرسلَ من يُحلِّفُها، وكذا المريضُ(*).
بـابُ طَرِيقِ الحُكْمِ وَصِفَتِهِ
إذا حضرَ إليه خَصْمانِ قال: أيُّكما المدَّعِي، فإن سَكَتَ حتى يُبْدأَ جازَ، فمن سبقَ بالدَّعْوَى قَدَّمَه، فإن أقرَّ لـه حَكَمَ لـه عليه، وإن أنكرَ قال للمدَّعِي: إن كان لك بينةٌ فأَحْضِرْها إن شئتَ، فإن أحْضَرَها سَمِعَها وحَكَمَ بها، ولا يَحْكُم بعِلْمِه، وإن قال الـمُدَّعِي: ما لي بَيِّنةٌ، أَعْلَمَهُ الحاكمُ أنَّ لـه اليَمِينَ على خَصْمِهِ على صِفَةِ جوابِه، فإن سألَ إِحْلافَه أَحْلَفَهُ وخَلَّى سبيله.
ولا يُعْتَدُّ بيمينه قبلَ مسألةِ الـمُدَّعِي، وإن نَكَلَ قَضَى عليه، فيقول إن حَلَفْتَ وإلا قَضَيْتُ عليك، فإن لم يَحْلِفْ قَضَى عليه، فإن حَلَفَ الـمُنْكِرُ ثم أَحْضَرَ الـمُدَّعِي بينةً حَكَمَ بها، ولم تكن اليمينُ مُزيلةً للحقِّ(*).
فصــل
ولا تصحُّ الدَعْوَى إلا مُحرَّرَةً معلومةَ المُدَّعَى به، إلا ما نصحِّحُه مجهولاً كالوصيةِ وعبدٍ من عبيدِه مَهْراً ونحوه.
وإن ادَّعى عَقْدَ نِكَاحٍ أو بيعٍ أو غيرهما فلابدَّ من ذِكْرِ شُروطِه، وإن ادَّعتْ امرأةٌ نِكاحَ رجلٍ لطلبِ نَفَقةٍ أو مَهْرٍ أو نحوهما سُمِعَتْ دعواها، وإن لم تَدَّعِ سوى النكاحِ لم تُقْبَلْ، وإن ادَّعى الإرثَ ذَكَرَ سبَبَهُ.
وتُعتَبرُ عدالةُ البينةِ ظاهراً وباطناً ومن جُهِلَتْ عدالتُه سَأَلَ عنه، وإن عَلِمَ عدالتَه عَمِلَ بها، وإن جَرَحَ الخَصْمُ الشُّهودَ كُلِّفَ البينةَ به، وأُنْظِرَ لـه ثلاثةَ أيامٍ إن طلبَه، وللمدَّعِي مُلازمتُه، فإن لم يأتِ ببينةٍ حَكَمَ عليه، وإن جَهِلَ حالَ البينةِ طَلَبَ من الـمُدَّعي تَزْكيتَهم، ويكفي فيها عَدْلانِ يَشْهدانِ بعدالتِه.
ولا يُقْبَلُ في الترجمةِ والتزكيةِ والجَرْحِ والتعريفِ والرسالةِ إلا قولُ عَدْلَينِ.
ويَحكُمُ على الغائبِ إذا ثبتَ عليه الحقُّ ، وإن ادَّعى على حاضرٍ في البلدِ غائب عن مَجْلسِ الحُكم وأُتِي ببينةٍ لم تُسْمَعِ الدَّعْوَى ولا البَيِّنَةُ(*).
بـاب كتاب القاضي إلى القاضي
يُقْبَلُ كتابُ القَاضِي إلى القَاضِي في كُلِّ حقٍّ حتى القَذْفِ، لا في حُدودِ اللهِ كَحَدِّ الزِّنَا ونحوهِ، ويُقْبَلُ فيما حَكَمَ به ليُنْفِذَهُ وإن كانا في بلدٍ واحدٍ، ولا يُقْبَلُ فيما ثَبَتَ عنده لِيَحْكُمَ به إلا أن يَكونَ بينَهما مسافةُ القَصْرِ(*).
ويجوز أن يكتب إلى قاضٍ مُعَيَّنٍ، وإلى كلِّ من يَصِلُ إليه كتابُه من قُضَاةِ المسلمين، ولا يُقبل إلا أن يُشْهِدَ به [القاضي] الكاتبُ شاهِدَيْن يُحضرهما فيقرأه عليهما، ثم يقول: اشهدا أن هذا كتابي إلى فلان ابن فلان ثم يدفعُه إليهما(*).
باب القسمة
لا تجوزُ قِسْمَةُ الأملاك التي لا تَنْقَسِمُ إلا بضررٍ، أو رَدِّ عِوَضٍ إلا بِرِضَا الشُّركاءِ كالدُّورِ الصِّغارِ، والحَمَّامِ والطَّاحُونِ الصَّغيرين، والأرضِ التي لا تتعدَّل بأجزاء، ولا قيمةَ لبناءٍ أو بئرٍ في بعضها، فهذه القِسْمةُ في حُكْمِ البيع، ولا يُجْبَرُ من امتنع من قِسْمَتِها.
وأما ما لا ضررَ ولا ردَّ عِوَضٍ في قِسْمَتِه كالقرية، والبستانِ، والدارِ الكبيرةِ، والأرضِ، والدكاكينِ الواسعةِ، والمكيلِ والموزونِ من جنسٍ واحدٍ كالأدهانِ، والألبانِ ونحوهما، إذا طلبَ الشريكُ قِسْمَتَها أُجبر الآخرُ عليها، وهذه القسمةُ إفرازٌ لا بيعٌ.
ويجوز للشركاءِ أن يتقاسَموا بأنفسِهم وبقاسمٍ يُنصِّبونه أو يسألوا الحاكِمَ نَصْبَهُ، وأُجْرَتُهُ على قدرِ الأملاكِ، فإذا اقتسَمُوا أو اقْتَرعُوا لَزِمَتِ القِسْمَةُ، وكيف اقتَرَعُوا جازَ(*).
باب الدعاوَى والبينات
المُدَّعِي: مَنْ إذا سَكَتَ تُرِكَ، والمُدَّعَى عليه: مَنْ إذا سَكَتَ لم يُتْرَكْ.
ولا تصحُّ الدعوَى والإنكارُ إلا من جائزِ التصرفِ، وإذا تداعَيا عَيْناً بيدِ أحدِهما فهي له مع يمينِه، إلا أن تكونَ له بيِّنةٌ فلا يَحْلِفُ، فإن أقامَ كلُّ واحدٍ بيِّنةً أنها له قُضِيَ للخارجِ ببينتِه، ولَغَتْ بينةُ الداخل(*)ِ.
كتاب الشهادات
تَحمّلُ الشهادات في غير حقِ الله فرضُ كفاية، فإن لم يوجد إلا من يَكْفي تَعيَّن عليه.
وأداؤها فرضُ عينٍ على من تحمَّلها، متى دُعي إليها وقَدَرَ بلا ضَررٍ في بَدَنِه أو عِرْضِه أو مالِه أو أهلِه، وكذا في التحمُّلِ، ولا يحِلُّ كتمانها، ولا أن يشهدَ إلا بما يَعلَمُه برؤيةٍ أو سماعٍ أو استفاضةٍ فيما يتعذَّر عِلمُه غالباً بدونها كنَسَبٍ وموتٍ ومِلْك مطلق، ونكاحٍ ووقفٍ ونحوها(*).
ومن شَهِدَ بنكاحٍ أو غيره من العُقودِ فلابدَّ من ذِكْرِ شروطـه، وإن شهد برضاعٍ أو سرقةٍ أو شُربٍ أو قَذْفٍ، فإنه يصفُـه ويصفُ الزِنا بذكرِ الزمان والمكان والمزنِي بها، ويَذكرُ ما يُعتبَر للحُكمِ ويَختلِفُ به في الكُلِّ(*).
فصــــــل
شروطُ مَنْ تُقبل شهادتُه ستةٌ: البلوغُ، فلا تُقبلُ شهادةُ الصِّبيانِ. الثاني: العقلُ، فلا تُقبلُ شهادةُ مجنونٍ ولا مَعْتوهٍ، وتُقبلُ ممن يُخْنَقُ أحياناً في حالِ إفاقتِه. الثالث: الكلامُ، فلا تُقبلُ شهادةُ الأخرسِ، ولو فُهِمَتْ إشارتُه إلا إذا أدَّاها بخطِّه. الرابع: الإسلامُ. الخامس: الحِفْظُ. السادس: العدالةُ ويُعتبَر لها شيئان: الصلاحُ في الدِّين، وهو أداءُ الفرائضِ بسُننها الراتبةِ، واجتنابُ المحارمِ، بأن لا يأتيَ كبيرةً ولا يُدمن على صغيرةٍ، فلا تقبلُ شهادةُ فاسقٍ. الثاني: استعمالُ المروءةِ، وهو فعلُ ما يُجمِّله ويزينُه، واجتنابُ ما يدنِّسُه ويَشِيْنُه. ومتى زالتِ الموانعُ، فبلغَ الصبيُّ وعَقَلَ المجنونُ وأسلم الكافرُ وتاب الفاسقُ، قُبلتْ شهادتُهم(*).
بـاب موانـع الشهادة وعدد الشهود
لا تُقْبَلُ شهادةُ عَمُودَي النَّسَبِ بعضِهم لبعضٍ، ولا شهادةُ أحدِ الزوجين لصاحِبه، وتُقْبَلُ عليهم، ولا من يَجُرُّ إلى نفسِه نفعاً، أو يَدفعُ عنها ضرراً، ولا عدوّ على عدوِّهِ(*)، كمن شَهِدَ على من قَذَفَهُ، أو قَطَعَ الطريقَ عليه، ومن سرَّه مَسَاءًةَ شخصٍ، أو غمَّهُ فرحُهُ فهو عدوُّه(*).
فصــل
ولا يُقْبَلُ في الزنا والإقرارِ به إلا أربعةٌ، ويكفي على من أَتَى بهيمةً رجلان. ويُقْبَلُ في بقيةِ الحدودِ، والقصاصِ، وما ليس بعقوبةٍ ولا مالٍ(*)، ولا يقصدُ به المال ويَطَّلِعُ عليه الرجالُ غالباً: كنكاحٍ وطـلاقٍ ورَجْعةٍ، وخلعٍ ونسبٍ، وولاءٍ وإيصاءٍ إليه، يُقبـلُ فيه رَجُلانِ. ويُقبلُ في المارِ وما
يُقْصَدُ به، كالبيعِ، والأَجَلِ والخِيَارِ فيه ونحوِه رجلان، أو رَجُلٌ وامرأتانِ، أو رجلٌ ويمينُ المدَّعِي.
وما لا يَطَّلِعُ عليه الرجالُ: كعُيوبِ النساءِ تحت الثيابِ، والبَكَارةِ والثُّيوبَةِ، والحَيْضِ والولادةِ والرَّضاعِ والاستهلالِ(1) ونحوه، تُقبَلُ فيه شهادةُ امرأةٍ عَدْلٍ، والرجلُ فيه كالمرأةِ.
ومن أتى برجلٍ وامرأتين، أو شاهدٍ ويمينٍ فيما يوجب القَوَدَ لم يَثْبُتْ به قَوَدٌ ولا مالٌ، وإن أتى بذلك في سرقةٍ ثَبَتَ المالُ دون القَطْعِ، وإن أتى بذلك في خُلْعٍ ثَبَتَ لـه العِوَضُ، وتَثْبُتُ البينونةُ بمُجَرَّدِ دعواه.
فصــل
ولا تُقبلُ الشهادةُ على الشهادةِ إلا في حقٍّ يُقبل فيه كتابُ القاضي إلى القاضي، ولا يَحكمُ بها إلا أن تَتعذَّرَ شهادةُ الأصلِ بموتٍ أو مرضٍ، أو غَيْبةِ مسافةَ قَصْرٍ.
ولا يجوزُ لشاهدِ الفَرْعِ أن يَشهدَ إلا أن يَسترعيَه شاهدُ الأصلِ، فيقول: اشْهَدْ على شَهادتي بكذا، أو يَسْمَعُه يُقِرُّ بها عند الحاكم، أو يَعْزُوها إلى سَبَبٍ، من قَرْضٍ، أو بيعٍ، ونحوِه. وإذا رَجَعَ شهودُ المال بعد الحُكْمِ لم يُنْقَضْ ويَلْزَمُهُمْ الضَّمَانُ دونَ من زَكَّاهُمْ، وإنْ حَكَمَ بشاهدٍ ويمينٍ، ثم رَجَعَ الشاهدُ غَرِمَ المالَ كُلَّه(*).
باب اليمين في الدَّعاوى
لا يُسْتَحلَفُ في العباداتِ ولا في حُدودِ الله تعالى، ويُسْتَحْلَفُ المُنْكِرُ في كُلِّ حَقٍّ لآدميٍّ، إلا النكاحَ، والطلاقَ(*)، والرَّجْعَةَ، والإيلاءَ، وأصلَ الرقِّ،
والولاءَ، والاستيلادَ، والنَّسَبَ، والقَوَدَ، والقَذْفَ.
واليمينُ المشروعةُ هي اليمينُ بالله، ولا تُغَلَّظُ إلا فيما لـه خَطَرٌ.
كتاب الإقرار
يصحُّ من مُكلَّفٍ مُختارٍ غيرِ مَحْجورٍ عليه، ولا يَصِحُّ من مُكْرَهٍ، وإن أُكْرِهَ على وَزْنِ مالٍ، فباعَ مُلْكَهُ لذلك صحَّ.
ومن أَقَرَّ في مَرَضِه بشيءٍ فكإقْرارِه به في صِحَّتِه إلا في إقرارِه بالمالِ لوارثٍ فلا يُقْبَلُ، وإن أَقَرَّ لامرأتِه بالصَّدَاقِ، فلها مَهْرُ المِثْلِ بالزوجِيَّةِ لا بإقرارِه، ولو أقرَّ أنه كان أَبَانَها في صِحَّتِه لم يَسْقُطْ إِرْثُها.
وإن أَقَرَّ لـوارثٍ فصارَ عند الموتِ أجنبياً لم يَلْزَمْ إقرارُه لأنه باطلٌ، وإن أَقَرَّ لغيرِ وارثٍ أو أعطاهُ صَحَّ وإن صارَ عند الموتِ وارثاً.
وإنْ أَقَرَّتِ امرأةٌ على نَفْسِها بنكاحٍ ولم يَدَّعِهِ اثنانِ قُبِلَ، وإن أَقَرَّ وليُّها المُجْبِرُ بالنكاحِ، أو الذي أَذِنَتْ لـه، صَحَّ.
وإن أَقَرَّ بِنَسَبِ صغيرِ أو مجنونٍ مَجْهولِ النَّسَبِ أنه ابنُه ثَبَتَ نَسَبُه منه، فإنْ كان ميتاً وَرِثَهُ، وإذا ادَّعَى على شَخْصٍ بشيءٍ فَصَدَّقَهُ، صَحَّ(*).
..................................................................
فصــل
وإذا وصل بإقراره ما يسقطه، مثل أن يقول لـه: عليَّ ألفٌ لا يلزمني، ونحوه لزمه الألفُ، وإن قال: كان لـه عليَّ فقضيتُه، فقوله مع يمينه ما لم تكن بيِّنة أو يعترف بسبب الحق.
وإن قال: له عليَّ مائةٌ ثم سكت سُكوتاً يمكنه الكلامُ فيه، ثم قال: زيوفاً أو مؤجلة لزمه مائةٌ جيدةٌ حالًّةٌ، وإن أقرَّ بدين مؤجل، فأنكر المقَر لـه الأجل، فقول المقِر مع يمينه، وإن أقر أنه وهب أو رهن وأقبض، أو أقر بقبض ثمن أو غيره، ثم أنكر القبض، ولم يجحد الإقرار، وسأل إحلاف خصمه فله ذلك.
وإن باع شيئاً أو وهبه أو أعتقه، ثم أقر أن ذلك كان لغيره لم يُقبل قوله، ولم ينفسخ البيع ولا غيره، ولزمته غرامته للمقَر لـه، وإن قال: لم يكن ملكي ثم ملكته بعدُ وأقامَ بينة قُبِلت، إلا أن يكون قد أقر أنه مَلَكه، أو أنه قبض ثمن ملكه، لم يُقبل منه(*).
...................................................................... فصــــل
[في الإقرار بالمُجْمَل]
إذا قال: له عليَّ شيء أو كذا، قيل لـه: فسِّرْهُ، فإن أبى حبس حتى يفسره، فإن فسره بحق شفعةٍ أو بأقلِّ مالٍ قُبِلَ، وإن فسرت بميتة أو خمر أو قشر جوزةٍ لم يقبل، ويقبل بكلب مباح نفعه أو حدِّ قذف، وإن قال: له علي ألف رجع في تفسير جِنسه إليه، فإن فسره بجنس واحد أو أجناس قبل منه.
وإذا قال: له عليَّ ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية، وإن قال: ما بين درهم إلى عشرة أو من درهم إلى عشرة لزمه تسعة، وإن قال: له علي درهم أو دينار لزمه أحدهما، وإن قال: له علي تمرٌ في جراب، أو سكين في قراب، أو فص في خاتم ونحوه، فهو مقر بالأول(*).
والله سبحانه وتعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. (تم والحمد لله).
* هذا المختصرُ صغيرُ الحجمِ، كبيرُ الفائدةِ كثيرُ المسائل النافعةِ، يَعرف قَدْرَه من حَفِظَه، ولكن ينبغي لطالب العلم أن يحفظ قبله (عُمْدَةَ الأحكام) في الحديث لأنه الأصلُ، وكذلك (بلوغ المرام) فإذا حفظ ذلك وقد رزقه الله تعالى فَهْماً في كتابه واتِّباعاً لسنة رسوله ﷺ والإنصافَ والعدلَ في القولِ والحُكْمِ، فقد استحقَّ الفُتيا والقضاءَ وبالله التوفيق.
* قولـه: (أو بملح مائي) يعني إذا تغيَّر الماءُ بالملح المائي كُره، ولم يسلبه الطهورية؛ لأن أصله الماء كالملح البحري الذي ينعقد من الماء في السِّبَاخ ونحوها فلا يسلبه الطهورية وأما الملح المعدني، فيسلبه الطهوريةَ إذا غيَّر أحدَ أوصافه كالزَّعْفران ونحوه، قال في الإنصاف: هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وقيل: حكمُه حكمُ البحري، اختاره الشيخ تقي الدين.
* قولـه: (وإن بَلَغ قُلَّتَين) إلى آخره، هذا ظاهرُ المذهب لحديث "إذا كان الماءُ قُلَّتَيْن لم يُنَجِّسْه شيءٌ"(1) وعنه لا يَنْجُسُ إلا بالتَّغَيُّر لحديث "الـمـاء طهور لا يُنَجِّسُه شيءٌ إلا ما غَلَب على ريحِه أو طعمِه أو لونِه"(2)، اختاره الشيخ تقي الدين.
(1) أخرجه أبو داود في سننه برقم (63، 65) والترمذي في صحيحه برقم (67) من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. | ||
(2) أخرجه أبو داود في سننه برقم (66) والترمذي في صحيحه رقم (66) وحسَّنه الإمام أحمد في مسنده 3/31، 86. والنسائي في الصغرى 1/174 من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. |
* قولـه: (فخالطتْه نجاسةُ غيرِ بولِ آدمي أو عَذِرتِه المائعة) يعني: أنه يَنْجُسُ بالبول أو العَذِرةِ ولو كان كثيراً، وعنه لا يَنْجُس، اختارها أبو الخطاب وابن عقيل لخبر القُلَّتين، ولأن نجاسة الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب، قال في الإنصاف: وهذا المذهب، وهو قول الجمهور.
* قولـه: (ولا يرفع حدث رجل طهورٌ يسيرٌ خَلَتْ به امرأةٌ لطهارةٍ كاملةٍ عن حَدثٍ). قال في المقنع: وإن خَلَت بالطهارة منه امرأةٌ فهو طهور، ولا يجوز للرجل الطهارةُ به في ظاهر المذهب، قال في الإنصاف: قال ابن رزين: لم يجز لغيرها أن يَتَوضَّأَ به في أضعفِ الروايتين، وعنه يَرْتفعُ الحَدَثُ مطلقاً كاستعمالهما معاً في أصح الوجهين فيه، قال في الفروع: اختارها ابن عقيل وأبو الخطاب، قال في الشرح الكبير: وهو أقيس إن شاء الله تعالى.
قلتُ: وهذا قول الجمهور وهو الصحيح، لأن بعض أزواج النبي ﷺ اغتسلت في جَفْنة، فجاء ليغتسل منها فقالت لـه: إني كنت جُنُباً. قال: (إن الماء لا يجنب) وأما الحديث الآخر: (نهى النبي ﷺ أن يغتسل الرجلُ بفضل المرأة أو المرأةُ بفضل الرجل وليغترفا جميعاً)(1)، فهو محمول على التنزيه والله أعلم.
(1) أخـرجه أبو داود في سننه بـرقم (82) والترمـذي في صحيحه بـرقـم (64) وابن ماجــه في سننه برقم (373) من حديث الحكم بن عمرو. |
* قولـه: (وإن تغير طعمه أو ريحه أو لونه بطبخٍ أو ساقطٍ فيه) إلى آخره، قال في المقنع: القسم الثاني: ماء طاهر غير مطهر، وهو ما خالطه طاهر فغيَّر اسْمَه أو غلب على أجزائه أو طبخ فيه فغيَّره، فإن غير أحد أوصافه: لونه أو طعمه أو ريحه أو استعمل في رفع حدث أو طهارة مشروعة كالتجديد وغسل الجمعة أو غمس فيه يد قائم من نوم الليل قبل غسلها ثلاثاً فهل يسلب طهور يته؟ على روايتين. قال في الإنصاف: قولـه: فإن غير أوصافه: لونه أو طعمه أو ريحه فهل يَسْلبه طهور يته؟ على روايتين (إحداهما): يسلبه الطهورية وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، (والروايـة الثانية): لا يسلبه الطهورية. قال في الكافي نقلها الأكثر، واختارها الآجري والمجد والشيخ تقي الدين، وعنه أنه طهور مع عدم طهور غيره، اختارها ابن أبي موسى.
قلتُ: وهذا أقرب لقول الله تعالى: )فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ( [التغابن:16].
قال في الإنصاف: قولـــه: (أو غُمِسَ فيه يدُ قائمٍ مــن نــومِ الليل قبــل غسلها ثلاثاً)، فهل يَسْلُب طهوريَّتَه؟ على روايتين:
(إحداهما): يسلبه الطهورية، وهو المذهب، وهو من المفردات.
(والرواية الثانية) :لا يسلبه الطهورية، جزم به في الوجيز، واختاره المصنِّف، والشارح والشيخ تقي الدين، قال في الشرح: وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، لأن الماء قبل الغمس كان طهوراً، فيبقى على الأصل.
ونَهْيُ النبي ﷺ عن غمس اليدين كان لوهم النجاسة، فالوهم لا يزيل الطهورية، كما لم يُزِل الطهارة، وإن كان تعبُّداً اقتصر على مَوْرِدِ النَّصِّ، وهو مشروعية الغسل.
(1) كما في البخاري ـ حديث رقم (163) ، و مسلم حديث رقم (287) ، وانظر أحاديث "غمس اليدين في الإناء" جامع الأصول لابن الأثير برقم (5182) و ما بعده . |
* قال في الإنصاف: يعني إن علم عدد الثياب النجسة، وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وهو من المفردات، وقيل: يتحرَّى مع كثرة الثياب النجسة للمَشَقَّة، اختاره ابن عقيل، وقيل: يتحرَّى سواء قَلَّتْ الثيابُ أو كثرت، اختارها الشيخ تقي الدين.
* قولـه: (وتصح الطهارة منها) أي من الآنية المحرمة. هذا المذهب، وعنـه لا تصح، اختاره الشيخ تقي الدين.
* قولــه: (وتباح آنيةُ الكفار -ولو لم تحلَّ ذبائحُهم وثيابهُم- إن جُهل حالها) قال في المقنع: وثياب الكفار وأوانيهم طاهرةٌ مباحةُ الاستعمال ما لم تُعْلَم نجاستُها، قال في الإنصاف: هذا المذهب، وعنه: ما ولِي عوراتهم كالسراويل ونحوه لا يصلي فيه، وعنه: أنَّ من لا تحلُّ ذبيحتهم كالمجوس وعبدة الأوثان لا يستعمل ما استعملوه من آنيتهم إلا بعد غَسْله، قال القاضي: وكذا من يأكل الخنزير من أهل الكتاب في موضع يمكنهم أكله.
* قولـه: (ولا يطهر جلد ميته بدباغ)، هذا المذهب وهو من المفردات وعنه يطهر منها ما كان طاهرا في حال الحياة، وهو الصحيح لقول النبي ﷺ في الشاة الميتة: (ألا انتفعتم بإهابها) قالوا: إنها ميته قال: (يطهرها الماء والقرض) وفي الحديث الآخر: (دباغ جلود الميتة طهورها).
* قولـه: (واستقبال النيِّرين) قال في الإنصاف: قولـه: ولا يستقبل الشمس ولا القمر، الصحيح من المذهب كراهة ذلك، قال في الفروع: وقيل: لا يكره التوجه إليهما كبيت المقدس انتهى. والصحيح عدم الكراهة لقول النبي ﷺ: (لا تستقبلوا القِبْلةَ بغائطٍ ولا بولٍ ولا تستدبروها ولكن شَرِّقوا أو غربوا)(1).
(فائدة) لو استجْمر بما لا يجوز الاستجْمارُ به ثم استنجى بعده بالماء أجزأه بلا نزاع، و إن استجمر بغير المُنقي جاز الاستجمار بعده بُمنقٍ. قاله في الإنصاف.
(1) أخرجه البخاري في الوضوء: باب لا تستقبل القبلة ببول ولا غائط إلا عند البناء برقم (144). ومسلم في الطهارة، باب الاستطابة برقم (264). |
* قولُه: (لا بإصبع أو خرقة). قال في المقنع: فإن استاك بإصبعه أو بخرقة فهل يصيب السُّنة؟ على وجهين. قال في مجمع البحرين أصح الوجهين إصابة السنة بالخرقة وعند الوضوء بالإصبع، وقال الموفق: يصيب بقدر إزالته وقيل: يصيب السُّنَّة عند عدم السواك، قال في الإنصاف: وما هو ببعيد.
* قولـه: (مسنونٌ كلَّ وقت لغير صائم بعد الزوال). أي فلا يستحب، هذا المشهور من المذهب، وعنه يباح لحديث عامر بن ربيعة "رأيت النبي ﷺ ما لا أحصي يتسوك وهو صائم"(1). رواه أحمد وغيره، وعنه يستحب مطلقاً، واختاره الشيخ تقي الدين لحديث: (خير فعال الصائم السواك) [رواه ابن ماجه].
* قولـه: (ويستاك عرضاً مبتدئاً بجانب فمه الأيمن) لحديث: (كان النبي ﷺ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وسواكه و في شأنه كله). رواه أبو داود وقال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث البداءة بشِقِّ الرأس الأيمن في التَّرجل والغسل والحَلْق ولا يقال: هو من باب الإزالة فيبدأ فيه بالأيسر، بل هو مــن بــاب العبادة والتزين، وقـد ثبت الابتداءُ بالشِّق الأيمنِ في الحَلْق قال النووي: قاعدة الشرع المستمرة: استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بضدهما استُحِبَّ فيه التياسُر.
(1) أخرجه البخاري في الوضوء، باب التيمن في الوضوء برقم (168)، ومسلم في الطهارة، باب التيمن في الطهور وغيره برقم (268). |
* قال في الاختيارات: ولا يمسح العنق، وهو قول جمهور العلماء، ولا أخذه ماءً جديداً للأذنين، وهو أصح الروايتين عن أحمد، وهو قول أبي حنيفة وغيره.
* قال في الإنصاف: مفهوم قــولـه: (والنيــةُ شرطٌ لطهارة الحدث) أنهــا لا تشترط لطهارة الخبث، وهو صحيح وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، قال: في الاختيارات: ولا يجب نطق بها سراً باتفاق الأئمة الأربعة وقولين في مذهب أحمد، وغيره في استحباب النطق بها، والأقوى عدمه، واتفقت الأئمة على أنه لا يشرع الجهر بها ولا تكرارها.
(1) لقوله ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات) أخرجه البخاري 1/9، ومسلم (1907) فهو متفق عليه. |
* قولـه: (ساتر للمفروض)، قال في الاختيارات: ويجوز المسح على الخُفِّ المُخَرَّق ما دام اسمه باقياً، والمشي فيه ممكن، قال في الإنصاف: واختاره أيضاً جَدُّه وغيرُه من العلماء، لكن من شَرْطِ الخَرْقِ أن لا يَمْنَعَ متابعةَ المشي.
* قولـه: (يثبت بنفسه)، اختار شيخ الإسلام عدم اشتراطه، وجواز المسح على الزربول الذي لا يثبت إلا بِسَيْرٍ يشدُّه به متَّصلاً أو منفصلاً عنه ،قال: وأما اشتراط الثبات بنفسه فلا أصل له في كلام أحمد.
* قولـه: (وجبيرة لم تتجاوز قدر الحاجة) قال في الإنصاف: إذا تجاوز قدر الحاجة نزعه إن لم يخف التَّلَف، فإن خاف التلف سقط عنه بلا نزاع، وكذا إن خاف الضرر على الصحيح من المذهب.
* قولـه: (ولا ما يسقط من القدم أو يُرَى منه بعضُهُ)، تقدم اختيار شيخ الإسلام، ومال المجد إلى العفو عن خرق لا يمنع متابعة المشي نظراً إلى ظاهر خفاف الصحابة.
* قولـه: (وزوال العقل إلا يسير نوم من قاعد وقائم) هذا المذهب، وعنه أن نوم الراكع والساجد لا ينقض يسيره، قال في الاختيارات: والنوم لا ينقض مطلقاً إن ظن بقاء طهارته، وهو أخص من رواية حكيت عن أحمد: أن النوم لا ينقض بحال.
* قولـه: (ومسه امرأة بشهوة أو تمسه بها) هذا المذهب، وعنه: لا ينقض، قال في الاختيارات: ومال أبو العباس أخيراً إلى استحباب الوضوء دون الوجوب من مسِّ النساء والأمرد إذا كان لشهوة، قال: إذا مسَّ المرأةَ لغير شهوة فهذا مما عُلم بالضرورة أن الشارع لم يوجبْ منه الوضوء، ولا يستحب الوضوءُ منه.
* قولـه: (وأكل اللحم خاصة من الجزور)، قال في المقنع: وإن أكل من كبدها أو طحالها فعلى وجهين، قال في الإنصاف: أحدهما: لا ينقض وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، والثاني: ينقض. انتهى، واختار شيخ الإسلام في الفتاوى جميع أجزاء الجزور حكمُها واحد، قال في الاختيارات: ويستحب الوضوء من أكل لحم الإبل.
* قولـه: (وإن انتقل ولم يخرج اغتسل لـه). هذا من مفردات المذهب، وعنه لا يجب الغسل حتى يخرج، وهو قول أكثر العلماء، قال في الشرح وهو الصحيح إن شاء الله.
* قولـه: (لا ولادة عَارِيَة عن دم) قال في المقنع: وفي الولادة العاَرِيَّةِ عن الدم وجهان، قال في الإنصاف: أحدهما: لا يجب، وهو المذهب إلى أن قال: والثاني: يجب، وهو رواية في الكافي، واختاره ابن أبي موسى، وجزم به القاضي في الجامع الصغير.
* قولـه: (أو نجاسة على بدنـه تضرُّه إزالتُها) قــال في الإنصــاف: ويجـوز التيمم للنجاسة على جرح يضره إزالتها، ولعدم الماء على الصحيح من المذهب، وهي من المفردات، وعنه لا يجوز التيمم لها، قال في الاختيارات: ولا يتيمم للنجاسة على بدنه، وهو قول الثلاثة خلافاً لأشهر الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى.
* قولـه: (ويجب التيمم بتراب طهور [غير مُحترِق](1) لـه غُبار)، قال في الإنصاف: قولـه: ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر لـه غبار يعلق باليدين، هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وعنــه يجــوز بالسبخــة وبــالرمل، قــال في الاختيــارات: ويجـوز التيمم بغير التراب من أجزاء الأرض إذا لــم يجد تراباً، وهو رواية، قال: ولا يستحب حملُ التراب معه للتيمم، قاله طائفة من العلماء، خلافاً لما نقل عن أحمد.
(1) ما بين المعقوفتين ليس في العبارة المشروحة من الكتاب ، و هو في المتن أعلاه . |
* قولـه: (وكذا الترتيب والموالاة) أي مــن فــروض التيمم علــى إحدى الروايتين، قال في الإنصاف: الصحيح من المذهب أن حكم الترتيب والموالاة هنا حكمهما في الوضوء، وقيل: هما هنا سُنَّة، قال المجد: قياس المذهب عندي أن الترتيب لا يجب في التيمم وإن وجب في الوضوء، لأن بطون الأصابع لا يجب مسحُها بعد الوجه في التيمم بالضربة الواحدة؛ بل يعتمد بمسحها معه، واختاره في الفائق، قال ابن تميم: وهو أولى. قال في الاختيارات: والجريح إذا كان محدِثاً حدثاً أصغر فلا يلزمه مراعاة الترتيب، وهو الصحيح من مذهب أحمد وغيره، فيــصح أن يتيمم بعــد كمال الوضوء؛ بل هذا هو السنة، والفصل بين أبعاض الوضوء بتيمم بدعة.
* قال في الإنصاف: قولـه: (فإن نوى أحدها لم يجزئه عن الآخر ) اعلم أنه إذا كانت عليه أحداث فتارة تكون متنوعة عن أسباب أحد الحدثين، وتارة لا تتنوع، فإن تنوعت أسباب أحدهما ونوى بعضها بالتيمم، فإن قلنا في الوضوء لا يجزئه عما لم ينوه، فهنا بطريق أولى، وإن قلنا: يجزئ هناك أجزأ هنا على الصحيح.
* قولـه: (وإن نوى نفلاً أو أطلق لم يُصَلِّ به فرضاً)، قال في الإنصاف: وهذا المذهب، وعليه جمهور الأصحاب، وقال ابن حامد: إن نوى استباحة الصلاة وأطلق، جاز لـه فعلُ الفرض والنفل، وخرَّجه المَجْدُ وغيره، قال في الاختيارات: والتيمم يرفع الحدث، وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن أحمد، واختارها أبوبكر محمد الجوزي، وفي الفتاوى المصرية: التيمم لوقت كل صلاة إلى أن يدخل وقتُ الصلاة الأخرى، كمذهب مالك وأحمد في المشهور عنه، وهو أعدلُ الأقوال.
* قولـه: (وعلى غيرها سَبْعٌ)، قال في المقنع: وفي سائر النجاسات ثلاثُ روايات إحداهن: يجب غَسْلُها سبعاً، والثانية: ثلاثاً، والثالثة: تُكَاثَرُ بالماء، يعني حتى تذهب عينُ النجاسة، اختارها في المغني، لقول النبي ﷺ في دم الحيض : (فلتقرصه ثم لتنضحْه بالماء)، قلت: الأقرب الثلاث؛ لأن النبي ﷺ أمر بالتثليث عند توهم النجاسة للقائم من النوم، فعند تَيَقُّنِها أولى، وأما الحديث الذي يذكره بعضهم: (أُمرنا بغَسْل الأنجاسِ سَبْعاً)(1) فلا تقوم به الحجة.
* قولـه: (ولا يَطْهُر متنجسٌ بشمسٍ ولا ريحٍ ولا دَلْك ولا استحالةٍ)، قال في الإنصاف: قولـه ولا تطهر الأرضُ النجسةُ بشمسٍ ولا ريحٍ ولا بجفافٍ أيضاً، هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وقيل: يطهر في الكل، اختاره المجد في شرحه، وصاحب الحاوي الكبير، والفائق والشيخ تقي الدين وغيرهم، قال في الاختيارات: وإذا تنجَّس مــا يضره الغسل كثياب الحــرير والوَرَق وغير ذلك أجــزأ مسحُه في أظهر قولَي العلماء، و تطهُرُ الأجسام الصقيلة كالسيفِ و المرآةِ و نحوِهما إذا تنجَّست بالمسحِ ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، ونقل عن أحمد مثلُه في السكين في دم الذبيحة، ويطهر النَّعْلُ بالدَلْكٍ بالأرض إذا أصابه نجاسة، وهو رواية عـن =
(1) رواه أبو داود بإسناد ضعيف برقم (247) وانظر إرواء الغليل للألباني رقم(163). |
=أحمد، وذيلُ المرأة يطهرُ بمروره على طاهرٍ يُزيل النجاسة، وتطهر النجاسة بالاستحالة -إلى أن قال- وعلى القول: بأن النجاسة، لا تطهر بالاستحالة، فيُعفَى من ذلك عما يَشُقُّ الاحترازُ عنه كالدُّخان والغبار المستحيل من النجاسة كما يعفى عما يشق الاحتراز عنه من طين الشوارع وغبارها، وإن قيل: إنه نجس، فإنه يُعفَى عنه على أصح القولين، ومن قال: إنه نجس ولم يعْف عما يشق الاحتراز عنه، فقولـه أضعف الأقوال، وما تطاير من غبار السِّرْجِيُن ونحوه، ولم يمكن التحرز عنه عُفي عنه، وتطهر الأرض النجسة بالشمس والريح إذا لم يَبْقَ أثرُ النجاسة، وهو مذهب أبي حنيفة، لكن لا يجوز التيمم عليها بل تجوز الصلاة عليها بعد ذلك ولو لم تُغْسَلْ، ويطهر غيرها بالشمس والريح أيضاً، وهو قولٌ في مذهب أحمد، ونص عليه في حبل الغسال وتكفي غلبة الظن بإزالة نجاسة المذي أو غيره، وهو قول في مذهب أحمد، ورواية عنه في المذي ، انتهى ملخَّصاً.
* قولـه: (أو تنجس دهن مائع لم يطهر)، قال في المقنع: ولا تطهر الأدهان المتنجسة، وقال أبو الخطاب: يطهر بالغسل منها ما يتأتى غسله.
قال في المقنع: ومَنِيُّ الآدمي طاهر، وعنه أنه نجس، ويجزئُ فَرْكُ يابسه، وفي رطوبة فرج المرأة روايتان. وسباع البهائم والطير والبغل والحمار الأهلي نجسة، وعنه
أنها طاهرة، وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر.
قال في الاختيارات: ونقل عن أحمد في جوارح الطير إذا أكلت الجِيَف، فلا يعجبني عَرَقُها، فدلَّ على أنه كرهه؛ لأكلها النجاسة فقط، وهو أولى، ولا فرق في الكراهة بين جـوارح الطير وغيرها، وسواء كان يأكل الجيف أم لا، وإذا شك في=
=الرَّوْثَة هل هي من رَوْثِ ما يؤكل لحمه أو لا؟ فيه وجهان في مذهب أحمد مبنيان على أن الأصل في الأرواث الطهارة إلا ما استثني وهو الصواب، أو النجاسة إلا ما استثني. وبول ما أكل لحمه وروثه طاهر لم يذهب أحد من الصحابة إلى تنجسه؛ بل القول بنجاسته قول مُحْدَثٌ لا سلف له من الصحابة.
ولا يجب غسل الثوب والبدن من المذي والقيح والصديد، ولم يقم دليل على نجاسته، وحكى أبو البركات عن بعض أهل العلم طهارته، والأقوى في المذي أنه يجزئ فيه النضح، وهو أحد الروايتين عن أحمد، ويد الصبي إذا أدخلها في الإناء فإنه يكره استعمال الذي فيه، ويُعفى عن يسير النجاسة حتى بعر فأرة نحوها في الأطعمة وغيرها، وهو قول في مذهب أحمد، وإذا أكلت الهرة فأرة ونحوها؛ فإذا طال الفصل طهر فمها بريقها لأجل الحاجة، وهذا أقوى الأقوال، واختاره طائفة من أصحاب أحمد وأبي حنيفة، وكذلك أفواه الأطفال والبهائم والله أعلم.
* قولـه: (ولا بعد خمسين)، هذا المذهب، وهو من المفردات، وعنه: أكثره ستون، وعنه: بعد الخمسين حيض إن تكرر، قال في الإنصاف: وهو الصواب.
* قولـه: (ولا مع حمل). قال في الإنصاف: وقولـه: والحامل لا تحيض. هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وعنه: أنها تحيض، ذكرها ابن القاسم والبيهقي، واختارها الشيخ تقي الدين وصاحب الفائق، قال في الفروع: وهو أظهر، قال في الإنصاف: وهو الصواب، وقد وجد في زماننا وغيره أنها تحيض مقدار حيضها قبل ذلك، ويتكرر في كل شهر على صفة حيضها، وقد رُوي أن إسحاق ناظر أحمد في هذه المسألة، وأنه رجع إلى قول إسحاق. رواه الحاكم، انتهى.
* قولـه: (وأقله يوم وليلة) قال في الإنصاف: هذا المذهب، وعنه: يوم، اختاره أبو بكر، واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يتقدر أقل الحيض ولا أكثره؛ بل كلما استقر عادة للمرأة فهو حيض، وإن نقص عن يوم أو زاد عن الخمسة عشر أو السبعة عشر ما لم تَصِرْ مستحاضة، قال في الاختيارات: ولا حَدَّ لأقلِّ سِنٍّ تحيض فيه المرأة ولا لأكثره، ولا لأقل الطُّهر بين الحيضتين.
* قولـه: (ويستمتع منها بما دونه)، قال في الإنصاف: قوله: ويجوز أن يستمتع من الحائض بما دون الفرج، هذا المذهب وهو من المفردات، وعنه: الاستمتاع بما بين السرة والركبة، وقطع الأزجي في نهايته بأنه إذا لم يأمن على نفسه حَرُمَ عليه؛ لئلا يكون طريقاً إلى مواقعة المحظور.
قال في الاختيارات: ويحرمُ وطء الحائض، فإن وطئ في الفرج فعليه دينار كفارة، ويعتبر أن يكون مضروباً، وإذا تكرر من الزوج الوطء في الفرج ولم ينزجرْ فرق بينهما كما قلنا فيما إذا وطئها في الدبر ولم ينزجر.
* قولــه: (والمُبْتَدَأَةُ تجلس أقلَّه ثم تغتسل وتصلي)، قال في الإنصاف: أعلم أن المبتدأة إذا ابتدأت بدم أسود جلسته، وإن ابتدأت بدم أحمر فالصحيح من المذهب أنه كالأسود وقيل: لا تجلس للدم الأحمر إذا رأته وإن جلسناها الأسود، وقيل: حكمُه حكمُ الدمِ الأسودِ، وهو المذهب. انتهى ملخصاً، قال في المغني: روى صالح قال: قال أبي: أول ما يبدأ الدم بالمرأة تقعدُ ستةَ أيام أو سبعةَ أيام ، وهو أكثر ما تجلسُه النساءُ على حديث حَمْنَةَ، وعنه: أنها تجلس ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثر الحيض، وقال في الشرح الكبير: وهذا مذهـب أبي حنيفة ومـالك والشافعي، اختاره شيخنا، قال في الاختيارات: والمُبْتَدَأَةُ تجلس ما تراه من الدم ما لم تَصِرْ مستحاضة، وكذلك المنتقِلَةُ إذا تغيَّرتْ عادتُها بزيادة أو نقص أو انتقال، فذلك حيضٌ حتى تعلمَ أنها استحاضةٌ باستمرار الدم.
* قولـه: (والمستحاضة المعتادة ولو مميزة تجلس عادتها)، قال في المقنع: وإن استحاضت المعتادة رجعت إلى عادتها، وإن كانت مميزة، وعنه يقدم التمييز وهو اختيار الخرقي، قال الحافظ ابن حجر على قولـه ﷺ لفاطمة بنت أبي حُبيش: "إن ذلك دم عرق، فإذا أقبلت الحيضة، فاتركي الصلاة فيها، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي". فيه دليل على أن المرأة إذا ميَّزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض، وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم دم الحدث، فتتوضأ لكل صلاة؛ لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة لظاهر قوله: "ثم توضئي لكل صلاة"(1) وبهذا قال الجمهور.
* قولـه: (وإن علمت عدده ونسيت موضعه من الشهر ولو في نصفه جلستها من أولـه). قال في المقنع: وإن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها جلستها من أول كل شهر في أحد الوجهين، وفي الآخر تجلسها بالتحري.
* قولـه: (ومن زادت عادتها أو تقدمت أو تأخرت، فما تكرر ثلاثاً فحيض). قال في المقنع: وإن تغيرت العادة بزيادة أو تقدم أو تأخر أو انتقال، فالمذهب أنها تلتفت إلى ما خرج عن العادة حتى يتكرر مرة أو مرتين، على خلاف الروايتين، وعندي أنها تصير من غير تكرار، واختاره الشيخ تقي الدين. قال في الإقناع: وعليه العملُ، ولا يسعُ النساء العمل بغيره، قال في الإنصاف: وهو الصواب.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه برقم (327) في الحيض: باب عرق الاستحاضة، ومسلم رقم (334) في الحيض: باب المستحاضة وغسلها وصلاتها. |
* قولـه: (ومن رأت يوماً دماً، ويوماً نقاءً، فالدم حيضٌ والنقاءُ طُهْرٌ ما لم يَعْبُرْ أكثرُه)، قال في المقنع: ومن كانت ترى يوماً دماً ويوماً طُهْراً فإنها تضمُّ الدمَ على الطهرِ فيكون حيضاً والباقي طُهْراً إلا أن يجاوز أكثر الحيض فتكون مستحاضة، قال في الفروع: ومن رأت دماً متفرِّقاً يبلغ مجموعه أقل الحيض ونقاءً، فالنقاءُ طهرٌ وعنه أيامُ الدمِ والنقاءِ حيضٌ، وفاقاً لأبي حنيفة والشافعي، قال في الإنصاف: اختاره الشيخ تقي الدين وصاحب الفائق.
* قولـه: (ولا توطأ إلا مع خوف العنت) قال في المقنع: وهل يباح وطءُ المستحاضةِ في الفَرْجِ من غير خوفِ العَنَتِ؟ على روايتين، قال في الإنصاف: (إحداهما) لا يباح وهـو المذهب، وهو من المفردات (الثانية) يباح، قال في "الحاويين": ويباح الوطء للمستحاضة من غير خوف العنت على أصح الروايتين، وعنه يكره.
وقال البخاري: (باب إذا رأت المستحاضة الطهر) قال ابن عباس: تغتسل وتصلي ولو ساعة، ويأتيها زوجها إذا صلَّتْ، الصلاة أعظم، وساق حديث فاطمة بنت أبي حبيش "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" قال الحافظ: قوله: قال ابن عباس: تغتسل وتصلي ولــو ساعة، قال الداودي: معناه إذا رأت الطهر ساعة ثم عاودها دم؛ فإنها تغتسل وتصلي، والتعليق المذكور وصله ابن أبي شيبة والدارمي من طريق أنس بن سيرين عن ابن عباس أنه سأله عن المستحاضة فقال: أما ما رأت الدم البحراني فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة= =فلتغتسل وتصلي قال الحافظ: والــدم البَحْراني هو دمُ الحيض ، قولـه: (ويأتيها زوجها). هذا أثر آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً، وصله عبد الرازق وغيره من طريق عكرمة عنه، قــال: "المستحاضة لا بأس أن يأتيها زوجها" ولأبى داود من وجــه آخر عن عكرمة قــال: "كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها". قوله: (إذا صلَّتْ) شرط محذوف الجزاء أو جزاؤه مقدم ، وقولـه: (الصلاة أعظم). أي من الجماع، والظاهر أن هذا بحث من البخاري أراد به بيان الملازمة، أي إذا جازت الصلاة فجواز الوطء أولى؛ لأن أجر الصلاة أعظم من أجر الجماع. اهـ.
* قولـه: (وأكثر مدة النفاس أربعون يوماً). هذا قول أكثر أهل العلم، وقال الحسن: النفساء لا تكاد تجاوز الأربعين، فإن جاوزت الخمسين فهي مستحاضة، وقال مالك والشافعية: أكثره ستون، قال في الاختيارات: ولا حدَّ لأقل النفاس ولا لأكثره، ولو زاد على الأربعين أو الستين أو السبعين وانقطع فهو نفاس، ولكن إن اتصل فهو دم فساد وحينئذ فالأربعون منتهى الغالب.
* قولـه: (فإن عاودها الدم فمشكوك فيه تصوم وتصلي وتقضي الواجب). قال في المقنع: وإذا انقطع دمها في مدة الأربعين ثم عاد فيها فهو نفاس وعنه: أنه مشكوك فيه، قال في الفائق: إذا عاد في مدة الأربعين فهو نفاس في أصح الروايتين.
* قولـه: (وهو كالحيض فيما يحل ويحرم ويجب ويسقط غير العدة والبلوغ). قال في المقنع: والنفاس مثله إلا في الاعتداد، قال في الإنصاف: ويستثنى أيضاً كون النفاس لا يوجب البلوغ؛ فإنه يحصل قبل النفاس بمجرد الحمل.
* قولـه: (وإن ولدت توأمين فأول النفاس وآخره من أولهما). هذا المذهب، وعنه: أنه أوله الأول، وآخره من الثاني، والله أعلم.
* قولـه: (فإن صلى فمسلم حكماً) قال في المقنع: وإذا صلى الكافر حُكِمَ بإسلامه، قال في الإنصاف: هذا المذهب مطلقاً، وعليه الأصحاب، وهو من مفردات المذهب، وذكر أبو محمد التميمي: إن صلَّى جماعة حكم بإسلامه لا إن صلى منفرداً، قال الشيخ تقي الدين: شرط الصلاة تقدم الشهادة المسبوقة بالإسلام، فإذا تقرب بالصلاة يكون بها مسلماً.
* قولـه: (فإن بَلَغَ في أثنائها أو بعدَها في وقتها أعاد)، قال في الإنصاف: يعني إذا قلنا: إنها لا تجب عليه إلا بالبلوغ، وهذا المذهب وقيل: لا يلزمه الإعادة فيهما، وهو يُخَرَّج لأبي الخطاب، واختاره الشيخ تقي الدين صاحب الفائق اهـ.
(قلت) وهو الصواب لقولـه تعالى: +$tBuﷺ @yèy_ ö/ä3øn=tæ Îû ÈûïÏd9$# ô`ÏB 8ltym".
* قوله: (ولمشتغل بشرطها الذي يحصله قريباً) قال في الاختيــارات: وأما
قول بعض أصحابِنا لا يجوز تأخيرُها عن وقتها إلا لِنا وٍ جمعهما، أو مشتغلٍ بشرطها؛= | |
(1) لحديث: "من نام عن صلاة أو نسيها فلْيصلِّها إذا ذكرها". أخرجه البخاري في: مواقيت الصلاة، باب: من نسي صلاة برقم (597)، ومسلم في المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة برقم (684). |
=فهذا لم يقله أحد قبله من الأصحاب، بل ولا من سائر طوائف المسلمين إلا أن يكون بعض أصحاب الشافعي، فهذا لا شك ولا ريب أنه ليس على عمومه، وإنما أراد صوراً معروفة كما إذا أمكن الواصل إلى البئر أن يضع حبلاً يستقي به ولا يَفْرُغ إلا بعد الوقت، أو أمكن العُرْيان أن يخيط ثوباً ولا يفرغ إلا بعد الوقت ونحو هذه الصور، ومع هذا فالذي قاله في ذلك هو خلاف المذهب المعروف عن أحمد وأصحابه وجماهير العلماء، وما أظنه يوافقه إلا بعض أصحاب الشافعي، ويؤيد ما ذكرناه أيضاً أن العُرْيان لو أمكنه أن يذهب إلى قرية يشتري منها ثوباً ولا يصلي إلا بعد الوقت، لا يجوز لـه التأخير بلا نزاع، وكذلك العاجز عن تعلُّم التكبير والتشهد الأخير إذا ضاق الوقت صلَّى على حسب حاله، وكذلك المستحاضة إذا كان دمها ينقطع بعد الوقت لم يَجُزْ لها التأخير بل تصلي في الوقت بحسب حالها. ا.هـ.
* قولـه: (هما فرضا كفاية على الرجال المقيمين للصلوات الخمس المكتوبة). قال في الإنصاف: اعلم أنهما تارةً يُفعلان في الحضر، وتارة في السفر، فإن فُعِلا في الحضر؛ فالصحيح من المذهب أنهما فرضُ كفاية في القرى والأمصار وغيرهما، وهو من مفردات المذهب، وعنه هما فرض كفـاية في الأمصار والقرى، سُنّــَة في غيرهما، وعنه هما سُنَّة مطلقاً، قال في الاختيارات: والصحيح أنهما فرض كفاية، وهو ظاهر مذهب أحمـد وغيره، وقـد أطلق طوائف من العلمـاء أن الأذان سُنَّة، ثم من هؤلاء من يقول: إنه إذا اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا، والنزاع مع هؤلاء= =قريب من النزاع اللفظي فإن كثيراً من العلماء يُطْلِق القولَ بالسُّنَّة على ما يلزم تاركه، ويعاقب تاركُه شرعاً وأما من زعم أنه سنَّة لا إثم على تاركه فقد أخطأ، وليس الأذان بواجب للصلاة الفائتة، وإذا صلى وحده أداءً أو قضاءً، وأَذَّن وأقام، فقد أحسن، وإن اكتفى بالإقامة أجزأه.
* قولـه: (وتحرم أجرتُهما) قال في المقنع: ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما في أظهر الروايتين، قال في الإنصاف: وهو المذهب، وعليــه الأصحاب. والرواية الأخرى
يجوز، وعنه يكره، وقيل: يجوز إن كان فقيراً، ولا يجوز مع غِنَاه(1)، واختاره الشيخ تقي الدين.
* قولـه: (غير مستدير)، هذا المذهب، وعنه يزيل قدميه في منارة ونحوها، قال في الإنصاف: وهو الصواب، وقال في المغني عن أحمد: لا يدور إلا إن كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين(2).
(1) قال ابن قدامة في المغني 2/70: ولا نعلم خلافاً في جواز أخذ الرَّزْق عليه، وهذا قول الأوزاعي، والشافعي، لأن بالمسلمين حاجةً إليه، وقد لا يوجد متطوِّع به، وإذا لم يدفعْ الرَّزق فيه تعطَّل ويرزقه الإمام في الفيء، لأنه لمُعَدُّ للمصالح، فهو كأرزاق القضاة والغُزاة. اهـ. | ||
(2) قال في المغني 2/85: ولو أخلَّ باستقبال القبلة أو مشى في أذانه، لم يَبْطُلْ، فإنَّ الخُطبةَ آكدُ من الأذان، ولا تبطل بهذا. اهـ. |
* قولـه (ولا يجزئ قبل الوقت إلا الفجر بعد نصف الليل) قال في الإنصاف: الصحيح مــن المذهب صِحَّةُ الأذان وإجزاؤه بعــد نصف الليل لصلاة الفجر، وعليـه جماهير الأصحاب، قال الزركشي: لا إشكال أنه لا يُسْتَحب تقدُّم الأذان. قبل الــوقت كثيراً، قــال في الــفروع: وعنــه لا يصح وفــاقــاً لأبي حنيفة كغيرها، قال في الشرح الكبير: ويستحب أن لا يؤذن قبل الفجر إلا أن يكون معه مؤذنٌ آخرُ يؤذِّن إذا أصبح كبِلال وابنِ أم مَكْتوم، ولأنه إذا لم يكن كذلك لم يَحْصُل الإعلام بالوقت المقصود بالأذان، وينبغي لمن يؤذن قبل الوقت أن يجعل أذانه في وقت واحد في الليالي كلِّها؛ ليعرف الناسُ ذلك من عادته فلا يغترُّوا بأذانه، ولا يؤذن في الوقت تارة وقبله أخرى؛ فيلتبس على الناس ويغترُّون به، فربما صلَّى بعضُ من سمعه الصُّبْحَ قبل وقتها، ويمتنع من سحوره، والمتنفِّل من تَنَفُّلِه إذا لم يعلم حاله، ومن علم حاله لا يستفيد بأذانه لتردده بين الاحتمالين.
* قولـه: (ويسن لسامعه متابعته) لقول النبي ﷺ: "إذا سمعتم المؤذِّنَ فقولوا مثل ما يقول"(1) قال الشوكاني في نيل الأوطار: والظاهر من قوله في الحديث (فقولوا) التعبدُ بالقول، وعدم كفاية إمرار المجاوبة على القلب، والظاهر من قولـه: "مثل ما=
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري في: باب ما يقول إذا سمع المنادي، من كتاب الأذان 1/159، ومسلم في: باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، من كتاب الصلاة 1/288. |
= يقول" عدم اشتراط المساواة من جميع الوجوه، قال اليعمري: لاتفاقهم على أنه لا يلزم المجيب أن يرفع صوته، ولا غير ذلك، قال الحافظ: وفيه بحث؛ لأن المماثلة وقعتْ في القول، لا في صفته ولاحتياج المؤذن إلى الإعلام لـه برفع الصَّوتَ بخلاف السامع، فليس مقصوده إلا الذِّكْر، والسِّرُّ والجَهْرُ مستويان في ذلك انتهى.
* قولـه: (وتعجيلُها أفضلُ إلا في شدة حَرٍّ، ولو صلَّى وحدَه أو مع غَيْمٍ لمن يصلِّي جماعة). قال في المقنع: والأفضل تعجيلُها إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي جماعةً، قال في الإنصاف: جَزَمَ المصنِّف هنا أنها تؤخَّر لمن يصلي جماعةً فقط، وهو أحد الوجهين (والوجه الثاني) أنها تؤخَّر لشدَّة الحر مطلقاً. وهو المذهب.
* قولـه: (ويليه وقتُ العشاء إلى الفجر الثاني) قال في المقنع: ووقتها من مغيب الشَّفَق الأحمر إلى ثلث الليل الأول، وعنه: نصفه، ثم يذهب وقتُ الاختيار، ويبقى وقتُ الضرورة.
* قولـه: (وإن أدرك مُكَلَّفٌ من وقتها قَدْرَ التَّحْريمة) إلى آخره، قال في الإنصاف: واعلم أن الصلاة التي أدركها تارة تجمع إلى غيرها وتارة لا تجمع، فإن كانت لا تجمع إلى غيرها وجب قضاؤها بشرطه قولاً واحداً، وإن كانت تُجْمَعُ فالصحيح من المذهب أنه لا يجب إلا قضاءُ التي دخل وقتُها فقط، وعليه جمهور الأصحاب، وعنه يَلْزمُه قضاءُ المجموعةِ إليها، وهي من المفردات، وقال في الاختيارات: ومن دخل عليه الوقتُ ثم طرأ مانع من جنونٍ أو حيضٍ لا قضاءَ إلا أن يتضايق الوقت عن فعلها، ثم يوجد المانعُ، وهو قول مالك وزُفَر، ومتى زال المانعُ من تكليفه في وقت الصلاة لزمتْه إن أدرك فيها قدر ركعة وإلا فلا، وهو قول اللَّيْثِ والشَّافعي، ومقالةٌ في مذاهب أحمد.
* قولـه: (ويجزئ(1) سَتْرُ عورته في النَّفْل ومع أحد عاتقيه في الفرض) قال في الإنصاف: الصحيح من المذهب أنَّ سَتْرَ المَنْكِبَيْنِ في الجملة شَرْطٌ في صحة صلاة الفرض، وعليه جماهيرُ الأصحاب، وهــو من المفردات، وعنه سترهما واجبٌ لا=
(1) في الطبعة السابقة "ويكفي"، و التصحيح عن نُسخ "الزاد" المطبوعة . |
=شَرْطٌ وهو من المفردات أيضاً، وعنه سُنَّةٌ، قال في الاختيارات: ولا يختلف المذهب في أن ما بين السُّرَّةِ والرُّكبةِ من الأَمَةِ عورةٌ، وقد حكى جماعة من أصحابنا أنَّ عورتها السوأتان فقط كالرواية في عورة الرجل، وهذا غلطٌ قبيحٌ فاحشٌ على المذهب خصوصاً، على الشريعة عموماً، وكلامُ أحمدَ أبعدُ شيء عن هذا القول في المقنع، والحُرَّةُ كلُّها عورةٌ إلا الوجْهَ، وفي الكفين روايتان، وأمُّ الولد والمُعْتَقُ بعضُها كالأَمَةِ وعنه كالحُرَّة.
يُستحَبُّ للرجل أن يصلِّي في ثوبين، فإن اقتصر على سَتْر العورة أجْزأَهُ إذا كان على عاتِقِهِ شيءٌ من اللِّباس، وقال القاضي: يجزئه سَتْرُ عورتِه في النَّفْل دون الفرض.
وقال البخاري: باب إذا صلَّى في الثَّوبِ الواحدِ فَلْيَجْعَلْ على عاتقيه، وذكر حديث أبي هريرة بلفظ أشهد أني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من صلَّى في ثوب واحد فَلْيُخالِفْ بين طَرَفَيْه"(1) قال الحافظ: وقد حَمَلَ الجمهورُ الأمرَ في قولـه: "فَلْيُخَالِفْ بين طَرَفَيْه" على الاستحباب، والنَّهي على التنزيه، قال: والظاهرُ من تَصَرُّفِ المصنِّف التفصيلُ بين ما إذا كان الثوبُ واسعاً فيجبُ، وبين ما إذا كان ضَيِّقاً فلا يجب وضعُ شيءٍ منه على العاتِق، وهو اختيارُ ابن المُنْذِر.
* قولــه: (أو صلَّى في ثوبٍ مُحَرَّمٍ عليه أو نَجسٍ أعاد) قال في المقنع: ومَنْ صلَّى في ثوبٍ حريرٍ أو غَصْبٍ لم تصحَّ صلاتُه، وعنه تصح مع التحريم، ومَنْ لم يجدْ إلا ثوباً نجساً صلَّى فيه وأعاد على المنصوص، ويتخرَّجُ أن لا يعيد قال في الإنصاف: قولـه: ومن صلَّى في ثوب حريرٍ أو مغصوبٍ لم تصحَّ صلاتُه هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وهو من المفردات، وعنه تصح مع التحريم اختارها الخلاَّلُ وابنُ عقيل، قال ابن رزينٍ وهو أَظْهَر.
(1) أخرجه البخاري في: باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفاً به، وباب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه، من كتاب الصلاة 1/100، 101، ومسلم، في: باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، من كتاب الصلاة 1/368، 369. |
* قولـه: (ويُكْرَه في الصلاة السَّدْلُ واشتمالُ الصماء). قال في المقنع: ويكره في الصلاة السَّدْلُ، وهو أن يَطْرَحَ على كتفيه ثوباً، ولا يرد أَحَدَ طرفيه على الكتف.
* قولـه: (وإن علم أنها كانت فيها لكن نسيها أو جهلها أعاد)، قال في المقنع: فعلى روايتين، قال في الإنصاف: إحداهما تصح، وهي الصحيحة عند أكثر المتأخرين، واختارها المصنِّفُ والمجدُ والشيخُ تقي الدين. قال في الاختيارات: ومن صلى بالنجاسة ناسياً أو جاهلاً فلا إعادة عليه، وقاله طائفة من العلماء؛ لأن مَنْ كان مقصودُه اجتنابَ المحظورِ إذا فعله مخطئاً أو ناسياً لا تبطل العبادة به.
* قولـه: (ولا تصح الصلاة في مقبرة) إلى آخره، قال في الاختيارات: ولا تصحُّ الصلاةُ في المَقْبَرَةِ ولا إليها، والنهيُ عن ذلك إنما هو سَدٌّ لذريعة الشِّرْك. وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر والقبرين لا يَمْنَعُ من الصلاة؛ لأنه لا يتناوله اسم المقبرة، وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعداً. وليس في كلام أحمد وعامةِ أصحابه هذا الفرق، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منعَ الصلاة عند قبر واحد من القبور، وهو الصواب، قال: والمذهب الذي عليه عامة الأصحاب كراهةُ دخول الكنيسة المصوَّرة، فالصلاة فيها وفي كل مكان فيه تصاوير أشدُّ كراهةً.
قال في الإنصاف قولـه: (ولا تصح الصلاة في المقبرة والحمَّام والحُشِّ وأعطان الإبل). هذا المذهبُ، وعليه الأصحاب، وهو من المفردات. وعنه إن عَلِمَ النَّهْيَ لم تصحَّ وإلا صحَّتْ.
(فائدة) قولـه: (وأعطان الإبل التي تقيم فيها وتأوي إليها) هو الصحيحُ من المذهب. نص عليه.
* قولـه: (وأسطحتها). قال في الإنصاف: وعنه تصح على أسطحتها وإن لم نُصَحِّحْها في داخلها.
قال في الشرح الكبير: والصحيح إن شــاء الله قصر النهي على ما تناولـه النص، وإن الحكم لا يعدى إلى غيره، ذكره شيخنا، لأن الحكم إن كــان تعبدا لـم يقس عليه، وإن علل فإنما يعلل بمظنة النجاسة، ولا يتخيل هذا في أسطحتها.
* قولــه: (وتصح إليها). قال في المقنع: وتصح الصلاة إليها إلا المقبرةَ والحُشَّ في قول ابن حامد. قال في المغني: والصحيح أنه لا بأس بالصلاة إلى شيء من هذه المواضع إلا المقبرةَ لورود النهي فيها. ا هـ.
وقال البخاري: (باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب)، ولم يَرَ الحسنُ بأساً أن يُصلي على الجَمَدِ والقناطرِ وإن جرى تحتها بول أو فوقها، أو أمامَها إذا كان بينهما سُتْرةٌ.
* قولـه: (ومتنفلٍ راكبٍ سائرٍ في سفر). هــذا المذهب، وعنه يسقط الاستقبالُ أيضــاً إذا تنفل في الحضر كالراكب السائر في مِصْرِه، وقد فَعَلَه أنسٌ. قاله في الإنصاف.
* قولـه: (ومنها النية). قال في الاختيارات: والنية تتبع العلم، فمن علم ما يريد فعله قصده ضرورة.
* قولـه: (وينوي مع التحريمة، ولـه تقديُمها عليها بزمن يسيرٍ في الوقت). قال في الاختيارات: ووجوب مقارنة النية للتكبير قد يفسَّر بوقوع التكبير عُقَيْبَ النِّيَّة، وهذا ممكن لا صعوبة فيه، بل عامة الناس إنما يُصَلُّون هكذا. وقد يُفَسَّر بانبساطِ آخرِ النيةِ على أجزاءِ التكبيرِ بحيث يكون أولُها مع أولِه، وآخرُها مع آخره. وهذا لا يصح؛ لأنه يقتضي عزوبَ كمال النيَّةِ عن أول الصلاة، وخُلُوَّ أولِ الصلاة عن النية الواجبة. وقد يفسَّر بحضور جميع النية الواجبة. وقد يفسَّر بجميع النية مع جميع أجزاء التكبير، وهذا قد نُوزِعَ في إمكانه فضلاً عن وجوبه. ولو قيل بإمكانه، فهو متعسِّر فيسقط بالحَرَجِ، وأيضاً فمما يُبْطِلُ هذا والذي قبله أن المكبِّر ينبغي لـه أن يتدبرَ التكبيرَ ويتصورَه فيكون قلبُه مشغولاً بمعنى التكبير لا بما يشغله عن ذلك من استحضار المَنْوِي، ولأن النية من الشروط، والشرطُ يتقدم العبادةَ ويستمرُّ حكمُهُ إلى آخرها.ا.هـ.
* قولـه: (وإذا شك فيها استأنف). قال في المقنع: وإن تردد في قطعها فعلى وجهين، قال في الإنصاف: (أحدهما) تبطل وهو المذهب (والثاني) لا تبطل وهو ظاهر كــلام الخرقي، واختاره ابن حامــد. قــال والوجهــان أيضاً إذا شك. قال في الاختيـارات: ويحرمُ خروجُه لشكِّه في النية للعلم بأنه ما دَخَلَ إلا بالنية.
* قولـه: (وتجب نية الإمامة والائتمام). قال في المقنع: ومن شَرْطِ الجماعة أن ينوي الإمامُ والمأمومُ حالَهُما([2])، فإن أَحْرَمَ منفردٌ ثم نوى الائتمامَ لم يصحَّ في أصح الروايتين، وإن نوى الإمامة صح في النفل ولم يصحَّ في الفرض. ويحتمل أن يصح، وهو أصح عندي اهـ.
قال في الاختيارات: ولو أحرم منفرداً ثم نوى الإمامةَ صحتْ صلاتُه فرضاً ونفلاً وهو روايةٌ عن أحمد، اختارها أبو محمد المقدسي وغيرُه.
* قولـه: (وتبطل صلاة مأمومٍ ببطلان صلاة إمامه فلا استخلاف). قال في المقنع: وإن نوى الإمامُ لاستخلافِ الإمامِ إذا سَبَقَ الحدثُ صحَّ في ظاهر المذهب. ا.هـ.
وعنه تبطل إذا سبقه الحدثُ من السبيلين، ويبني إذا سبقه الحدثُ من غيرهما.
* قولــه: (وإن أحــرم إمـامُ الحي بمن أحـرم بهم نـائبهُ فعـاد النائبُ مؤتَمَّاً صح). قـال في المقنع: وإن أحرم إماماً لغَيْبةِ إمام الحي ثم حضر في أثناء الصلاة فأحرم بهم وبَنَى على صلاة خليفته وصار الإمام مأموماً فهل تصح؟ على وجهين.
قال في الإنصاف: (أحدهما) يصح وهو المذهب (والثاني) لا يصح. قال المجد: وهو مذهب أكثر العلماء. وقال البخاري (باب من دخل ليؤمَّ الناسَ فجاء الإمامُ الأولُ فتأخَّر الأولُ أو لم يتأخرْ جازت صلاتُه) فيه عائشة عن النبي ﷺ ثم ذكر حديث سهل بن= =سعد أن رسول الله ﷺ، ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم. فذكر الحديث، وفيه: ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدَّم رسول الله ﷺ فصلَّى(1). قال الحافظ: وفيه جواز الصلاة الواحدة بإمامين أحدهما بعد الآخر، وأن الإمام الراتب إذا غاب يستخلف غيره، وأنه إذا حضر بعد أن دخل نائبهُ في الصــلاة يتخيَّر بــين أن يأتمَّ به أو يَؤُمَّ هو، ويصير النائبُ مأموماً من غير أن يقطع الصلاة، ولا يبطل شيء من ذلك صلاةَ أحدٍ من المأمومين. وادعى ابن عبد البر أن ذلك من خصائص النبي ﷺ، وادَّعى الإجماعَ على عدم جواز ذلك لغيره ﷺ، ونوقض بأن الخلاف ثابت -إلى أن قال- وفيه جواز العمل القليل في الصلاة لتأخير أبي بكــر عــن مقامه إلى الصف الذي يليه، و أن من احتاج إلى مثل ذلك يرجع القهقَرَى ولا يستَدبر القبلة وينحرف عنها.
* قولـه: (ويسن القيام عند (قد) من إقامتها). قال في الإنصاف: وقيام المأموم عند قولـه: ((قد قامت الصلاة)) من المفردات. وقال في الشرح الكبير: قال ابن عبدالبر: على هذا أهل الحرمين. وقال الشافعي: يقوم إذا فرغ المؤذن من الإقامة، وكان عمرُ بنُ عبد العزيز ومحمدُ بنُ كَعْبٍ وسالمٌ والزُّهْريُّ يقومون في أول بدئه من الإقامة. ا.هـ (قلت): والأمر في ذلك واسع.
(1) أخرجه البخاري في الأذان: باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الأولُ أو لم يتأخر جازت الصلاة برقم (684) ومسلم في الصلاة: باب تقديم الجماعة من يصلي بهم، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، برقم (421). |
* قولـه: (سبحانك اللهم وبحمدك)- إلى آخره قال في الإنصاف: هذا الاستفتاح هو المستحب عند الإمام أحمد وجمهور أصحابه واختار الآجري الاستفتاح بخبر علي t وهو (وجهت وجهي)(2) إلى آخره، واختار ابن هبيرة والشيخ تقي الدين جمعها.
واختار الشيخ تقي الدين أيضا أنه يقول هذا تارة، وهذا أخرى، وهو الصواب جمعاً بين الأدلة. ا.هـ. (قلت): وإن جمع بين قوله: "سبحانك اللهم"، وقوله: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي"(3) ، فهو حسن ليجمع بين الثناء والدعاء.
* قولـه: (ثم يستعيذ ثم يبسمل سراً وليست من الفاتحة). قال في الاختيارات: ويجهر في الصلاة بالتعوذ وبالبسملة وبالفاتحة في الجنازة ونحو ذلك أحياناً، فإنه المنصوص عن أحمد تعليماً للسنة. ويستحب الجهر بالبسملة للتأليف، كما استحب أحمدُ تركَ القنوت في الوتر تأليفاً للمأموم.
(1) رواه أبو داود في باب في رأي الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك 1/179، وابن ماجه في باب افتتاح الصلاة من كتاب إقامة الصلاة 1/265 (806)، والترمذي في باب ما يقول عند افتتاح الصلاة من أبواب الصلاة 2/9 (242) و (243). والإمام أحمد في المسند 6/231، 254. | ||
(2) أخرجه مسلم في باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، من كتاب صلاة المسافرين 1/534-536. وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء 1/175. والإمام أحمد في المسند 1/94، 102، 103. | ||
(3) أخرجه البخاري، باب ما يقول بعد التكبير، من كتاب الآذان 2/188، 191، ومسلم في باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة من كتاب المساجد (598)، (147). |
* قولـه: (ولا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان). قال في الإنصاف: هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. وعنه تكره، وتصح إذا صحَّ سنده لصلاة الصحابة بعضهم خَلْفَ بعض. قال في الاختيارات: وما خالف المصحف وصحَّ سندُه صحَّتْ الصلاةُ به. وهذا نص الروايتين عن أحمد. ومصحف عثمانَ أحدُ الحروف السبعة، قاله عامَّةُ السَّلَفِ وجمهور العلماء. وقال في الشرح الكبير: فإن قرأ بقراءة تَخْرُجُ عن مصحف عثمان كقراءة ابن مسعود (فصيـام ثلاثة أيام متتابعات) وغيرها كُرهَ له ذلك؛ لأن القرآن ثبت بطريق التواتر، ولا تَوَاتُرَ فيها، ولا يثبت كونُها قرآناً، وهل تصح صلاتُه إذا كان مما صحَّتْ به الرواية واتصل إسنادُه؟ على روايتين.
قال في المقنع: فإن كان مأموماً لم يزد على (ربنا ولك الحمد)،و قال في الإنصاف: وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. وعنه يزيد (مِلْءَ السماء) الخ، اختاره أبو الخطاب ،والمجد، والشيخُ تقيُّ الدين. اهـ
ودليلُ مَنْ مَنَع قولُه ﷺ (وإذا قال سَمِعَ اللهُ لَمِنْ حَمِدَه فقولوا ربَّنا ولك الحمد) وليس في ذلك منع المأموم من الزيادة، وإنما يُفهَمُ منه مَنْعُه من قول سمع الله لمن حمده.
* قولـه: (كما صليت على آل إبراهيم)، قال في المقنع: وإن شاء قال (كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) قال الحافظ ابن حجر: والحقُّ أنَّ ذِكْرَ محمدٍ وإبراهيمَ، وذِكْرَ آلِ إبراهيمَ ثابتٌ في أصل الخَبَر، وإنما حَفِظَ بعضُ الرُّواة ما لم يحفظ الآخر. قال: وادعى ابنُ القَيِّم أنَّ أكثَرَ الأحاديثِ بل كلها مُصَرِّحة بذكر محمدٍ وآلِ محمـدٍ وبذكرِ آلِ إبراهيمَ فقــط، وبذكر =
(1) أخرجه البخاري في باب حدثنا موسى بن إسماعيل، من كتاب الأنبياء، وفي باب قولـه تعالى: +¨bÎ) ©!$# ¼çmtGx6Í´¯»n=tBuﷺ tbq=|Áã n?tã ÄcÓÉ<¨Z9$#.." من كتاب التفسير ســـورة الأحزاب، وفي باب الصلاة عـلى النبي ﷺ من كتاب الدعــوات 4/178، 6/151، 8/95، ومسلم في باب الصلاة على النبي ﷺ بعد التشهد، من كتاب الصلاة 1/305. |
=إبراهيم فقط، ولم يجئْ في حديث صحيح بلفظ إبراهيم وآل إبراهيم معاً، وغَفَلَ عما وقع في صحيح البخاري في أحاديث الأنبياء ، وفي ترجمة إبراهيم عليه السلام بلفظ (كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)وكذا في قوله كما باركت. اهـ.
* قولـه: (نهض مكبِّراً). قال في الإنصاف: ظاهره أنه لا يرفع يديه، وهو المذهب، وعليه جماهيرُ الأصحاب، وعنه يرفعها، اختاره المجدُ والشيخُ تقيُّ الدين، وهو الصَّواب، فإنه قد صح عنه عليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ أنه كان يرفع يديه إذا قام من التشهد الأول. رواه البخاري(2) وغيره.
* قوله: (بالحمد فقط). قال في الإنصاف: وعليه الأصحاب، وعنه يُسَنُّ، فعلى المذهب لا تُكره القراءةُ بعد الفاتحة بل تباح على الصحيح من المذهب. ا.هـ. وفي =
(1) أخرجه مسلم في باب ما يستعاذ منه في الصلاة، من كتاب الصلاة 1/412، وأخرجه النسائي في باب نوع آخر من التعوذ في الصلاة، من كتاب السهو 3/58 برقم (1310)، والإمام أحمد في مسنده 2/477. | ||
(2) في باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء، وباب رفع اليدين إذا كبَّر وإذا رفع وباب إلى أين يرفع يديه، من كتاب الأذان. صحيح البخاري 1/187، 188، ومسلم في باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين، من كتاب الصلاة 1/192. |
=حديث أبي عيد الخدري عنـد مسلم: كنـا نحزر قيام رسول الله ﷺ في الظُّهر والعصر، فحَزَرْنا قيامه في الركعتين الأُوليَيْن من الظُّهر قدر)الم * تنـزيل..(. [السجدة] وفي الأخريين قدر النصف من ذلك –الحديث(1).
قال شيخنا سعدُ بن عَتِيْق: الزيادة في الأُخريين سُنَّةٌ، تُفعل أحياناً وتُترك أحياناً.
وقال البخاري: (باب سُنَّة الجلوس في التشهد وكانت أمُّ الدَرْدَاء تجلس في صلاتها جِلْسَةَ الرجل وكانت فقيهة)، وذكر حديث ابن عمر: إنما سُنَّةُ الصلاة أن تَنْصِبَ رجلك اليمنى وتَثْني اليُسرى، وحديث أبي حميد وفيه: فإذا جلس في الركعتين جلس على رِجْلِه اليُسرى ونَصَبَ اليُمنى: وإذا جلس في الركعة الأخيرة قَدَّم رِجْلَه اليُسرى ونَصَبَ الأخرى وقعد على مَقْعَدته(2). قال الحافظ: وفي هذا الحديث حُجةٌ قوية للشافعي ومن قال بقولـه في أن هيئةَ الجلوس في التشهدِ الأولِ مغايرةٌ لهيئة الجلوس في الأخير. وقد قيل في حكمة المُغايرَة بينهما أنه أقربُ إلى عدم اشتباه عدد الركعات، ولأن الأول تعقُبُه حركةٌ بخلاف الثاني، ولأن المسبوقَ إذا رآه علم قدرَ ما سُبِق به، واستدلَّ به الشافعيُّ أيضاً على أن تَشَهُّدَ الصبح كالتشهدِ الأخير مِنْ غيره لعموم قولـه: (في الركعة الأخيرة) واختلف فيه قولُ أحمد، والمشهور عنه اختصاصُ التوركِ بالصلاة التي فيها تشهُّدان ا.هـ.
(1) رواه أبو داود في باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر، في كتاب الصلاة 1/185، 186، والترمذي في باب ما جاء في القراءة في الظهر والعصر، من أبواب الصلاة 2/110 برقم (307). | ||
(2) أخرجه البخاري في باب سنة الجلوس في التشهد، من كتاب أبواب صفة الصلاة برقم (828) من حديث أبي حميد الساعدي، وأخرجه مسلم في باب صفة الجلوس في الصلاة، وكيفية وضع اليدين على الفخذين، من كتاب المساجد، 1/408، وأبوداود في باب الإشارة في التشهد، من كتاب الصلاة 1/227، وفي باب افتتاح الصلاة، وباب من ذكر التورك في الرابعة 1/168، 220. |
* قولـه: (وتغميض عينيه)، قال في الفروع: نصَّ عليه واحتج بأنه فعلُ اليهود، ومظِنَّةُ النوم. قولـه: (وإقعاؤه)، قال في الإنصاف: الصحيح من المذهب أن صفة الإقعاء أن يفرشَ قدميه ويجلسَ على عقبيه، وقال في المستوعب: هو أن يقيم قدميه، ويجلس على عقبيه، أو بينهما ناصباً قدميه.
قال في سبل السلام على قولـه في حديث عائشة: "وكان ينهى عن عُقْبَة الشيطان"(1) وفسرت بتفسيرين (أحدهما): أن يفترش قدميه ويجلس بأَلْيتيه على عقبيه، ولكن هذه القِعْدة اختارها العبادلة فِي القعودِ في غير الأخير، وهذه تسمى إقعاءً، وجعلوا المنهي عنه هي الهيئةَ الثانيةَ، وتسمى أيضاً إقعاءً وهي: أن يُلصق الرجلُ أَلْيتيه في الأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض كما يُقعي الكلب ا. هـ.
* قولـه: (وقَمْل). قال في الإنصاف: ولـه قتــلُ القَمْلةِ من غير كراهةٍ على الصحيح من المذهب. وعنه يُكره. وعند القاضي التغافلُ عنها أولى. ا.هـ.
أقول: لا ينبغي ذلك إلا لمن شغلتْه عن صلاته.
(1) عقبة الشيطان: الإقعاء المنهي عنه. والحديث أخرجه مسلم في باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض في كتاب الصلاة 1/357، 358 وعون المعبود شرح سنن أبي داود من لم ير الجهر ببسم الله من كتاب الصلاة 2/487 برقم (768). |
* قولـه: (فإن أَطالَ الفِعْلَ عُرْفاً من غير ضرورةٍ ولا تفريقٍ بطلتْ ولو سهواً). قال في الإنصاف: هذا المذهبُ، وعليه جماهير الأصحاب. وعنه لا يُبطلها إلا إذا كان عمداً، اختاره المجدُ لقصَّةِ ذي اليدين(1). وقيل: لا تبطلُ بالعمل الكثير من جاهل بالتحريم. قــال في الاختيارات: وقــد أَمَر النبيُّ ﷺ بقتل الأســودين في الصلاة: الحيَّــة والعقْربِ(2). وقد قال أحمدُ وغيرُه: يجوز لـه أن يذهب إلى النَّعل فيأخذَه ويَقتلَ به الحَّيةَ والعقربَ ثم يعيدَه إلى مكانه، وكذلك سائر ما يَحتاج إليه المصلِّي من الأفعال. وكان أبو بَرْزَةَ ومعه فرسُه وهو يصلِّي كلَّما خطا يخطو معه خشيةَ أن يَنْفلتَ، قال أحمدُ: إن فعل كما فعل أبو برزةَ فلا بأسَ، وظاهرُ مذهب أحمدَ وغيره أنَّ هذا لا يقدَّرُ بثلاث خطوات ولا ثلاث فَعَلاتٍ كما مضتْ به السنَّةُ. ومن قيَّدها بثلاثٍ كما يقول أصحابُ الشافعي وأحمد؛ فإنما ذلك إذا كانت متصلةً، وأما إذا كانت متفرقةً فيجوزُ، وإن زادت على ثلاث، والله أعلم. ا. هـ
(1) أخرجه البخاري في باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، من كتاب الصلاة 1/129، وفي باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس، من كتاب الأذان 1/130، وفي باب إذا سلم في ركعتين أو ثلاث 1/183 وباب من لم يتشهد في سجدتي السهو 2/85-87، وباب من يكبِّر في سجدتي السهو، من كتاب السهو 8/19، وأخرجه مسلم باب السهو في الصلاة والسجود لـه من كتاب المساجد 1/403، 404. | ||
(2) أخرجه أبوداود في باب العمل في الصلاة، من كتاب الصلاة 1/211، والنسائي في باب قتل الحيَّة والعقرب في الصلاة، من كتاب السهو 3/10 برقم (1202 و1203). وابن ماجه، في باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة، من كتاب الصلاة 1/394 برقم (1245). |
* قولـه: (فإن لم يجد شاخصاً فإلى خط). قال في الإنصاف: فإن تعذَّر غرزُ العصا وَضَعها، قال في المقنع: فإن لم يكن سترةٌ فمرَّ بين يديه الكلبُ الأسودُ البهيمُ بطلتْ صلاتُه وفي المرأةِ والحمارِ روايتان.
* قولـه: (والاعتدال عنه والجلوس بين السجدتين). قال في شرح الإقناع: والسابع الاعتدال عنه يعني: الرفعُ منه. والثامن: الجلوس بين السجدتين لِمَا روتْ عائشةُ قالتْ: كان النبيُّ ﷺ "إذا رَفَعَ رأسَه من السجودِ لم يسجدْ حتى يستويَ قاعداً" رواه مسلم(1).
ولو سقط ما قبل هذا لدخل فيه كما فعل في الاعتدال عن الركوع والرفع منه ا. هـ.
(1) أخرجه مسلم في باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض، من كتاب الصلاة 1/357، 358. |
* قولـه: (مُستكثرٌ عادةً من غير جنس الصَّلاة يُبطلها عمدُه وسهوُه). قال في الإنصاف: مرادُه ببطلانِ الصلاةِ بالعملِ المُستكثَرِ إذا لم يكن حاجةٌ إلى ذلك على ما تقدم. قال في الاختيارات: ولا تَبْطُلُ الصلاةُ بكلامِ النَّاسي والجاهل، وهو روايةٌ عن أحمد. قولُه: (وقراءةُ سورةٍ في الأخيرتين)، قال في الإنصاف: لا تكره القراءةُ بعد الفاتحةِ بل تباحُ على الصحيح من المذهب، وعنه تُسَن.
* قولـه: (أو تَكَلَّم لغيرِ مَصْلَحتِها بَطَلَتْ). قال في الإنصاف: يعني إذا ظنَّ أنَّ صلاته قد تَمَّتْ وتكلَّم عمداً لغير مصلحةِ الصلاةِ كقولـه: يا غلامُ اسقني ماءً ونَحْوه؛ فالصحيح من المذهب: بطلانُ الصلاةِ، وعنه لا تَبْطُلُ والحالةُ هذه.
* قولـه: (كَكَلامِه في صُلْبِها). قال الزَّرْكَشِيُّ: إذا تكلَّم سهواً فرواياتٌ: أَشْهرُها البُطْلانُ، وعنه لا تَبْطُل. قولـه: (ولمصلحتها إن كان يسيراً لم تَبْطُل). قال في الشرح الكبير: وفي روايةٍ ثانيةٍ الصلاةُ لا تَفْسُد بالكلامِ في تلك الحال بحالٍ، وهو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ؛ لأنه نوعٌ من النِّسْيانِ. ولذلك تكلَّم النبيُّ ﷺ وأصحابُه وبَنَوا على صلاتهم. قولـه: (وقَهْقَهَةٌ ككلامٍ) الخ، قال في الاختيارات: والنَّفْخُ إذا بانَ منه حَرْفانِ هل تَبْطُل الصلاةُ به أم لا؟ في المسألة عن مالكٍ وأحمدَ روايتان، وظاهرُ كلام أبي العبَّاس ترجيحُ عدم الإبطال، والسُّعالُ، والعُطَاُس، والتَّثَاؤُبُ، والبكاءُ والتَّأَوُهُ، والأَنينُ الذي يمكنُ دفعُه، فهذه الأشياء كالنَّفْخِ فالأَوْلَى أن لا تَبْطُلَ؛ فإن النفخَ أشبهُ بالكلامِ من هذه، والأظهرُ أنَّ الصلاةَ تبطل بالقهقهةِ إذا كان فيها أصواتٌ عاليةٌ تنافي الخشوعَ الواجبَ في الصلاة، وفيها من الاستخفاف والتلاعب ما يناقضُ مقصودَ الصلاةِ فأُبْطِلَتْ لذلك، لا لكونها كلاماً ا.هـ والله أعلم.
* قوله: (وعليه السجودُ لِلْكُل). قال في الإنصاف أما في الحال الثاني والثالث فيَسْجُدُ للسهوِ فيهما بلا خلافٍ أعلمُه، وأما الحالُ الأولى، وهو ما إذا لم ينتصبْ قائماً ورجعَ، فقطع المُصنِّفُ بأنه يسجدُ له أيضاً، وهو الصحيحُ من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. وقيل: لا يجبُ السجودُ لذلك، وعنه إن كَثُرَ نهوضُه سجد له وإلا فلا، وهو وجهٌ لبعضِ الأصحابِ، وقدَّمه ابن تَمِيمٍ ا. هـ.
(قلتُ) وقد روى أبو داودَ وغيرُه عن المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبةَ مرفوعاً: "إذا شَكَّ أحدُكُمْ فقامَ في الركعتين فاسْتتمَّ قائماً فَلْيَمضِ ولْيَسْجُدْ سجدتين فإنْ لم يَسْتَتِمَّ قائماً فَلْيَجلسْ ولا سَهْوَ عليه"(1). وعن ابنِ عُمَرَ مــرفوعاً: "لا سَهْــوَ إلا في قيامٍ عن جلوسٍ أو جلوس عن قيامٍ" أخرجه البيهقيُّ وغيرُه.
* قولـه: (ومَنْ شَكَّ في عدد الركعات أخذَ بالأقلِّ). قال في المقنع: فمن شَكَّ في عدد الركعاتِ بنى على اليقينِ، وعنه يَبْني على غالبِ ظنِّه، وظاهرُ المذهبِ أنَّ المنفردَ يَبْني على اليقينِ، والإمامُ يَبْني على غالبِ ظَنِّه؛ فإن استويا عنده بَنَى على اليقين.
(1) أخرجه أبو داود في باب مَنْ نسي أن يتشهد وهو جالس، من كتاب الصلاة 1/238، وابن ماجه في باب ما جاء في من قام من اثنتين ساهياً من كتاب إقامة الصلاة 1/381 برقم (1208). |
* قولـه: (وسجودُ السَّهوِ لما يُبْطِلُ عمدُه واجبٌ، وتَبْطُلُ بتركِ سجودٍ أفضليتُه قبلَ السلامِ فقط) قال في الإفصاح: واتفقوا على أنَّ سجودَ السَّهْوِ في الصلاةِ مشروعٌ، وأنَّه إذا سها في صلاتِه جَبَرَ ذلك بسجودِ السهوِ، ثم اختلفوا في وجوبه، فقال أحمدُ والكرخيُّ من أصحابِ أبي حنيفةَ: هو واجب، وقال مالكٌ: يجب في النُّقصانِ من الصلاةِ، ويُسَنُّ في الزيادة، وقال الشافعي: هو مسنونٌ وليس بواجب على الإطلاق، واتفقوا على أنه إذا تركه سهواً لم تَبْطُلْ صلاتُه إلا روايةً عن أحمدَ، والمشهورُ عنه أنها لا تَبْطُلُ كالجماعة، وقال مالكٌ: إن كان سجودُ النَّقْصِ لِتَرْكِ شيئينِ فصاعداً وتَرَكَهُ ناسياً ولم يَسْجُدْ حتى سَلَّم وتطاولَ الفَصْلُ وقامَ في مُصــَلاَّه أو انتقضَتْ طهارتُه بَطَلَتْ صلاتُه ا هـ.
* قولـه: (وبتسعٍ يجلسُ عَقِبَ الثامنةِ ويتشهدُ ولا يُسلم) قال في الإنصاف: هذا المذهبُ، وهو من المفردات، وقيل: كإحدى عشرة، فيسلِّمُ من كلِّ ركعتينِ، قال في الاختيارات: ويجبُ الوترُ على من يتهجَّدُ بالليلِ، وهو مذهبُ بعضِ مَنْ يوجبُه مطلقاً ويُخيَّر في الوترِ بين فَصْلِهِ ووَصْلِهِ، وفي دعائِه بين فِعْلِهِ وتَرْكِهِ، والوتر لا يُقْضَى إذا فات لفواتِ المقصودِ منه بَفَوات وقتِه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ولا يَقْنُتُ في غيرِ الوترِ إلا أن تَنْزِلَ بالمسلمينَ نازلةٌ فيَقْنُتَ كلُّ مُصَلٍّ في جميعِ الصلواتِ لكنه في الفجرِ والمغربِ آكدُ بما يناسبُ تلك النَّازلةِ، وإذا صـلَّــى قيامَ رمـضــانَ فــإنْ قَنَتَ في جميعِ الشهرِ أو نصفه الأخير أوْ لم يَقْنُتْ بحالٍ فقد أَحْسَن ا.هـ.
قال في الاختيارات: والتراويحُ إن صلاها كمذهبِ أبي حنيفةَ والشافعيِّ وأحمدَ عشرينَ ركعةً، أو كمذهب مالكٍ ستاً وثلاثينَ، أو ثلاثَ عشرة، أو إحدى عشرة، فقد أَحْسنَ كما نَصَّ عليه الإمامُ أحمدُ لعدم التوقيت، فيكون تكثيرُ الركعاتِ وتقليلُها بحسب طُول القيامِ وقَصَرِه، ومن صلاَّها قبلَ العشاء، فقد سَلكَ سبيلَ المبتدعةِ المخالفين للسُّنةِ، ويقرأُ أوَّلَ ليلةٍ من رمضانَ في العشاءِ الآخرةِ سورةَ القلم؛ لأنها أولُ ما نزل، ونَقَلَهُ إبراهيمُ بنُ محمد الحارث عن الإمامِ أحمدَ، وهو أحسنُ مما نَقَلَهُ غيرُه أنه يَبتدئُ بها التراويحَ ا.هـ.
* قولـه: (وإن تطوعَ في النهار بأربعٍ كالظهرِ فلا بأسَ)، قال في الشرح الكبير: قال بعضُ أصحابِنا: لا تجوزُ الزيادةُ في النهارِ على أربعٍ، وهذا ظاهرُ كلامِ الخِرَقي، وقال القاضي: يجوزُ ويُكْرَهُ، ولنا أنَّ الأحكامَ إنما تُتلَقَّى من الشارعِ، ولم يَرِدْ شيءٌ من ذلك والله أعلم. ا. هـ.
* قولـه: (وسجودُ التلاوةِ صلاةٌ) قال في الاختيارات: قال أبو العباس: والذي تَبينَ لي أن سجودَ التلاوةِ واجبٌ مطلقاً في الصلاة وغيرها، وهو روايةٌ عن أحمدَ، ومذهبُ طائفةٍ من العلماءِ، ولا يُشرعُ فيه تحريمٌ ولا تحليلٌ، هذا هو السنةُ المعروفةُ عن النبي ﷺ وعليها عامةُ السلفِ، وعلى هذا فليس هو صلاةً، فلا يُشتَرُط له شروطُ الصلاةِ بل يجوزُ على غيرِ طهـارةٍ، واختارها البخــاريُّ لــكنَّ التجــردَ بشروطِ الصــلاةِ أفضـلُ، ولا ينبغي أن يُـخِلَّ بــذلك إلا لعذرٍ، فالسجودُ بلا طهارةٍ خيرٌ من الإخلال به، ولكنْ يقالُ: إنه لا يجبُ -في هذا الحال كما لا يجبُ على السامعِ إذا لم يسجدْ قارئٌ- السجودُ، وإن كان ذلك السجودُ جائزاً عند جمهورِ العلماء ا.هـ.
وقال الشَّــعبيُّ فيمنْ سمعَ السجدةَ على غيرِ وضوءٍ يَسْجدُ حيثُ كان وَجْهُه.
* قولـه: (وهو أربَعَ عشرةَ سجدةً) هو المشهورُ من المذهبِ، وعنه أنَّ السجداتِ خمسَ عشرةَ منها سجدةُ (ص).
* قولـه: (ويُكره للإمام قِراءةُ سجدةٍ في صلاةِ سرٍ وسجودُه فيها)، قال في الشرح الكبير: قال بعضُ أصحابِنا يكره للإمامِ قراءةُ السجدةِ في صلاةِ السرِّ، فإنْ قرأَ لم يَسْجدوا.
قال أبو حنيفةَ لأنَّ فيها إيهاماً على المأموم، وقال الشافعيُّ لا يُكره لِمَا رُوي عن ابنِ عُمَرَ أنَّ النبيَّ ﷺ سجدَ في الظهرِ ثم قامَ فركعَ فرأى أصحابَــه أَنَّه قرأَ سورةَ السجدةِ. رواه أبو داود(1)، وقال شيخُنا: واتِّباعُ سنةِ النبيِّ ﷺ أَوْلَى ا. هـ.
* قولـه: (ويلزمُ المأمومُ متابعتُه في غيِْرِها)، قال في الشرح الكبير: كذلك قال بعض أصحابنا؛ لأنه ليس بمسنونٍ للإمامِ، ولم يوجدْ الاستماعُ المُقْتَضِي للسُّجود، قال شيخُنا: والأَوْلَى السجودُ لقول النبي ﷺ: (إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليُؤْتَمَّ به فإذا سَجَدَ فاسْجُدُوا)(2) ا. هـ.
(1) في باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر، من كتاب الصلاة 1/186. | ||
(2) أخرجه البخاري في باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب، من كتاب الصلاة، وفي باب:إنما جعل الإمام ليؤتم به 1/106، 176، ومسلم في باب ائتمام المأموم بالإمام 1/308 وباب النهي عن مبادرة الإمام بالتكبير، من كتاب الصلاة 1/311. |
* قولـه: (وفي الأوقاتِ الثلاثةِ فعلُ ركعتي طوافِ وإعادةُ جماعة)، قال في المقنع: وتجوزُ صلاةُ الجنازةِ وركعتا الطوافِ وإعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجدِ بعد الفجرِ والعصرِ، وهل يجوز في الثلاثة الباقية؟ على روايتين.
قال ابنُ المنذر: إجماعُ المسلمينَ في الصلاةِ على الجنازةِ بعد العصرِ والصبحِ، فأما الصلاةُ عليها في الأوقاتِ الثلاثةِ التي في حديث عُقْبَةَ(1) فلا يجوزُ، قال في الشرح الكبير: وتجوزُ ركعتا الطوافِ بعده في هذين الوقتين، وهل يجوز في الثلاثة الباقية؟ فيه روايتان إحداهما يجوز؛ لقولـه ﷺ: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف هذا البيتَ وصلَّى أيَّةَ ساعةٍ شاءَ من ليلٍ أو نهارٍ)، وهو مذهبُ الشافعيِّ وأبي ثَوْرٍ، والثانيةُ: لا يجوزُ لحديثِ عُقْبَة.
* قولـه: (ويَحْرُمُ تطوعٌ بغيرها في شيءٍ من الأوقاتِ حتى ما له سببٌ) قال في المقنع: ولا يجوزُ التطوعُ بغيرها في شيءٍ من هذه الأوقاتِ الخمسةِ إلا ما له سببٌ، كتحيةِ المسجدِ، وسجودِ التلاوةِ، وصلاةِ الكسوفِ، وقضاءِ السُّنَّةِ الراتبة، فإنها على روايتين. قال في الشرح الكبير: المنصوصُ عن أحمدَ رحمهُ اللهُ في الوتر أنه يفعلُ بعد طلوعِ الفجرِ قبلَ الصلاةِ لحديثِ: (من نامَ عن الوترِ فَلْيصلِّه إذا أصبح)، فأما سجودُ التلاوة وصلاةُ الكسوفِ وتحيةُ المسجدِ فالمشهورُ في المذهبِ أنه لا يجوزُ فعلُها في شيءٍ من أَوقاتِ النَّهيِ، وكذلك قضاءُ السُّننِ الراتبةِ في الأوقاتِ الثلاثةِ المذكورةِ في حديثِ عُقْبَة، انتهى ملخصاً. قال في الاختيارات: ولا نَهْيَ بعدَ طلوعِ الشمسِ إلى زوالِها يوم الجمعةِ، وهو قولُ الشافعيِّ وتُقْضَى السننُ الراتبةُ، ويُفعلُ ما لهُ سببٌ، ويُفعلُ ما له سبب في أوقاتِ النَّهيِ، وهي إحدى الروايتين عن أحمدَ، واختيارُ جماعةٍ من أصحابِنا وغيرِهم.
(1) حديث عبقة "ثلاث ساعات كان رسول الله ﷺ ينهانا أن نصلّي فيهنَّ وأن نَقْبُرَ فيهن موتانا" الخ. الحديث أخرجه مسلم في باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، من كتاب صلاة المسافرين 1/568، 569، وأبوداود في باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها، من كتاب الجنائز 2/185. |
* قولـه: (ولـه فعلُها في بيته) أي جماعةً في بعضِ الأحيانِ، وعنه أنَّ حضورَ المسجدِ واجبٌ على القريبِ منه؛ لما روي عن النبي ﷺ أنه قال: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) وعن أبي هريرة قال: أتى النبيَّ ﷺ رجلٌ أعمى فقال يا رسول اللهِ ليس لي قائدٌ يقودُني إلى المسجدِ فسألَهُ أن يُرخِّصَ لـه أن يُصَلِّيَ في بيتهِ فرخَّصَ لـه. فلمّا ولَّى دعاه فقال: (أتسمعُ النِّداءَ بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فغيرُه فأَجِبْ) رواه مسلم(1). وإذا لم يُرَخِّصْ للأعمى الذي لا قائدَ لـه فغيرُه أَوْلَى. قال في الاختيارات: والجماعةُ شرطٌ للصلاةِ المكتوبَةِ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ولو لم يمكنْ الذهابُ إلا بمَشْيِهِ في مِلْكِ غيرِه فَعَلَ. فإذا صلَّى وحدَه لغيرِ عذرٍ لم تصحَّ صلاتُه. وفي الفتاوى المِصْريةِ: وإذا قلنا هي واجبةٌ على الأعيانِ وهو المنصوصُ عن أحمدَ وغيرِه من أئمةِ السَّلَفِ وفقهاءِ الحديث، فهؤلاءِ تنازعُوا فيما إذا صلَّى منفردا لغير عذر هل تصحُّ صلاته ؟ على قولين : أحدهما لا تصحُّ، و هو قول طائفةٍ من قدماءِ أصحابِ أحمدَ (والثاني) تصحُّ مع إثمه بالتَّرْكِ، وهو المأثورُ عن أحمدَ وقول أكثرِ أصحابِه.
(1) في باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء، من كتاب المساجد 1/452. |
* قولـه: (وأبعدُ أَوْلَى من أَقْرب). قال في المُقنع: وهل الأَوْلى قَصْدُ الأبعدِ أو الأقربِ؟ على روايتين. قال في الشرح الكبير: (إحداهما) قَصْدُ الأَبْعَدِ أَفْضَلُ لقولِ النبيِّ ﷺ (أعظمُ الناس أجراً في الصلاةِ أَبْعَدَهُمْ فَأَبْعَدُهمْ مَمْشَى)(1) (والثانية) قَصْدُ الأَقْربِ، لأنَّ لـه جِواراً فكانَ أحقَّ بصلاتِه، ولقولـه عليه السلام: (لا صلاةَ لجارِ المسجدِ إلا في المسجدِ)(2) ا.هـ. قلت: يختلف ذلك باختلافِ المقاصدِ والنياتِ والمصالحِ والمفاسدِ.
* قولـه: (ومن صلَّى ثم أُقيمَ فرضٌ سُنَّ أن يُعيدَها إلا المغربَ). قال في المقنع: وعنه يعيدُها ويشفعُها برابعة. قال في الشرح الكبير: فأما المغربُ ففي استحبابِ إعادتِها روايتان (إحداهما): قياساً على سائرِ الصلواتِ (والثاني): لا يُستحَبُّ، حكاها أبو الخَطَّابِ؛ لأنَّ التطوعَ لا يكــونُ بوتر. فــإن قلنا: تُستحبُ شَفْعَها برابعة،
نَصَّ عليه أحمدُ وبه قال الأسودُ بنُ يزيد والزهريُّ والشافعيُّ وإسحاقُ. وعن حُذَيْفَة أنه أعادَ الظهرَ والمغربَ وكان قد صلاهنَّ في جماعة. رواه الأَثْرم.
(1) رواه أبو داود في باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة من كتاب الصلاة 2/261 برقم (552)، ورواه ابن ماجه في باب الأبعد فالأبعد من المسجد أعظــم أجـــراً، من كتاب المســاجد والجماعـات 1/257 برقم (782). | ||
(2) حديث ضعيف كما في المقاصد الحسنة ص 467، وكذا في إرواء الغليل للألباني 2/251، وقال ابن قدامة في المغني: لا نعرفه إلا من قول عليٍّ نفسه كذلك رواه سعيد في (سننه) وقيل أراد به الكمال والفضيلة فإنَّ الأخبار الصحيحية دالَّةٌ على أن الصلاة في غير المسجد صحيحة جائزة، المغني 3/9 |
* قولـه: (ولا تكره إعادة الجماعة في غير مسجدي مكة والمدينة). قال في الشرح الكبير: فأما إعادتُها في المسجدِ الحرامِ ومسجدِ النبيِّ ﷺ والمسجدِ الأقصى، فقد روي عن أحمدَ كراهتُه، وذكرَه أصحابُنا، لئلا يَتَوانَى الناسُ في حضورِ الجماعةِ مع الإمامِ الراتبِ فيها إذا أمكنتْهم الصلاةُ في الجماعةِ مع غيرِه، وظاهرُ خبرِ أبي سعيدٍ وأبي أُمَامةَ أنه لا يُكْرَهُ، لأنَّ الظاهرَ أنَّ ذلك كانَ في مسجدِ النبي ﷺ ولأن المعنى يقتضيه، لأن حصولَ فضيلةِ الجماعةِ فيها كحصولها في غيرِها، والله أعلم. انتهى.
قال في الاختيارات: ولا يعيدُ الصلاةَ مَنْ بالمسجدِ وغيره بلا سبب.
* قولـه: (ولا قراءةَ على مأمومٍ، ويستحب في إسْرار ِإمامهِ وسكوتهِ). قال أبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ: للإمام سكتتانِ فاغتنمْ فيهما القراءةَ بفاتحةِ الكتابِ، إذا دخلَ في الصلاةِ وإذا قال ولا الضَّالِّين، وقال عروة: أما أنا فأغتنم من الإمامِ اثنتينِ: إذا قال غير المغضوبِ عليهم ولا الضَّالِّين فأقرأُ عندها، وحين يختم السورةَ فاقرأُ قبلَ أن يَرْكعَ. وعن عُبَادَةَ بن الصَّامتِ t قال :صلَّى رسول الله ﷺ الصبحَ فَثَقُلَتْ عليه القراءةُ فلما انصرفَ قال: إني أراكُم تقرأونَ وراءَ إمامِكم، قال: قلنا: يا رسول الله إي والله، قال: لا تفعلوا إلا بأمِّ القرآنِ فإنـه لا صلاةَ لمـن لم يقرأْ بها(1). رواهُ أبو داود.=
(1) أخرجه أبو داود في باب من ترك القراءة في صلاتــه بفاتحــة الكتاب من كتــاب الصلاة 3/44 برقــم (808)، والترمذي، في باب ما جاء في القراءة خلف الإمام، من أبــواب الصلاة 2/116 بــرقـم (311). |
=والتِّرمذيُّ. قال في المغني: يستحبُّ أن يسكتَ الإمامُ عَقِبَ قراءةِ الفاتحةِ سَكْتةً يستريحُ فيها ويقرأُ فيها مَنْ خَلْفَه الفاتحةَ لئلا يُنازعوه فيها.
* قولـه: (ومنْ ركعَ أو سجدَ قبل إمامِه)، إلخ قال في الشرح الكبير: (مسألة) فإنْ ركعَ أو رفعَ قبلَ ركوع إمامِه عالماً عمداً فهل تبطل صلاته؟ على وجهين: (أحدهما): تَبْطُل للنَّهيِ والثاني: لا تبطلُ؛ لأنه سبقه بركنٍ واحدٍ فهي كالتي قبلَها.
قال ابنُ عَقيل: اختلفَ أصحابُنا فقال بعضهم: تبطل الصلاةُ بالسبقِ بأي رُكنٍ من الأركان، ركوعاً كان أو سجوداً أو قياماً. وقال بعضهم: السَّبقُ المُبطِلُ مختصٌّ بالركوع، لأنه الذي يحصُل به إدراكُ الركعةِ وتفوتُ بفواتِه، فجاز أن يَخْتصَّ بُطلانُ الصلاة بالسَّبْقِ به، وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطلْ صلاتُه لقول رسول الله ﷺ: (عُفي لأُمتي عن الخطأ والنسيان" وهل تبطل الركعة؟ فيه روايتان: (إحداهما): تبطُلُ، لأنه لا يَقْتَدِي بإمامهِ في الرُّكوعِ أشْبه ما لَو لم يُدركْه، (والأخرى): لا تبطل للخبر، فأما إن ركع قبل ركوعِ إمامهِ فلمَّا ركعَ الإمامُ سجدَ قبلَ رَفْعهِ بَطَلَتْ صلاتهُ إن كان عمداً، لأنه لم يقتد بإمامه في أكثر الركعة، وإن فَعَلهُ جاهلاً أو ناسياً لم تَبطُلْْ للحديث، ولم يعتدَّ بتلك الركعةِ لعدم اقتدائِه بإمامِه فيها. انتهى.
* قولـه: (ولا تصحُّ خلفَ فاسقٍ ككافرٍ). قال في المقنع: وهل تَصْلُح إمامةُ الفاسقِ والأقلفِ؟ على روايتين قال في الشَّرح الكبير: والفاسقُ ينقسمُ على قسمين: فاسقٌ من جهةِ الاعتقادِ، وفاسقٌ من جهةِ الأفعال. فأمَّا الفاسقُ من جهةِ الاعتقادِ فمتى كان يعلنُ بِدعتَه ويتكلمُ بها ويدعو إليها ويناظرُ لم تصحَّ إمامتُه، وعلى من صلَّى وراءَه الإعادةُ، قال أحمدُ: لا يُصَلَّى خلفَ أحدٍ من أهل الأهواءِ إذا كان داعيةً إلى هواه، وقال: لا يُصَلَّى خَلف المُرْجِئ إذا كان داعيةً. وقال الحسنُ والشافعيُّ: الصلاةُ خلفَ أهلِ البدعِ جائزةٌ بكــلِّ حالٍ لقول النبيِّ ﷺ: (صَلُّوا خَلْفَ مَنْ قال لا إلــه إلا الله)(1)، وقال نافع كان ابنُ عمرَ يُصلِّي خلفَ الخَشَبِيَّة(2) والخوارج زمنَ ابنِ الزبيرِ وهم يَقْتتلون، فقيل لـه: أتصلي مع هؤلاء وبعضُهم يقتلُ بعضاً؟ فقال: من قال: حيَّ على الصلاةِ أجبتُه، ومن قال: حيَّ على قتل أخيكَ المسلمِ وأَخْذِ مالِهِ قلتُ: لا. رواه سعيد. وكان ابنُ عمر يصلِّي مع الحَجَّاج.
وأما الجُمَعُ والأعيادُ فتُصلَّى خلفَ كلّ بَرٍ وفاجرٍ، وقد كان أحمدُ يشهدُها مع المعتزلة، وكذلك من كانَ من العلماءِ في عَصْرِه. ا هـ ملخصاً.
(1) رواه الدارقطني في باب صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه، من كتاب الصلاة 2/56. وأبونعيم في أخبار أصبهان (2/217) وهو عند الألباني في إرواء الغليل واهٍ جداً 2/305. | ||
(2) الخَشَبِيَّة: هم أصحاب المختار بن أبي عُبيد قاله ابن الأثير . انظر: اللسان والتاج : مادة "خشب". والرواية عن ابن عمر فيهما. |
* قولـه: (ولا صبيٍ لبالغ). هذا المذهبُ، وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ وأجازهُ الحسنُ والشافعيُّ وإسحاقُ وابنُ المنذرِ لحديثِ عمرو بنِ سَلَمَةَ(1) ، قال في سُبُلِ السَّلام: وتقديمُه وهو ابنُ سبْعِ سنينَ دليلٌ لما قاله الحسنُ البصريُّ والشافعيُّ وإسحاقُ من أنَّه لا كراهةَ في إمامةِ المُمَيِّز، وكرهَها مالكٌ والثوريُّ، وعن أحمدَ وأبي حنيفةَ روايتان والمشهورُ عنهما الإجزاءُ في النوافلِ دون الفرائضِ، قال: ويحتاجُ من ادَّعى التفرقةَ بين الفرضِ والنَّفْلِ إلى دليل.
* قولـه: (إلا إمامَ الحيِّ المَرْجُوَّ زوالُ عِلَّتِه)، قال البخاري: (باب إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليُؤْتَّم به) وصلَّى النبيُّ ﷺ في مرضِه الذي تُوفِّي فيه بالنَّاسِ وهو جالسٌ- إلى أن قال- قال الحُميدي قولُه: (إذا صلَّى جالساً فصلُّوا جلوساً) هو في مرضِه القديم، ثم صلَّى بعد ذلك النبيَّ ﷺ جالساً والناسُ خلفَه قيامٌ لم يأمرْهم بالقعودِ، وإنما يُؤخذُ بالآخِر فالآخِرِ من فِعْلِ النبيِّ ﷺ.
* قولُه: (ولا تصحُّ خلفَ مُحدِثٍ ولا مُتنجِّسٍ يَعلمُ ذلك، فإنْ جِهِلَ هو والمأمومُ حتى انقضتْ صحَّتْ لمأمومٍ وحده)، وهو قولُ الشافعيِّ ومالكٍ، وقال =
(1) قال الخطابي: في معالم السنن 1/169 كان أحمد يضعِّف أمرَ عمرو بن سلمة، وقال مرة: دعه ليس بشيء بَيِّن. وقال أبو داود: قيل لأحمد: حديث عمرو بن سلمة؟ قال لا أدري أي شيء هذا. وانظر المغني لابن قدامة 3/70. |
=أبوحنيفة: يُعيدونَ جميعاً. قال في الشرح الكبير: ولنا إجماعُ الصحابةِ رضي اللهُ عنهم، فَرُوي أنَّ عمرَ صلَّى بالناس الصُّبْحَ ثم خَرجَ إلى الجُرْفِ فأهْراقَ الماءَ فوجَدَ في ثوبِهِ احتلاماً، فأعاد ولم يُعدِ الناسُ(1). وعن البراءِ بن عازبٍ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (إذا صَلَّى الجنبُ بقومٍ أعادَ صلاتَه وتـمَّت للقومِ صلاتُهم) رواه أبو سليمانُ محمدُ بن الحسين الحرَّاني(2).
* قوله: (أو يبدلُ حرفاً)، قال في الفروع: وإن قرأ: (غير ِالمغضوبِ عليهم ولا الضالين) بظاء فالوجه الثالث يصح مع الجهل. قال في تصحيح الفروع: (أحدها) لا تَبْطُل الصلاةُ، اختاره القاضي والشيخُ تقيُّ الدين، وقَدَّمه في المغني(3) والشرح وهو الصواب ا.هـ.
* قولـه: (وأنْ يؤمَّ أجنبيةً فأكثرَ لا رجلَ معهن)، قال في الشرح: لنَهْيهِ عليه السَّلامُ أنْ يَخْلُوَ الرجلُ بالأجنبيةِ (قلت): والظاهرُ أن النَّهْيَ فيما إذا خلا بها وحدَها، ولفظ الحديث: (لا يَخْلو رجلٌ بامرأةٍ إلا والشيطانُ ثالثُهما)(1)، وأما إذا كُنَّ=
(1) أخرجه البيهقي في باب الرجل يجد في ثوبه منيّاً ولا يذكر احتلاماً، من كتاب الطهارة 1/170، والجُرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام، كانت به أموال لعمر بن الخطاب ولأهل المدينة، معجم البلدان 2/62. وانظر: المغني لابن قدامة 1/269. | ||
(2) انظر: المغني لابن قدامة المقدسي 2/505. | ||
(3) انظر: المغني لابن قدامة المقدسي 3/32. | ||
(4) أخرجه البخاري في: باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، من كتاب النكاح 7/48، ومسلم في: باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، من كتاب الحج 2/978. |
=جمعاً فلا نَهْيَ في ذلك، لما رَوَى عبدُالله ابنُ أحمدَ من حديث أُبيِّ بنِ كعبٍ أنه جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله عملتُ الليلةَ عملاً، قال: ما هو؟ قال: نِسْوةٌ معي في الدَّارِ قُلْن: إنَّكَ تقرأُ ولا نقرأُ، فصلِّ بنا فصلَّيْتُ ثمانياً والوترَ، فسكتَ النبي ﷺ، قال: فرأينا أن سكوتَه رِضاً.
* قولـه "ومَنْ يؤدِّي الصلاةَ بمَنْ يَقْضيها وعكسُه لا مفترِضٌ بمتنفِّلٍ الخ، قال في المقنع: ويصحُّ ائتمامُ من يؤدِّي الصلاةَ بمن يَقْضيها، ويصحُّ ائتمامُ المفترِضِ بالمتنفِّلِ، ومن يصلِّي الظُّهرَ بمن يصلِّي العصر في إحدى الروايتين، والأُخرى لا تَصِحُّ فيهما، قال في الاختيارات: وأصحُّ الطَّريقتين لأَصْحابِ أحمدَ أنه يَصِحُّ ائتمامُ القاضي بالمؤدِّي والعكسُ، ولا يَخرجُ عن ذلك ائتمام المُفْتَرِضِ بالمُتنفِّلِ ولو اختلفا، أو كانتْ صلاةُ المأمومِ أقلَّ، وهو اختيارُ أبي البركات وغيرِه.
* قولـه: (ولا الفَذُّ خَلْفَه أو خَلْفَ الصفِّ). قال في الاختيارات: وتَصحُّ صلاةُ الفذِّ لعُذرٍ، وقاله الحنفيَّةُ. وإذا لم يجدْ إلا موقفاً خَلْفَ الصفِّ، فالأفضلُ أن يقفَ وحدَه ولا يَجْذِبَ مَنْ يُصَافُّهُ لِمَا في الجَذْبِ من التصرُّفِ في المَجْذوبِ. وإذا ركعَ دونَ الصفِّ دخل الصفَّ بعد اعتدالِ الإمامِ كان ذلك سائغاً.
* قولـه: (وإمامةُ النِّساءِ تقفُ في صَفِّهنَّ)، قال في الشرح الكبير: لا نعلمُ في ذلك خلافاً بينَ من رأى أن تَؤُمَّهُنَّ، قولـه: (أو صبيٌّ في فرض فَفَذٌّ)، قال في الفروع: وانعقادُ الجماعةِ بالصَّبِّيِ ومُصافَّتُه كإمامتِه، لأنه ليس من أهلِ الشهادةِ وفَرْضُه نَفْلٌ، وقيل: يصحُّ وهو أَظْهرُ، ا.هـ. قال الحافظُ بنُ حجرٍ على حديثِ أنسٍ (وصَفَفْتُ أنا واليتيمُ وراءَهُ والعجوزُ مِنْ ورائِنا)(1) فيه قيامُ الصبيِّ مع الرَّجُلِ صَفّاً، وأنَّ المرأةَ لا تَصُفُّ مع الرِّجالِ فلو خالفتْ أجزأتْ صلاتُها عند الجُمهور.
* قال في الاختيارات: والمأمومُ إذا كان بينه وبين الإمامِ ما يمنعُ الرؤْيةَ والاستطراقَ صحَّتْ صلاتُه إذا كانتْ لعذرٍ(2)، وهو قولٌ في مذهبِ أحمدَ وغيرهِ، ويُنْشَأُ مسجدٌ إلى جَنبِ آخرَ إذا كان مُحتاجاً إليه ولم يُقْصَدِ الضَّرَرُ، فإن قُصِدَ الضررُ ولا حاجةَ فلا يُنشأ.
(1) أخرجه البخاري في باب الصلاة على الحصير، من كتاب الصلاة 1/106، 107، 218 ومسلم في باب جواز الجماعة في النافلة، من كتاب المساجد 1/457 ومــالك في الموطأ في باب جامع المسبحة الضحى 1/157 برقم (406)، والإمام أحمد في المسند 3/131 و149 و164. | ||
(2) قال ابن قدامة في المغني 3/44: وإن لم تتصل الصفوف، وهذا مذهب الشافعي، وذلك لأن المسجد بُني للجماعة، فكلُّ من حصل فيه، فقد حصل في محلِّ الجماعة، وإن كان بينهما طريق الخ.. ففيه وجهان، أحدهما: لا يصح، والثاني: يصح، وهو الصحيح عندي، ومذهب مالك والشافعي، وقد صلَّى أنسٌ في موت حُميد بن عبدالرحمن بصلاة الإمام، وبينهما طريق. ا هـ. |
* قولـه: (ولا تصحُّ صلاتُه في السفينةِ قاعداً وهو قادر على القيام). قال في الشرح الكبير: اختلف قولـه في الصلاةِ في السفينةِ مع القُدرةِ على الخروجِ، على روايتين (إحداهما): لا يجوزُ لأنَّها ليستْ حالَ استقرارٍ أَشْبَهَ الصَّلاةَ على الراحلةِ، (والثانية): يصحُّ لأنه يَتمكنُ من القيامِ والركوع والسجودِ، أَشْبَهَ الصَّلاةَ على الأرض. وسواءٌ في ذلك الجاريةُ والواقفةُ والمسافرُ والحاضرُ، وهي أَصَحُّ ا.هـ. وعن ابنِ عُمَرَ قال: سُئل النبيُّ ﷺ كيف أُصلِّي في السَّفينةِ؟ قال:"صلِّ فيها قائماً إلا أن تخافَ الغَرَق"َ. رواه الدَّارَقُطْنِي.
قال البخاريُّ: وصلَّى جابرٌ وأبو سعيدٍ في السفينةِ قائماً، وقال الحسنُ: قائماً ما لم تَشُقَّ على أصحابِك تدورُ معها وإلا فقاعداً ا. هـ.
* قولـه: (ويصحُّ الفرضُ على الراحلةِ خَشيةَ التأذِّي بالوحلِ لا للمرضِ). قال في المقنع: وهل يجوزُ ذلك للمريضِ؟ على روايتين. قال في الشرح الكبير: وجملةُ ذلك أن الصـلاةَ على الراحلةِ لأَجلِ المرضِ لا تخلو من ثلاثة أحـوال: (أحـدُها): أن=
=يخافَ الانقطاعَ عن الرُّفْقةِ أو العجزَ عن الركوبِ أو زيادةَ المرضِ ونحوه فيجوزُ لـه ذلك. و(الثاني):أن لا يتضرَّر بالنزول ولا يَشُقَّ عليه فيلزمه النزولُ. و(الثالث): أن يَشُقَّ عليه النزولُ مشَّقةً يمكنُ تحملُها من غيرِ خوفٍ ولا زيادةِ مرضٍ ففيه الروايتان: (إحداهما): لا تجوزُ لـه الصلاةُ على الراحلةِ، لأن ابنَ عُمَرَ كان يُنزِلُ مَرْضاه (والثانية): يجوزُ، اختارها أبو بكر لأنَّ المشقةَ في النزولِ أكثر من المَشقَّةِ عليه في المَطَر فكانَ إباحتُها ههنا أَوْلَى ا.هـ.
قال في الاختيارات: وتصحُّ صلاةُ الفرضِ على الراحلةِ خشيةَ الانقطاعِ عن الرفقةِ أو حصولِ ضررٍ بالمَشْي، أو تبرز للخفر.
* قولـه: (من سافر سفراً مباحاً أربعةَ بُرُدٍ). قال في الاختيارات: أما خروجُه إلى بعضِ عملِ أرضِه، وخروجُه ﷺ إلى قُباء فلا يُسمَّى سفراً ولو كان بريداً ولهذا لا يتزوَّدُ ولا يتأهَّبُ لـه أُهبَةَ السفر.
* قولـه: (أو لم يَنْوِ القَصْرَ عند إحرامِها). قال في الفروع: واختار جماعةٌ: يصحُّ القَصْرُ بلا نيةٍ وفاقاً لأبي حنيفة ومالك.
* قولـه: (وإن حبس ولم ينو إقامة أو أقام لقضاءِ بلا نيَّةٍ إقامة قَصْرٍ أبداً). قال في الفروع: قال ابن المُنذر: للمسافر القَصْرُ ما لم يجمعْ إقامةً وإنْ أَتَى عليه سِنونَ إجماعاً. وفي التلخيص: إقامةُ الجيشِ الطويلةُ للغَزْوِ ولا تمنع الترخُّص لقولـه عليه السلام. قال الشَّوكاني: وإذا أقامَ ببلدٍ متِّردداً قَصَرَ إلى عشرينَ يوماً ثم يُتِمّ. وعن ابنِ عباسٍ قال: لما فتحَ النبيُّ ﷺ مكةَ أقامَ فيها تسعَ عشرةَ ليلةً يصلِّي ركعتين. فنحنُ إذا سافرنا فأقْمنا تسعَ عشرةَ قَصَرْنا وإن زِدْنا أتْممنا. رواه البخاري(1) وغيره.
قال في الاختيارات: والجمعُ بين الصلاتين في السفرِ يختصُّ بمحلِ الحاجةِ؛ لأنه من رُخَصِ السفرِ من تقديمٍ وتأخيرٍ، وهو ظاهرُ مذهبِ أحمد المنصوص عليه، ويَجمعُ لتحصيلِ الجماعةِ وللصَّلاةِ في الحمَّامِ مع جوازِها فيه خوفَ فواتِ الوقْتِ، ولخوفِ تَحَرُّجٍ في تَرْكِه. وفي الصحيحين من حديثِ ابنِ عباسٍ أنه سُئل: لمَ فعلَ ذلك؟ قــال: أراد أن لا يُحْرِجَ أحــداً مـن أُمَّته(2). فــلم يعلِّلْهَ بمرضٍ أو غيرِه، وأوســعُ المذاهب في الجَمْع مذهبُ أحمدَ فإنه يجوز الجمع إذا كان لـه شُغل كما رَوى النَّسائيُّ ذلك مرفوعاً إلى النبي ﷺ(3)، وأَوَّلَ القاضي وغيرُه نصَّ أحمدَ أن المرادَ بالشُّغْلِ الذي يُبيحُ تركَ الجُمُعةِ والجماعة ا.هـ.
(1) في باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر، من كتاب التقصير 2/53 وفي باب مقام النبي ﷺ بمكة زمن الفتح، من كتاب المغازي 5/191، وأخرجه الترمذي في باب ما جاء في كم تقصر الصلاة من كتاب أبواب الصلاة 2/432 برقم (548) و(549). | ||
(2) أخرجه مسلم في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر من كتاب المسافرين1/490 و491. | ||
(3) أخرجه النسائي في الوقت الذي يجمع فيه المقيم من كتاب المواقيت 1/286 برقم (590) ولفظه بعد أن ساق سنده إلى ابن عباس أنه صلَّى بالبصرة الأُولى والعصر ليس بينهما شيءٌ والمغرب والعشاءَ ليس بينهما شيءٌ فَعَلَ ذلك من شُغْلٍ وزَعَم ابنُ عبَّاسٍ أنَّه صلَّى رسول الله ﷺ بالمدينةِ الأُولى والعصرَ ثمانٍ سَجَدَاتٍ ليس بينهما شيءٌ. |
* قولـه: (وفي مسجدٍ طريقهُ تحَتَ ساباطٍ). قال في المقنع: وهل يجوزُ لأجلِ الوَحْلِ والريحِ الشديدةِ الباردةِ أو لمن يُصلِّي في بيتهِ أو في مسجدٍ طُرقهُ تحتَ ساباطٍ على وَجْهينِ قال في الشرح الكبير: (إحداهما): الجوازُ؛ لأن الرُّخصةَ العامةَ يستوي فيها حالُ وجودِ المشقةِ وعدمِها كالسَّفرِ والثاني: المَنْعُ؛ لأن الجمعَ لأجلِ المشقة. ا.هـ. ملخصاً.
* قولـه: (ويبطل براتبة بينهما)، قال في المقنع: فإن صلَّى السُّنُّةَ بينهما بَطَلَ الجمعُ في إحدى الروايتين، قال في الاختيارات: ولا موالاةَ في الجَمْعِ في وقتِ الأُولى، وهو مأخوذٌ من نصِّ الإمامِ أحمدَ في جَمْعِ المطرِ إذا صلَّى إحدى الصلاتينِ في بيته والأخرى في المسجدِ فلا بأسَ. ومن نصَّه في رواية أبي طالب: للمسافرِ أن يُصلِّيَ العشاءَ قبلَ أن يغيبَ الشَّفَقُ، وعلَّله أحمدُ بأنه يجوزُ لـه الجَمْعُ. وقال أيضاً: ولا يُشْتَرَطُ للقَصْرِ والجمعِ نيَّةٌ، واختاره أبو بكر عبدالعزيز بن جعفر وغيرُه.
* قال الخطَّابي: صلاةُ الخوفِ أنواعٌ صلاها النبيُّ ﷺ في أيامٍ مُختلِفَةٍ بأشكالٍ متباينةٍ يتحرَّى في كُلِّها ما هو الأَحْوَطُ للصلاةِ والأبلغُ في الحراسةِ، فهي على اختلافِ صورِها مُتَّفقةُ المعنى.
قال الخرقي: وإنْ خافَ وهو مقيمٌ صلَّى بكل طائفةٍ ركعتين وأتمَّتْ الطائفةُ الأُولى بالحمد لله في كلِّ ركعةٍ، والطائفةُ الأُخرى تتم بالحمد لله وسورة: قال الحافظ ابن حجر: صلاة الخوفِ في الحَضَرِ قال بها الشافعيُّ والجُمهورُ.
* قولـه: (مستوطِن ببناء). قال في الاختيارات: وتجبُ الجُمعةُ على من أقدم في غير بناءٍ كالخيامِ، وبيوتِ الشعرِ ونحوِها، وهو أحدُ قولَي الشافعيِّ، وحَكَى الأزجيُّ روايةً عن أحمدَ: ليسَ على أهلِ الباديةِ جُمعةٌ؛ لأنهم يتنقلون فأسْقَطَها عنهم، وعلل بأنهم غيرُ مستوطِنين. وقال أبو العباس في موضع آخر: يُشتَرطُ مع إقامتِهم في الخيام ونحوها أن يكونوا يزرعون كما يزرعُ أهلُ القريةِ. ويَحْتَمِلُ أن تَلزمَ الجمعةُ مسافراً له القصرُ تَبَعاً للمقيمين.
* قولـه: (ومن حضرها منهم أجزأتْه ولم تنعقدْ به ولم تصحَّ أن يؤُمَّ فيها). قال في الشرح الكبير: وقال أبو حنيفةَ والشافعيُّ: يجوز أن يكونَ العبدُ والمسافرُ إماماً فيها، ووافقهَمْ مالكٌ في المسافر.
* قوله: (وأولُه أولُ وقت صلاة العيد)، قال في الشرح الكبير: وقال أكثرُ أهلِ العلمِ وقتُها وقتُ الظُّهرِ إلا أنه يُستحبُّ تعجيلُها في أولِ وقتِها لقولِ سلمةَ بن الأَكْوعِ:= ="كنَّا نجمِّعُ مع النبي ﷺ إذا زالتِ الشمسُ ثم نرجعُ نتتبَّعُ الفَيْءَ"(1). قال شيخُنا: وأما فِعُلُها في أول النَّهار؛ فالصحيحُ أنه لا يجوزُ؛ فالأَوْلى فِعْلُها بعد الزَّوالِ، لأنه فيه خروجاً من الْخِلاَفِ. وتعجيلُها في أولِ وقتِها في الشتاءِ والصيفِ. ا.هـ. ملخصاً.
* قولـه: (حضور أربعين): قال في المقنع: وعنه تنعقد بثلاثة. قال في الاختيارات: وتنعقد الجمعة بثلاثة: واحدٌ يخطُب واثنان يستمعان، وهو إحدى الرواياتِ عن أحمدَ، وقولُ طائفةٍ من العلماء. وقد يقالُ بوجوبِها على الأربعين لأنه لم يَثبتْ وجوبُها على مَنْ دونَهم، تصحُّ ممن دونهم، لأنَّه انتقالٌ إلى أعلى الفَرْضَين كالمريضِ بخلافِ المسافرِ، فإنَّ فرضَه ركعتان.
* قولـه: (وإن أدرك أقلَّ من ذلك أتمَّها ظُهراً إذا كان نوى الظُّهرَ). قال في المقنع: ومن أدرك مع الإمامِ منها ركعةً أتمَّها جُمعةً، ومن أدركَ أقلَّ من ذلك أتمَّها ظُهراً إذا كان قد نوى الظُّهرَ في قول الخرقي. وقال أبو إسحاقَ بنَ شاقِلاَّ: ينوي جمعةً ويُتِمُّها ظُهراً. قال في الشرح الكبير: وهذا ظاهرُ قولِ قَتَادةَ وأيوب ويُونُسَ والشافعيِّ؛ لأنه يصحُّ أن ينويَ الظُّهرَ خلفَ من يُصلِّي الجمعةَ في ابتدائِها، فكذلك في انتهائِها. ا.هـ ملخصاً.
(1) متفق عليه، فقد أخرجه البخاري في: باب غزوة الحديبية، من كتاب المغازي 5/159، ومسلم في: باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس، من كتاب الجمعة 2/589. |
* قوله: (تَحْرُمُ إقامتُها في أكثــر من مــوضــع في البلــدِ إلا لحاجةٍ)، قال في المقنع: وتجــوزُ إقامةُ الجمعةِ في مــوضعينِ للبلدِ للحاجــةِ، ولا يجــوزُ مع عدمِها. قــال في الفروع: وتجوزُ في أكثر منْ موضعٍ للحاجةِ كخوفِ فتنةٍ أو بُعْدٍ أو ضيقٍ وفاقاً للشافعي، ورواية عن أبي حنيفةَ ومالكٍ لِئلاَّ تفوتَ حِكمةُ تجميعِ الخَلْقِ الكثيرِ دائماً.
* قولـه: (ويُسنُّ أن يغتسلَ وتَقَدَّم) -أي في كتاب الطهارة وهو قولـه: وإن استعمل في طهارةٍ مستحبَّةٍ كتجديدِ وضوءٍ وغسل جُمعة.
* قولـه: (وحَرُم رفعُ مُصلَّى مفروش ما لم تَحضر الصلاة). قال في المقنع: وإن وجد مُصلًّى مفروشاً فهل لـه رَفْعُه؟ على وجهين، قال في الشرح الكبير: (أحدهما): ليس لـه ذلك لأن فيه افتياتاً على صاحبها وربما أفضى إلى الخصومة، ولأنَّه سَبَقَ إليه، أَشْبه السابقَ إلى رحبةِ المسجد ومقاعدِ الأسواق، (والثاني): يجوز رَفْعُه والجلوسُ موضِعَه لأنه لا حُرْمةَ لـه، ولأن السَّبْق بالأبدان هو الذي يحصل به الفضلُ لا بالأَوْطِئة، ولأن تَرْكَها يُفضي إلى أن يتأخرَ صاحبُها ثم يتخطَّى رقابَ الناس، ورَفْعُها ينفي ذلك. وأما ما يفعله بعضُ الناس يأتي فيضع عصاه ويخرج لأَشْغاله فهذا لا يجوز، والداخلُ بعده هو السابقُ ولو جلس في الصف الآخر.
قال الشيخ عبد الله أبا بُطَيْن: وأما من دخل المسجد ووجد فيها عصاً يضعها أهلُها ويخرجون لأغراضهم فلا بأس بتأخيرها والمجيءِ في موضعها، فإذا حاذرت من شيء يصير في نفس أخ لك إذا أخَّرْتَ عصا وجلست في مكانه فالذي أحبُّه تركَها والجلوسَ في مكان آخر. ا.هـ. من مجموع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم.
* قوله: (وهي فرض كفاية). قال في الاختيارات: وهي فرضٌ عينيٌّ، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد. وقد يقال بوجوبها على النساء، ومن شَرْطها الاستيطانُ وعـددُ الجمعة، ويفعلها المسافرُ والعبدُ والمرأةُ تبعاً.
* قولـه: (وأكلُه قبلَها وعكسُه في الأضحى إن ضَحَّى). لحديث بريدة، رواه الدارقطني وفيه: وكان لا يأكلُ يومَ النَّحر حتى يرجعَ فيأكلَ من أضحيته، وإذا لم يكن له ذِبْحٌ لم يُبالِ أنْ يأكل(1).
والحكمة في تأخير الأكل يوم الأضحى: الابتداءُ بأكل النُّسك شكراً لله تعالى. وفي رواية البيهقي: وكان إذا رجع أكل من كبد ضَحِيَّتِه.
* قولـه: (إلا المعتكف ففي ثياب اعتكافه). قال في الفروع: ويُسنُّ لُبْسُ أحسن ثيابه إلا المعتكفَ في العشر الأواخرِ من رمضانَ أو عشرِ ذي الحجة من مُعْتَكَفِه إلى المُصَلَّي في ثياب اعتكافه وفاقاً للشافعي. نَصَّ على ذلك. وقال جماعة إلا الإمام.
وقال القاضي في موضع: مُعْتَكِفٌ كغيره في زِيْنَةٍ وطِيْبٍ ونحوهما. وعنه الثياب جيدة ورثَّة، الكلُّ سواء ا.هـ. والصواب أن المعتكف كغيره.
(1) أخرجه الدارقطني في أول كتاب العيدين في سننه 2/45، والبيهقي في: باب ترك الأكل يوم النحر حتى يرجع، من كتاب صلاة العيدين. السنن الكبرى 3/283. |
* قوله: (ومِنْ شَرْطها استيطانٌ وعددُ الجمعة لا إذنُ الإمام). قال في المقنع: وهل مِنْ شَرْطها الاستيطانُ وإذنُ الإمــام والعددُ المشْتَرَطُ للجمعـة؟ على روايتين.
* قولـه: (وينادى الصلاة جامعة). قال في الشرح الكبير: كذلك ذكره أصحابنا قياساً على صلاة الكسوف. وقال الموفق في المغني: وقال بعض أصحابنا: ينادي في العيدين الصلاة جامعــة، وهو قــول الشافعي، وسـنة رســول الله ﷺ أحــقُّ أن تُتَّبَع، يعني: ما أخرجه مسلم(1) عن عطاء قال: أخبرني جابر أن لا أذان يوم الفطر حين يخرجُ الإمامُ ولا بعدما يخرج الإمام، ولا إقامة ولا نداء ولا شيء.
(1) أخرجه مسلم في: أول كتاب العيدين 2/604. |
* قوله: (ويُكره التنفل قبل الصلاة وبعده في موضعها). قــال في الشرح الكبير: وقال مالك كقولنا في المُصَلَّى، وله في المسجد روايتان: (إحداهما) يتطوع لقول النبي ﷺ: (إذا دخل أحدُكم المسجدَ فلا يجلسْ حتى يصلِّي ركعتين)(1) أ. هـ.
* قولـه: (وإن نَسِيَه قضاه ما لم يُحْدِثْ أو يخرجْ من المسجد). قال في الشرح الكبير: قال الشيخ: والأَوْلَى - إن شاء الله- أنه يكبِّر؛ لأن ذلك ذكرٌ منفردٌ بعد سلام الإمام فلا يُشترط له الطهارةُ كسائر الذِّكر.
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري في: باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين من كتاب الصلاة، وفي: باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، من كتاب التهجد 1/120، 121، 2/70، ومسلم في: باب استحباب تحية المسجد بركعتين، من كتاب صلاة المسافرين 1/495. |
* قولـه: (وإن غابت الشمس كاسفةً، أو طلعتْ والقمرُ خاسفٌ، أو كانت آيةً غيرَ الزَّلْزَلَةِ لم يُصَلِّ)، قال في الفــروع: والأشهرُ يصلِّي إذا غــاب القمرُ خاسفاً ليلاً، وفي مَنع الصلاة لـه بطلــوع الفجر كطلوع الشمس وجهــان: إن فُعِلتْ وقت نَهْي قــال في التصحيح: قــال الشارح: فيه احتمالان ذكرهما القاضي: (أحدهما) لا يُمنع من الصــلاة إذا قلـنــا إنها تفعل في وقــت نهي. اختــاره المجــد في شرحــه، قــال في مجمع البحرين: لــم يُمنع في أظهــر الوجهين، وهــو ظاهر كلام أبي الخطاب ا.هـ.
قال في الاختيارات: وتصلَّى صلاةُ الكسوف لكل آيةٍ كالزلزلة وغيرها، وهو قول أبي حنيفة ورواية عن أحمد، وقول محققي أصحابنا وغيرهم.
(1) كسف: بفتح الكاف وضمِّها ومثلها خسف، القاموس. |
* قولـه: (ولا يسرح شعره). قال في الشرح: أي: يكره ذلك ما فيه تقطيع الشعر من غير حاجة إليه، وقال البخاري: باب نقض شعر المرأة، وقال ابن سيرين: لا بأس أن ينقض شعر الميت. وذكر حديث أم عطية إنهن جَعَلْنَ رأسَ بنتِ رسول الله ﷺ ثلاثةَ قُرونٍ نَقَضْنَه ثم غَسَلْنَه ثم جَعَلْنَه ثلاثةَ قُرون(1).
قال الحافظ: قولـه: باب نقض شعر المرأة أي: الميتة قبل الغسل، والتقييد بالمرأة خرج مخرج الغالب أو الأكثر، وإلا فالرجل إذا كان له شعر يُنْقَض لأجل التنظيف، وليبلغ الماءُ البشرةَ. وذهب مَنْ مَنَعَهُ إلى أنه قد يُفضي إلى انتتاف شعره، وأجاب من أثبته بأنه يَنْضَمُّ إلى ما انتثر منه. قال وفائدة النقض تبليغُ الماءِ البشرةَ، وتنظيفُ الشعر من الأوساخ، ولمسلم(2): (مَشَطْناها ثلاثةَ قُرون)، أي سَرَّحْناها بالمُشْط. وفيه حجَّةٌ للشافعي ومن وافقه على استحباب تسريح الشعر، واعتل من كرهه بتقطيع الشعر، والرفق يُؤْمَن مع ذلك ا. هـ.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه برقم (167) في الوضوء: باب التيمن في الوضوء والغسل، ومسلم برقم (939) في الجنائز: باب في غسل الميت. | ||
(2) برقم 939 في الجنائز: باب في غسل الميت. |
* قولـه: (ولا يغسل شهيد ولا مقتول ظلماً). قال في المقنع: ومن قُتل مظلوماً فهل يلحق بالشهيد؟ على روايتين. قال في الشرح الكبير: إحداهما: يغسَّل ويصلى عليه اختارها الخلاَّل، وهو قول الحسن ومذهب مالك والشافعي؛ لأن رتبته دون رتبة الشهيد في المعترك، والثانية: حُكمه حُكم الشهيد، وهو قول الشَّعْبي والأوزاعي. وقـال البخاري(1): بـاب الصلاة على الشهيد، وذكر حديث جابر: كان النبي ﷺ يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: (أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟) فإذا أشير إلى أحدهما قَدَّمَه في اللَّحْد وقال: (أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة). وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم. وحديث عقبه بن عامر: أن النبي ﷺ خرج يوما فصلَّى على أهلِ أُحُد صلاتَه على الميت – الحديث(2).
قال الحافظ: قوله: باب الصلاةِ على الشهداء، قال الزين ابن المنير: أراد باب حُكْم=
(1) أخرجه البخاري في: باب الصلاة على الشهيد، وباب من لم يَرَ غسل الشهداء، دون لفظ "ولم يصل عليهم" وباب من يقدم في اللحد، وباب اللحد والشق في القبر، من كتاب الجنائز 2/114، 115، 117. | ||
(2) أخرجه البخاري في: باب غزوة أحد، من كتاب المغازي 5/120. بلفظ "صلى على شهداء أحد بعد ثماني سنين" وفي: باب الصلاة على الشهيد، من كتاب الجنائز، وفي: باب علامات النبوية في الإسلام، من كتاب المناقب، وفي: باب في الحوض من كتاب الرقاق 2/114، 115، 4/240، 8/151 ومسلم في: باب إثبات حوض نبينا ﷺ وصفاته، من كتاب الفضائل 4/1795، 1796. |
=الصلاة على الشهيد. ولذلك أَوْرد حديثَ جابر الدالَّ على نفيها، وحديثَ عُقْبَه الدالَّ على إثباتِها. قال: ويحتمل أن يكون المراد باب مشروعية الصلاة على الشهيد في قبره؛ لأجل دفنه عملاً بظاهر الحديثين قال: والمراد بالشهيد قتيل المعركــة في حرب الكفار. قال الحافظ: وكذا المراد بقولـه بعد من لم ير غسل الشهيد إلى أن قال: والخلاف في الصلاة على قتيل معركة الكفار مشهور. قال الترمذي، قال بعضهم: يُصَلَّى على الشهيد، وهو قول الكوفيين وإسحاق، وقال بعضهم لا يُصَلَّى عليه، وهو قول المدنيين والشافعي وأحمد، قال الحافظ: ثم إن الخلاف في ذلك في منع الصلاة عليهم على الأصح عند الشافعية، وفي وجه أن الخلاف في الاستحباب، وهو المنقول عن الحنابلة، قال المَرُّوذي عن أحمد: الصلاة على الشهيد أجود، وإن لم يصلوا عليه أجزأ. ا.هـ.
وقال البخاري(1) أيضاً، باب من لم ير غسل الشهيد، ذكر حديث جابر، قال النبي ﷺ: (ادفنوهم في دمائهم)، يعني يوم أحد ولم يغسلهم. قال الحافظ: وقد وقع عند أحمد من وجه آخر عن جابر، أن النبي ﷺ، قال في قتلى أحد: (لا تغسلوهم، فإن كان جرح يفوحُ مسكاً يوم القيامة)، ولم يُصَلِّ عليهم، فبيَّن الحكمة في ذلك. انتهى والله أعلم.
(1) انظر: التخريج السابق قريباً. |
* قولـه: (إلا الزوج لا يَلْزمُه كفنُ امرأته). قال في الفروع: ولا يَلْزمُه كَفَنُ امرأته نصَّ عليه. ورواية عن مالك، وقيل: بلى. وحكى روايةً وفاقاً لأبي حنيفةَ والشافعي، ورواية عن مالك، وقيل: مع عدم تركه.
(1) التبان: السراويل بلا أكمام. |
* قولـه: (وعلى غائب بالنية إلى شهر) هذا المذهب، وعنه لا يجوز وفاقاً لأبي حنيفة ومالك. قال في الاختيارات: ولا يصلّي على الغائب عن البلد إن كان صُلِّي عليه، وهو وجهٌ في المذهب اهـ. وقال الخَطَّابي: لا يصلي على الغائب إلا إذا وقع موتُه بأرض ليس بها من يصلي عليه، لقصة النجاشي، وبه ترجم أبو داود في السنن: الصلاة على المسلم، يليه أهلُ الشِّرْك ببلد آخر.
* قولـه: (ولا يصلي الإمامُ على الغالِّ ولا قاتلِ نفسه). قال في الاختيارات: ومن مات وكان لا يزكِّي ولا يصلي إلا في رمضان، ينبغي لأهل العلم والدين أن يَدَعُوا الصلاة عليه عقوبةً ونكالاً لأمثاله كتركه e الصلاةَ على القاتل نَفْسَه وعلى الغالِّ والمَدِين الذي ليس لـه وفاء، ولا بد أن يصلِّي عليه بعضُ الناس وإن كان منافقاً كمن عُلِم نفاقُه لم يُصَلَّ عليه، ومن لم يُعْلَمْ نفاقُه صُلِّي عليه اهـ.
* قولـه: (ولا بأس بالصلاة عليه في المسجد). قال في المقنع: ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد إذا لم يُخَفْ تلويثُه.
* قولـه: (ويباح بين العمودين). قال في شرح الإقناع: وهما القائمتان، كل عمود على عاتق كان حسناً، ولم يكره، نص عليه في رواية ابن منصور. لأنه عليه الصلاة والسلام حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين. وروي عن سعد= =وابن عمر وأبي هريرة أنهم فعلوا ذلك. قال في الرعاية: إن حمل بين العمودين فمن عند رأسه ثم من عند رجليه، وفي المذهب من ناحية رجليه لا يصلح إلا التربيعُ ا هـ. لأن المؤخَّر إن تَوسَّط بين العمودين لم يَرَ ما بين قدميه، فلا يهتدي إلى المشي، فعلى هذا يَحمل السريرَ ثلاثةٌ، واحدٌ من مقدمة يضع العمودين المقدمين على عاتقيه، ورأسُه بينهما والخشبة المعترضةُ على كاهِلِه، واثنان من مؤخرة، أحدُهما من الجانب الأيمن، والآخر من الجانب الأيسر، يضع كلٌّ منهم عموداً على عاتقه اهـ.
* قولـه: (ولا تكره القراءة على القبر). قال في المقنع : أصح الروايتين، قال في الاختيارات: ولا يُشرع شيءٌ من العبادات عند القبر الصدقةُ وغيُرها، ونقل الجماعة عن أحمد كراهةَ القراءة على القبور، وهو قولُ جمهور السلف، وعليه قدماءُ أصحابه، ولم يَقل أحدٌ من العلماء المعتبَرين أن القراءةَ أفضلُ، ولا رخص في اتخاذه عيداً كأعياد القراءة عنده في وقت معلوم. أو الذكر أو الصيام، واتخاذُ المصاحف عند القبر بدعة ولو للقراءة، ولو نَفعَ الميتَ لفعله السَّلفُ إلى أن قال: وقال أبو العباس في موضع آخر: الصحيحُ أنه ينتفع الميتُ بجميع العبادات البدنيَّةِ، من الصلاة والصوم والقراءة، كما ينتفع بالعبادات المالية، وكما لو دعا لـه واستغفر لـه، ولا يستحبُّ القرب للنبي ﷺ بل هو بدعةٌ، هذا الصواب المقطوع به ا. هـ. ملخصاً.
* قولـه: (تسنُّ زيارةُ القبور)، قال في الاختيارات: واتَّفق السلفُ والأئمةُ على أن من سلَّم على النبي ﷺ أو غيرِه من الأنبياء والصالحين؛ فإنه لا يتمسَّح بالقبر ولا يُقبِّله، إلى أن قال: وإذا سلم على النبي استقْبَل القِبلة ودعا في المسجد، ولم يَدْعُ مُستقْبِلاً للقبر كما كان الصحابةُ يفعلونه، وهذا بلا نزاعٍ أَعْلَمُه، وإنما تنازعوا في وقت التسليم، وهل يستقبل القبر أو القبلة؟ والأكثرون على أنه يستقبل القبر ا.هـ. ملخصاً.
(1) أخرجه مسلم 1/150 ومالك 1/28 وأبو داود (3237). و انظر إرواء الغليل 3/235. | ||
(2) ينظر في تتمة الحديث جامع الأصول 11/157. |
* قولـه: (واستقراره). قال في الشرح: أي تمام الملك في الجُملة، فلا زكاة في دَيْن الكتابة لعدم استقراره؛ لأنه يملك تعجيزَ نفسه، وقال في المقنع: الرابع تَمامُ الملك، فلا زكاة في دَين الكتابة ولا في السائمةِ الموقوفةِ ولا في حصَّة المُضارب من الرِّبح قبل القسمة على أحد الوجهين فيهما، قال في الشرح الكبير: لا تجب الزكاة في السائمة الموقوفة، لأن الملك لا يثبت فيها في وجه، وفي وجهٍ يثبت ناقصاً لا يتمكن من التصرف فيها بأنواع التصرفات، وذكر شيخُنا وجهاً آخر، أن الزكاة تجب فيها، وذكره القاضي، ونقل منها عن أحمد ما يدل على ذلك لعموم قوله عليه السلام في أربعين شاةً(1)، ولعموم غيره من النصوص، ولأن الملك ينتقل إلى الموقوف عليه في الصحيح من المذهب أشبهتْ سائر أملاكه -إلى أن قال- فأما حصّة المضارِب من الربح قبل القِسمة فلا تجب فيها الزكاة، نص عليه في رواية صالح وابن منصور فقال: إذا احتسبا يزكي المضارب إذا حال الحولُ من حينِ احتسبا لأنـه علم ما لـه في المال ا.هـ. قال في الاختيارات: ويصح أن يَشترط ربُّ المال زكاة رأسِ المالِ أو بعضه من الربح ا.هـ. وقد اختلف العلماءُ في الوقف هل فيه زكاة أم لا؟ فأوجب مالكٌ والشافعيُّ الزكاةَ في الثمار المُحَبَّسة الأصول، وكان مكحول وطاوس يقولان: لا زكاةَ فيها، وفَرَّق قومٌ بين أن تكون مُحَبَّسةً على المساكين، وبين أن تكـون على قـوم بأعيانهم، فأوجبوا فيها الصدقة إذا كانت على قوم بأعيانهم، ولم يوجبوا فيها الصدقةَ إذا كانت على المساكين. =
(1) أخرجه البخاري في صحيحه برقم (1448) في الزكاة: باب العَرْضِ في الزكاة، ورقم (1454): باب زكاة الغنم، من حديث أنس t. |
=قلت: وهذه الأثلاث عند البادية وغيرهم الصوابُ وجوبُ الزكاة فيها خروجاً من الخلاف، والله أعلم.
* قولـه: (على مليءٍ أو غيره)، هذا المذهبُ، وعنه لا زكاةَ في الدَّين على غير المليء قال في الاختيارات: لا تجب في دَيْنٍ مؤجَّلٍ أو على مُعْسرٍ أو مُماطلٍ أو جاحدٍ ومغصوبٍ ومسروقٍ وضالٍّ، وما دفنه ونسيه أو جهل عند مَنْ هو ولو حَصَل في يده، وهو رواية عن أحمد اختارها وصححها طائفةٌ من أصحابه انتهى.
وقال مالك في الدين على غير المليء: يزكيه إذا قبضه لعام واحد، وهذا أقرب.
* قولـه: (ولا زكاة في مالِ مَنْ عليه دَينٌ ينقص النِّصاب ولو كان المال ظاهراً) قال في المقنع: ولا زكاةَ في مالِ مَنْ عليه دينٌ ينقص النِّصابَ إلا في المواشي والحبوب في إحدى الروايتين، قال في الشرح الكبير: وجملة ذلك أن الدَّين يَمنع وجوبَ الزكاةِ في الأموالِ الباطنةِ رواية واحدة، وهي الأثمانُ وعروضُ التجارة، فأما الأموالُ الظاهرةُ وهي المواشي والحبوبُ والثمارُ ففيها روايتان: إحداهما الدَّينُ يمنع وجوبَ الزكاةِ فيها والثانية لا يَمنعُ الزكاةَ فيها، وهو قولُ مالك والشافعي، والفرق بين الأمــوال الباطنة والظاهرة أنَّ تَعلُّقَ الزكاةِ بالظاهرة لظهورهـا، وتَعَلُّقِ قلــوبِ الفقراء بها، ولهذا يُشرع إرسالُ السُّعاةِ لأخذها من أربابها، وقد كان النبي ﷺ يبعث السُّعاةِ وكذلك الخلفاءُ بعدَه، ولم يأت عنهم أنهم طالبوا أحداً بصدقة الصامت ولا استكرهوه عليها إلا أن يأتي بها طوعاً، ولأن السُّعاة يأخذون زكاة ما يجدون ولا يَسْألون عما على صاحبها من الدَّين، انتهى ملخصاً.
* قولـه: (ولا يعتبر في وجوبها إمكانُ الأداء ولا بقاءُ المال)، قال في المقنع: ولا يعتبر في وجوبها إمكانُ الأداء، ولا تسقطُ بتلف المال، وعنه أنها تسقط إذا لم يفرط، قال في الشرح الكبير: والصحيح إن شاء الله أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يُفَرِّطْ في الأداء كالوديعة.
قولـه في الاختيارات: ويجوز إخراجُ القِيْمة في الزكاة لعدم العدول عن الحاجة والمصلحة مثل أن يبيع ثمرةَ بستانه أو زَرْعَه، فهنا إخراجُ عُشْرِ الدراهم يُجْزِئُه، ولا يُكَلَّف أن يشتريَ تمراً أو حِنْطةً، فإنه قد ساوى الفقير بنفسه، وقد نصَّ أحمدُ على جواز ذلك، ومثْل أن تجب عليه شاةٌ في الإبل وليس عنده شاةٌ فإخراجَ القيمة كافٍ، ولا يُكلَّفُ السَّفَر لشراء شاةٍ، أو أن يكون المستحقون طلبوا القيمة لكونها أنفعَ لهم فهذا جائز. انتهى.
* قال في المقنع: ولا تُؤَثِّر الخُلْطةُ في غير السائمة وعنه أنها تُؤَثِّر، قال في الشرح الكبير: لا تُؤَثِّر الخلطةُ في غير السائمة كالذهب والفضة والزروع والثمار وعروض التجارة، ويكون حُكْمُهم حُكْمَ المنفردين، وهذا قول أكثر أهل العلم، وعن أحمد أن شَرِكَةَ الأعيانِ تؤثِّر في غير الماشية، فإذا كان بينهم نصابٌ يشتركون فيه فعليهم الزكاة، وهذا قول إسحاق والأوزاعي في الحَبِّ والثمر قياساً على خلطة الماشية والمذهب الأول، قال أحمد: الأوزاعيُّ يقول في الزرع: إذا كانوا شركاءَ يُخرج لهم خمسة أَوْسُقٍ فيه الزكاةُ، قاسه على الغنم، ولا يعجبني قولُ الأوزاعي ا. هـ.
* قولـه: (وتُضَمُّ ثمرةُ العامِ الواحدِ بعضُها إلى بعض في تكميل النِّصاب لا جنسٌ إلى آخر)، قال في المقنع: وعنه أن الحبوبَ يُضَمُّ بعضُها إلى بعض وعنه تُضَمُّ الحنطةُ إلى الشَّعير والقطنيات بعضُها إلى بعض، قال القاضي: وهذا هو الصحيح.
* قولـه: (فإن تلفت قبله بغير تَعَدٍّ منه سَقَطَتْ)، مفهومُهُ أنها إذا تلفتْ بعده لم تَسْقُطْ، والراجح أنها تسقط عنه إذا لم يُفَرِّط، لأنها شُرعت للمواساة وقد تلف مالُه معها.
* قولـه: (ويجب العُشُر على مُستأجرِ الأرض) دون مالكها هذا المذهب، وبه قال مالك والشافعي، قال في الاختيارات: والمُزَارَعَةُ أَحَلُّ من الإجارة لاشتراكهما في المَغْنَم والمَغْرَم إلى أن قال: وإذا صَحَّت المزارعةُ فَيلْزمُ المقطع عشر نصيبه ومن قال العُشْرُ كلُّه على الفلاَّح فقولُه خلاف الإجماع، ويتبعه في الكُلَفِ السُّلْطانية ونحوها العُرْفُ ما لم يكن شرطاً. ا.هـ. ملخصاً.
* قولـه: (وإذا أخذ من ملكه أو موات من العسل) إلى آخره هذا المذهب، وقال مالك والشافعي: لا زكاة فيه، وقال أبو حنيفة: إن كان في أرضه العُشْرُ ففيه الزكاةُ وإلا فلا، قال ابن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل حديثٌ يَثْبت ولا إجماعٌ فلا زكاةَ فيه.
* قولـه: (إذا ملكها بفعله بِنيَّة التجارة) إلى آخره، قال في الشرح الكبير: لا يصير العَرضُ للتجارة إلا بشرطين أحدهما: أن يَمْلِكَه بفعله كالبيع والنِّكاح الثاني: أن يَنْوي عند تَملُّكِه أنه للتجارة، فإن لم ينو لم يُعَدَّ للتجارة لقوله في الحديث: "مما نعده للبيع"، ولأنها مخلوقةٌ في الأصل للاستعمال فلا تصير للتجارة إلا بِنيَّتها. انتهى ملخصاً.
* وقولـه: (فإن ملكها بإرثٍ) إلى آخره، قال في الشرح الكبير: إذا ملك العَرْضَ بالإرث لم يَصِرْ للتجارة وإن نواها، لأنه ملكه بغير فعله فجرى مجرى الاستدامة فلم يَبْقَ إلا مُجَرَّدُ النية، ومجردُ النية لا يصير بها العَرْضُ للتجارة، وكذلك إن ملكها بفعله بغير نية التجارة ثم نواه بعد ذلك لم يصر للتجارة؛ لأن الأصلَ في العروض القُنْيَةُ، فإذا صارت للقُنْيَةِ لم تُنْقَلْ بمجرد النية، كما لو نوى الحاضرُ السفرَ، وعكسُه ما لو نوى المسافرُ الإقامةَ يكفي فيه مجرد النية اهـ. قال في الفروع: ولا يصير العَرْضُ للتجارة إلا أن يملكه بفعله، ويَنْوي أنه للتجارة عند تملكه؛ فإن ملكه بفعله ولم يَنْو التجارةَ، أو ملكه بإرثٍ أو كان عنده عَرْضٌ للقُنْيَةِ فنواه للتجارة لم يَصِرْ للتجارة، هذا ظاهرُ المذهب، ولأن مجردَ النيةِ لا يَنْقُل عن الأصل كنيَّةِ السائمة المعلوفة، ونيَّةِ الحاضــر للسَّفر، ونَقَــلَ صالحٌ وابنُ إبراهيم وابنُ منصـــور أن العَرْضَ يصير للتجــارة بمجــرد النية، اختاره أبو بكر وابنُ عقيل، وجزم به في التبصرة والروضة لخبر سَمُرَة ا. هـ.
* قولـه: (وتُقوَّم عند الحول بالأحظِّ للفقراء من عَيْنٍ أو وَرِقٍ)، قال في الفروع: ويؤخذ منها ربعُ العُشر؛ لأنه كالأثمان لتعلُّقها بالقيمة، لا من العَرْض عندنا إلى أن قال: وعند أبي حنيفة يُخَيَّر بين رُبعِ العُشرِ بالقيمة أو رُبعِ عُشْرِ العروض مطلقاً لأنهما أصلان وعند صاحبه والشافعي في القديم ربع العشر من العرض لأنه الأصل ويجزئ نقد بقدر قيمته وقت إخراج انتهى. قال في الاختيارات ويجوز إخراج زكاة العروض عرضاً، ويقوي قول من يقول تجب الزكاة في عين المال انتهى.
* قولـه: (ومسلمٌ يمونُه ولو شهر رمضان)، قال في المقنع: ومن تَكَفَّلَ بمؤنة شخصٍ في شهر رمضان لم تَلْزَمْه فطرتُه عند أبي الخطَّاب، والمنصوص أنها تَلْزمُه، قال في الشرح الكبير: وهذا قول أكثر الأصحاب، وقد نصَّ عليه أحمدُ لعموم قوله عليه السلام: (أَدُّوا صدقةَ الفطرِ عمَّنْ تَمُونون)(2) ، واختار أبو الخطاب أنها لا تَلْزمُه فطرتُه لأنه لا تَلَزمه مُؤْنَتُهَ، وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ، وهو الصحيحُ إن شاء الله، وكلامُ أحمدَ محمولٌ على الاستحباب، والحديثُ محمولٌ على من تَلْزمه مُؤْنَتُه، انتهى ملخصاً.
(1) الناشز: المرأة التي خرجت عن طاعة زوجها. | ||
(2) أخرجه الدارقطني في: باب زكاة الفطر، من كتاب الزكاة، سنن الدارقطني 2/141، والبيهقي في: باب إخراج زكاة الفطــر عــن نفسه وغيره، من كتاب الزكاة، السنن الكبرى 4/161. وانظر: إرواء الغليل للألباني رقم (835). |
* قولـه: (فإنْ عَدِمَ الخمسةُ أَجْزأ كلُّ حَبٍّ وثَمَرٍ يُقْتات)، قال في الاختيارات: ويجزئه في الفطرة من قُوتِ بلده مثلُ الأَرُزِّ وغيره ولو قَدَرَ على الأصناف المذكورة في الحديث، وهو روايةٌ عن أحمد، وقولُ أكثر أهل العلم، ولا يجوز دَفْعُ زكاة الفطرِ إلا لمن يستحق الكفَّارة، وهو مَنْ يأخذُ لحاجته لا في الرِّقاب والمُؤَلَّفةِ وغير ذلك.
(1) الأقط: طعام يعمل من اللبن المخيض. | ||
(2) أي ولا يجزئ معيبٌ كمسَوِّس ومبلول وقديم تغيَّر طعمُه. | ||
(3) وكذا الخبز لا يجزئ لخروجه عن الكيل والادخار، ولا الخل ولا الدِّبْس لأنهما ليسا قوتاً. |
* قولـه: (ولا يجوز نقلُها إلى ما تُقْصَرُ فيه الصلاة)، قال في الاختيارات: وإنما قال العلماء جيرانُ المال أحقُّ بزكاته، وكرهوا نَقْلَ الزكاة إلى بلدِ السلطانِ وغيرِه ليكتفيَ كلُّ ناحيةٍ بما عندهم من الزكاة، ولهذا في كتاب مُعاذِ بنِ جبلٍ من انتقل من مِخْلافٍ إلى مِخْلافٍ فإن صدقَتَه وعُشْرَهُ في مِخْلافِ جيرانه إلى أن قال: ويجوز نقلُ الزكاة وما في حكمها لمصلحة شرعية، قال: وتحديدُ المَنْعِ من نقلِ الزكاةِ بمسافةِ القَصْرِ ليس عليه دليلٌ شرعي.
* قال في الاختيارات: ولا ينبغي أن يُعطي الزكاةَ لمن لا يستعينُ بها على طاعة الله، فإن الله تعالى فرضها معونةً على طاعته لمن يحتاج إليها من المؤمنين كالفقراء والغارمين أو لمن يُعاوِنُ المؤمنين، فمن لا يصلي من أهل الحاجات لا يُعْطَى شيئاً حتى يتوبَ، ويَلْتزمَ أداءَ الصلاةِ، ويجبُ صرفُ الزكاة إلى الثمانية إن كانوا موجودين وإلا صُرِفَتْ إلى الموجود منهم. انتهى.
* قولـه: (ولا تُدْفَع إلى هاشمي(1)) إلى آخره، قال في الاختيارات: وبنو هاشمٍ إذا مُنِعُوا من خُمْسِ الخُمس جاز لهم الأخذُ من الزكاةِ، وهو قولُ القاضي يعقوب وغيرِه من أصحابنا، وقاله أبو يوسف والأصطخري من الشافعية لأنه محلُّ حاجةٍ وضرورةٍ، ويجوزُ لبني هاشم الأخذُ من زكاة الهاشميين، وهو مَحْكيٌّ عن طائفةٍ من أهلِ البيت إلى أن قال: وإذا كانت الأمُ فقيرةً ولها أولادٌ صغارٌ لهم مالٌ ونفقتها تَضُرُّ بهم أُعطيتْ من زكاتِهم، والذي يخدمه إذا لم تَكْفِه أُجرتُه أعطاه من زكاته إذا لم يستعملْه بدل خِدْمته. انتهى.
(1) لقول النبي ﷺ: (إن الصدقة لا تنبغي لآلِ محمد، إنما هي أوساخُ الناس) أخرجه مسلم في: باب ترك استعمال آل النبي ﷺ على الصدقة، من كتاب الزكاة حديث رقم 1072، ط ابن حزم ج2. |
* قولـه: (وإن حالَ دونه غَيْم أو قتر) فظاهرُ المذهب يجبُ صومهُ، قال في المقنع: وعنه: لا يجبُ، وعنه: الناسُ تَبَعٌ للإمام، قال الحافظ بن حجر على قوله ﷺ: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فافطروا؛ فإن غُمَّ عليكم فاقْدروا له)، وفي رواية: (لا تصوموا حتى تروا الهلال)(1)، وهو ظاهرٌ في النهي عن ابتداء صومِ رمضانَ قبلَ رؤيةِ الهلالِ فيدخل فيه صورةُ الغَيْمِ وغيرها، ولو وقع الاقتصار على هذه الجُملة لكفى ذلك لمن تَمَسَّك به؛ لكن اللفظ الذي رواه أكثرُ الرواةِ أوقع للمخالف شبهةً، وهو قولهُ: (فإن غُمَّ عليكم فاقْدرُوا له)، فاحتمل أن يكون المراد التفرقة بين حُكْم الصَّحْوِ والغَيْمِ فيكون التعليقُ على الرؤيةِ متعلقاً بالصَّحْو، وأما الغيمُ فله حُكم آخر، ويحتمل أن لا تَفْرقة، ويكون الثاني مؤكِّداً للأول، وإلى الأول ذهب أكثرُ الحنابلة، وإلى الثاني ذهب الجمهورُ، فقالوا: المرادُ بقوله: فاقدُروا له أي انظروا في الشهر، واحسبوا تمام الثلاثين، ويُرَجِّحُ هذا التأويلَ الرواياتُ الأخرى المُصَرِّحةُ بالمراد من قوله: (فأكملوا العِدَّةَ ثلاثين) ونحوها وأَوْلَى ما فَسَّر الحديثَ الحديثُ انتهى.
* قوله: (وإذا رآه أهلُ بلد لزم الناسَ كلُّهم الصومُ). قال في الشرح الكبير: هذا قولُ الليث وبعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم: إن كان بين البلدين مسافةٌ قريبةٌ لا تختلف المَطالعُ لأجلها كبغدادَ والبصرةَ لزم أهلَها الصــومُ برؤية الهلال في=
(1) أخرجه البخاري في الصوم: باب قول النبي ﷺ برقم (1907)، ومسلم في باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم (1080). |
=أحدهما وإن كان بينهما بُعْدٌ كالحجاز والعراق والشام، فلكلِّ أهلِ بلدٍ رؤيتُهم، وهو مذهب القاسم وسالم وإسحاق. قال في الاختيارات: تختلف المَطَالعُ باتفاق أهل المعرفة بهذا فإن اتفقتْ لزم الصومُ وإلا فلا، وهو الأصحُّ للشافعية، وقولٌ في مذهب أحمد، قال الحافظ ابن حجر: وقد أجمعوا على أنها لا تُراعَى الرؤيةُ فيما بَعُدَ من بلاد كخراسان والأندلس.
* قولـه: (ويصام برؤية عدلٍ ولو أنثى). قال في الفروع: وفي الكافي يُقبَل العبدُ وفي المرأة وجهان، أحدهما: يُقبل لأنه خَبَر، والثاني: لا؛ لأن طَرِيقَهُ الشهادةُ، ولهذا لا يُقبل فيه شاهدُ الفَرْعِ مع إمكانِ شاهدِ الأصل.
* قولـه: (ويجب تعيينُ النية من الليل لصوم كلِّ يومٍ واجبٍ)، وعنه لا يجب تعيين النية لرمضان، لأن التعيين يجزئ عن نية الفرضية، قال في الاختيارات: ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى.
* قولـه: (ومن نوى الإفطار أفطر)، قال في الفروع: نصَّ عليه وفاقاً للشافعي ومالك، وعند ابن حامد وبعض المالكية وبعض الشافعية لا يبطل صومُه كالحج، وقولنا: (أفطر) أي صار كمن لم يَنْوِ لا كمن أكل فلو كان في نفل ثم عاد جاز. نصَّ عليه ا. هـ. ملخصاً.
* قولـه: (أو اكتحل)، قال في الاختيارات: ولا يُفطر الصائمُ بالاكتحال والحُقنة وما يقطّر في إحْلِيْلِه ومداواةُ المأمومةِ والجائفةِ، وهو قول بعض أهل العلم، ويُفْطر بإخراج الدم بالحجامة، وهو مذهب أحمد، وبالفَصْد والتَّشْريط، وهو وجه لنا وبإرْعافِ نَفْسِه، وهو قول الأوزاعي، ويفطر الحاجمُ إن مَصَّ القارورة، ولا يُفطر بِمَذْيٍ بسببِ قُبْلةٍ أو لَمْسٍ أو تَكْرارِ نَظَرٍ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وبعض أصحابنا، وأما إذا ذاق طعاماً ولَفَظَه أو وضع في فيه عسلاً ومَجَّه، فلا بأس به للحاجة كالمضمضة والاستنشاق ا. هـ.
* قولـه: (وكذلك من لزمه الإمساكُ إذا جامع). قال في الشرح الكبير: إذا كَفَّر ثم جامع ثانية، فإن كان في يومين فعليه كفارةٌ ثانية بغير خلافٍ نَعْلمه، وإن كان في يوم واحدٍ، فكذلك، نصَّ عليه أحمد، وهكذا يُخَرَّجُ في كلِّ مَنْ لَزِمَه الإمساكُ وحُرِّم عليه الجماعُ في نهار رمضان، وإن لم يكن صائماً كمن لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد طلوع الفجر أو نسي النيةَ أو أكل عامداً ثم جامع. وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا شَيْءَ عليه بذلك الجماع لأن لم يُصادف الصَّوم ولم يَمْنَعْ صِحَّتَه فلم يُوجِبْ شيئاً اهـ. والصواب أنه لا كَفَّارةَ على مَنْ جامع قبل عِلْمِه برؤية الهلال. قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في مجموعه: وأجاب الشيخُ حمدُ بنُ عبد العزيز وأما الجماعُ يوم الشَّكِّ، وهو آخرُ يوم في شعبان، إذا غُمَّ على الهلال أو حال دون مَنْظرهِ غيمٌ أو قَتَرٌ فهي مسألةُ نزاع، وجمهور الفقهاء على وجوب الكفارة، وكلامُ شيخِ الإسلام مشهورٌ في عدم الوجوب بناءً على أصل وهو أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم ا.هـ. (قلت): ولعل مرادَه بالجمهور فقهاءُ الحنابلة. والله أعلم.
* قولـه: (ويُفطر بها فقط إن وَصَلتْ إلى حَلْقِه). قال في المقنع: يُكره للصائم أن يَجْمَعَ ريقه فيبتلعَه، وأن يبتلعَ النُّخامة، وهل يفطر بها؟ على وجهين. قال في الشرح الكبير: وإن ابتلع النخامة، فقد روى حنبل قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إذا تَنَخَّم ثم ازْدَرَدَهُ فقد أَفْطر، لأن النُّخامةَ تنزل من الرأس، والرِّيق من الفم، ولو تنخَّم من جوفه ثم ازدرده أفطر، وهذا مذهب الشافعي، لأنه أمكنَ التحرُّزُ منها أَشْبَهَ الدمَ، ولأنها من غير الفم أَشْبَهَ القَيْءَ. وفيه رواية أخرى، لا يُفطر، فإنه قال في رواية المَرُّوذي: ليس عليك القضاءُ إذا ابتلعتَ النُّخامةَ وأنت صائم، لأنه معتاد في الفم أَشْبَهَ الرِّيقَ ا. هـ.
* قولـه: (وإن مات وعليه صومٌ) إلى آخره. قال البخاري: باب من مات وعليه صــوم، وقــال الحسن: إن صــام عنه ثلاثون رجلاً يوماً واحداً جاز، ثم ذَكَرَ حديثَ عائشةَ "من مات وعليه صيامٌ صامَ عنه وليُّه"(1). قال الحافظ: قد اختلف السَّلَفُ في هذه المسألة فأجازَ الصِّيامَ عن الميتِ أصحابُ الحديث، وعَلَّقَ الشافعيُّ في القديم القولَ به على صِحَّةِ الحديث، وقال الشافعيُّ في الجديد ومالك وأبو حنيفة: لا يُصام عن الميت، و قال الليث وأحمد وإسحاق: لا يصام عنه إلا النُّذْر، وأما رمضان فيطعم عنه ا. هـ ملخصاً.
قال في الاختيارات: وإذا تبرَّع إنسانٌ بالصوم عمن لا يُطيقُه بِكِبَرٍ ونحوه أو عن ميتٍ وهما مُعْسِرانِ تَوجَّه جوازُه؛ لأنه أقربُ إلى المماثلة من المال اهـ. قال في الفروع: وإن أَخَّرَ القضاءَ حتى مات فإن كان لعذر فلا شيءَ عليه، نصَّ عليه وفاقاً لعدم الدليل، وفي التلخيص روايةٌ يطعم عنه كالشيخ الهَرِمِ، وقال في الانتصار: يحتمل أن يجب الصومُ عنه أو التكفيرُ كمن نذر صوماً ا.هـ ملخصاً.
(1) أخرجه البخاري في: باب من مات وعليه صوم، من كتاب الصوم 3/46، ومسلم في: باب قضاء الصيام عن الميت، من كتاب الصيام 2/803. |
* قولـه: (والسبت) لحديث: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افْتُرِضَ عليكم)(1)، قال في سُبُل السلام: النَّهيُ عن صومِهِ كان أولَ الأمر حيث كان ﷺ يُحبُّ موافقةَ أهلِ الكتابِ ثم كان آخرُ أمرهِ ﷺ مخالفتهم كما صرَّح به حديثُ أم سلمةَ: أن رسول الله ﷺ أكثر ما كان يصوم من الأيام يومَ السبت ويومَ الأحد، وكان يقول: إنهما يوما عيدٍ للمشركين، وأنا أريد أن أُخالفَهم، وظاهره صومُ كُلٍّ على الانفراد والاجتماع.
* قوله: (ومن دخل في فرضٍ موسَّعٍ حَرُم قَطْعُه، ولا يَلْزَم في النَّفْل ولا قضاءُ فاسده إلا الحج)، قال في المقنع: ومن دخل في صومٍ أو صلاةٍ تطـوعاً استُحِبَّ لـه إتمامُه ولم يَجِبْ، فإن أفسده فلا قضاءَ عليه. قال في الفروع: ويَلْزم إتمامُ نفلِ الحجِّ=
(1) أخرجه ابن ماجه في: باب ما جاء في صيام يوم السبت، من كتاب الصيام 1/550، والإمام أحمد في: المسند 4/189. وأخرجه أبو داود بزيادة: "فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة فلْيمضغه" في باب النهي أن يخصّ يوم السبت بصوم، من كتاب الصيام 1/564 والترمذي في: باب ما جاء في صوم يوم السبت، من أبواب الصوم، عارضة الأحوذي 3/279، في رواية عبدالله بن بُسر، عن أخته الصمَّاء، وقال أبو داود: اسم أخت عبدالله بن بُسر هجيمة أو جهيمة. |
=والعُمرةِ، وفاقاً لانعقاد الإحرام لازماً لظاهرِ آيةِ الإحصار، فإن أَفْسَدَهُما أو فَسَدا لَزِمَه القضاءُ وفاقاً، قال صاحبُ المُحَرَّر: لا أعلم أحداً قال بخلافهم، وفي الهداية والانتصار وعيون المسائل لابن شهاب رواية لا يَلْزَمه القضاءُ، قال صاحبُ المُحَرَّر: لا أحسبه إلا سهواً و يأتي في الحج انتهى.
* قولـه: (ومَنْ نَذَره في مسجدٍ غيرِ الثلاثة لم يَلْزَمْه فيه)، قال في المقنع: ومن نذر الاعتكافَ والصلاةَ في مسجدٍ فله فعلُه في غيره إلا المساجدَ الثلاثة، قال في الاختيارات: ومن نذر الاعتكافَ في مسجدٍ غيرِ المساجدِ الثلاثةِ تَعَيَّنَ ما امتاز على غيره بمزيَّةٍ شرعيةٍ كقِدَمٍ وكَثْرةِ جَمْعٍ إلى أن قال: ولا يجوز سفرُ الرجل إلى المشاهد والقبور والمساجد غير المساجد الثلاثة، وهو قول مالك وبعض أصحابه، وقاله ابنُ عقيل من أصحابنا.
* قولـه: (مِنْ حيثُ وَجَبَا) أي: من بلده.
* قولـه: (ويجزئ عنه وإن عُوفي بعد الإحرام) أي لم يَجِبْ عليه حجٌ آخر، قال الشافعي وغيره: يَلْزَمُه.
* قولـه: (وإن مات مَنْ لَزِمَاه أُخْرِجَا من تَرِكَتِه)، قال في المقنع: ومَنْ وجب عليه الحجُّ فتُوفي أُخْرِج من جميع ماله حجة وعمرة؛ فإن ضاق مالُه عن ذلك، أو كان عليه دَيْنٌ أُخِذَ للحجِّ بحصته وحج به من حيث يبلغ، هذا المذهب وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط بالموت فإن وصَّى بها فهي من الثلث.
* قولـه: (أشهرُ الحج شوال وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة)، قال في الشرح الكبير: وهو ميقات الزمان للحج؛ فأما العُمرةُ فكل الزمان ميقاتٌ لها، ولا يُكْره الإحرامُ بها في يوم النَّحْر، وعَرَفَةَ وأيامِ التَّشْريقِ في أشهر الروايتين، وعنه يُكره وبه قال أبو حنيفة.
(1) ويقال: قَرْنُ المنازل، وقَرْنُ الثعالب، على يوم وليلة من مكة. |
* قولـه: (وأفضلُ الأَنْساك التمتعُ)، قال في الاختيارات: والقِرَانُ أفضلُ من التمتعِ إن ساق هدياً، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومن اعتمر وحجَّ في سَفْرَتين، أو اعتمر قبل أشهرِ الحجِّ فالإفرادُ أفضلُ باتفاقِ الأئمةِ الأربعةِ، ومن أَفْرَدَ العمرَةَ بسَفْرَةٍ ثم قَدِمَ في أشهر الحج؛ فإنه يتمتع إلى أن قال: ولو أَحْرم بالحج ثم أَدْخل عليه العُمْرةَ لم يَجُزْ على الصحيح ويجوز العكسُ بالاتفاق.
* قولـه: (حلق الشعر)، المذهبُ أنه إذا حَلَقَ ثلاثَ شعرات فَأَزْيد وجبتْ عليه الفدية، وقال أبو حنيفة: لا يجب الدمُ بدون رُبع الرأس، وقال مالك: إذا حلق مِنْ رأسه ما أماطَ به الأذى وجب الدمُ، قال في الاختيارات: والمحرمُ إن احتاج وقطعَ شعرهُ لحجامة أو غُسل لم يضرَّه، والقملُ والبعوضُ والقُرادُ إن قَرَصَهُ قَتَلهُ، وإلا فلا يقتله.
* قولـه: (أو تَلِفَ في يده فعليه جزاؤه)، قال في المقنع: وإن أَحْرم وفي يده صيدٌ أو دخل الحرمَ بصيدٍ لزمَهُ إزالةُ يده المشاهدة دون الحُكْميَّةِ عنه، فإن لم يفعل فتلف ضَمِنَهُ، قال في الفروع: وإن ملك صيداً في الحِلِّ فأدخله الحَرَمَ لزمه رفعُ يده وإرسالُه، فإن أتلفه أو تَلِفَ ضمنَهُ كصيدِ الحلِّ في حق المُحرمِ، نقله الجماعةُ، وعليه الأصحاب وفاقاً لأبي حنيفة، ويتوجه لا يلزمه إرسالُه، وله ذبحُه، ونقل الملك فيه وفاقاً لمالكٍ والشافعي، لأن الشارعَ إنما نهى عن تنفيرِ صَيْدِ مكةَ، ولم يبينْ مثل هذا الحُكْمِ الخَفِيّ مع كثرةِ وقوعِه، والصحابةُ مختلفون، وقياسُه على الإحرام فيه نَظَرٌ؛ لأنه آكدُ لتحريمة ما لا يحرم ا.هـ.
* قولـه: (وإحرامُ المرأةِ كالرَّجلِ إلا في اللباس وتجتنب البرقُعَ والقُفَّازَينِ وتَغْطِيَةَ وجْهها)، قال في الاختيارات: ويجوز للمرأة أن تُغطِّيَ وجْهَها بملاصقٍ خَلا النِّقابَ والبُرْقُعَ، ويجوز عَقْدُ الرِّداء في الإِحْرام ولا فِدْيةَ عليه.
* قولـه: (ويباح لها التحلِّي)، قال في المقنع: ولا تَلْبَس القُفَّازَين ولا الخُلْخَال ولا تكتحلُ بالاِثْمِد، وعن قَتَادةَ: أنه كان لا يَرَى بأساً أن تَلْبَس المرأةُ الخاتمَ والقُرْطَ وهي مُحرمةٌ وكَرِهَ السِّوارين والُخْلخالين والدُّمْلُجَين.
* قولـه: (وكلُّ هَدْيٍ أو طعامٍ فلمساكينِ الحَرَم)، قال في المقنع: إذا قَدَرَ على إيصاله إليهم، قال في الشرح الكبير: وما وَجَب لترك نُسكٍ أو فَوَاتٍ فهو لمساكين الحرم دون غيرهم؛ لأنه هَدْيٌ وجب لترك نُسكٍ أشبه دَمَ القرانِ، قال: ومساكينُ الحرمِ من كان فيه من أهله ومَنْ ورد إليه من الحجاج وغيرهم.
(1) أي البدنة في الحج، والشاة في العمرة. | ||
(2) أي سُبع بدنة. |
* قولـه: (ويَحْرُم قطعُ شجرهِ وحشيشهِ الأخضرين). قال في الإفصاح: واتفقوا على أن شجر الحرم مضمونٌ على المُحِلِّ والمُحرِم، إلا مالكاً فإنه قال: ليس بمضمون.
(1) وما بين عير إلى ثور هو ما بين لابتيها. |
* قولـه: (أو نكَّسه)، وفي أكثر النُسَخِ "أو نُسُكه"، والصواب تقديم الكاف على السين، وعبارةُ المقنع: وإن طاف مُنَكِّساً أو على جدار الحجْرِ أو شاذَرْوان الكعبة، أو ترك شيئاً من الطوافِ وإن قلَّ، أو لم يَنْوِه لم يُجزئه(2) ا.هـ.
(1) بكلِّه: أي بكل بدنة، فيكون مُبْتَدَأ طوافه. | ||
(2) وعلى فرض رواية تقديم السين على الكاف كما في الروض المربع، يكون المعنى: إذا لم ينوِ نُسُكَه بأن أحرم مطلقاً وطاف قبل أن يصرف إحرامه لنسك معين لم يصح طوافه. |
* قال في الفروع: ومن وقف نهاراً ودَفَعَ قبل الغروبِ ولم يَعُدْ قَبْلَه، وفي الإيضاح: قبل الفجر، قاله أبو الوفاء في مفرداته، وقيل: أو عاد مُطْلَقاً، وفي الواضح: ولا عُذْرَ لزمه دمٌ، وعنه: لا كواقفٍ بليلٍ. قال في الشرح الكبير: فإن دَفَعَ قبلَ الغروبِ ثم عاد نهاراً فوقف حتى غربت الشمسُ فلا دمَ عليه، وبه قال مالك والشافعي، وقال الكوفيون وأبو ثور: عليه دمٌ لأنه بالدَّفْعِ لزمه الدمُ فلم يسقطْ عنه برجوعه، كما لو عاد بعد الغروب، ولنا أنه أتى بالواجب وهو الوقوف بالليل والنهار فلم يجب عليه دم، كمن تجاوز الميقات غير محرم ثم رجع فأحرم منه فإن لم بعد حتى غربت الشمس فعليه دم، لأن عليه الوقوف حال الغروب وقد فاته بخروجه، فأشبه من تجاوز الميقات غير محرم فأحرم دونه ثم عاد إليه اهـ.
قلتُ: والراجحُ عدمُ لزومِ الدمِ إذا عاد إلى عَرَفة قبل الغروب أو بعده.
* قولــه: (لا يَلْزَمُ بتأخيره دمٌ). قال في المقنع: ويحصُل التحلُّل بالرمي وحدَه فإن قَدَّم الحَلْقَ على الرمْي أو النَّحرِ جاهلاً أو ناسياً فلا شيءَ عليه، وإن كان عالما فهل عليه دم؟ على روايتين.
* قولُـه: (بسبع حصيات)، وعنه يُجزئه خمسٌ، وعن سعد بن مالك t قال: رجعنا في الحجة مع النبي ﷺ وبعضُنا يقول: رمَيْتُ بسبع حَصَيَاتٍ، وبعضُنا يقول: رميتُ بستِّ حَصَيَاتٍ، فلم يَعِبَ بعضُهم على بعض، رواه أحمدُ والنَّسائي.
* قوله: (وتستحبُّ زيارةُ قبرِ النبي ﷺ) إلى آخره، هذا قول الجمهور، والمرادُ بذلك: الزيارةُ المشروعةُ، فيسلِّمُ على النبي ﷺ، ويُصلِّي عليه ويدعو له، وأما دعاؤُه والإقسامُ على الله به وسؤالُ الحوائجِ فلا يجوز بالإجماع، وهو شِرْكٌ ظاهرٌ قال تعالى: +¨bﷺ&uﷺ yÉf»|¡yJø9$# ¬! xsù (#qããôs? yìtB «!$# #Ytnﷺ&" [الجن:18] وكان ابنُ عمر إذا دخل المسجدَ قال: السلامُ عليك يا رسول الله، السلامُ عليك يا أبا بكر، السلامُ عليك يا أبتِ ثم ينصرف. رواه مالك في الموطَّأ، قال الموفَّقَ في المُغني(1): ولا يستحبُّ التمسحُ بحائط قبرِ النبيِّ ولا تقبيلُه.
(1) 5/468. |
* قولـه: (ويقضي ويُهدي إن لم يكن اشترط). قال في المقنع: ويتحلَّلُ بطواف وسَعْي، وعنه: أنه ينقلب إحرامُه لعمرةٍ ولا قضاءَ عليه، إلا أن يكون فرضاً، وعنه: عليه القضاءُ وهل يلزمه هَدْيٌ؟ على روايتين.
* قولـه: (وإن أحْصَرَه مرضٌ أو ذهابُ نفقةٍ بقي مُحرِماً إن لم يكن اشترط). قال في الاختيارات: والمُحْصَر بمرضٍ أو ذهابِ نفقةٍ حجَّ كالمُحْصَر بعدوٍ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومثلُه حائضٌ تعذَّر مُقامُها وحَرُمَ طوافُها ورجعتْ ولم تَطُفْ لجهلها بوجوبِ طوافِ الزيارةِ، أو لعَجْزها عنه، أو لذهاب الرُّفقة، والمُحْصَر يَلزمُه دمٌ في أصح الروايتين، ولا يَلزمُه قضاءُ حجِّه إن كان تطوعاً، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ا.هـ.
(1) أي فَقَدَ الهَدْي. |
* قولـه: (والهَتْماء). قال في الاختيارات: وتجزيُ الهَتْماء التي سقط بعضُ أسنانِها في أصح الوجهين.
* قولـه: (إلى يومين بعده). قال في الاختيارات: وآخرُ وقتِ ذبحِ الأضحيةِ آخرَ أيامِ التشريقِ، وهو قولُ الشافعيين، وأحد القولين في مذهب أحمد.
* قولـه: (فإن فاتَ قضى واجبه). قال في الشرح الكبير: إذا فات وقتُ الذَّبْح - ذبحِ الواجبِ- قضاه، وصنع به ما يصنع بالمَذْبوح في وقته، لأن حُكْمَ القضاءِ حكمُ الأداء، فأما التطوعُ فهو مخيَّر فيه، فإن فرَّق لحمها كان القربةُ بذلك دون الذبح؛ لأنه شاةُ لحمٍ وليست أضحيةً، وبهذا قال الشافعي.
قال في الاختيارات: والأضحيةُ من النفقة بالمعروف، فتضحِّي امرأةٌ من مال زوجها عن أهل البيت بلا إذنه، ومَدِينٌ لم يطالبه رب الدين .
قال: والتَّضْحيةُ عن الميت أفضلُ من الصدقة بثمنها.
* قولـه: (ويحرم على من يضحي) إلى آخره. قال في المقنع: ومن أراد أن يضحِّي ودخل العَشْرُ فلا يأخذ من شعره وبَشَرَتِه شيئاً، وهل ذلك حرام؟ على وجهين: قال في الحاشية المذهبُ أنه حرامٌ لحديث أم سلمة(1).
وقال القاضي وجماعةٌ هو مكروهٌ غيرُ محرَّم، وبه قــال مالك والشافعي لقــول عائشة: كنتُ أَفتِلُ قلائدَ هَدْي رسولِ الله ﷺ، ثم يقلِّدُها بيده ثم يبعثُ بها ولا يُحرَّم عليه شيءٌ أحلَّه الله حتى ينحرَ الهَدْيَ (متفق عليه)(2).
قال في الاختيارات: ومن عَدِمَ ما يُضَحى به ويَعق، اقترض وضحَّى وعقَّ مع القدرة على الوفاء.
(1) أخرجه مسلم. في الأضاحي برقم (1977) في: باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً من حديث أم سلمة بلفظ: (إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي). | ||
(2) أخرجه البخاري في: باب من أشعر وقلَّد بذي الحليفة ثم أحرم، وباب أشعار البُدْن، من كتاب الحج 2/2007، 3/134، ومسلم في: باب استحباب بعث الهدي، من كتاب الحج، 2/957- 958. |
* قال في الاختيارات: ويجوز للإمام تفضيلُ بعضِ الغانمين لزيادةِ منفعتِه على الصحيح.
قال في المقنع: وإذا قال الإمام: من أخذ شيئاً فهو لـه، أو فضَّل بعضَ الغانمين على بعض لم يَجُزْ في إحدى الروايتين، ويجوز في الأخرى أهـ.
وقيل: يجوز لمصلحة، وإلا فلا، قال في الإنصاف: وهو الصواب، وقال في الاختيارات وتحريق رحل الْغَالِّ من باب التعزير لا الحد الواجب فيجتهد الإمام فيه بحسب المصلحة.
قال في الاختيارات: ولا حقَّ للرافضةِ في الفَيء، وليس لولاةِ الأمور أن يستأثروا منه فوقَ الحاجةِ كالإقطاعِ يصرفونه فيما لا حاجةَ إليه، ويقدم للمحتاج على غيره في الأصح عن أحمد.
* قال في الاختيارات: وكلُّ ما عدَّه الناسُ بيعاً أو هبةً من متعاقبٍ أو متراخٍ من قولٍ أو فعلٍ انعقد به البيعُ والهبةُ أهـ.
وكان شيخُنا سعدُ بنُ عَتِيْقٍ إذا قُرئَ عليه كتابُ البيعِ يقول في كلامه: عليه حُكْمُ الحاكمِ يرفعُ الخِلاف.
* تنبيه: قولـه: (والحشرات) عبارة المؤلف: (والحشرات والمصحف والميتة)، فلو عَبَّر بغيرها كان أولى، وعبارة الموفق وفي جواز بيعِ المصحف وكراهةِ شرائِه وإبدالِه روايتان، ولا يجوز بيعُ الحشراتِ والمَيْتة.
قال في الإفصاح: واتفقوا على أن شراءَ المُصْحف جائزٌ، واختلفوا في بيعه، فكرهه أحمدُ وحدَه، وأباحه الآخرون من غير كراهة.
* قولـه: (السِّرْجِين النجس)، هــذا المذهــبُ، وبـه قــال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز، لأن الأمصارَ يتبايعونه لزروعهم من غير نَكِير.
* قولـه: (الأدهان النجسة والمتنجسة). قال الحافظ بن حجر على قوله ﷺ: (إنَّ اللهَ ورسولَه حَرَّما بيعَ الخمرِ والمَيتةِ والخنزيرِ والأصنامِ)(1)، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة. فإنها يُطْلَى بها السفنُ ويُدْهَنُ بها الجلودُ ويَسْتَصْبِحُ بها الناسُ؟ فقال: "لا هو حرام"، أي البيعُ، هكذا فسَّره بعضُ العلماء كالشافعي ومن اتبعه، ومنهم من حَمَل قولَه: (هو حرام) على الانتفاع، فقال: يَحْرم الانتفاعُ بها،وهو قول أكثر العلماء، فلا يُنتفع من الميتة أصلاً عندهم إلا ما خُصَّ بالدليل، وهو الجلدُ المدبوغُ، واختلفوا فيما يتنجَّسُ من الأشياء الطاهرة، فالجمهور على الجواز، وقال أحمدُ وابن الماجِشُون: لا ينتفع بشيء من ذلك، واستدلَّ الخطابيُّ على جواز الانتفاع بإجماعهم على أن من مات له دابةٌ ساغ له إطعامُها لكلاب الصيد، فكذلك يسوغ دَهْنُ السفينةِ بشحمِ الميتةِ، ولا فرق أهـ.
* قولـه: (فإن باع مِلْكَ غيره أو اشترى بعَيْنِ مَالهِ بلا إِذْنه لم يصحَّ)، وعنه يصحُّ، ويقفُ على إجازةِ المالك، وبه قال مالك واسحق، وقال به أبو حنيفة في البَيْع، فأما الشراءُ فيقعُ للمشتري بكل حال، لحديث عُرْوَةَ بنِ الجَعْدِ أن النبي ﷺ أعطاه ديناراً ليشتريَ له شاةً فاشترى شاتَيْن، فباعَ إحداهُما بدينار. الحديث(2).
(1) أخرجه البخاري في البيوع، باب بيع الميتة والأصنام برقم (2236)، ومسلم في المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة، برقم (1581)، والحديث متفق عليه. | ||
(2) أخرجه ابن ماجه في: باب الأمين يتجر فيه فيربح، من كتاب الصدقات، سنن ابن ماجه 2/803، وأخرجه البخاري في: باب حدثني محمد بن المثنى...، من كتاب المناقب 4/252. |
* قولـه (ولا يباع غير المساكين مما فتح عنوة). قال في الاختيارات، ويصح بيع ما فتح عنوة ولم يقسم من أرض الشام ومصر والعراق، ويكون في يد مشتريه بخراجه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وأحد قولي الشافعي.
* قولـه: (ولا يصحُّ بيعُ نَقْعِ البئر، ولا ما يَنْبُتُ في أرضه من كَلأٍ وشَوْك). قال في الفروع: ولا يُمْلَكُ ماءُ عِدٍّ وكَلأٍ ومَعْدنٍ جارٍ بمِلْكِ الأرضِ قبل حِيازتِه وفاقاً لأبي حنيفة، فلا يجوز بيعُه كأرضٍ مباحةٍ إجماعاً، فلا يدخل في بيعٍ بل المشتري أحقُّ به، وعنه يَمْلِكُه ويجوزُ؛ لأنه مُتَولِّد من أرضه كالنَّتَاج، وفاقاً للشافعي ومالك في أرضٍ عادةُ ربِّها ينتفع بها إلا أرضَ بُورٍ.
قال في الإفصاح: واختلفوا فيما يَفْضُلُ من حاجةِ الإنسان وبَهائِمِه وزَرْعِه من الماء في بئرٍ أو نهرٍ، فقال مالك: إن كانت في البَرِّيةِ فمالِكُها أحقُّ بمقدار حاجته منها، ويجب عليه بذلُ ما فَضَلَ عن ذلك، وإن كانت في حائِطِه فلا يَلْزمُ الفاضِلُ إلا أن يكونَ جارُه زَرَعَ على بئرٍ فانهدمتْ، أو عينٍ فغارتْ؛ فإنه يجبُ عليه بذلُ الفاضِلِ له إلى أن يصلح جاره ا. هـ.
وقال البخاري: (باب من قال: أن صاحبَ الماءِ أحقُّ بالماء(1)حتى يُروي)، لقول=
(1) من كتاب الشرب، صحيح البخاري 3/144. |
=النبي ﷺ: (لا يُمنعُ فَضْلُ الماءِ)(1) ، قال الحافظ: والمراد بالفضل ما زاد عن الحاجة، والمراد حـاجةُ نَفْسِه وعيالِه وزرعِه وماشيتِه، إلى أن قـال: وفيه أن مَحَلَّ النهيِ ما إن لم يجــدِ المأمورُ بالبذل لـــه مــاء غيره، والمرادُ تمكينُ أصحابِ الماشيةِ مـن الماء، ولم يقلْ أحدٌ إنه يجب على صاحب الماء مباشرةُ سقي ماشية غيره مع قُدرة مالكٍ أهـ. ملخصاً.
قولـه: (ولا ما يَنْبُتُ في أرضِه من كَلأٍ وشوك). قال في الاختيارات: ويجوز بيعُ الكلأِ ونحوِهِ الموجود في أرضِه إذا قَصَد استنباتَه.
* قولـه: (فلا يصحُّ بيعُ آبقٍ وشاردٍ). قال ابن رشد: أجازه قومٌ بإطلاقٍ ومَنَعَه قومٌ بإطــلاقٍ، وقال مالك: إذا كان معلومَ الصِّفةِ معلومَ الوضْعِ عند البائعِ والمُشتري جاز أهـ.
وفــرَّق في المغني بين من يَعْلَمُ أن البيعَ يَفْسُد بالعَجْزِ عن تسليمِ المبيعِ فيفسدُ البيع في حقِّهِ لأنه مُتلاعِبٌ، وبين من لا يَعْلَمُ ذلك فيصحُّ لأنه لم يقدم على ما يعتقده باطلا.
* قولــه: (فإن اشترى ما لم يَرَهُ) إلى آخره. قــال في المُقْنع: وعنــه يصحُّ وللمــشتري خِيارُ الرؤيــة.
قــال في الاختيارات: والبيعُ بالصِّفةِ السليمةِ صحيحٌ، وهو مذهبُ أحمد، وإن باعه لبناً موصوفاً بالذمة، واشْتَرَطَ كونَه من هذه الشاةِ أو البقرةِ صحَّ.
(1) رواه الترمذي في: باب ما جاء في بيع فضل الماء، من أبواب البيوع، عارضة الأحوذي 5/272. وأبو داود في: باب في بيع فضل الماء، من كتاب البيوع، سنن أبي داود 2/249. |
* قولُـه: (ولا مسك في فأرته). قال في الفروع: والمِسْكُ في فَأْرَتِهِ كالنَّوى في التمرِ، ويتوجَّهُ تخريجٌ واحتمالٌ يجوز، لأنها وِعَاءٌ لـه تصونُه وتحفظُه، فَيُشبِهُ ما مأكولُه في جَوْفِه، وتُجَّارُ ذلك يعرفونه فيها فلا غَرَرَ واختاره في الهدي ا.هـ.
* قولـه: (وصوفٌ على ظَهْرٍ). قال في المقنع: وعنه يجوز بشرط جَزِّه في الحال.
* قولـه: (وفِجْلٌ ونحوه قبل قَلْعِه)، قال في الاختيارات: ويصحُّ بيعُ المغروسِ في الأرضِ الذي يظهر ورقُه، كاللفت والجَزَرِ والقُلْقَاسِ والفِجْل والبصلِ، وشبه ذلك، قاله بعضُ أصحابنا.
* قولـه: (ولا عبدٍ من عبيدٍ ونحوه، ولا استثناؤُه إلا مُعَيَّناً). قال في المقنع: ولا يجوز أن يبيع عبداً من عبيد، ولا شاةً من قَطيعٍ، ولا شجرةً من بستانٍ، ولا هؤلاء العبيد إلا واحداً غير مُعَيَّنٍ، ولا هذا القطيع إلا شاةً، وإن استثنى مُعَيَّناً من ذلك جاز. قال في الحاشية: ولا عبداً من عبيدٍ، لأنه غَرَرٌ، فيدخل في عمومِ النهي. وظاهرُ كلام الشريفِ وأبي الخطاب يصحُّ إنْ تساوتِ القيمةُ.
وفي مفردات أبي الوفاء يصح عبد من ثلاثةٍ بشرطِ الخيار، وهو قول أبي حنيفة، وقال ابن رشد: واختلفوا في الرجل يبيعُ الحائطَ ويَسْتثني منه عدةَ نَخَلاتٍ بعد البيع، فَمَنَعه الجمهورُ لمكانِ اختلافِ صفةِ النخيل. وروي عن مالك إجازتُه، ومنع ابنُ القاسم قوله في النخلاتِ وأجازه في استثناءِ الغَنَم.
* قولـه: (وإن استثْنَى من حيوانٍ يؤكل رأسَه وجلْدَه وأطرافَه صحَّ، وعكسُه الشحمُ والحَمْلُ ). قال في الاختيارات: ويصحُّ بيعُ الحيوانِ المذبوحِ مع جِلْدِه، وهو قولُ أكثر العلماء، وكذا لو أَفْرد أَحَدَهما بالبيع أهـ.
وقال ابن رشد: فإن باعه ما يستباحُ ذَبْحُه، واستثنى عضواً لـه قيمةٌ بشَرْطِ الذَّبْحِ، ففي المذهب فيه قولان، أحدهما: أنه لا يجوز، وهو المشهور، والثاني: يجوز، وهو قولُ ابن حبيبٍ، جَوَّزَ بيعَ الشاةِ مع استثناءِ القوائمِ والرأسِ.
* قولـه: (فإن باعه بِرَقْمِه). قال في الاختيارات: ويصح البيعُ بالرَّقْمِ، نصَّ عليه أحمد، وتأوَّلَه القاضي وبما يَنْقطعُ به السِّعْرُ وكما يبيع الناسُ، وهو أحدُ القولين في مذهب أحمد، ولو باع ولم يُسَمِّ الثمنَ صحَّ بثمنِ المثلِ كالنِّكاح ا.هـ.
* قولـه: (وبألفِ درهمٍ ذهباً وفِضَّةً)، يعني لم يصحَّ للجهالة، ووجَّهَ في الفروع الصِّحَّةَ، ويلزمُ النصفُ ذهباً والنصفُ فضةً.
* قولـه: (وإن باع من الصُّبْرَةِ كلَّ قَفِيْزٍ بدرهمٍ) لم يصحَّ، هذا المذهبُ، وقيل يصح. قال ابن عقيل: وهو الأشبه؛ لأن (مِنْ) وإنْ أعطتِ البَعْضَ، فما هو بعضٌ مجهولٌ، واختاره صاحبُ الفائق.
* قوله: (أو بمائة درهم إلا ديناراً وعكسه).
قال في المقنع: وإن باعه بمائةِ درهمٍ إلا ديناراً، لم يصحَّ، ذكره القاضي، يجيء على قول الخرقي أنه يصح.
* قولـه: (ويصحَّ النكاحُ وسائرُ العقود) قال في المقنع: في أصح الوجهين، وقال البخاري: باب المشي إلى الجمعة. وقولُ الله جلَّ ذِكْرُه: (فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ الله). وقال ابنُ عباس t: يحرمُ البيعُ حينئذ ، وقال عطاء: تَحْرُم الصناعاتُ كلُّها، وقال إبراهيمُ بنُ سَعْدٍ عن الزهري: إذا أَذَّنَ المؤذِّنُ يوم الجمعةِ وهو مسافرٌ فعليه أن يَشْهد.
قال الحافظ: وهل يصحُّ البيعُ مع القول بالتحريم؟ قولان مبنيان على أن النهي يقتضي الفسادَ مطلقاً، أو لا.
* قولـه: (ولا سلاحٍ في فتنةٍ). قال في المقنع: ويحتمل أن يصحَّ مع التحريم.
* قولـه: (وإن جَمَعَ بين بيعٍ وكتابةٍ أو بيعٍ وصَرْفٍ صحَّ في غير الكتابة). قال في المقنع: وإن جمع بين بيعٍ وإجارةٍ وصَرْفٍ صح فيهما ويُقَسَّطُ العوضُ عليهما في أحد الوجهين، قـال في الحاشيــة: وهــذا المذهبُ لأنهما عينــان يجــوزُ العوَضُ عنهما مُنفردَيْن، فجاز أخذُ العِوَضِ عنهما مجتمعين، كالعبدين، واختلافُ حُكمِهما لا يمنع الصحة، كما لو جمع بين ما فيه شُفعةٌ وما لا شُفْعةَ فيه، ومثلُه لو جمع بين بيعٍ وخَلْعٍ أو بيعٍ ونكاحٍ ا. هـ.
* قولـه: (ومن باع رِبَوياً بنسيئةٍ واعتاضَ عن ثمنه ما لا يباعُ به نسيئةً) كثمن بُرٍّ اعتــاضَ عنه بُرّاً أو غيرَه من المكيلات لـم يَجُزْ، وهـذا المذهبُ قال في المغني: والذي يقوى عندي جوازُه إذا لم يَفْعلْه حيلةً ولا قَصَدَ ذلك في ابتداء العِقْدِ وجوَّزه الشيخُ تقي الدين لحاجةٍ.
* قولـه: (وإن جَمَع بين شَرْطين بَطَلَ البيع)، وعنه يصح، اختاره الشيخ تقي الدين، وهو الصحيح لقول النبي ﷺ: "من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائةً شرط"(1) ، قال الحافظ: قولـه: وإن كان مائةَ شرطٍ، وإن احْتَمَلَ التأكيد لكنه ظاهرٌ في أن المراد به التعدُّدُ، وذِكْرُ المائة على سبيل المبالغة والله أعلم.
وقال القرطبي: يعني أن الشروطَ غير المشروعةِ باطلةٌ ولو كثرت، ويستفاد منه أن الشروطَ المشروعةَ صحيحةٌ انتهى. ويؤيده قولـه ﷺ: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرَّم حلالاً أو أحلَّ حراماً)(2). وفسر في النهاية قولـه ﷺ: (لا شرطان بيع)(3)، إنه كقول البائع بعتُك هذا الثوبَ نقداً بدينار، ونسيئةً بدينارين، وهو كالبيعتين في بيعة.
(1) متفــق عليه، أخرجــه البخـــاري في الصلاة: باب ذكــر البيــع والشــراء على المنبر في المسجد برقم (456)، ومسلم في العتق: باب إنما الولاء لمن أعتق، برقم (1504). | ||
(2) أخرجه البخاري في باب أجرة السمسرة، من كتاب الإجارة، 3/120، وأخرجه أبو داود في سننه في باب في الصلح، من كتاب الأقضية 2/273. | ||
(3) أخرجه أبوداود في سننه في باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، من كتاب البيوع 2/254، والترمذي في باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، من أبواب البيوع، عارضه الأحوذي 5/243. |
* قولـه: ( بعتك إن جئتني بكذا أو رضي زيد...لا يصح البيع)، قال في الاختيارات: ولو قال البائع: بعتك إن جئتني بكذا وإن رضي زيد صح البيع والشرط، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وتصح الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود، انتهى.
* قوله: (إن جئتُك بحقِّك وإلا فالرهنُ لك لا يصح البيع)، هذا قولُ الجمهور لقوله ﷺ: (لا يغلق الرهن من صاحبه)(1)، وقال الشيخ تقي الدين لا يبطل وإن لم يأته صار له.
* قوله: (لم يَبْرأ) قال في المقنع: وعنه يَبْرأُ إلا أن يكون البائعُ عَلِم العَيْبَ فَكَتَمه، قال في الاختيارات: والصحيحُ في مسألة البيعِ بشرط البراءةِ من كل عيبٍ، والذي قَضَى به الصحابةُ وعليه أكثرُ أهلِ العلم، إذا لم يكن علمٌ بذلك العيبٍ فلا ردَّ للمشتري، ولكن إذا ادَّعى أن البائعَ عَلِم بذلك فأنكرَ البائعُ حَلَفَ أنه لم يعلمْ فإن نَكَلَ قضى عليه.
(1) أخرجه البيهقي في باب ما روي في غلق الرهن، من كتاب البيوع السنن الكبرى 6/44، والدارقطني 3/33، وانظر الإرواء للألباني رقم (1406)، والحديث مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب، ومـراسيله صحيحة، وأخرجه ابن ماجة، في باب لا يغلق الرهن، من كتاب الرهون 2/816، والإمام مالك في باب ما لا يجوز من غلق الرهن، من كتاب الأقضية، الموطأ2/728. |
* قال في الاختيارات: ويثبتُ خيارُ المجلس في البيع، ويثبتُ خيارُ الشَّرْطِ في كل العقود، ولو طالت المدةُ، فإن أَطْلَقا الخيارَ ولم يوقِّتاه لمدةٍ تَوَجَّه أن يَثْبُتَ ثلاثاً لخبر حَبَّان بن مُنْقِذ(1).
(1) أخرجه ابن ماجه في سننه، باب الحجر على من يفسد ماله، من كتاب الأحكام 2/789، والبيهقي، في باب: الدليل على أن لا يجوز شرط الخيار في البيع أكثر من ثلاثة أيام، من كتاب البيوع، السنن الكبرى 5/273، 274. |
* قال في الإفصاح: واتفقوا على أن الغبن في البيع بما لا يفحش لا يؤثر في صحته، ثم اختلفوا إذا كان الغبن فيه بما لا يتغابن الناس بمثله في العادة ، فقال مالك وأحمد: يثبت الفسخ، وقدره مالك بالثلث، ولم يقدره أحمد، بل قال أبو بكر عبد العزيز من أصحابه: حده الثلث كما قال مالك وقال غيره، ومنهم من حدَّه بالسدس، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يثبت الفسخ بحال، وعلى هذا فهو محمول على بيع المالك البصير .
(1) هو الذي لا يريد شراءً ولو بلا مواطأة البائع وعِلْمه، قال البخاريُّ: الناجش آكلُ رباً خائن. وانظر المغني لابن قدامة 6/304. | ||
(2) هو الجاهل بقيمة السلعة ولا يُحسن المبايعة والمماكسَة. | ||
(3) وفي نسخة (كتسويد). |
* قولـه: (أَمْسَكَهُ بأَرْشِه)، وعنه ليس لـه أَرْشٌ إلا إذا تعذر ردُّه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، واختاره الشيخ تقي الدين، قال: وكذلك يقال في نظائره كالصفقة إذا تفرَّقتْ، قال في الإنصاف: واختار شيخُنا في حواشي الفروع أنه إن دلَّس العيب خُيِّر بين الردِّ والإمساكِ بلا أَرْش...
(1) وهي بيعٌ برأس المال. | ||
(2) وهي بيع بثمنه وربح معلوم. | ||
(3) وهي بيع برأس ماله وخسران معلوم. |
* قولـه: (تحالفا) لحديث ابن عباس مرفوعاً: (البيِّنةُ على المدَّعِي واليمينُ على من أَنكر)، وكلّ منهم مُدَّعٍ ومُنْكِرٌ، وعنه يُقبل قولُ بائعٍ مع يمينه لحديث ابن مسعود مرفوعاً: (إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بيِّنةٌ فالقولُ ما يقول ربُّ السِّلْعةِ أو يتتاركان)(1)، رواه الخمسة وصححه الحاكم.
وقولـه: (يتتاركان) أي يتفاسخان العَقْد، قال أبو داود(2): باب إذا اختلفَ المتبايعان والمبيعُ قائمٌ، وساق الحديثَ عن محمد بن الأشعث قال: اشترى الأشعثُ دقيقاً من دقيقِ الخُمس من عبد الله بعشرين ألفاً، فأرسلَ عبدُ الله إليه في ثَمنِهم، فقال: إنما أخذتهم بعشرة آلاف، فقال عبدالله: فاختر رجلاً يكون بيني وبينك، قال
الأشعث: أنت بيني وبين نفسك، قال عبد الله: فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إذا اختلف البيِّعانِ وليس بينهما بينةٌ فهو ما يقول ربُّ السلْعة أو يتتاركان)(2).
وقال الترمذي: قال ابنُ منصور: قلت لأحمد: إذا اختلف البيِّعانِ ولم تكن بينةٌ، قال: القولُ ما قال ربُّ السلعةِ أو يترادَّان، قال إسحق كما قال، وكلُ من قـال: القولُ قولُه فعليه اليمين. وقد رُوي نَحْوُ هذا عن بعض التابعين، منهم شُرَيحٌ ا. هـ.
(1) أخرجه ابن ماجه في سننه، باب: البيّعان يختلفان، من كتاب التجارات 2/737، وأخرجه أبوداود، باب: إذا اختلف البيعان والمبيع قائم، من كتاب البيوع سنن أبي داود 2/255، والدارمي، في باب إذا اختلف المتبايعان، من كتاب البيوع، سنن الدارمي 2/250، والإمام مالك في: باب بيع الخيار، من كتاب البيوع، الموطأ 2/671، والإمام أحمد في المسند 1/466. | ||
(2) في سننه 2/255. |
* قولـه: (أو المشتري مُعْسِراً) قال الشيخ تقي الدين: أو مُماطِلاً، قال في الإنصاف: وهو الصواب.
* قولـه: (ومن اشترى مَكِيْلاً ونَحْوَه) إلى آخره، قال في الاختيارات: ويَمْلِكُ المُشتري المبيعَ بالعقد، ويصح عتقُه قبل القبضِ إجماعاً فيهما، ومن اشترى شيئاً لم يبعْه قبلَ قبضِه، سواء المكيلُ والموزونُ وغيرُهما، وهو روايةٌ عن أحمد، اختارها ابنُ عقيل، ومذهب الشافعي، ورُوي عن ابنِ عباس t.
وسواء كان المبيعُ من ضمانِ المُشتري أوْ لا، وعلى ذلك تدلُّ أصولُ أحمدَ إلى أن قال: وعلةُ النهي قبل القبضِ ليست تَوالِي الضَّمانين، بل عَجْزُ المشتري عن تسليمِه، لأن البائع قد يسلِّمه وقد لا يسلِّمه، لاسيَّما إذا رأى المشتري قد رَبح فيسعى في ردَّ المبيعِ إما بحُجَّةٍ أو باحتيالٍ في الفَسْخ، وعلى هذه العلَّةِ تجوزُ التوليةُ في المبيعِ قبل قَبضِه وهو مخرَّجٌ من جواز بيع الدَّين ا. هـ.
* قال في الاختيارات: والعِلَّةُ في تحريم ربا الفَضْلِ الكيلُ أو الوزنُ مع الطَّعْم، وهو روايةٌ عن أحمد، ويجوز بيعُ المَصُوغِ من الذهبِ والفضةِ بجنسِه من غير اشتراطِ التَّماثُلِ، ويُجْعلُ الزائدُ في مُقابلةِ الصِّيغةِ، إلى أن قال: ويحرم بيعُ اللحم بحيوانٍ من جنسٍه مقصود اللحم، ويجوز بيعُ الموزوناتِ الرِّبَويةِ بالتحرِّي، وقال مالك: وما لا يُخْتَلَفُ فيه الكيلُ والوزنُ مثل الأَدْهان يجوز بيع بعضِه ببعضٍ كَيْلاً ووزناً، وعن أحمد ما يدلُّ على ذلك ا. هـ.
* قولـه: (وخالصِه بمَشُوبِه)، قال في الاختيارات: وظاهرُ مذهب أحمد جوازُ بيعِ السيفِ الـمُحَلَّى بجنسِ حلْيتهِ، لأن الحلْيَةَ ليس بمقصودةٍ، ويجوز بيعُ فضَّةٍ لا يقصد غشّها بخالصةٍ مِثْلاً بِمثْلٍ.
* قولـه: (ولا يباعُ رِبَويٌ بجنسِه ومعه أو معهما من غير جنسِهما)، قال في الاختيارات: وتجوز مسألةُ مد عَجْوةٍ وهو رواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة.
* قولـه: (مَرَدُّ الكَيْلِ لعُرْفِ المدينة والوزنِ لعُرْفِ مكةَ زمنَ النبي ﷺ، وما لا عُرْفَ لـه هناك اعتُبِرَ عُرْفُه في موضعه)، قال في الإفصاح: فأما قولُهم: إن الكَيْلَ كيلُ المدينة، والميزانَ ميزانُ مكة، فإن أصلَ المسلمين الذين بَنَوا عليه في بيعِ التمرِ بالتمرِ هو فعلُ رسول الله ﷺ بالمدينة، وذلك التمرُ فهو يتيسر كيلُه، فيكون العِيَارُ فيه هو الكيل، فأما التمورُ التي بِسَوادِ العراق وغيرها من الأراضي التي يَغْشَى نخيلَها المياهُ، فإنها لا يُتصوَّرُ فيها المماثلةُ في الكيلِ ولا يجوز إلا بالوزن انتهى. قال في الفائق: وقال شيخنا: يعني به الشيخ تقي الدين إنْ بِيعَ المَكيلُ بجنسه وزناً ساغ.
* قولـه: (ولا يجوز بيع الدَّين بالدَّين).
قال في الاختيارات: وإن اصَطَرَفا دَيْناً في ذمتهما جاز، وحكاه ابن عبد البَرِّ عن أبي حنيفة ومالك خلافاً لما نصَّ عليه أحمد.
* قولـه: (والدراهم والدنانير بالتعيينِ في العَقْد فلا تبدل)، وعنه لا تتعيَّنُ قال في الاختيارات: ولا يشترط الحلولُ والتقابضُ في صَرْفِ الفُلوسِ النافقةِ بأحد النَّقْدينِ، وهو رواية عن أحمد نقلها أبو منصور، واختارها ابن عقيل.
* قولـه (ومفتاح)، قال في المقنع: ما كان مصالحُها كالمفتاحِ وحَجِرِ الرَّحَى والفَوْقَاني فعلى وجهين اهـ.
والصحيح أن ذلك يتبع العُرْفَ والعادةَ.
* قولـه: (ومن باع نَخْلاً تَشقَّقَ طَلْعُه) إلى آخرِه، وعنه الحكمُ منوطٌ بالتَّأْبِيرِ، بالتَّشققِ لظاهرِ الحديثِ وقبلَه للمُشتري، اختاره الشيخ تقي الدين.
* قوله: (ولا قِثَّاءَ ونحوه كباذِنْجَانٍ دون الأصل إلاَّ بشرطِ القَطْع في الحال)، وقال في الاختيارات: والصحيحُ أنه يجوز بيعُ المَقَاثي جُملةً بعُروقِها سواء بدا صلاحُها أوْ لا،= =وهذا القولُ له مأخذان، أحدهما: أن العُروقَ كأصولِ الشجرِ، فبيعُ الخُضْرواتِ قبل بُدُوِّ صلاحِها كبيع الشجرِ بثمرِه قبل بدوِّ صلاحِه يجوز تبعاً، والمأخذُ الثاني: وهو الصحيحُ أن هذه لم تدخلْ في نَهْيِ النبيِ ﷺ بل يصح العقدُ على اللُّقَطَةِ الموجودةِ واللُّقَطَةِ المعدومةِ إلى أن تَيْبَسَ المقثاة، لأن الحاجةَ داعيةٌ إلى ذلك، ويجوز بيعُ المَقَاثي دون أُصولها، وقاله بعضُ أصحابنا ا. هـ.
* قولـه: (أو اشترى ما بدا صلاحُه وحصل آخر واشْتَبَها) بَطَلَ، وعنه لا يَبْطُل ويشتركان في الزيادة.
* قولـه: (وإن تلف بآفةٍ سماويةٍ رَجَعَ على البائع)، قال في المقنع: وعنه إن أتلفتِ الثلثَ فصاعــداً ضَمنَه البائعُ وإلا فــلا.
قــال في الإفصاح: واختلفـوا فيما إذا أصابتِ الثمارَ جائحةٌ، فقال أبو حنيفة والشافعي في قوليه، وهو أظهرُهما: جميعُ ذلك من ضمان المشتري، ولا يجب لـه وَضْعُ شيءٍ منها.
وقال مالك: تُوضَع الجائحةُ إذا أتتْ على ثلثِ الثمرةِ فأكثر، فهو ضمان البائع، وتوضـع عن المُشتري، واخْتُلِفَ عن أحمد، فرُوي عنه أنها من ضمان البائع فيما قَلَّ أو كَثُـرَ، ويوضـعُ عن المشتـري، ورُوي عنـه كمـذهب مـالك ا.هـ. =
=وقال البخاري(1): "باب إذا باع الثِّمارَ قبل أن يبدوَ صلاحُها، ثم أصابتْه عاهةٌ فهو من البائع" وذكر حديثَ أنسٍ أن رسولَ الله ﷺ نَهى عن بيعِ الثمارِ حتى تزهُو، فقيل لـه وما تزهُو؟ قال حتى تَحْمارَّ وتَصْفارَّ، فقــال رسولُ الله ﷺ: (أرأيتَ إذا منعَ اللهُ الثمرةَ بِمَ يأخذ أحدكم مالَ أخيه)، وقال الليثُ: حدثني يونس عن ابن شهاب قال: لو أنَّ رجلاً ابتاع ثمراً قبل أن يبدوَ صلاحُه ثم أصابته عاهةٌ كان ما أصابَه على ربِّه، أخبرني سالمُ بنُ عبدالله عن ابنِ عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: (لا تتبايعوا الثَّمَرَ حتى يبدوَ صلاحُها، ولا تبيعوا الثَّمَر بالثَّمرِ)(2) انتهى.
قال الحافظ: وقد روى مسلمٌ من طريق ابن الزبير عن جابر قال: قــال رســول الله ﷺ: (لو بِعْتَ من أخيك ثَمَراً فأصابتْه عاهةٌ فلا يَحِلُّ لك أن تأخذَ منه شيئاً بِمَ تأخذُ مالَ أخيك بغيرِ حَقٍّ؟) واستدل بهذا على وضع الجَوائحِ في الثَّمر يُشـتَرى بعــد بُدُوِّ صلاحِه ثم يصيبُه جائحةٌ، فقال مالك: يضعُ عنه الثلثَ، وقال أحمد وأبو عُبيد: يضع الجميعَ، وقال الشافعيُّ والليثُ والكوفيون: لا يَرْجِعُ على البائعِ بشيءٍ، وقالوا: إنما وَرَدَ وضعُ الجائحةِ فيما إذا بِيعَت الثمرةُ قبل بُدُوِّ صلاحِها بغير شَرْطِ القَطْعِ فيحمل مُطْلَقُ الحديثِ في روايةِ جابرٍ على ما قُيِّدَ به في حديثِ أنس والله أعلم ا. هـ.
(1) من كتاب البيوع، صحيح البخاري 3/101. | ||
(2) أخرجه البخاري في: باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب البيوع 3/101، ومسلم في باب النهي عن بيع الثمار قبل بدوِّ صلاحها، من كتاب البيوع 3/1165، 1166. |
* قولـه: (والحاملُ من الحيوان)، قال في الشرح الكبير: ولا يصح في الحوامل من الحيوان، لأن الصِّفَةَ لا تأتي عليها، ولأن الولدَ مجهولٌ غيرُ مُتحققٍ، وفيه وجهٌ آخرُ أنَّه يصح، لأن الحَمْلَ لا حُكْمَ له مع الأم بدليل صِحَّة بيعِ الحامل.
* قولـه: (فإن أسلم في المكيل وزناً أو الموزون كيلاً لم يصح) وعنه يصح، اختارها الموفقُ وغيرُه؛ لأن الغرضَ معرفةُ قَدْرِه وإمكانُ تسليمهِ من غير تنازعٍ فبأي قَدْرٍ قدَّرهُ جاز.
* قولـه: (فلا يصح حالاً)، قال في الاختيارات: ويصحُّ السَّلَمُ حالاً إن كان المُسَلَّم فيه موجوداً في مِلْكه وإلا فلا.
* قولـه: (ولا إلى الحَصَادِ والجِذَاذ)، قال في المقنع: ولابد أن يكون الأجلُ مُقدَّراً بزمنٍ معلومٍ، فإن أسلم إلى الحَصَادِ والجِذَاذِ أو اشترط الخيار إليه فعلى روايتين، قال ابن رشد: وأما الأجلُ إلى الجِذاذ والحصادِ وما أشبه ذلك، فأجازه مالكٌ، ومنعه أبو حنيفة والشافعي، فمن رأى أن الاختلافَ الذي يكون في أمثال هذه الآجال يسيراً أجاز ذلك، إذ الضررُ اليسيرُ معفوٌّ عنه في الشرع، وشَبَّهه بالاختلاف الذي يكون في الشهور من قِبَلِ الزيادة والنُّقصان، ومن رأى أنه كثير، وأنه أكثر من الاختلاف الذي يكون من قبل نُقصانِ الشهور وكمالِها لم يُجْزِه اهـ. والله أعلم.
* قولـه: (قبل التَّفَرق). قال في الإفصاح: واختلفوا فيما إذا تَفرَّقا قبل قبضِ رأسِ مالِ السَّلَمِ في المجلس، فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: يَبْطُل السَّلَمُ، وقال مالك: يصح، وإن تأخر قبضُ رأسِ مال السَّلَم يومين أو ثلاثة أو أكثر ما لم يكن شرطاً.
* قولـه: (ولا يصح بيعُ المُسْلَمِ فيه قبل قَبْضِه). قال في الاختيارات: ويجوز بيعُ الدَّين في الذمة من الغَرِيم وغيرِه، ولا فَرْق بين دين السَّلَم وغيرِه، وهو روايةٌ عن أحمد. وقاله ابن عباس، لكن بِقَدر القيمةِ فقط، لئلا يَرْبَحَ فيما لم يضمن.
* قولـه: (ولا هِبَتُه). قال في الفروع: والمذهب من أَذِنَ لغَرِيمِه في الصدقةِ بدينة عنه أو صَرْفِه أو المُضاربةِ لم يصح، وعنه يصحُّ بَنَاه القاضي على شِرَاءِهِ من نفسِه وبَنَاه في النهاية على قَبْضِه من نفسه لموكِّلِه وفيها روايتان.
* قولـه: (ولا يصح أَخْذُ الرهنِ والكفيلِ به). قال في المقنع، وهل يجوز الرهنُ والكفيل بالمُسْلَمِ فيه على روايتين. وقال البخاري: باب الكفيلُ في السَّلَمِ، وقال أيضاً: باب الرَّهْنُ في السَّلَم وذكر حديثَ الأعْمشِ، قال تذاكَرْنا عند إبراهيم الرَّهْنَ في السَّلَف، فقال: حدثني الأسودُ عن عائشةَ رضي الله عنها أن النبي ﷺ اشترى من يهودي طعاماً إلى أجلٍ معلومٍ وارْتَهَنَ منه دِرْعاً من حَديدٍ(1)، قال الحافظُ: وفي الحديث الرَّدُّ على من قال أن الرَّهْنَ في السَّلَمِ لا يجوز.
قال الموفق: رُوِّيْتُ كراهَةَ ذلك عن ابنِ عمرَ والحسنِ والأوزاعي، وإحدى الروايتين عن أحمد ورخَّصَ فيه الباقون والحُجَّةُ فيه قولُـه تعالى: ) إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ..( [البقرة: الآية:282]، إلى أن قـــال: )فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ُ..(، واللفظُ عامٌّ فيدخلُ السَّلَمُ في عُمومه لأنه أحدُ نوعي البيع.
(1) أخرجه البخاري، في: باب شراء النبي ﷺ بالنسيئة، وباب شراء الإمام الحوائج بنفسه، وباب شراء الطعام إلى أجل، من كتاب البيوع، وفي: باب من رهن درعه، وباب الرهن عند اليهود، من كتاب الرهن، صحيح البخاري 3/73، 74، 81، 101، 186، 187. |
* قولـه: (بل يثبت بدلُه في ذمَّته حالا ولو أجَّله)، قال في الاختيارات: والدَّين الحالُّ يتأجَّل بتأجيلِه سواء كان الدَّينُ قرضاً أو غيرهُ، وهو قولُ مالك ووجْهٌ في مذهب أحمد ا.هـ.
وقال البخاري: باب إذا أقرضه إلى أجل مُسَمّىً أو أجَّلَه في البيع، وقال ابنُ عمر في القَرْض إلى أَجَلٍ: لا بأسَ به، وإن أُعطِي أفضلَ من دراهمه ما لم يشترط.
وقال عطاء وعمرو بن دينار: هو إلى أَجَلِه في القَرْض، وقال الليث: حدثني جعفرُ بنُ ربيعةَ عن عبد الرحمن بن هُرْمُز عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه ذَكَر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعضَ بني إسرائيلَ أن يُسلفه فدفعها إليه إلى أجل مسمَّى، الحديث.
* قولـه: (وإن كانت مكسرَّةً أو فلوساً فمنع السلطانُ المعاملةَ بها فله القيمةُ وقتَ القرضِ). قــال في حاشية المقنع، هذا المذهبُ، ســواء كانت بــاقيةً أو استهلكَها، وقيــل: لـه القيمةُ وقــتَ تحريمها، قال أبو بكر في التنبيه، وقال في المُسْتَوعب: وهو الصحيح عندي.
(فائدة): قولُـه: (فتكونُ لـه القيمةُ)، اعلمْ أنه إذا كان مما يَجْري فيه ربا الفَضْلِ فإنه يُعطي مما لا يَجْري فيه الرِّبا، فلو أقرضَه دراهم مكسرة فحرمها السلطان أعطى قيمتها ذهبا وعكسه بعكسه ا. هـ.
* قولـه: (ويَحْرُمُ كلُّ شرطٍ جرَّ نفعاً). قال الشارح: كأنْ يُسكنَه دارَه أو يقيضه خيراً منه، لأنه عقدُ إِرْفاقٍ وقُرْبةٍ، فإذا شَرط فيه الزيادةَ أخرجَه عن موضوعه، وقال ابنُ المنذر: أجمعوا على أن المُسْلِفَ إذا شرط على المُسْتَسْلِفِ زيادةً أو هديةً فأسلفَ على ذلك، أنَّ أَخَذَ الزيادةِ على ذلك رِبَاً اهـ.
وذكر القاضي أن للوصيِّ قَرْضَ مالِ اليتيمِ في بلد ليُوفيَه في بلد آخر لِيرْبَحَ خَطَرَ الطريق.
قال في الشرح الكبير: قال شيخنا: والصحيحُ جوازُه، لأنه مصلحةٌ لهما من غير ضررٍ بواحدٍ منهما ا.هـ.
قلت: وإذا كان عند إنسانٍ تَمْرٌ أو حَبٌّ وكسد في يده جاز لـه أن يُسلفَه إلى الثمرةِ المُقبلة، ولا يدخلُ ذلك في حديث: (كلُّ قَرْضٍ جرَّ منفعةً فهو رباً)، وثوابُه على حسب نيتِه، والله أعلم.
قال في الاختيارات: ولو أقرضه في بلدٍ ليَسْتوفيَ منه في بلدٍ آخرَ جاز على الصحيح، ويجوز قرضُ المنافعِ مثلَ أن يَحْصدَ معه يوماً ويحصدَ الآخرُ معه يوماً أو يُسكنُه داراً ليُسكنَه الآخرُ معه بدلَها ا. هـ.
* قولـه: (بدَينٍ ثابتٍ) وعنه يجوز، قال في الوجيز: ويجوزُ شرطُ الرَّهْنِ والضمانِ في السَّلَمِ والقَرْضِ، قال في تصحيح الفروع: وهو الصواب.
* قولـه: (إلا الثمرةَ والزرعَ الأخضَرَين). قال في المقنع: في أحد الوجهين.
* قوله: (ولا يَلزم الرَّهنُ إلا بالقبضِ) إلى آخره، وعنه يلزم بمجرد العَقْدِ كالبيعِ، وبه قال مالك لقوله تعالى: +$ygﷺ'¯»t úïÏ%©!$# (#þqãYtB#uä (#qèù÷ﷺﷺ& Ïqà)ãèø9$$Î/" [المائدة:1]. وأما قولُـه تعالى: +Ö`»ydÌsù ×p|Êqç7ø)¨B" فهو في السفر، كما في أول الآية.
قال في الفروع: رَهْنُ المعيَّنِ يلزمُ بالعَقْدِ، وهو المذهب عند ابن عقيلٍ وغيره.
* قولـه: (يجوز الزيادةُ فيه دون دَيْنِه)، قال في الفروع: وإن زاد دَيْنَ الرهن لم يَجُزْ، لأنه رهنٌ مرهونٌ.
قال القاضي وغيرهُ: كالزيادةِ في الثمنِ، ويجوزُ زيادةُ الرهن تَوْثِقَةً، وفي الروضة: لا يجوزُ تقويةُ الرهنِ بشيءٍ آخرَ بعد عَقْدِ الرهنِ، ولا بأسَ بالزيادةِ في الدَّينِ على الرهْنِ الأولِ، كذا قال، انتهى.
(قلت): ولا مانعَ من الزيادةِ في الرَّهنِ ودَيْنِه.
(1) لقولـه ﷺ: (لا يغْلَقُ الرَّهْنُ) أخرجه ابن ماجة، في: باب لا يغلق الرهن، من كتاب الرهون 2/816 والإمام مالك في: باب ما لا يجوز من غلـق الرهن، من كتاب الأقضيــة، المـوطأ 2/728. |
* قولـه: (رجَعَ بآلتِه فقط) هذا المذهبُ، وجَزَمَ القاضي في الخلافِ الكبير أنه يَرجِعُ بجميع ما عَمَّرَ لأنه من مصلحةِ الرَّهنِ.
* قولـه: (باب الضَّمان) قال في الاختيارات: وقياسُ المذهب أن يصحَّ بكلِّ لفظٍ يُفْهَمُ منه الضَّمانُ عُرْفاً، مثل: زَوِّجْه وأنا أؤدِّي الصَّدَاقَ، أو بِعْهُ وأنا أُعطيكَ الثَّمَنَ، ولو تَغَيَّبَ مضمونٌ عنه قادرٌ فَأَمْسَكَ الضَّامنُ، وغَرِمَ شيئاً، أو أَنفقَهُ في الحَبْسِ رَجَعَ به على المَضْمونِ عنه، ويصح ضمانُ حارسٍ نحوه، وغايتُه ضمانٌ بمجهولٍ وما لم يجبْ، وهو جائز عند أكثرِ أهلِ العلمِ ا.هـ. ملخصاً.
* قولـه: (لا تصحُّ إلا على دَيْن مستقرٍ). قال في الاختيارات: والحوالةُ على مالـه في الديوان إذنٌ في الاستيفاء فقط، والمختار الرجوعُ ومطالبتُه.
* قولـه: (وإنْ صالحَ عن المؤجَّل ببعضِه حالاً... لم يصح)، وعنه يصح، اختاره الشيخ تقي الدين، وعن الحسن وابن سِيرِين أنهما كانا لا يَرَيان بأساً بالعُرُوض أن يأخذَها من حقِّه قبل مَحَلِّه.
* قوله: (ولا حقِّ شُفْعَةٍ)، قال في الفروع، وفي سقوطِها وجهان.
قال في التصحيح والوجه الثاني لا تسقط. اختاره القاضي وابن عقيل.
* قولـه: (لا إخراجُ رَوْشَنٍ وسَابَاطٍ)، قـال في الاختيارات: والسَّاباطُ(1) الذي يَضُرُّ بالمارَّةِ مثل أن يحتاجَ الراكبُ أن يَحْنِيَ رأْسَه إذا مَرَّ لا يجوزُ إحداثُه باتفاقِ المسلمين. إلى أن قــال: حتى لــو كــان الطــريقُ مُنخَفِضَاً ثم ارتفعَ على طُولِ الزمانِ وجبتْ إزالتُه.
وقال أيضاً: ومن كانتْ لـه ساحــةٌ يُلْقِي فيها الترابَ والحيــواناتِ ويَتضرَّرُ الجيرانُ بذلك، فــإنه يجبُ على صاحِبها أن يدفعَ تَضرَّرَ الجيرانِ، إما بِعمارتِها أو بإعطائِها لمن يَعْمُرُها، أو يمنعُ أن يلقى فيها ما يَضُرُّ بالجيران.
* قولـه: (وليس لـه وضعُ خشبةٍ على حائطِ جارِه إلا عند الضرورة)، قال الحافظ ابن حجر: مَحَلُّ الوجوبِ عند من قال به أن يحتاجَ إليه الجارُ ولا يضع عليه ما يتضرَّرُ به المالكُ ولا يقدم على حاجة المالك. ا. هـ.
(1) السَّاباط: سقيفة بين حائطين تحتها ممرٌ نافذ. |
* قولـه: (وإذا انهدَمَ جدارُهما) إلى آخره، قال في الاختيارات: ولو اتفقا على بناءِ حائطِ بستانٍ، فبنى أحدُهما فما تَلِفَ من الثَّمَرةِ بسبب إهمال الآخَرِ ضَمِنَ لشريكِه نصيبَه، وإذا احتــاج المِلكُ المُشْتَرَكُ إلى عِمارةٍ لابــدَّ منها، فعــلى أحــدِ الشريــكينِ أن يعمرَ مع شريكِه إذا طَلَبَ ذلك منه في أصحِّ قولَي العلماء، ويَلزم الأعلى التَّسَتُّرُ بما يَمنعُ شارفةَ الأسفلِ، وإن استويا وطلبَ أحدُهما بناء السُّترةِ أُجبرَ الآخَرُ معه مع الحاجةِ إلى السُّترةِ، وهو مذهبُ أحمد، وليس لـه مَنْعُه خوفاً من نقصِ أُجرةِ مِلْكِه بلا نزاع ا. هـ.
* قولـه: (ووليُّهم حالَ الحَجْرِ الأبُ ثم وصيُّه ثم الحاكم). قال في الاختيارات: والولايةُ على الصبيِّ والمجنونِ والسفيهِ تكون لسائرِ الأقارب، ومع الاستقامةِ لا يُحتاجُ إلى الحاكم إلا إذا امتنعَ من طاعةِ الوليّ، وتكون الولايةُ لغير الأبِ والجَدِّ والحاكمِ، وهو مذهبُ أبي حنيفة ومنصوصُ أحمدَ في الأم، وأما تخصيصُ الولايةِ بالأبِ والجَدِّ والحاكمِ فضعيفٌ جداً، والحاكمُ العاجزُ كالعَدَم ا. هـ.
* قولـه: (ودَفْعِ المال). قال في المقنع: ويحتمل أن لا يقبل قولُه في دفعِ المالِ إليه إلا ببينةٍ.
* قولـه: (وما استدان العبدُ لزم سيدَه إن أذن لـه، وإلا ففي رقبته كاستيداعه وأرشِ جنايته وقيمة متلفه). قال في الدِّياتِ: وإن جنى رقيقٌ خطأ أو عَمْداً لا قَوَدَ فيه أو فيه قَوَدٌ، واختير فيه المالُ، أو أَتْلف مالاً بغير إذن سيِّدِه، تعلَّق ذلك برقبتِه، فيخبَّرُ سيده بين أن يَفْدَيِه بأَرْشِ جنايتِه أو يُسلِّمَه إلى وليِّ الجِنايةِ فيهلكَه أو يبيعَه ويدفع ثمنَه.
(1) وفي بعض نسخ الزاد: "بالأحظّ " ِ |
* قولـه: (وليس للوكيل) إلى آخره وعنه يجوز.
* قولـه: (لم يَبِعْ ولم يَشْتَرِ من نفسِه وولدِه) وعنه يجوز إذا لم تَلْحَقْه التُّهمةُ.
* قولـه: (وإن باع بأزيد). قال في الاختيارات: قال أبو العباس: حديث عُروةَ بنِ الجَعْد في شراء الشاةِ(1) يدل على أن الوكيلَ في شراءٍ معلومٍ بمعلومٍ إذا اشترى به أكثرَ من القَدرِ جاز له بيعُ الفاضلِ، وكذا ينبغي أن يكون الحكم ا. هـ.
(1) أخرجه البخاري، في: باب حدثني محمد بن المثنى ...، من كتاب المناقب، 4/252، كما أخرجه ابن ماجة في: باب الأمين يتجر فيه فيربح، من كتاب الصدقات، سنن ابن ماجه 2/803. |
* قولـه: (في كلِّ قليلٍ وكثيرٍ) هذا قول الجمهور. وقال ابن أبي ليلى يصح، ويَملِكُ به كلَّ ما يتناولُه لفظُه.
* قولـه: (أو شراء ما شاء أو عَيْناً بما شاء ولم يُعيّن لم يصح). قال في المقنع: وعنه ما يدل على أنه يصح.
* قولـه: (ويُشترط أن يكونَ رأسُ المال من النَّقْدَين المَضْروبَيْن)، وعنه تصح الشركةُ والمُضاربةُ بالعروضِ، وتُجعلُ قيمتُها رأسَ المالِ وقتَ العقدِ، وبه قال مالك، قال في الإنصاف: وهو الصواب، لأن مقصودَ الشركةِ جواز تصرفِها في المالَين جميعاً، وكونُ الربحِ بينهما، وهذا يحصُل من العروض من غير غَرَر.
* قولـه: (أو دراهمَ معلومةً). قال في الاختيارات(1): ويصح أن يَشترطَ ربُّ المالِ زكاةَ رأسِ المالِ أو بعضه من الرِّبح، ولا يقال بعدمِ الصِّحةِ، ونقله المرُّوذي عن أحمد، لأنه قد يُحيط الزكاةَ بالربح فيختصُّ ربُّ المال بنفعِه، لأنا نقول: لا يمتنع ذلك لِمَا يختصُّ بنفعه في المُساقاة إذا لم يُثْمرِ الشجرُ، وبركوبِ الفرسِ للجهاد إذا لم [ يغنموا](2).
(1) ص 177. | ||
(2) ما بين المعقوفتين ساقطٌ من المطبوع ، و تداركناه من المخطوط. |
* قال في الاختيارات: وليس لوليِّ الأمرِ المنعُ بمقتضَى مذهبِه في شركة الأبدانِ والوجوهِ والمساقاةِ والمزارعةِ ونحوِها مما يَسُوغ فيه الاجتهادُ.
* قولـه: (وهي عَقْد جائز) هذا المذهب. وقال أكثرُ العلماء: هي عَقْد لازم، واختاره الشيخ تقي الدين، وهو الراجح لعموم قوله تعالى: +$ygﷺ'¯»t úïÏ%©!$# (#þqãYtB#uä (#qèù÷ﷺﷺ& Ïqà)ãèø9$$Î/" [المائدة: آية 1].
قال في الاختيارات: وإذا فَسَدتِ المزارعةُ أو المساقاةُ أو المضاربةُ استحق العاملُ نصيبَ المِثْل، وهو ما جَرَت العادةُ بمثله، ولا أُجرة المِثْل.
* قولـه: (وتصح إجارةُ حائطٍ لوضعِ أطرافِ خَشَبِهِ عليه). قال في الشرح الكبير: (مسألة) ويجوز لـه استئجارُ حائطٍ ليضعَ عليه أطرافَ خَشَبِهِ، إذا كان الخشبُ معلوماً والمدةُ معلومة، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز، ولنا أن هذه منفعةٌ مقصودةٌ مَقْدورٌ على تسليمِها واستيفائِها فجازت الإجارةُ عليها كاستئجارِ السَّطْحِ للنومِ عليه ا. هـ.
(1) الظِّئْر: المرضعة. |
* قولـه: (فلا تصح إجارةُ الطعامِ للأكلِ ولا الشمْعِ ليُشعلَه). قال الشيخ تقي الدين: ليس هذا بإجارةٍ، ولكنه إذنٌ في الإِتْلافِ، وهو سائغ.
* قولـه: (ولا حيوانٍ ليأخذَ لَبَنَهُ)، هذا المذهبُ، واختار الشيخ تقي الدين جوازَ إجارةِ قناةِ ماءٍ مدةً، وإجارِة حيوانٍ لأجلِ لَبَنِه قامَ هو به أو ربُّه، فإن قام عليها المستأجرُ وعَلَّفَها، فكاستئجارِ الشجرِ، وإن عَلَفَها ربُّها، ويأخذ المُشترِي لَبَنَاً مُقَدَّراً فبيعٌ مَحْضٌ، وإن كان يأخذُ اللَبنَ مُطلَقاً فبيعٌ أيضاً، وليس هذا بغَرَرٍ.
* قولـه: (ولا تصح على عملٍ يختصُّ أن يكونَ فاعلُه من أهل الْقُرْبَةِ). قال في حاشيةِ المُقنع: أي: بل هي جُعَالةٌ، وهذا المذهبُ، وعنه تصح، وبه قال مالك والشافعي.
* قولـه: (وإن اكْترَى داراً فانهدمتْ، أو أرضاً لزرعٍ فانقطع ماؤُها، أو غرقتْ انفسخت الإجارةُ في الباقي). قال في المقنع في أحد الوجهين، وفي الآخَرِ يَثْبُتُ للمُستأجِرِ خيارُ الفَسْخِ. =
(1) كالصلاة والصيام فلا يجوز أخذ الأجرة عليها لأنها مما لا يتعدَّى نفعُها لغيره، أما إذا تعدَّى كالأذان والإقامة ففيه وجهان. انظر المغني 8/327. |
=قال في الاختيارات: وإجارةُ المُضافِ يُفَسَّرُ بشيئين: أن يُؤجرَ سنةً أو سَنتينِ، والثاني: أن يُؤجِرَه مدةً لا يمكنُ الانتفاعُ بالمأخوذِ لما استؤجِرَ له في المُدَّة، فَمِنَ الحكامِ من يَرى أن الإجارةَ تجوزُ إلا إذا أمكن الانتفاعُ بالعين عَقِبَ العقدِ، فإن أراد أن يستأجِرَ الأرضَ للازدراعِ ونحوِه كتبَ فيها أنه استأجرَها مَقِيلاً ومراحاً ومُزْدَرَعاً ونحو ذلك.
وقال أيضاً: والمُزارَعَةُ أَحَلُّ من الإجارةِ لاشتراكِهما في المَغْنَم والمَغْرَم.
* قال في الاختيارات: والصراعُ والسَّبْقُ بالأَقْدامِ ونحوها طاعةٌ إذا قُصِدَ به نَصْرُ الإسلام، وأخذُ السَّبْقِ عليه أَخْذٌ بالحقِّ، إلى أن قال: وتجوزُ المسابقةُ بلا محلل ولو أخرج المتسابقان، وقال أيضاً، وما أَلْهَى وشَغَلَ عمَّا أَمَرَ الله به فهو مَنْهي عنه وإن لم يَحْرُمْ جِنْسُه.
* قولـه: (ولا أُجْرةَ لمن أَعَارَ حائطاً حتى يسقط). قــال في المقنع: وللمُعيرِ الرجوعُ متى شاء، ما لم يأذَنْ في شَغْلِه بشيءٍ يَسْتِضِرُّ المستعيرُ برجــوعِه، مثــل أن يُعيَره سفينةً لحملِ متاعِه، فليس لـه الرجوعُ ما دامت في لُجَّةِ البحرِ، وإن أعاره أرضاً للدَّفنِ لم يَرجِعْ حتى يَبْلَى الميتُ، وإن أعاره حائطاً ليضعَ عليه أطرافَ خَشَبِهِ لم يَرجعْ ما دام عليه.
* قولـه: (وتُضْمَنُ العاريَّةُ بقيمتِها يومَ تلفتْ ولو شَرَطَ نَفْيَ ضَمانِها)، قال في المقنع: وكلُّ ما كان أمانةً لا يصير مضموناً بشَرْطِه، وما كان مضموناً لا يَنتفي ضمانُه لشَرْطِه، وعــن أحمد رحمه الله تعالى أنه ذُكِرَ لـه ذلك فقال: (المسلمون على شروطهم) فيدلُّ على نَفْيِ الضَّمانِ بشرطِه ا.هـ.
قلت: قال في الاختيارات: والعاريَّةُ تجب مع غَنَاء المالك، وهو أحدُ القولين في مذهب أحمد، وهو الصواب، وهي مضمونةٌ بشرطِ ضمانِها، وهي رواية عن أحمد، ولو سلَّم شريكٌ شريكَه دابةً فتلفتْ بلا تَعَدٍّ، ولا تفريطٍ لم يَضْمن، وقياسُ المذهبِ إذا قال: أعرتُك دابَّتي لتعلِفَها، أنَّ هذا يصح ا. هـ.
وقال الحسنُ والنَّخَعِيُّ والشعبي وعمرُ بنُ عبد العزيز والثوريُّ وأبو حنيفة ومالكٌ والأوزاعيُّ: هي أمانةٌ لا يجب ضمانُها إلا بالتعدِّي.
* قولـه: (ولا يَرُدُّ جِلْدَ مَيتةٍ). قال في المقنع: وإن غَصَبَ جِلْدَ مَيتةٍ فهل يَلزمُه ردُّه؟ على وجهين، فإن دَبغَه وقُلنا بطهارتِه لزمَه ردُّه. قال في الاختيارات: وإذا مات الحيوانُ المغصوبُ، فضَمِنَه الغاصبُ، فجِلدُه إذا قُلنا يَطْهُرُ بالدِّباغِ للمالِك.
* قولـه: (ويلزم ردُّ المغصوبِ بزيادتِه) أي سواء كانتْ متصلةً كالسِّمَنِ أو منفصلةً كالولدِ.
فائدة: قال في الاختيارات: قال أبو العباس: سُئلتُ عن قومٍ أُخِذتْ لهم غنمٌ أو غيُرها من المالِ ثم رُدَّتْ عليهم أو بعضُها، وقد اشْتَبَه مِلْكُ بعضِهم ببعض. قال: فأجبتُ: أنه [إنْ] عُرِفَ قدرُ المالِ تحقيقاً قُسِمَ الموجودُ عليهم على قدْرِه، وإن لم يُعْرَفْ إلا عَدَدُه، قُسِمَ على قَدرِ العدد ا. هـ.
* قولـه: (ويَبْرَأُ بإعادتِه) أي: لأن العاريَّة توجبُ الضَّمانَ على المُستعيرِ، والصحيحُ أنه لا يَبْرأُ كما لو أطْعمَهُ إياه، والعاريَّة لا تُضْمَنُ إلا بِشَرْطِ ضمانِها كما هو اختيارُ شيخِ الإسلام وغيرِه.
(1) التصرفات الحُكميَّة: أي التي لها حُكم من صحة وفساد، ففي العبادات كالحج والصلاة والزكاة، وفي العقود كالبيع والإجارة والنكاح، وذكر أبو الخطَّاب رواية، أنها تقع صحيحةً، وهذا ينبغي أن يتقيَّد في العقود بما لم يُبطلْه المالك. وانظر: المغني 7/399. |
* قولـه: (صَداقاً أو خلعاً) أي: إذا كان ذلك غيرَ حيلةٍ.
* قولـه: (وتثبتُ لشريكٍ في أرضٍ تجبُ قِسمتُها)، وعنه تثبتُ فيما لا تجبُ قِسمتُه واختاره الشيخ تقي الدين. قال الحارثي: وهي أحق.
* قولـه: (وهي على الفَوْرِ وقتَ عِلْمِه)، اختلف العلماءُ هل هي على الفَوْرِ أو التَّراخي؟ على قولين، وعن الشافعي قولٌ ثالث، أنه يَتَقَدَّر بثلاثة أيام، فإن مضتْ ولم يُطالبْ بها سَقطتْ، وهذا أقربُ لأن التَّراخِي مُضِرٌّ بالمُشترِي، والقولُ بالفوريةِ تفويتٌ لحقِّ الشفيعِ الثابتِ بلا دليلٍ ثابتٍ، والأيامُ الثلاثةُ لها نظائرُ في الشرع، والله أعلم.
* قولـه: (وإن قال للمُشترِي بِعْني... سَقَطتْ)، وقال الحارثي: يَقْوَى عندي عدمُ السُّقوطِ كقول أشهبَ صاحب مالك.
* قولـه: (أو صالِحْني...) سَقَطتْ، اختار القاضي وابنُ عقيل أنها لا تَسقطُ، لأن طلبَه لبعضِها طلبٌ لجميعها.
* قولـه: (أو طَلبَ أَخْذَ البعضِ سَقَطتْ)، وقال أبو يوسف: لا تسقط.
قال في الاختيارات: وتثبت الشُّفعةُ في كل عَقارٍ يَقْبل قِسمةَ الإجبارِ باتفاق الأئمة، وإن لم يَقْبلْها فروايتان، الصوابُ الثبوتُ، وهو مذهب أبي حنيفة، واختيارُ ابن سُريج من الشافعية، وأبي الوفاء من أصحابنا، وتثبتُ شفعةُ الجِوارِ مع الشَّرِكةِ في حقٍ من حقوقِ المِلْكِ من طريقٍ أو ماءٍ أو نحوِ ذلك ا. هـ.
* قولـه: (ولا شُفعة بِشَركةِ وقفٍ). قال في المقنع في أحد الوجهين.
* قولـه: (وإن تَصرَّف مُشترِيه بوقفِه أو هبتِه إلى آخره). قال في المقنع: وإن تصرَّف المُشترِي في البيع قبل الطَّلبِ سقطتْ الشُّفعةُ، نصَّ عليها.
وقــال أبــو بكر: لا تسقطُ. قــال في حاشية المقنع: وهـو قول مالك وأبي حنيفة والشافعية لأن حقَّ الشفيع السَّبْقُ.
* قولـه: (وإن أَقرَّ البائعُ بالبيعِ وأنكرَ المُشترِي وَجَبت)، قال في المقنع: على وجهين أي لا تجبُ على الوجهِ الثاني.
قال الحارثي: وهذا قويٌّ لأن الشُّفعةَ فرعٌ للبيع فلا تثبتُ إلا بثبوتِ الأصل.
* قال في الاختيارات: ولو أَوْدَع المُوْدِعُ بلا عذرٍ ضَمِنَ، والمُودِعُ الثاني لا يضمنُ إن جَهِلَ، وهو روايةٌ عن أحمد وكذا المرتهن منه، وهو وجهٌ في المذهب.
* قولـه: (فأخرجها من محرز ثم رَدَّها... ضَمِن). قال في المقنع: وإن أَخَذَ درهماً ثم رَدَّه فضاعَ الكلُّ ضَمِنَه وحدَه، وعنه يَضمنُ الجميعَ، وإن ردَّ بَدَلَهُ مُتميِّزاً فكذلك، وإن كان غيرَ مُتميِّزٍ ضَمِنَ الجميعَ، ويَحتمِلُ أن لا يَضْمن غيره.
* قولـه: (أو رَفَعَ الخَتْمَ) أي كَسَرَ خَتْمَ كِيسهِا ضَمِنَ، وعنه لا يَلْزَمُ ضَمانٌ لأنه لم يَتَعَدَّ في غيرِه .
(فائدة) قال في الاختيارات: ولو قال المُوْدَعُ: أوْدَعَنِيها الميتُ، وقال: هي لفلان، وقال ورثتُه: بــل هـي لــه، وليس لفلانٍ، ولم تَقُمْ بينةٌ على أنها كانتْ للميِّتِ ولا على الإيداع، قال أبو العباس: أُفْتِيتُ أن القولَ قولُ المُودَعِ مع يمينه، لأنه قد ثَبَتَ لـه اليدُ، وإذا تَلِفتْ الوديعةُ فللمُودِع قبضُ البدلِ، لأنَّ مَنْ يَملكُ قَبْضَ العينِ يَملكُ قَبْضَ البَدَلِ كالوكيلِ وأولى ا. هـ.
* قولـه: (ويَمْلِكُ حَرِيْمَ البئرِ العاديَّةِ خمسين ذراعاً) إلى آخره، لما رَوَى أحمدُ عن أبي هريرة مرفوعاً: (حَرِيمُ البِئْرِ البَدِيءِ خمسٌ وعشرون ذراعاً، وحَرِيمُ البئر العَادِيِّ خمسون ذراعاً)(4)، وعند البيهقي: (وحَرِيمُ بِئْرِ الزَّرْعِ ثلاثُمائةِ ذراع ٍمن نواحِيْها كلِّها) ا. هـ.
ويُقاسُ على البئرِ - بِجَامعِ الحاجةِ - العُيونُ والنهرُ والمَسِيلُ والدُّورُ في الأرضِ المباحةِ والله أعلم.
(1) لحديث جابر يرفعه: "مَنْ أَحْيا أرضاً مَيتةً فهي لـه" رواه الإمام في مسنده 3/338، 381، والترمذي في جامعه برقم (1379). | ||
(2) البديَّه: المحدثة. و العاديَّة: بتشديد الياء، القديمة، منسوبةً إلى عاد، ولم يُرِدْ عاداً بعينها. | ||
(3) ولا يملكُه: أي لا يملكه بمجرد الإقطاع بل بالإحياء، وهو أحقُّ به من غيره. | ||
(4) في المسند 2/494. |
* قولـه: (وإِقْطاعُ الجلوسِ في الطريق الواسعةِ ما لم يَضُرَّ بالناس)، قال في الاختيارات: ولا يجوز لوكيلِ بيتِ المالِ ولا غيرِه بيعُ شيءٍ من طريقِ المسلمين النافِذِ، وليس للحاكمِ أن يحكُمَ بصحتِه.
* قال في الاختيارات: ومن اسْتنقذَ مالَ غيرِه من المَهْلَكةِ وردَّه استحق أُجرةَ المِثْلِ ولو بغير شَرْطٍ في أصحِّ القولَين، وهو منصوصٌ عليه [عن] أحمدَ وغيرِه، وإذا استنقذَ فرساً للغيرِ ومرضَ الفرسُ بحيثُ إنه لم يَقدِرْ على المَشْيِ، فيجوزُ، بل يجبُ في هذه الحالِ أن يبيعَه الذي استنقذه ويحفظُ الثمنَ لصاحبِه، وإن لم يكنْ وَكَّلَه في البيعِ، وقد نصَّ الأئمةُ على هذه المسألةِ ونظائرِها.
(1) الجعالة: بتثليث الجيم. | ||
(2) أي بقول صاحب العمل: من فعل كذا فله كذا، استحقه، لأن العقد استقر بتمام العمل. |
* قولـه: (كتاب الوقف). قال في الاختيارات: وأقربُ الحُدودِ في الوقوفِ أنَّه كلُّ عينٍ تجوزُ عارِيَّتُها.
* قولـه: (وكذا الوصيَّةُ والوقفُ على نفسِه). قال في المُقنع: ولا يصحُّ على نَفْسِه في إحدى الروايتين.
قال في الاختيارات: ويصحُّ الوقفُ على النفسِ، وهو أحدُ الروايتين عن أحمد، واختارها طائفةٌ من أصحابِه، ويصح الوقفُ على الصوفيَّةِ، فمن كان جَمَّاعــاً =
(1) أي لا يصح الوقف على ذمّيٍ حربي وكنسية وبيعة وكتب التوراة والإنجيل، لأن ذلك معصية. أما الذمِّيُّ غير الحربي فيجوز التصدُق عليهم، فجاز الوقفُ عليهم كالمسلمين، لما رُوي أن صفية زوج النبي ﷺ وقفتْ على أخٍ لها يهوديّ، أخرجه عبدالرزاق في المصنف في: باب عطية المسلم الكافر ووصيتُه له، من كتاب أهل الكتاب 6/33. |
=للمال ولم يَتخلَّقْ بالأخلاقِ المحمودةِ، ولا تأدبَ بالآدابِ الشرعيةِ، وغلبتْ عليه الآدابُ الوضعيةُ، أو فاسقاً لم يستحقَّ شيئاً، وإن كان قد يجوز للغنيِّ مجرَّدُ السُّكْنَى ا. هـ.
* قولـه: (وحَمْلٍ). قال في الاختيارات: قال في المُحَرَّر: ولا يصح وقفُ المجهولِ، قال أبو العباس: المجهولُ نوعان: مُبْهَمٌ ومعيَّنٌ، مثل دارٍ لم يَرَها، فمنعُ هذا بعيدٌ وكذلك هبتُه، فأما الوقفُ على المُبْهَمِ فهو شبيهٌ بالوصيَّة لـه، وفي الوصيةِ روايتانِ منصوصتانِ مثل أنْ يُوصِي لأحدِ هذين ولجارِه محمدٍ وله جارانِ بهذا الاسم، وَوَقْفُ المُبْهَمِ مُفرّعٌ عن هبتِه وبيعِه؟ وليس عن أحمدَ في هذا مَنْعٌ ا.هـ.
* قولـه: (ويجبُ العملُ بشرطِ الواقفِ). قال في الاختيارات: ولا يَلْزمُ الوفاءُ بشرطِ الواقفِ إلا إذا كان مُستحبَّاً خاصةً إلى أن قال: وقولُ الفقهاءِ: نُصوصُ الواقفِ كنُصوصِ الشارعِ يعني في الفَهْمِ والدلالةِ لا في وجوبِ العملِ، والعادةُ المُستمِرَّةُ والعُرْفُ المُستقِرُّ في الوقف يدلُّ على شرطِ الواقفِ أكثرَ مما يدلُّ لفظُ الاسْتفاضَةِ، وكلُّ مُتَصرِّفٍ بولايةٍ إذا قيلَ لـه افعلْ ما تشاءُ فإنما هو لمصلحةٍ شرعيَّةٍ، وإذا وَقَفَ على الفقراءِ فأقاربُ الواقفِ الفقراءُ أحقُّ من الفقراء الأجانب مع التَّساوِي في الحاجة ا. هـ ملخصاً.
* قولـه: (ولو قال: على بَينه اختصّ بذكورهم)، أي: إذا قصد بذلك التقرُّبَ إلى الله عزَّ وجــــلَّ، وإن أراد حِــرْمانَ بــعضِ ورثتِه فــلا يجـوز بــل هــو جَنَفٌ وإِثْمٌ، قال في الاختيارات: وتصبحُ هبةُ المعدومِ كالثَّمرِ واللَّبَنِ بالسنةِ واشتراطُ القُدرةِ على التسليمِ هنا فيه نظرٌ بخلافِ البيعِ، وتصح هبةُ المجهولِ كقوله: ما أخذتَ من مَالِي فهو لك؛ أو مَنْ وَجَدَ شيئاً من مَالِي فهو لـَه؛ وفي جميعِ الصُّوَرِ يحصُلُ المِلْكُ بالقَبْضِ ونحوِه. وللمُبيحِ أن يَرْجِعَ فيما قال قبلَ التَّمَلُّكِ، وهذا نوعٌ من الهِبَةِ يتأخَّرُ القبولُ فيه عن الإيجابِ كثيراً وليس بإباحةٍ ا. هـ.
* قولـه: (يجبُ التَّعْديلُ في عَطِيّتِه أولادَه بقدرِ إرْثِهم). قال في الاختيارات: ثم هنا نوعانِ يَحْتاجونَ إليه من النفقةِ في الصِّحةِ والمرضِ ونحوِ ذلك، فتعديلُه فيه أن يُعطيَ كلَّ واحدٍ ما يَحْتاجُ إليه، ولا فَرْقَ بين مُحتاجٍ قليل أو كثير، ونوعٌ تَشترِكُ حاجتُهم إليه من عَطِيَّةٍ أو نفقةٍ أو تزويجٍ؛ فهذا لا ريبَ في تحريم التفاضُلِ فيه، وينشأُ من بينِهِما نوعٌ ثالثٌ، وهو أن ينفردَ أحدُهما بحاجةٍ غير مُعتادةٍ، مثل أن يَقْضِيَ عن أحدِهما دَيْناً وجبَ عليه من أَرْشِ جِنايةٍ، أو يُعْطِي عنه المَهْرَ أو يُعطيهِ نفقةَ الزوجةِ ونحو ذلك؛ ففي وجوبِ إعطاءِ الآخَرِ مِثْلَ ذلك نَظَرٌ، وتجهيزُ البناتِ بالنِّحَلِ أَشْبَهُ، وقد يَلْحَقُ بهذا، والأشبه أن يُقالَ في هذا: إنه يكون بالمعروفِ، فــإن زادَ على المعروفِ فهو من بابِ النِّحَلِ، ولو كان أحدُهما محتاجاً دون الآخَرِ أَنْفقَ عليه قَدْرَ كفايتِه، وأما الزيادةُ فمن النِّحَلِ، فلو كان أَحَدُ الأولادِ فاسقاً فقال والدُه: لا أُعطيكَ نظيرَ إخْوتِكَ حتى تتوبَ فهذا حَسَنٌ يَتعيَّنُ استثناؤُه ا. هـ.
* قولـه: (ولا يجوز لواهبٍ أنْ يَرجعَ في هِبتهِ اللازمةِ إلا الأبُ)، وحُكْمُ الأُمِّ في ذلك كالأبِ عند أكثر العلماء. قال في الاختيارات: وللأبِ الرجوعُ فيما وَهَبَهُ لولدِه ما لم يَتَعلَّقْ به حقٌّ أو رَغبةٌ، فلا يرجعُ بقدرِ الدَّيْن وقدرِ الرَّغبةِ، ويَرْجعُ فيما زاد، ويَرجعُ فيما أَبْرأَ منه ابنَه من الدَّينِ على قياسِ المذهبِ كما للمرأةِ على إحدى الروايتينِ الرجوعُ على زوجِها فيما أَبْرأَتْه من الصَّداقِ.
وإذا أخـذَ من مالِ ولدِه شيئاً ثم انفسخَ سبـبُ استحقاقِه مثل أن يأخذَ صَدَاقَها فتطلق، أو يأخذَ الثمنَ ثم ترد السِّلْعةُ بعيبٍ، أو يَأْخُذَ المَبيعَ ثم يُفلس ونحو ذلك، فالأقوى في جميع الصورِ أنَّ للمالكِ الأولِ الرجـوعُ على الأبِ ا.هـ. ملخصاً.
* قولـه: (وبمائةٍ أو مُعيَّنٍ لا تصحُّ لـه)، وحُكِيَ(1) عن أحمدَ أنها تصحُّ وهو قولُ مالكٍ وأبي ثور.
(1) الذي حكى ذلك هو ابن أبي موسى، المغني 8/519. |
* قولـه: (وتصحُّ بكلبِ صيدٍ ونحوه). قال في المقنع: وتصح بما فيه نفعٌ مباحٌ من غيرِ المالِ كالكلبِ والزيتِ النَّجِسِ، فإن لم يكنْ للمُوصِي مالٌ فللمُوصَى لـه ثلثُ ذلك، وإن كان لـه مالٌ فجميعُ ذلك للموصَى لـه وإن قَلَّ المالُ في أحد الوجهين، والأخَرُ له ثلثهُ، وإن لم يكن له كلبٌ لم تصحَّ الوصيةُ به.
* قولـه: (وإذا أوصَى إلى زيدٍ) إلى آخره. قال في الفروع: ومن وصَّى إلى واحدٍ ثم إلى آخَرَ ولم يَعْزِلِ الأولَ اشتركا، نصَّ على ذلك، ولا ينفردُ أحدُهما بتصرُّفٍ لم يجعلْه لـه، نصَّ عليه، قيل لـه فإن أخذَ بعضَ المالِ دونَه. وقال: لا أدفعُه إليك، فقال: إنما عليه الجهدُ، فليجتهدْ فيما ظَهَرَ لـه وما غابَ عنه فليس عليه. قيل: فَيُرْفَعُ أمرُهما إلى الحاكمِ ويبرأُ منها؟. قال: نعم ا.هـ.
* قولـه: (وإن قال: ضَعْ ثُلُثِي حيثُ شئتَ لم يحلَّ لـه ولا لولدِه). قال في المقنع: ويحتملُ جوازُ ذلك لتناولِ اللفظِ له.
فائدة. قال في الاختيارات: ومن ادَّعَى دَيْناً على الميِّتِ، وهو مَنْ يُعامِلُ الناسَ، نَظَرَ الوصِيُّ إلى ما يدلُّ على صِدْقِهِ ودَفَعَ إليه، وإلا فَيَحْرُمُ الإعطاءُ حتى يَثبُتَ عند القاضي غير المُخالفِ للسُنَّةِ والإجماعِ، وكذلك يَنبغي أن يكونَ ناظرُ الوقفِ ووالي بيتِ المال، وكلُّ والٍ على حقِّ غيرِه؛ إذا تَبينَ لـه صدقُ الطالبِ دَفَعَ إليه، وذلك واجبٌ عليه إن أَمِنَ التَّبِعَةَ، وإن خاف التَّبِعَةَ فلا ا. هـ.
* الأصلُ في الفرائضِ الكتابُ والسنَّةُ. قال الله تعالى: )يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ( [النساء: آية 11]، فميراثُ الأولادِ في قولِه تعالى: )يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ(، وميراثُ الوالدَيْن في قوله تعالى: )وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ( [النساء: آية 11]، وميراث الأزواجِ في قوله تعالى: )وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ( [النساء:12]، وميراث الإخوة من الأم في قولـه تعالى: )وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ( [النساء: آية 12]، وميراثُ الإخوةِ من الأبِ في قوله تعالى: )يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ( [النساء: 176]. =
=وقال النبي ﷺ: (ألْحِقُوا الفرائِضَ بأهْلِها فما بَقِيَ فهو لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)(1) متفق عليه.
* قولُه: (والجَدُّ لأبٍ وإن عَلا مع ولدِ أبوينِ أو أبٍ كأخٍ منهم)" إلى آخره، وعنه أنه يَسقطُ الإخوة وبه قال أبو بكر الصِّدِّيقُ وابنُ الزُّبيرِ وابنُ عباسٍ رضي الله عنهم، وهو قول أبي حنيفةَ، واختاره البخاري والشيخُ تقيُّ الدينِ قال في الإنصاف: وهو الصواب.
(1) أخرجه البخاري في باب ميراث الولد من أبيه وأمه، وباب ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن، وباب ميراث الجد مع الأب والإخوة، وباب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج، من كتاب الفرائض. صحيح البخاري 8/187-188-189-190. ومسلم في باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولي رجل ذكر، من كتاب الفرائض، صحيح مسلم 3/1233-1234. |
* قوله: ( لها ثلاثة أحوال ) :
الأولُ: أن يرثوا الميتَ الثاني كالأولِ .
مثالُه: أن يموتَ عن أربعةِ بنين وثلاثةِ بناتٍ، فلم تُقسمِ التركةُ حتى ماتَ ابنٌ عمَّنْ في المسألةِ فاقْسِمْها على رؤوسِ الباقينَ تسعة، وهكذا تفعلُ في الباقينَ.
الحال الثاني: إنْ كان ورثةُ كلِّ ميتٍ لا يرثون غيَره.
مثال: أن يموتَ عن ثلاثةِ بنينَ، فلم تُقسمِ التركةُ حتى مات أحدُهما عن ابنينِ، والثاني عن ثلاثةٍ، والثالثُ عن أربعةٍ، ومسائلُهم مباينةٌ سِهَامَهُمْ، فننظرُ بين المسائلِ الثلاثِ بالنِّسَبِ الأربعِ، فنجدُ الأُولى داخلةً في الثالثةِ، والثالثةَ مُباينةً للثانيةِ، فنضربُ الثانيةَ وهو ثلاثةٌ في الثالثةِ وهي أربعةٌ فيحصلُ اثنا عَشَرَ، وهو كجُزْءِ السَّهْمِ فنضربُه في الأُولى فتبلغُ ستةً وثلاثينَ ومنها تصح، فَمَنْ لـه شيءٌ من الأُولى أَخَذَهُ مَضْروباً فيما هو كجُزْءِ السَّهْمِ، فللأولِ من البنينَ واحدٌ مضروباً في اثْنَي عَشَرَ لابْنَيْهِ، وللثاني كذلك لِبَنِيْهِ لِكُلِّ واحدٍ أربعةٌ، ولكلِّ واحدٍ من أبناءِ الثالثِ ثلاثةٌ. =
=الحالُ الثالثُ :وهو ثلاثةُ أقسامٍ وله ثلاثةُ أمثالٍ.
مثالُ الانقسام: أن يموتَ رجلٌ عن زوجةٍ وبنتٍ وأخٍ، ثم ماتتْ البنتُ عن زوجٍ وبنتٍ وعمٍ، فالمسألةُ الأُولى من ثمانيةٍ، وسهامُ البنتِ منها أربعةٌ، ومسألتُها من أربعةٍ، فَصَحَّتَا من الثمانيةِ.
ومثال المُبايَنَةِ: أنْ يموتَ شخصٌ عن أمٍ وأختٍ لأبٍ وعمٍ، فلم تُقْسَمِ التركةُ حتى ماتتِ الأختُ عن زوجٍ وابنٍ، فالمسألةُ الأُولى من ستةٍ والثانيةُ من أربعةٍ وسهامُها تُباينُ مسألتَها، فنضربُ أربعةً في ستةٍ تبلغُ أربعةً وعشرينَ منها تصحُّ وهي الجامعة، فَمَنْ لـه شيءٌ من الأُولى أخذَهُ مضروباً في الثانيةِ، ومَنْ لـه شيءٌ من الثانيةِ أخذَهُ مضروباً في سهامِ مُوَرِّثِهِ.
ومثالُ الموافقةِ: أن تموتَ امرأةٌ عن زوجٍ وبنتٍ وأخٍ فلم تُقْسَمٍ التركةُ حتى ماتتْ البنتُ عن زوجٍ وابنٍ، فالمسألةُ الأولى من أربعةٍ، والثانيةُ من أربعةٍ وسهامُ الهالِكِ الثاني تُوافِقُ مسألتَه بالنصفِ، فنضربُ وَفْقَ الثانيةِ في الأُولى تبلغُ ثمانيةً منها تصحُّ وهي الجَامِعَةُ، فَمَنْ لـه شيءٌ من الأُولى أخذَه مضروباً وَفْقَ الثانيةِ في الأُولى تبلغُ ثمانيةً منها تصحُّ وهي الجامعةُ، فمن لـه شيءٌ من الأُولى أخذَه مضروباً في وَفْقِ الثانيةِ، ومن له شيءٌ من الثانيةِ أخذَه مضروباً في وَفْقِ سهامِ مُوَرِّثِهِ.
* قوله: (كأُمِّ أبي الجَدِّ)، اختار الشيخُ تقيُّ الدينِ أنها من ذوي الفُروضِ.
* قولـه: (انتظر به تَمامَ تسعينَ سنةً منذ وُلد)، وعنه ينتظر به أبداً حتى يعلم موته أو يَمْضِي عليه مُدَّةٌ لا يعيشُ في مِثْلِها، وذلك مردودٌ إلى اجتهادِ الحاكم، وبه قال الشافعي، وهو المشهورُ عن مالك وأبي حنيفة.
* قولـه: (من تِلادِ مالِه) هذا المذهبُ. وقال جمهورُ العلماءِ: يُقْسَمُ ميراثُ كُلِّ ميتٍ على الأحياءِ من ورثتِه دونَ مَنْ ماتَ معه، اختاره الشيخ تقي الدين. قال الموفق، وهو أحسنُ إن شاء الله تعالى.
* قولـه: (لا يرثُ المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ إلا بالولاءِ)، قال في المقنع: ومن أعتقَ عبداً يُبَايِنُهُ في دِينِهِ فله وَلاؤُه، وهل يَرثُ به؟ على روايتين، إحداهما لا يرثُ لكنْ إن كانتْ لـه عصبةٌ على دِينِ المعتق وَرِثَه، وإن أسلمَ الكافرُ منهما ورثَ المعتق، رواية واحدة.
وقال في الفروع: ولا يرثُ كافرٌ مسلماً ولا مسلمٌ كافراً، ويتوارثانِ بالولاءِ لثبوتِه، وعنه لا تَوَارُثَ.
قال في الشرح الكبير: وجمهورُ الفقهاءِ على أنه لا يرثُه مع اختلافِ دينهِما لقولِ النبي ﷺ: (لا يرثُ المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ)(1).
(1) متفق عليه، فأخرجه البخاري في الفرائض: باب لا يرث المسلم الكافر برقم (6764)، ومسلم برقم (1614). |
* قولـه: (ويسنُّ نكاحُ واحدةٍ دَيِّنَةٍ) إلى آخره عبارةُ المقنع: ويُستحَبُّ تَخَيُّرُ ذاتِ الدِّينِ الوَلودِ البِكْرِ الحبيبةِ الأجنبيةِ.
قال في المقنع: وعنه لا يَبطُلُ. قال في الاختيارات: وينعقد النكاحُ بما عدَّه الناسُ نكاحاً بأي لغةٍ ولفظٍ وفعلٍ كان ،ومثلُه كلُّ عَقْدٍ، والشرطُ بين الناسِ ما عدُّوه شرطاً، نصَّ الإمامُ أحمدُ في روايةِ أبي طالبٍ في رجلٍ مَشَى إليه قومُه، فقالوا: زَوِّجْ فلاناً. فقال: زوجتُه على ألفٍ فرجَعوا إلى الزوجِ فأخبرُوه فقال: قبلتُ، هل يكون هذا نكاحاً؟ قال: نعم، قال ابنُ عقيل: هذا يُعطِي أن النكاحَ الموقوفَ صحيحٌ، وقد أحسنَ ابنُ عقيلٍ فيما قاله، وهو طريقةُ أبي بكرٍ، فإنَّ هذا ليس تراخياً للقبولِ كما قاله القاضي، وإنما هو تَراخٍ للإجازةِ، ومسألةُ أبي طالبٍ، وكلامُ أبي بكرٍ، فيما إذا لم يَكُنِ الزوجُ حاضراً في مجلسِ الإيجابِ، وهذا حسنٌ، أمَّا إذا تَفرَّقا عن مجلسِ الإيجابِ، فليس في كلام أحمدَ وأبي بكرٍ ما يدلُّ على ذلك، ويجوز أن يُقالَ: إن العاقِدَ الآخَرَ إن كان حاضراً اعتُبِرَ قَبُولُه، وإن كان غائباً جاز تراخِي القبولُ عن الإيجاب، كما قلنا في ولاية القضاءِ مع أن أصحابَنا قالوا في الوكالة: إنه يجوز قبولُها على الفَورِ والتراخِي، وإنما الولايةُ نوعٌ من جِنْسِ الوكالةِ، وذَكرَ القاضي في المُجرَّدِ وابنُ عقيلٍ في الفُصولِ في تتمَّةِ روايةِ أبي طالبٍ، فقال الزوج: قبلتُ، صحَّ إذا حَضَرَ شاهدانِ. قال أبو العباس: وهو يقضي بأنَّ إجازةَ العَقْدِ الموقوفِ، إذا قُلْنا بانعقادِه تفتقرُ إلى شاهدَيْنِ، وهو مُستقيمٌ حَسَنٌ ا. هـ.
* قولـه: "والبِكْرُ ولو مُكَلَّفَة". قال في المقنع: وعنه لا يجوز تزويجُ ابنةِ تسعِ سنينَ إلا بإذنِها، وهل لـه تزويجُ الثيبِ الصغيرةِ؟ على وجهين. قال في الشرح= =الكبير: إذا بلغتِ الجاريةُ تسعَ سنينَ فالمشهورُ عنه أنها كَمَنْ لم تَبْلُغْ تسعاً، نصَّ عليه في روايةِ الأثْرم. وبه قال مالكٌ والشافعيُّ وأبو حنيفةَ وسائرُ الفقهاء. قال في الاختيارات: والجدُّ كالأبِ في الإجبارِ، وهو روايةٌ عن الإمامِ أحمدَ وليس للأبِ إجبارُ بنتِ التِّسْعِ بِكْراً كانت أو ثَيِّبَاً، وهو روايةٌ عن أحمدَ اختارها أبو بكر ا. هـ.
وأمَّا البِكْرُ البالغُ، فقال أكثرُ أهل العلم: لا إجبارَ للأبِ عليها إذا امْتَنَعَتْ.
* قولـه: (والعدالةُ) هذا المذهبُ، وعنه لا تُشتَرطُ، وبه قال مالكٌ وأبوحنيفة.
* قولـه: (فإن عَضَلَ الأقربُ) إلى آخره، قال في الاختيارات: وإذا تَعَذَّرَ مَنْ لَهُ ولايةُ النكاحِ انتقلتْ الولايةُ إلى أصلحِ مَنْ يُوجدُ، فَمَنْ لـه نوعُ ولايةٍ في غيرِ النكاحِ كرئيسِ القَرْيةِ، وهو المُراد بالدِّهْقَانِ وأميرِ القافلةِ ونحوِه، قال الإمامُ أحمدُ في رواية المَرُّوذي: في البلدِ يكونُ فيه الوالي وليس فيه قاضٍ يُزَوِّجُ، إن الوالي يَنْظُرُ في المَهْرِ وإنَّ أَمْرَه ليس مُفَوَّضَاً إليها وحْدَها، كما أنَّ أَمْرَ الكُفْؤِ ليس مُفَوَّضاً إليها وحْدَها ا.هـ.
* قولـه: "فلِمَنْ لم يَرْضَ من المرأةِ أو الأولياءِ الفسخُ"، وعنه لا يَمْلِكُ إلا بعدَ الفسخِ مع رِضَا المرأةِ والأقربِ، وبه قال الشافعي، واختار الشيخ تقي الدين أن النَّسَبَ لا اعتبارَ لـه في الكفاءةِ لقوله تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ( [الحجرات:13] وقال أيضاً: ومن قال: إن الهاشميةَ لا تُزَوَّجُ بغير هاشمي، بمعنى أنه لا يجوز ذلك، فهذا مارقٌ من دِيْنِ الإسلامِ، إذ قِصَّةُ تَزْويجِ الهاشمياتِ من بناتِ النبيِّ ﷺ وغيرِهمْ بغيرِ الهاشميينَ ثبتتْ في السُّنَّةِ ثُبوتاً لا يَخْفَى، فلا يجوزُ أنْ يُحْكَى هذا خلافاً في مذهبِ أحمد ا. هـ.
* قولـه: (إلا أُمَّ أُخْتِه، وأُخْتَ ابنِه)، قال في المقنع: القسمُ الثاني المُحَرَّماتُ بالرَّضاعِ، ويَحْرُمُ به ما يَحرمُ من النَّسبِ سواءً، قال في الحاشية: قولـه: ويَحرمُ به إلى آخره، هذا المذهبُ للحديثِ، قال ابنُ البَنَّاء: إلا أمَّ أُختِه، وأُختَ ابنِه فلا يَحْرُمانِ بالرَّضاعِ، لكن أم أختِه إنما حُرِّمَتْ من غيرِ الرَّضاعِ من جهةٍ أُخْرَى لكونِها زوجةَ أبيهِ، وذلك من جهةِ تحريمِ المُصاهَرةِ لا من جهةِ تحريمِ النَّسَبِ، وكذلك أختُ ابنِه، إنما حرمتْ لكونِها رَبِيبَتَهُ فلا حاجةَ إلى استثنائِها ا.هـ.
وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ على قوله ﷺ: (يَحْرُمُ من الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ) قال العلماء: يُستثْنَى من ذلك أربعُ نِسْوةٍ يَحْرُمْنَ في النَّسبِ مُطْلَقاً، وفي الرَّضاعِ قد لا يَحْرُمْنَ.
الأولى: أُمُّ الأخِ في النَّسبِ حرامٌ؛ لأنها إمَّا أمٌّ وإمَّا زوجُ أبٍ، وفي الرَّضاعِ قد تكونُ أجنبيةً، فترضعُ الأختَ ولا تحرمُ على أخيه. =
(1) أخرجه البخاري في الشهادات، باب الشهادة على الأنساب، برقم (2645)، ومسلم في الرضاع، باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل، برقم (1447). |
= الثانيةُ: أُمُ الحفيدِ حرامٌ في النَسبِ، لأنها إمَّا بنتٌ أو زوجُ ابنٍ وفي الرَّضاعِ قد تكونُ أجنبيةً، فتُرضِعُ الحفيدَ، فلا تَحْرُمُ على جَدِّهِ.
الثالثةُ: جَدَّةُ الولدِ في النَّسبِ حرامٌ، لأنها إمَّا أمٌّ أو أمُّ زوجةٍ، وفي الرَّضاعِ قـد تكـون أجنبيةً أَرْضَعَتِ الولدَ، فيجـوزُ لــوالدِه أن يتزوَّجهــا.
الرابعةُ: أختُ الولدِ حرامٌ في النَّسبِ، لأنها بنتٌ أو رَبِيْبَةٌ، وفي الرَّضاعِ قد تكونُ أجنبيةً، فترضعُ الولدَ فلا تَحْرمُ على الوالدِ.
وهذه الأربعُ اقتصرَ عليها جماعةٌ ولم يَستثْنِ الجمهورُ شيئاً من ذلك، وفي التحقيقِ لا يُستثْنَى شيءٌ من ذلك، لأنهنَّ لم يَحْرُمْنَ من جهةِ النَّسبِ، وإنما حَرُمْنَ من جهةِ المُصاهَرَةِ، واستدْركَ بعضُ المتأخرينَ أُمَّ العَمِّ وأم العَمَّةِ وأُمَّ الخالِ وأُمَّ الخالةِ، فإنهنَّ يَحْرُمْنَ في النَّسبِ لا في الرَّضاعِ، وليس ذلك على عُمومِهِ والله أعلم ا.هـ.
* قولـه: (إذا شَرَطَتْ طَلاقَ ضَّرَّتِها صَحَّ)، قال الموفَّقُ: وإن شَرَطَ لها طَلاقَ ضَرَّتِها، فقال أبو الخطاب: هو صحيحٌ، ويَحْتَمِلُ أنه باطلٌ، لقولِ رسول الله ﷺ: (ولا تَسْأَلُ المرأةُ طَلاقَ أُخْتِها لتُكْفِئَ ما في صَحْفَتِها، ولِتُنْكِحْ، فإنَّ لها ما قُدِّرَ لها)(1) ا.هـ.
* قولـه: (أو نواه بلا شرط) بَطَلَ، وقيل يُكْرَهُ ويَصِحُّ.
* قولـه: (أو قال زَوَّجتُك إذا جاءَ رأسُ الشهرِ أو إن رَضِيَتْ أمُّها بَطَلَ)، وعنه يصح، قال ابنُ رجب: روايةُ الصِّحَّةِ أَقْوى.
(1) أخرجـه الإمام مسلم في النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها برقم (1408) من حديث أبي هريرة. |
* قولـه: (أو شَرَطَ فيه خياراً بَطَلَ الشرطُ وصحَّ النكاحُ)، قال في الاختيارات: وإن شَرَطَ الزوجانِ أو أحدُهما فيه خياراً صحَّ العَقْدُ والشَّرْطُ.
* قولـه: (وإن اعترفتْ أنه وَطِئَها فليس بِعِنِّينٍ)، وقال أبو ثور: إذا عَجِزَ عن وَطْئِها أُجِّلَ لها.
* قولـه: (ولو قالتْ في وَقْتٍ: رَضِيتُ به عِنِّيناً سَقَطَ خِيَارُها أبداً)، قال في الاختيارات: ويَتَخَرَّجُ إذا عَلِمَتْ بِعِنَّتِهِ واختارتْ المُقَامَ معه، هل لها الفسخُ؟ على روايتين، ولو خُرِّجَ هذا في جميعِ العيوبِ لتَوَجَّهَ، وقال أيضاً: وحُصُوُل الضَّرَرِ للزوجةِ بِتَرْكِ الوَطْءِ مُقْتَضٍ للفَسْخِ بكلِّ حالٍ، سواءٌ كان بِقَصْدٍ من الزوجِ أو بغيرِ قَصْدٍ، ولو مع قُدْرَتِه وعَجْزِهِ، كالنَّفقةِ وأَوْلَى للفَسْخِ بِتَعَذُّرِه في الإِيْلاءِ إجماعاً، وقال أيضاً ومتى أَذِنَ الحاكمُ أو حَكَمَ لأحدٍ باستحقاقِ عَقْدٍ أو فَسْخِ مأذونٍ لـه لم يَحْتَجْ بعد ذلك إلى حُكْمٍ بصحَّتِه بلا نِزاعٍ.
* قال ابنُ القَيِّمِ في الهدي: فمن به عَيْبٌ كقَطْعِ يَدٍ أو رِجْلٍ أو خَرَسٍ أو طَرَشٍ، وكل عَيْبٍ نَفَّرَ الزوجَ الآخَرَ عنه، ولا يَحْصُلُ به مَقصودُ النكاحِ من المَودَّةِ والرَّحمةِ، يوجبُ الخِيَارَ، وأنه أَوْلَى من البَيْعِ، وإنما يَنْصَرِفُ الإطلاقُ إلى السلامةِ فهو كالمَشْروطِ عُرْفاً اهـ.
* قولـه: (بل مِنْ مَجْنُونٍ ومَجْذُومٍ وأَبْرَصَ)، أي في أحد الوَجْهَين، وفي الوجه الثاني لا تُمْنَعُ.
* قولـه: "وإنْ أَصْدَقَها تعليمَ قُرآنٍ لم يصحَّ " هذا المذهبُ، وعنه يصحُّ، وهو مذهبُ الشافعي، قال في الاختيارات: ولو علم السُّورةَ أو القصيدةَ غيرُ الزوجِ يَنْوِي بالتعليمِ أنه عن الزوجِ من غيرِ أن يُعْلِمَ الزوجةَ، فهل يقعُ عن الزوجِ؟ إلى آخره، قال في الفروع: وإن أَصْدَقَها تعليمَ قُرآنٍ لم يصحَّ كالمنصوصِ في كتابيةٍ، وذَكَرَ فيها في المذهبِ أنه يصحُّ ذلك بِقَصْدِها الاهتداء، وعنه: بلى، ذكر ابن رزين أنه الأَظْهرُ وجَزَمَ به في عيونِ المسائلِ فَتُعَيِّنُ سُورةَ كذا أو آيةَ كذا، وقِيِلَ: والقراءة أيضاً، فإن تعلَّمتْ من غيرِه لزمتْه الأجرةُ ا.هـ.
والصحيحُ أنه يصحُّ أن يَصْدُقَها تعليمَ قرآنٍ لقولِ النبي ﷺ: (زَوَّجْتُكَهَا بما معك من القرآن)(1)، قال القرطبي: قولُه: "عَلِّمْها" نَصٌ في الأمرِ بالتعليمِ والسِّياقُ يَشْهَدُ بأن ذلك لأجل النكاحِ فلا يُلْتَفَتُ لقولِ من قال: إن ذلك كان إكراماً للرجلِ، فإن الحديثَ يُصرِّحُ بخلافِه، وقولُهم: إن الباءَ بمعنى اللامِ ليس بصحيحٍ لُغَةً ولا مَسَاقاً ا. هـ.
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري (9/131، 205). ومسلم (1425). |
* قولـه: (وإن أَصْدَقَها ألفاً إن كان أبوها حَيّاً وألفينِ إن كان ميتاً وَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ) وعنه يصحُّ.
قال في المقنع: وإن زَوَّجَ ابنَه الصغيرَ بأكثرَ من مَهْرِ المِثْلِ صَحَّ ولَزِم في ذِمَّةِ الابن، فإن كان مُعسراً فهل يضمنُه الأبُ؟ يحتملُ وجهين، قال في الحاشية: وهما روايتانِ إحداهُما لا يَضمنُه الأبُ كثمنِ مبيعِه وهو المذهبُ، والثانيةُ يَضمنُه الأبُ لأنه التزمَ العِوَضَ عنه عُرْفاً فَضَمِنَه كما لو نَطَقَ بالضَّمانِ، انتهى وهو الصواب.
* قوله: "وإن طلَّقَها بعدَه فلا مُتْعَةَ"، أي لا تجبُ وهي مُستحِبَّةٌ، لقولــه تعالى: )وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ("[البقرة:241] وعنه تجبُ للكُلِّ إلا لمن لم يَدْخُلُ بها وقد فَرَضَ لها، واختاره الشيخ تقي الدين.
* قولـه: "أو سَلَّمتْ نَفْسَها تبرعاً فليس لها منعُها"، قال في المقنع: فإن تَبَرَّعتْ بتسليمِ نَفْسِها ثم أرادتْ المَنْعَ فهل لها ذلك؟ على وجهين.
* قولـه: "ولا يَفسخُ إلا حاكمٌ"، قال في الشرح: كالفسخ لِعِنَّةٍ ونحوها للاختلاف فيه .
(فائدة): قال في الاختيارات: ومتى خرجت منه زوجتُـــه بغيــر اختيارِه بإفسادِها أو بإفسادِ غيرها أو بيمينِه لا تفعل شيئاً، ففعلتْه فله مَهْرُها، وهو رواية عن الإمـام أحمد، كالمفقود بناءً على الصحيح، أنَّ خروجَ البُضْعِ من مِلْكِ الزوجِ مُتَقَوَّمٌ، وهو رواية عن الإمام أحمــد، والفُرقـــةُ إذا كانت من جهتِها فــهي كإتــلافِ البائعِ، فيخيَّر على المشهور بين مُطالبتِها بمَهْرِ المِثْلِ وضمانِ المسمَّى لها وبين إسقاطِ المسمَّى. انتهى.
* قال في الاختيارات: والأشبهُ جوازُ الإجابةِ لا وجوبُها إذا كان في مجلسِ الوليمةِ مَنْ يُهجَرُ.
وأعدلُ الأقوالِ: أنه إذا حضرَ الوليمةَ وهو صائمٌ إن كان يُنكرُه قلبُ الداعي بتركِ الأكلِ فالأكلُ أفضلُ، وإن لم يُنكرْه قلبه فإتمامُ الصومِ أفضل. ولا ينبغي لصاحبِ الدعوةِ الإلحاحُ في الطعامِ للمَدعوِّ إذا امتنعَ فإنَّ كِلا الأمرين جائزٌ، فإذا ألْزمَه بما لم يَلْزمه كان من نوعِ المسألةِ المَنهيِّ عنها، ولا ينبغي للمَدعوِّ إذا رأى أنه يترتَّبُ على امتناعِهِ مفاسدُ أن يمتنعَ.
* قولـه: "والدُفُّ فيه للنساء"، يعني إذا لم يَحصُل معه مُنكَرٌ مثلُ اختلاطِ الرجالِ بالنساءِ، قال في الفروع: ولا يُكرَهُ الدُّفُّ في العُرْسِ، وكذا في نحوه المنصوصِ، قال الشيخ وغيره: يُكرَه في غيرِه عند أصحابِنا، وكرهَهُ القاضي وغيرُه في غيرِ عُرْسٍ وخِتَانٍ، ويُكرَهُ للرجلِ التشبيبُ، وتحرُم كلُّ مَلْهاةٍ سواه، كمِزْمَارٍ وطُنْبورٍ ورَبَابٍ وجَنَكٍ، إلى أن قال، وقد كره أحمدُ الطَّبْلَ في غير الحربِ انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر: ولا يلزم من إباحةِ الضَّربِ بالدُّفِّ في العُرسِ ونحوه إباحةُ غيرِه من الآلات كالعُودِ ونحوِه.
* قولـه: "ولا تُجبَر الذميةُ على غُسلِ الجنابة"، وعنه تجبرُ.
* قولـه: "ويَلزمُه الوَطْءُ إن قَدَرَ كلَّ ثلثِ سنةٍ مرة"، اختار الشيخ تقي الدين أن ذلك بحسبِ حاجتِها وقُدرتِه، قال في الاختيارات: وحصولُ الضَّررِ للزوجةِ بتَركِ
الوَطْءِ مُقتضٍ للفسخِ بكلِ حالٍ، سواء كان بقصدٍ من الزوجِ أو بغيرِ قصدٍ ولو مع قدرتِه وعجزِه كالنفقةِ، وأولَى للفسخِ بتعذرِه في الإيلاء إجماعاً، وعلى هذا فالقولُ في امرأةِ الأسيرِ والمحبوسِ ونحوِهما ممن تعذَّر انتفاعُ امرأتِه به إذا طلبت فُرقتَه، كالقولِ في امرأةِ المفقودِ بالإجماعِ كما قاله أبو محمد المقدسي ا. هـ.
* قولـه: "ومَعِيْبة"، قال في الاختيارات: قال أصحابُنا ويجبُ للمَعيبةِ كالبَرْصاءِ والجَذْماءِ إذا لم يَجُزِ الفَسْخُ، وكذلك عليهما تمكينُ الأبرصِ والأجذمِ، والقياسُ وجوبُ ذلك وفيه نظرٌ، إذ من الممكنِ أن يقال عليها وعليه في ذلك ضررٌ، لكن إذا لم تُمَكنْه فلا نفقةَ لها، وإذا لم يَستمتعْ بها فلها الفسخُ، ويكون المُثْبِتُ للفسخِ هنا عدمُ وَطْئِه فهذا يقودُ إلى وجوبِه ا. هـ.
* قولـه: "فإن أصرَّتْ هَجرَها في المضجعِ ما شاءَ" إلى آخره، الأصلُ في ذلك قولُه تعالى: )وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا( [النساء:34- 35].
قال ابنُ بَطَّالِ: أجمعَ العلماءُ على أن المُخاطبَ بقول تعالى: )وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا( الحكامُ، وأن المرادَ بقوله: )إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا( الحكمانِ، وأن الحَكَميِن يكونُ أحدُهما من جهةِ الرجلِ والآخرُ من جهةِ المرأةِ، إلا أن لا يوجدَ من أهلِهما من يُصلِح، فيجوزُ أن يكونا من الأجانبِ ممن يَصلُحُ لذلك، وأنهما إذا اختلفا لم يَنْفذْ قولُهما، وإن اتفقا نَفَذَ في الجَمْعِ بينهما من غير توكيلٍ، واختلفوا فيما إذا اتفقا على الفُرقةِ، فقال مالكٌ والأوزاعي وإسحاق: ينفُذُ بغير توكيلٍ ولا إذنٍ من الزوجين، قال الكوفيونَ والشافعيُّ وأحمدُ: يحتاجون إلى الإذْنِ، فأما مالكٌ ومن تابَعه فألحقَه بالعِنِّينِ والمولى، فإنَّ الحاكِمَ يُطلق عليهما، فكذلك هذا، وأيضاً فلما كان المُخاطَبُ بذلك الحكامُ وأن الإرسالَ إليهم دلَّ على أن يكون الجمعُ والتفريقُ إليهم، وجَرى الباقونَ على الأصلِ، وهو أن الطلاقَ بيدِ الزوجِ، فـإن أَذِنَ في ذلـك وإلا طَلَّق الحاكمُ، انتهى من فَتْح الباري على قـولِ البخاري،"باب الشِّقاقِ وهـل يُشير بالـخلعِ=
=عند الضرورة؟" .
قال في الاختيارات: وهل للحَكَمينِ إذا قُلنا: هُما حَاكِمانِ لا وكيلانِ أن يُطلِّقا ثلاثاً أو يفسخا كما في المولى؟ قالوا: هناك لما قام مُقامَ الزوجِ في الطلاقِ مَلك ما يَملِكُه من واحدةٍ وثلاثٍ فيتَوجَّه هنا كذلك إذا قلنا هما حَاكِمان، وإن قلنا: وكيلان لم يَملِكا إلا ما وُكِّلا فيه، وأما الفسخُ هنا فلا يتوجَّهُ؛ لأنه ليس حاكماً أَصْلياً، وقال أيضاً: والتحقيقُ أن الخلعَ يصح ممن يصحُّ طلاقُه بالمِلْكِ أو الوكالةِ أو الولايةِ، كالحاكمِ في الشِّقاقِ، وكذا لو فَعَلَهُ الحاكمُ في الإيلاءِ أو العِنَّةِ أو الإِعْسارِ أو غيرِها من المواضعِ التي يَملِك فيها الحاكمُ الفُرقةَ ا.هـ.
وقال الشوكاني في الدُّررِ البهيَّة: ولابدَّ من التراضِي بين الزوجينِ على الخلعِ أو إلزامِ الحَكَمِ مع الشِّقاقِ بينهما وهو فسخٌ ا.هـ.
وقال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما في النَّاشِزِ تَهْجُرُها في المَضْجَعِ، فإن قَبِلَتْ وإلا فقد أَذِنَ اللهُ لك أن تضربَها ضرباً غيَر مبرَّحٍ، ولا تكسِرُ لها عَظْماً، فإن قَبِلَتْ وإلا فقد حَلَّ لك منها الفِدْيةُ.
قال في الاختيارات: والخلعُ بعِوَضٍ فسخٌ بأيِّ لفظٍ كان، ولو وقع بصريحِ الطلاقِ وليس من الطلاقِ الثلاثِ، وهذا هو المنقول عن عبد الله بن عباسٍ وأصحابِه.
* وعن الإمامِ أحمدَ وقُدماءِ أصحابِه لم يفرِّق أحدٌ من السلفِ ولا أحمدُ بنُ حنبل ولا قدماءُ أصحابِه في الخلعِ بين لفظٍ ولفظٍ لا لفظُ الطلاقِ ولا غيُره، بل ألفاظُهم كلُّها صريحةٌ في أنه فَسْخٌ بأيِّ لفظٍ كان، قال عبد الله: رأيتُ أبي يذهبُ إلى قولِ ابن عباسٍ، وابنُ عباسٍ صحَّ عنه أن كل ما أجازه المالُ ليس بطلاقٍ.
* قولـه: "وليس للأبِ خُلعُ زوجةِ ابنِه الصغيرِ ولا طلاقُها" هذا المذهبُ وعنه وله ذلك، اختاره الشيخ تقي الدين.
* قولـه: "وإن علَّق طلاقَها بصفةٍ ثم أبانَها" إلى آخره هذا المذهبُ، وقال أكثرُ أهلِ العلمِ لا تَطلقُ.
* قال في الاختيارات: وعقدُ النيةِ في الطلاقِ على مذهبِ الإمامِ أحمدَ أنها إن أسقطتْ شيئاً من الطلاقِ لم تقبل مثل قولِـه: أنت طالقٌ ثلاثاً، وقال: ما نويتُ إلا واحدةً فإنه لا يُقبل، رواية واحدة، وإن لم تسقط شيئاً من الطلاقِ وإنما عَدَلَ بـه من حالٍ إلى حالٍ، مثل أن ينويَ من وَثاَق وعِقَال ودخولِ الدارِ إلى سنةٍ ونحو ذلك، فهذا على روايتين إحداهُما يُقبل كما لو قال: أنتِ طالقٌ أنتِ طالقٌ، وقال: نويتُ بالثانيةِ التأكيدَ، فإنه يُقبل منه رواية واحدة ا.هـ.
* قولـه: (ويقع مع النية بالظاهرة ثلاث وإن نوى واحدةً) هذا المذهبُ، وهو من المفردات، وعنه يقع ما نواه، وقال الشافعي: يرجع إلى ما نواه، فإن لم ينوِ شيئاً وقعتْ واحدةً.
* قولـه: (وإن قال: أنت عليَّ حرامٌ كظهر أمّي فهو ظِهارٌ)، ولو نوَى به الطلاقَ، هذا المذهب، وعنه هو يمينٌ، وعنه أنه إذا نوَى به الطلاقَ كان طلاقاً، وهو أقربُ لقوله ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات)(1).
* قولـُه: (وإن قال: ما أحلَّ اللهُ عليَّ حرامٌ أعني به الطلاقَ طَلُقَتْ ثلاثاً)، نصَّ عليه أحمدُ، لأنه أتى بالألف واللام التي للاسْتغراقِ تفسيراً للتحريمِ فدخلَ فيه الصَّداقُ كلُّه، وعنه لا يكون ثلاثاً حتى ينويَها، سواء كانتْ فيه الألفُ واللامُ أو لم تكن، لأن الألفَ واللام تكون لغيرِ الاستغراقِ في أكثرِ أسماءِ الأجناسِ.
* قولـه: (وإن قال: حلفتُ بالطلاقِ وكذبَ لَزِمَه حُكماً) وعنه هي كذبةٌ ليس عليه يمين، أي فلا يقعُ به شيءٌ، لأنه ليس بصريحٍ في الطلاقِ، ولا نَوَى الطلاقَ.
(1) أخرجه البخاري في بدء الخلق برقم (1). ومسلم في الإمارة باب قوله ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات). من حديث عمر t. |
* قولـه: (وإن قال: أمرُكِ بيدِك مَلَكَتْ ثلاثاً ولو نَوى واحدةً)، هذا المذهبُ، وقال الشافعيُّ إن نَوى ثلاثاً فلها أن تُطلُقَ ثلاثاً، وإن نوَى غيرَ ذلك لم تُطلُقْ ثلاثاً، والقولُ قولُه في نيَّتِه، وهو روايةٌ عن أحمد، وهو الصوابُ لقولـه ﷺ: (وإنما لكل امرئ ما نوى).
قال في المقنع: وإن قال: أنتِ طالق واحدةً ونوى ثلاثاً لم تَطلُقْ إلا واحدةً في أحد الوجهين، وإن قال: أنت طالقٌ أشدَّ الطلاقِ أو أغلظَه أو أطولَه أو أعرضَه أو مِلْءَ الدنيا طلُقتْ واحدةً إلا أن ينويَ ثلاثاً.
قـال في الاختيارات: وللعلماءِ في الاستثناءِ النافعِ قولان، أحدهما: لا ينفعُه حتى ينويَه قبلَ فراغ المُستثْنَى منه، وهو قولُ الشافعيِّ والقاضي أبي يَعْلَى ومن تبعه، والثاني: ينفعُه وإن لم يُرِدْه إلا بعد الفراغِ حتى لوقال لـه بعضُ الحاضرين: قل إن شاء اللهُ نفعَه، وهذا هو مذهبُ أحمدَ الذي يدلُّ عليه كلامُه، وعليه متقدِّمو أصحابِه، واختيارُ أبي محمدٍ وغيرِه، وهو مذهبُ مالكٍ وهو الصواب، ولا يُعتبَرُ قَصْدُ الاستثناءِ، فلو سَبَقَ على لسانِه عادةً أو أتى به تَبَرُّكاً رَفَعَ حكمَ اليمينِ ا.هـ.
* قال في الاختيارات: وكلُّ موضوعٍ يكونُ الشرطُ أمراً عَدَمِيّاً يتبيَّنُ فيما بعد، مثل أن يقول: إن لم يَقدمْ زيدٌ أو إن لا يقدم زيدٌ في هذا الشهرِ ونحو ذلك فلا يجوزُ الوَطْءُ حتى يتبيَّنَ، ومنها إذا قال: أنتِ طالقٌ قبلَ موتي بشهرٍ، فإنه يعتزلُها أبداً وحَمَلَهُ القاضي على الاستحبابِ.
قال في المقنع: وإن قال: أنتِ طالقٌ لأشربنَّ الماءَ الذي في الكُوزِ ولا ماءَ فيه، أو لأقتلنَّ فلاناً الميتَ أو لأصعدنَّ السماءَ أو لأطيرَنَّ أو إن لم أصعدِ السماءَ ونحوه طَلُقتْ في الحالِ، وقال أبو الخطَّابِ في موضعٍ: لا تنعقدُ يمينُه، وإن قال أنت طالقٌ إن شربتِ ماءَ الكُوزِ ولا ماءَ فيه، أو صعدتِ السماءَ، أو شاءَ الميتُ والبهيمةُ لم تَطْلُقْ في أحد الوجهين، وتَطْلُقُ في الآخرَ وإن قال: أنتِ طالقٌ اليومَ إذا جاء غدٌ فعلى وجهين، وقال القاضي: لا تَطْلُق.
* قال في الاختيارات: ولو قال أنتِ طالقٌ اليومَ إذا جاء غدٌ وأنا من أهلِ الطلاقِ قال أبو العباس: فإنه يقعُ الطلاقُ على ما رأيتَه، لأنه ما جعلَ هذا شرطاً يتعلَّق وقوعُ الطلاقِ به، فهو كما لو قال: أنتِ طالقٌ قبلَ موتي بشهرٍ، فإنه لم يجعلْ موتَه شرطاً يقعُ به الطلاقُ عليها قبلَ شهرٍ، وإنما رتَّبه فوقعَ على ما رتَّبَ، ومن علَّق الطلاقَ على شرطٍ أو التزمَه لا يقصِدُ إلا الحَضَّ أو المَنْعَ، فإنه يُجزِئُه فيه كفارةُ يمينٍ إن حنَثَ، وإن أراد الجَزاءَ بتعليقِه طلقت كره الشرط أولا، وكذا الحَلفُ بعِتْقٍ وظِهَارٍ وتحريمٍ، وعليه يدل كلامُ أحمدَ في نَذْرِ اللجَاج والغضبِ، وقولُه هو يهوديٌّ إن فعلتِ كذا، أو الطلاقُ يَلزمُني ونحوه يمينٌ باتفاق العُقلاء والفقهاءِ والأمم ا.هـ.
* قولـه: "فإذا علَّقه بشرطٍ لم تطلُقْ قَبْلَه ولو قال: عَجَّلْتُه"، قال في الاختيارات: قال جمهورُ أصحابنا: إذا قال المعلِّقُ عجَّلْتُ ما علَّقْتُه لم يتعجَّلْ، وفيما قالوه نَظَرٌ، فإنه يملِكُ تعجيلَ الدَّينِ المُؤجَّلِ، وحقوقُ الله تعالى وحُقوقُ العبادِ في الجُملةِ سواءٌ تأجَّلتْ شرعاً أو شرطاً، ولو قيل: زَنَتِ امرأتُك أو خرجتْ من الدارِ فغضبَ وقال: فهي طالقٌ لم تطلُقْ، يعني: إذا لم تكن فَعلَتْ قال: لأنه إنما طلَّقها لعِلَّةٍ فلا يثبتُ الطلاقُ بدونها.
(1) أي: إن (كلَّما) وحدها للتكرار، لأنها تعم الأوقات، فهي بمعنى كل وقت. | ||
(2) أي: إن أدوات الشرط مع لم هي للفور إلا إذا نوى التراخي أو قرينته، وهي بدون لم للتراخي إلا إذا نوى الفور أو قرينته. |
* قال في الاختيارات: ولو علَّقَ الطلاقَ على صفاتٍ ثلاثٍ فاجتمعتْ في عينٍ واحدةٍ لا تطلُقُ إلا طلقةً واحدةً، لأنه الأظهرُ في مرادِ الحالفِ، والعُرْفُ يقتضيه إلا أن ينويَ خِلافَه، ونصَّ الإمامُ أحمدُ في روايةِ ابنِ منصورٍ فيمن قال لامرأته: أنتِ طالقٌ طلقةً إن ولدتِ ذكراً، وطَلقتينِ إن ولدتِ أُنثَى فولدتْ ذكراً وأُنثَى، إنه على ما نَوَى، إنما أرادَ ولادةً واحدةً، وأنكرَ قولَ سُفيانَ أنه يقعُ عليها بالأولِ ما علَّقَ به، وتَبِينُ بالثاني ولا تطلُقُ به.
* قال في المقنع: إذا قال إن كلمتُكِ فأنتِ طالقٌ فتحقَّقِي ذلك، أو زَجَرها فقال: تَنَحَّي أو اسكُتِي، أو قال: إن قمتِ فأنتِ طالقٌ طلُقتْ، ويحتمِلُ أن لا يحنثَ بالكلامِ المتَّصِل بيمينِه، لأنَّ إتيانَه به يدلُّ على إرادتِه الكلامَ المنفصلَ عنها، قال في الحاشية: قولـه: ويحتمِل إلى آخره لأن القرينةَ تصرِفُ عمومَ اللفظِ إلى خصوصِه، قال في الإنصاف: وهذا هو الصواب.
* قال في المقنع: إذا قال: إن خرجتِ بغير إِذْنِي أو إلا بإِذْنِي أو حتى آَذَنَ لكِ فأنتِ طالقٌ، ثم أَذِنَ لها فخرجتْ بغيرِ إذنِه طلقتْ، وعنه لا تطلُقُ إلا أن ينويَ الإذن في كلِّ مرةٍ، وإن أَذِنَ لها من حيثُ لا تعلمُ فخرجَتْ طلقَتْ ويحتَمِلُ أن لا تطلقَ.
قال في الحاشية: قولـه: وعنه إلى آخره، قال في الإنصاف وهو قويٌّ كإذنِه في الخروجِ كلَّما شاءتْ. نصَّ عليه.
* قال في الاختيارات: قال أصحابُنا إذا قال: أنت طالقٌ وعبدي حرٌّ إن شاءَ زيدٌ لم يقعْ إلا بمشيئةِ زيدٍ لهما إذا لم ينوِ غيَره، ويتوجَّه أن تعودَ المشيئةُ إليهما إمّا جميعاً وإمّا مُطْلَقاً، بحيثُ لو شاءَ أحدُهما وقعَ ما شاءَ، إلى أن قال: قال القاضي في الجامع: فإن قال: أنت طالقٌ إن لم يشأْ زيدٌ، وعلَّق الطلاقَ بصفةٍ هي عدمُ المشيئةِ، فمتى لم يشأْ وقعَ الطلاقُ لوجودِ شرْطِه، وهو عدمُ المشيئةِ من جهتِه قال أبو العباس: والقياسُ أنها لا تطلقُ حتى تفوتَ المشيئةُ إلا أن تكون نيةٌ أو قرينةٌ تقتضِي الفَوريَّةَ، وإذا قال لزوجتِه: أنتِ طالقٌ إن شاء الله، أنه لا يقعُ به الطلاقُ عند أكثرِ العلماءِ، وإن قصدَ أنه يقعُ به الطلاقُ وقال: إن شاءَ اللهُ تثبيتاً لذلك وتأكيداً لإيقاعِه وقعَ عند أكثرِ العلماءِ، ومن العلماءِ من قال: لا يقعُ مُطْلَقاً، ومنهم من قال: يقعُ مطلقاً، وهذا التفصيلُ الذي ذكرناه هو الصوابُ، وتعليقُ الطلاقِ إن كان تعليقاً محضاً ليس فيه تحقيقُ خبرٍ ولا حضٌّ على فعلٍ كقولـه: إن طلعت الشمسُ فهذا يفيد فيه الاستثناءَ ويتوجَّه أن يخرَّجَ على قولِ أصحابِنا هل هذا يمين أم لا؟. =
=ومن هذا الباب توقيتُه بحادثٍ يتعلَّق بالطلاقِ معه غرضٌ، كقولِه إن ماتَ أبوكِ فأنتِ طالقٌ، أو إن ماتَ أبي هذا فأنتِ طالقٌ ونحو هذا، وقياسُ المذهبِ أنَّ الاستثناءَ لا يؤثِّرُ في مثلِ هذا، فإنه لا يُحلَفُ عليه بالله، والطلاقُ فرعُ اليمينِ بالله، وإن كان المحلوفُ عليه أو الشرطُ خبراً عن مستقبَلٍ لا طلباً، كقولِه ليقدمنَّ الحاجُّ أو السلطانُ فهو كاليمينِ ينفعُ فيه الاستثناءُ، وإن كان الشرطُ أمراً عَدَمِيّاً كقوله: إن لم أفعلْ كذا فأنتِ طالقٌ إن شاءَ اللهُ تعالى، فينبغِي أن يكونَ كالثُّبوتِ، كما في اليمين بالله، ويفيدُ الاستثناءُ في النَّذْرِ كما في لأَصدَّقَنَّ إن شاءَ اللهُ، لأنه يمين، ويفيدُ الاستثناءُ في الحرامِ والظِّهارِ، وهو المنصوصُ عن أحمدَ فيهما ا. هـ.
* قولـه: "وإن فعل المحلوفَ عليه ناسياً أو جاهلاً حنث في طلاق وعتاق فقط"، وعنه لا يحنَثُ في الجميعِ، وهو مذهبُ الشافعي لقوله تعالى: )رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا( [البقرة: آية 286]، وقوله ﷺ: (إن اللهَ تَجاوزَ لأُمَّتي عن الخطأ= =والنِّسْيانِ)(1)، وهذا اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيمية. قال في الفروع: وهو أظهرُ، قال في الإنصاف وهو الصواب.
قال في المقنع: وإن قال لامرأتَيْهِ: إحداكُما طالقٌ ينوي واحدةً مُعيَّنَةً طلُقت واحدةٌ، فإن لم ينوِ أُخرجتْ المطلَّقةُ بالقُرعةِ، وإن طلَّقَ واحدةً بعينِها وأُنسِيها، فكذلك عند أصحابِنا، وإن تبيَّنَ أن المُطلَّقةَ غيرَ التي خرجَتْ عليها القُرْعَةُ رُدَّتْ إليه في ظاهرِ كلامِه إلا أن تكونَ قد تزوجَتْ أو يكون بحُكمِ حاكم وقال أبو بكرٍ وابنُ حامدٍ: تطلقُ المَرْأتانِ، والصحيحُ أن القُرعةَ لا مدخَل لها ههنا، ويحرُمانِ عليه جميعاً كما لو اشتبهتْ امرأتُه بأجنبيةٍ ا.هـ.
قال في الحاشية: قوله: (لا مَدْخَلَ لها هاهنا) أي: في المُعيَّنةِ.
قال في المغني مسألة، قال: وإذا طلَّق واحدة من نسائِه وأُنسيها أُخرجتْ بالقُرعةِ، وأكثرُ أصحابِنا على أنه إذا طلَّق امرأةً من نسائِه وأُنسيها أنها تَخرجُ بالقُرعةِ فيثبتُ حكمُ الطلاقِ فيها ويحلُّ لـه الباقياتُ. وقد رَوى إسماعيلُ بنُ سعيدٍ عن أحمدَ ما يدلُّ على أن القُرعةَ لا تُستعمَلُ ههنا لمعرفةِ الحلِّ، وإنما تُستعمَلُ لمعرفةِ الميراثِ، إلى أن قال: وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ.
قال في الاختيارات: وإذا حلف على معيَّنٍ موصوفٍ بصفةٍ فبانَ موصوفاً بغيرها كقولـه: والله لا أكلِّمُ هذا الصبيَّ فتبيَّنَ شيخاً، أو لا أشربُ من هذا الخَمْرِ فتبيَّنَ خلاً، أو كان الحالفُ يعتقدُ أنَّ المُخاطَبَ يفعلُ المحلوفَ عليه لاعتقادِه أَنه ممن لا يخالفُه إذا أكَّد عليـه، ولا يُحَنِّثُه أو لكونِ الزوجةِ قريبتَه، وهــو لا يختارُ تطليقَها ثـم=
(1) أخرجه ابن ماجه (2045) والطحاوي في (شرح معاني الآثار) 2/56، والدارقطني (497) والحاكم 2/198، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وصححه ابن حبان، وحسنه النووي والحافظ. |
=تبيَّنَ أنه كان غالطاً في اعتقادِه، فهذه المسألةُ وشبهُها فيها نزاعٌ، والأشبَهُ أنه لا يقعُ كما لو لَقِيَ امرأةً ظنَّها أجنبيةً فقال: أنت طالقٌ، فتبيَّنَ أنها امرأتُه، فإنها لا تَطلُقُ على الصحيح، إذ الاعتبارُ بما قصدَه في قلبِه، وهو قَصَدَ معيَّناً موصوفاً ليس هو هذا العَيْنَ، وكذا لا حِنْثَ عليه إذا حَلفَ على غيرِه ليفعلَنَّه إذا قَصَدَ إكرامَه لا إلزامَه به، لأنه كالأمرِ إذا فهم منه إلا كرام لأن النبي ﷺ أَمَرَ أبا بكرٍ بالوقوفِ في الصفِّ ولم يَقِفْ ا.هـ.
* قال في المقنع: إذا طلَّقَ الحرُّ امرأتَه بعد دخولِه بها أقلَّ من ثلاثٍ، والعبدُ واحدة بغير عِوَضٍ فله رجعتُها ما دامتْ في العِدَّةِ رَضِيَتْ أو كَرِهَتْ. قال في الشرح الكبير: أجمعَ على ذلك أهلُ العلم.
* قولـه: "ولو كَرِهَتْ"، ذكرَ لي بعضُ إخوانِنا أنه سألَ بعضَ المشايخِ عن قولِه فله رجعتُها في عِدَّتِها ولو كَرِهَتْ. فقال لـه: "لو" ههنا لِرَفْعِ الإيهامِ لا للخِلاف.
قال في الفروع: من طلَّق بلا عِوَضٍ من دَخَلَ بها أو من خَلا بها في المنصوصِ دون ما يملِكُه من العَدَد، فله رجعتُها ما دامتْ في عِدَّتِها، وإن كرهتْ بدون إِذْنِ سيِّدِها إن كانت أَمَةً ولو كان مريضاً أو مسافراً نصَّ عليه.
وقال شيخُنا: لا يُمكَّنُ من الرَّجعةِ إلا إذا أراد إصلاحاً وأَمْسَكَ بمعروفٍ، فلو طلَّق إِذَنْ ففي تحريمِه الرواياتُ.
وقال: القرآنُ يدلُّ على أنه لا يملِكُه، وأنه لو أوقَعَهُ لم يَقَعْ كما لو طلَّقَ البائنُ، ومن قال: إن الشارعَ الحكيمَ قد مَلَّكَ الإنسانَ ما حرم عليه فقد تناقض ا.هـ.
* قولُـه: "وتحصُل الرجعةُ أيضاً بوَطْئِها". قال في الاختيارات: قال أبو العباس: أبو حنيفة يجعلُ الوَطْأَ رجعةً، وهو إحدى الرواياتِ عن أحمد، والشافعيُّ لا يجعلُه رجعةً، وهو روايةٌ عن أحمد، ومالكٌ يجعلُه رجعةً مع النيَّةِ، وهـو روايـةٌ أيضاً= =عــن أحمــدَ فيبيحُ وَطــْأَ الرَّجعيةِ إذا قَصَــدَ بــه الرَّجعةَ، وهذا أعدلُ الأقوالِ وأشبهُها بالأصولِ، وكلامُ أبي موسى في الإرشادِ يقتضيه، ولا تَصْلُحُ الرجعةُ مع الكِتْمانِ بحالٍ، وذكره أبو بكرٍ في الثاني، ورُوي عن أبي طالبٍ قال: سألتُ أحمدَ عن رجلٍ طلَّق امرأتَــه وراجعَها واستكتَمَ الشُّهودَ حتى انقضــتْ العِدَّةُ، قــال: يفرَّقُ بينَهما ولا رجعةَ لـه عليها، ويَلزمُ إعلانُ التسريحِ والخلعِ والإشهاد كالنكاحِ دونَ ابتداءِ الفُرقةِ.
* قولـه: "ومن طلَّق دون ما يملِكُ ثم راجعَ" إلى آخره، وعنه إن رجعت بعد نكاحِ زوجٍ غيرِه رجعت بطلاقٍ ثلاثٍ، لأن وَطْأَ الزوجِ الثاني يَهدِمُ الطلقاتِ الثلاثَ، فأَوْلَى أن يَهْدِمَ ما دونَها.
قال في المقنع: وإن ارْتَجعَها في عِدَّتِها وأَشْهدَ على رَجعتِها من حيثُ لا تعلمُ فاعتدَّتْ وتزوجتْ من أصابَها رُدَّتْ إليه، ولا يَطؤُها حتى تنقضيَ عِدَّتُها، وعنه أنها زوجةُ الثاني ا. هـ.
وقال مالكٌ: إن دخَلَ بها الثاني فهي امرأتُه.
قال في الاختيارات: لو كان للمرأةِ زوجٌ فادَّعتْ أنه طلَّقها لم تتزوجْ بمجردِ ذلك باتفاقِ المسلمينَ، لأنا نقولُ: المسألةُ هنا فيما إذا ادَّعتْ أنها تزوجَتْ مَنْ أَصابَها وطلَّقَها ولم تعيِّنْه ا. هـ.
* قال في الاختيارات: وإذا حلفَ الرجلُ على تركِ الوَطْءِ وغَيَّاً بغايةٍ لا يغلبُ على الظنِّ خلوُّ المدةِ منها، فَخَلَتْ منها فعلى روايتين، إحداهما: هل يُشترطُ العلمُ بالغايةِ وقتَ اليمينِ أو يَكْفِي ثبوتُها في نفس الأمر؟ وإذا لم يَفئْ وطلَّقَ بعد المدةِ أو طلَّقَ الحاكمُ عليه لم يقعْ إلا طلقةً رجعيةً، وهو الذي يدلُّ عليه القرآنُ، وروايةٌ عن أحمد، فإذا راجعَ فعليه أن يَطَأَ عَقِبَ هذه الرجعةِ إذا طلبَتْ ذلك منه، ولا يُمَكَّنُ من الرجعةِ إلا بهذا الشرط. ولأن الله إنما جعلَ الرجعةَ لمن أرادَ إصلاحاً بقولـه: )وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا( ا.هـ.
* قولـه: (أو أنتِ عليَّ حرامٌ). قال في المقنع: وإن قال أنتِ علي حرامٌ، فهو مُظَاهِرٌ إلا أن ينويَ طلاقاً أو يميناً، فهل يكون ظِهَاراً أو ما نواه؟ على روايتين. اهـ، وعنه أن التحريمَ يمينٌ، وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ والشافعيِّ وأكثرِ الفقهاءِ، إذا لم يَنْوِ به الظِّهارَ لقوله تعالى: )قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ( [التحريم: آية 2] وعنه إذا نَوَى بالتحريمِ الطلاقَ كان طلاقاً.
* قولـه: (وإن قالتْهُ لزوجِها فليس بِظهارٍ وعليها كفَّارتُه) قال في المقنع: وإن قالت المرأةُ لزوجِها أنتَ عليَّ كظهرِ أبي لم تكن مظاهَرةً وعليها كفارةُ ظِهارٍ، وعليها التمكينُ قبلَ التكفيرِ، وعنه كفارةُ يمينٍ، وهو قياسُ المذهب، وعنه لا شيءَ عليها، وإن قال لأجنبية: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أمي لم يَطَأْها إن تزوجَها حتى يُكفِّرَ اهـ.
قولـه: (وإن قال لأجنبيةٍ) إلى آخره، يعني أنه يصحُّ الظِّهارُ من الأجنبيةِ على المذهبِ، وعنه لا يصحُّ ذَكَرَها الشيخُ تقي الدين. قال في الانتصار: هذا قياسُ المذهبِ كالطلاقِ والإيلاءِ ا.هـ. وهذا قــولُ أبي حنيفة والشافعي لقــولِ الله تــعالى: )الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ("[القصص: 3]، والأجنبيةُ ليستْ بزوجةٍ.
* قوله: "وعمَّا يحتاجُه من مسكنٍ وخادمٍ..." هذا المذهبُ، وقال مالك وأبو حنيفة متى وَجَدَ رقبةً لزمَه إعتاقُها، ولم يَجُزْ لـه الانتقالُ إلى الصيامِ سواء كان محتاجاً إليها أو لم يكن، لأنَّ الله شرطَ في الانتقالِ إلى الصيامِ ألاَّ يجدَ رقبةً ،وهذا واجدٌ.
* قولُـه: (وإن غَدَّى المساكينَ أو عَشَّاهُم لم يُجزئْهُ). قال في المقنع: وعنه يُجزئُه. قال في الاختيارات: ما يُخْرَجُ في الكفَّارةِ المُطْلَقةِ غيرُ مقيَّدٍ بالشرعِ بل بالعُرفِ قدراً ونوعاً من غير تقديرٍ ولا تمليكٍ، وهو قياسُ المذهبِ في الزوجةِ والأقاربِ والمملوكِ والضيفِ والأجيرِ والمستأجر بطعامه، والإدام يجبُ إن كان يُطعِمُ أهلَه بإدامٍ وإلا فلا، وعادةُ الناسِ تختلفُ في ذلك في الرُّخصِ والغلاءِ، واليسارِ والإعسارِ، وتختلفُ بالشتاءِ والصيفِ ا. هـ.
* قـال في الاختيارات: ولو لم يقلْ الزوجُ فيما رميتُها به، قياسُ المذهب صحتهُ كما إذا اقتصرَ الزوجُ في النكاحِ على قولِه قَبِلْتُ، وإذا جوَّزْنا إبدالَ لفظِ الشهادةِ والسخطِ واللعنِ، فلئن نُجوِّزَه بغيرِ العربيةِ أولَى، وإن لاعَنَ الزوجُ وامتنعت الزوجةُ عن اللِّعانِ حُدَّتْ، ولو شَتَمَ شخصاً فقال: أنت ملعونٌ ولدُ زِنا، وجب عليه التعزيرُ على مثلِ هذا الكلامِ ويجبُ عليه حدُّ القَذْفِ إن لم يقصدْ بهذه الكلمةِ أن المشتومَ فِعْلُه كفِعْلِ الخبيثِ، أو كفِعْلِ ولدِ الزِّنا، ولا يُحَدُّ القاذفُ إلا بالطَّلَبِ إجماعاً. انتهى.
* قال في الاختيارات: ولا تصيرُ الزوجةٌ فراشاً إلا بالدخولِ، وهو مأخوذٌ من كلامِ الإمامِ أحمدَ في روايةِ حربٍ، وتتبعضُ الأحكامُ لقوله:(احتجِبِي منه ياسودةُ)، وعليه نصوصُ أحمد.
قال في الاختيارات: ولو أقرَّ بنسبٍ أو شهدتْ به بينةٌ فشهدتْ بينةٌ أُخرى أنَّ هذا ليسَ من نوعِ هذا، بل هذا روميٌّ وهذا فارسيٌّ، فهنا في وجه نَسَبِهِ تعارضُ القافةِ أو البينةِ، ومن وجهٍ كبرُ السنِّ فهذا المعارِضُ الثاني للنسبِ هل يقدحُ في المُقْتَضِي لـه، قال أبو العباس: هذه المسألة حدثَتْ وسئلتُ عنها. وكان الجوابُ أن التغايرَ بينهما إن أوجَبَ القطع بعدم النسبِ فهو كالسنِّ مثل أن يكون أحدُهما حبشياً والآخرُ رومياً ونحو ذلك فهنا ينتفي النسبُ، وإن كان أمراً محتمِلاً لم ينفِه، لكن إن كان المقتضي للنسبِ الفراشُ لم يُلتَفَتْ إلى المعارَضَةِ، وإن كان المثبِتُ لـه مُجَرَّدَ الإقرارِ أو البينةِ فاختلافُ الجِنْسِ معارِضٌ ظاهرٌ، فإن كان النسبُ بُنُوَّةً فثبوتُها أرجحُ من غيرِها إذ لابدَّ للابنِ من أبٍ غالباً وظاهراً، ا.هـ.
* قولـه: (خَلا بها مُطاوِعةً)، روى أحمد عن زرارةَ بن أَوْفَى قال: قَضَى الخلفاءُ الراشدونَ أنَّ من أَرْخَى ستراً أو أغْلَقَ باباً فقد وجَبَ المَهْرُ ووجَبَتْ العِدَّةُ.
* قولـه: (حتى في نكاح فاسد فيه خلاف)، قال في الفروع: والنكاحُ الفاسدُ في ذلك كالصحيحِ نصَّ عليه، وقال ابنُ حامدٍ لا عِدَّةَ فيه إلا بالوَطْءِ مُطْلَقاً كالباطلِ.
* قولـه: (أو تحمَّلَتْ بماءِ الزوجِ) إلى آخره، قال في الفروع: وفي تحمُّلِها ماء رجلٍ ولمساً وقبلةً وجهان، قال في التصحيح: ذكر مسألتين، الأولى: إذا تحمَّلَتْ ماءَ رجلٍ فهل تجبُ العِدَّةُ بذلك أم لا؟ أطلقَ الخلافَ فيه، أحدهما: لا تجبُ وهو الصواب، وهو ظاهرُ كلامِ كثيرٍ من الأصحاب، والوجهُ الثاني: تجب العِدَّةُ بذلك، وبه قَطَعَ القاضي في المجرَّد، وقال في الرعاية الكبرى: إذا استدخَلَتْ مَنِيَّ زوجٍ أو أجنبيٍ بشهوةٍ تُثبتُ النسبَ والعِدَّةَ، وقال بعد أن أَطْلَقَ الوجهين: إن كان ماءُ زوجِها اعتدَّتْ وإلا فلا، المسألةُ الثانية: لو قَبَّلها أو لَمَسَها فهل تجبُ عليها العِدَّةُ بذلك أم لا؟ أحدهُما لا تجبُ وهو الصواب. انتهى ملخصاً.
(1) أي من الزوجين كجَبِّهِ أو رَتْقِتها. |
* قولـه: (وأكثرُ مُدَّةِ الحَمْلِ أربعُ سنين)، هذا ظاهرُ المذهب، وبه قال الشافعيُّ، وهو المشهور عن مالك، وروى أحمدُ أنَّ أقصَى مدتِه سنتانِ، وهو مذهبُ أبي حنيفة، وقال الليثُ: أقصاه ثلاثُ سنين، وقال عباد بن العوام: خمسُ سنينَ وقال الزهريُّ: قد تحملُ المرأةُ ستَّ سنينَ، وسبعَ سنينَ، وقال أبو عُبيد: ليس لأقصاهُ وقتٌ يوقَفُ عليه.
* قولـه: (وللأَمَةِ نصفُها)، وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ، وقال ابن سيرين: ما أَرَى عِدَّةَ الأمَةِ إلا كعِدَّةِ الحُرَّةِ، إلا أن تكونَ قد مضَتْ في ذلك سُنَّةٌ، فإن السُّنَّةَ أحقُّ أن تُتَّبَعَ، وأخَذَ بظاهرِ اللفظِ وعمومِه.
* قولـه: (وإن علمتْ ما رَفَعَهُ) إلى آخره، وعنه يُنتظَرُ زوالُه، ثم إن حاضَتْ اعتدَّتْ به وإلا اعتدَّتْ بسنةٍ، قال في الإنصاف: وهو الصوابُ، واختار الشيخ تقي الدين إن علمَتْ عدمَ عودةٍ فكآيسةٍ وإلا اعتدَّت سنةً.
* وقولـه: (تتربَّص ما تقدَّم في ميراثه)، يعني تمامَ تسعينَ سنةً منذُ وُلِدَ في السفر الذي غالبُه السلامةُ، وأربعَ سنينَ فيما كان غالبُه الهلاكُ، وهذا إذا كان لـه مالٌ يُصْرَفُ عليها منه، فإن غابَ ولم يَدَعْ لها نفقةً وتعذَّر أخذُها من مالِه واستدانَتْها عليه، أو لم يكن له مالٌ فلها الفسخُ بإذنِ الحاكم.
* قال في الاختيارات: والصوابُ في امرأةِ المفقودِ مذهبُ عمرَ بن الخطابِ وغيرِه من الصحابة، وهو أنها تتربَّصُ أربعَ سنينَ ثم تعتدُّ للوفاةِ، ويجوزُ لها أن تتزوجَ بعد ذلك، وهي زوجةُ الثاني ظاهراً وباطناً، ثــم إذا قَــدِمَ زوجُها الأولُ بعــد تزوجِها خيِّر بين امرأتِه وبين مَهْرِها، ولا فَرْقَ بين ما قبلَ الدخولِ وبعدَه وهو ظاهرُ مذهبِ أحمد.
* قولـه: (وعدَّةُ موطوءةٍ بشبهةٍ أو زناً...) إلى آخره، قال في المقنع: وعِدَّةُ الموطوءةِ بشبهةِ عِدَّةُ المطلَّقةِ، وكذلك عِدَّةُ الـمَزْنِيِّ بها، وعنه أنها تُستبرَأ بحيضةٍ، قال في الاختيارات: والواجبُ أن الشبهةَ إن كانت شبهةَ نكاحٍ فتعتدُّ الموطوءةُ عِدَّةَ المزوَّجةِ حُرَّةً كانت أو أَمَةً، وإن كانت شبهةَ مِلْكٍ فعِدَّةُ الأمَةِ المشتراةِ أما الزِّنا فالعِبْرةُ بالحَمْلِ، وقال أبو العباس في موضع آخر: الموطوءةُ بشبهةٍ تُسْتَبْرأُ، والـمُختلعةُ يكفيها الاعتدادُ بحيضةٍ، وهو روايةٌ عن أحمد ومذهبُ عثمانَ بنِ عفَّانَ وغيره، والمفسوخُ نكاحُها كذلك، وأومأَ إليه أحمدُ في روايةِ صالح.
* قوله: (ولا يجبُ على رجعيةٍ)، قال في المقنع: ولا إحدادَ على الرجعيةِ بغيرِ خلافٍ نعلمُه، قال في الرِّعاية: وحيث قلنا لا يجبُ الإحدادُ فإنه يجوزُ إجماعاً لكن لا يُسَنُّ.
* قولـه: (ولا نقابَ وأبيضَ ولو كان حسناً)، قال في الفروع ويحرُم ما صُبِغَ غزلُه ثم نُسِجَ كالمدبوغِ بعد نَسْجِه، وقيل: لا لقوله ﷺ: (إلا ثوب عصبٍ)(1)، كذا قيل ولا يحرم، وفي الترغيب في الأصح مُلَونٌّ لدفعِ وسخٍ كأسودَ وكحليٍ وأبيضَ مُعَدٍّ للزينةِ وفيه وجه. ا.هـ.
(1) أخرجه البخاري في: باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض، من كتاب الحيض، وفي: باب حد المرأة على غير زوجها، من كتاب الجنائز، وفي: باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا، وباب تلبس الحادة ثياب العصب، من كتاب الطلاق. صحيح البخاري 1/85، 2/99، 7/76، 77. ومسلم في: باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريه في غير ذلك إلا ثلاثة أيام، من كتاب الرضاع 2/1123 – 1127. |
* قولـه: (من صغيرٍ وذكرٍ وضدهما...) هذا المذهب، وعنه لا يلزمُ الاستبراءُ إذا مَلَكَها من طفلٍ أو امرأةٍ، قال في الاختيارات: ولا يجبُ استبراءُ الأمةِ البِكْرِ سواء كانت كبيرةً أو صغيرةً، وهو مذهبُ ابنِ عمر واختيارُ البخاري وروايةٌ عن أحمدَ وهو الأشبه، ولا مَنِ اشْتَرَاها من رَجُلٍ صادقٍ وأخبره أنه لم يَطَأْ أو وَطِئَ واسْتبرَأَ. اهـ.
* قال في الاختيارات: وإذا كانت المرأةُ معروفةً بالصِّدقِ وذكرتْ أنها أَرْضَعَتْ طفلةً خمسَ رضَعاتٍ قُبِل قولُها، ويثبتُ حكمُ الرَّضاعِ على الصحيحِ، ورضاعُ الكبيرِ تنتشرُ به الحرمةُ بحيثُ لا يحتشمونَ منه للحاجةِ لقصةِ سالمٍ مولى أبي حُذيفة، وهو بعضُ مذهبِ عائشةَ وعطاء والليثِ وداودَ ممن يَرَى أنه يَنْشُرُ الحرمةَ مُطلَقاً ا.هـ.
* قولـه: "أو كمـالِه" يعنى كـمالَ خمسِ رضعاتٍ وعنه ثلاثٌ يحرِّمْنَ لقوله ﷺ: (لا تحرِّمُ المَصَّةُ ولا المصَّتانِ)(1). رواه مسلم. وعنه واحدةٌ لعمومِ الآية، وبه قال مالكٌ وأصحابُ الرأيِ فإذا شكَّ في كمال الرَّضاعِ فأقلُّ أحوالِه الكراهةُ.
(1) باب في: المصة والمصتان، من كتاب الرضاع، صحيح مسلم 2/1073 – 1075. |
* قولـه: (والنفقةُ للحَمْلِ لا لها من أجلِه) قال في المقنع:وهل تجبُ النفقةُ للحامِلِ لحملها أو لها مــن أجلِه؟ عـلى روايتين، إحداهما: أنها لها فتجبُ لها إذا كان أحدُ الزوجين رقيقاً ولا تجبُ للناشزِ ولا للحامِلِ من وَطْءِ شبهةٍ أو نكاحٍ فاسدٍ. والثانية: أنها للحَمْلِ فتجبُ لهؤلاءِ الثلاثِ ولا تجبُ لها، إذا كان أحدُهما رقيقاً انتهى.
قال في الاختيارات: والمطلَّقةُ البائنُ وإن لم تلزمْه نفقتُها إن شاء أسكنَها في مسكنِه أو غيرِه إن صَلَح لها ولا محذورَ، تحصيناً لمائِه، وأنفقَ عليها فله ذلك، وكذلك الحاملُ من وَطْءِ الشبهةِ أو النكاحِ الفاسدِ لا يجبُ على الواطئِ نفقتُها إن قلنا بالنفقةِ لها، إلا أن يُسكنَها في منزلٍ يليقُ بها تحصيناً لمائِه، فيلزمُها ذلك، وتجبُ لها النفقةُ والله أعلم. =
=وقال أيضاً: والزوجةُ المتوفَّى عنها زوجُها لا نفقةَ لها ولا سُكْنَى، إلا إذا كانتْ حاملاً فروايتان، وإذا لم توجَب النفقةُ في التركةِ فإنه ينبغي أن تجبَ لها النفقةُ في مالِ الحَمْلِ، أو في مالِ من تجبُ عليه النفقةُ، إذا قلنا تجبُ للحَمْلِ كما تجبُ أجرةُ الرضاعِ. وقال أبو العباس في موضع: النفقةُ والسُّكْنَى تجبُ للمتوفَّى عنهــا في عِدَّتِها ويُشتَرطُ فيها مُقامُها في بيتِ الزوجِ، فإن خرجَتْ فلا جُناحَ إذا كان أصلَحَ لها. والمطلَّقةُ البائنُ الحاملُ تجبُ لها النفقةُ من أجلِ الحَمْلِ وللحَمْلِ. وهو مذهبُ مالك وأحدُ القولين في مذهب أحمد والشافعي.
* قال في الاختيارات: ولا يلزمُ الزوجَ تمليكُ الزوجةِ النفقةَ والكسوةَ بل ينفقُ ويكسُو بحسبِ العادةِ لقولـه عليه السلام: (إنَّ حقَّها عليك أن تُطعِمَها إذا طَعِمتَ وتكسُوها إذا اكتسيتَ) وإذا انقضت السنةُ والكسوةُ صحيحةٌ، قال أصحابُنا: عليه كسوةٌ السنةِ الأخرَى، وذكروا احتمالاً أنه لا يلزمُه شيءٌ، وهذا الاحتمالُ قياسُ المذهب، لأن النفقةَ والكسوةَ غيرُ مُقَدَّرةٍ عندنا، فإذا كَفَتْها الكسوةُ عدةَ سنينَ لم = =يجبْ غيرُ ذلك، وإنما يتوجَّه ذلك على قولِ من يجعلُها مُقَدَّرةً، وكذلك على قياسِ هذا لو استبقتْ من نفقةِ أمسِ لليوم، وذلك أنها وإن وجبتْ معاوضَةً فالعوضُ الآخَرُ لا يُشْتَرَطُ الاستبقاءُ فيه ولا التمليكُ بل التمكينُ في الانتفاعِ، فكذلك عوضُه، ونظيرُ هذا الأجيرُ بطعامِه وكسوتِه.
ويتوجَّه على ما قلنا أن قياسَ المذهبِ أن الزوجةَ إذا قبضَتْ النفقةَ ثم تَلِفَتْ أو سُرِقتْ أنه يلزمُ الزوجَ عوضُها، وهو قياسُ قولِنا في الحاجِّ عن الغيرِ إذا كان ما أَخَذَه نفقةً تلفَ، فإنه يتلَفُ من ضمانِ مالِكِه.
قال في المحرَّر: ولو أنفقَتْ من مالِه وهو غائبٌ فتبيَّنَ موتُه فهل يرجعُ عليها بما أنفقتْ بعد موته؟ على روايتين، قال أبو العباس: وعــلى قياسه كــلُّ مــن أُبيحَ لـه شـيءٌ وزالت الإباحةُ بفعلِ اللهِ أو بفعلِ المُبيحِ، كالمُعيرِ إذا مات أو رَجَعَ والمانحُ وأهلُ الموقوفِ عليه، لكن لم يَذْكُرِ الجَدَّ ههنا إذا طلَّق فلعله يفرِّقُ بـين الموتِ والطــلاقِ بأن التفريطَ في الطلاقِ منه.
والقولُ في دفعِ النفقةِ والكسوةِ قولُ من شَهِدَ لـه العُرفُ، وهو مذهبُ مالكٍ، ويخرَّج على مذهب أحمد في تقديمِه الظاهرَ على الأصلِ، انتهى.
قال في المقنع: وإن منعَتْ تسليمَ نَفْسِها أو منعَها أهلُها فلا نفقةَ لها إلا أن تمنَعَ نفسَها قبل الدخولِ حتى تَقْبضَ صداقَها الحالَّ فلها ذلك وتجب نفقتُها، وإن كانت بعدَ الدخولِ فعلى وجهين بخلاف المؤجَّل.
قال في الاختيارات: وحصولُ الضَّررِ للزوجةِ بتركِ الوَطْءِ مُقْتَضٍ للفسخِ بكلِّ حالٍ، سواء كان بقصدٍ من الزوجِ أو بغيرِ قصدٍ ولو مع قُدرتِه وعجزِه كالنفقةِ وأولى ا.هـ.
* قال في الفروع: وهل يلزمُ المُعْدِم الكسبُ لنفقةِ قريبِهِ على الروايتين في الأولى، ذكره في الترغيب، وجزم جماعةٌ أنه يلزمه ذلك.
* قولـه: (ومن لـه ابنٌ فقيرٌ وأخٌ موسرٌ فلا نفقةَ لـه عليهما)، وعنه تجبُ على الأخِ، اختاره في المستوعب.
* قولـه: (ولا نفقةَ مع اختلافِ دِيْنٍ...)، قال في المقنع: ولا تجبُ نفقةُ الأقاربِ مع اختلافِ الدِّينِ، وقيل في عمودَي النسبِ روايتان اهـ.
قـال في الاختيارات: وعلى الولدِ الموسرِ أن ينفقَ على أبيهِ المُعْسِرِ وزوجةِ أبيهِ وعلى إخوتِه الصغار، وتجبُ النفقةُ لكلِّ وارثٍ ولو كان مقاطَعاً من ذوي الأرحام وغيرهم، لأنه من صِلَةِ الرَّحِمِ، وهو عامٌّ كعمومِ الميراثِ في ذوي الأرحامِ، وهو روايةٌ عن أحمد والأوجه وجوبها مرتَّباً، وإن كان الموسِرُ القريبُ مُمتنِعاً فينبغي أن= =يكون كالـمُعْسِرِ كما لو كان للرجلِ مالٌ وحِيلَ بينه وبينه لغَصْبٍ أو بُعدٍ، لكن ينبغي أن يكون الواجبُ هنا القَرْض رجاءَ الاسترجاع، وعلى هذا فمتى وجبَتْ عليه النفقةُ وجب عليه القرضُ، إذا كان لـه وفاء. وذكر القاضي وأبو الخطاب وغيرُهما في أبٍ وابنٍ، القياسُ أن على الأب السدسَ، إلا أن الأصحابَ تركوا القياسَ لظاهرِ الآية، والآية إنما هي في الرضيعِ وليس لـه ابنٌ فينبغي أن يفرّق بين الصغيرِ وغيرِه، فإن مَنْ لـه ابنٌ يبعدُ أن لا تكونَ عليه نفقتُه، بل تكون على الأبِ، فليس في القرآنِ ما يخالفُ ذلك، وهذا جيدٌ على قولِ ابنِ عقيلٍ حيث ذكرَ في التذكرةِ أن الولدَ ينفردُ بنفقةِ والدَيه ا.هـ.
قال في الاختيارات: وإذا تزوجت المرأةُ ولها ولدٌ فغَصَبتِ الولدَ وذهبتْ به إلى بلدٍ آخرَ، فليس لها أن تطالبَ الأبَ بنفقةِ الولدِ، وإرضاعُ الطفلِ واجبٌ على الأم بشرط أن تكونَ مع الزوجِ، وهو قولُ ابن أبي ليلى وغيرِه من السلف، ولا تستحقُّ أجرةَ المِثْلِ زيادةً على نفقتِها وكسوتِها، وهو اختيارُ القاضي في المجرَّد، وقول الحنفيَّةِ، لأن الله تعالى يقول: )وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( [البقرة: 233]، فلم يوجبْ لهنَّ إلا الكسوةَ والنفقةَ بالمعروفِ، وهو الواجبُ بالزوجيةِ وما عساه يتجرَّدُ من زيادةٍ خاصةٍ للمُرتَضِع، كما قال في الحامل: )وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ( [الطلاق: 6]، فدخلتْ نفقةُ الولدِ في نفقةِ أمِّهِ، لأنه يتغذَّى بها، وكذلك الـمُرتَضِع. وتكونُ النفقةُ هنا واجبةً بشيئينِ، حتى لو سقَطَ الوجوبُ بأحدِهما ثبتَ الآخَرُ، كما لو نَشَزَتْ وأرضَعَتْ ولدَها فلها النفقةُ للإرضاعِ لا للزوجيةِ، فأما إذا كانت بائناً وأرضعتْ لـه ولدَه فإنها تستحقُّ أجرها بلا ريبٍ، كما قال اللهُ تعالى: )فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ( [الطلاق: 6]، وهذا الأجرُ هو النفقةُ والكسوةُ، وقاله طائفةٌ، منهم الضحَّاكُ وغيرُه، وإذا كانت المرأةُ قليلةَ اللبنِ وطلَّقها زوجُها فله أن يَكْتريَ مُرْضِعةً لولدِه، وإذا فعلَ ذلك فلا فَرْضَ للمرأةِ بسببِ الولدِ ولها حضانتُه ا.هـ.
* قال في الاختيارات: لا حضانةَ إلا لرجلٍ من العصبةِ، أو لامرأةٍ وارثةٍ أو مُدْلِيَةٍ بعصبةٍ أو بوارثٍ، فإن عَدِمُوا فالحاكمُ، وقيل: إن عَدِمُوا ثبتتْ لمن سواهم من الأقاربِ ثم للحاكمِ، ويتوجَّه عند العدمِ أن تكونَ لمن سَبَقَ إليه كاللَّقيطِ، فإنَّ كُفَّالَ اليتامَى لم يكونوا يستأذنونَ الحاكمَ، والوجهُ أن يَتردَّد ذلك بين الميراثِ والمالِ، والعمةُ أحقُّ من الخالةِ، وكذا نساءُ الأبِ أحقُّ يُقَدَّمنَ على نساءِ الأمِّ، لأن الولايةَ للأبِ وكذا أقاربُه، وإنما قُدِّمتِ الأمُّ على الأبِ لأنه لا يقومُ مقامَها هنا في مصلحةِ الطفلِ، وإنما قَدَّم الشارعُ عليه السلام خالة َبنتِ حمزةَ علـى عَمَّتِها صَفيَّةَ، لأن صَفيَّةَ لم تطلبْ وجَعفرُ طلبَ نائباً عن خالتِها فقَضَى لها بها في غَيْبتِها، وضَعْفُ البَصَرِ يمنعُ من كمالِ ما يَحتاجُ إليه الـمَحْضونُ من المصالحِ.
وإذا تزوجتِ الأمُّ فلا حضانةَ لها وعلى عَصَبةِ المرأةِ منعُها من المحرَّماتِ، فإن لم تمتنعْ إلا بالحبسِ حبسُوها وإن احتاجتْ إلى القَيْدِ قَيَّدوها، وما ينبغي للمولودِ أن يضربَ أُمَّه، ولا يجوزُ لهم مقاطعتُها بحيثُ تتمكنُ من السُّوءِ، بل يلاحظونَها بحسبِ قُدرتِهم، وإن احتاجتْ إلى رزقٍ وكسوةٍ كَسَوها، وليس لهم إقامةُ الحدِّ عليها، والله سبحانه وتعالى أعلم ا.هـ.
* قال في الاختيارات: العقوباتُ الشرعيةُ إنما شُرِعتْ رحمةً من الله تعالى بعبادِه، فهي صادرةٌ عن رحمةِ الخالقِ وإرادةِ الإحسانِ إليهم، ولهذا ينبغي لمن يعاقِبُ الناسَ على ذنوبِهم أن يقصد بذلك الإحسانَ إليهم والرحمةَ بهم، كما يقصدُ الوالدُ تأديبَ ولدِه، وكما يقصد الطبيبُ معالجةَ المريضِ.
* قولـه: (تُقتَلُ الجماعةُ بالواحدِ)، قال في الاختيارات: وإذا اتفقَ الجماعةُ على قتلِ شخصٍ فلأولياءِ الدَّمِ أن يقتلوهُم، ولهم أن يقتلوا بعضَهم، وإن لم يُعلَمْ عينُ القاتلِ فللأولياءِ أن يَحْلِفُوا على واحدٍ بقتلِهِ أنه قَتَلَهُ، ويُحكَمُ لهم بالدِّمِ، انتهى.
* قوله: (أو أمــر به السلطان ظلماً...). قال في الاختيارات: قال في المحَّررِ: ولو أمـر به -يعني القَتْل- سلطانٌ عادلٌ أو جائرٌ ظُلماً من لا يعرفُ ظُلْمَه فيه فَقَتلَهُ، فالقَوَدُ أو الدِّيَةُ على الآمرِ، خاصةً، قال أبو العباس: هذا بناءً على وجوبِ طاعةِ السلطانِ في القَتْلِ المجهولِ، وفيه نظرٌ، بل لا يُطاعُ حتى يَعْلَمَ جوازَ قَتْلِه، وحينئذٍ فتكونُ الطاعةُ لـه معصيةً لاسيما إذا كان معروفاً بالظُّلْمِ، فهنا الجهلُ بعدَمِ الحِلِّ، كالعلمِ بالحرمةِ وقياسُ المذهبِ، أنه إذا كان المأمورُ ممن يُطيعه غالباً في ذلك، أنه يجبُ القتلُ عليهمــا، وهــو أَوْلَى من الحاكمِ، والشهود سببٌ يقتضِي غالباً فهو أَوْلَى من الـمُكْرَهِ ا.هـ.
* قال في الاختيارات: ولا يُقتلُ مُسلمٌ بذميٍّ، إلا أن يَقتلُه غيلةً لأخذ مالِه، وهو مذهبُ مالك، قال أصحابُنا: ولا يُقتل حرٌّ بعبدٍ، ولكن ليس في العبد نصوصٌ صحيحةٌ صريحةٌ كما في الذميِّ، بل أَجْوَدُ ما رُوي: مَنْ قَتَلَ عَبْدَه قتلناه، وهذا أنه إذا قتلَه ظُلماً كان الإمامُ وليَّ دمِه، وأيضاً فقد ثبتَ في السُنَّةِ والآثارِ أنه إذا مثَّل بعبدِه عَتَقَ عليه، وهو مذهبُ مالك وأحمد وغيرهما، وقتلُه أعظمُ أنواع المُثْلَةِ فلا يموتُ إلا حُراً، ولكن حريته لم تثبتْ حالَ حياتِه حتى ترثَه عصبتُه، بل حريتُه تثبتُ حُكماً، وهو إذا عَتَقَ كان ولاؤه للمسلمين فيكونُ الإمامُ هو وليُّه فله قتل عبده، وقد يَحتجُّ بهذا من يقول: إن قاتلَ عبدِ غيرِه لسيِّدِه قَتْلُه، وإذا دلَّ الحديثُ على هذا كان هذا القولُ هو الراجحَ، وهذا قويٌّ على قولِ أحمدَ، فإنه يُجَوِّزُ شهادةَ العبدِ كالحرِّ بخلافِ الذمِّي، فلماذا لا يُقتَلُ الحرُّ بالعبدِ، وقد قال النبي ﷺ: (المسلمونَ تتكافأُ دماؤُهم)(1)، ومن قــال: لا يُقتَلُ حرٌّ بعبدٍ يقول: إنه لا يُقتل الـذمِّيُّ الحرُّ بالعبدِ المسلمِ، والله سبحانه وتعالى يقول: +وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ" [البقرة: 221]، فالعبدُ المؤمنُ خيرٌ من الذمِّيِ المُشْرِكِ، فكيف لا يُقتلُ به، والسنَّةُ إنما جاءت: (لا يقتل والد بولده)(2)، فإلْحاقُ الجَدِّ أبي الأمِّ بذلك بعيدٌ اهـ.
(1) أخرجه البخاري، في: باب حرم المدينة من كتاب فضائل المدينة، وفي: باب ذمة المسلمين، من كتاب الجزية. صحيح البخاري 3/26، 4/122، ومسلم في: باب فضل المدينة، من كتاب الحج 2/999. | ||
(2) أخرجه البيهقي 8/34، وفي إسناده جابر الجعفي، وهو متروك، انظر الإرواء رقم (2210). |
* قولـه: (أحدُها كونُ مستحقِّهِ مكلَّفاً)، قال في المقنع: إلا أن يكون لهما أبٌ، فهل له استيفاؤُه لهما؟ على روايتين، فإن كانا محتاجَيْنِ إلى النفقةِ فهل لوليِّهما العفوُ على الديةِ؟ يحتملُ وجهين.
* قولـه: (وإن كان من بقي غائباً أو صغيراً...)، قال في المقنع: وإن كان بعضُهم صغيراً أو مجنوناً فليس للبالغِ العاقلِ الاستيفاءُ حتى يصيرا مُكَلَّفين في المشهورِ عنه، وعنه لهم ذلك اهـ.
قال في الاختيارات: والجماعةُ المشترِكون في استحقاقِ دمِ المقتولِ الواحدِ، إما أن يثبتَ لكلِّ واحدٍ بعضُ الاستيفاءِ، فيكونَ كالمشتركِين في عَقْدٍ أو خُصومةٍ، وتعيينُ الإمامِ قويٌ، كما يُؤجَر عليهما لنيابتِه عن الـمُمْتَنِع، والقُرعة إنما شُرِعَتْ في الأصلِ إذا كان كلُّ واحدٍ مستحقاً أو كالمستَحِقِّ، ويتوجَّه أن يقومَ الأكثرُ حقاً أو الأفضلُ لقوله: كَبِّر، وكالأولياء في النكاح، وذلك أنهم قالوا هنا: من تقدم بالقُرعةِ قدمته ولم تَسقطْ حقوقُهم إلى أن قال: وولايةُ القِصاصِ والعَفوِ عنه ليستْ عامةً لجميعِ الورثةِ بل تَختصُّ بالعصبةِ، وهو مذهب مالك، وتخرَّجُ روايةً عن أحمد.
* قال في المقنع: ولا يُستوفَى القصاصُ في النفسِ إلا بالسيفِ في إحدى الروايتين، وفي الأخرى يُفعَلُ به كما فَعَلَ به، فلو قَطَعَ يدَه، ثم قَتَلَه بحَجَرٍ، أو غرقه أو غير ذلك فُعِلَ به مثل فِعْلٍ اهـ.
وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفة والشافعي، واختاره الشيخ تقي الدين، وقال: هذا أشبــهُ بالكتابِ والسنةِ والعــدلِ لقوله تعالى: )وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ( [النحل: 126]، قال في الاختيارات: ويُفعل بالجاني على النفسِ مثلَ ما فَعَلَ بالـمَجْنِي عليه ما لم يكن مُحَرَّماً في نفسِه، ويقتلُه بالسيفِ إن شاء، وهو روايةٌ عن أحمد ولو كَوَى شخصاً بمِسمار كان للمَجْنِي عليه أن يَكْويَه مثلَ ما كَواه إن أَمْكنَ، ويجري القصاصُ في اللَّطْمةِ والضَّرْبةِ ونحو ذلك، وهو مذهبُ الخلفاءِ الراشدين وغيرهم، ونصَّ عليه أحمدُ في رواية إسماعيل ابن سعد السالنجي.
* قال في المقنع: وإذا قطع إِصْبِعاً عَمْداً فعفَا عنه، ثم سَرَى إلى الكَفِّ أو النفسِ، وكان العفوُ على مالِه فله تَمام الدِّيةِ، وإن عَفَا على غيرِ مالٍ فلا شيءَ لـه على ظاهر كلامه، ويَحتمِلُ أن لـه تمامَ الدِّيةِ، قال في الحاشية: وهذا المذهبُ قدَّمه في الـمُغني والشَّرحِ ونصراه، وبه قال الشافعي؛ لأن الـمَجْنِي عليه إنما عَفَا عن الإصْبِعِ فوجبَ أن يَثبتَ لـه كمالُ الديةِ ضرورةً إنه غير مَعفوٍّ عنه ا.هـ.
* قال في الاختيارات: قال أصحابنا: وإن وجب لعبدٍ قِصاصٌ أو تعزيرُ قذفٍ فطلبُه وإسقاطُه إليه دون سيِّده، ويتوجَّه أن لا يملكَ إسقاطَه مجَّاناً كالـمُفلِسِ والورثةِ مع الديونِ المُستغرِقَةِ على أحد الوجهين، وكذلك الأصلُ في الوَصِيِّ، والقياسُ أن لا يَملِكَ السيِّدُ تعزيرَ القذفِ إذا مات العبدُ، إلا إذا طالبَ كالوارثِ، إلى أن قال: ومن أَبْرأَ جانياً حراً جنايتُه على عاقِلَتِه، إن قلنا تجبُ الديةُ على العاقلةِ أو تحمَّل عنه ابتداءً أو عبداً، إن قلنا جنايتُه في ذمتِه مع أنه يتوجَّه الصحةُ مطلقاً. هو وجهٌ بناءً على أن مفهومَ هذا اللفظِ في عُرْفِ الناسِ العفوُ مطلقاً، والتصرفاتُ تُحْمَلُ مُوجبَاتُها على= =عُرْفِ الناسِ، فتختلفُ باختلافِ الاصطلاحاتِ، وإذا عفا أولياءُ المقتولِ عن القاتلِ بشرطِ أن لا يُقيمَ في البلدِ، ولم يَفِ بهذا الشرطِ ولم يكن العفوُ لازماً، بل لهم أن يطالبوه بالديةِ في قولِ العلماءِ وبالدَّمِ في قولٍ آخَر، وسواء قيل: هذا الشرطُ صحيحٌ أم فاسدٌ يَفْسدُ به العقدُ أم لا، ولا يصحُّ العفوُ في قتلِ الغيلةِ لِتعذرِ الاحترازِ منه كالقتلِ في الـمُحاربَةِ . انتهى.
* قولـه: (ولا يقتص في غير ذلك من الشِّجاجِ والجُروحِ) إلى آخره، ورُوي عن مالك أن القصاصَ يجبُ في الداميةِ والباضِعَةِ والسمحاقِ ،ونحوه عن أصحابِ الرأي لقوله تعالى: +yyﷺãàfø9$#uﷺ ÒÉ$|ÁÏ%ٌ".
* فائدة: قال في المقنع: وإن نزل رجلٌ بئراً فخرَّ عليه آخرُ فاتَ الأولُ من سَقْطَتِه فعلى عاقلتِه ديتُه، قال في الحاشية: فإن ماتَ الثاني بوقوعِه على الأولِ فدمُهُ هَدْرٌ لأنه مات بفعلِه.
* قال في المقنع: وفي الحُلَلِ روايتان، إحداهُما ليست أصلاً في الديةِ وفي الأخرى أنها أصلٌ وقدرُها مائتا حُلَّةٍ من حُلَلِ اليمنِ كلُّ حُلَّةٍ بُرْدانِ، وعنه أن الإبلَ هي الأصلُ خاصةً، وهذه أبدالٌ عنها، فإن قَدَرَ على الإبلِ وإلا انتقلَ إليها اهـ.
قال ابن منجا: هي الصحيحةُ من حيثُ الدليلِ، وقال الزركشيُّ: هي أظهرُ دليلاً لقول رسول الله ﷺ: (في قتيلِ السَوْطِ والعَصَا مائةٌ من الإبلِ)(1) انتهى، وعن عَطَاء: (قَضَى في الدِّيْةِ على أهلِ الإبلِ مائةً من الإبلِ وعلى أهلِ البقرِ مائتَي بقرةً وعلى أهل الشَّاءِ ألفي شاة وعلى أهلِ الحُلَلِ مائتي حُلَّة وعلى أهل القَمْحِ شيئاً لم يحفظْه محمدُ ابنُ إسحاق)، رواه أبو داود(2)، وعن ابن عباس أن رجلاً من بني عَدِيٍّ قُتِلَ، فجعل رسولُ الله ﷺ دِيَتَه اثنتى عشرَ ألفَ درهمٍ(3)، وفي حديث عَمْرو بنِ حَزْمٍ وعلى أهلِ الذهبِ ألفَ دينارٍ.
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/164، 166. | ||
(2) في سننه برقم (4543، 4544). | ||
(3) أخرجه أبو داود برقم (4546)، والنسائي في: باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول، من كتاب القسامة. المجتبى 8/52، والترمذي برقم (1788). وانظر: إرواء الغليل رقم (2245). |
* قولـه: "وفي جراحِهِ ما نَقَصَهُ بعد البُرْءِ"، قال في المقنع: وفي جراحِه إن لم يكن مقدراً من الحُرِّ ما نَقَصَهُ وإن كان مُقدراً في الحرِ فهو مقدَّر في العبدِ من قيمتِه ففي يدِه نصفُ قيمتِه وفي مُوَضِّحتِه نصفُ عُشْرِ قيمتِه نَقَصَتْهُ الجنايةُ أقلَّ من ذلك أو أكثر، وعنه أنه يضمنُ بما نَقَصَ، اختاره الخلاَّل اهـ.
* قولـه: "وتجبُ في الجنينِ ذَكَراً كان أو أُنثَى عُشْرُ ديةِ أمِّهِ غُرَّةً"، وفي الصحيحين(1): أن النبيَّ ﷺ قَضَى أن دِيَةَ جنينِها غُرَّةَ عبدٍ أو وليدةٍ، وعند الحَارِثِ ابنِ أبي أسامة: وفي الجنينِ غُرَّةُ عبدٍ أو أَمَةٍ أو عَشْرٌ من الإبلِ أو مائةُ شاةٍ، قال الحافظ ابن حجر: وقد تَصرَّف الفقهاءُ في ذلك، فقال الشافعية: الواجبُ في جنينِ الأمةِ عُشْرُ قيمةِ أُمِّه، كما أنَّ الواجبَ في جنينِ الحرةِ عُشْرُ ديتِها، انتهى. وقال الخرقي: وديةُ الجنينِ إذا سَقَطَ من الضَّرْبةِ ميتاً، وكان من حُرَّةٍ مسلمةٍ غُرَّةٌ عبدٍ أو أمةٍ قيمتُها خمسٌ من الإبلِ موروثةٌ عنه، كأنه سَقَطَ حيَّاً، قال الموفق: الغُرَّةُ قيمتُها نصفُ عُشْرِ الديةِ، وهي خمسٌ من الإبلِ، رُوي ذلك عن عمرَ وزيدٍ رضي الله عنهما، وبه قال النَّخَعيُّ والشَّعْبيُّ وربيعةُ وقتادةُ ومـالك والشافعيُّ وإسحـاقُ =
(1) أخرجه البخاري في: باب الكهانة، من كتاب الطب، وفي: باب جنين المرأة، وباب جنين المرأة وأن العقل على الوالد وعصــبة الوالــد لا على الولد، من كتاب الديات صحيح البخاري 7/175، 9/15214، ومسلم في: باب دية الجنين..، من كتاب القسامة. صحيح مسلم 3/1309، 1310. |
=وأصحابُ الرأي، ولأن ذلك أَقَلُّ ما قدَّره الشرعُ في الجناياتِ، وهو أَرْشُ المُوضِحةِ وديةُ السِّنِّ فَردَدْناه إليه، إلى أن قال: وإذا اتَّفقَ نِصف عُشْرِ الديةِ من الأصولِ كلِّها بأن تكون قيمتُها خَمْساً من الإبلِ فنصفُ عُشْرِ الديةِ من غيرِها مثل إن كانت قيمةُ الإبلِ أربعينَ ديناراً أو أربعمَائةِ درهمٍ، فظاهرُ كلامِ الخِرَقيِّ أنها تُقَوَّم بالإبلِ لأنها الأصلُ، وعلى قولِ غيره مِنْ أصحابِنا تُقَوَّمُ بالذهبِ أو الوَرِقِ، فتُجعَل قيمتُها خمسينَ ديناراً أو ستَّمائةِ درهمٍ، فإن اختلفا قُوِّمَتْ على أهلِ الذهبِ به، وعلى أهل الوَرِقِ به، إلى أن قال: وإذا لم يجد الغُرَّةَ انتقلَ إلى خَمْسٍ من الإبل على قول الخِرَقي، وعلى قول غيره ينتقلُ إلى خمسينَ ديناراً أو ستَّمائةِ درهمٍ. انتهى.
* قال في المقنع: وإن جَنَى العبدُ خطأً فسيِّدُه بالخيارِ بين فدائِه بالأقلِّ من قيمتِه أو أَرْشِ جنايتِه أو تسليمه ليُباعَ في الجناية، قال في الشرح: وجملةُ ذلك أن جنايةَ العبدِ إذا كانت مُوجِبَةً للمالِ أو كانت مُوجِبَةً للقصاصِ فعفا عنها إلى المالِ تتعلَّق برقبتِه، لأنه لا يخلو من أن تتعلَّق برقبتِه أو ذمتِه أو ذمةِ سَيِّدِه، أو لا يجبُ شيءٌ ولا يمكنُ إلغاؤُها لأنها جنايةُ آدميٍ فوجبَ اعتبارُها كجنايةِ الحُرِّ، ولأن جنايةَ الصغيرِ والمجنونِ غيرُ ملغاةٍ مع عُذْرِهِ وعدمِ تكليفِه، فالعبد أولى ولا يمكنُ تعليقُها بذمتِه، لأنه يُفضِي إلى إلغائِها أو تأخيرِ حقِّ الـمَجْنِيِّ إلى غيرِ غايةٍ، ولا بذمةِ السيِّدِ، لأنه لم يَجْنِ فتعيَّنَ تعليقُها برقبةِ العبدِ، ولأن الضمانَ موجِبٌ جنايتَه فتعلَّق برقبتِه كالقِصاصِ. ا.هـ.
* قال في المقنع: وفي بعض ذلك بقِسْطِهِ من الدية؛ وإنما تجب ديتُه، إذا أزالَه على وجهٍ لا يعودُ، فإن عادَ سقطتِ الديةُ، وإن أبقَى من لحيتِه ما لا جمالَ فيه احتَملَ أن يلزمَه بقسطِه واحتملَ أن يلزمَه كمالُ الدية.
* قال في المقنع: وفي عينِ الأعورِ ديةٌ كاملةٌ نصَّ عليه، وإن قلعَ الأعورُ عينَ صحيحٍ مماثلةً لعينِه الصحيحةِ عمداً فعليه ديةٌ كاملةٌ ولا قِصاصَ، ويَحتمِل أن تُقلعَ عينُه ويُعطَى نصفَ الديةِ، وإن قلعَها خطأً فعليه نصفُ الديةِ، وإن قلعَ عينَ صحيحٍ عمداً خيِّر بين قَلعٍ ولا شيءَ لـه غيرها وبين الديةِ، وفي يدِ الأَقْطعِ نصفُ الديةِ، وكذلك في رِجْلِه، وعنه فيها ديةٌ كاملةٌ. انتهى.
* قال في الحاشية: قولـه: "وفي يدِ الأَقْطعِ" إلى آخره، هذا المذهبُ، وإن اختار القِصاصَ فله ذلك، لأنه عضوٌ أمكنَ القصاصُ في مثلِه فكان الواجبُ فيه القصاصَ أو ديةَ مثلِه، كما لو قَطَعَ أذن من لـه أُذُنٌ واحدةٌ، وعنه فيها دِيةٌ كاملة، فعليها إذا قَطَعَ يَدَ صحيحٍ لم يُقْطَعْ، كما لو قَطَعَ عينَ الأَعْورِ، والصحيحُ الأولُ ا.هـ. =
=قال في الفروع: وفي عينِ الأعورِ ديةٌ كاملةٌ، نصَّ عليه ككمالِ قيمةِ صيدِ الحرمِ الأعورِ، فـإن قلعَهـــا صحيحٌ فله القَوَدُ مع نصفِ الدِّيَةِ، نصَّ عليه، وذكر ابنُ عقيلٍ هنا روايتين، وعند القاضي أنه لا قَوَدَ فيها، وفي الروضة: إن قَلَعَها خَطأً فنصفُ الديةِ، وإن قلع الأعورُ عينَ صحيحٍ خَطَأً فنصفُ الديةِ وإلا فالديةُ كاملة، نصَّ عليه. نَقَلَ مُهَنَّا عن عمرَ وعثمانَ وعليٍ أنهم قالوا ذلك، وأنه لا يُقْتَصُّ منه إذا فَقَأَ عينَ صحيحٍ، ولا أعلم أحداً خالفَهُمْ إلا إبراهيمَ، وقيل: تُقْلَعُ عينُه كقَتْلِ رجلٍ بامرأةٍ، والأشهرُ أنه يأخذُ مع ذلك نصفَ الديةِ، وخرَّجه في الخلافِ والانتصارِ مِنْ قتلِ رجلٍ بامرأةٍ ا.هـ.
* قال في المغني: وإن خَرَقَ جِلْدةَ الدِّماغِ فهي الدامِغَةُ، وفيها ما في المأمومةِ، وقال القاضي: لم يَذْكرْ أصحابُنا الدامِغَةَ لمساواتِها المأمومة في أَرْشِها، وقيل فيها مع ذلك حكومةٌ لخَرْقِ جِلْدةِ الدِّماغِ، ويَحتمِلُ أنهم لم يَتْركوا ذِكْرَها إلاَّ لكونِها لا يَسْلَمُ صاحبُها في الغالب.
* قال في المقنع: فهذه الخمسُ فيها حكومةٌ في ظاهرِ المذهبِ، وعنه في الباذلةِ بعيرٌ، وفي الباضِعَةِ بَعِيْرانِ وفي الـمُتَلاحِمَةِ ثلاثةٌ، وفي السِّمْحاقِ أربعةٌ انتهى. واختاره أبو بكر.
* قولـه: "فما نَقَصَ من القيمةِ فله مثلُ نسبتِه من الدِّيَةِ"، قال في الفروع: فإن لم تَنْقُصْه الجنايةُ حالَ البُرْءِ فحكومةٌ نصَّ عليه، فَتُقَوَّمُ عليه حينئذٍ، وقيل قُبيلَ البُرْءِ، وعنه لا شيءَ فيها لو لم تَنْقُصْهُ الجنايةُ ابتداءً أو زادَتْهُ حُسْناً كإزالةِ لِحْيَةِ امرأةٍ أو إصبعٍ زائدةٍ في الأصح اهـ.
قال في الاختيارات: ويجري القصاصُ في اللَّطْمَةِ والضَّرْبَةِ ونحو ذلك، وهو مذهبُ الخلفاءِ الراشدينَ وغيِرهم.
* قال في الاختيارات: وأبو الرجلِ وابنُه من عاقلتِه عند الجمهور كأبي حنيفةَ ومالكٍ وأحمدَ في أظهرِ الروايتين عنه، وتؤخذُ الديةُ من الجانِي خَطَأً عند تُعذُّرِ العاقلةِ في أصحِّ قولَي العلماءِ، ولا يؤجَّلُ على العاقِلةِ إذا رأى الإمامُ المصلحةَ فيه، ونصَّ على ذلك الإمامُ أحمدُ، ويتوجَّهُ أن يَعْقِلَ ذوو الأرحامِ عند عدمِ العَصَبةِ إذا قلنا تجبُ النفقةُ عليهم، والـمُرْتَدُّ يجبُ أن يَعْقِلَ عنه مَنْ يرثُه من المسلمين، أو أهلُ الدِّيْنِ الذي انتقَلَ إليه ا.هـ.
* قال في المقنع: وفي قَتْلِ العَمْدِ روايتان: أحدُهما لا كَفَّارَةَ فيه، اختارها أبو الخطَّابِ والقاضي، والأُخرَى فيه الكفارةُ انتهى. اختارها أبو محمد الجوزي، وجَزمَ بها في الوجيز والمنور. قال ابن كثير: اختلف الأئمةُ هل تجبُ عليه كفارةٌ؟ على قولين، فالشافعيُّ وأصحابُه وطائفةٌ من العلماءِ يقولون: نعم، لأنه إذا وجَبَتْ عليه الكفارةُ في الخَطَأِ، فلئن تجبُ عليه في العَمْدِ أَوْلَى، وقال أصحابُ الإمامِ أحمدَ= =وآخرون: "قتلُ العَمْدِ أَعْظَمُ من أن يُكفَّرَ فلا كفارةَ فيه"، وقد احتجَّ من ذهبَ إلى وجوبِ الكفارةِ في قَتْلِ العَمْدِ بما رواه الإمامُ أحمدُ عن واثلةَ بن الأَسْقَعِ قال: أَتَى النبيَّ ﷺ نَفَرٌ من بني سُليمٍ فقالوا: إن صاحباً لنا قد أَوْجَبَ، قال: (فليَعْتِقْ رقبةً يَفْدِي اللهُ بكلِّ عُضْوٍ منها عضواً منه في النَّارِ)(1).
* قال في الاختيارات: نَقَلَ الـمَيْمُونيُّ عن الإمامِ أحمدَ أنه قال: أَذْهَبُ إلى القَسَامَةِ إذا كان ثَمَّ لَطْخٌ وإذا كان سببٌ بَيِّنٌ، وإذا كان ثم عداوةٌ، وإذا كان مثلُ الـمُدَّعَى عليه يفعلُ هذا، فذكر الإمامُ أحمدُ أربعةَ أمورٍ: اللَّطْخُ، وهو التكلُّمُ في عِرْضِهِ كالشهادةِ المردودةِ، والسَّبَبُ البَيَّنُ، كالتَّعرفِ على قتيلٍ، والعداوةُ وكونُ المطلوبِ من المعروفين بالقتلِ، وهذا هو الصواب، واختاره ابنُ الجوزي، ثُمَّ لوثٌ يغلبُ على الظَّنِّ أنه قَتَلَ من اتُّهِمَ بقَتلِه، جاز لأولياءِ المقتولِ أن يَحْلِفوا خمسينَ يميناً ويستحقُّوا دَمَهُ، وأما ضَرْبُه ليُقِرَّ فلا يجوزُ إلا مع القرائِنِ التي تدلُ على أنه قَتَلَهُ، فإن بعضَ العلماءِ جَوَّزَ تقريرَه بالضَّربِ في هــذه الحــال وبعضُهم مَنَعَ من ذلك مطلـقـاً ا.هـ.
(1) أخرجه أبو داود في: باب في ثواب العتق، من كتاب العتق، سنن أبي داود 2/354، والإمام أحمد في المسند 3/491. |
* قال في الاختيارات: وقولـه تعالى: )فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا("[النساء: 15]، قد يُستَدلُّ بذلك على أن الـمُذْنِبَ إذا لم يعرفْ فيه حُكْمَ الشرعِ، فإنه يُمْسَكُ فيُحْبَسُ حتى يُعرََفَ فيه الحكمَ الشرعيَّ فينفَّذُ فيه، وإذا زَنَى الذمِّيُّ بالمسلمةِ قُتِلَ، ولا يعرَّفُ عند القتلِ الإسلامَ ولا يُعْتَبَرُ فيه أداءُ الشهادةِ على الوجهِ الـمُعْتبَرِ في المسلم، بل يكفي استفاضَتُه واشْتِهارُه، وإن حَمَلَتْ امرأةٌ لا زوجَ لها ولا سيِّدَ حُدَّتْ إن لم تَدَّعِ الشُّبْهةَ، وكذا من وُجِدَ منه رائحةُ الخَمْرِ، وهو روايةٌ عن أحمدَ فيهما، وغِلَظُ المعصيةِ وعقابُها بقَدرِ فَضيلةِ الزمانِ والمكانِ، والكبيرةُ الواحدةُ لا تُحْبِطُ جميعَ الحَسَناتِ، لكن قد تُحْبِطُ ما يقابُلها عند أهلِ السُّنَّةِ ا.هـ.
* قوله: "ولو امرأةً"، قال في المقنع: وإن زنا الحُرُّ غيرُ الـمُحْصَنِ جُلِدَ مائةَ جَلْدةٍ وغُرِّبَ عاماً إلى مسافةِ القَصْرِ، وعنه أن المرأةَ تُنْفَى إلى دونِ مسافةِ القَصْرِ، ويَخْرُجُ معها مَحْرَمُها، فإن أرادَ أُجْرةً بذَلَتْ من مالِها فإن تعذَّر فمن بيتِ المالِ ، فإن أَبَى الخروجَ معها استُؤْجِرتِ امرأةٌ ثِقَةٌ، فإن تعذَّر نُفِيَتْ بغيرِ مَحْرَمٍ ويَحتَمِلُ أن يَسقُطَ النَّفْيُ اهـ.
قال في الحاشية: لأن تَغْرِيبَها على هذه الحالِ إغراءٌ لها بالفُجورِ، قال في الإنصاف: وهو قوي.
* قولـه: "وحَدُّ لُوطِيٍّ كَزَانٍ"، قال في المقنع: وحَدُّ اللُّوطِيِّ كحَدِّ الزانِي سواءً، وعنه حَدُّ الرَّجْمِ بكلٍ حالٍ انتهى. قال ابنُ رجب: الصحيحُ قَتْلُ اللُّوطِي سواء كان مُحْصَناً أو غيرَه.
* قولـه: "تغييبُ حَشَفَةٍ..." إلى آخره، يعني لا يجبُ الحَدُّ إلا بذلك، وأما العقوبةُ فهي ثابتةٌ إذا وُجِدَ الرجلُ مع المرأةِ في بيتٍ أو لِحَافٍ أو نحوِ ذلك من الرِّيبَةِ.
* قولـه: "ولا يَنْزِعُ عن إقرارِه حتى يتمَّ عليه الحَدُّ"، قال في الاختيارات: والعقوباتُ التي تُقامُ من حَدٍّ أو تَعْزيرٍ إذا ثَبتَتْ بالبينةِ، فإذا أَظْهرَ مَنْ وجبَ عليه الحَدُّ التوبةَ لم يوثَقْ منه بها فيقامُ عليه، وإن كان تائباً في الباطنِ كان الحَدُّ مُكفِّراً وكان مأجوراً على صَبْرِهِ، وإن جاء تائباً بنفسِه فاعترفَ فلا يُقامُ في ظاهرِ مذهبِ أحمدَ، ونصَّ عليه في غيرِ موضعٍ، كما جزمَ به الأصحابُ وغيرُهم في الـمُحارَبِينَ، وإن شَهِدَ على نفسِه كما شهدَ به ماعزٌ(1) والغامِدِيَّةُ، واختارَ إقامةَ الحَدِّ عليه أُقيمَ، وإلا لا، انتهى.
* قولـه: "وإن حَمَلَتْ امرأةٌ لا زوجَ لها ولا سيِّدَ لم تُحَدَّ بمجردِ ذلك"، وعنه أنها تُحَدُّ إذا لم تَدَّعِ شُبهةً، اختاره الشيخ تقي الدين، وقال مالك عليها الحَدُّ إذا كانتْ مُقيمةً غيرَ غريبةٍ إلا أن تَظْهَرَ أماراتُ الإكراهِ.
(1) حديث ماعز روي من غير ما طريقٍ وحديثٍ، فرواه أبو هريرة، وجابر بن عبدالله، وجابر بن سمرة، وعبدالله بن عباس وأبو سعيد الخدري، وانظر إرواء الغليل الأرقام (2322، 2333). |
* قولـه: "والمحصَنُ" إلى آخره عبارة المقنعِ: والـمُحْصَنُ هو الحُرُّ المسلمُ العاقلُ العفيفُ الذي يجامِعُ مِثْلُه.
قال في الاختيارات: ولو شَتَمَ شخصاً فقال: أنتَ ملعونٌ ولدُ زِناً، وجبَ عليه التعزيرُ على مثلِ هذا الكلام، ويجب عليه حَدُّ القَذْفِ إن لم يَقْصِدْ بهذه الكلمةِ أن الـمَشْتُومَ فِعْلُه كَفِعْلِ الخبيثِ أو كفِعْلِ ولدِ الزِّنَا، ولا يُحَدُّ القاذفُ إلا بالطَّلَبِ إجماعاً ا.هـ.
* قال في الاختيارات: والقَوَّادَةُ التي تُفسِدُ الرجالَ والنساءَ أقلُّ ما يجبُ عليها الضَّرْبُ البليغُ، وينبغي شهرةُ ذلك، بحيثُ يستفيضُ هذا في النِّساءِ والرجالِ وإذا رَكبتْ دابةً وضَمَّتْ عليها ثيابَها ونُوديَ عليها هذا جزاءُ من يَفْعلُ كذا وكذا كان من أعظمِ الجرائمِ، إذ هي بمنزلةِ عَجُوزِ السوءِ امرأةِ لُوطٍ وقد أهلكَها اللهُ تعالى مع قَوْمِهَا.
ومن قال لِمَنْ لامَهُ الناسُ: تقرؤونَ تواريخَ آدمَ وظَهَرَ منه قَصْدُ معرفتِهم بخطيئتِه ولو كان صادقاً، وكذا من يُمسِكُ الحَيَّةَ ويدخلُ النارَ ونحوه، ومن قال لذمِّي: يا حاجُّ عُزِّرَ، لأن فيه تشبيهَ قاصدِ الكنائسِ بقاصدِ بيتِ الله، وفيه تعظيمُ ذلك، فهو بمنزلَةِ من يُشَبِّه أعيادَ الكفارِ بأعيادِ المسلمين، وكذا يُعزَّرُ من يُسمِّي من زار القبورَ والمشاهدَ حاجّاً، إلا أن يُسَمِّيَ حاجاً بقَيْدٍ، كحاجِّ الكفارِ والضَّالِّينَ، ومن سَمَّى زيارةَ ذلك حَجّاً أو جَعَلَ لـه مَناسِكَ فإنه ضالٌّ مُضِلٌّ ليس لأحدٍ أن يفعلَ في ذلك ما هو من خصائصِ حجِّ البيتِ العتيقِ انتهى.
وقال أيضاً: ولا يُقدَّرُ التعزيرُ بل يُرْدَعُ المعزَّرُ، وقد يكون بالعَزْلِ والنَّيْلِ من عِرْضِه، مثل أن يقالَ لـه يا ظالمُ يا مُعتدٍ، وبإقامتِه من الـمَجْلِسِ، إلى أن قال: والتعزيرُ يكونُ على فعلِ المحرماتِ وتركِ الواجباتِ، فمن جِنْسِ تَرْكِ الواجباتِ مَنْ كَتَمَ ما يجبُ بيانُه، كــالبائعِ المدلِّس والـمُؤجِر والناكــحِ وغيرهــم مِنَ المعاملين، وكذا الشاهدُ والـمُخْبِرُ والمفتي والحاكِمُ ونحوُهم، فإن كتمانَ الحقِّ= =مشبَّهٌ بالكذبِ وينبغي أن يكونَ سبباً للضَّمانِ، كما أن الكذبَ سببٌ للضَّمانِ، إلى أن قال: وقد يكونُ التعزيرُ بتركِهِ المستحَبَّ كما يُعزَّرُ العاطِسُ الذي لم يَحْمَدِ اللهَ بتركِ تَشْمِيتِه، وقال أيضاً: والتعزيرُ بالمالِ سائغٌ إتلافاً وأخذاً، وهو جارٍ على أصلِ أحمدَ، لأنه لم يختلفْ أصحابُه أن العقوباتِ في الأموالِ غيرُ منسوخةٍ كلها، وقولُ الشيخ أبي محمد المقدسي: ولا يجوزُ أخذُ مالِ المعزَّرِ، فإشارةٌ منه إلى ما يفعلُه الولاةُ الظَلَمَةُ، انتهى.
* قال في الشرح الكبير: مسألة، فإن دخل الحِرْزَ فأتلفَ فيه نصاباً ولم يُخرجْهُ فلا قَطْعَ عليه، لأنه لم يَسْرِقْ لكن يلزمُه ضمانُه، لأنه أتْلفَه، ولا يُقْطَعُ حتى يُخرجَهُ من الحِرْزِ، فمتى أخرجَهُ من الحِرْزِ فعليه القَطْعُ، سواء حملَه إلى منزلـِه أو تركَه خارجاً من الحِرْزِ.
قال في الشرح الكبير: الإبلُ على ثلاثة أضرب، باركةٌ وراعيةٌ وسائرةٌ، فأما الباركةُ، فإن كان معها حافظٌ لها وهي معقولةٌ فهي مُحْرَزَةٌ، وإن لم تكن معقولةً وكان الحافظُ ناظراً إليها أو مستيقظاً بحيث يراها فهي مُحْرَزةٌ، وإن كان نائماً أو مشغولا عنها فليستْ مُحْرَزَةً، لأن العادةَ أن الرُّعاةَ إذا أرادوا النومَ عَقَلُوا إِبَلَهُمْ، ولأن المعقولةَ تُنَبِّهُ النائمَ والـمُشْتَغِلَ، وإن لم يكن معها أحدٌ فهي غيرُ مُحْرَزَةٍ، سواء كانت معقولةً أو لم تكن.
وأما الرَّاعِيَةُ فحِرْزُها بنظرِ الرَّاعِي إليها، فما غابَ عن نظرِه أو نامَ عنه فليس بُمحْرَزٍ، لأن الرَّاعِيَةَ إنما تُحْرَزُ بالرَّاعِي ونظرِه، وأما السائرةُ فإنْ كان معها من يسوقُها فَحِرْزُها بنظرِه إليها، سواء كانت مقطَّرَةً أو غيرَ مُقَطَّرَةٍ، فما كان منها بحيثُ لا يراه فليس بـمُحْرَزٍ، وإن كان معها قائدٌ فحِرْزُها أن يُكْثِرَ الالتفاتَ إليها والـمُداعاةَ لها، وتكونُ بحيثُ يراها إذا التفتَ، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يُحْرِزُ القائدُ إلا التي زمامُها بيدِه، ولنا أن العادةَ في حِفْظِ الإبلِ المقطَّرِة بمُراعاتِها بالالتفاتِ وإمْساكِ زمامِ الأولِ.
* قولـه: "وأن يطالب المسروقُ منه بمالِه"، قال في الاختيارات: ولا يُشتَرطُ في القَطْعِ بالسرقةِ مطالبةُ المسروقِ منه بمالِه، وهو روايةٌ عن أحمد اختارها أبو بكر، ومذهب مالك كإقرارِه بالزِّنَى بأَمَةِ غيرِه، ومن سَرَق ثَمَراً أو ماشيةً من غيرِ حِرْزٍ أُضعفَتْ عليه القيمةُ، وهو مذهبُ أحمد وكذا غيرها، وهو روايةٌ عنه، واللِّصُّ الذي غَرَضُه سرقةُ أموالِ الناسِ، ولا غَرَضَ لـه في شخصٍ مُعَيَّنٍ فإنَّ قَطْعَ يَدِه واجبٌ، ولو عفا عنه ربُّ المالِ ا.هـ.
* قال في الاختيارات: والـمُحَارَبُونَ حُكْمُهم في المِصْرِ والصَّحْراءِ واحدٌ، وهو قولُ مالكٍ في المشهورِ عنه والشافعيِّ وأكثرِ أصحابِنا، قال القاضي: المذهبُ على ما قال أبو بكر في عدمِ التَّفْرقةِ، ولا نصَّ في الخلاف، بل هم في البُنيانِ أحقُّ بالعقوبةِ منهم في الصحراءِ الجرداء ،كالـمُباشَرَةِ في الحِرَابَةِ وهو مذهبُ أحمد، وكذا في السرقةِ، والمرأةُ التي تُحضِرُ النساءَ للقتلِ تُقتَلُ انتهى.
قال في الاختيارات: ويَلزمُ الدفعُ عن مالِ الغيرِ سواء كان المدفوعُ من أهل مكةَ أو غيرهم، وقال أبو العباس في جندٍ قاتلوا عَرَباً نهبوا أموال تجارٍ ليردُّوها إليهم: فهم مجاهدونَ في سبيلِ الله ولا ضَمانَ عليهم بقَوَدٍ ولا دِيَةٍ إذا كان تعزيراً على ما مَضَى من فِعْلٍ أو تَرْكٍ، فإن كان تعزيراً لأجل تَرْكِ ما هو فاعلٌ له، فهو بمنزلةِ قَتْلِ المرتَدِّ والحَرْبي وقتالِ الباغِي والعَادِي، وهذا تعزيرٌ ليس يُقَدَّرُ بل ينتهي إلى القتلِ كما في الصَّائلِ لأخذِ المالِ يجوزُ أن يُمْنَعَ عن الأخْذِ ولو بالقَتْلِ ، و على هذا فإذا كان المقصودُ دفعَ الفساد -و لم يندفعْ إلاَّ بالقتل- قُتِلَ، وحينئذٍ فمن تكرَّرَ منه فعلُ الفسادِ ولم يَرْتَدِعْ بالحُدودِ الـمُـَقدَّرةِ، بل استمرَّ على ذلك الفسادِ، فهو كالصَّائِلِ الذي لا يَنْدَفِعُ إلا بالقَتْلِ فَيُقْتَلُ ا.هـ.
* قال في الاختيارات: والأفضلُ تركُ قتالِ أهل البَغْي حتى يَبْدَأ الإمامَ، وقاله مالك، ولـه قتلُ الخوارجِ ابتداءً ومتممة تخريجهم، وجمهورُ العلماء يُفرِّقونَ بين الخوارجِ والبُغاةِ والمتأولينَ، وهو المعروفُ عن الصحابةِ، وأكثر المُصنِّفِينَ لقتالِ أهلِ البَغْي يَرَى القتالَ من ناحيةِ عليٍّ، ومنهم من يَرَى الإمساكَ، وهو المشهورُ من قولِ أهلِ المدينةِ وأهلِ الحديثِ مع رؤيتِهم لقتالِ من خرجَ عن الشريعةِ كالحَرُورِيَّةِ ونحوهم وأنه يجبُ، والأخبارُ تُوافِقُ هذا، فاتَّبعوا النصَّ الصحيحَ والقياسَ المستقيمَ وعليٌّ كان أقربَ إلى الصوابِ من مُعاويةَ.
ومن استحلَّ أذى مَنْ أَمَرُه ونَهَاهُ بتأويلٍ فكالـمُبْتَدِعِ ونحوه يسقطُ بتوبتِه حقُّ اللهِ تعالى وحقُّ العبدِ، واحتجَّ أبو العباسِ لذلك بما أتلفَه البُغَاةُ، لأنه من الجِهادِ الذي يجبُ الأجرُ فيه على الله تعالى، وقتالُ التَّتَارِ ولو كانوا مسلمينَ، هو قتالُ الصدِّيقِ t مانِعي الزكاةِ ويأخذُ أموالَهم وذُرِّيتَهم، وكذا المقفز إليهم ولو ادَّعَى إكراهاً. =
=ومن أَجْهزَ على جريحٍ لم يأْثَمْ ولو تَشَهَّدَ، ومن أخذَ شيئاً منهم خُمِّسَ وبقيتُه لـه، والرافضةُ الجبليةُ يجوزُ أخذُ أموالِهم، وسَبْيُ حَريمِهمْ يُخرَّجُ على تكفيرِهم.
قال أصحابُنا: وإذا اقتتلتْ طائفتانِ لعصبيةٍ أو رياسةٍ فهما ظالمتانِ ضامنتانِ، فأوجَبُوا الضَّمانَ على مجموعِ الطائفةِ، وإن لم يُعلَمْ عــينُ المتلِفِ، وإن تَقابَلا تـقاصَّا لأنَّ المباشِرَ والـمُعينَ سـواءٌ عند الجمهور، وإنْ جُهلَ قَدرُ ما نَهبَهَ كلُّ طائفةٍ من الأُخْرَى تَساويَا، كمن جَهِلَ قدرَ الحرامِ الـمُخْتَلِطِ بمالِه، فإنه يخرج النِّصف والباقي لـه.
ومن دخلَ لصُلْحٍ فقُتلَ فجُهِلَ قاتلُه ضَمِنَه الطائفتانِ، وأجمعَ العلماءُ على أنَّ كلَّ طائفةٍ ممتنعةٍ عن شريعةٍ متواترةٍ من شرائعِ الإسلامِ، فإنه يجبُ قتالُها حتى يكونَ الدِّينُ كلُّه لله كالـمُحَارَبِينَ وأولى ،انتهى والله أعلم.
* قال في الاختيارات: والـمُرتَدُّ من أشركَ بالله تعالى أو كان مُبْغِضاً للرسولِ ﷺ ولِمَا جاءَ به أو تَرَكَ إنكارَ مُنْكِرٍ بقلبٍه أو تَوَهَّمَ أن أحداً من الصحابةِ أو التابعينَ أو تابعيهم قاتلَ مع الكفارِ أو أجازَ ذلك أو أنكر مُجْمَعاً عليه إجماعاً قطعياً، أو جَعَلَ بينه وبين اللهِ وسائطَ يتوكَّلُ عليهم ويَدعوهُم ويَسألُهم، ومن شكَّ في صِفَةٍ من صِفَاتِ اللهِ ومثلُه لا يجهلُها فمرتَدٌّ، وإن كان مثلُه يجهلُها فليس بمرتَدٍّ، ولهذا لم يُكَفِّرِ النبيُّ ﷺ الرجلَ الشاكَّ في قُدرةِ الله وإعادتِه، لأنه لا يكونُ إلا بعد الرسالةِ، ومنه قولُ عائشةَ رضي الله عنها: مهما يَكْتُمِ الناسُ يَعْلَمْه اللهُ نعم. اهـ.
* قولـه: "ولا تُقبَلُ توبةُ من سبَّ اللهَ أو رسولَهُ..." إلى آخره، قال في المقنع: وهل تُقبَلُ توبةُ الزِّنْديقِ ومن تكرَّرتْ رِدَّتُه أو من سَبَّ اللهَ تعالى أو رسولَه= =والساحر؟ على روايتين، إحداهما: لا تُقْبَلُ توبتُه بكلِّ حالٍ، والأُخرى: تُقبَلُ توبتُه كغيرِه ا.هـ.
قال في الاختيارات: وإذا أَسْلمَ الـمُرتَدُّ عُصِمَ دمُه ومالُه، وإن لم يَحْكُمْ بصحةِ إسلامهِ حاكمٌ باتفاقِ الأئمةِ، بل مذهبُ الإمامِ أحمدَ المشهورُ عنه، وهو قولُ أبي حنيفة والشافعي: إنه من شُهِدَ عليه بالرِّدَةِ فأَنكرَ حُكِمَ بإسلامِه ولا يَحتاجُ أن يُقِرَّ بما شُهِدَ عليه به، وقد بَيََّن اللهُ تعالى أنه يتوبُ عن أئمةِ الكُفْرِ الذين هم أعظمُ من أئمةِ البِدَع، إلى أن قال: ولا يضمنُ المرتَدُّ ما أتلفَه بدارِ الحَرْبِ أو في جماعةٍ مُرتدَّةٍ مُمتنَعةٍ، وهو روايةٌ عن أحمدَ اختارها الخلاَّلُ وصاحبُه، والتنجيمُ كالاستدلالِ بأحوالِ الفَلَكِ على الحوادِثِ الأَرْضيَّةِ هو من السِّحْرِ ويَحْرُمُ إجماعاً ا.هـ.
* قال في الاختيارات: والأصلُ في الأَطْعمةِ الحِلُّ لمسلمٍ يعملُ صالحاً، لأن الله تعالى إنما أَحَلَّ الطيباتِ لمن يستعينُ بها على طاعتِه لا مَعْصيتٍه، لقوله تعالى: )لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ( [المائدة: 93]، الآية.
ولهذا لا يجوزُ أن يُعَانَ بالمباحِ على المعصيةِ، كمن يُعْطِي اللَّحْمَ والخُبْزَ لمن يَشربُ عليه الخَمْرَ ويستعينُ به على الفواحشِ، ومن أكلَ من الطيباتِ ولم يَشْكُرْ فهو مذمومٌ، قال الله تعالى: )ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ( [التكاثر:8] أي عن الشُّكرِ عليه، إلى أن قال: والمُضْطَرُّ يجبُ عليه أكلْ الميتةِ، في ظاهر مذهبِ الأئمة الأربعةِ وغيرِهم لا السؤالُ.
وقولـه تعالى: )فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ( [البقرة: 173] قد قيل: إنهما صفةٌ للشخصِ مطلقاً، فالباغِي كالباغِي على إمامِ المسلمينَ وأهلِ العَدْلِ منهم، كما قال الله تعالى: )فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ( [(الحجرات: 9]، والعادِي كالصَّائلِ قاطعِ الطريقِ الذي يريدُ النفسَ والمالَ، وقد قيل: إنهما صفةٌ لضرورتِه، فالباغي الذي يَبْغِي الـمُحَرَّمَ مع قُدرتِه على الحَلالِ، والعادي الذي يتجاوزُ قَدْرَ الحاجةِ كما قال تعالى:+Ç`yJsù §äÜôÊ$# Îû >p|ÁuKøxC uöxî 7#ÏR$yftGãB 5OøO\b}" [المائدة: 3]، وهذا قولُ أكثرِ السَّلَفِ، وهو الصوابُ بلا ريب، وليس في الشَّرْعِ ما يدلُّ على أن العاصِي بسَفرِه لا يأكلُ المَيتةَ ولا يَقْصُرُ، بل نصوصُ الكتابِ والسُنَّةِ عامةٌ مُطلَقةٌ كما هو مذهبُ كثيرٍ من السلفِ، وهو مذهبُ أبي حنيفة وأهلِ الظاهرِ، وهو الصحيح انتهى.
* قولـه: "غير الضَّبُعِ"، قال في الفروع: وفيه روايةٌ ذكَرها ابنُ البناء، وقال في الروضةِ إن عُرِفَ بأكلِ الميتةِ فكالجَلاَّلةِ،ـ إلى أن قال ـ: وذكرَ الخلالُ أن الغِرْبانَ خمسةٌ: الغُدافُ وغُرابُ البَيْنِ يُحرَّمانِ، والذَّاغُ مباحٌ، وكذا الأَسْوَدُ والأَبْقَعُ إذا لم يأكلِ الجِيفَةَ، وأن هذا معنى قولِ أبي عبد الله. قال شيخُنا: فإذا أباحَ الأبقعَ لم يَبْقَ للأمرِ بقَتْلِه أثرٌ في التحريمِ، وقد سمَّاه فاسقاً أيضاً، وإن حَرْباً وأبا الحارثِ رَوَيا أنه لا يَنْهَى عن الطيرِ إلا عن ذي المِخْلَبِ وما يأكلُ الجِيَفَ، ولهذا عَلَّلَ في الحِدَأَةِ بأكْلِها الجِيَف، فلا يكونُ حينئذٍ للأمرِ وتسميتِه فُويسقاً أثرٌ في التحريمِ كمذهب مالكٍ، لأنه قد يُؤمَرُ بقتلِ الشَّيءِ لصِيَالِه وإن لم يكن ذلك مُحرَّماً، ولو كان قتلُه موجِباً لتحريمه لنَهَى عنه، وإن كان الصَّولُ عارضاً كجلاَّلةٍ عَرَضَ لها الحِلَّ انتهى.
قال في الاختيارات: وما يأكلُ الجِيَفَ فيه روايتا الجلاَّلةِ، وعامَّةُ أجوبةِ أحمدَ ليس فيها تحريمٌ ولا أَثَرٌ لاستخباثِ العَرَبِ، فما لم يُحَرِّمْه الشرعُ فهو حِلٌّ، وهو قولُ أحمد وقدماءِ أصحابه ا.هـ.
* قولـه: "كالخيلِ"، قال في الاختيارات: ويُكْرَهُ ذَبْحُ الفَرَسِ الذي يُنتفعُ به في الجهادِ بلا نزاعٍ.
* قولـه: "ومن اضْطُرَّ إلى نفعِ مالِ الغيرِ...."، قال في الاختيارات: والـمُضْطَرُّ إلى طعامِ الغيرِ إن كان فقيراً فلا يلزمُه عِوَضٌ، إذْ إطعامُ الجائعِ وكسوةُ العَارِي فرضُ كِفايةٍ ويصيرانِ فرضَ عين على المُعَيَّنِ إذا لم يَقُمْ به غيُره.
* قوله: "وتجبُ ضيافةُ المسلمِ المجتاز به..." لما في الصحيحين من حديثِ أبي شُرَيحٍ الخُزَاعي عن رسول الله ﷺ: (مـن كانَ يؤمـنُ باللهِ واليـومِ الآخـرِ فليكُـرمْ ضـيفَـه جائـزتَه). قـالـوا: وما جـائـزتُه يا رسول الله؟ قال: (يومٌ وليلةٌ والضيافةُ ثلاثةُ أيامٍ فما كان وراءَ ذلك فهـو صدقـةٌ، ولا يَحِـلُّ له أن يؤوي عنده حتى يُحرجَه )(1). وأخرج أحمدُ وأبو داود من حديث المقدام أنه=
(1) أخرجه البخاري في الأدب: باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، برقم (6019). |
=سمع النبي ﷺ يقول: (ليلةُ الضيفِ واجبةٌ على كل مسلم، فإن أصبح بِفِنَائِه محروماً كان دَيْناً لـه عليه إن شاء اقتضاه وإن شاء تَرَكه)(2).
* قولـه: "ولو مراهِقَاً"، قال في المقنع: ولا تباح ذكاةُ مجنونٍ ولا سَكْران ولا طفلٍ غير مُميِّزٍ. قال في الاختيارات: والقولُ بأن أهلَ الكتابِ المذكورينَ في القرآنِ هم: مَنْ كان أبوه أو أجدادُه في ذلك الدِّين قبل النَّسخِ والتبديلِ، قولٌ ضعيفٌ بل المقطوعُ به بأنَّ كونَ الرجلِ كتابياً أو غير كتابيٍ، هو حكمٌ يستفيده بنفسِه لا بنَسبِه، فكل من تَدَيَّنَ بدينِ أهلِ الكتابِ فهو منهم، سواءٌ كان أبوه أو جدُّه قد دخل في دينهم أو لم يَدخلْ، وسواءٌ كان دخولُه بعد النَّسخِ أو التبديلِ أو قبل ذلك، وهو المنصوصُ الصريحُ عن أحمد، وإن كان بين أصحابه خلافٌ معروف، وهو الثابتُ بين الصحابةِ بلا نزاعٍ بينهم، وذكر الطَّحاوي أن هذا إجماعٌ قديم، والمأخذُ الصحيحُ المنصوصُ عن أحمد في تَحريمِ ذبائحِ بني تغلب أنهم لم يتديَّنوا بدِينِ أهل الكتابِ في=
(1) يقال ذكَّى الشاة تذكية، أي ذبحها، فهي ذبح أو نحر الحيوان المأكول البري بقطع حلقومه ومريئه. | ||
(2) أخرجه أبو داود في: باب ما جاء في الضيافة، من كتاب الأطعمة بسنن أبي داود 2/308، والإمام أحمد في المسند 4/130، 132، 133. |
=واجباتِهم ومحظوراتِهم، بل أخذوا منهم حِلَّ الـمُحرَّماتِ فقط، ولهذا قال عليٌّ: إنهم لم يتمسَّكُوا من دِيْنِ أهلِ الكتابِ إلا بشُربِ الخَمْرِ، إلا أنا لم نعلم أن آباءَهم دخلوا في دينِ أهلِ الكتابِ قبل النَّسْخِ والتبديلِ، فإذا شكَكْنا فيهم هل كان أجدادُهم من أهل الكتاب أم لا؟ فأخذنا باحتياطٍ فَحَقنَّا دماءَهم بالجِزْيةِ، وحرَّمنا ذبيحتَهم ونساءَهم احتياطياً، وهذا مأخذُ الشافعيِّ وبعضِ أصحابِنا -إلى أن قال: ويحرمُ ما ذبَحه الكِتابيُّ لِعِيْدِه أو ليتقرَّبَ به إلى شيءٍ يُعَظِّمه، وهو روايةٌ عن أحمد. انتهى.
* قولـه: "الثالث قَطْعُ الحُلْقومِ والـمَرِيء"، قال في المقنع: وعنه يُشترط مع ذلك قَطْعُ الوَدجَيِْن، وإن نَحَره أَجْزأَه، وهو أن يَطْعنَهُ بمحدِّدٍ في لُبَّتِه، والـمُستَحبُّ أن ينحرَ البعيرَ ويذبحَ ما سواه اهـ.
قال في الاختيارات: وتقطعُ الحلقومُ والمريءُ والوَدَجان؛ والأقوى أنَّ قَطْعَ ثلاثةٍ من الأربعِ يُبيح، سواء كان فيها الحلقومُ أو لم يكن، فإنَّ قَطْعَ الوَدَجَيْنِ أبلغُ من قطعِ الحقلومِ وأبلغُ في إنْهارِ الدمِ ا.هـ.
قال في الشرح الكبير: وإن لم يعلم أسَمَّى الذابحُ أم لا أو ذَكَرَ اسمَ غيرِ اللهِ أوْ لا؟ فذبيحتُه حلالٌ، لأن الله تعالى أباحَ لنا كل ما ذبحَهُ المسلمُ والكِتَابِيُّ، وقد علمَ أننا لا نقفُ على كلِّ ذابِحٍ، وقد رُوي عن عائشةَ أنهم قالوا: يا رسول الله، إن قوماً= =حَديثُوا عهدٍ بِشِرْكٍ يأتونَنا بِلَحْمٍ لا نَدْرِي أَذكرُوا اسمَ الله [عليه] أم لم يَذكُروا؟ قال: "سَمُّوا أنتم وكُلُوا". أخرجه البخاري(1).
(1) في: باب من لم ير الوساوس ونحوها من المشبهات، من كتاب البيوع، وفي باب ذبيحة الأعراب ونحوها، من كتاب الذبائح والصيد. صحيح البخاري 3/71، 7/120. |
* قال في الاختيارات: والصيدُ لحاجةٍ جائزٌ، وأما الصَّيْدُ الذي ليس فيه إلا اللهوُ واللعبُ فمكروهٌ، وإن كان فيه ظُلْمٌ للناسِ بالعُدْوانِ على زرْعِهم وأموالِهم فحرامٌ، والتحقيقُ أن الـمَرْجِعَ في تعليمِ الفَهْدِ إلى أهل الخِبرَةِ، فإن قالوا: إنه من جِنْسِ تعليمِ الصَّقْرِ بالأَكْلِ أُلْحِقَ به، وإن قالوا إنه يعلَّم بترك الأكلِ كالكلبِ أُلحِقَ به، وإذا أكلَ الكلبُ بعد تَعلُّمِه لم يَحْرُمْ ما تَقَدَّمَ من صَيْدِه، ولم يُبَحْ ما أَكَلَ منه. انتهى.
قال في المقنع: الرابعُ التَّسْميةُ عند إرسال السَّهْمِ أو الجارحةِ، فإن تَرَكها لم يُبَحْ سواء تَرَكها عمداً أو سهواً في ظاهرِ المذهب، وعنه إن نَسِيَها على السَّهمِ أُبيحَ وإن نَسِيَها على الجارحةِ لم يُبَحْ اهـ.
قال في الشرح الكبير: ظاهرُ المذهب أن التسميةَ شرطٌ لإباحةٍ الصَّيْدِ وأنها لا تسقطُ بالسَّهْوِ، وهو قولُ الشَّعْبي وأبي ثور وداود، ورَوَى حنبلُ عن أحمدَ أن التسميةَ تسقطُ بالنِّسيانِ، وممن أباحَ مَتْروكَ التسميةِ في النِّسيانِ دون العَمْد أبو حنيفةَ ومالكٌ لقول النبي ﷺ: (عُفِيَ لأُمَّتي عن الخَطَأِ والنِّسْيانِ)(1)، ولأن إرسالَ الجارحةِ جَرى مُجْرَى التَّذْكِيةِ فعُفِي عن النِّسْيانِ فيه كالذَّكَاةِ.
(1) رواه ابن ماجه 1/659، والحاكم وصححه 2/198. |
* قال في الاختيارات: ويَحرمُ الحَلِفُ بغيرِ اللهِ تعالى: وهو ظاهرُ المذهبِ وعن ابن مسعودٍ وغيرِه (لئن أَحْلِفَ بالله كذِباً أحـبُّ إليَّ مـن أَحْلِفَ بغيرِه صــادقاً). قــال أبوالعباس: لأن حسنةَ التوحيدِ أعظمُ من حسنةِ الصِّدْقِ، وسيئةُ الكذبِ أَسْهلُ من سيئةِ الشِّرْكِ، واختلف كلامُ أبي العباس في الحَلِفِ بالطَّلاقِ فاختارَ في موضعٍ آخرَ أنه لا يُكْرَهُ، وأنه قولُ غيرِ واحدٍ من أصحابنِا، لأنه لم يحلف بمخلوقٍ ولم يَلتزِمْ لغيرِ اللهِ شيئاً، وإنما الْتَزَمَ للهِ كمــا يَلْتزِمُ بالنَّذْرِ، والالــتزامُ لله أبــلـغُ مــن الالتزامِ بـه، بدليلِ النَّذْرِ لـه واليمينِ به، ولهذا لم تُنْكِرِ الصحابةُ على من حَلَفَ بذلك، كما أنكَروا على من حلفَ بالكعبةِ، والعُهودُ والعُقودُ متقاربةُ المعنى أو مُتِّفقة، فإذا قال: أُعاهِدُ اللهَ أني أحجُّ العامَ فهو نَذْرٌ وعهدٌ ويمينٌ اهـ.
قال في المقنع: وقال أصحابُنا تجبُ الكفَّارةُ بالحِنْثِ برسولِ الله ﷺ خاصةً، قال في الشرح الكبير: ورُوي عن أحمدَ أنه قال: إذا حَلَفَ بحقِّ رسولِ الله ﷺ فحَنِثَ فعليه الكفارةُ، ولأنه أحدُ شَرْطَي الشهادةِ، فالحَلِفُ به موجبٌ للكفارةِ، كالحَلف بالله والأُولَى أَوْلَى لقولِ النبي ﷺ: (من كان حالفاً فَلْيحلِفُ باللهِ أو لِيَصْمُتْ)(1)، ولأنه حَلِفٌ بغيرِ الله تعالى فلم تُوجبْ الكفَّارةُ بالحنثِ فيه كسائرِ الأنبياءِ، ولأنه مخلوقٌ فلم تجبِ الكفَّارةُ بالحَلِفِ به كالحَلِفِ بـإبراهيمَ عليه السلام، ولأنه ليس بمنصوصٍ عليه=
(1) أخرجه البخاري في الشهادات: باب كيف يستحلف، برقم (279). ومسلم في الأيمان: باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، برقم (1646). |
=ولا هو في معنى المنصوصِ، ولا يصحُّ قياسُ اسمِ غيرِ الله على اسمِه لعدمِ الشبه وانتفاءِ الـمُمَاثَلةِ ا.هـ.
قال في الاقناع وشرحه: ويحرم الحَلِفُ بغيرِ اللهِ ولو كان الحَلِفُ بنبيٍّ لأنه إشراكٌ في تعظيمِ الله تعالى، ولحديث ابن عمرَ مرفوعاً: (من حَلَفَ بغيرِ اللهِ فقد أَشْرَكَ) رواه الترمذي(1) وحسَّنه، انتهى. ولما قال رجلٌ للنبي ﷺ: (ما شاءَ الله وشئتَ قال: أجَعلْتَني لله نداً! ما شاء اللهُ وحده) رواه النسائي.
* قولـه: "فلا كفَّارةَ في الجميع"، قال في الشرح الكبير: وفي الجُملةِ لا كفَّارةَ في يمينٍ على ماضٍ، لأنها تنقسمُ ثلاثةَ أقسامٍ، ما هو صادقٌ فيه، فلا كفارةَ فيه إجماعاً، وما تعمَّد الكذبَ فيه، فهو يمينُ الغموسِ لا كفارةَ فيها، لأنها أعظمُ من أن تكون فيها كَفَّارةٌ، وقد ذكرنا الخلافَ فيها، وما يظنُّه حقاً فَيَبِينُ بخلافِه فلا كفارةَ فيها، لأنها من لَغْوِ اليمينِ.
(1) أخرجه الترمذي في كتاب النذور. انظر عارضة الأحوذي ـ 7/18. |
* قال في الاختيارات: وإذا حَلَفَ على مُعيَّنٍ موصوفٍ بصفةٍ فبانَ موصوفاً بغيرِها كقولِه: والله لا أكلِّم هذا الصبيَّ، فتبيَّنَ شيخاً، أو لا أشربُ من هذا الخَمْرِ فتبيَّنَ خَلاً، أو كان الحالفُ يعتقدُ أن المُخاطَبَ يفعلُ المحلوفَ عليه لاعتقادِه أنه ممنْ لا يخالفُه إذا أكَّد عليه ولا يُحنِثُهُ، أو لكونِ الزوجةِ قريبتَه، وهو لا يختارُ تطليقَها، ثم تبيَّنَ أنه كـان غالطــاً في اعتقــادِه، فهذه المسألةُ وشبهُها فيها نزاعٌ والأشبهُ أنه لا يقع -إلى أن قال-: وكذا لا حِنْثَ عليه إذا حَلَفَ على غيرِه ليفَعَلنَّه إذا قَصَدَ إكرامَهُ لا إلزامَه به.
* قولـه: "فإن عَدِمَ ذلك رَجَعَ إلى ما يتناولُه الاسمُ" إلى آخره، قال في حاشية المقنع: هذا المذهبُ، وقيل: يُقَدَّم مـا يتناولُه الاسمُ على التعيينِ، قال في الهدايةِ =
=والـمُذهبِ ومَسْبوكِ الذهبِ والمستوعبِ والخلاصة: فإن عَدِمَ النيَّةَ أو السببَ رجَعْنا إلى ما يتناولـه الاسمُ، فإن اجتمعَ الاسمُ والتعيينُ، أو الصفةُ والتعيينُ غَلَّبْنَا التعيين، وذَكَرَ في الإنصافِ عن يوسف بن الجَوزي أنه يُقدم النيةَ ثم السببَ ثم مُقْتَضَى لَفْظِه عُرْفاً ثم لغةً.
قال في المقنع: إذا حلف لا يأكلُ اللحمَ فأكلَ الشَّحْمَ أو الـمُخَّ أو الكَبِدَ أو الطِّحَالَ أو القَلْبَ أو الكَرِشَ أو المُصْرانَ أو الأَلْيةَ والدِّماغَ والقانصةَ لم يَحْنَثْ، وإن أكلَ الـمَرَقَ لم يَحْنَثْ، وقد قال أحمدُ: لا يُعجبني، قال أبو الخطاب: هذا على سبيلِ الوَرَعِ انتهى، وقال مالكٌ وأبو حنيفة: يحنثُ بهذا كُلِّه، لأنه لَحْمٌ حقيقةً، والصوابُ أن ذلك يُرْجَعُ فيه إلى النيَّةِ والعُرْفِ.
* قولـه: "ففعلَه ناسياً أو جاهلاً حَنِثَ في الطلاق والعَتَاقِ فقط"، قال في الفروع: وإن حَلَفَ لا يفعلُ شيئاً ففعلَه ناسياً أو جاهلاً بأنه المحلوفُ عليه حَنِثَ، كما اختاره الشيخُ وقال في المحرَّر: حَنِثَ في عِتْقٍ وطَلاقٍ فقط كما اختاره الأكثرون وذكروه في المذهب، وعنه في يمينٍ مكفرةٍ، وعنه لا حِنْثَ بل يمينُه باقيةٌ، وهذا أظهرُ كما قدَّمه في الخلاصةِ وذَكَره في الإرشادِ عن بعضِ أصحابِنا، واختاره شيخُنا وقال: إن رُواتَها عنه بِقدَرِ رواةِ التَّفْرقةِ، وأنَّ هذا يدلُّ على أن أحمدَ جَعَلَهُ حالفاً لا مُعَلِّقاً، والحِنْثُ لا يوجبُ وقوعَ الـمَحْلوفِ به اهـ.
* قال في الاختيارات: باب النَّذْرِ، توقَّفَ أبو العباس في تَحْريمِه، وحَرَّمهُ طائفةٌ من أهل الحديثِ، وأما ما وجب بالشَّرْعِ إذا بايع عليه الرسولَ أو الإمامَ أو تحالف عليه جماعةٌ، فإن هذه العقودَ والمواثيقَ تقتضِي لـه وجوباً ثانياً غير الوجوبِ الثابتِ بمجرَّد الأمرِ الأولِ، فيكونُ واجباً من وجهين، وكان تركُه مُوجِباً لتَرْكِ الواجبِ بالشرعِ والواجبِ بالنَّذْرِ، هذا هو التحقيقُ، وهو روايةٌ عن أحمد، وقال طائفةٌ من العلماء، ونَذْرُ اللَّجاجِ والغَضَبِ يُخيَّر فيه بين فِعْلِ ما نَذَرَهُ والتكفــيرِ ، - إلى أن قـال-: ومن أَسْرَجَ قَبْراً أو مَقْبرةً أو جبلاً أو شجرةً أو نَذَر لها أو لسُكَّانِها أو الـمُضافِينَ إلى ذلك المكان لم يَجُزْ، ولا يجوزُ الوفاءُ به إجماعاً، ويُصْرَفُ في المصالحِ ما لم يُعْلَمْ ربُّه، ومن الجائز صَرْفُهُ في نَظيرِه من المشروعِ، وفي لُزومِ الكفَّارةِ خِلافٌ، ومن نذر قِنْدِيلاً يُوقَدُ للنبيِّ ﷺ صُرِفَتْ قيمتُه لجيرانِه عليه السلام ا.هـ.
وقال أيضاً: ولو قال إنْ فعلتُ كذا فَعَلَيَّ ذبحُ ولدِي أو معصيةٌ غير ذلك أو نحوه وقَصَدَ اليمينَ فيمينٌ وإلا فَنَذْرُ معصيةٍ فيَذْبَحُ في مسألةِ الذَّبْحِ كبشاً، ولو فَعَلَ المعصيةَ لم تَسْقُطْ عنه الكفارةُ ولو في اليمينِ. قولـه: "فإنه يُجزيه بقدرِ الثُّلث"، قال في المقنع: ولو نَذَر الصدقةَ بكلِّ مالِه فله الصدقةُ بثُلثِهِ ولا كفَّارةَ عليه، قال في الشرح الكبير: لما رُوي عن النبي ﷺ أنه قال لأبي لُبابَةَ حين قال: إنَّ من تَوْبَتِي يا رسولَ اللهِ أن أَنْخَلِعَ من مالي، فقال رسول الله ﷺ: (يُجْزئكَ الثلث)(1) - إلى أن قال-: وعن=
(1) أخرجه الإمام مالك، في: باب جامع الأيمان، من كتاب النذور، الموطأ 2/481، وعبدالرزاق في المصنف 8/484 في: باب من قال: مالي في سبيل الله، من كتاب الأيمان والنذور. |
=كعبِ بنِ مالكٍ قال: قلت: يا رسول الله إن مــن توبتي أن أَنْخَلِعَ من مــالي صدقةً إلى اللهِ وإلى رسولِه، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: (أَمْسِكَ عليكَ بعضَ مالِكَ فهو خيرٌ لك). متفق عليه(1). ولأبي داود (يجزي عنك الثلث).
فائدة: قال في الاختيارات: ويلزمُ الوفاءُ بالوعدِ وهو وجهُ في مذهبِ أحمد ويخرَّجُ رواية عنه من تأجيلِ العاريَّةِ والصُّلحِ عن عِوَضِ التَلَفِ بمؤجَّلٍ.
(1) أخرجه البخاري في: باب إذا تصدَّق أو أوقف بعض ماله، من كتاب الوصايا، وفي: باب سورة التوبة، من كتاب التفسير، وفي: باب إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة، من كتاب الأيمان والنذور صحيح البخاري (4/609، 87، 88. 8/175)، ومسلم في: باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، من كتاب التوبة، صحيح مسلم (4/2127). |
* قال في الاختيارات: والواجبُ اتخاذُ وِلايةِ القضاءِ دِيناً وقُرْبَةً، فإنها من أفضل القُرُباتِ، وإنما فَسَدَ حالُ الأكثرِ لِطَلَبِ الرياسةِ والمالِ بها، ومن فَعَلَ ما يمكنُه لم يَلْزَمْه ما يَعجزُ عنه، والوِلايةُ لها رُكنانِ: القُوَّةُ والأمانةُ، فالقوةُ في الحُكْمِ تَرْجِعُ إلى العِلْمِ بالعَدْلِ وتنفيذِ الحُكْمِ، والأمانةُ تَرْجِعُ إلى خَشْيةِ الله تعالى.
ويشترطُ في القاضِي أن يكونَ وَرِعاً، والحاكم فيه صفاتٌ ثلاثٌ، فمن جِهةِ الإِثباتِ هو شاهدٌ، ومن جهةِ الأمْرِ والنَّهيِ هو مُفْتٍ، ومن جِهَةِ الإلزامِ بذلك هو= =ذو سُلطانٍ، وأقلُّ ما يشترَطُ فيه صفاتُ الشاهدِ، لأنه لابدَّ أن يَحْكُمَ بعَدْلٍ، ولا يجوزُ الاستفتاءُ إلا ممن يُفْتِي بعِلْمٍ وعَدْلٍ، وشروطُ القضاءِ تُعْتَبَرُ حسبَ الإمكانِ، ويجبُ توليةُ الأمثلِ فالأمثلِ، وعلى هذا يدلُّ كلامُ أحمد وغيرِه فيولَّى لعَدَمٍ أنفعُ الفاسقَيْنَ وأقلُّهما شراً، وأعدلُ المُقلِّدين وأعرفُهما بالتقليدِ. وإن كان أحدُهما أعلمَ والآخرُ أورعَ قُدِّمَ فيما قد يَظْهَرُ حُكْمُه ويخاف النهي فيه الأورعُ وفيما يَندْرُ حكمُه ويُخاف فيه الاشتباهُ الأَعْلمُ -إلى أن قال-: والوَكالةُ يصح قبولُها على الفورِ والتَّراخي بالقولِ والفعلِ، والوِلايةُ نوعٌ منها وتَثبتُ ولايةُ القضاءِ بالأخبارِ، وقصةُ ولايةِ عمرَ بنِ عبد العزيزِ هكذا كانَتْ، وولايةُ القاضي يجوزُ تَبْعيضُها، ولا يجبُ أن يكونَ عالماً بما في ولايتِه.
فإن منصبَ الاجتهادِ ينقسمُ، حتى لو ولاَّهُ في المَواريثِ لم يجبْ أن يعرفَ إلا الفرائضَ والوَصَايا وما يتعلَّق بذلك، وإن ولاَّه عَقْدَ الأَنكحةِ وفَسْخَها لم يجبْ أن يعرفَ إلا ذلك، وعلى هذا فقُضاةُ الأطرافِ يجوزُ أن لا يقضيَ في الأمورِ الكِبَارِ والدِّمَاءِ والقضايا المُشْكِلَةِ، وعلى هذا فلو قال: اِقْضِ فيما تَعْلَمُ كما يقول: إفْتِ فيما تَعْلَمُ جازَ، ويبقَى ما لا يَعْلَمُ خارجاً عن وِلايتِه كما يقولُ في الحاكِمِ الذي يَنْزِلُ على حُكمهِ الكفَّارُ، وفي الحاكمِ في جزاءِ الصَّيْدِ انتهى مُلخَّصاً.
قال في الاختيارات: ومن فَعَلَ ما يمكنُه لم يلزَمْه ما يعجزُ عنه، وما يستفيدُه المُتولِّي بالولايةِ لا حدَّ لـه شَرْعاً بل يُتَلَقَّى من اللفظِ والأحوالِ والعُرْفِ، وأجمع العلماءُ على تحريمِ الحُكْمِ والفُتْيا بالهَوَى، وبقولٍ أو وجهٍ من غيرِ نظرٍ في الترجيحِ، ويجبُ العملُ بموجِبِ اعتقادِه فيما لـه وعليه إجماع، وليس للحاكمِ وغيرِه أن يبتدئ الناس بقَهْرِهِم على تَرْكِ ما يسوغُ وإلزامِهِمْ برأيهِ اتِّفاقاً، ولو جاز هذا فجاز لغيرِه مثلُه وأَفْضَى إلى التفرُّقِ والاختلافِ، وفي لُزومِ التَّمذْهبِ بمذهبٍ وامتناعِ الانتقالِ=
=إلى غيرِه وجهانِ في مذهبِ أحمدَ وغيرِه، وفي القول بلزومِ طاعةِ غيرِ النبيِّ ﷺ في كل أَمْرِه ونَهْيِهِ، وهو خلافُ الإجماعِ وجوازه فيه ما فيه، ومن أَوْجَبَ تقليدَ إمامٍ بعينهِ استُتيبَ، فإن تابَ وإلا قُتِلَ، وإن قـــال: ينبغي ،كــان جـاهـلاً ضالاً، ومن كان مُتَّبِعاً لإمامٍ فخالفَه في بعضِ المسائلِ لقُوَّةِ الدليلِ أو لكونِ أحدِهما أعلمَ وأَتْقَى فقد أَحْسَنَ، وقال أبو العباس في موضعٍ آخر: بل يجبُ عليه، وأن أحمد نصَّ عليه ولم يَقْدَحْ ذلك في عَدالتِه بلا نزاعٍ ا.هـ مُلَخَّصاً.
قال في الاختيارات:
قال في المحرَّر وغيره: ويُشْترَطُ في القاضي عَشْرُ صفاتٍ قال أبو العباس: هذا الكلامُ إنما اشتُرطَتْ هذه الصفاتُ فيمن يُولَّى لا فيمن يحكِّمه الخَصْمانِ، وذكر القاضي أن الأعمى لا يجوزُ قضاؤُه، وذكرُه محلُّ وِفاقٍ، وعلى أنه لا يمتنعُ أن يقولَ إذا تَحاكَما إليه ورَضِيَا به جازَ حُكْمُه. قال أبو العباس: هذا الوجهُ قياسُ المذهب، كما تجوز شهادةُ الأعمى إذ لا يُعْوِزُه إلا معرفةُ عينِ الخَصْمِ، ولا يَحتاجُ إلى ذلك، بل يَقْضِي على موصوفٍ كما قَضَى داودُ بين الـمَلَكَيْنِ، ويتوجَّه أن يصحَّ مطلقاً، ويُعرَّف بأعيانِ الشهودِ والخصومِ، كما يُعرَّف بمعاني كلامِهم في التَّرْجمةِ، إذ معرفةُ كلامِه وعَيْنِه سواء، وكما يجوز أن يَقْضِيَ على غائبٍ باسمِه ونَسَبِه، وأصحابُنا قاسُوا شهادةَ الأعمَى على الشهادةِ على الغائبِ والـمَيِّتِ، وأكثرُ ما في الـمَوْضِعينِ عنه الروايةُ، والحُكْمُ لا يفتقرُ إلى الرُّؤْيةِ، بل هذا في الحاكمِ أوسعُ منه في الشاهِدِ بدليلِ التَّرجمةِ والتعريفِ بالحكمِ دونَ الشهادةِ، وما بِه يَحْكُمُ أوسعُ مما به يَشْهَدُ، ولا تشتَرط الحريةُ في الحاكم، واختاره أبو الخطاب وابنُ عَقيل.
وقال أيضا: وأكثرُ من يُميِّزُ في العِلْمِ من المتوسطينَ إذا نَظَرَ وتَأمَّلَ أدلَّةَ الفَريقَينِ بقَصْدٍ حَسَنٍ ونظرٍ تامٍّ ترجَّحَ عنده أحدُهما، لكن قد لا يَثِقُ بِنَظَرِه بل يَحْتمِل أن عنده ما لا يَعرفُ جوابَه، فالواجبُ على مثلِ هــذا موافقتُه للقول الذي ترجَّحَ عنده بلا دعوى منه للاجتهاد، كالمجتهد في أعيان المفتين والأئمة، إذا ترجح عنده. أحدُهما قَلَّدَه، والـدليلُ الخاصُّ الذي يُرجِّحُ به قولاً على قولٍ أولى بالاتباع من دليل عام= =على أن أحدهما أعلم وأدين، وعلم الناس بترجيح قول على قول أيسرُ من عِلْمِ أَحدِهم بأن أحدَهما أعلمُ وأدينُ، لأن الحقَّ واحدٌ ولابدَّ، ويجب أن يُنصِّبَ على الحُكم دليلاً، وأدلَّةُ الأحكامِ من الكتابِ والسنَّةِ والإجماعِ، وما تَكَلَّمَ الصحابــةُ والعلماء به إلى اليوم بقَصْدٍ حسنٍ بخلافِ الإماميَّة(1)، وقال أبوالعباس: الفقيه الذي سَمِعَ اختلافَ العلماءِ، وأدلَّتهم في الجُملة عنده ما يَعرفُ به رُجْحانَ القولِ، انتهى.
* قال في الاختيارات: والقُضَاةُ ثلاثة من يصلُحُ ومن لا يَصلُحُ والمجهولُ فلا يَرُدُّ من أحكامِ من يصلُح إلا ما عُلِمَ أنه باطِلٌ ولا ينفذ من أحكامِ من لا يصلُح إلا ما عُلِمَ أنه حقٌ، واختار صاحبُ المغني وغيرُه إن كان توليتُه ابتداءً، وأما المجهولُ فيُنْظَرُ فيمن ولاَّه، وإن كان يولِّي هذا تارةً وهذا تارة نفذ مـا كان حقاً وردَّ الباطلَ والباقي موقوف. =
(1) الاختيارات الفقهية، شيخ الإسلام ابن تيمية للبعلي، ط دار الكتب العلمية ص275-276. |
=وقال أيضاً: قال أصحابُنا ولا يَنْقُضُ الحاكمُ حُكْمَ نفسِه ولا غيرِه إلا أن يخالفَ نصّاً أو إجماعاً، قال أبو العباس: يفرق في هذا بما إذا استوفَى المحكومُ لـه الحقَّ الذي ثَبَتَ لـه من مالٍ أو لم يَسْتَوفِ فإن استوفَى فلا كلام، وإن لم يَسْتَوفِ، فالذي ينبغي نقضُ حُكْمِ نفسِه والإشارةُ على غيرِه بالنَّقْضِ، وليس للإنسانِ أن يعتقدَ أحدَ القولَيْنِ في مســائلِ النِّزاعِ فيمــا لــه، والقــولُ الآخَــر فيما عليه باتِّفاقِ المسلمينَ، كما يعتقدُ أنه إذا كان جاراً استحقَّ شُفعةَ الجِوَارِ وإذا كان مُشترياً لم يَجبُ عليه شُفْعَةُ الجِوَارِ ا.هـ.
قال في الاختيارات: وإن أمكنَ القاضي أن يُرسلَ إلى الغائبِ رسولاً ويَكْتُبَ إليه الكتابَ والدَّعْوَى ويُجَابَ عن الدَّعْوَى بالكتابِ والرسولِ، فهذا هو الذي ينبغي كما فَعَلَ النبيُّ ﷺ بمُكَاتَبَةِ اليهود لما ادَّعَى الأنصارُ عليهم قَتْلَ صاحِبهم، وكاتَبَهُمْ ولم يَحْضُروه، وهكذا ينبغي أن يكونَ في كلِّ غائبٍ طُلِبَ إقرارُه أو إنكارُه إذا لم يُقِمِ الطالبُ بَيِّنةً، وإن أقامَ بَيِّنةً فمن الممكنِ أيضاً أن يُقال: إذا كان الخَصْمُ في البلدِ لم يجبْ عليه حضورُ مجلس الحاكم، بل يقولُ أرْسِلوا لي من يُعلِمُني بما يَدَّعِي به عليَّ، وإذا كان لابدَّ للقاضي من رسولٍ إلى الخَصْمِ يبلِّغُه الدَّعْوَى بحضورِه فيجوزُ أن يقومَ مقامَهُ رسولٌ، فإنَّ المقصودَ من حُضورِ الخَصْمِ سماعُ الدَّعْوَى وردُّ الجوابِ بإقرارٍ أو إنكارٍ، وهذا نظيرُ ما نصَّ عليه الإمامُ أحمدُ من أن النكاحَ يصحُّ بالمُراسَلةِ، مع أنه في الحُضُورِ لا يجوزُ تَراخِي القَبُولِ عن الإيجابِ تراخياً كثيراً، ففي الدَّعْوَى يجوزُ أن يكون واحداً لأنه نائبُ الحاكـم، كمـا كان أُنَيسٌ نائبَ(1) النبيَّ ﷺ في إقامةِ=
(1) لفظ الحديث: (واغْدُ يا أُنيسَ إلى امرأةِ هذا، فإن اعترفت فارْجُمْها) وهو متفق عليه، أخرجه البخاري، في: باب إذا اصطلحوا على صلح جور..، من كتاب الصلح، وفي: باب الاعتراف. بالزِّنا، من كتاب الحدود، وفي: باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلاً وحده، من كتاب الأحكام، صحيح البخاري: 2/241، 250، 8/161، 208، 9/94، 109، 110. |
=الحَدِّ بعد سَمَاعِ الاعترافِ، أو يُخَرَّجُ على المراسَلَةِ من الحاكمِ إلى الحاكمِ، وفيه روايتان فيُنْظِرُ في قضيتِه خبيراً.
قال أبو العباس: فما وجدتُ إلا واحداً، ثم وجدتُ هذا منصوصاً عن الإمام أحمد في روايةِ أبي طالب فإنه نصَّ فيها على أنه إذا أقام بينةً بالعَيْنِ المُودَعةِ عند رجلٍ سُلِّمتْ إليه وقَضَى على الغائبِ، قال: ومن قال بغير هذا يقولُ لـه أن ينتظرَ بِقَدرِ ما يَذهبُ الكتابُ ويَجيءُ، فإن جاء وإلا أخذ الغُلامُ المُودَعَ، وكلامُه محتمِل تخييرَ الحاكِمِ بين أن يَقْضِي على الغائبِ وبين أن يكاتبَه في الجواب ا.هـ.
* قال في المقنع: ولا خلافَ في أنه يجوزُ لـه الحكمُ بالإقرارِ والبيِّنَةِ في مَجْلسِه إذا سمعَه معه شاهدانِ، فإن لم يَسَمعْهُ معه أحدٌ أو سَمِعَهُ معه شاهدٌ واحدٌ فله الحكمُ به، نصَّ عليه. =
=وقال القاضي: لا يحكُم به وليس لـه الحُكْمُ بعلمِه مما رآه وسَمِعَه، نصَّ عليه، وهو اختيارُ الأصحابِ؛ وعنه ما يدلُّ على جوازِ ذلك، سواء كان في حَدٍّ أو غيرِه اهـ.
وقال البخاري: باب من رأى للقاضي أن يَحْكُمَ بِعِلْمِه في أَمْرٍ للناسِ إذا لم يَخَفِ الظُّنونَ والتُّهمةَ كما قال النبي ﷺ لهند: (خُذي ما يَكْفيكِ وولدَكِ بالمعروفِ)(1) ، وذلك إذا كان أمراً مشهوراً ا.هـ.
قال في الاختيارات: وإذا كان الـمُدَّعَى به مما يعلم المدَّعَى عليه فقط مثل أن يَدَّعِيَ الورثةُ أو الوصِيُّ على غريمٍ للميتِ فيزكي قَضَى عليه بالنُّكولِ؛ وإن كان مما يَعْلَمُه الـمُدَّعِي كالدَّعْوَى على ورثةِ ميتِ حقاً عليه يتعلقُ بِتَركتِه وطلبَ من المدَّعي اليمينَ على الإثباتِ، فإن لم يَحْلِفْ لم يَأْخُذْ، وإن كان كلٌّ منهما يدَّعي العِلْمَ أو طَلَبَ من المطلوبِ اليمينَ على نَفْيِ العِلْمِ فهنا يتوجَّه القولان، والقولُ بالردِّ أرجحُ، وأصلُه أن اليمينَ تُرَدُّ على جهةِ أقوى الـمُتداعِيَيْنِ الـمُتَجَاحِدَينِ إلى أن قال: للحاكِمِ أن يُحَلِّفَ الـمُدَّعي عند الرِّيبَةِ فَعَلَهُ في كلِّ شهادةٍ، وكذلك تغليظُ اليمينِ للحاكمِ أن يفعلَه عند الحاجةِ انتهى. مُلخَّصاً.
وقال أيضاً: ويجبُ أن يُفرِّقَ بين فِسْقِ الـمُدَّعَى عليه وعَدالتِه، فليس كلُّ مُدَّعَى عليه يُرْضَى منه باليمينِ ،ولا كلُّ مُدَّعٍ يطالَبُ بالبينةِ، فإن المُدَّعَى به إذا كان كبيراً والمطلوبُ لا تُعْلَمُ عدالتُه، فمن استحلَّ أن يَقْتُلَ أو يَسْرِقَ استحلَّ أن يَحْلِفَ، لا سيَّما عند خوفِ القَتْلِ أو القَطْعِ، ويرجحُ باليدِ العُرْفيَّة إذا استويا في الخشيةِ أو عَدَمِها، وإن كانت العَيْنُ بيدِ أحدِهما فمن شاهد الحال معه كان ذلك لَوْثاً فيَحْكمُ له=
(1) أخرجه البخاري 3/103 في: باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون...، من كتاب البيوع، وفي 7/85 في: باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف، من كتاب النفقات، ومسلم 3/1338، 1339 في: باب قضية هند، من كتاب الأقضية. |
=بيمينِه ا.هـ. وقال البخاري: "باب من أقام البيِّنةَ بعد اليمين" وقال النبي ﷺ: (لعلَّ بعضَكم ألحنُ بحُجتِه من بعض)(1) ، وقال طاووس وإبراهيمُ وشُرَيح: البينةُ العادلةُ أحقُّ من اليمينِ الفَاجِرَةِ.
قال الحافظ: وقد ذهب الجمهورُ إلى قبولِ البينةِ، وقال مالك في الـمُدَوَّنَةِ إن استحلَفهُ ولا عِلْمَ له بالبينةِ ثم عَلِمَها قُبلتْ وقَضَى لـه بها، وإن عَلِمَها فتركَها فلا حقَّ لـه، انتهى.
قلت: وهو الصوابُ، لأنه أسقطَ حقَّ نفسِه ورضي بيمينِ صاحبِه.
(1) في صحيحه من كتاب الشهادات (3/235). |
* قال في الاختيارات: ومسألةُ تحريرِ الدعوى وفروعِها ضعيفةٌ لحديثِ الحَضْرَمي في دعواه على الآخر أرضاً غيرَ موصوفةٌ، وإذا قيل لا تُسْمَعُ الدعوى إلا محرَّرَةً فالواجبُ أن من ادَّعَى مُجْمِلاً استفصَلَهُ الحاكمُ، وظاهرُ كلامِ أبي العباس صحةُ الدَّعْوَى على الـمُبْهَم، كدعوى الأنصارِ قَتْلَ صاحبِهم، ودعوى المسروقِ منه على بني أُبَيرِق وغيرهم، ثم الـمُبْهَمُ قد يكون مُطْلَقاً وقد يَنْحَصِر في قومٍ كقولها: أَنْكِحْني أَحدَهُما وزوِّجْنِي أَحدَهُما ،والثبوتُ الـمَحْضُ يصح بلا مُدَّعَى عليه، وقد ذكره قومٌ من الفقهاء وفَعَلَه طائفةٌ من القُضاةِ وسُمعت الدَّعْوَى في الوكالــةِ من غَيــر حُضورِ الخَصْمِ الـمُدَّعَى عليه.
ونقلَه مُهنَّا عن أحمد، ولو كان الخَصْمُ في البلدِ، وتسمع دَعْـــوَى الاستيلادِ، وقـالــه أصحابُنا وفسَّره القـاضي بــأن يَـدَّعَيَ استيلادَ أَمَةٍ فَتُنْكِرَه، وقال أبو العباس: بل هي الـمُدَّعِيةَ، ومن ادَّعَى على خَصْمِه أن بيدِه عقاراً استغلَّه مُدَّةً معيَّنةً وعيَّنَه ،وإن استحقَّه فأنكرَ الـمُدَّعَى عليه، وأقام الـمُدَّعِي بيِّنةً باستيلائِه لا باستحقاقِه لزم الحاكمَ إثباتُه والشهادةُ به، كما يلزم البينة أن تَشْهَد به، لأنه كفرعٍ من أصلٍ وما لزم أصلاً الشهادةُ به لزم فرعُه حيثُ يُقْبَلُ ،ولو لم تَلْزَم إعانَةُ مدَّعٍ بإثباتِ وشهاداتٍ ونحو ذلك إلا بعد ثُبوتِ استحقاقِه لزمَ الدَّوْرُ بخلافِ الحُكمِ، ثم إنْ أقامَ بينةً بأنه هو المستحِقُّ أَمَرَ بإعطائِه ما ادَّعاه وإلا فهو كمالٌ مجهولٌ يُصْرَفُ في المصالح اهـ.
قال في المقنع: ويُعتبرَ في البيِّنةِ العدالةُ ظاهراً وباطناً في اختيار أبي بكر والقاضي، وعنه تُقبل شهادةُ كلِّ مسلمٍ لم تظهرْ منه ريبةٌ اختاره الخِرقي. =
=قال في الاختيارات: وقولـه تعالى: )مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ( [البقرة: 282]، يقتضي أن يقبلَ في الشهادةِ على حقوقِ الآدميينَ من رَضُوا شهيداً بينهم، ولا يُنْظَرُ إلى عدالتِه كما يكون مقبولاً عليهم فيما ائتمنُوه عليه.
وقوله تعالى في آية الوصيَّةِ والرَجْعةِ: ) اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ( [المائدة: 106]، أي صاحبا عدلٍ.
والعَدْلُ في المقالِ هو الصِّدْقُ والبيانُ الذي هو ضِدُّ الكذبِ والكِتْمانِ كما بيَّنَه الله تعالى في قوله تعالى: )وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى( [الأنعام: 152].
والعَدْلُ في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ وطائفةٍ بِحَسَبِها، فيكونُ الشاهدُ في كُلِّ قومٍ من كان ذا عَدْلٍ فيهم، لو كان في غيرِهم لكان عَدْلُه على وجهٍ آخر، وبهذا يمكنُ الحُكْمُ بين الناسِ وإلا فلو اعْتُبِرَ في شُهودِ كلِّ طائفةٍ أن لا يَشْهدَ عليهم إلا من يكونُ قائماً بأداءِ الواجباتِ وتَرْكِ الـمُحرَّماتِ كما كان الصحابةُ لبَطَلَتِ الشهاداتُ كلُّها.
وقال أبو العباس في موضع آخر: إذا فُسِّرَ الفاسقُ في الشهادةِ بالفاجرِ وبالمُتَّهمِ، فينبغي أن يُفَرَّقَ بين حالِ الضَّرورةِ وعَدَمِها، كما قُلنا في الكُفَّار.
وقال أبو العباس في موضع:
ويتوجَّه أن تُقبلَ شهادةُ المعروفين بالصِّدْقِ، وإن لم يكونوا مُلْتَزِمينَ للحدودِ عند الضَّرُورةِ مثل الجَيْشِ وحَوادثِ البدو وأهلِ القَرْيةِ الذين لا يُوجَدُ فيهم عَدْلٌ، انتهى.
وقال أيضاً:
ويُقْبَلُ في التَّرْجمةِ والجَرحِ والتَّعديلِ والتَّعريفِ والرِّسالةِ قولُ عَدْلٍ واحدٍ، وهو روايةٌ عن أحمد، ويُقْبَلُ الجَرْحُ والتَّعديلُ باستفاضةٍ.
قال في المقنع: وإن ادَّعَى على غائبٍ أو مُستَتِرٍ في البلدِ أو ميِّتٍ أو صَبيٍّ أو مجنونٍ وله بيِّنَةٌ، سَمِعَها الحاكمُ وحَكَمَ بها، وهل يَحْلِفُ الـمُدَّعِي أنه لم يَبْرَأْ إليه منه=
=ولا من شيءٍ منه؟ على روايتين، ثم إذا قَدِمَ الغائبُ أو بَلَغَ الصَبِيُّ أو أفاقَ المجنونُ فهو على حُجَّتِه، وإن كان الخَصْمُ في البلد غائباً عن المجلس لم تُسمع البينةُ حتى يحضر، فإن امتنع عن الحضورِ سُمعت البينةُ وحَكَمَ بها في إحدى الروايتين، والأُخْرَى لا تُسمَعُ حتى يَحْضُرَ، فإن أَبَى بَعَثَ إلى صاحب الشُّرطةِ ليُحْضِرَهُ، فإن تَكرَّر منه الاستتارُ أَقْعَدَ على بابـه من يُضيِّقُ عليه في دُخـولِهِ وخُروجِهِ حتى يُحْضِرَه اهـ.
قال في الاختيارات: وإن أمكنَ القاضي أن يُرسِلَ إلى الغائب رسولاً، ويَكْتُبَ إليه الكتابَ والدَّعْوَى، ويُجاب عن الدَّعْوَى بالكتابِ والرسولِ، فهذا هو الذي ينبغي كما فعل النبي ﷺ بمُكاتَبَةِ اليهودِ لما ادَّعى الأنصارُ عليهم قَتْــلَ صاحِبِهمْ،
وكاتَبَهُمْ ولم يُحْضِرُوه، هكذا يَنبغي أن يكونَ في كُلِّ غائبٍ طُلِبَ إقرارُه أو إنكارُه، إذا لم يُقِمِ الطالبُ بَيِّنَةً، وإن أقامَ بينةً فمن الـمُمكنِ أيضاً أن يُقال: إذا كان الخَصْمُ في البلدِ لم يَجِبْ عليه حضورُ مَجْلِسِ الحاكمِ، بل يقولُ أرسِلُوا إليَّ من يُعْلِمُنِي بما يدَّعِي به عَلَيَّ، وإذا كان لابدَّ للقاضِي من رسولٍ إلى الخَصْمِ يُبلغُه الدَعْوَى بحضورِه، فيجوزُ أن يقومَ مقامَهُ رسولٌ فإنَّ المقصودَ من حُضورِ الخَصْمِ سماعُ الدَّعْوَى وردُّ الجوابِ بإقرارٍ أو إنكارٍ، وهذا نظيرُ ما نصَّ عليه الإمامُ أحمدُ من أن النكاحَ يصحُّ بالمراسلةِ مع أنه في الحُضُورِ لا يجوزُ تَراخِي القَبُولِ عن الإيجابِ تراخياً كثيراً، ففي الدَّعْوَى يجوزُ أن يكونَ واحداً لأنه نائبُ الحاكمِ، كما كان أُنيَسٌ نائبَ النبيِّ ﷺ في إقامةِ الحَدِّ بعد سَماعِ الاعترافِ ا.هـ. وقد تقدَّم في أولِ الكتابِ.
* قال في الاختيارات(1):
ويُقْبَلُ كتابُ القاضِي إلى القاضِي في الحُدودِ والقِصَاصِ، وهو قولُ مالكٍ وأبي ثَوْرٍ في الحدود، وقولُ مالكٍ والشافعيِّ وأبي ثَوْرِ، وروايةٌ عن أحمدَ في القِصَاصِ، والـمَحْكُومُ إذا كان عَيْنَاً في بلدِ الحاكمِ فإنه يُسْلِمُه إلى الـمُدَّعِي، ولا حاجةَ إلى كتابٍ، وأما إن كان دَيْناً أو عَيْناً في بلد أخرى، فهنا يقف على الكِتَاب، وهاهنا ثلاث مسائل متداخلات: مسألةُ إحضارِ الخَصْم إذا كان غائباً، ومسألةُ الحكم على الغائب، ومسألة كتاب القاضي إلى القاضي، ولو قيل إنما نَحكُم على الغائب إذا كان المحكومُ به حاضراً -لأن فيه فائدة، وهي تسلُّمُه، وأمَّا إذا كان المحكومُ به غائباً: فينبغي أن يُكاتِبَ الحاكمُ بما يثبتُ عنده من شهادةِ الشهود، حتى يكون الحكمُ في بلد التسليم- لكان متوجهاً، وهل يُقبلُ كتابُ القاضِي [إلى القاضِي] بالثبوتِ أو الحُكْمُ مــن حــاكمٍ غيرِ معيَّن، مثل أن يشهد شــاهــدان: أن حــاكماً نافــذَ الحُكْمِ حَكَــمَ بكــذا وكـذا؟ القياس أنــه لا يُقْبَل، بخلاف مـــا إذا كــان المكاتِبُ معروفاً، لأن مراسلةَ الحاكم ومكاتَبَتَهُ بمنزلةِ شهادةِ الأصولِ للفروعِ، وهذا لا يُقبل في الحُكْمِ والشهاداتِ، وإن قُبل في الفتاوى والإخبارات. =
(1) ص(595 – 597). |
=وقد ذكر صاحب المحرَّر ما ذكره القاضي [من] أن الخصمين إذا أَقرَّا بحُكمِ حاكمٍ عليهما، خُيِّر الثاني بين الإمضاءِ والاستئناف، لأن ذلك بمنزلةِ قول الخَصْمِ: شَهِدَ [عليَّ] شاهدانِ ذوا عدلِ، فهنا يُقال بالتخييرِ أيضاً، ومن عَرفَ خَطَّه بإقرارٍ أو إنشاءٍ أو عَقْدٍ أو شهادةٍ عَمِلَ به كالميِّتِ ،فإنْ حَضَر وأنكرَ مضمونَه فكاعترافه بالصوتِ وإنكارِ مضمونِه، وللحاكم أن يكتب للمُدَّعَى عليه إذا ثبتتْ براءتُه محضراً بذلك إن تضرر بتركه، وللمحكومِ عليه أن يطالِبَ الحاكمَ عليه بتَسْميةِ البيِّنةِ، ليتمكَّنَ من القَدْحِ فيها باتِّفاق ا هـ.
* قولـه: "ولا يُقبل إلا أن يُشْهِدَ به القاضي الكاتبُ شاهِدَيْنِ" إلى آخره.
قال ابنُ القيِّم في الهدي على قصَّة الأنصارِ مع يهودِ خَيْبر:
وقــد تضمَّنَـتْ هذه الحكومةُ أموراً، منها الحُكْمُ بالقَسَامَةِ، وأنها من دِينِ الله وشَرْعِه، إلى أن قال:
ومنها أن المدعَّى عليه إذا بَعُدَ عن مجلـسِ الحُكم كَتَبَ ولم يُشْخِصْه، ومنهاجوازُ العملِ والحُكم بكتاب القاضي وإن لم يشهدْ عليه، ومنها القضاءُ على الغائب انتهى.
وقال الحافظ بن حجر:
وفيه التأنيسُ والتسليةُ لأولياء المقتـول؛ لا أنه حُـكمٌ على الغائبين، لأنه لم يتقدم صورة دَعْوَى على غائب، وإنما وقع الإخبارُ بما وقع فذكر لهم قصةَ الحكم على التقـديرين، ومن ثَـمَّ كتـبَ إلى اليهـودِ بعد أن دار= =بينهم الكلامُ، ويؤخذ منه أن مجردَ الدعْوَى لا توجبُ إحضارَ المدَّعَى عليه، لأن في إحضارِه مَشْغَلَةً عن أشغالِه وتضييعاً لمالِه من غير مُوجِبٍ ثابتٍ لذلك، أما لو ظَهَرَ ما يُقَوِّي الــدَّعْــوَى مــن شُبهةٍ ظــاهرةٍ، فهل يسوغ استحضارُ الخصم أو لا؟ محلُّ نَظَرٍ،والراجحُ أن ذلك يَخْتلفُ بالقُرْبِ والبَعْدِ وشدةِ الضَّرَرِ وخِفَّتِهِ، وفيه الاكتفاءُ بالمكاتبةِ وَبِخَبَرِ الواحدِ مع إمكانِ المشافهة ا هـ.
وقال في الاختيارات في كتاب الإقرار: والتحقيقُ أن يُقالَ: إنَّ المُخبِر إنْ أَخْبَرَ بما على نفسِه، فهو مُقِرٌ، وإنْ أَخبرَ بما على غيرِه لنفسِه، فهو مُدَّعٍ، وإن أخبرَ بما على غيره لغيره، فإنْ كان مُؤْتَمناً عليه، فهو مُخْبِرٌ وإلا فهو شاهد، فالقاضي والوكيلُ والكاتبُ والوصيُّ والمأذونُ لـه، كلُّ هؤلاء ما أَدَّوهُ مُؤْتَمَنُونَ عليه، فإخبارُهم بعد العَزْلِ ليس إقراراً، وإنما هو خبرٌ مَحْضٌ ا هـ.
* قال في الاختيارات(1): وما لا يمكن قِسْمةُ عينِه إذا طَلبَ أحدُ الشركاءِ بَيْعَه بِيْعَ وقُسِمَ ثمنُه، وهذا هو المذهبُ المنصوصُ عن أحمدَ في رواية الميموني، وذكره الأكثرون من الأصحاب، وقد نصَّ أحمدُ عـلى بيعِ الشائعةِ في الوقفِ والاعتياضِ عنها، ومن تأمَّل الضَّرَر الناشيءَ من الاشتراكِ في الأموالِ الموقوفةِ لمْ يخْفَ عليه هذا.
ولو طَلَبَ أحدُ الشريكين الإجارةَ أُجبر الآخر معه، ذكره الأصحابُ في الوقف، ولـو طلبَ أحدُهما العُلُوَّ لم يُجَبْ، بل يُكْرَى عليهما على مذهب جماهير العلماء، كأبي حنيفة ومالك وأحمد، وإذا طَلَبَ أحدُ الشركاءِ القسمةَ فيما يُقسم لزم الحاكمَ إجابتُه، ولو لم يَثْبُتْ عنده مِلْكُهُ كبيعِ المرهون والجاني، وكلامُ أحمد في بيع ما لا ينقسمُ وقَسْمُ ثَمنِه عامٌّ فيما يَثْبُتُ عنده أنه مِلْكُه وما لا يَثْبُتُ، وقد نصَّ أحمدُ في روايةِ حَرْبٍ فيمن أقامَ بيِّنةً بسهمٍ من ضيعةٍ بيدِ قومٍ بعداء منه [فهربوا منه] تُقسَمُ عليهم ويُدْفَعُ إليه حَقُّه، فقد أَمَرَ الإمامُ أحمدُ الحاكمَ أن يَقْسِمَ على الغائبِ إذا طَلَبَ الحاضرُ، وإن لم يَثْبُتْ مُلْكُ الغائبِ ا هـ ملخصاً.
قال في المقنع: وهذه القسمةُ إفرازُ حَقِّ أحدِهما من الآخرِ في ظاهرِ المذهب وليست بيعاً فتجوزُ قِسْمَةُ الوَقْفِ، وإن كان نصفُ العَقَارِ طلقاً ونصفُه وقفاً جازت قسمتُه، وتجوز قسمةُ الثمارِ خصوصاً، وقسمةُ ما يُكال وزناً وما يُوزَنُ كَيْلاً، والتفرقُ في قِسْمةِ ذلك قبلَ القَبْضِ ا هـ. =
(1) ص 597، 598، 600، 601. |
=قال في الاختيارات(1): وإذا تَهَايأ فلاَّحوا القريةِ الأرضَ، وزرعَ كلُّ واحدٍ منهم حِصَّتَه فالزرعُ له، ولربِّ الأرضِ نصيبُه، إلا أنَّ مَنْ نزلَ من نصيبِ مالِكِه، فله أَخْذُ أُجْرَةِ القصيلة(2) أو مُقَاسَمَتُها، وأجرةُ وكيلِ القِرَى والأمينِ لحفظِ الزرعِ على المالك والفلاحِ، كسائر الأملاكِ، فإذا أخذوا من الفلاح بِقَدرها عليه، أو ما يستحقُّه الضيفُ حَلَّ لهم، وإن لم يأخُذِ الوكيلُ لنفسِه إلا قَدْرَ أُجرةِ عملِه بالمعروف والزيادةُ يأخذُها المُقْطِعُ، فالمُقْطِعُ هو الذي ظَلَم الفلاحين، والوقفُ جائزٌ على جهةٍ واحدةٍ لا تُقْسَمُ عينُه اتِّفاقاً، والله أعلم ا هـ.
قال في المقنع: ويُعَدِّلُ القاسمُ السِّهامَ بالأجزاءِ إن كانت متساويةً، وبالقيمةِ إن كانت مختلفةً، وبالرَّدِّ إن كانت تقتضيه، وقال أيضاً: فإن ادَّعى بعضُهم غَلَطاً فيما تقاسَموه بأنفسهم وأَشْهَدوا على تراضِيهم به لم يُلْتَفَتْ إليه، وإن كان فيما قَسَمَهُ قاسِمُ الحاكمِ فعلى المدَّعِي البينةُ، وإلا فالقولُ قولُ المُنْكِرِ مع يمينِه.
* قال في المقنع: وإن كان لكلِّ واحدٍ منهما بيِّنةٌ حَكَمَ بها للمُدَّعِي في ظاهر المذهب، وعنه إن شَهِدَتْ بيِّنةُ المدَّعَى عليه أنها لـه نُتِجَتْ في مِلْكِهِ ،أو قَطِيعةٌ مِنَ الإمامِ قُدِّمَتْ بيِّنتُه، وإلا فهي للمُدَّعِي بيِّنَتِه ا هـ. =
(1) ص602. | ||
(2) القَصِيلَةُ: يقال قصل الدابة إذا تلفها قصيلاً، والقصيل: ما يقتصل أي يؤخذ من الزرع وهو أخضر. |
=قال في الاختيارات(1): ومَنْ بيدِه عَقَارٌ فادَّعَى رجلٌ بثبوتِه عند الحاكم، أنه كان لجَدِّه إلى موتِه، ثم إلى ورثتِه، ولم يَثْبُتْ أنه مُخَلَّفٌ عن مُوَرِّثِه، لا يُنْزَعُ منه بذلك، لأن أَصْلَيْنِ تعارضا وأسبابُ انتقالِه أكثرُ من الإرْثِ، ولم تَجْرِ العادةُ بسكوتِهم المدَّةَ الطويلةَ، ولو فُتح هذا البابُ لانْتُزِعَ كثيرٌ من عَقَارِ الناسِ بهذا الطريقِ.
وقال أيضاً(2): وإذا تَداعَيا بهيمةً أو فصيلاً فشهدَ القائفُ أن دابَّةَ هذا تُنْتِجُهَا، ينبغي أن يَقضي بهذه الشهادة وتُقَدَّمُ على اليدِ الحسِّيةِ، ويتوجَّه أن يَحْكُمَ بالقِيَافَةِ في الأمور كلِّها كما حكمنا بذلك في الجِذْعِ المَقْلوعِ إذا كان لـه موضعٌ في الدار، وكما حَكَمْنا في الاشتراك في اليدِ الحِسِّيةِ بما يظهر من اليد العُرفيةِ، فأعطينا كلَّ واحدٍ من الزوجين ما يناسبه في العادة، وكلَّ واحدٍ من الصانِعَيْنِ ما يناسبُه، وكما حكمنا بالوَصْفِ في اللُّقَطَةِ إذا تداعَاها اثنانِ، وهـذا نوعُ قِيافةٍ أو شبيه به، وكذلك لو تنازعا غِراساً أو ثمراً في أيديهما، فشَهد أهلُ الخبرة أنه من هذا البستان، ويُرجَعُ إلى أهلِ الخِبْرةِ حيثَ يَستوي المتداعيانِ، كما يُرجَع إلى أهل الخبرة بالنَّسَبِ، وكذلك لو تنازع اثنان لباساً أو نعلاً من لباسِ أحدِهما دون الآخرِ، أو تنازعا دابةً تذهبُ من بعيدٍ إلى اصْطَبْلِ أحدِهما دون الآخرِ، أو تنازعا زوجَ خُفٍّ أو مصراعَ بابٍِ مع الآخر شَكْلُه، أو كان عليه علامةٌ لأحدِهما كالزُّرْبُولِ التي للجُنْدِ، وسواء كان المدَّعَى في أيديهما أو في يدِ ثالثٍ، وأما إن كانت اليدُ لأحدِهما دون الآخر، فالقِيافةُ المعارضةُ لهذا كالقِيافةِ المعارضةِ للفِرَاشِ، فإذا قلنا بالقِيافةِ في صورة الرُّجْحَانِ، فقد نقولُ ههنا كذلك، ومثل أن يدَّعي أنه ذهبَ من مالِه شيءٌ ويثبت ذلك، فَيَقُصُّ القائفُ أَثَرَ الوَطْءِ من مكانٍ إلى آخر، فشهادةُ القائف أن المالَ دخلَ إلى هذا الموضعِ توجبُ أحدَ الأمرين، إما الحُكمُ به، وإما أن يكون لَوثاً فيحكمُ به مع اليمين للمُدَّعِي وهو الأقــرب، فإن هذه الأمارة ترجِّحُ جانبَ المدَّعِي، واليمنُ مشروعةٌ في أقوى الجانبين ا هـ.
(1) ص 583، 584. | ||
(2) الاختيارات الفقهية ص 478، 479، 480. |
* قال الخرقي: ومن لزمتْه الشهادةُ فعليه أن يقومَ بها على القريبِ والبعيدِ لا يسعُه التخلُّف عن إقامتِها وهو قادرٌ على ذلك.
قال في الاختيارات(1): الشهادةُ سببٌ موجِبٌ للحق، وحيثُ امتنعَ أداءُ الشهادةِ امتنعت كتابتُها في ظاهر كلام أبي العباس والشيخ أبي محمد المقدسي، ولو كان بيد إنسان شيءٌ لا يستحقُّه، ولا يصلُ إلى من يستحقّه بشهادتهم [لم يلزم أداؤها]، وإذا وصل إلى مُستحقِّه بشهادتهم لزم أداؤُها، والطلبُ العُرفي أو مقتضى الحال في طلب الشهادة كاللَّفْظي، عَلِمَها المشهودُ له أو لا، وهـو ظاهرُ الخبر، وخبر: "لا يَشْهَدُ ولا يُسْتَشْهَد"(2) محمولٌ على شهــادة الــزور، وإذا أدَّى الآدميُّ شهادةً قبل الطلبِ قام بالواجب، وكان أفضلَ، كمن عنده أمانةٌ أداها عند الحاجة، والمسألة تُشبه =
(1) ص606-607. | ||
(2) أخرجه البخاري في صحيحه بلفظ مقارب من رواية عمران بن حُصين عن النبي ﷺ (ويشهدون ولا يُسْتَشْهَدون) في: باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، من كتاب الشهادات 3/224، والإمام أحمد في: المسند 4/426، 427، 436، 440، والبيهقي في: باب الوفاء بالنذر، من كتاب النذور، السنن الكبرى 8/74. |
=الخــلافَ في الحُكم قبلَ الطلب، وإذا غَلب على ظنِّ الشاهدِ أنه يُمْتَحَـنُ فيُدعَى إلى القول المخالفِ للكتابِ والسنةِ أو إلى محرَّم، فلا يسوغُ له أداءُ الشهادةِ وفاقاً، اللهم إلا أن يُظهر قولاً يريد به مصلحةً عظيمةً، ويشهدُ بالاستفاضةِ ولو عن أحدٍ تَسكنُ نفسُه إليه، اختاره الجدُّ. انتهى ملخصاً.
وقال أيضاً: ولا يعتبرُ في أداءِ الشهادةِ [قولُ الشاهد:] وأن الدَّينَ باقٍ في ذمةِ الغريم إلى الآن بل يَحكمُ الحاكمُ باستصحابِ الحال إذا ثبتَ عنده سبقُ الحقِ إجماعاً.
فائدة: قال في المقنع: وإذا مات رجلٌ فادَّعى آخرُ أنه وارثُه، فشهدَ لـه شاهدان أنه وارثُه لا يعلمان لـه وارثاً سواه يسلَّم المالُ إليه، سواء كانا من أهلِ الخبرةِ الباطنةِ أو لم يكونا، وإن قالا: لا نعرفُ غيرَه في هذا البلدِ احْتَمَلَ أن يُسلَّمَ المالُ إليه، واحتملَ أن لا يسلَّمَ إليه، حتى يَسْتَكْشِفَ القاضي عن خبرِه في البلدانِ التي سافر إليها ا هـ.
* قولـه: ( ويذكرُ ما يُعتبر للحُكم ويختلفُ به في الكُلِّ) قال في الاختيارات: ويُعَرِّضُ في الشهادةِ إذا خافَ الشاهدُ من إظهارِ الباطنِ ظلمَ المشهودِ عليه، وكذلك التعرضُ في الحُكْمِ إذا خاف الحاكمُ من إظهارِ الأمرِ وقوعَ الظلمِ، وكذلك التعريضُ في الفَتْوَى، والروايةُ كاليمينِ وأَوْلَى، إذ اليمينُ خَبَرٌ وزيادةٌ ا هـ.
* قال في المقنع: ولا يُعتَبرُ في الشهادةِ الحريةُ، بل تجوز شهادةُ العبدِ في كلِّ شيءٍ إلا في الحدودِ والقِصَاصِ على إحدى الروايتين، وتقبلُ شهادةُ الأَمَةِ فيما تجوزُ فيه شهادةُ النساءِ، وتجوز شهادةُ الأصمِّ على ما يراه وعلى المسموعاتِ التي كانت قبل صَمَمِهِ، وتجوز شهادةُ الأعمى في المسموعاتِ إذا تيقَّن الصوتَ وبالاستفاضةِ، وتجوز في المرئياتِ التي تَحمَّلها قبل العَمَى، إذا عَرَفَ الفاعلَ باسمِه ونسبِه.
قال في الاختيارات(1): ولـه أصولٌ منها: قبولُ شهادةِ أهلِ الذمَّةِ في الوَصيَّةِ، وشهادةُ النساءِ فيما لا يَطَّلِعُ عليه الرجالُ، وشهادةُ الصِّبيانِ فيما لا يطَّلعُ عليه الرجالُ، ويَظهرُ ذلك بالمحتضر في السفر إذا حَضَره اثنانِ كافرانِ واثنانِ مسلمانِ يَصْدُقَانِ وليسا بملازمين للحُدودِ، أو اثنان مُبْتَدِعانِ، فهذان خيرٌ من الكافَرين، إلى=
(1) ص 610، 611، 613، 614، 615. |
=أن قال: وتُقبلُ شهادةُ الكافرِ على المسلم في الوصيَّةِ في السفـر إذا لـم يـوجـد غيرُه، وهو مذهبُ أحمد، ولا تُعتَبرُ عدالتُهم في دِينهم، وصرَّح به القاضي، واستحلافُهم حقٌّ للمشهود عليه، فإن شاء حَلَّفهم، وإن شاء لم يُحلِّفْهم بسبب حقِّ الله، ولو حَكَمَ حاكمٌ بخلافِ آيةِ الوصَّيةِ يُنقَضُ حُكمُه، فإنه خالفَ نصَّ الكتابِ بتأويلاتٍ سَمِجَةٍ.
وقول أحمد:
أَقْبَلُ شهادةَ أهلِ الذمةِ إذا كانوا في سَفَرٍ ليس فيه غيرُهم، هذه ضرورةٌ يقتضي هذا التعليلُ قبولها في كل ضرورةٍ حَضَراً وسَفَراً، وصيةً وغيرَها، وهو مُتَّجِهٌ، كما تقبلُ شهادةُ النساءِ في الحدودِ إذا اجتمعْنَ في العُرْسِ والحمَّامِ، ونصَّ عليه أحمدُ في روايةِ بكرِ بنِ محمدٍ عن أبيه، إلى أن قال: وإذا قبلنا شهادةَ الكفارِ في الوصيَّةِ في السفرِ، فلا يُعتبَرُ كونُهم من أهل الكتابِ، وهو ظاهرُ القرآنِ، وتقبلُ شهادةُ أهلِ الذمةِ بعضِهم على بعضٍ، وهو رواية عن أحمدَ اختارها أبو الخطابِ في انتصاره، ومذهبُ أبي حنيفة وجماعةٍ من العلماء، ولو قيل: إنهم يَحلِفُون مع شهادةِ بعضِهم على بعض كما يَحلِفُون في شهادتِهم على المسلمين في وصية السفر لكان متوجِّهاً. ا هـ.
قال في الاختيارات(1): والشروط التي في القرآن إنما هي في استشهاد التحمُّل لا الأداء، وينبغي أن نقولَ في الشهود ما نقولُ في المحدِّثين، وهو أنه من الشهودِ مَنْ تقبلُ شهادتُه في نوعٍ دون نوعٍ، أو شخصٍ دون شخصٍ، كما أن المحدِّّثين كذلك، ونبأُ الفاسقِ ليس بمردودٍ، بل هو موجِبٌ للتبيُّنِ عند خَبَرِ الفاسقِ الواحد، أما إذا علم أنهما لم يتواطآ، فهذا قد يَحْصُلُ [به] العلم، وتُرَدُّ الشهادةُ بالكِذْبَةِ الواحدةِ، وإن لم نَقُلْ: هي كبيرةٌ، وهو روايةٌ عـن أحمدَ، ومن شهد عـلـى إقرارِ كذبٍ مـــع=
(1) ص 611، 612، 615. |
=عِلْمِه بالحالِ، أو تَكرَّر مــنه النظرُ إلـى الأجنبياتِ، والقعودُ لـه بلا حجةٍ شرعيةٍ قَدَحَ ذلك في عدالتِه، ولا يستريبُ أحدٌ فيمن صلَّى مُحْدِثاً، أو إلى غير القِبْلَةِ، أو بعدَ الوقتِ، أو بلا قراءةٍ، أنه كبيرةٌ، ويَحْرُمُ اللعبُ بالشِّطْرَنْجِ، وهو قولُ أحمدَ وغيره من العلماء، كما لو كان بِعِوَضٍ، أو تَضَمَّن تَرْكَ واجبٍ، أو فِعْلَ مُحرَّمٍ إجماعاً، وهو شرٌّ من النَّرْدِ، وقاله مالك. ومن ترك الجماعةَ فليس عدلاً، ولو قلنا: هي سُنَّةٌ، إلى أن قال: وتُقبلُ شهادةُ البدويِّ على القَرَوِيِّ في الوصيةِ في السفرِ، وهو أخصُّ من قولِ مَنْ قَبِلَ مُطلَقاً أو مَنَعَ مُطلقاً، وعلَّل القاضي وغيرُه مَنْعَ شهادةِ البَدَويِّ على القَرَوِيِّ، أن العادةَ أن القرويَّ إنما يشهد على أهلِ القريةِ دون أهلِ البادية ،قال أبو العباس: فــإذا كــان البدويُّ قاطناً مع المدَّعين في القرية قُبِلَتْ شهادتُه، لزوال هذا المعنى، فيكون قــولاً آخرَ في المسألةِ مفصَّلاً.
وقال أبو العباس(1) في قوم أَجَّروا شيئاً: لا تُقبلُ شهادةُ أحدٍ منهم على المستأجِر، لأنهم وكلاءُ أو أولياءُ ا هـ.
* قولـه: "ولا عدوٌّ على عدوِّه"، هذا قول أكثر أهل العلم، وقال أبو حنيفة: لا تَمْنَعُ العداوةُ الشهادةَ، لأنها لا تُخِلُّ بالعدالةِ فلا تَمْنَعُ الشهادةَ، كالصداقةِ لا تمنعُ الشهادة لـه. =
(1) الاختيارات الفقهية ص 616. |
=قال في الفروع: ويعتبرُ كونُها لغير الله مَوْروثةً أو مُكْتَسَبَةً، وفي الترغيبِ ظاهرُه بحيث يعلمُ أن كُلاً منهما يُسَرُّ بِمَسَاءَةِ الآخَرِ، ويَغْتَمُّ بفرحِه، ويَطْلُبُ له الشَرَّ، قال في الفنون: واعتبرتُ الأخلاقَ، فإذا أشدُّها وبالاً على صاحبِه الحسدُ، وقال ابن الجوزي: الإنسانُ مجبولٌ على حُبِّ الترفعِ على جِنْسِه، وإنما يَتَوجَّه الذمُّ إلى من عَمِلَ بمقتضَى التسخُّطِ على القَدَرِ، أو يَنْتَصِبُ لذمِّ المحسودِ، بل ينبغي لـه أن يَكرَهَ ذلك من نَفْسِه.
قال شيخُنا: عليه أن يستعمل معه الصبرَ والتَّقْوَى، فيَكْرَهُ ذلك من نفسِه ويستعملُ معه ذلك، وذكر عند ذلك قول الحسن: لا يَضُرُّكَ ما لم تُعْدِ به يداً أو لساناً، قال: وكثيرٌ ممن لـه دِينٌ لا يُعِينُ من ظَلَمَهُ، ولا يقومُ بما يجب من حقِّه، بل إذا ذمَّه أحدٌ لم يوافقْه، ولا يذكرُ محامِدَهُ بل يسكتُ عند مَدْحِه، وهذا عندهم مذنبٌ في تَرْكِ المأمور لا مُعْتَدٍ، وإنما هو مُفَرِّطٌ في عدم القيامِ بحقِّه، وأما من اعتدى بقولٍ أو فعلٍ فذاك يُعاقَبُ، ومن اتَّقَى وصبرَ نفعَهُ اللهُ بتقواه، كما جرى لزينبَ بنتِ جَحْشِ، وفي الحديثِ: (ثـلاثٌ لا ينجو منهنَّ أحدٌ: الحسدُ والظَّنُّ والطِّيرَةُ، وسأحدِّثكم بالمَخْرَجِ من ذلك: إذا حَسَدْتَ فلا تَبْغِ، وإذا ظَنَنْتَ فلا تُحقِّقْ، وإذا تَطَيَّرْتَ فامضِ) اهـ.
قال في الاختيارات(1): والواجبُ في العَدوِّ والصديقِ ونحوِهما أنه إنْ عَلِمَ منهما العدالةَ الحقيقيةَ قُبلتْ شهادتُهما، وأما إن كانت عدالتهُما ظاهرةً مع إمكانِ أن يكونَ الباطلُ بخلافِه لم تُقْبَلْ، ويتوجَّه مثلُ هذا في الأبِ ونحوه انتهى.
وقال أيضاً: والعَدْلُ في كل مكانٍ وزمانٍ وطائفةٍ بحسَبِها، فيكون الشهيدُ في كلِّ قومٍ من كان ذا عدلٍ فيهم، وإن كان لو كان في غيرهم لكان عَدْلُه على وجهٍ آخر، وبهذا يمكن الحُكْمُ بين الناسِ، وإلا فلو اعتُبِر في شهودِ كُلِّ طائفةٍ أن لا يَشْهَدَ عليهم إلا من كان قائماً بأداء الواجباتِ وتَرْكِ المُحرَّماتِ - كما كان الصحابةُ - لبَطَلَت الشهاداتُ كلُّها أو غالبُها ا هـ.
(1) ص 610- 615. |
* قولــه: (وما ليس بعقوبةٍ)، عبارةُ الدليلِ: الثالثُ: القَوَدُ والإِعْسَارُ وما يُوجِبُ الحدَّ والتعزيرَ فلابدَّ من رجلين، ومثلُه النكاحُ إلى آخره.
قال في الاختيارات:
ويَعتَبرُ شهادةَ الإعسارِ بعد اليسارِ ثلاثةٌ، وفي حِلِّ المَسْألةِ، وفي دَفْعِ الغُرَماءِ، وكلامُ القاضي يدلُّ عليه ا هـ.
قال في الاختيارات(1): قصةُ أبي قَتَادَةَ وخُزَيْمَةَ تقتضي الحُكْمَ بالشاهدِ في الأموال. وقال القاضي في التَّعليقِ: الحُكْمُ بالشاهدِ الواحدِ غيرُ ممتنعٍ، كما قاله المخالفُ في الهلالِ في الغَيْمِ وفي القابلةِ، عــلى أنَّا لا نعــرفُ الروايةَ بمنعِ الجواز، قال أبو العباس: وقد يقال: اليمينُ مع الشاهدِ الواحدِ حق للمستَحلِفِ وللإمام، فله أن يُسْقِطَها، وهذا أحسنُ إلى أن قال: ولو قيل: إنه يَحكمُ بشهـادةِ امرأةٍ واحدة مع يمينِ الطالبِ في الأموالِ لكان متوجِّهاً، لأنهما أُقيما مَقَامَ الرجلِ في التَحمُّلِ، وتثبتُ الوكالةُ ولو في غير المالِ بشاهدٍ ويمينٍ، وهو رواية عن أحمد، والإقرارُ بالشهادة بمنزلةِ الشهادةِ بدليلِ الأَمَةِ السوداءِ في الرَّضاعِ، فإن عُقْبَةَ بنَ الحارثِ أخبرَ النبيَّ ﷺ أنَّ المرأة أَخبرتْه أنها أَرضعتْهما، فنهاه عنها من غير سماع المرأة(2) . وقد احتجَّ به الأصحابُ في قَبُـولِ شهادةِ المرأةِ الواحدةِ في الرَّضاعِ، فـلـولا أن الإقرارَ بالشهـادةِ بمنـزلةِ=
(1) ص 619- 621. | ||
(2) أخرجه البخاري في: باب تفسير المشبهات، من كتاب البيوع 3/70، وفي: باب شهادة المرضعة، من كتاب النكاح 7/13، والترمذي في: باب ما جاء في شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، من كتاب الرضاع، عارضة الأحوذي 5/94. |
=الشهادةِ ما صحَّتِ الحُجَّةُ، ويؤيدُه أن الإقرارَ بحُكمِ الحاكمِ بالعَقْدِ الفاسدِ يَسوغُ للحاكمِ الثاني أن يُنفِذَه مع مُخالفَتِه لمذهبِه ا هـ.
قال في المغني(1): إذا ادَّعَى رجلٌ على رجلٍ أنه سَرَقَ نِصَاباً من حِرْزِهِ، وأقامَ بذلك شاهداً وحَلَفَ معه، أو شَهِدَ له رجلٌ وامرأتانِ، وَجَبَ له المالُ المشهودُ به إن كان باقياً أو قيمتُه إن كان تالفاً، ولا يجبُ القَطْعُ؛ لأن هذه حُجَّةٌ في المال دون القَطْعِ، وإن ادَّعى على رجلٍ أنه قَتَلَ وَليَّه عَمْداً، فأقامَ شاهداً وامرأتينِ، أو حَلَفَ مع شاهِدِه، لم يَثْبُتْ قِصاصٌ ولا دِيَةٌ، والفرقُ بين المسألتينِ أنَّ السرقةَ تُوجِبُ القَطْعَ والغُرْمَ معاً، فإذا لم يَثْبُتْ أحدُهما ثَبَتَ الآخَرُ، والقَتْلُ العَمْدُ مُوجَبُه القِصاصُ عَيْناً في إحدى الروايتين، والدِّيَةُ بَدَلٌ عنه، ولا يجبُ البَدَلُ ما لم يُـوجَبِ المبدَلُ، وفي الرواية الأخرى: الواجبُ أحدُهما لا بعَيْنِه، فلا يجوزُ أن يتعيَّن أحدُهما إلا بالاختيارِ أو التعذُّرِ ولم يوجَدْ واحدٌ منهما.
وقال ابنُ أبي موسى: لا يجبُ المالُ في السرقةِ أيضاً إلا بشاهِدَين؛ لأنها شهادةٌ على فعلٍ يوجِبُ الحدَّ والمالَ، فإذا بَطَلَتْ في إحداهُما بَطَلَتْ في الأُخرى، والأولُ أَوْلَى لما ذكرناه، إلى أن قال، ولو ادعى رجلٌ على آخرَ أنه سَرَقَ منه وغَصَبَهُ مالاً، فَحَلفَ بالطلاقِ والعَتاقِ ما سرَقَ منه ولا غصَبَهُ فأقام المدَّعِي شاهداً وامرأتينِ شَهِدَا بالسَّرقةِ والغَصْبِ، أو أقام شاهداً وحلَفَ معه، استحقَّ المسروقَ والمغصوبَ؛ لأنه أتى ببيِّنةٍ يَثْبُتُ ذلك بمثلِها، ولم يَثْبُتْ طلاقٌ ولا عَتاقٌ لأن هذه البيِّنةَ حُجَّةٌ في المالِ دون الطَّلاقِ والعَتاقِ.
(1) ج 14/133. |
* قال في الشرح الكبير(2): الشهادةُ على الشهادةِ جائزةٌ بإجماعِ العلماءِ، وبه يقول مالكٌ والشافعيُّ وأصحابُ الرأي. قـال أبـو عبيد: اجتمعـت العلماءُ من أهل=
(1) الاستهلال: صراخ المولود عند الولادة. | ||
(2) المغني ج 14/199. |
=الحجازِ والعراقِ على إمْضاءِ الشهادةِ على الشهادةِ في الأموالِ، ولأن الحاجة داعيةٌ إليها، فإنها لو لم تُقْبَلْ لبَطَلَتِ الشهادةُ على الوُقُوفِ، وما يَتأخرُ إثباتُه عند الحاكمِ ثم يموتُ شُهودُه، وفي ذلك ضَرَرٌ على الناسِ، ومَشَقَّةٌ شديدةٌ، فوجَبَ أن تُقْبَلَ كشهادةِ الأصْلِ.
قال الشارح: تُقبَلُ في المالِ وما يُقْصَدُ به المالُ [بإجماعٍ]، كما ذكر أبو عُبيدٍ، ولا تُقبَلُ في حَدٍّ، وهذا قول الشَّعْبيِّ والنَّخَعيِّ وأبي حنيفة، وقال مالكٌ والشافعيُّ في قولٍ، وأبو ثَوْرٍ: تُقبَلُ في الحُدودِ وفي كُلِّ حَقٍّ؛ لأن ذلك يَثْبُتُ بشهادةِ الأصل فيَثْبُتُ بالشهادةِ على الشهادةِ، كالمال. ولنا أن الحدودَ مبنيةٌ على السَّتْرِ، والدَّرْءِ بالشُّبُهاتِ، والإسقاطِ بالرجوعِ عن الإقرارِ، إلى أن قال: وظاهرُ كلامِ أحمدَ، أنها لا تُقبَلُ في القِصَاصِ أيضاً، ولا حَدِّ القَذْفِ؛ لأنه قال: إنما تجوزُ في الحقوقِ، أما الدماءُ والحَدُّ فلا، وهذا قولُ أبي حنيفة، وقال مالكٌ والشافعيُّ [وأبو ثَوْرٍ]: تُقبَلُ، وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقيِ؛ لقولـه: في كُلِّ شيءٍ إلا في الحُدودِ، لأنه حقُّ آدميٍّ، لا يسقطُ بالرجوعِ عن الإقرار به، ولا يُسْتَحَبُّ سَتْرُه، فأشْبَه الأموالَ.
قـال في المُقْنِعِ: ومتى رَجَعَ شهودُ المالِ بعد الحُكمِ لزمَهم الضَّمانُ ولم يُنْقَضِ الحكمُ، سواء ما قبلَ القَبْضِ أو بعدَه، وسواء كان المالُ قائماً أو تالفاً، وإن رَجَعَ شهودُ العِتْقِ غَرِمُوا القيمةَ، وإن رجـع شــهودُ الطلاقِ قبــل الدُّخــولِ غَـرِمُوا نصفَ
المسمَّى، وإن كان بعدَه لم يَغْرَمُوا شيئاً، وإن رَجَعَ شهودُ القِصَاصِ أو الحَدِّ قبل الاستيفاءِ لم يُسْتَوفَ، وإن كان بعده وقالوا أخطأنا فعليهم دِيَةُ ما تَلِفَ، ويَتَقسَّطُ الغُرْمُ على عَدَدِهم، فإن رَجَعَ أحدُهم وحدَه غَرِمَ بِقِسْطِه،ـ إلى أن قال ـ: وإذا عَلم الحاكمُ بشاهدِ الزُّور عَزَّره، وطافَ به في المواضعِ التي يَشْتَهِرُ فيها، فيقال: إنا وَجَدْنا هذا شاهِدَ زُورٍ فاجتَنِبُوه . ا هـ. =
=قال في الاختيارات(1):
نقل الشيخُ أبو محمدٍ في الكافي عن أبي الخطَّابِ، أن الشُّهودَ إذا بَانُوا بعد الحُكمِ كافرينَ أو فاسقينَ، وكان المحكومُ به إتلافاً فإنَّ الضَّمانَ عليهم دونَ المزكِّين والحاكمِ، قال: لأنهم فَوَّتُوا الحقَّ على مُستحقِّه بشهادِتهم الباطلةِ. قال أبو العباس: هذا يَنْبَنِي على أن الشاهدَ الصادقَ إذا كان فاسقاً أو مُتَّهماً بحيثُ لا يَحِلُّ للحاكمِ الحكمُ بشَهادتِه، هل يَجوزُ لـه أداءُ الشهادةِ؟ إن جاز لـه أداءُ الشهادةِ بَطَلَ قولُ أبي الخطاب، وإن لم يَجُزْ كان مُتوجِّهاً، لأن شهادتَهم حينئذٍ فعلٌ مُحرَّمٌ، وإن كانوا صادقينَ كالقاذفِ الصادقِ، وإذا جَوَّزْنا للفاسقِ أن يَشْهدَ جَوَّزْنا للمُسْتحِقِّ أن يَسْتَشْهِدَه عند الحاكمِ، ويكتمَ فِسْقَه وإلا فلا، وعلى هذا: فلو امتنعَ الشاهدُ العَدْلُ أن يُؤدِّيَ الشهادةَ إلا بِجُعْلٍ، هل يجوزُ إعطاؤُه الجُعْلَ ؟إن لم نَجْعَلْ ذلك فِسْقاً فعلى ما ذَكَرْنا.
قال صاحبُ المحرَّر(2):
وعنه لا يُنقَضُ الحُكْمُ إذا كانا فاسقَينِ، ويَغْرَمُ الشاهدانِ المالَ؛ لأنهما سببُ الحُكمِ بشهادةٍ ظاهرُها الزُّورُ.
قال أبو العباس: وهذا يُوافِقُ قولَ
أبي الخطَّاب، ولا فَرْقَ إلا في تَسْمِيَةِ ضَمانِهما نَقْضاً، وهذا لا أثرَ لـه، لكنْ أبو الخطابِ يقولُه في الفاسقِ وغيرِ الفاسق، على ما حُكي عنه، وهذه الرواية لا تتوجَّهُ على أصْلِنا إذا قلنا: الجَرحُ المُطْلَقُ لا يَنْقُـضُ، وكان جَرحُ البينةِ مُطْلَقاً، فإنه اجتهادٌ فلا يُنْقَضُ به اجتهادٌ، وروايةُ عدم النَّقْضِ أخذَها القاضي مـن رواية الميموني عن أحمدَ في رجليْنِ شِهِدا ههنا أنهما دَفَنَا فُلاناً بالبصرةِ فقُسِمَ ميراثُه، ثم إن الرجلَ جاء=
(1) الاختيارات الفقهية ص 591. | ||
(2) انظر الاختيارات الفقهية للبعلي ص 592، 593. |
=بَعْدُ وقد تَلِفَ مالُه، فتبيَّنَ للحاكم أنهما شَهِدَا على زُورٍ أيُضَمِّنُهما مالَه؟ قال: نعم، وظاهرُ هذا أنه لم يَنْقُضِ الحُكْمَ، لأنه لم يُغَرِّمِ الورثةَ قيمةَ ما أَتْلفُوه من المالِ بل أَغْرَمَ الشاهدَينِ ولو نَقَضَهُ لأَغْرَمَ الورثةَ.
قال أبو العباس: النقضُ في هذه الصورةِ لا خلافَ فيه، فإنَّ تَبَيُّنَ كَذِبِ الشاهدِ غير تَبَيُّنِ فِسْقِه، فقولُ أحمدَ: إمَّا أن يكونَ ضَماناً في الجملةِ كسائرِ المُتَسَبِّبِينَ، أو يكونَ استقراراً كما دلَّتْ عليه أكثرُ النُّصوِص من أنَّ المعذورَ لا ضمانَ عليه، ولو زكَّى الشُّهودَ ثم ظَهَرَ فِسْقُهم ضَمِنَ المزكُّونَ، وكذلك يجبُ أن يكونَ في الولايةِ لو أراد الإمامُ أن يُولِّيَ قاضياً أو والياً لا يعرفُه، فسألَ عنه فزكَّاه أقوامٌ، ووصَفُوه بما يَصْلُحُ معه للولايةِ، ثم رَجَعُوا أو ظهرَ بُطْلانُ تزكِيَتِهم، فينبغي أن يَضْمَنُوا ما أفسدَه الوالي والقاضي، وكذلك لو أشاروا عليه وأَمَروا بولايتِهِ، لكن الذي لا رَيْبَ في ضَمَانِه من تُعْهَدُ المعصيةُ منه: مثل الخيانةِ أو العَجْزِ، ويُخْبِرُ عنه بخلافِ ذلك، أو يَأْمُرُ بولايتِه، أو يكونُ لا يَعْلَمُ حالَه ويُزكِّيه، أو يُشِيرُ به، فأما إن اعتقدَ صلاحَه وأخطأَ فهذا معذورٌ . أهـ.
* قولـه: (إلا النكاحَ والطَّلاقَ)، قال في المقنع: وهي مشروعةٌ في حَقِّ المُنْكِرِ في كُلِّ حَقٍّ لآدميٍّ.
قال أبو بكر: إلا في النكاحِ والطلاقِ، وقال أبو الخطاب: إلا في تسعةِ أشياءَ: النكاح والرَّجْعَة والطَّلاق والرِّق والوَلاءَ والاستيلاد والنَّـسَب والقَذف= =والقِصَاص. وقال القاضي: في الطلاقِ والقِصاصِ والقَذْفِ روايتانِ، وسائر السِّتةِ لا يستحلفُ، فيها روايةٌ واحدةٌ، إلى أن قال: ولا تُغلَّظ اليمينُ إلا فيما لـه خَطَرٌ كالجِنَاياتِ والعِتَاقِ والطَّلاقِ.
قال في الاختيارات(1): قال أصحابُنا: ومن تَغْليظِ اليمينِ بالمكانِ [ اليمينُ ] عند صَخْرةِ بيتِ المَقْدِسِ، وليس لـه أصلٌ في كلامِ أحمدَ وغيرِه من الأئمة. بل السُّنَّةُ أنْ تُغَلَّظَ اليمينُ فيها كما تُغَلَّظُ في سائرِ المساجدِ عند المنبرِ، إلى أن قال: ومتى قُلْنا: التغليظُ مُسْتَحَبٌّ إذا رآه الحاكمُ مَصْلَحةً، فينبغي أنه إذا امتنعَ منه الخَصْمُ صار ناكِلاً ولا يُحَلَّفُ المدَّعَى عليه بالطَّلاق وِفاقاً، انتهى.
(1) ص 604. |
* قال في الاختيارات(1): وإذا كان الإنسانُ ببلدِ سلطانٍ [ظالمٍ] أو قُطَّاعِ طريقٍ ونحوِهم من الظَّلَمَةِ، فخافَ أن يُؤْخَذَ مالُه، أو المالُ الذي يتركُه لورثتِه، أو المالُ الذي بيدِه للناسِ، إمَّا بحُجَّةِ أنه ميتٌ لا وارثَ لـه، أو بحُجَّةِ أنه مالٌ غائبٌ، أو بلا حُجَّةٍ أصلاً، فيجوزُ له الإقرارُ بما يَدْفَعُ هذا الظُّلْمَ، ويَحْفَظُ هذا المالَ لصاحبِه، مثل أن يُقِرَّ لحاضرٍ أنه ابنُه، أو يُقِرَّ أن لـه عليه كذا وكذا، أو يُقِرَّ أن المالَ الذي بيدِه لفلانٍ، وَيَتَأَوَّلُ في إقرارِه بأنه يعني بقولِه: ابني، كَوْنَه صغيراً، أو بقولـه: أخي،=
(1) ص 622 – 624. |
=أُخُوَّةَ الإسلام، وأن المالَ الذي بيدِه لـه، أي: لأنه قَبَضَهُ لكوني قد وُكِّلْتُه في إيصالِه أيضاً إلى مُسْتَحِقِّه، لكنْ يُشتَرطُ أن يكـونَ المُقَرَّ لـه أميناً، والاحتيــاطُ أن يُشْهِدَ على المُقَرِّ لـه أيضاً أنَّ هذا الإقرارَ تَلْجِئَةٌ.
تفسيره: كذا وكذا، وإن أَقَرَّ من شَكَّ في بلوغِه، وذَكَرَ أنه لم يَبْلُغْ، فالقولُ قولُه بلا يمين، قَطَعَ به في المغني والمحرَّرِ لعَدَمِ تَكْليفِه، ويتوجَّه أنْ يجب عليه اليمينُ؛ لأنه إنْ كان لم يَبْلُغْ لم يَضُرَّه وإن كان قد بَلَغَ حجَزتْهُ فأقرَّ بالحق، نصَّ الإمامُ أحمدُ في روايةِ ابن منصور، إذا قال البائعُ: بِعْتُكَ قبلَ أن أبلغَ.
وقال المُشترِي: بعد بُلوغِك، أن القولَ قولُ المُشترِي، وهكذا يجيءُ في الإقرارِ وسائرِ التَّصَرُّفاتِ [التي يشكُّ فيها]، هل وَقَعَتْ قبلَ البُلوغِ أو بعدَه؟ لأن الأصلَ في العُقودِ الصِّحَّةُ، فإمَّا أن يقال: إن هذا عامٌّ وإمَّا أن يُفَرقَ بين أن يَتيقَّنَ أنه وقتَ التصرفِ كان مَشْكوكاً فيه غيرَ مَحْكومٍ ببُلوغِه أو لا ييقَّن، فإنَّا مع تَيَقُّنِ الشَّكِّ قد تَيقنَّا صُدورَ التصرفِ ممن لم تَثْبُتْ أهليتُه، والأصلُ عدمُها، فقد شَكَّكْنا في شَرْطِ الصِّحَّةِ، وذلك مانعٌ من الصِّحَّةِ، وأما في الحالةِ الأُخرى؛ فإنه يجوزُ صدورُه في حالِ الأَهليةِ، وحالِ عَدَمِها، والظاهرُ صُدورُه وقتَ الأهليةِ، والأصلُ عدمُه قبل وَقْتِها، فالأهليَّةُ هنا مُتيقَّنٌ وجودُها، ثم ذكر أبو العباس: أن مَنْ لم يُقِرَّ بالبُلوغِ تَعَلَّق به حقٌّ مثل إسلامِه بإسلامِ أبيه، أو ثبوتِ الذِّمِّيةِِ لـهُ تبَعاً لأبيه، أو بعد تَصرُّفِ الوليِّ لـه، أو تزويج وليٍّ أَبْعَد منه لمِوَلِيَّةٍ، فهل يَقْبَلُ منه دَعْوَى البُلوغِ حينئذٍ أم لا؟ لثُبوتِ هذه الأحكامِ المُتعلِّقةِ به في الظاهرِ قَبْلَ دَعْواه.
وأشار أبو العباس إلى تخريجِ المسألةِ على الوجهينِ، فيما إذا راجَعَ الرجْعِيَّةَ زوجُها، فقالت: قد انقضَتْ عِدّتي، وشَبيهٌ أيضاً بما إذا ادَّعَى المجهولُ المحكومُ بإسلامِه ظاهراً كاللَّقِيْطِ: الكُـفْرَ بعـد البُلوغِ؛ فإنـه لا يَسْمَعُ منه على الصحيح،= =وكذلك لو تَصَرَّف المحكومُ بحريتِه ظاهراً كاللَّقِيْطِ ثم ادَّعى الرِّقَّ ففي قَبُولِ قولِه خلافٌ معروفٌ. انتهى.
قال في الاختيارات(1):
وإنْ أَقَرَّ المريضُ مَرَضَ الموتِ المخوف لوارثٍ، فَيَحْتمِلُ أنْ يجعلَ إقرارَه لوارثٍ كالشهادةِ، فَتُرَدُّ في حقِّ مَنْ تُرَدُّ شهادتُه له كالأبِ بخلافِ مَنْ لا تُرَدُّ، ثم هل يَحْلِفُ المقرُّ لـه معه كالشاهد؟ وهل تُعْتَبَرُ عدالةُ المُقِرِّ ثلاثُ احتمالاتٍ، وَيحْتَمِلُ أن يُفَرقَ مُطْلَقاً بين العَدْلِ وغيرِه، فإن العَدْلَ معه من الدِّينِ ما يمنعُه من الكذب ونحوه في براءةِ ذمته بخلافِ الفاجرِ، ولو حَلَفَ المُقَرُّ لـه مع هذا تأكَّد؛ فإنَّ في قَبُولِ الإقرارِ مُطْلَقاً فساداً عظيماً، وكذلك في رَدِّهِ مُطلقاً، ويتوجَّه فيمن أَقَرَّ في حقِّ الغير وهو غيرُ مُتَّهَمٍ، كإقرارِ العبدِ بجنايةِ الخَطَأِ، وإقرارِ القاتلِ بجنايةِ الخَطَأِ أنْ يجعلَ المُقِرَّ كشاهدٍ ويَحْلِفَ معه المدَّعِي فيما ثَبَتَ بشاهدٍ آخرَ، كما قلنا في إقرارِ بعضِ الورثةِ بالنَّسَبِ. هذا هو القياسُ والاستحسانُ، إلى أن قال قال في الكافي: وإن أَقَرَّ العبدُ بنكاحٍ أو قِصَاصٍ أو تَعْزيرِ قَذْفٍ، صَحَّ وإن كَذَّبَه الولي.
قال أبو العباس: وهذا في النكاح فيه نظرٌ؛ فإن العبدَ لا يصح نكاحه بدونِ إذنِ سيده، لأن في ثبوت نكاحِ العبد ضرراً عليه، فلا يقبل إلا بتصديق السيد انتهى.
قال في الاختيارات: ومتى ثبت نسب المقَر لـه من المقِر، ثم رجع المقِر وصدَّقه المقَر لـه، هل يقبل رجوعه؟ فيه وجهان. حكاهما في الكافي، قال أبو العباس: إن جُعِل النسبُ فيه حقاً لله تعالى فهو كالحُريَّة، وإن جُعِل حقَّ آدميٍّ فهـو كالمال،=
(1) ص 625، 626. |
=والأشبهُ أنه حقٌّ لآدمي كالولاء، ثم إذا قبل الرجوع عنه فحق الأقارب الثابت من المحرمية ونحوها، هل يزول؟
أو يكون كالإقرار بالرق، تردد نظرُ أبي العباس في ذلك، فأما إن ادعى نسباً، ولم يثبت لعدم تصديق المقر لـه، أو قال: أنا فلان بن فلان، وانتسب إلى غير معروف، أو قال: لا أب لي أو لا نسب لـي، ثــم ادَّعى بعد هذا نسباً آخر، أو ادعى أن لـه أباً فقد ذكر الأصحاب في باب ما علق من النسب: أن الأب إذا اعترفَ بالابن بعد نفيه قبل منه، فكذلك غيره، لأن في هذا النفي والإقرار بمجهول ومنكر لم يثبت به نسب، فيكون إقراره بعد ذلك مقبولاً، كما قلنا فيما إذا أقر بمال لمكذبٍ إذا لم يجعله لبيت المال، فإنه إذا ادَّعى المقر بعد هذا أنه ملكه قبل منه، وإن كان المقر به أرق نفسه فهو كغيره، بناءً على أن الإقرار المكذوب، وجوده كعدمه، وهناك على الوجه الآخر يجعله بمنزلة المال الضائع أو المجهول، فيحكم بالحرية، وبالمال لبيت المال، وهنا يكون بمنزلة مجهول النسب، فيقبل به الإقرار ثباتاً، وسر المسألة: أن الرجوع عن الدعوى مقبولٌ، والرجوع عن الإقرار غير مقبول، والإقرار الذي لم يتعلق به حق لله، ولا لآدمي، هو من باب الدعاوى، فيصح الرجوع عنه، ومن أقر بطفلٍ لـه أمٌّ، فجاءت أمه بعد موت المقر تدعي زوجيته، فالأشبه بكلام أحمد ثبوت الزوجية، فهنا حمل على الصحة، وخالف الأصحاب في ذلك -إلى أن قال-: ومن أنكر زوجية امرأةٍ فأبرأته، ثم أقر بها كان لها أن تطالبه بحقها، ومن أقر -وهو مجهول نسبه وعليه ولاء- بنسب وارث حيٍّ أخ أو عم، فصدقه المقر لـه، وأمكَنَ قُبِل، صدَّقَه المولى أوْ لا، وهو قول أبي حنيفة، وذكره الجدُّ تخريجاً.
* قال في الاختيارات: وكلُّ صِلةِ كلام مغَيِّرةٌ لـه ـ الاستثناء وغيره ـ المقارن فيها متواصل(1)، والإقرار مع الاستدراك متواصل، وهو أحد القولين، ولو قال في الطلاق: إنه سبق لسانه لكان كذلك، ويحتمـل أن يقبل الاضراب المتصل، إلى أن=
(1) العبارة في الاختيارات الفقهية ص 629 على الشكل التالي: وكل صلة كلام معتبر له للاستثناء، وغير المتقارب فيها متواصل |
=قال: وقياس المذهب فيما إذا قال: أنا مقرٌّ في جواب الدعوى ،أن يكون مقِراً بالمدَّعى به، لأن القول ما في الدعوى، كما قلنا في قوله: قبلت، أن القبول ينصرف إلى الإيجاب لا إلى شيء آخر، وهو وجه في المذهب، وأما إذا قال: لا أنكر ما تدعيه فبين الإنكار والإقرار مرتبة وهي السكوت، ولو قال الرجل: أنا لا أكذِّبُ فلاناً لم يكن مصدِّقاً لـه، فالمتوجه أنه مجرد نفي للإنكار إن لم ينضم إليه قرينةٌ بأن يكون المدَّعَى به مما يعلمه المطلوب، وقد ادَّعى عليه علمه، وإلا لم يكن إقراراً. حكى صاحب الكافي عن القاضي: أنه قال فيما إذا قال المدعي: لي عليك ألف، فقال المدعي عليه: قضيتك منها مائة، أنه ليس بإقرار، لأن المائــة قــد دفعها بقولـه، والباقي لم يقر به، وقوله: "منها" يحتمل ما تدعيه.
قال أبو العباس:
هذا يخرج على أحد الوجهين في: أبرأتها، وأخذتها، وقبضتها، مقر هنا بالألف؛ لأن الهاء ترجع إلى المذكور، ويتحرج أن يكون مقراً بالمائة على رواية في قوله: "كان لـه عليَّ وقضيتُه"، ثم هل يكون مقراً بها وحدها أو بالجميع على ما تقدم؟
والصواب في الإقرار المعلق بشرط: أن نفس الإقرار لا يتعلق، وإنما يتعلق المقَر به، لأن المقَر به قد يكون معلقاً بسبب قد يوجبه، أو يوجب أداءه دليلٌ يظهره، فالأول كما لو قال مقر إذا قدم زيدٌ فعليَّ لفلان ألف، صح.
وكذلك إن قال: إن رد عبده الآبق، فله ألف، ثم أَقَرَّ بها، فقال: إن ردَّ عبده الآبق فله ألفٌ، صح، وكذلك الإقرار بعوض الخلع، لـو قـالت: إن طلَّقـني، أو إن عفـا عـني، فلـه عنـدي ألـفٌ، صـح، وأما التعليق بالشهـادةِ، فـقـد=
=يُشْبِهُ التَّحكيم، وإن قال: إن حكمتَ عليَّ بكذا التزمته، لزمــه عنــدنا، فلــذلك قد يرضى بشهادته، وهو في الحقيقة التزام وتزكية للشاهد، ورضــي بشهادة واحد، وإذا أقر العامي بمضمون محض، وادعى عــدم العلم بدلالة اللفظ ومثله يجهله، قُبِل منه على المذهب.
قال في الاختيارات(1): ومن أقر بقبض ثمنٍ أو غيره ثمَّ أنكر، وقال: ما قبضت، وسأل إحلاف خصمه، فله ذلك في أصح قولي العلماء، ولا يُشترط في صحة الإقرار كون المقَر به بيد المُقِرِّ.
قال في الاختيارات(2): وإذا أقَرَّ لغيره بعين لـه فيها حَقٌّ، لا يثبت إلا برضى المالك كالرهن والإجارة ولا بينة، قال الأصحاب:لم يقبـل، ويتوجــه أن يكون القولُ قولـه، لأنَّ الإقرار ما تضَمن ما يوجب تسليم العين أو المنفعة، فما أقر بما يوجب التسليم، كما في قولـه: كان عليَّ ألف وقضيته، ولأنا نُجَوِّزُ مثل هذا الاستثناء في الإنشاءات في البيع ونحوه، فكذلك في الإقرارات، والقرآن يدل على ذلك في آية الدين، وكذا لو أقر بفعل فعله، وادَّعى إذن المالك، والاستثناء يمنع دخول المستثنى في اللفظ؛ لأنه يخرجه بعد ما دخل في الأصح.
(1) ص628. | ||
(2) ص630- 631 . |
* قال القاضي:
ظاهر كلام أحمد جوازُ استثنـاء النصف، لأن أبا منصـور روى عن أحمد إذا قال: كان لك عندي مائة دينار، فقضيتك منها خمسين، وليس بنيهما بينة فالقول قولـه.
قال أبو العباس: ليس هذا من الاستثناء المختلف فيه، فإن قوله: قضيتك ستين مثل خمسين.
قال في المقنع: وإن قال لـه علي دراهم كثيرة قبل تفسيرها بثلاثة فصاعداً، وإن قال لـه علي كذا دراهم أو كذا وكذا أو كذا وكذا درهم بالرفع لزمه درهم، وإن قال بالخفض لزمه بعض درهم يرجع في تفسيره إليه، وإن قــال كــذا درهماً بالنصب لزمه درهم، وإن قال كذا وكذا درهماً بالنصب، فقال ابن حامد يلزمه درهم، وقال أبوالحسن التميمي يلزمه درهمان ا هـ. =
=قال في الاختيارات(1): قال أبو حنيفة: إذا قال: عليَّ كذا وكذا درهماً لزمه أحد عشر درهماً، وإن قال: كذا وكذا درهماً لزمه إحدى وعشرون درهماً، وإن قال: كذا درهم لزمه عشرون، وما قال أبو حنيفة أقرب مما قاله أصحابُنا، فإن أصحابَنا بنوه على أن "كذا وكذا" تأكيدٌ، وهو خلاف الظاهر المعروف، وإن الدرهم مثل الترجمة لهما، وهـــذا يقتضي الرفـــع لا النصب، ثم هـــو خلاف لغةِ العربِ، وأيضاً لو أراد درهماً لما كـــان في قـــولــه: "كــذا وكــذا درهماً" فائدةٌ بل يكفيه أن يقول: درهم ا هـ.
قال في الاختيارات(2): والواجب أن يفرق بين الشيئين اللذين يتصل أحدهما بالآخر عادة، كالقِراب في السيف، والخاتم في الفص، لأن ذلك إقرار بهما، وكذلك الزيتُ في الزِّقِ، والتمرُ في الجرابِ، ولو قال: غصبته ثوباً في منديل، أو أخذت منه ثوباً في منديل، كان إقراراً بهما، لا: له عندي ثوب في منديل، فإنه إقرار بالثوب خاصة، وهو قول أبي حنيفة، وإذا قال:"لـه عليَّ من درهم إلى عشرة" أو "ما بين الدرهم إلى العشرة"، فلهذا أوجه، أحدها يلزمه تسعة، وثانيها عشرة، وثالثها ثمانية، والذي ينبغي: أن يجمع بين الطرفين من الأعداد، فإذا قال: من واحد إلى عشرة لزمه خمسة وخمسون؛ إن أدخلنا الطرفين، وخمسة وأربعون إن أدخلنا المبتدأ فقط، وأربــعـــة وأربعـــون، إن أخرجناهما، ويعتبر في الإقــرار عُـــرف المتكلم فيحمل مطلق كلامه على أقل محتملاته، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليماً.
"فائدة جامعة" قال الشوكاني في الدرر البهية: ومن أقرَّ بشيء بالغاً عاقلاً غير هازل ولا بمحال عقلاً أو عادة لزمه ما أقر به كائناً ما كان وبالله التوفيق.
(1) ص 632- 633. | ||
(2) ص633-634 |